فصل: فَصْلٌ: في الْعَقِيقَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): حكم من ساق الْهَدْيَ مِنْ الْحِلِّ:

(سَوْقُ الْهَدْيِ مِنْ الْحِلِّ مَسْنُونٌ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ فَسَاقَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَكَانَ يَبْعَثُ بِهَدْيِهِ إلَى الْحَرَمِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ.
(وَلَا يَجِبُ) سَوْقُ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ (إلَّا بِالنَّذْرِ) لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَهُ) أَيْ: الْهَدْيَ (بِعَرَفَةَ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى هَدْيًا إلَّا مَا وَقَفَهُ بِعَرَفَةَ وَلَنَا أَنَّ الْمُرَادَ نَحْرُهُ وَنَفْعُ الْمَسَاكِينِ بِلَحْمِهِ وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ دَلِيلٌ يُوجِبُهُ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَجْمَعَ فِيهِ) أَيْ: الْهَدْيِ (بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُسَنُّ إشْعَارُ الْبُدْنِ) بِضَمِّ الْبَاءِ جَمْعُ بَدَنَةٍ (فَيَشُقُّ صَفْحَةَ سَنَامِهَا) بِفَتْحِ السِّينِ (الْيُمْنَى أَوْ) يَشُقُّ (مَحَلَّهُ) أَيْ: السَّنَامِ (مِمَّا لَا سَنَامَ لَهُ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ، حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ وَتُقَلَّدُ هِيَ) أَيْ: الْبُدْنُ.
(وَ) تُقَلَّدُ (بَقَرٌ، وَغَنَمٌ نَعْلًا، أَوْ آذَانَ الْقِرَبِ، أَوْ الْعُرَى) بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعُ عُرْوَةٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ أَيْضًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِبُدْنِهِ، فَأَشْعَرَهَا مِنْ صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا بِيَدِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَا يُقَالُ: إنَّهُ إيلَامٌ؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَجَازَ كَالْكَيِّ وَالْوَسْمِ وَالْحِجَامَةِ وَفَائِدَتُهُ: أَنْ لَا تَخْتَلِطَ بِغَيْرِهَا، وَأَنْ يَتَوَقَّاهَا اللِّصَّ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالتَّقْلِيدِ بِمُفْرَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحَلَّ، وَيَذْهَبَ.
(وَلَا يُسَنُّ إشْعَارُ الْغَنَمِ)؛ لِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ؛ وَلِأَنَّ صُوفَهَا وَشَعْرَهَا يَسْتُرُ مَوْضِعَ إشْعَارِهَا لَوْ أُشْعِرَتْ.
(وَإِذَا سَاقَ الْهَدْيَ) مِنْ (قَبْلِ الْمِيقَاتِ اُسْتُحِبَّ إشْعَارُهُ وَتَقْلِيدُهُ مِنْ الْمِيقَاتِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(وَ إذَا نَذَرَ هَدْيًا مُطْلَقًا، فَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ شَاةٌ أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعُ بَقَرَةٍ) كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ الْمُطْلَقِ (فَإِنْ ذَبَحَ) مَنْ نَذَرَ هَدْيًا وَأَطْلَقَ (الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ، كَانَتْ كُلُّهَا وَاجِبَةً) لِتَعَيُّنِهَا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِذَبْحِهَا عَنْهُ.
(وَإِنْ نَذَرَ بَدَنَةً أَجْزَأَتْهُ بَقَرَةٌ إنْ أَطْلَقَ) الْبَدَنَةَ لِمُسَاوَاتِهَا لَهَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُطْلِقْ، بَلْ نَوَى مُعَيَّنًا مِنْ الْإِبِلِ (لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ) كَمَا لَوْ نَوَى كَوْنَهَا مِنْ الْبَقَرِ، وَكَمَا لَوْ عَيَّنَهُ بِاللَّفْظِ (فَإِنْ عَيَّنَ شَيْئًا بِنَذْرِهِ) بِأَنْ قَالَ: هَذَا هَدْيٌ، أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ هَذَا هَدْيًا وَنَحْوَهُ (أَجْزَأَهُ مَا عَيَّنَهُ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا مِنْ حَيَوَانٍ)، وَلَوْ مَعِيبًا وَغَيْرَ حَيَوَانٍ كَدَرَاهِمَ وَعَقَارٍ (وَغَيْرِهِمَا)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ لَمْ يُوجِبْ سِوَى هَذَا، فَأَجْزَأَهُ كَيْفَ كَانَ (وَالْأَفْضَلُ) كَوْنُ الْهَدْيِ (مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَإِنْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا مِنْ غَزْلِك فَهُوَ هَدْيٌ، فَلَبِسَهُ أَهْدَاهُ) وُجُوبًا إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ لِوُجُودِ شَرْطِ النَّذْرِ (وَعَلَيْهِ إيصَالُهُ) أَيْ: الْهَدْيِ مُطْلَقًا (إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}؛ وَلِأَنَّ النَّذْرَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ شَرْعًا، وَالْمَعْهُودُ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ: بِالشَّرْعِ، كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ يَذْبَحُهُ بِالْحَرَمِ فَكَذَا يَكُونُ الْمَنْذُورُ.
(وَيَبِيعُ غَيْرَ الْمَنْقُولِ كَالْعَقَارِ، وَيَبْعَثُ ثَمَنَهُ إلَى الْحَرَمِ) لِتَعَذُّرِ إهْدَائِهِ بِعَيْنِهِ، فَانْصَرَفَ إلَى بَدَلِهِ.
يُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ امْرَأَةٍ نَذَرَتْ أَنْ تُهْدِيَ دَارًا قَالَ: تَبِيعُهَا وَتَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ.
وَقَالَ أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيُّ (ابْنُ عَقِيلٍ أَوْ يُقَوِّمُهُ) أَيْ:
الْعَقَارَ (وَيَبْعَثُ الْقِيمَةَ) إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْقِيمَةُ الَّتِي هِيَ بَدَلُهُ، لَا نَفْسَ الْبَيْعِ (إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُ) أَيْ: الْمَنْذُورَ (لِمَوْضِعٍ سِوَى الْحَرَمِ، فَيَلْزَمُهُ ذَبْحُهُ فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ (وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ عَلَى مَسَاكِينِهِ) أَيْ: مَسَاكِينِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (أَوْ إطْلَاقُهُ لَهُمْ) أَيْ: لِمَسَاكِينِهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ) الَّذِي عَيَّنَهُ (بِهِ صَنَمٌ أَوْ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الْكُفْرِ أَوْ الْمَعَاصِي كَبُيُوتِ النَّارِ وَالْكَنَائِسِ وَنَحْوِهَا، فَلَا يُوفِ بِهِ) أَيْ: بِنَذْرِهِ رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنِّي نَذَرْت أَنْ أَذْبَحَ بِالْأَبْوَاءِ قَالَ: أَبِهَا صَنَمٌ قَالَ: لَا قَالَ: أَوْفِ بِنَذْرِك».
