فصل: فَصْلٌ: في أنواع كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: في أنواع كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ:

(وَالْكِنَايَاتُ فِي الطَّلَاقِ نَوْعَانِ ظَاهِرَةٌ) وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةُ لِلْبَيْنُونَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الطَّلَاقِ فِيهَا أَظْهَرُ (وَهِيَ) أَيْ الْكِنَايَاتُ الظَّاهِرَةُ (سِتَّ عَشْرَةَ) كِنَايَةٍ (أَنْتِ خَلِيَّةٌ) هِيَ فِي الْأَصْلِ النَّاقَةُ تُطْلَقُ مِنْ عِقَالِهَا وَيُخْلَى عَنْهَا وَيُقَالُ لِلْمَرْأَةِ خَلِيَّةٌ كِنَايَةً عَنْ الطَّلَاقِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَجَعَلَ أَبُو جَعْفَرٍ مُخَلَّاةً كَخَلِيَّةٍ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَبَرِيئَةٌ) بِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ (وَبَائِنٌ) أَيْ مُنْفَصِلَةٌ (وَبَتَّةٌ) أَيْ مَقْطُوعَةٌ (وَبَتْلَةٌ) أَيْ مُنْقَطِعَةٌ وَسُمِّيَتْ مَرْيَمُ الْبَتُولُ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ النِّكَاحِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَأَنْتِ حُرَّةٌ) لِأَنَّ الْحُرَّةَ هِيَ الَّتِي لَا رِقَّ عَلَيْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحِ رِقٌّ.
وَفِي الْخَبَرِ «فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ» أَيْ أُسَرَاءُ وَالزَّوْجُ لَيْسَ لَهُ عَلَى الزَّوْجَةِ إلَّا رِقُّ الزَّوْجِيَّةِ فَإِذَا أَخْبَرَ بِزَوَالِ الرِّقِّ فَهُوَ الرِّقُّ الْمَعْهُودُ وَهُوَ رِقُّ الزَّوْجِيَّةِ (وَأَنْتِ الْحَرَجُ) بِفَتْحِ الْحَاء وَالرَّاء يَعْنِي الْحَرَام وَالْإِثْمُ (وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ) هُوَ مُقَدَّمُ السَّنَامِ أَيْ أَنْتِ مُرْسَلَةٌ غَيْرُ مَشْدُودَةٍ وَلَا مُمْسَكَةٌ بِعَقْدِ النِّكَاحِ (وَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْتِ وَحَلَلْتِ لِلْأَزْوَاجِ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ) السَّبِيلُ الطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّث (وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكِ وَأُعْتِقُكِ وَغَطِّي شَعْرَكَ وَتَقَنَّعِي وَأَمْرُكِ بِيَدِكِ).
(النَّوْعُ الثَّانِي خَفِيَّةٌ) لِأَنَّهَا أَخْفَى فِي الدَّلَالَةِ مِنْ الْأُولَى وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَوْضُوعَةَ لِلطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ مَا لَمْ يَنْوِ أَكْثَر (نَحْو اُخْرُجِي وَاذْهَبِي وَذُوقِي وَتَجَرَّعِي وَخَلَّيْتُك وَأَنْتِ مُخَلَّاةٌ) أَيْ مُطَلَّقَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ خَلَّى سَبِيلِي فَهُوَ مُخَلًّى (وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) أَيْ مُنْفَرِدَةٌ (وَلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ وَاعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي) مِنْ اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ وَيَأْتِي (وَاعْتَزِلِي) أَيْ كُونِي وَحْدَكِ فِي جَانِبٍ (وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ وَلَا حَاجَةَ لِي فِيكِ وَمَا بَقِيَ شَيْءُ وَأَعْفَاكِ اللَّهُ وَاَللَّهُ قَدْ أَرَاحَكِ مِنِّي وَاخْتَارِي وَجَرَى الْقَلَمُ وَكَذَا بِلَفْظِ الْفِرَاق وَالسَّرَاحِ) وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُمَا غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الصَّرِيح (وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ إنَّ اللَّهَ قَدْ طَلَّقَكِ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ وَكَذَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَالَ الشَّيْخُ فِي) رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ أَبْرَأْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: أَبْرَأَك اللَّهُ مِمَّا تَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ فَظَنَّ أَنَّهُ يُبَرَّأُ فَطَلَّقَ قَالَ يَبْرَأُ) مِمَّا تَدَّعِي النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً (فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الثَّلَاثُ) أَيْ إنَّ اللَّهَ قَدْ طَلَّقَكِ وَفَرَّقَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَك فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأَبْرَأكِ اللَّهُ (الْحُكْمُ فِيهَا سَوَاءٌ وَنَظِيرُ ذَلِكَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ بَاعَكِ) فِي إيجَابِ الْبَيْعِ (أَوْ قَدْ أَقَالَكِ) فِي الْإِقَالَةِ (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَإِنَّ اللَّه قَدْ آجَرَكِ أَوْ وَهَبَكِ وَالْبَرَاءَةُ فِيمَا تَقَدَّمَ صَحِيحَةٌ وَلَوْ جَهِلَتْ مَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْهِبَةِ مِنْ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ.
