فصل: فَصْلٌ: فيما يَتَعَلَّقُ بطعام الجَزَاءِ الْفِدْيَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: فيما يَتَعَلَّقُ بطعام الجَزَاءِ الْفِدْيَةِ:

(وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ يَتَعَلَّقُ بِحَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ كَجَزَاءِ صَيْدٍ وَمَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ) وَجَبَ ل (فَوَاتٍ أَوْ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فِي الْحَرَمِ وَهَدْيِ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ وَمَنْذُورٍ وَنَحْوِهَا) فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ أَمَّا الْهَدْيُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وَأَمَّا مَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فَوَاتِ الْحَجِّ فَلِأَنَّهُ هَدْيٌ وَجَبَ لِتَرْكِ نُسُكٍ أَشْبَهَ دَمَ الْقِرَانِ وَالْإِطْعَامِ فِي مَعْنَى الْهَدْيِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ»؛ وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ يَنْفَعَهُمْ كَالْهَدْيِ وَكُلُّ هَدْيٍ قُلْنَا إنَّهُ لِمَسَاكِينِ الْحَرَم فَإِنَّهُ (يَلْزَمهُ ذَبْحه فِي الْحَرَم) وَيُجْزِئُهُ الذَّبْح فِي جَمِيع الْحَرَم لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِر مَرْفُوعًا «كُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ طَرِيقٌ وَمَنْحَرٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلَكِنَّهُ فِي مُسْلِمٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا «مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ» وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَرَمَ؛ لِأَنَّهُ كُلَّهُ طَرِيقٌ إلَيْهَا، وَالْفَجُّ الطَّرِيقُ وَقَوْلُهُ: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} لَا يُمْنَعُ الذَّبْحُ فِي غَيْرِهَا كَمَا لَمْ يَمْنَعْهُ بِمِنًى.
(وَ) يَلْزَمُهُ (تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ فِيهِ) أَيْ: فِي الْحَرَمِ (أَوْ إطْلَاقُهُ بَعْدَ ذَبْحِهِ لِمَسَاكِينِهِ) أَيْ: الْحَرَمِ (مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنْ قَدِرَ عَلَى إيصَالِهِ إلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يُرْسِلُهُ مَعَهُ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ذَبْحِهِ بِالْحَرَمِ التَّوْسِعَةُ عَلَى مَسَاكِينِهِ وَلَا يَحْصُلُ بِإِعْطَاءِ غَيْرِهِمْ.
(وَهُمْ) أَيْ: مَسَاكِينُ الْحَرَم (مَنْ كَانَ) مُقِيمًا (بِهِ أَوْ وَارِدًا إلَيْهِ مِنْ حَاجٍّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ أَخْذُ زَكَاةٍ لِحَاجَةٍ) كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ لِنَفْسِهِ (فَإِنْ دَفَعَ) مِنْ الْهَدْيِ أَوْ الْإِطْعَامِ (إلَى فَقِيرٍ فِي ظَنِّهِ فَبَانَ غَنِيًّا أَجْزَأَهُ) كَالزَّكَاةِ.
(وَيُجْزِئُ نَحْرُهُ فِي أَيِّ نَوَاحِي الْحَرَمِ كَانَ) الذَّبْحُ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ مَكَّةُ وَمِنًى وَاحِدٌ وَمُرَادُهُ: فِي الْإِجْزَاءِ لَا فِي التَّسَاوِي) فِي الْفَضِيلَةِ (وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ (وَالْأَفْضَلُ: أَنْ يَنْحَرَ فِي الْحَجِّ بِمِنًى وَفِي الْعُمْرَةِ بِالْمَرْوَةِ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَالِكٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ-.
(وَإِنْ سَلَّمَهُ) أَيْ: الْهَدْيَ حَيًّا (إلَيْهِمْ) أَيْ: إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ (فَنَحَرُوهُ) بِالْحَرَمِ (أَجْزَأَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَنْحَرُوهُ (اسْتَرَدَّهُ) مِنْهُمْ.
(وَنَحَرَهُ) لِوُجُوبِ نَحْرِهِ (فَإِنْ أَبَى) أَنْ يَسْتَرِدَّهُ (أَوْ عَجَزَ) عَنْ اسْتِرْدَادِهِ (ضَمِنَهُ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ لِعَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ.
(فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إيصَالِهِ إلَيْهِمْ) أَيْ: إلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ (جَازَ نَحْرُهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ) كَالْهَدْيِ إذَا عَطِبَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا}.
(وَ) جَازَ (تَفْرِقَتُهُ هُوَ) أَيْ: الْهَدْيَ الَّذِي عَجَزَ عَنْ إيصَالِهِ (وَ) تَفْرِقَةِ (الطَّعَامُ) إذَا عَجَزَ عَنْ إيصَالِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يُرْسِلُهُ مَعَهُ (حَيْثُ نَحَرَهُ) أَيْ: بِالْمَكَانِ الَّذِي نَحَرَهُ فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ (فِدْيَةَ الْأَذَى وَاللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا كَطِيبٍ وَدَمِ الْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ إذَا لَمْ يُنْزِلْ وَمَا وَجَبَ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ خَارِجَ الْحَرَمِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ غَيْرِ جَزَاءِ صَيْدٍ فَلَهُ تَفْرِقَتُهَا) أَيْ: الْفِدْيَةِ دَمًا كَانَتْ أَوْ طَعَامًا (حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهَا)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِالْفِدْيَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ» وَاشْتَكَى الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَأْسَهُ فَحَلَقَهُ عَلِيٌّ وَنَحَرَ عَنْهُ جَزُورًا بِالسُّقْيَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُمَا.
(وَ) لَهُ تَفْرِقَتُهَا (فِي الْحَرَم أَيْضًا) كَسَائِرِ الْهَدَايَا.
(وَوَقْتُ ذَبْحِ فِدْيَةِ الْأَذَى) أَيْ: حَلْقِ الرَّأْسِ (وَ) فِدْيَةِ (اللُّبْسِ وَنَحْوِهِمَا) كَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالطِّيبِ.
(وَمَا لَحِقَ بِهِ) أَيْ: بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ (حِين فَعَلَهُ) أَيْ: الْمَحْظُورَ (وَلَهُ الذَّبْحُ قَبْلَهُ) إذَا أَرَادَ فِعْلَهُ (لِعُذْرٍ) كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَنَحْوِهَا وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ (وَكَذَلِكَ مَا وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ) أَيْ: يَكُونُ وَقْتُهُ مِنْ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ (وَلَوْ أَمْسَكَ صَيْدًا أَوْ جَرَحَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ جَزَاءَهُ ثُمَّ تَلِفَ الْمَجْرُوحُ أَوْ الْمُمْسَكُ أَوْ قَدَّمَ مَنْ أُبِيحَ لَهُ الْحَلْقُ فَدِيَتُهُ قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ حَلَقَ أَجْزَأَهُ) وَلَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تَكْرَارِ مَعَ مَا قَبْلَهُ.
(وَدَم الْإِحْصَارِ يُخْرِجُهُ حَيْثُ أُحْصِرَ) مِنْ حِلٍّ أَوْ حَرَمٍ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَحَرَ هَدْيَهُ فِي مَوْضِعِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ» وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}؛ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ حِلِّهِ فَكَانَ مَوْضِعُ نَحْرِهِ كَالْحَرَمِ.
(وَأَمَّا الصِّيَامُ وَالْحَلْقُ) فَيُجْزِئُهُ بِكُلِّ مَكَان لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «الْهَدْيُ وَالْإِطْعَامُ بِمَكَّةَ وَالصَّوْمُ حَيْثُ شَاءَ»؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إلَى أَحَدٍ فَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِمَكَانٍ بِخِلَافِ الْهَدْيِ وَالْإِطْعَامِ وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى التَّخْصِيصِ.
(وَ) أَمَّا (هَدْيُ التَّطَوُّعِ وَمَا يُسَمَّى نُسُكًا فَيُجْزِئُهُ بِكُلِّ مَكَان كَالْأُضْحِيَّةِ) ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ لِأَهْلِ الْحَرَمِ وَكَذَا مَا كَانَ نُسُكًا فَلَعَلَّ أَنْ يَكُونَ هُنَا نَقْصٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: لِعَدَمِ نَفْعِهِ وَلَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ بِمَكَانٍ وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُنَافِي هَدْيَ التَّطَوُّعِ وَمَا يُسَمَّى نُسُكًا فَإِنَّ فِيهِمَا نَفْعًا لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ.