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ هَدْيِهِ التَّطَوُّعِ، وَيُهْدِي وَيُهْدِي وَيَتَصَدَّقُ أَثْلَاثًا) وقَوْله تَعَالَى: {فَكُلُوا مِنْهَا} وَأَقَلُّ أَحْوَالِ الْأَمْرِ الِاسْتِحْبَابُ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْ بُدْنِهِ.
وَقَالَ جَابِرٌ كُنَّا لَا نَأْكُلُ مِنْ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا: ثُلُثٌ لَك، وَثُلُثٌ لِأَهْلِك، وَثُلُثٌ لِلْمَسَاكِينِ» قَالَ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ أَيْ: الْمَأْكُولُ: الْيَسِيرُ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ، فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَأَكَلْنَا مِنْهَا، وَحَسَيْنَا مِنْ مَرَقِهَا»؛ وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ فَاسْتُحِبَّ الْأَكْلُ مِنْهُ (كَالْأُضْحِيَّةِ) وَلَهُ التَّزَوُّدُ وَالْأَكْلُ كَثِيرًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ (فَإِنْ أَكَلَهَا) أَيْ: الذَّبِيحَةَ هَدْيًا تَطَوُّعًا (كُلَّهَا ضَمِنَ الْمَشْرُوعَ لِلصَّدَقَةِ مِنْهَا كَأُضْحِيَّةٍ) أَكَلَهَا كُلَّهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ، وَيَأْتِي.
(وَإِنْ فَرَّقَ أَجْنَبِيٌّ نَذْرًا بِلَا إذْنِ) مَالِكِهِ (لَمْ يَضْمَنْ) لِوُقُوعِهِ.
(وَلَا يَأْكُلُ مِنْ كُلِّ وَاجِبٍ) مِنْ الْهَدَايَا (وَلَوْ) كَانَ إيجَابُهُ (بِالنَّذْرِ أَوْ بِالتَّعْيِينِ، إلَّا مِنْ دَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ) نَصَّ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا غَيْرُ مَحْظُورٍ، فَأَشْبَهَا هَدْيَ التَّطَوُّعِ؛ وَلِأَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «تَمَتَّعْنَ مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَدْخَلَتْ عَائِشَةُ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَصَارَتْ قَارِنَةً ثُمَّ ذَبَحَ عَنْهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقَرَ، فَأَكَلْنَ مِنْ لُحُومِهَا» قَالَ أَحْمَدُ قَدْ أَكَلَ مِنْ الْبَقَرِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ خَاصَّةً (وَمَا جَازَ لَهُ أَكْلُهُ) كَأَكْثَرِ هَدْيِ التَّطَوُّعِ (فَلَهُ هَدِيَّتُهُ) لِغَيْرِهِ، لِقِيَامِ الْمُهْدَى لَهُ مَقَامَهُ (وَمَا لَا) يَمْلِكُ أَكْلَهُ، كَالْهَدْيِ الْوَاجِبِ غَيْرِ دَمِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ (فَلَا) يَمْلِكُ هَدِيَّتَهُ، بَلْ يَجِبُ صَرْفُهُ لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: أَكَلَ مِمَّا لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ أَوْ أَهْدَى مِنْهُ (ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا)؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَعْطَى الْجَزَّارَ بِأُجْرَتِهِ شَيْئًا مِنْهَا (كَبَيْعِهِ وَإِتْلَافِهِ) أَيْ: كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا مِنْ الْهَدْيِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِمِثْلِهِ لَحْمًا، وَإِنْ أَطْعَمَ مِنْهُ غَنِيًّا عَلَى سَبِيلِ الْهَدِيَّةِ جَازَ كَالْأُضْحِيَّةِ (وَيَضْمَنُهُ) أَيْ: الْمُتْلَفَ مِنْ الْهَدْيِ (أَجْنَبِيٌّ بِقِيمَتِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لِأَنَّ اللَّحْمَ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فَضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ لَحْمًا لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ لَا صِنَاعَةَ فِيهِ، يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ، فَهُوَ مِثْلِيٌّ.
(وَفِي الْفُصُولِ: لَوْ مَنَعَهُ الْفُقَرَاءَ حَتَّى أَنْتَنَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) أَيْ: إنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ نَفْعٌ وَإِلَّا ضَمِنَ نَقْصَهُ كَمَا فِي الْمُنْتَهَى.

.(فَصْلٌ): في الأضحية:

(وَالْأُضْحِيَّةُ) مَشْرُوعَةٌ.
إجْمَاعًا وَسَنَدُهُ: قَوْله تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهِيَ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِمُسْلِمٍ) تَامِّ الْمِلْكِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ثَلَاثٌ كُتِبَتْ عَلَيَّ وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ» وَفِي رِوَايَةٍ: «الْوِتْرُ، وَالنَّحْرُ، وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَدَخَلَ الْعَشْرُ، فَلَا يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا بَشَرَتِهِ شَيْئًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَعَلَّقَهُ عَلَى الْإِرَادَةِ وَالْوَاجِبُ لَا يُعَلَّقُ عَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ ذَبِيحَةٌ لَا يَجِبُ تَفْرِيقُ لَحْمُهَا فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً كَالْعَقِيقَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ لَهُ سَعَةٌ وَلَمْ يُضَحِّ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» وَحَدِيثُ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةٍ وَعَتِيرَةٌ» فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» «وَمَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا» (وَلَوْ) كَانَ الْمُسْلِمُ (مُكَاتَبًا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ)؛ لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ التَّبَرُّعِ لِحَقِّ سَيِّدِهِ فَإِذَا أَذِنَ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّهُ (وَبِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ: سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ (فَلَا) تُسَنُّ لِلْمُكَاتَبِ (لِنُقْصَانِ مِلْكِهِ).
(وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةُ (لِقَادِرٍ عَلَيْهَا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَمَنْ عَدِمَ مَا يُضَحِّي بِهِ اقْتَرَضَ، وَضَحَّى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْوَفَاءِ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْعَقِيقَةِ.
(وَلَيْسَتْ) الْأُضْحِيَّةُ (وَاجِبَةٌ) لِمَا سَبَقَ (إلَّا أَنْ يَنْذِرَهَا) فَتَجِبُ بِالنَّذْرِ لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (وَكَانَتْ) الْأُضْحِيَّةُ (وَاجِبَةً عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ (وَذَبْحُهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ (وَلَوْ عَنْ مَيِّتٍ) وَيُفْعَلُ بِهَا كَعَنْ حَيٍّ.