(وَالْكِنَايَةُ وَلَوْ ظَاهِرَةً لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيهِ) لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَمَّا قَصُرَتْ رُتْبَتُهَا عَنْ الصَّرِيحِ وُقِفَ عَمَلُهَا عَلَى نِيَّةِ الطَّلَاقِ تَقْوِيَةً لَهَا وَلِأَنَّهَا لَفْظٌ يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَعْنَى الطَّلَاقِ فَلَا يَتَعَيَّنُ لَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ (بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِلَّفْظِ) أَيْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ مُقَارِنَةً لِلَفْظِ الْكِنَايَةِ فَلَوْ تَلَفَّظَ بِالْكِنَايَةِ غَيْرُنَا وَلِلطَّلَاقِ ثُمَّ نَوَى بِهَا الطَّلَاقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ كَمَا لَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ بِالْغُسْلِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ إنْ تَقَارَنَ أَوَّلُهُ قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَطَعَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فَلَوْ قَارَنَتْ الْجُزْءَ الثَّانِي مِنْ الْكِنَايَةِ دُونَ الْأَوَّلِ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لِأَنَّ مَا بَقِيَ لَا يَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ بَعْدَ إتْيَانه بِالْجُزْءِ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ فَإِنْ وُجِدَتْ فِي أَوَّلِهِ وَعَزَبَتْ عَنْهُ فِي سَائِرِهِ وَقَعَ خِلَافًا لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ.
(أَوْ يَأْتِي) مَعَ الْكِنَايَةِ (بِمَا يَقُومُ مَقَامَ نِيَّةِ) الطَّلَاقِ (كَحَالِ خُصُومَةٍ وَغَضَبٍ وَجَوَابِ سُؤَالِهَا) الطَّلَاقُ (فَيَقَعُ) الطَّلَاقُ مِمَّنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ إذَنْ (وَلَوْ بِلَا نِيَّةٍ) لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ كَالنِّيَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُغَيِّرُ حُكْمَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ يَا عَفِيفَ ابْنَ الْعَفِيفِ حَالَ تَعْظِيمِهِ كَانَ مَدْحًا وَلَوْ قَالَ حَالَ الشَّتْمِ كَانَ ذَمًّا وَقَذْفًا (فَلَوْ ادَّعَى فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ) أَيْ حَالَ الْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ وَسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ (أَنَّهُ مَا أَرَادَ الطَّلَاقَ أَوْ) ادَّعَى أَنَّهُ (أَرَادَ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الطَّلَاقِ (دِينَ) لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ (وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْحَالُ.
(وَيَقَعُ مَعَ النِّيَّةِ بِالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ ثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي وَقَائِعَ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ بِالطَّلَاقِ فَوَقَعَ ثَلَاثًا كَمَا لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا وَإِفْضَاؤُهُ إلَى الْبَيْنُونَةِ ظَاهِرٌ وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُفَرِّقُوا (وَكَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يَكْرَهُ الْفُتْيَا فِي الْكِنَايَاتِ الظَّاهِرَةِ مَعَ مَيْلِهِ أَنَّهَا ثَلَاثٌ وَعَنْهُ يَقَعُ) بِالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ (مَا نَوَاهُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ أَبُو الْخَطَّابِ لِمَا رَوَى «رُكَانَةُ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ» وَفِي لَفْظٍ قَالَ «هُوَ عَلَى مَا أَرَدْتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَالَ لِابْنَةِ الْجَوْنِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ» وَهُوَ لَا يُطَلِّقُ ثَلَاثًا (فَعَلَيْهَا) أَيْ عَلَى رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَقَعُ مَا نَوَاهُ (إنْ لَمْ يَنْوِ) مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ (عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (حُكْمًا) بَيَانُ مَا نَوَاهُ بِالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا بَنَاهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ أَدْرَى بُنَيَّتِهِ وَيَقَعُ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ (وَيَقَعُ ثَلَاثٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ) أَنْتِ (طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَوْ) أَنْتِ (طَالِقٌ بِلَا رَجْعَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ قَالَ فِي الشَّرْح وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ وَصَفَ بِهَا الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ.
(وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ وَاحِدَةً بَتَّةً وَقَعَ رَجْعِيًّا) لِأَنَّهُ وَصَفَ الْوَاحِدَةَ بِغَيْرِ وَصْفِهَا فَأَلْغَى (وَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا وَاحِدَةً يَقَعُ ثَلَاثٌ وَيَقَعُ) بِالْكِنَايَةِ (الْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ) مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْعَدَدِ وَالْخَفِيَّةِ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الظَّاهِرَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ (إلَّا أَنْتِ وَاحِدَةٌ فَيَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا) قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، لِأَنَّ مَعْنَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَنْتِ مُنْفَرِدَةٌ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنْ يَنْوِي بِهَا أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ.
(فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) مَنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ (عَدَدًا وَقَعَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ الْمُطَلَّقَةُ مَدْخُولًا بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ (بَائِنَةٌ) لِأَنَّهَا إنَّمَا تَقْتَضِي التَّرْك كَمَا يَقْتَضِيه صَرِيحُ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءٍ لِلْبَيْنُونَةِ فَوَقَعَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَمَا لَوْ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ.
(وَمَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ نَحْوِ كُلِي وَاشْرَبِي وَاقْعُدِي وَقُومِي وَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَأَنْتِ مَلِيحَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ لَا يَقَع بِهِ طَلَاقٌ وَلَوْ نَوَاهُ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ فَلَوْ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَفَارَقَ ذُوقِي وَتَجَرَّعِي فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} {يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ} بِخِلَافِ كُلْ وَاشْرَبْ قَالَ تَعَالَى {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا}.
(وَكَذَا) قَوْلُهُ (أَنَا طَالِقٌ أَوْ أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ أَوْ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ بَرِيءٌ) فَلَا يَقَع بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَاهُ لِأَنَّهُ مَحِلٌّ لَا يَقَعُ الطَّلَاق بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ مِنْ غَيْر نِيَّةٍ فَلَمْ يَقَعْ، وَإِنْ نَوَى كَالْأَجْنَبِيِّ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ مَالِكٌ فِي النِّكَاحِ وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ فَلَمْ تَقَعْ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِكِ كَالْعِتْقِ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُطَلَّقٌ بِفَتْحِ اللَّامِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ.
(وَإِنْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ مَا أَحَلَّ اللَّه عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ الْحِلُّ عَلَيَّ حَرَامٌ) زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: أَوْ حَرَّمْتُكِ (فَهُوَ ظِهَارٌ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهِ) فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ وَلَا يَكُونُ الطَّلَاقُ كِنَايَةً فِي الظِّهَارِ (وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَلَوْ نَوَاهُ) لِأَنَّ الظِّهَارَ تَشْبِيهٌ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَى التَّأْبِيدِ وَالطَّلَاقُ يُفِيدُ تَحْرِيمًا غَيْرَ مُؤَبَّدٍ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَصِرْ طَلَاقًا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ الْكِنَايَة بِهِ عَنْهُ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ.
وَفِي الْمُبْدِعِ (وَإِنْ قَالَ فِرَاشِي عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَوَى امْرَأَتَهُ فَظِهَارٌ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْحَرَامِ: تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعِينَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا (وَإِنْ نَوَى فِرَاشَهُ) الْحَقِيقِيَّ (فَيَمِينٌ) عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ عِنْدَ الْمُخَالَفَةِ لِمَا يَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ.
(وَ) إنْ قَالَ (مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَعْنِي بِهِ الطَّلَاقَ تَطْلُقُ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ (ثَلَاثًا) لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَرَّفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ مُقْتَضَى الِاسْتِغْرَاقَ (وَإِنْ عُنِيَ بِهِ طَلَاقًا فَوَاحِدَةً) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ وَلَيْسَ هَذَا صَرِيحًا فِي الظِّهَارِ إنَّمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ فَإِذَا بَيَّنَ لَفْظُهُ إرَادَةَ صَرِيحِ الطَّلَاقِ صُرِفَ إلَيْهِ (وَأَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ).
وَفِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ: وَالْخَمْرِ (يَقَعُ مَا نَوَاهُ مِنْ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِيهِ (وَالظِّهَارُ) إذَا نَوَاهُ أَنْ يَقْصِدَ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِهَا لِأَنَّهُ يُشْبِهُهُ (وَالْيَمِينُ) إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ تَرْكَ وَطْئِهَا وَأَقَامَ ذَلِكَ مَقَامَ وَاَللَّهِ لَا وَطِئْتُكِ لَا تَحْرِيمِهَا وَلَا طَلَاقِهَا وَفَائِدَتُهُ تَرَتُّبُ الْحِنْثِ وَالْبِرِّ ثُمَّ تَرَتُّبُ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَوْلَهُ كَالْمَيْتَةِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ صَرِيحًا لَمَا انْصَرَفَ إلَى غَيْرِهَا بِالنِّيَّةِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لَمْ يَلْزَمهُ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ بِالْكِنَايَةِ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِهَتْكِ الْقَسَمِ (فَإِنْ نَوَى) بِذَلِكَ (الطَّلَاقَ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا وَقَعَ وَاحِدَةً) لِأَنَّهَا الْيَقِينُ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) بِذَلِكَ (شَيْئًا فَهُوَ ظِهَارٌ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ.
(وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ الْحَرَامُ أَوْ يَلْزَمُنِي الْحَرَامُ أَوْ الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي فَلَغْوٌ لَا شَيْءَ فِيهِ مَعَ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ شَيْءٍ مُبَاحٍ بِعَيْنِهِ (وَمَعَ نِيَّةِ) تَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ (أَوْ قَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ فَهُوَ (ظِهَارٌ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ صَرَفَهُ إلَيْهِ بِالنِّيَّةِ فَتَعَيَّنَ لَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الظِّهَارِ: وَيَتَوَجَّهُ الْوَجْهَانِ إنْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا، وَأَنَّ الْعُرْفَ قَرِينَةٌ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَكُونُ طَلَاقًا بِالنِّيَّةِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ أَوْلَى أَنْ تَكُونَ كِنَايَةً مِنْ قَوْلِهِ اُخْرُجِي وَنَحْوِهِ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْعُرْفَ قَرِينَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَيَأْتِي فِي بَابِهِ) أَيْ بَابِ الظِّهَارِ.