(وَكُلُّ دَمٍ ذُكِرَ) وَلَمْ يُقَيَّدْ (يُجْزِئُ فِيهِ شَاةٌ كَأُضْحِيَّةٍ فَيُجْزِئُ الْجِذْعُ مِنْ الضَّأْنِ وَالثَّنِيُّ مِنْ الْمَعْزِ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ أَوْ سُبُعُ بَقَرَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي التَّمَتُّع: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شَاةٌ أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ وقَوْله تَعَالَى فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} وَفَسَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيث كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ بِذِبْحِ شَاةٍ وَمَا سِوَى هَذَيْنِ مَقِيسٌ عَلَيْهِمَا.
(وَإِنْ ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً فَهُوَ أَفْضَلُ وَتَكُونُ كُلُّهَا وَاجِبَةً)؛ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْأَعْلَى لِأَدَاءِ فَرْضِهِ فَكَانَ كُلُّهُ وَاجِبًا كَمَا لَوْ اخْتَارَ الْأَعْلَى مِنْ خِصَالِ الْكَفَّارَةِ.
(وَمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ أَجْزَأَتْهُ) عَنْهَا (بَقَرَةٌ) لِقَوْلِ جَابِرٍ كُنَّا نَنْحَرُ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ فَقِيلَ لَهُ: وَالْبَقَرَةُ؟ فَقَالَ وَهَلْ هِيَ إلَّا مِنْ الْبُدْنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (كَعَكْسِهِ) أَيْ: إجْزَاءِ الْبَدَنَةِ عَنْ بَقَرَةٍ.
(وَلَوْ) كَانَ ذَبَحَ الْبَقَرَةِ عَنْ الْبَدَنَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ (فِي جَزَاءِ صَيْدٍ وَنَذْرٍ) مُطْلَقٍ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ مَا نَوَاهُ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (وَيُجْزِئهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ (سَبْعُ شِيَاهٍ) وَلَوْ فِي نَذْرٍ أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ (وَيُجْزِئُهُ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ) سَوَاءٌ وَجَدَ الشِّيَاهَ أَوْ عَدِمَهَا؛ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَتَمَتَّعُونَ فَيَذْبَحُونَ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ قَالَ جَابِرٌ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَذَكَر جَمَاعَةٌ إلَّا فِي جَزَاءِ صَيْدٍ) فَلَا تُجْزِئُ بَدَنَةٌ عَنْ بَقَرَةٍ وَلَا عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ.

.(بَابٌ: جَزَاءُ الصَّيْدِ):

عَلَى طَرِيقِ التَّفْصِيلِ (جَزَاؤُهُ مَا يُسْتَحَقُّ بَدَلُهُ) أَيْ: الصَّيْدِ عَلَى مَنْ أَتْلَفَهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ (مِنْ مِثْلِهِ) أَيْ: الصَّيْدِ.
(وَمُقَارِبِهِ وَشِبْهِهِ) لَعَلَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِلْمُرَادِ مِنْ الْمِثْلِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ إرَادَةِ الْمُمَاثَلَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَهِيَ اتِّحَادُ الِاثْنَيْنِ فِي النَّوْعِ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ عَنْ الْمَطَالِعِ وَالْجَزَاءُ بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ مَصْدَرُ جَزَيْتُهُ بِمَا صَنَعَ ثُمَّ أُطْلِقَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ قَالَهُ أَبُو عُثْمَانَ فِي أَفْعَالِهِ: جَزَا الشَّيْءَ عَنْكَ وَأَجْزَا: إذَا قَامَ مَقَامَكَ وَقَدْ يُهْمَزُ.
(وَيَجْتَمِعُ الضَّمَانُ) لِمَالِكِهِ (وَالْجَزَاءُ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ (إذَا كَانَ) الصَّيْدُ (مِلْكًا لِلْغَيْرِ) أَيْ: غَيْرِ مُتْلِفهِ؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ مَضْمُونٌ بِالْكَفَّارَةِ فَجَازَ أَنْ يَجْتَمِعَ التَّقْوِيمُ وَالتَّكْفِيرُ فِي ضَمَانِهِ كَالْعَبْدِ (وَتَقَدَّمَ) فِي السَّادِسِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ.
(وَيَجُوزُ إخْرَاجُ الْجَزَاءِ بَعْدَ الْجُرْحِ وَقَبْلَ الْمَوْتِ) كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ وَتَقَدَّمَ.