(وَذَبْحُ الْعَقِيقَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ بِثَمَنِهَا) وَكَذَا الْهَدْيُ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي تُحْفَةِ الْوَدُودِ وَابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى وَالْخُلَفَاءُ، وَلَوْ كَانَتْ الصَّدَقَةُ أَفْضَلُ لَعَدَلُوا إلَيْهَا وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إلَى اللَّهِ مِنْ إرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّ إيثَارَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ يُفْضِي إلَى تَرْكِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ قَوْلِهَا «لَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِخَاتَمِي هَذَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُهْدِيَ إلَى الْبَيْتِ أَلْفًا» فَهُوَ فِي الْهَدْيِ لَا فِي الْأُضْحِيَّةِ ا هـ وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الْهَدْيُ كَالْأُضْحِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ وَغَيْرِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَثَرِ بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ.
(وَلَا يُضَحَّى عَمَّا فِي الْبَطْنِ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا، إلَّا فِي الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ لَكِنْ يُقَالُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ قَدْ يُسَنُّ إخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِفِعْلِ عُثْمَانَ؛ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرَةِ: الطُّهْرَةُ، وَمَا هُنَا عَلَى الْأَصْلِ.
(وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ إذَا مَلَكَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ) مَا يُضَحِّي بِهِ (فَلَهُ أَنْ يُضَحِّيَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ)؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ تَامٌّ عَلَى مَا مَلَكَهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ.
(وَالسُّنَّةُ: أَكْلُ ثُلُثِهَا وَإِهْدَاءُ ثُلُثِهَا ثُلُثِهَا وَلَوْ لِغَنِيٍّ وَلَا يَجِبَانِ) أَيْ: الْأَكْلُ وَالْإِهْدَاءُ «؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ وَقَالَ: مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ، وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُنَّ شَيْئًا»؛ وَلِأَنَّهَا ذَبِيحَةٌ يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ فَلَمْ يَجِبْ الْأَكْلُ مِنْهَا كَالْعَقِيقَةِ، فَيَكُونُ الْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ.
(وَيَجُوزُ الْإِهْدَاءُ مِنْهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ (لِكَافِرٍ، إنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا) قَالَ أَحْمَدُ نَحْنُ نَذْهَبُ إلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ «يَأْكُلُ هُوَ الثُّلُثُ، وَيُطْعِمُ مَنْ أَرَادَ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ بِالثُّلُثِ عَلَى الْمَسَاكِينِ» قَالَ عَلْقَمَةُ «بَعَثَ مَعِي عَبْدُ اللَّهِ بِهَدْيِهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ آكُلَ ثُلُثًا وَأَنْ أُرْسِلَ ثُلُثًا إلَى أَهْلِ أَخِيهِ وَأَنْ أَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ» فَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَمْ يُعْطِ مِنْهَا الْكَافِرَ شَيْئًا كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ (وَالصَّدَقَةِ بِثُلُثِهَا، وَلَوْ كَانَتْ) الْأُضْحِيَّةُ (مَنْذُورَةً أَوْ مُعَيَّنَةً) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «وَيُطْعِمُ أَهْلَ بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَالِ بِالثُّلُثِ» رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى فِي الْوَظَائِفِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} وَالْقَانِعُ: السَّائِلُ، يُقَالُ: قَنَعَ قُنُوعًا إذَا سَأَلَ وَالْمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرِيك، أَيْ: يَتَعَرَّضُ لَك لِتُطْعِمَهُ، وَلَا يَسْأَلُ فَذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ وَمُطْلَقُ الْإِضَافَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَفْضَلِهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}.
(وَ) أَنْ (يُهْدِيَ الْوَسَطَ، وَ) أَنْ (يَأْكُلَ الْأَدْوَنَ) ذَكَرُهُ بَعْضُهُمْ (وَكَانَ مِنْ شِعَارِ الصَّالِحِينَ: تَنَاوُلُ لُقْمَةٍ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ مِنْ كَبِدِهَا أَوْ غَيْرِهَا تَبَرُّكًا) وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ مِنْ وَاجِبِ الْأَكْلِ.
(وَإِنْ كَانَتْ) الْأُضْحِيَّةُ (لِيَتِيمٍ، فَلَا يَتَصَدَّقُ الْوَلِيُّ عَنْهُ) مِنْهَا بِشَيْءٍ (وَلَا يُهْدِي مِنْهَا شَيْئًا، وَيَأْتِي فِي الْحَجْرِ وَيُوَفِّرُهَا لَهُ)؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ مِنْ مَالِهِ (وَكَذَا الْمُكَاتَبُ لَا يَتَبَرَّعُ مِنْهَا بِشَيْءٍ) إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِمَا سَبَقَ.
(فَإِنْ أَكَلَ أَكْثَرَ) الْأُضْحِيَّةِ أَوْ أَهْدَى أَكْثَرَهَا (أَوْ أَكَلَهَا كُلَّهَا) إلَّا أُوقِيَّةً تَصَدَّقَ بِهَا جَازَ (أَوْ أَهْدَاهَا كُلَّهَا إلَّا أُوقِيَّةً تَصَدَّقَ بِهَا جَازَ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الصَّدَقَةُ بِبَعْضِهَا) نِيئًا عَلَى فَقِيرِ مُسْلِمٍ لِعُمُومِ {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} (فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ) نِيءٍ مِنْهَا (ضَمِنَ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ) كَالْأُوقِيَّةِ (بِمِثْلِهِ لَحْمًا)؛ لِأَنَّ مَا أُبِيحَ لَهُ أَكْلُهُ لَا تَلْزَمُهُ غَرَامَتُهُ، وَيَلْزَمُهُ غُرْمُ مَا وَجَبَتْ الصَّدَقَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ مَعَ بَقَائِهِ فَلَزِمَتْهُ غَرَامَتُهُ إذَا أَتْلَفَهُ كَالْوَدِيعَةِ.
(وَيُعْتَبَرُ تَمْلِيكُ الْفَقِيرِ) كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ (فَلَا يَكْفِي إطْعَامُهُ)؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ.
(وَمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ) أَيْ: ذَبْحَ الْأُضْحِيَّةِ (فَدَخَلَ الْعَشْرُ، حَرُمَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ يُضَحِّي عَنْهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ وَبَشَرَتِهِ إلَى الذَّبْحِ، وَلَوْ بِوَاحِدَةٍ لِمَنْ يُضَحِّي بِأَكْثَرَ) لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا «إذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ، وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَلَا مِنْ بَشَرِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهَا بِيَدِهِ، ثُمَّ يَبْعَثُ بِهَا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ، حَتَّى يَنْحَرَ الْهَدْيَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي إرْسَالِ الْهَدْيِ لَا فِي التَّضْحِيَةِ وَأَيْضًا فَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَامٌّ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ خَاصٌّ فَيُحْمَلُ الْعَامُّ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ مِنْ قَوْلِهِ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَوْلُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى فِعْلِهِ لِاحْتِمَالِ الْخُصُوصِيَّةِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: أَخَذَ شَيْئًا مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أَوْ بَشَرَتِهِ (تَابَ) إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ قُلْت: وَهَذَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِلَّا، فَلَا إثْمَ كَالْمُحْرِمِ وَأَوْلَى (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ) إجْمَاعًا سَوَاءٌ فَعَلَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا (وَيُسْتَحَبُّ حَلْقُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ) قَالَ أَحْمَدُ: عَلَى مَا فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ تَعْظِيمًا لِذَلِكَ الْيَوْمِ؛ وَلِأَنَّهُ كَانَ مَمْنُوعًا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ، فَاسْتُحِبَّ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَهُ كَالْمُحْرِمِ.