(وَإِنْ قَالَ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ وَكَذَبَ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ حَلَفَ (لَمْ يَصِرْ حَالِفًا كَمَا لَوْ قَالَ حَلَفْتُ بِاَللَّهِ وَكَانَ كَاذِبًا وَيَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ فِي الْحُكْمِ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَقَرَّ بِمَالٍ ثُمَّ قَالَ كَذَبَتْ (وَلَا يَلْزَمهُ) الطَّلَاقُ (فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ) تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ وَالْيَمِينُ إنَّمَا تَكُونُ بِالْحَلِفِ.
وَلَوْ قَالَتْ زَوْجَتُهُ حَلَفْتَ بِالطَّلَاقِ لِلثَّلَاثِ فَقَالَ لَمْ أَحْلِفْ إلَّا بِوَاحِدَةٍ أَوْ قَالَتْ عَلَّقْتَ طَلَاقِي عَلَى قُدُومِ زَيْدٍ فَقَالَ لَمْ أُعَلِّقْهُ إلَّا عَلَى قُدُومِ عَمْرٍو كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ نَفْسِهِ.

.فَصْلٌ: توكيل المرأة في طلاقها:

(وَإِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِك فَهُوَ تَوْكِيلٌ مِنْهُ لَهَا فِي الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ إذْن لَهَا فِيهِ (وَلَا يَتَقَيَّدُ) ذَلِكَ (بِالْمَجْلِسِ) بَلْ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي لِقَوْلِ عَلِيٍّ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ تَمَلُّكٍ فِي الطَّلَاقِ فَمَلَكَهُ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ كَمَا لَوْ جَعَلَهُ الْأَجْنَبِيُّ (وَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا) أَفْتَى بِهِ أَحْمَدُ مِرَارًا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُثْمَانَ.
وَقَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفُضَالَةُ وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «هُوَ ثَلَاثٌ» قَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْعُمُومَ فِي جَمِيعِ أَمْرِهَا لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَتَنَاوَلَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثَ (كَقَوْلِهِ طَلِّقِي نَفْسَكِ مَا شِئْتِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْتُ وَاحِدَةً وَلَا يَدِينُ) لِأَنَّهُ خِلَافُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ (وَهُوَ) أَيْ الطَّلَاقُ (فِي يَدِهَا) عَلَى التَّرَاخِي كَمَا سَبَقَ (مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ) فَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بَعْدُ لِأَنَّ ذَلِكَ وَكَالَةٌ فَتَبْطُلُ إذَا فَسَخَهَا بِالْقَوْلِ أَوْ أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى فَسْخِهَا وَالْوَطْءُ يَدُلُّ عَلَى الْفَسْخِ (وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إنْ جَعَلَهُ) أَيْ أَمْرَهَا (فِي يَدِ غَيْرِهَا) أَيْ الزَّوْجَةُ بِأَنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِ زَيْدٍ مَثَلًا فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَكِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ) نَفْسَهَا (أَكْثَر مِنْ وَاحِدَةٍ وَتَقَعُ رَجْعِيَّةً حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ اخْتَارِي تَفْوِيضَ مُعَيَّنٍ فَيَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَهُوَ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُمَا بِغَيْرِ عِوَضٍ بِخِلَافِ أَمْرِكِ بِيَدِكِ فَإِنَّ أَمْرَ مُضَافٌ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ أَمْرِهَا (إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ وَاحِدَةٍ سَوَاءً جَعَلَهُ بِلَفْظِهِ بِأَنْ يَقُولَ اخْتَارِي مَا شِئْتِ أَوْ اخْتَارِي الطَّلْقَاتِ إنْ شِئْتِ أَوْ جَعَلَهُ بِنِيَّتِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ اخْتَارِي عَدَدًا) اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ فَيُرْجَعُ فِي قَوْلِ مَا يَقَعُ بِهَا إلَى نِيَّتِهِ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ (فَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً فَهُوَ عَلَى مَا نَوَى) فَيُرْجَعُ إلَى نِيَّتِهِ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ (وَإِنْ نَوَى) الزَّوْجَ (ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَقَلَّ مِنْهَا) أَوْ مِنْ ثَلَاثٍ كَاثْنَتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةٍ (وَقَعَ مَا طَلَّقَتْهُ) دُون مَا نَوَاهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَا يَقَع بِهَا الطَّلَاقُ وَإِنَّمَا يَقَعُ بِتَطْلِيقِهَا وَلِذَا لَوْ لَمْ تُطَلِّقْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ.
(فَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْخِيَارِ) بِأَنْ ذَكَرَهُ مَرَّتَيْنِ وَأَكْثَرَ (بِأَنْ قَالَ اخْتَارِي اخْتَارِي اخْتَارِي فَإِنْ نَوَى إتْمَامَهَا وَلَيْسَ نِيَّتُهُ ثَلَاثًا وَلَا اثْنَتَيْنِ) فَوَاحِدَةٌ (أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ نَصًّا) لِأَنَّهَا الْيَقِينُ (وَإِنْ أَرَادَ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ نَصًّا) لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ خَفِيَّةٌ فَيَقَعُ مَا نَوَاهُ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ خُصُوصًا مَعَ تَكْرَارِهَا ثَلَاثًا (وَلَيْسَ لَهَا) أَيْ لِلْمَقُولِ لَهَا اخْتَارِي (أَنْ تُطَلِّقَ إلَّا مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ) عُرْفًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِر لِأَنَّهُ خِيَارُ تَمْلِيكٍ فَكَانَ عَلَى الْفَوْرِ كَخِيَارِ الْقَبُولِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ «إنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعَجَّلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ» فَإِنَّهُ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي وَأَمَّا طَلِّقِي نَفْسَكِ وَأَمْرُكِ بِيَدِك فَتَوْكِيلٌ يَعُمُّ الزَّمَانَ مَا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا (إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) بِأَنْ يَقُولَ لَهَا اخْتَارِي نَفْسَكِ يَوْمًا أَوْ أُسْبُوعًا أَوْ شَهْرًا وَنَحْوَهُ فَتَمْلِكُهُ إلَى انْقِضَاءِ ذَلِكَ.
(فَإِنْ قَامَا) أَيْ الزَّوْجَانِ مِنْ الْمَجْلِسِ بَعْدَ أَنْ خَيَّرَهَا وَقَبْلَ الطَّلَاقَ بَطَلَ خِيَارُهَا (أَوْ) قَامَ (أَحَدُهُمَا مِنْ الْمَجْلِسِ) بَطَلَ الْخِيَارُ لِأَنَّ الْقِيَامَ يُبْطِلُ الذِّكْرَ فَهُوَ إعْرَاضٌ بِخِلَافِ الْمَقْصُودِ (أَوْ خَرَجَا مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي كَانَا فِيهِ إلَى غَيْرِهِ بَطَلَ خِيَارُهَا) بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَيْ الزَّوْجَيْنِ) (قَائِمًا فَرَكِبَ أَوْ مَشَى بَطَلَ) خِيَارُهَا لِلتَّفَرُّقِ وَ(لَا) يَبْطُلُ خِيَارُهَا (إنْ قَعَدَ) مَنْ كَانَ قَائِمًا مِنْهُمَا (أَوْ كَانَتْ قَاعِدَةً فَاتَّكَأَتْ أَوْ مُتَّكِئَةً فَقَعَدَتْ) إذْ لَا دَلَالَةَ لِذَلِكَ عَلَى الْإِعْرَاض وَلَوْ طَالَ الْمَجْلِسُ مَا لَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ (وَإِنْ تَشَاغَلَتْ بِالصَّلَاةِ بَطَلَ) خِيَارُهَا لِلتَّشَاغُلِ (وَإِنْ كَانَتْ) حِينَ خِيَارِهَا (فِي صَلَاةٍ فَأَتَمَّتْهَا لَمْ يَبْطُلْ) خِيَارُهَا لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى إعْرَاضِهَا (وَإِنْ أَضَافَتْ إلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ) بَطَلَ لِلتَّشَاغُلِ (أَوْ كَانَتْ رَاكِبَةً فَسَارَتْ بَطَلَ) خِيَارُهَا لِلتَّفَرُّقِ وَ(لَا) يَبْطُلُ خِيَارُهَا (إنْ أَكَلَتْ يَسِيرًا أَوْ قَالَتْ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ سَبَّحَتْ شَيْئًا يَسِيرًا أَوْ قَالَتْ اُدْعُوَا إلَيَّ شُهُودًا أُشْهِدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا إعْرَاضَ مِنْهَا.
(وَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ الْخِيَارَ (لَهَا عَلَى التَّرَاخِي) بِأَنْ قَالَ اخْتَارِي إذَا شِئْتِ أَوْ مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْتِ وَنَحْوَهُ (أَوْ قَالَ لَا تَعَجَّلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ وَنَحْوَهُ فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ.
(وَإِنْ قَالَ) لَهَا (اخْتَارِي الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ فَلَهَا ذَلِكَ فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بَطَلَ) الْخِيَارُ (كُلُّهُ) فَلَا خِيَارَ لَهَا فِي غَدٍ وَلَا مَا بَعْدَهُ لِأَنَّهُ خِيَارٌ وَاحِدٌ فِي مُدَّةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا بَطَلَ أَوَّلَهُ بَطَلَ فِيمَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي الْيَوْمَ وَبَعْدَ غَدٍ فَإِنَّهَا إذَا رَدَّتْهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْطُلْ بَعْدَ غَدٍ لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ مُنْفَصِلٌ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ (وَإِنْ قَالَ اخْتَارِي نَفْسَكِ الْيَوْمَ وَاخْتَارِي نَفْسَكِ غَدًا فَرَدَّتْهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَمْ يَبْطُلْ) الْخِيَارُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ إعَادَةُ الْفِعْلِ.