.أنواع الصيد:

(وَهُوَ) أَيْ: الصَّيْدُ (ضَرْبَانِ):

.(أَحَدُهُمَا لَهُ مِثْلٌ):

أَيْ: شَبِيهٌ (مِنْ النَّعَمِ خِلْقَةً لَا قِيمَةً فَيَجِبُ فِيهِ مِثْلُهُ) نَصَّ عَلَيْهِ لِلْآيَةِ (وَهُوَ) أَيْ: الَّذِي لَهُ مِثْلٌ (نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا قَضَتْ فِيهِ الصَّحَابَةُ) أَيْ: وَلَوْ الْبَعْضُ لَا كُلُّهُمْ (فَفِيهِ مَا قَضَتْ بِهِ) الصَّحَابَةُ وَتَقَدَّمَ تَعْرِيفُ الصَّحَابِيِّ فِي الْخُطْبَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمْ أَقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ» وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ؛ وَلِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ وَأَعْرَفُ بِمَوَاقِعِ الْخِطَابِ كَانَ حُكْمُهُمْ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ كَالْعَالِمِ مَعَ الْعَامِّيِّ (فَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةً) حَكَمَ بِهِ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْبَعِيرَ فِي خِلْقَتِهِ فَكَانَ مِثْلًا لَهَا فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّصِّ وَجَعَلَهَا الْخِرَقِيُّ مِنْ أَقْسَامِ الطَّيْرِ؛ لِأَنَّ لَهَا جَنَاحَيْنِ فَيُعَايَى بِهَا فَيُقَالُ: طَائِرٌ يَجِبُ فِيهِ بَدَنَةٌ.
(وَ) يَجِبُ (فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ حِمَارِ الْوَحْشِ) بَقَرَةٌ قَضَى بِهَا عُمَرُ وَقَالَهُ عُرْوَةُ وَمُجَاهِدٌ؛ لِأَنَّهَا شَبِيهَةٌ بِهِ (وَبَقَرَتُهُ) أَيْ: الْوَحْشِ: بَقَرَةٌ، قَضَى بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ.
وَقَالَهُ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ (وَالْوَعَلُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِهَا: تَيْسُ الْجَبَلِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (وَهُوَ الْأَرْوَى) قَالَ فِي الصِّحَاحِ: يُرْوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «فِي الْأَرْوَى بَقَرَةٌ» (يُقَالُ لِذَكَرِهِ الْأَيَلُ) عَلَى وَزْنِ قَتَبٍ وَخَلَبٍ وَسَيِّدٍ، وَفِيهِ بَقَرَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(وَلِلْمُسِنِّ مِنْهُ التَّيْتَلُ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ (بَقَرَةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
(وَفِي الضَّبُعِ: كَبْشٌ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الضَّبُعِ فَقَالَ: هُوَ صَيْدٌ وَفِيهِ كَبْشٌ إذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَى أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ جَابِرٍ نَحْوَهُ مَرْفُوعًا وَقَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ (وَهُوَ) أَيْ: الْكَبْشُ (فَحْلُ الضَّأْنِ).
(وَفِي الظَّبْيِ وَهُوَ الْغَزَالُ: عَنْزٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَقَالَهُ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ شَبَهًا بِالْعَنْزِ؛ لِأَنَّهُ أَجْرَدُ الشَّعْرِ مُتَقَلِّصُ الذَّنَبِ (وَهُوَ الْأُنْثَى مِنْ الْمَعْزِ).
(وَلَا شَيْءَ فِي الثَّعْلَبِ؛ لِأَنَّهُ سَبْعٌ) أَيْ: مُفْتَرِسٌ بِنَابِهِ فَيَحْرُمُ أَكْلُهُ فَلَيْسَ صَيْدًا.
(وَفِي الْوَبْرِ) بِسُكُونِ الْبَاءِ وَالْأُنْثَى: وَبْرَةٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ: وَهُوَ دُوَيْبَّةٌ كَحْلَاءُ دُونَ السِّنَّوْرِ لَا ذَنَبَ لَهَا.
(وَ) فِي (الضَّبِّ: جَدْيٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَأَرْبَدُ وَالْوَبْرُ مَقِيسٌ عَلَى الضَّبِّ وَالْجَدْيِ (بِمَا بَلَغَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ).
(وَفِي الْيَرْبُوعِ: جَفْرَةٌ مِنْ الْمَعْزِ لَهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ.