(وَلَوْ أَوْجَبَهَا) بِنَذْرٍ أَوْ تَعْيِينٍ (ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ) فِي الْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ وَالصَّدَقَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَلَا تُبَاعُ فِي دَيْنِهِ، وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا).
(وَنُسِخَ تَحْرِيمُ ادِّخَارِ لَحْمِهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ (فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَيَدَّخِرُ مَا شَاءَ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ ادِّخَارِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ» وَحَدِيثُ عَائِشَةَ «إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِلدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَتَصَدَّقُوا، وَادَّخِرُوا» وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُمَا الرُّخْصَةُ (قَالَ: الشَّيْخُ إلَّا زَمَنَ مَجَاعَةٍ)؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَحْرِيمِ الِادِّخَارِ.
(وَقَالَ الْأُضْحِيَّةُ مِنْ النَّفَقَةِ بِالْمَعْرُوفِ فَتُضَحِّي الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ بِلَا إذْنِهِ) عِنْدَ غَيْبَتِهِ، أَوْ امْتِنَاعِهِ كَالنَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ.
(وَ) يُضَحِّي (مَدِينٌ لَمْ يُطَالِبْهُ رَبُّ الدَّيْنِ) وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: إذَا لَمْ يُضِرَّ بِهِ.
(وَلَا يُعْتَبَرُ التَّمْلِيكُ فِي الْعَقِيقَةِ)؛ لِأَنَّهَا لِسُرُورٍ حَادِثٍ فَتُشْبِهُ الْوَلِيمَةَ بِخِلَافِ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ.

.فَصْلٌ: في الْعَقِيقَةِ:

وَالْعَقِيقَةُ وَهِيَ النَّسِيكَةُ وَهِيَ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْ الْمَوْلُودِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الْأَصْلُ فِي الْعَقِيقَةِ: الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْمَوْلُودِ وَجَمْعُهَا عَقَائِقُ ثُمَّ إنَّ الْعَرَبَ سَمَّتْ الذَّبِيحَةَ عِنْدَ حَلْقِ شَعْرِ الْمَوْلُودِ عَقِيقَةً عَلَى عَادَتِهِمْ فِي تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ سَبَبِهِ، أَوْ مَا يُجَاوِرُهُ، ثُمَّ اشْتَهَرَ ذَلِكَ، حَتَّى صَارَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ، بِحَيْثُ لَا يُفْهَمُ مِنْ الْعَقِيقَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إلَّا الذَّبِيحَةُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَنْكَرَ أَحْمَدُ هَذَا التَّفْسِيرَ، وَقَالَ: إنَّمَا الْعَقِيقَةُ الذَّبْحُ نَفْسُهُ، وَوَجْهُهُ: أَنَّ أَصْلَ الْعَقِّ الْقَطْعُ وَمِنْهُ عَقَّ وَالِدَيْهِ، إذَا قَطَعَهُمَا وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ وَالْوَدَجَيْنِ ا هـ وَقِيلَ: الْعَقِيقَةُ: الطَّعَامُ الَّذِي يُصْنَعُ وَيُدْعَى إلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْمَوْلُودِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى الْأَبِ غَنِيًّا كَانَ الْوَالِدُ أَوْ فَقِيرًا) قَالَ أَحْمَدُ الْعَقِيقَةُ سُنَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَفَعَلَهُ أَصْحَابُهُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ» وَهُوَ إسْنَادٌ جَيِّدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَمَنْ جَعَلَهَا مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ (عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ سِنًّا وَشَبَهًا) لِمَا رَوَتْ أُمُّ كُرْزٍ الْكَعْبِيَّةُ قَالَتْ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُتَكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ».
وَفِي لَفْظٍ «عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مِثْلَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(فَإِنْ تَعَذَّرَتَا) أَيْ: الشَّاتَانِ عَنْ الْغُلَامِ (فَ) شَاةٌ (وَاحِدَةٌ) لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يَعُقُّ اقْتَرَضَ) وَعَقَّ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَحْيَا سُنَّةً قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ صَدَقَ أَحْمَدُ إحْيَاءُ السُّنَنِ وَاتِّبَاعُهَا أَفْضَلُ (قَالَ الشَّيْخُ مَحَلُّهُ لِمَنْ لَهُ وَفَاءٌ) وَإِلَّا، فَلَا يَقْتَرِضُ؛ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِنَفْسِهِ وَغَرِيمِهِ.
(وَلَا يَعُقُّ غَيْرُ الْأَبِ) قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ الْحَنَابِلَةِ يَتَعَيَّنُ الْأَبُ، إلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ بِمَوْتٍ أَوْ امْتِنَاعٍ ا هـ قُلْت: وَمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ؛ فَلِأَنَّهُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
(وَلَا) يَعُقُّ (الْمَوْلُودُ عَنْ نَفْسِهِ إذَا كَبِرَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْأَبِ، فَلَا يَفْعَلُهَا غَيْرُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ: عَقَّ غَيْرُ الْأَبِ وَالْمَوْلُودُ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ كَبِرَ (لَمْ يُكْرَهْ) ذَلِكَ (فِيهِمَا) لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَيْهَا قُلْت: لَكِنْ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْعَقِيقَةِ.
(وَاخْتَارَ جَمْعٌ يَعُقُّ عَنْ نَفْسِهِ) اسْتِحْبَابًا إذَا لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ أَبُوهُ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالرَّوْضَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنَّظْمِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: تَأَسِّيًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْنَاهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ؛ لِأَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ عَنْهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُرْتَهَنٌ بِهَا، فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْرَعَ لَهُ فِكَاكُ نَفْسِهِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ يُعَقُّ عَنْ الْيَتِيمِ) أَيْ: مِنْ مَالِهِ (كَالْأُضْحِيَّةِ وَأَوْلَى)؛ لِأَنَّهُ مُرْتَهَنٌ بِهَا، بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ.
(وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(تُذْبَحُ يَوْمَ سَابِعِهِ مِنْ مِيلَادِهِ) لِحَدِيثِ سَمُرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ وَيُسَمَّى فِيهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ» رَوَاهُ أَهْلُ السُّنَنِ كُلُّهُمْ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ: ضَحْوَةُ النَّهَارِ) لَعَلَّهُ تَفَاؤُلًا (وَيَجُوزُ ذَبْحُهَا قَبْلَ السَّابِعِ) قَالَ فِي تُحْفَةِ الْوَدُودِ فِي أَحْكَامِ الْمَوْلُودِ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِذَلِكَ، أَيْ: بِالسَّابِعِ وَنَحْوِهِ اسْتِحْبَابًا وَإِلَّا فَلَوْ ذَبَحَ عَنْهُ فِي الرَّابِعِ أَوْ الثَّامِنِ أَوْ الْعَاشِرِ، أَوْ مَا بَعْدَهُ أَجْزَأَتْهُ وَالِاعْتِبَارُ بِالذَّبْحِ لَا بِيَوْمِ الطَّبْخِ وَالْأَكْلِ (وَلَا تُجْزِئُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ) كَالْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْيَمِينِ، لِتَقَدُّمِهَا عَلَى سَبَبِهَا.
(وَإِنْ عَقَّ بِبَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ لَمْ تُجْزِئْهُ إلَّا كَامِلَةً، فَلَا يُجْزِئُ فِيهَا شِرْكٌ فِي دَمٍ) أَيْ: فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: وَأَفْضَلُهُ شَاةٌ (وَيَنْوِيهَا عَقِيقَةً) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».
(وَيُسَمَّى) الْمَوْلُودُ (فِيهِ) أَيْ: فِي يَوْمِ السَّابِعِ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَتَقَدَّمَ (وَالتَّسْمِيَةُ لِلْأَبِ)، فَلَا يُسَمِّيهِ غَيْرُهُ مَعَ وُجُودِهِ.
(وَفِي الرِّعَايَةِ: يُسَمَّى يَوْمَ الْوِلَادَةِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ وِلَادَةِ إبْرَاهِيمَ ابْنِهِ «وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ مَوْلُودٌ فَسَمَّيْته إبْرَاهِيمَ بِاسْمِ أَبِي إبْرَاهِيمَ» (وَيُسَنُّ أَنْ يُحْسِنَ اسْمَهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «وَأَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا.
(وَكُلّ مَا أُضِيفَ إلَى) اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ (اللَّهِ) تَعَالَى (فَحَسَنٌ) كَعَبْدِ الرَّحِيمِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعَبْدِ الْخَالِقِ وَنَحْوِهِ (وَكَذَا أَسْمَاءُ الْأَنْبِيَاءِ) كَإِبْرَاهِيمَ وَنُوحٍ وَمُحَمَّدٍ وَصَالِحٍ وَشِبْهِهَا لِحَدِيثِ «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا عَذَّبْت أَحَدًا تَسَمَّى بِاسْمِك فِي النَّارِ».
(وَيَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ اسْمٍ وَاحِدٍ كَمَا يُوضَعُ اسْمٌ) وَهُوَ مَا لَيْسَ كُنْيَةً وَلَا لَقَبًا (وَكُنْيَةٌ) وَهِيَ مَا صُدِّرَتْ بِأَبٍ وَأُمٍّ (وَلَقَبٌ) وَهُوَ مَا أَشْعَرَ بِمَدْحٍ، كَزَيْنِ الْعَابِدِينَ، أَوْ ذَمٍّ كَبَطَّةَ (وَالِاقْتِصَارُ عَلَى اسْمٍ وَاحِدٍ أَوْلَى) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوْلَادِهِ.
(وَيُكْرَهُ) مِنْ الْأَسْمَاءِ (حَرْبٌ وَمُرَّةُ وَحَزَنٌ، وَنَافِعٌ، وَيَسَارٌ وَأَفْلَحُ وَنَجِيحٌ وَبَرَكَةُ، وَيَعْلَى وَمُقْبِلٌ، وَرَافِعٌ وَرَبَاحٌ وَالْعَاصِي، وَشِهَابٌ وَالْمُضْطَجِعُ، وَنَبِيٌّ وَنَحْوُهَا) كَرَسُولٍ (وَكَذَا مَا فِيهِ تَزْكِيَةٌ كَالتَّقِيِّ وَالزَّكِيِّ، وَالْأَشْرَفِ، وَالْأَفْضَلِ، وَبَرَّةَ قَالَ الْقَاضِي وَكُلُّ مَا فِيهِ تَفْخِيمٌ أَوْ تَعْظِيمٌ) قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ لَا تُسَمِّ غُلَامَك يَسَارًا وَلَا رَبَاحًا وَلَا نَجِيحًا وَلَا أَفْلَحَ فَإِنَّك تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟، فَلَا يَكُونُ فَتَقُولُ: لَا فَرُبَّمَا كَانَ طَرِيقًا إلَى التَّشَاؤُمِ وَالتَّطَيُّرِ فَالنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ مَا يُطْرِقُ إلَى الطِّيَرَةِ إلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَحْرُمُ لِحَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّ الْآذِنَ عَلَى مَشْرَبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدٌ يُقَالُ لَهُ: رَبَاحٌ».
(وَيَحْرُمُ) التَّسْمِيَةُ (بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا يُوَازِي أَسْمَاءَ اللَّهِ كَسُلْطَانِ السَّلَاطِينِ، وَشَاهِنْشَاه لِمَا رَوَى أَحْمَدُ «اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى رَجُلٍ تَسَمَّى مَلِكَ الْأَمْلَاكِ لَا مَلِكَ إلَّا اللَّهُ».
(وَ) يَحْرُمُ أَيْضًا التَّسْمِيَةُ (بِمَا لَا يَلِيقُ إلَّا بِاَللَّهِ كَقُدُّوسٍ، وَالْبَرِّ وَخَالِقٍ وَرَحْمَنٍ)؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى.
(وَلَا يُكْرَهُ) أَنْ يُسَمَّى (بِجِبْرِيلَ) وَنَحْوِهِ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَلَائِكَةِ (وَيَاسِين) قُلْت: وَمِثْلُهُ طَه، خِلَافًا لِمَالِكٍ فَقَدْ كَرِهَ التَّسْمِيَةَ بِهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي التُّحْفَةِ وَمِمَّا يُمْنَعُ التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الْقُرْآنِ، وَسُوَرِهِ مِثْلُ طَه وَيس، وَحُمَّ وَقَدْ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّسْمِيَةِ بِ يس ذَكَرَهُ السُّهَيْلِيُّ وَأَمَّا مَا يَذْكُرهُ الْعَوَامُّ مِنْ أَنَّ يس وَطَه مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لَيْسَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ وَلَا مُرْسَلٍ وَلَا أَثَرٍ عَنْ صَاحِبٍ وَإِنَّمَا هَذِهِ الْحُرُوفُ مِثْلُ الم وَحم وَالر وَنَحْوِهَا ا هـ لَكِنْ قَالَ الْعَلَائِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِي سُورَةِ طَه: وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُ اللَّهُ بِهِ كَمَا سَمَّاهُ مُحَمَّدًا وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «لِي عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ فَذَكَرَ أَنَّ مِنْهَا طَه وَيس» ا هـ وَعَلَيْهِ، فَلَا تَمْتَنِعُ التَّسْمِيَةُ بِهِمَا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ أَيْضًا لَا تَجُوزُ تَسْمِيَةُ الْمُلُوكِ بِالْقَاهِرِ وَالظَّاهِرِ (قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ اسْمٍ مُعَبَّدٍ لِغَيْرِ اللَّهِ) تَعَالَى (كَعَبْدِ الْعُزَّى وَعَبْدِ عَمْرٍو وَعَبْدِ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الْكَعْبَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ا هـ وَمِثْلُهُ عَبْدُ النَّبِيِّ وَعَبْدُ الْحُسَيْنِ كَعَبْدِ الْمَسِيحِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَ) أَمَّا (قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ» فَلَيْسَ مِنْ بَابِ إنْشَاءِ التَّسْمِيَةِ، بَلْ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ بِالِاسْمِ الَّذِي عُرِفَ بِهِ الْمُسَمَّى وَالْإِخْبَارُ بِمِثْلِ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ تَعْرِيفِ الْمُسَمَّى لَا يَحْرُمُ، فَبَابُ الْإِخْبَارِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الْإِنْشَاءِ قَالَ وَقَدْ كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ يَتَوَرَّعُونَ عَنْ إطْلَاقِ قَاضِي الْقُضَاةِ وَحَاكِمِ الْحُكَّامِ) قِيَاسًا عَلَى مَا يُبْغِضُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ التَّسْمِيَةِ بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ (وَهَذَا مَحْضُ الْقِيَاسِ قَالَ: وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ التَّسْمِيَةِ بِسَيِّدِ النَّاسِ وَسَيِّدِ الْكُلِّ كَمَا يَحْرُمُ بِسَيِّدٍ وَلَدِ آدَمَ انْتَهَى)؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ إلَّا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَمَنْ لُقِّبَ بِمَا يُصَدِّقُهُ فِعْلُهُ) بِأَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ مُوَافِقًا لِلَقَبِهِ (جَازَ، وَيَحْرُمُ) مِنْ الْأَلْقَابِ (مَا لَمْ يَقَعْ عَلَى مَخْرَجٍ صَحِيحٍ)؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ (عَلَى أَنَّ التَّأْوِيلَ فِي كَمَالِ الدِّينِ، وَشَرَفِ الدِّينِ: أَنَّ الدِّينَ كَمَّلَهُ وَشَرَّفَهُ قَالَهُ) يَحْيَى بْنُ هُبَيْرَةَ.
(وَلَا يُكْرَهُ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَصَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِعْلُ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْيَانِ، وَرِضَاهُمْ بِهِ يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَقَالَ فِي الْهَدْيِ: وَالصَّوَابُ أَنَّ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ مَمْنُوعٌ وَالْمَنْعُ فِي حَيَاتِهِ أَشَدُّ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَمْنُوعٌ ا هـ فَظَاهِرُهُ: التَّحْرِيمُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ اسْمِي وَكُنْيَتِي» (وَيَجُوزُ تَكْنِيَتُهُ أَبَا فُلَانٍ وَأَبَا فُلَانَةَ وَتَكْنِيَتُهَا أُمَّ فُلَانٍ كَأُمِّ فُلَانَةَ) لِعَدَمِ الْمَحْذُورِ.
(وَ) تُبَاحُ (تَكْنِيَتُهُ الصَّغِيرَ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ».
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُقَالَ لِمُنَافِقٍ أَوْ كَافِرٍ: يَا سَيِّدِي) كَبُدَاءَتِهِ بِالسَّلَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِهِ.
(وَلَا يُسَمَّى الْغُلَامُ) أَيْ: الْعَبْدُ (بِيَسَارٍ، وَلَا رَبَاحٍ وَلَا نَجِيحٍ، وَلَا أَفْلَحَ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: قُلْت: وَفِي مَعْنَى هَذَا مُبَارَكٌ وَمُفْلِحٌ وَخَيْرٌ، وَسُرُورٌ، وَنِعْمَةُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ طَرِيقًا لِلتَّشَاؤُمِ وَالتَّطَيُّرِ.
(وَمِنْ) الْأَسْمَاءِ (الْمَكْرُوهَةِ: التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ الشَّيَاطِينِ كَخَنْزَبٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ وَالزَّايِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ (وَوَلْهَانَ وَالْأَعْوَرِ، وَالْأَجْدَعِ وَ) مِنْ التَّسْمِيَةِ الْمَكْرُوهَةِ: التَّسْمِيَةُ بِأَسْمَاءِ (الْفَرَاعِنَةِ وَالْجَبَابِرَةِ، كَفِرْعَوْنَ وَقَارُونَ وَهَامَانَ وَالْوَلِيدِ).
(وَيُسْتَحَبُّ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ) قَالَ أَبُو دَاوُد «وَغَيَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَ الْعَاصِ وَعُزَيْرَةَ وَعَفْرَةَ وَشَيْطَانَ وَالْحَكَمِ وَغُرَابٍ وَحَبَابٍ وَشِهَابٍ فَسَمَّاهُ هِشَامًا وَسَمَّى حَرْبًا سِلْمًا وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ وَأَرْضَ عَفْرَةً سَمَّاهَا خَضْرَةً وَشُعَبَ الضَّلَالَةِ شُعَبَ الْهُدَى وَبَنُو الزِّنْيَةِ سَمَّاهُمْ بَنِي الرَّشْدَةِ وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةَ بَنِي مُرْشِدَةَ» قَالَ: وَتَرَكْت أَسَانِيدَهَا لِلِاخْتِصَارِ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ (فِي الْفُصُولِ: وَلَا بَأْسَ بِتَسْمِيَةِ النُّجُومِ بِالْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ، كَالْحَمَلِ، وَالثَّوْرِ، وَالْجَدْيِ؛ لِأَنَّهَا أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ وَاللُّغَةُ وَضْعٌ) أَيْ: جَعْلُ لَفْظٍ دَلِيلًا عَلَى الْمَعْنَى فَلَيْسَ مَعْنَاهَا أَنَّهَا هَذِهِ الْحَيَوَانَاتِ، حَتَّى يَكُونَ كَذِبًا (فَلَا يُكْرَهُ) وَضْعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِتِلْكَ الْمَعَانِي (كَتَسْمِيَةِ الْجِبَالِ وَالْأَوْدِيَةِ وَالشَّجَرِ بِمَا وَضَعُوهُ لَهَا، وَلَيْسَ مِنْ حَيْثُ تَسْمِيَتِهِمْ) أَيْ: الْعَرَبِ (لَهَا) أَيْ: النُّجُومِ (بِأَسْمَاءِ الْحَيَوَانِ) السَّابِقَةِ (كَانَ) الظَّاهِرُ زِيَادَتُهَا (كَذِبًا) أَيْ: لَيْسَ الْوَضْعُ كَذِبًا مِنْ حَيْثُ التَّسْمِيَةِ (وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَوَسُّعٌ وَمَجَازٌ كَمَا سَمَّوْا الْكَرِيمَ بَحْرًا) لَكِنَّ اسْتِعْمَالَ الْبَحْرِ لِلْكَرِيمِ مَجَازٌ بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ فِي النُّجُومِ فَإِنَّهُ حَقِيقَةٌ وَالتَّوَسُّعُ فِي التَّسْمِيَةِ فَقَطْ.
(وَ) سُنَّ أَنْ (يُؤَذَّنَ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُمْنَى) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (حِينَ يُولَدُ، وَ) أَنْ (يُقِيمَ فِي الْيُسْرَى) لِحَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَاهُ وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى رُفِعَتْ عَنْهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ يَوْمَ وُلِدَ وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى» رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَقَالَ وَفِي إسْنَادِهِمَا ضَعْفٌ.
(وَ) سُنَّ أَنْ يُحَنَّكَ (الْمَوْلُودُ بِتَمْرَةٍ بِأَنْ تُمْضَغَ وَيُدَلَّكَ بِهَا دَاخِلَ فَمِهِ، وَيُفْتَحَ فَمُهُ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى جَوْفِهِ مِنْهَا شَيْءٌ) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ «وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْت بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ» زَادَ الْبُخَارِيُّ «وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إلَيَّ، وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى».
(وَيُحْلَقُ رَأْسِ ذَكَرٍ لَا) رَأْسُ (أُنْثَى يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِوَزْنِهِ وَرِقًا) أَيْ: فِضَّةً لِحَدِيثِ سَمُرَةَ وَتَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ لَمَّا وَلَدَتْ الْحَسَنَ «احْلِقِي رَأْسَهُ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَالْأَوْقَاصِ»، يَعْنِي: أَهْلَ الصُّفَّةِ رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(فَإِنْ فَاتَ) يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ غَيْرِ عَقِيقَةٍ وَلَا تَسْمِيَةٍ وَلَا حَلْقِ رَأْسِ ذَكَرٍ (فَ) إنَّ ذَلِكَ يُفْعَلُ (فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ) أَيْ: فِي الْيَوْمِ الرَّابِعَ عَشَرَ (فَإِنْ فَاتَ فَفِي أَحَدٍ وَعِشْرِينَ) رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ (وَلَا تُعْتَبَرُ الْأَسَابِيعُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَعُقُّ بَعْدَ ذَلِكَ) الْيَوْمَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ (فِي أَيِّ يَوْمٍ أَرَادَ)؛ لِأَنَّهُ قَضَاءُ دَمٍ فَائِتٍ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى يَوْمٍ كَقَضَاءِ الْأُضْحِيَّةِ.
(وَلَا تَخْتَصُّ الْعَقِيقَةُ بِالصِّغَرِ)، فَيَعُقُّ الْأَبُ عَنْ الْمَوْلُودِ، وَلَوْ بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهَا.
(وَلَوْ اجْتَمَعَ عَقِيقَةٌ وَأُضْحِيَّةٌ وَنَوَى) الذَّبِيحَةَ (عَنْهُمَا) أَيْ: عَنْ الْعَقِيقَةِ وَالْأُضْحِيَّةِ (أَجْزَأَتْ عَنْهُمَا نَصًّا).
وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَإِنْ اتَّفَقَ وَقْتُ عَقِيقَةٍ وَأُضْحِيَّةٍ فَعَقَّ أَوْ ضَحَّى أَجْزَأَ عَنْ الْأُخْرَى ا هـ وَمُقْتَضَاهُ إجْزَاءُ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا لَكِنَّ تَعْبِيرَ الْمُصَنِّفِ مُوَافِقٌ لِمَا عَبَّرَ بِهِ فِي تُحْفَةِ الْوَدُودِ: آخِرًا (قَالَ) الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ (ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ تُحْفَةُ الْوَدُودِ فِي أَحْكَامِ الْمَوْلُودِ: كَمَا لَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَسُنَّةَ الْمَكْتُوبَةِ أَوْ صَلَّى بَعْدَ الطَّوَافِ فَرْضًا أَوْ سُنَّةً مَكْتُوبَةً وَقَعَ) أَيْ: مَا صَلَّاهُ (عَنْهُ) أَيْ: عَنْ فَرْضِهِ.
(وَعَنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ شَاةً يَوْمَ النَّحْرِ أَجْزَأَ عَنْ دَمِ الْمُتْعَةِ) أَيْ: أَوْ الْقِرَانِ (وَعَنْ الْأُضْحِيَّةِ ا هـ وَفِي مَعْنَاهُ: لَوْ اجْتَمَعَ هَدْيٌ وَأُضْحِيَّةٌ) فَتُجْزِئُ ذَبِيحَةٌ عَنْهُمَا، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُمَا بِالذَّبْحِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْقَيِّمِ: وَكَذَلِكَ لَوْ ذَبَحَ الْمُتَمَتِّعُ إلَخْ (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ لَا تَضْحِيَةَ بِمَكَّةَ إنَّمَا هُوَ الْهَدْيُ) لِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ.
(وَيُكْرَهُ لَطْخُهُ) أَيْ: الْمَوْلُودِ (مِنْ دَمِهَا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُمَسَّ بِدَمٍ؛ لِأَنَّهُ أَذًى وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدٍ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَلَا يُمَسُّ رَأْسُهُ بِدَمٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَلَمْ يَقُلْ: عَنْ أَبِيهِ قَالَ مُهَنَّا ذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِأَحْمَدَ فَقَالَ: مَا أَظْرَفَهُ، وَأَمَّا مَنْ رَوَى «وَيُدَمَّى» فَقَالَ أَبُو دَاوُد «وَيُسَمَّى» يَعْنِي مَكَانَ «يُدَمَّى» أَصَحُّ هَكَذَا قَالَ سَلَامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ قَتَادَةَ وَإِيَاسُ بْنُ دَغْفَلٍ عَنْ الْحَسَنِ وَوَهِمَ هَمَّامٌ فَقَالَ: «وَيُدَمَّى» قَالَ أَحْمَدُ: قَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي عَرُوبَةَ «يُسَمَّى» وَقَالَ هَمَّامٌ «يُدَمَّى» وَمَا أُرَاهُ إلَّا خَطَأً.
(وَإِنْ لَطَّخَ رَأْسَهُ بِزَعْفَرَانٍ، فَلَا بَأْسَ) لِقَوْلِ بُرَيْدَةَ «كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ عَنْهُ شَاةً وَيُلَطِّخُ رَأْسَهُ بِدَمِهَا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كُنَّا نَذْبَحُ شَاةً وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَقَالَ) شَمْسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ (ابْنُ الْقَيِّمِ) لَطْخُ رَأْسِهِ بِزَعْفَرَانٍ (سُنَّةٌ) لِمَا مَرَّ.