(وَلَوْ خَيَّرَهَا شَهْرًا فَاخْتَارَتْ) نَفْسَهَا (ثُمَّ تَزَوَّجَهَا) أَوْ لَمْ تَخْتَرْهَا لَكِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا (لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ خِيَارٌ) لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ فِي عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِي عَقْدٍ سِوَاهُ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ جَعَلَهُ) أَيْ الْخِيَارَ (لَهَا الْيَوْمَ كُلَّهُ أَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَرَدَّتْهُ أَوْ رَجَعَ فِيهِ أَوْ وَطِئَهَا بَطَلَ خِيَارُهَا) لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَقَدْ رَجَعَ فِيهِ.
(وَلَفْظُهُ الْأَمْرُ) بِأَنْ يَنْوِي بِذَلِكَ تَفْوِيضَ الطَّلَاقِ إلَيْهَا (وَالْخِيَارُ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ وَيَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ) كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (فَلَفْظَةُ الْأَمْرِ كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ وَ) لَفْظَةُ (الْخِيَارِ) كِنَايَةٌ (خَفِيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ) فِي أَوَّلِ الْكِنَايَاتِ (فَإِنْ نَوَى) الزَّوْجَ (بِهِمَا) أَيْ بِأَمْرِك بِيَدِك وَبِاخْتَارِي نَفْسَكِ (الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ وَقَعَ) الطَّلَاقُ (فِي الْحَالِ وَلَمْ يَحْتَجْ) وُقُوعُهُ (إلَى قَبُولِهَا) كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) إيقَاعَهُ فِي الْحَالِ بَلْ نَوَى تَفْوِيضَهُ إلَيْهَا (فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَة نَحْوَ اخْتَرْتُ افْتَقَرَ) وُقُوعُهُ (إلَى نِيَّتِهَا) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْقَعَهُ هُوَ بِكِنَايَةٍ (وَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الصَّرِيحِ بِأَنْ قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَيْهَا.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهَا) الطَّلَاقَ (فَقَوْلُهَا) لِأَنَّهَا أَدْرَى بِنِيَّتِهَا (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رُجُوعِهِ) بِأَنْ قَالَ رَجَعْتُ قَبْلَ الْإِيقَاعِ وَقَالَتْ بَلْ بَعْدَهُ (فَقَوْلُهُ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ (كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهِ) فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِهَا.
(وَإِنْ قَالَ) لَهَا (اخْتَارِي) نَفْسَكِ (فَقَالَتْ اخْتَرْتُ فَقَطْ أَوْ) قَالَتْ (قَبِلْتُ فَقَطْ وَلَوْ مَعَ النِّيَّةِ) لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ (أَوْ) قَالَتْ (أَخَذْتُ أَمْرِي أَوْ) قَالَتْ (اخْتَرْتُ أَمْرِي أَوْ) قَالَتْ (اخْتَرْتُ زَوْجِي لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ قَدْ خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَكَانَ طَلَاقًا.
وَقَالَتْ «لَمَّا أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِ نِسَائِهِ وَبَدَأَ بِي فَقَالَ إنِّي لَمُخْبِرُك خَبَرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ ثُمَّ قَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} حَتَّى بَلَغَ {إنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} فَقُلْتُ أَفِي هَذِهِ أَسْتَأْمِرُ أَبَوَيَّ فَإِنِّي أُرِيدُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ قَالَتْ ثُمَّ فَعَلَ أَزْوَاجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَا فَعَلْتُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ النِّكَاحِ فَلَمْ يَقَعْ بِهَا طَلَاقٌ كَالْمُعْتَقَةِ تَحْتَ عَبْدٍ فَلَا يَقَعُ بِهَا (حَتَّى تَقُولَ مَعَ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الطَّلَاقِ (اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ) اخْتَرْتُ (أَبَوَيَّ أَوْ) اخْتَرْتُ (الْأَزْوَاجَ أَوْ) اخْتَرْتُ (لَا تَدْخُلْ عَلَيَّ وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الطَّلَاقِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ) الزَّوْجُ (أَمْرَهَا بِيَدِهَا بِعِوَضٍ) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ (وَحُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ جَعْلِ أَمْرِهَا بِيَدِهَا بِعِوَضٍ (حُكْمُ مَا) أَيْ حُكْمُ جَعْلِ أَمْرِهَا بِيَدِهَا (لَا عِوَضَ لَهُ فِي أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيمَا جَعَلَ لَهَا و) فِي (أَنَّهُ يَبْطُلُ) جَعْلُهُ لَهَا ذَلِكَ (بِالْوَطْءِ وَالْفَسْخِ) لِأَنَّهُ وَكَالَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِذَا قَالَتْ اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدِي وَأُعْطِيكَ عَبْدِي هَذَا فَقَبَضَ الْعَبْدَ وَجَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَلَهَا أَنْ تَخْتَارَ) نَفْسَهَا لِجَعْلِهِ ذَلِكَ لَهَا (مَا لَمْ يَرْجِعْ أَوْ يَطَأْ) لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَبْطُلُ بِدُخُولِ الْعِوَضِ فِيهِ فَإِنْ رَجَعَ أَوْ وَطِئَهَا بَطَلَ تَخْيِيرُهَا لِرُجُوعِهِ عَنْهُ.
(وَإِنْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (طَلِّقِي نَفْسَكِ فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي) لِأَنَّهُ فَوَّضَهُ إلَيْهَا فَأَشْبَهَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ طَلِّقِي نَفْسَكِ (تَوْكِيلٌ) لَهَا فِي طَلَاقِ نَفْسِهَا (يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ) وَفَسْخِهِ وَوَطْئِهَا كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ قَالَتْ اخْتَرْتُ نَفْسِي) أَوْ اخْتَرْتُ أَبَوَيَّ أَوْ الْأَزْوَاجَ (وَنَوَتْ الطَّلَاقَ وَقَعَ) لِأَنَّهُ فَوَّضَ إلَيْهَا الطَّلَاقَ وَقَدْ أَوْقَعَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَوْقَعَ بِلَفْظِهِ مَا احْتَمَلَهُ (إلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْهَا إمَّا بِلَفْظِهِ أَوْ نِيَّتِهِ) لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَكُونُ وَاحِدَةً وَثَلَاثًا فَقَدْ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا احْتَمَلَهُ (وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَكِ ثَلَاثًا) فَقَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي (طَلُقَتْ ثَلَاثًا بِنِيَّتِهَا) كَمَا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُكِ وَنَوَى بِهِ ثَلَاثًا (وَتَمْلِكُ بِقَوْلِهِ طَلَاقُكِ بِيَدِكِ أَوْ وَكَّلْتُكِ فِي الطَّلَاقِ مَا تَمْلِكُ بِقَوْلِهِ لَهَا أَمْرُكِ بِيَدِك) فَتَمْلِكُ الثَّلَاثَ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَوَّلِ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ وَفِي الثَّانِي مُعَرَّفٌ بِاللَّامِ الصَّالِحَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيَعُمُّ.
(وَلَا يَقَعْ) الطَّلَاقُ (بِقَوْلِهَا) لِزَوْجِهَا (أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ مِنِّي طَالِقٌ أَوْ طَلَّقْتُكِ) لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا فَطَلَّقَتْنِي ثَلَاثًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ الطَّلَاقَ لَكَ وَلَيْسَ لَهَا عَلَيْكَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يَتَّصِفُ بِأَنَّهُ مُطَلَّقٌ بِفَتْحِ اللَّامِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ.
(قَالَ فِي الرَّوْضَةِ صِفَةُ طَلَاقِهَا طَلَّقْتُ نَفْسِي أَوْ أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ وَإِنْ قَالَتْ أَنَا طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ وَحُكْمُ الْوَكِيلِ الْأَجْنَبِيِّ حُكْمُهَا) أَيْ الزَّوْجَةُ (فِيمَا تَقَدَّمَ) وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ الزَّوْجَةِ وَلَوْ كَانَ قَرِيبًا لِلزَّوْجِ أَوْ الزَّوْجَةِ (فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِيقَاعِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ (الصَّرِيحِ) بِأَنْ يَقُولَ هِيَ طَالِقٌ وَنَحْوَهُ (أَوْ بِكِنَايَةٍ بِنِيَّةِ) الطَّلَاقِ لِأَنَّ وَكِيلَ كُلِّ إنْسَانٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فَيَقَعُ مِنْهُ بِالْكِنَايَةِ.
(وَلَوْ وَكَّلَ فِيهِ بِصَرِيحٍ) بِأَنْ قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا أَوْ وَكَّلْتُكَ أَنْ تُطَلِّقَهَا وَنَحْوَهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ أَتَى بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا (وَلَفْظُ أَمْرٍ وَاخْتِيَارٍ وَطَلَاقٍ لِلتَّرَاخِي فِي حَقِّ وَكِيلِ) فَإِذَا قَالَ لَهُ أَمْرُ فُلَانَةَ بِيَدِكَ أَوْ اخْتَرْ طَلَاقَهَا أَوْ طَلِّقْهَا مَلَكَ عَلَى التَّرَاخِي (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَوَجَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْيِيرُ نِسَائِهِ) وَتَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ وَخَيَّرَهُنَّ وَبَدَأَ بِعَائِشَةَ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا.