(وَفِي الْأَرْنَبِ عَنَاقٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَعَنْ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْأَرْنَبِ: عَنَاقٌ وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْعَنَاقُ (أُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ أَصْغَرُ مِنْ الْجَفْرَةِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ) وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(وَفِي وَاحِدِ الْحَمَامِ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ: شَاةٌ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي حَمَامِ الْحَرَمِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ لِمَا سَبَقَ وَلِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَقَوْلُهُ: كُلُّ مَا عَبَّ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ: أَيْ: وَضَعَ مِنْقَارَهُ فِي الْمَاءِ فَيَكْرَعُ كَمَا تَكْرَعُ الشَّاةُ وَلَا يَأْخُذُ قَطْرَةً قَطْرَةً كَالدَّجَاجِ وَالْعَصَافِيرِ وَهَدَرَ أَيْ: صَوَّتَ وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا فِيهِ شَاةً لِشَبَهِهِ بِهَا فِي كَرْعِ الْمَاءِ وَمِنْ هُنَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَسِنْدِيٍّ: كُلُّ طَيْرٍ يَعُبُّ الْمَاءَ كَالْحَمَامِ: فِيهِ شَاةٌ (فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقِطُّ وَالْفَوَاخِتُ وَالْوَرَاشِينُ وَالْقَمَارِيُّ وَالدُّبَاسُ) جَمْعُ دُبْسِيٍّ بِالضَّمِّ: ضَرَبٌ مِنْ الْفَوَاخِتِ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: هُوَ طَائِرٌ لَوْنُهُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ يُقَرْقِرُ وَالْأُنْثَى دِبْسِيَّةٌ (وَنَحْوِهَا) كَالسِّفَانِينَ جَمْعُ سِفْنَةٍ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالنُّونِ مُشَدَّدَةً قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ: طَائِرٌ بِمِصْرَ لَا يَقَعُ عَلَى شَجَرَةٍ إلَّا أَكَلَ جَمِيعَ وَرَقِهَا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّيهِ حَمَامًا.
وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: كُلُّ مُطَوَّقٍ: حَمَامٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْحَجَلُ؛ لِأَنَّهُ مُطَوَّقٌ.
(النَّوْعُ الثَّانِي مَا لَمْ تَقْضِ فِيهِ الصَّحَابَةُ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ (مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْمِثْلِ إلَّا بِهِمَا فَيَعْتَبِرَانِ الشَّبَهَ خِلْقَةً لَا قِيمَةَ لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَهُمَا) نَصَّ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ «أَمَرَ كَعْبَ الْأَحْبَارِ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْجَرَادَتَيْنِ اللَّتَيْنِ صَادَهُمَا وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَأَمَرَ أَيْضًا «أَرْبَدَ بِذَلِكَ حِينَ وَطِئَ الضَّبَّ فَحَكَمَ عَلَى نَفْسِهِ بِجَدْيٍ فَأَقَرّهُ» وَكَتَقْوِيمِهِ عَرَضَ التِّجَارَةِ لِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ.
(وَ) يَجُوزُ (أَنْ يَكُونَا) أَيْ: الْحَاكِمَانِ بِمِثْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ (الْقَاتِلِينَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَحَمَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى مَا إذَا قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَهُ) لِعَدَمِ فِسْقِهِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَعَلَى قِيَاسِهِ: إذَا قَتَلَهُ لِحَاجَةِ أَكْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ مُبَاحٌ لَكِنْ يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاء قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَهُوَ قَوِيٌّ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْعَمْدِ يُنَافِي الْعَدَالَةَ (وَيَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَعِيبِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْحَائِلِ وَالْحَامِلِ بِمِثْلِهِ) لِلْآيَةِ؛ وَلِأَنَّ مَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ وَالْجِنَايَةِ يَخْتَلِفُ ضَمَانُهُ بِذَلِكَ كَالْبَهِيمَةِ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ وَإِنْ فَدَى الصَّغِيرُ بِكَبِيرٍ وَ) فَدَى (الذَّكَرَ بِأُنْثَى) وَالْمَعِيبَ بِصَحِيحٍ (فَهُوَ أَفْضَلُ)؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا.