(مَرَّ وَيَنْزِعُهَا أَعْضَاءً وَلَا يَكْسِرُ عَظْمُهَا) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «السُّنَّةُ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ عَنْ الْغُلَامِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ تُطْبَخُ جُدُولًا لَا يُكْسَرُ لَهَا عَظْمٌ» أَيْ: عُضْوٌ وَهُوَ الْجَدْلُ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَالْإِرْبُ، وَالشِّلْوُ، وَالْعُضْوُ، وَالْوَصْلُ كُلُّهُ وَاحِدٌ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهَا أَوَّلُ ذَبِيحَةٍ عَنْ الْمَوْلُودِ، فَاسْتُحِبَّ فِيهَا ذَلِكَ تَفَاؤُلًا بِالسَّلَامَةِ كَذَلِكَ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (فَيُطْبَخُ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ نَصَّ عَلَيْهِ ثُمَّ يُطْعِمُ مِنْهَا الْأَوْلَادَ وَالْمَسَاكِينَ وَالْجِيرَانَ قِيلَ) لِلْإِمَامِ (أَحْمَدَ فَإِنْ طُبِخَتْ بِشَيْءٍ آخَرَ غَيْرِ الْمَاءِ وَالْمِلْحِ؟ فَقَالَ: مَا ضَرَّ ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُنْتَهَى: (وَيَكُونُ مِنْهُ بِحُلْوٍ) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُطْبَخَ مِنْهَا طَبِيخٌ حُلْوٌ، تَفَاؤُلًا بِحَلَاوَةِ أَخْلَاقِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) فِي التَّنْبِيهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْطِيَ الْقَابِلَةَ مِنْهَا فَخِذًا) لِمَا فِي مَرَاسِيلِ أَبِي دَاوُد عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْعَقِيقَةِ الَّتِي عَقَّتْهَا فَاطِمَةُ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ «أَنْ يَبْعَثُوا إلَى الْقَابِلَةِ بِرِجْلٍ وَكُلُوا وَأَطْعِمُوا وَلَا تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا».
(وَحُكْمُهَا) أَيْ: الْعَقِيقَةِ (حُكْمُ الْأُضْحِيَّةِ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهَا كَالْأَكْلِ وَالْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ) قَالَ فِي رِوَايَةِ الْحَارِثِ وَصَالِحٍ ابْنِهِ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ جِيرَانَهُ وَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ كَمْ يَقْسِمُ مِنْ الْعَقِيقَةِ؟ قَالَ: مَا أَحَبَّ.
وَقَالَ الْمَيْمُونِيُّ: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُؤْكَلُ مِنْ الْعَقِيقَةِ؟ قَالَ نَعَمْ يَأْكُلُ مِنْهَا قُلْت: كَمْ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي أَمَّا الْأَضَاحِيُّ: فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ لِي: وَلَكِنَّ الْعَقِيقَةَ يُؤْكَلُ مِنْهَا قُلْت: يُشْبِهَانِ فِي أَكْلِ الْأُضْحِيَّةِ؟ قَالَ: نَعَمْ يُؤْكَلُ مِنْهَا (وَالضَّمَانِ) إذَا أَتْلَفَهَا أَوْ أَمْسَكَ اللَّحْمَ حَتَّى أَنْتَنَ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ.
(وَالْوَلَدِ) فَيُذْبَحُ مَعَهَا (وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ) أَوْ الشَّعْرِ أَوْ الْوَبَرِ، فَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِهِ (وَالذَّكَاةِ)، فَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُهَا حَيَّةً (وَالرُّكُوبِ وَمَا يَجُوزُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِمَّا تَقَدَّمَ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ كَاسْتِحْبَابِ اسْتِحْسَانِهَا وَاسْتِسْمَانِهَا وَإِنَّ أَفْضَلَ أَلْوَانِهَا الْبَيَاضُ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي تَعَلُّقِ الْفُقَرَاءِ بِهِمَا.
(وَيُجْتَنَبُ فِيهَا) أَيْ: الْعَقِيقَةِ مِنْ الْعَيْبِ (مَا يُجْتَنَبُ فِي الْأُضْحِيَّةِ)، فَلَا تُجْزِئُ فِيهَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَنَحْوُهَا (وَيُبَاعُ جِلْدُهَا وَرَأْسُهَا وَسَوَاقِطُهَا، وَيُتَصَدَّقُ بِثَمَنِهَا بِخِلَافِ الْأُضْحِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَدْخَلُ مِنْهَا فِي التَّعَبُّدِ) وَالذَّكَرُ أَفْضَلُ فِي الْعَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَقَّ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بِكَبْشٍ كَبْشٍ» (وَيَقُولُ عِنْدَ ذَبْحِهَا: بِسْمِ اللَّهِ، اللَّهُمَّ لَك وَإِلَيْك هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اذْبَحُوا عَلَى اسْمِهِ فَقُولُوا: بِسْمِ اللَّهِ لَك وَإِلَيْك اللَّهُمَّ هَذِهِ عَقِيقَةُ فُلَانٍ» رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ وَقَالَ هَذَا حَسَنٌ.
تَتِمَّةٌ:
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَرَوَيْنَا أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَ الْحَسَنِ يُهَنِّيهِ بِابْنٍ لِيَهْنَأْكَ الْفَارِسُ فَقَالَ الْحَسَنُ وَمَا يُدْرِيك أَفَارِسٌ هُوَ أَمْ حِمَارٌ؟ فَقَالَ: كَيْفَ نَقُولُ قَالَ قُلْ: بُورِكَ فِي الْمَوْهُوبِ وَشَكَرْت الْوَاهِبَ، وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَرُزِقْت بِهِ بِرَّهُ.
(وَلَا تُسَنُّ الْفَرَعَةُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَتُسَمَّى أَيْضًا الْفَرَعُ (وَهِيَ ذَبْحُ أَوَّلِ وَلَدِ النَّاقَةِ) كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ لَحْمَهُ وَيُلْقُونَ جِلْدَهُ عَلَى شَجَرَةٍ (وَلَا الْعَتِيرَةُ وَهِيَ ذَبِيحَةُ رَجَبٍ) أَيْ: شَاةٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تَذْبَحُهَا فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَجَبٍ لِطَوَاغِيتِهِمْ وَأَصْنَامِهِمْ وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُلْقُونَ جِلْدَهَا عَلَى شَجَرَةٍ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ حَدِيثُ ثَابِتٍ فَهُوَ مَنْسُوخٌ، لِتَأَخُّرِ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرَعَ وَالْعَتِيرَةَ كَانَ فِعْلُهُمَا أَمْرًا مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِسْلَامِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُمْ عَلَيْهِ إلَى حِينِ نَسْخِهِ وَاسْتِمْرَارِ النَّسْخِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لَهُ.
(وَلَا يُكْرَهَانِ) أَيْ: الْفَرَعَةُ وَالْعَتِيرَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبْرِ نَفْيُ كَوْنِهِمَا سُنَّةً، لَا تَحْرِيمُ فِعْلِهِمَا وَلَا كَرَاهَتُهُ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ بِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا وَاضِحٌ لِحَدِيثِ «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».