(وَإِنْ وَهَبَهَا) أَيْ وَهَبَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ (لِأَهْلِهَا) بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُهَا لِأَبِيهَا أَوْ أَخِيهَا وَنَحْوَهُ (أَوْ لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ وَهَبَهَا لِنَفْسِهَا فَرُدَّتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ رَدَّ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ أَهْلِهَا أَوْ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ هِيَ الْهِبَةُ فَلَغْوٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَمْلِيكٌ لِلْبُضْعِ فَافْتَقَرَ إلَى الْقَبُولِ كَقَوْلِهِ: اخْتَارِي وَأَمْرُكِ بِيَدِكِ (أَوْ) قَبِلَ مَوْهُوبٌ لَهُ الْهِبَةَ لَكِنْ (لَمْ يَنْوِ) الزَّوْجُ بِالْهِبَةِ (طَلَاقًا) فَلَغْوٌ (أَوْ) قَبِلَ مَوْهُوبٌ لَهُ وَ(نَوَاهُ) أَيْ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ (وَلَمْ يَنْوِهِ مَوْهُوبٌ لَهُ فَلَغْوٌ) لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِنِيَّتِهِمَا لَمْ يَقَعْ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (كَبَيْعِهَا) أَيْ كَمَا لَوْ بَاعَ زَوْجَتَهُ (لِغَيْرِهِ) كَأَنْ يَقُولُ بِعْتُكِ لِزَيْدٍ مَثَلًا فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَوْ نَوَاهُ وَقَبِلَهُ زَيْدٌ وَنَوَاهُ (نَصًّا) لِأَنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الطَّلَاقِ لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً وَالطَّلَاقُ مُجَرَّدُ إسْقَاطٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ إنْ ذَكَرَ عِوَضًا مَعْلُومًا طَلُقَتْ مَعَ النِّيَّةِ وَالْقَبُولِ (وَإِنْ قُبِلَتْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ قَبِلَهَا مَوْهُوبٌ لَهُ غَيْرَهَا أَوْ هِيَ إنْ وَهَبَتْ لِنَفْسِهَا وَصِفَةُ قَبُولِ أَهْلِهَا أَنْ يَقُولُوا قَبِلْنَاهَا نَصَّ عَلَيْهِ وَكَذَا الْأَجْنَبِيُّ أَوْ هِيَ (فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إذْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ نِيَّةَ الطَّلَاقِ) لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُحْتَمِلٌ فَلَا يَحْتَمِلُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَقَوْلِهِ اخْتَارِي وَكَانَتْ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا طَلْقَةً لِمَنْ عَلَيْهَا عِدَّةٌ بِغَيْرِ عِوَضٍ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ فَكَانَتْ رَجْعِيَّةً كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (أَوْ دَلَّتْ دَلَالَةَ الْحَالِ) عَلَى إرَادَةِ الطَّلَاقِ مِنْهُمَا فَيُعْمَلُ بِهَا لِقِيَامِهَا مَقَامَ النِّيَّةِ (وَإِنْ نَوَى كُلٌّ) مِنْ وَاهِبٍ وَمَوْهُوبٍ لَهُ بِالْهِبَةِ وَالْقَبُولِ (ثَلَاثًا أَوْ اثْنَتَيْنِ وَقَعَ مَا نَوَاهُ) لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ (كَبَقِيَّةِ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ وَتُعْتَبَرُ نِيَّةُ مَوْهُوبٍ لَهُ) بِالْقَبُولِ، الطَّلَاقُ كَمَا تُعْتَبَر نِيَّةُ وَاهِبٍ بِالْهِبَةِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةً كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَقَعُ أَقَلُّهَا إذَا اخْتَلَفَا فِي النِّيَّةِ) فَإِذَا نَوَى أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخَرُ اثْنَتَيْنِ فَوَاحِدَةٌ أَوْ نَوَى أَحَدُهُمَا اثْنَتَيْنِ وَالْآخَرُ ثَلَاثًا فَاثْنَتَانِ (وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ بِالْهِبَةِ) أَيْ بِقَوْلِهِ وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ أَوْ لِزَيْدٍ أَوْ لِنَفْسِكِ (الطَّلَاقَ فِي الْحَالِ) مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى قَبُولٍ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ (فِي الْحَالِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَبُولِهَا) كَمَا لَوْ أَتَى بِكِنَايَةٍ غَيْرِهَا نَاوِيًا الْإِيقَاعَ (وَمِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ النُّطْقُ بِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ (إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ تَقَدَّمَا) فِي الْبَابِ أَحَدُهُمَا (إذَا كَتَبَ صَرِيحَ طَلَاقِهَا) بِمَا يَبِينُ.
(وَ) الثَّانِي (إذَا طَلَّقَ الْأَخْرَسُ بِالْإِشَارَةِ) الْمَفْهُومَةِ (فَإِنْ طَلَّقَ فِي قَلْبِهِ لَمْ يَقَعْ كَالْعِتْقِ وَلَوْ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ) أَوْ أَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ (مَعَ نِيَّتِهِ بِقَلْبِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ) عَنْ أَحْمَدَ إذَا طَلَّقَ فِي نَفْسِهِ (لَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الطَّلَاقُ (مَا لَمْ يَلْفِظْ بِهِ أَوْ يُحَرِّكْ لِسَانَهُ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ أَيْ النَّصِّ الْمَذْكُورِ (يَقَعُ وَلَوْ لَمْ يَسْمَعْهُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ) فَإِنَّهَا لَا تُجْزِيهِ حَيْثُ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ كَقِرَاءَةٍ فِي صَلَاةٍ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقَهُ إذَا حَرَّكَ لِسَانَهُ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْلَا الْمَانِعُ وَتَقَدَّمَ وَمُمَيِّزٌ وَمُمَيِّزَةٌ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ كَالْبَالِغِينَ.