(وَلَوْ جَنَى عَلَى الْحَامِل فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا ضَمِنَ نَقْصَ الْأُمِّ فَقَطْ كَمَا لَوْ جَرَحَهَا)؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ فِي الْبَهَائِمِ زِيَادَةٌ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ) أَيْ: الْجَنِينَ (حَيًّا لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ جَزَاؤُهُ) وَإِنْ كَانَ لِوَقْتٍ لَا يَعِيشُ لِمِثْلِهِ فَكَالْمَيِّتِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.
(وَيَجُوزُ فِدَاءُ أَعْوَرَ مِنْ عَيْنٍ وَ) فِدَاءُ (أَعْرَجَ مِنْ قَائِمَةٍ بِأَعْوَرَ وَأَعْرَجَ مِنْ أُخْرَى)؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يَسِيرٌ وَنَوْعُ الْعَيْبِ وَاحِدٌ وَ(لَا) يَجُوزُ (فِدَاءُ أَعْوَرَ بِأَعْرَجَ وَ) لَا (عَكْسُهُ) كَفِدَاءِ أَعْرَجَ بِأَعْوَرَ لِاخْتِلَافِ نَوْعِ الْعَيْبِ.
(وَيُجْزِئُ فِدَاءُ أُنْثَى بِذَكَرٍ كَعَكْسِهِ) أَيْ: فِدَاءِ ذَكَرٍ بِأُنْثَى؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَر وَهِيَ أَطْيَبُ فَيَتَسَاوَيَانِ.

.(فَصْلٌ: الضَّرْبُ الثَّانِي مَا لَا مِثْلَ لَهُ) مِنْ النَّعَمِ:

(فَيَجِبُ فِيهِ قِيمَتُهُ مَكَانَهُ) أَيْ: مَكَانَ إتْلَافِهِ كَمَالِ الْآدَمِيِّ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ (وَهُوَ سَائِرُ الطُّيُورِ وَلَوْ أَكَبَرَ مِنْ الْحَمَامِ كَالْإِوَزِّ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الزَّاي جَمْعُ إوَزَّةٍ وَيُقَالُ: وَزٌّ جَمْعُ وَزَّةٍ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَالْحُبَارَى وَالْحَجَلُ وَالْكَبِيرُ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ وَالْكَرْكِيّ وَغَيْرُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ تَرَكْنَاهُ فِي الْحَمَامِ لِقَضَاءِ الصَّحَابَةِ.
(وَإِنْ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ صَيْدٍ وَانْدَمَلَ) أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ جُزْءٌ مِنْهُ ثُمَّ انْدَمَلَ (وَهُوَ) أَيْ: الصَّيْدُ (مُمْتَنِعُ وَلَهُ مِثْلٌ) مِنْ النَّعَمِ (ضَمِنَهُ) أَيْ: الْجُزْءَ (بِمِثْلِهِ لَحْمًا مِنْ مِثْلِهِ) مِنْ النَّعَمِ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ ضَمَانُ جُمْلَتِهِ بِالْمِثْلِ وَجَبَ فِي بَعْضِهِ مِثْلُهُ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَشَقَّةُ مَدْفُوعَةٌ بِجَوَازِ عُدُولِهِ إلَى عَدْلِهِ طَعَامًا أَوْ صِيَامًا كَمَا سَبَقَ.
(وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ) إذَا تَلِفَ جُزْؤُهُ أَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ثُمَّ انْدَمَلَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ يَضْمَنُ (مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ)؛ لِأَنَّ جُمْلَتَهُ مَضْمُونَةٌ بِالْقِيمَةِ فَكَذَلِكَ أَبْعَاضُهُ فَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ سَلِيمًا ثُمَّ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ فَيَجِبُ مَا بَيْنَهُمَا لِيَشْتَرِيَ بِهِ طَعَامًا كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ نَفَّرَ) الْمُحْرِمُ (صَيْدًا فَتَلِفَ بِشَيْءٍ وَلَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ نَقَصَ فِي حَالِ نُفُورِهِ ضَمِنَهُ)؛ لِأَنَّ عُمَرَ دَخَلَ دَارَ النَّدْوَةِ فَعَلَّقَ رِدَاءَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهِ حَمَامٌ فَأَطَارَهُ فَوَقَعَ عَلَى وَاقِفٍ فِي الْبَيْتِ فَخَرَجْتَ حَيَّةٌ فَقَتَلَتْهُ فَسَأَلَ مَنْ مَعَهُ فَحَكَمَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ بِشَاةٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَكَذَا إنْ جَرَحَهُ فَتَحَامَلَ فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ تَلِفَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِهِ وَ(لَا) يَضْمَنُهُ (إنْ تَلِفَ بَعْدَ نُفُورِهِ فِي مَكَانِهِ بَعْدَ أَمْنِهِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: أَمَّا إنْ نَفَّرَهُ إلَى مَكَان فَأَكْرَبَهُ ثُمَّ تَلِفَ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَشْهَرِ.
(وَإِنْ رَمَى) الْمُحْرِمُ (صَيْدًا فَأَصَابَهُ ثُمَّ سَقَطَ) الْمَرْمِيُّ (عَلَى آخَرَ فَمَاتَ ضَمِنَهُمَا) لِتَلَفِهِمَا بِجِنَايَتِهِ (فَلَوْ مَشَى الْمَجْرُوحُ قَلِيلًا ثُمَّ سَقَطَ عَلَى آخَرَ) فَمَاتَا (ضَمِنَ الْمَجْرُوحَ) لِمَوْتِهِ بِجِنَايَتِهِ (فَقَطْ) أَيْ: دُونَ مَا سَقَطَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ.
(وَإِنْ جَرَحَهُ) الْمُحْرِمُ (جُرْحًا غَيْرَ مُوحٍ فَغَابَ وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ فَيُقَوَّمُ صَحِيحًا وَجَرِيحًا غَيْرَ مُنْدَمِلٍ ثُمَّ يَخْرُجُ بِقِسْطِهِ مِنْ مِثْلِهِ) إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَإِلَّا مَا نَقَصَهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَكَذَا إنْ وَجَدَهُ مَيِّتًا) بَعْدَ جُرْحِهِ غَيْرَ مُوحٍ (وَلَمْ يُعْلَمْ مَوْتُهُ بِجُرْحِهِ)؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ حُصُولَ التَّلَفِ بِفِعْلِهِ.
(وَإِنْ وَقَعَ) بَعْدَ جُرْحِهِ (فِي مَاءٍ أَوْ تَرَدَّى) مِنْ عُلُوٍّ (فَمَاتَ ضَمِنَهُ) لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ (وَإِنْ انْدَمَلَ) الْجُرْحُ وَصَارَ الصَّيْدُ (غَيْرَ مُمْتَنِعٍ) فَعَلَيْهِ جَزَاءُ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ عَطَّلَهُ فَصَارَ كَالتَّالِفِ.
(أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا مُوحِيًا) أَيْ: لَا تَبْقَى مَعَهُ الْحَيَاةُ غَالِبًا (فَعَلَيْهِ فِدَاءُ جَمِيعِهِ) كَقَتْلِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ.
(وَكُلُّ مَا يُضْمَنُ بِهِ الْآدَمِيُّ يُضْمَنُ بِهِ الصَّيْدُ) فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ مِنْ (مُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ) كَدَلَالَةٍ وَإِشَارَةٍ وَإِعَانَةٍ.
(وَذَلِكَ مَا جَنَتْ دَابَّتُهُ بِيَدِهَا أَوْ فَمِهَا فَأَتْلَفَ صَيْدًا فَالضَّمَانُ عَلَى رَاكِبهَا أَوْ قَائِدِهَا أَوْ سَائِقِهَا) الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ آدَمِيًّا.
(وَمَا جَنَتْ فَأَتْلَفَتْ بِرِجْلِهَا) أَيْ: نَفَحَتْ بِهَا (فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهَا) فِيهِ كَذَنَبِهَا بِخِلَافِ وَطْئِهَا بِهَا (وَتَقَدَّمَ) فِي السَّادِسِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ (وَإِنْ انْفَلَتَتْ) الدَّابَّةُ (فَأَتْلَفَتْ صَيْدًا لَمْ يَضْمَنْهُ كَالْآدَمِيِّ) إذَا أَتْلَفَتْهُ إذَنْ؛ لِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ عَلَيْهَا إلَّا الضَّارِيَةُ كَمَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ.
(وَإِنْ نَصَبَ) الْمُحْرِمُ (شَبَكَةً) أَوْ نَحْوَهَا فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ ضَمِنَهُ (أَوْ حَفَرَ) الْمُحْرِمُ (بِئْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ) بِأَنْ حَفَرَهَا فِي غَصْبٍ أَوْ طَرِيقٍ وَلَوْ وَاسِعًا لِنَفْعِ نَفْسِهِ (فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ ضَمِنَهُ) لِعُدْوَانِهِ بِحَفْرِهَا.
(وَإِنْ نَصَبَ شَبَكَةً وَنَحْوَهَا) كَشِرْكٍ وَفَخٍّ (قَبْلَ إحْرَامِهِ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ بَعْدَ إحْرَامِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) إنْ لَمْ يَتَحَيَّلْ (كَمَا لَوْ صَادَهُ قَبْلَ إحْرَامِهِ وَتَرَكَهُ فِي مَنْزِلِهِ فَتَلِفَ بَعْدَ إحْرَامِهِ) وَكَذَا إنْ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ فَتَلِفَ بِهَا صَيْدٌ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ نَتَفَ) الْمُحْرِمُ (رِيشَهُ) أَيْ: الصَّيْدِ (أَوْ شَعْرَهُ أَوْ وَبَرَهُ فَعَادَ) مَا نَتَفَهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ النَّقْصَ زَالَ أَشْبَهَ مَا لَوْ انْدَمَلَ الْجُرْحُ (فَإِنْ صَارَ) الصَّيْدُ (غَيْرَ مُمْتَنِعٍ) بِنَتْفِ رِيشِهِ وَنَحْوِهِ (كَالْجُرْحِ) أَيْ: فَكَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا صَارَ بِهِ غَيْر مُمْتَنِعٍ وَإِنْ نَتَفَهُ فَغَابَ وَلَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ.
(وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُمْسِكًا) لِلصَّيْدِ وَالْآخَرُ قَاتِلًا (أَوْ) كَانَ بَعْضُهُمْ (مُتَسَبِّبًا) كَالْمُشِيرِ وَالدَّالِّ وَالْمُعِينِ (وَالْآخَرُ قَائِلًا فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِنْ كَفَّرُوا بِالصَّوْمِ)؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْجَبَ الْمِثْلَ أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الصِّيَامِ بِقَتْلِهِ فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْوَاحِدِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْقَتْلُ هُوَ الْفِعْلُ الْمُؤَدِّي إلَى خُرُوجِ الرُّوحِ وَهُوَ فِعْلُ الْجَمَاعَةِ لَا كُلِّ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ: مَنْ جَاءَ بِعَبْدِي فَلَهُ دِرْهَمٌ فَجَاءَ بِهِ جَمَاعَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جَعَلَ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا» وَلَمْ يُفَرِّقْ وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ؛ وَلِأَنَّهُ جَزَاءٌ عَنْ مَقْتُولٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِ: وَيُحْتَمَلُ التَّبْعِيضُ فَكَانَ وَاحِدًا كَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَالدِّيَةِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ.
(وَإِنْ اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَمُحْرِمٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ حَرَمِيٍّ فَالْجَزَاء عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْقَتْلِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ جِهَةُ التَّحْرِيمِ فِي أَحَدِهِمَا وَاتَّحَدَتْ فِي الْآخَرِ (وَهَذَا الِاشْتِرَاكُ الَّذِي هَذَا حُكْمُهُ هُوَ الَّذِي يَقَعُ) فِيهِ (الْفِعْلُ مِنْهُمَا مَعًا أَوْ يَجْرَحُهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَيَمُوتُ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْجُرْحَيْنِ بِالسِّرَايَةِ (فَإِنْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا وَقَتَلَهُ الْآخَرُ فَعَلَى الْجَارِحِ مَا نَقَصَهُ) أَيْ: أَرْشَ نَقْصِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْ فِي الْقَتْلِ (وَعَلَى الْقَاتِلِ جَزَاؤُهُ مَجْرُوحًا)؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ كَذَلِكَ.
(وَإِذَا قَتَلَ الْقَارِنُ صَيْدًا فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ) لِعُمُومِ الْآيَةِ: وَكَذَا لَوْ تَطَيَّبَ أَوْ لَبِسَ وَكَذَا الْمُحْرِمُ يَقْتُلُ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ وَكُلَّمَا قَتَلَ صَيْدًا حُكِمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ كَفَّارَةُ قَتْلِ الصَّيْدِ فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ كَقَتْلِ الْآدَمِيِّ، وَالْآيَةُ اقْتَضَتْ الْجَزَاءَ عَلَى الْعَائِدِ لِعُمُومِهَا وَذِكْرُ الْعُقُوبَةِ فِي الْعَائِدِ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ.