فصل: فَصْلٌ: كيفية معاملة القاضي للخصوم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابٌ طَرِيقُ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ:

(طَرِيقُ الْحُكْمِ وَصِفَتِهِ طَرِيقُ كُلِّ شَيْءٍ مَا تُوَصِّلَ إلَيْهِ) حُكْمًا كَانَ أَوْ غَيْرِهِ (وَالْحُكْمُ الْفَصْلُ) أَيْ فَصْلُ الْخُصُومَةِ وَقَدْ لَا يَكُونُ خُصُومَةً كَعَقْدٍ رُفِعَ إلَيْهِ لِيَحْكُمَ بِهِ فَهُوَ إلْزَامٌ لِلْعَمَلِ بِهِ وَالْحُكْمُ لُغَةً الْمَنْعُ وَسُمِّيَ الْقَاضِي حَاكِمًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الظَّالِمَ مِنْ ظُلْمِهِ (لَا تَصِحُّ دَعْوَى وَإِنْكَارٍ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ الرَّشِيدُ (وَسَيَأْتِي) مُفَصَّلًا (وَتُسْمَعُ) الدَّعْوَى (فِي كُلِّ قَلِيلٍ) وَلَوْ لَمْ تَتْبَعْهُ الْهِمَّةُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُسْتَعْدَى فِيمَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ لِمَا فِي الِاسْتِعْدَاءِ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِسَبَبِ مَا هُوَ أَسْهَلُ مِنْهَا (أَوْ) كُلُّ (كَثِيرٍ) وَلَوْ لَمْ تَجْرِ عَادَةُ الْمُدَّعِي فِي الْمُعَامَلَةِ بِهِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّعِي (وَتَصِحُّ) الدَّعْوَى (عَلَى سَفِيهٍ فِيمَا يُؤَاخَذُ بِهِ حَالَ سَفَهِهِ وَبَعْدَ فَكِّ حَجْرِهِ) كَالْقِصَاصِ وَالطَّلَاقِ وَالْحَدِّ (وَيَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ) فِيمَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ.
(وَلَا تَصِحُّ دَعْوَى) فِي حَقِّ اللَّهِ (وَلَا تُسْمَعُ) دَعْوَى فِي حَقِّ اللَّهِ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَعِبَادَةٍ) مِنْ صَلَاةٍ وَغَيْرِهَا (وَحَدٍّ) كَزِنًا وَسَرِقَةٍ (وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِهِ) كَيَمِينِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةَ يَمِينٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنْ الْكَفَّارَاتِ (أَوْ) أَنَّ عَلَيْهِ (صَدَقَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ) لِأَنَّ النَّاسَ لَا يُسْتَحْلَفُونَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ.
(وَيَأْتِي فِي) بَاب (الْيَمِينِ فِي الدَّعَاوَى) بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا (وَتُسْمَعُ) الدَّعْوَى (بِوِكَالَةٍ وَوَصِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ) مُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ فِي مَسْأَلَةِ الْوِكَالَةِ وَنَقَلَهُ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ وَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ فِي الْبَلَدِ.
(وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى الْمَقْلُوبَةُ) بِأَنْ يَتَرَافَعَ اثْنَانِ إلَى حَاكِمٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَدَّعِي عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيَّ دِينَارًا مَثَلًا فَاسْتَخْلَصَ لَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ قَبْلُ فَلَا يَسْمَعُ مِنْهُ ذَلِكَ وَسُمِّيَتْ مَقْلُوبَةٌ لِأَنَّ الْمُدَّعِي فِيهَا يَطْلُبُ أَنْ يُعْطَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي فِي غَيْرِهَا يَطْلُبُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَانْقَلَبَ فِيهَا الْقَصْدُ الْمُعْتَادُ، (وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ عِتْقٍ وَلَوْ أَنْكَرَهُ) أَيْ الْعِتْقَ (عَبْدٌ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ وَكَذَا بَيِّنَةٌ بِطَلَاقٍ.
(وَتَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِهِ وَبِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِبَادَاتِ وَالْحُدُودِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَفَّارَةِ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى) بِذَلِكَ (فَشَهَادَةُ الشُّهُودِ بِهِ دَعْوَى وَكَذَا) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ (بِحَقِّ آدَمِيٍّ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَوَقْفٍ عَلَى فُقَرَاءَ أَوْ عُلَمَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ وَصِيَّةٍ لَهُ) أَيْ لِلْمَسْجِدِ (أَوْ رِبَاطٍ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ مُسْتَحِقُّهُ) لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ أَشْبَهَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى (وَكَذَا عُقُوبَةُ كَذَّابٍ مُفْتَرٍ عَلَى النَّاسِ وَالْمُتَكَلِّمِ فِيهِمْ) بِمَا يُوجِبُ تَعْزِيرًا (قَالَهُ الشَّيْخُ) وَقِيَاسُهُ مَنْ يَغُشُّ النَّاسَ.
(وَتُسْمَعُ دَعْوَى حِسْبَةٍ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدٍّ وَعِدَّةٍ وَرِدَّةٍ وَعِتْقٍ وَاسْتِيلَاءٍ وَطَلَاقٍ وَظِهَارٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَغَيْرِهَا) هَذَا مُقَابِلُ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ وَلَا تُسْمَعُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ (وَتُقْبَل شَهَادَةُ الْمُدَّعِي فِيهِ) أَيْ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا (وَلَا تُقْبَلُ يَمِينٌ فِي حَقِّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ إلَّا بَعْدَ الدَّعْوَى وَشَهَادَةِ الشَّاهِدِ إنْ كَانَ) هُنَاكَ شَاهِدٌ وَقُلْنَا يَقْضِي بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ (وَلَا تُسْمَع مَعَهُ الشَّهَادَةُ فِيهِ) أَيْ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ الْمُعَيَّنِ (قَبْل الدَّعْوَى) بِحَقِّهِ وَتَحْرِيرهَا (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ سَمَاعَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِحِفْظِ وَقْفٍ وَغَيْرِهِ بِالثُّبُوتِ بِلَا خَصْمٍ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ بِالثُّبُوتِ الْمَحْضِ يَصِحُّ بِلَا دَعْوَى عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَفَعَلَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْقُضَاةِ (وَأَجَازَهُمَا) أَيْ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةَ (الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا و) بَعْضُ (الشَّافِعِيَّةِ فِي الْعُقُودِ وَالْأَقَارِيرِ وَغَيْرِهَا بِخَصْمٍ مُسَخَّرٍ) بِمَعْنَى أَنَّهُ يُظْهِرُ النِّزَاعَ وَلَيْسَ مُنَازِعًا فِي الْحَقِيقَةِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ وَأَمَّا عَلَى أَصْلِنَا وَأَصْلِ مَالِكٍ فَإِمَّا أَنْ تُمْنَعَ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ خَصْمٍ مُنَازِعٍ) أَيْ فَلَا تُسْمَعُ عَلَى الْخَصْمِ الْمُسَخَّرِ (فَتَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَإِمَّا أَنْ تُسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَيَحْكُمُ بِلَا خَصْمٍ وَذَكَر بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَ) بَعْضُ (الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ) الْإِمَامِ (أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي مَوَاضِعَ لِأَنَّا نَسْمَعُهَا عَلَى غَائِبٍ وَمُمْتَنِعٍ وَنَحْوِهِ) كَمَيِّتٍ (فَمَعَ عَدَمِ خَصْمٍ أَوْلَى فَإِنَّ الْمُشْتَرِي مَثَلًا قَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ فَلَا يَدَّعِي وَلَا يُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمَقْصُودُ سَمَاعُ الْقَاضِي الْبَيِّنَةُ وَحُكْمُهُ بِمُوجَبِهَا مِنْ غَيْرِ وُجُودِ مُدَّعَى عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْر مُدَّعٍ عَلَى أَحَدٍ لَكِنْ خَوْفًا مِنْ حُدُوثِ خَصْمٍ مُسْتَقْبَلٍ وَحَاجَةِ النَّاسِ خُصُوصًا فِيمَا فِيهِ شُبْهَةٌ أَوْ خِلَافٌ لِرَفْعِهِ انْتَهَى).
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ (وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوِيٌّ) أَيْ فِي النَّظَرِ قُلْت: وَإِذَا حَكَمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنْ كَانَ مُقَابِلًا لِمَا قَدَّمُوهُ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا انْتَهَى.

.فَصْلٌ: كيفية معاملة القاضي للخصوم:

إذَا جَاءَ إلَى الْحَاكِمِ خَصْمَانِ سُنَّ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (إذَا جَاءَ إلَى الْحَاكِمِ خَصْمَانِ سُنَّ أَنْ يُجْلِسَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قَضَى أَنْ يَجْلِسَ الْخَصْمَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ» وَلِقَوْلِ عُمَرَ: «وَلَكِنْ أَجْلِسُ مَعَ خَصْمِي مَجْلِسًا بَيْنَ يَدَيْ زَيْدٍ» وَقَالَ عَلِيٌّ حِينَ خَاصَمَ الْيَهُودِيَّ دِرْعَهُ إلَى شُرَيْحٍ «لَوْ أَنَّ خَصْمِي مُسْلِمٌ لَجَلَسْتُ مَعَهُ بَيْنَ يَدِكَ».
(ثُمَّ إنْ شَاءَ) الْقَاضِي (قَالَ) لِلْخَصْمَيْنِ (مَنْ الْمُدَّعِي مِنْكُمَا) لِأَنَّ سُؤَالَهُ عَنْ الدَّعْوَى مِنْهُمَا لَا تَخْصِيصَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَإِنْ شَاءَ) الْقَاضِي (سَكَتَ حَتَّى يَبْتَدِئَا) أَيْ حَتَّى تَكُونَ الْبَدَاءَةُ بِالْكَلَامِ مِنْ جِهَتِهِمَا (وَلَا يَقُولُ هُوَ) أَيْ الْقَاضِي (وَلَا صَاحِبُهُ) أَيْ الْقَائِمُ عَلَى رَأْسِهِ (لِأَحَدِهِمَا تَكَلَّمْ) لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِأَحَدِهِمَا بِمَا لَا يَخْتَصُّ بِهِ (فَإِنْ بَدَا أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ (فَتَكَلَّمَ فَقَالَ خَصْمُهُ: أَنَا الْمُدَّعِي لَمْ يَلْتَفِتْ) الْحَاكِمُ (إلَيْهِ وَيُقَالُ لَهُ أَجِبْ) خَصْمَكَ (عَنْ دَعْوَاهُ ثُمَّ ادَّعِ بِمَا شِئْتَ) لِأَنَّهُ سَبَقَ إلَى مُبَاحٍ.
(فَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا قَدَّمَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ) لِأَنَّهُ لِأَمْرٍ حَجَّ غَيْرَهَا (فَإِذَا انْقَضَتْ حُكُومَتُهُ سَمِعَ دَعْوَى الْآخَرِ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَوْفَى حَقَّهُ (فَإِذَا حَرَّرَ) الْمُدَّعِي.
(قَالَ) الْقَاضِي (لِلْخَصْمِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَا تَقُول فِيمَا ادَّعَاهُ) لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الْمُطَالَبَة فَإِنَّ إحْضَارَهُ وَالدَّعْوَى إنَّمَا تُرَاد لِيَسْأَلَ الْحَاكِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ وَلَوْ بِقَوْلِهِ نَعَمْ) لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الْجَوَابِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ (لَمْ يَحْكُمْ) الْقَاضِي (لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (حَتَّى يُطَالِبَ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ) لِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَيْهِ حَقٌّ لَهُ فَلَا يَسْتَوْفِيهِ إلَّا لِمَسْأَلَةٍ مُسْتَحَقَّةٍ.
(وَالْحُكْمُ أَنْ يَقُولَ) الْحَاكِمُ (قَدْ أَلْزَمْتُكَ ذَلِكَ أَوْ قَضَيْتُ عَلَيْك لَهُ أَوْ يَقُول أَخْرِجْ إلَيْهِ مِنْهُ وَتَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا أَوْ بِعْتُهُ) كَذَا بِكَذَا (فَيَقُولُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (مَا أَقْرَضَنِي وَلَا بَاعَنِي أَوْ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ وَلَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ صَحَّ الْجَوَابُ) لِنَفْيِهِ عَيْنَ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ وَلِأَنَّ قَوْلَ: لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ: نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ مَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ (مَا لَمْ يَعْتَرِفْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِسَبَبِ الْحَقِّ كَمَا إذَا ادَّعَتْ) امْرَأَةٌ (عَلَى مَنْ يَعْتَرِفُ مَنْ بِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ الْمَهْرَ فَقَالَ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْجَوَابُ وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ إنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً بِإِسْقَاطِهِ) وَكَذَا لَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَقُلْنَا لَا نَقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةِ (كَجَوَابِهِ فِي دَعْوَى قَرْضٍ اعْتَرَفَ بِهِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا وَلِهَذَا لَوْ أَقَرَّتْ فِي مَرَضٍ مَوْتِهَا) أَنَّهَا (لَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ لَمْ يَقْبَلْ) إقْرَارَهَا (إلَّا بِبَيِّنَةٍ أَنَّهَا أَخَذَتْهُ) مُطْلَقًا (أَوْ أَسْقَطَتْهُ فِي الصِّحَّةِ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَرِيضِ لِوَارِثِهِ كَالْوَصِيَّةِ وَإِبْرَاؤُهُ لَهُ عَطِيَّةٌ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْوَصِيَّةِ.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِمُدَّعٍ دِينَارًا) مَثَلًا (لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ حَبَّةً فَلَيْسَ بِجَوَابٍ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ لِأَنَّهُ لَا يَكْتَفِي فِي دَفْعِ الدَّعْوَى إلَّا بِنَصٍّ وَلَا يَكْتَفِي بِالظَّاهِرِ).
(وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ) الْمُدَّعِي مَعَ شَاهِدِهِ مَثَلًا (وَاَللَّهِ إنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا ادَّعَيْته عَلَيْهِ أَوْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ أَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (لَكَاذِبٌ فِيمَا ادَّعَاهُ عَلَيَّ يُقْبَلُ) مِنْهُ ذَلِكَ وَيَحْلِفُ عَلَى طِبْقِ الدَّعْوَى فِي الْأُولَى وَعَلَى طِبْقِ الْجَوَابِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا يَأْتِي (وَعِنْدَ الشَّيْخِ يَعُمُّ الْجِهَاتِ وَ) يَعُمُّ (مَا لَمْ يَنْدَرِجْ فِي لَفْظِ حَبَّةٍ مِنْ بَابِ الْفَحْوَى إلَّا أَنْ يُقَالَ يَعُمُّ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَ) قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: قُلْتُ (الصَّوَابُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّين وَهُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى قَالَ الْأَزَجِيُّ: لَوْ قَالَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ فَقَالَ: لَيْسَ لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا لِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ لِأَنَّهُ نَفَاهَا بِنَفْيِ لِي عَلَيْكَ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ: لِي عَلَيْكَ دِرْهَمٌ فَقَالَ: لَيْسَ لَك عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَلَا دَانَقٌ وَإِنَّمَا لِي عَلَيْكَ أَلْفٌ قَبِلَ مِنْهُ دَعْوَى الْأَلْفِ لِأَنَّ مَعْنَى نَفْيِهِ لَيْسَ حَقِّي هَذَا الْقَدْرُ قَالَ وَلَوْ قَالَ لَيْسَ لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ إلَّا دِرْهَمٌ صَحَّ ذَلِكَ.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُدَّعِي لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: (لِي عَلَيْك مِائَةٌ فَقَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابًا لَهُ: (لَيْسَ لَك عَلَيَّ مِائَةٌ اُعْتُبِرَ قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا كَالْيَمِينِ) أَيْ كَمَا لَوْ حَلَفَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْهَا لِأَنَّ نَفْيَهُ الْمِائَةَ لَا يَنْفِي مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا.
(فَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى (مَا دُونَ الْمِائَةِ) بِأَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ مِائَةً وَنَكَلَ عَنْ قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا (حُكِمَ عَلَيْهِ بِمِائَةٍ إلَّا جُزْءًا) مِنْ أَجْزَاءِ الْمِائَةِ.
(وَلِلْمُدَّعِي) إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَنْ يَقُولَ لِي بَيِّنَةٌ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَالْبَيِّنَةُ طَرِيقٌ إلَى تَخْلِيصِهِ (وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ) لِلْمُدَّعِي (أَلَكَ بَيِّنَةٌ) «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَضْرَمِيِّ: لَكَ بَيِّنَةٌ قَالَ لَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ: فَلَكَ يَمِينُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي عَارِفًا بِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْبَيِّنَةِ خُيِّرَ الْحَاكِمُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ وَبَيْنَ السُّكُوتِ.
(فَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (لِي بَيِّنَةٌ قِيلَ) أَيْ قَالَ (لَهُ) الْقَاضِي (إنْ شِئْتَ فَأَحْضِرْهَا) قَالَ فِي الْمُغْنِي لَمْ يَقُلْ أَحْضِرْهَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَرَى (فَإِذَا أَحْضَرَهَا) الْمُدَّعِي (لَمْ يَسْأَلْهَا الْحَاكِمُ عَمَّا عِنْدَهَا حَتَّى يَسْأَلُهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ (فَإِنْ سَأَلَهُ الْمُدَّعِي سُؤَالَهَا قَالَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ فَلِيَذْكُرْهَا إنْ شَاءَ أَوْ يَقُولُ بِمَ تَشْهَدَانِ؟ وَلَا يَقُولُ لَهُمَا اشْهَدَا) لِأَنَّهُ أَمْرٌ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَقُولُ لِلشَّاهِدَيْنِ: مَا أَنَا دَعَوْتُكُمَا وَلِأَنَّهَا كَمَا تُرْجِعَا وَمَا يَقْضِي عَلَى هَذَا الْمُسْلِمِ غَيْرُكُمَا وَإِنِّي بِكُمَا أَقْضِي الْيَوْمَ وَبِكُمَا أَتَّقِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (أَنْ يُلَقِّنَهُمَا) الشَّهَادَةَ وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ لَا يَنْبَغِي وَفِي الْمُوجِزِ يَكْرَهُ (كَتَعْنِيفِهِمَا) أَيْ تَعْنِيفِ الشَّاهِدَيْنِ (وَانْتِهَارِهِمَا) لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَمَلَهُمَا أَوْ غَيْرَهُمَا عَلَى كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ وَعَدَم أَدَائِهَا فَتَضِيعُ الْحُقُوقُ.
(فَإِذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ شَهَادَةً صَحِيحَةً وَاتَّضَحَ الْحُكْمُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْدِيدُهَا) أَيْ الْبَيِّنَةِ (وَلَزِمَهُ فِي الْحَالِ أَنْ يَحْكُمَ) وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرٍ عَنْ مَوْضِعِهِ (إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) الْحُكْمَ (إنْ كَانَ الْحَقُّ) فِي الْحُكْمِ (لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ) وَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِدُونِ سُؤَالِ صَاحِبِ الْحَقِّ، لِأَنَّ الْحُكْمَ حَقٌّ لَهُ فَلَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِمَسْأَلَتِهِ (وَتَقَدَّمَ إنْ كَانَ) الْحُكْمُ (لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ) كَالْوَصِيَّةِ وَلِلْوَقْفِ عَلَى نَحْوِ الْفُقَرَاءِ (أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى) كَالْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالْعِبَادَاتِ فَيَحْكُمُ إذَا اتَّضَحَ لَهُ الْحُكْمُ إنْ لَمْ يَسْأَلْهُ أَحَدٌ الْحُكْمَ.
(وَإِذَا حَكَمَ) الْحَاكِمُ بِشَرْطِهِ (وَقَعَ الْحُكْمُ لَازِمًا لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهِ وَلَا نَقْضُهُ) مِنْهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ (إلَّا بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي بَابِ آدَابِ الْقَاضِي وَيَأْتِي بَعْضُهُ آخِرَ الْبَابِ) أَيْ إذَا خَالَفَ نَصًّا أَوْ إجْمَاعًا أَوْ مَا يَعْتَقِدُهُ.
(وَلَا يَجُوز) الْحُكْمُ (وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِغَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ).
وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ (بَلْ يَتَوَقَّفُ) وَمَعَ اللَّبْسِ يَأْمُرُ بِالصُّلْحِ فَإِنْ عَجَّلَ فَحَكَمَ قَبْلَ الْبَيَانِ حَرُمَ وَلَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِالْجَهْلِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إنَّمَا يَسَعُهُ الصُّلْحُ فِي الْأُمُورِ الْمُشْكِلَةِ أَمَّا إذَا اسْتَنَارَتْ الْحُجَّةُ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ.
وَرَوَى عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ مَا أَصْلَحَ بَيْنَ الْمُتَحَاكِمَيْنِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «رُدُّوا الْخُصُومَ حَتَّى يَصْطَلِحَا، فَإِنَّ فَصْلَ الْقَضَاءِ يُحْدِثُ بَيْنَ النَّاسِ الضَّغَائِنَ».
(وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ فِي مَجْلِسِهِ) وَهُوَ مَحِلُّ نُفُوذِ حُكْمِهِ (إذَا سَمِعَهُ شَاهِدَانِ) لِأَنَّ التُّهْمَةَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا.
(فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ) أَيْ الْإِقْرَارَ وَالْبَيِّنَةَ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْحَاكِمِ (أَحَدٌ أَوْ سَمِعَهُ) مَعَهُ (شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلَهُ) الْحُكْمُ (أَيْضًا) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَيْضًا لَيْسَ بِمَحْضِ الْحُكْمِ بِالْعِلْمِ وَلَا يَضُرُّ رُجُوعَ الْمُقِرِّ قَالَ الْقَاضِي لَا يَحْكُمُ بِهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِعِلْمِهِ (وَالْأَوْلَى) أَوْ يَحْكُمُ (إذَا سَمِعَهُ مَعَهُ شَاهِدَانِ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
(فَأَمَّا حُكْمُهُ بِعِلْمِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ قَبْلَ الْوِلَايَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا يَجُوزُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي بِمَا سَمِعَ لَا بِمَا عَلِمَ.
وَفِي حَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَالْكِنْدِيِّ «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا عَلَى حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ قَالَ مَا أُحَدِّثُهُ وَلَا دَعَوْتُ لَهُ أَحَدًا حَتَّى يَكُونَ مَعِي غَيْرِي» حَكَاهُ أَحْمَدُ (إلَّا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ) فَيَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ التُّهْمَةَ لَا تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ صِفَاتِ الشُّهُودِ مَعْنًى ظَاهِرٌ بَلْ قَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ: لَيْسَ هَذَا بِحُكْمٍ لِأَنَّهُ يُعَدِّلُ هُوَ وَيَجْرَحُ غَيْرَهُ وَيَجْرَحُ هُوَ وَيُعَدِّلُ غَيْرَهُ وَلَوْ كَانَ حُكْمًا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ.
وَفِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ إنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَيْسَ مِنْ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ فَيَحْكُمُ بِمَا اسْتَفَاضَ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ أَحَدٌ عِنْدَهُ.
(وَيَحْرُمُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَاكِمِ (لِتَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ) الْمَحْكُومِ بِهِمْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُمَا (وَقَالَ الشَّيْخُ لَهُ) أَيْ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ (طَلَبُ تَسْمِيَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْقَدْحِ بِالْإِيقَانِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ تَرْكِهِ تَسْمِيَةَ الشُّهُودِ.
(وَلَوْ قَالَ حَكَمْتُ بِكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ) مِنْ إقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ.
(قَالَ فِي الرِّعَايَةِ لَوْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِبَعْضِ الدَّعْوَى) قَالَ الْحَاكِمُ فِي عَلَامَتِهِ الَّتِي يَصِفُهَا بِالْوَثِيقَةِ (شَهِدَ عِنْدِي بِمَا وَضَعَ بِهِ خَطَّهُ فِيهِ أَوْ) يَكْتُبُ (عَادَةُ حُكَّامِ بَلَدِهِ) أَيْ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فِي الْإِمْضَاءِ.
(وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا كَتَبَ) الْقَاضِي (تَحْتَ خَطِّهِ) بِشَهَادَتِهِ (شَهِدَ عِنْدِي بِذَلِكَ وَإِنْ قَبِلَهُ كَتَبَ شَهِدَ بِذَلِكَ عِنْدِي وَإِنْ قَبِلَهُ غَيْرُهُ) مِنْ الْحُكَّامِ (أَوْ أَخْبَرَهُ) حَاكِمٌ آخَرُ (بِذَلِكَ) أَيْ بِأَنَّهُ مَقْبُولٌ (كَتَبَ) الْحَاكِمُ بَعْدَ شَهِدَ عِنْدِي بِذَلِكَ (وَهُوَ مَقْبُولٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ مَقْبُولًا كَتَبَ) الْقَاضِي (شَهِدَ بِذَلِكَ) لِئَلَّا يَفْضَحَهُ (وَقَالَ لِلْمُدَّعِي زِدْنِي شُهُودًا أَوْ زِدْ شَاهِدَكَ انْتَهَى) كَلَامُ الرِّعَايَةِ (وَلْيَكُنْ لِلْقَاضِي عَلَامَةٌ يُعْرَفُ بِهَا مِنْ بَيْنِ الْحُكَّامِ نَحْوُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ) لِيَحْصُلَ التَّمْيِيزُ (وَيَكُونُ) ذَلِكَ (بِقَلَمٍ غَلِيظٍ وَلَا يُغَيِّرُهَا) لِئَلَّا يُزَوَّرَ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ نَائِبًا فَيُنْفَى أَصْلًا أَوْ يَنْتَقِلُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَلَا يَحْصُلُ لَبْسٌ وَيَكْتُبُهَا) أَيْ الْعَلَامَةَ (فَوْقَ السَّطْرِ الْأَوَّلِ تَحْتَ الْبَسْمَلَةِ مِنْ حِذَاءِ طَرَفِهَا وَتَكُونُ) الْعَلَامَةُ (بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَأَمُّلِ الْحُجَّةِ الْمُكْتَتَبَةِ).
وَالتَّحَرُّزُ مِمَّا عَسَاهُ يُدْخِلُهُ الْمُوَثِّقُ مِمَّا اعْتَادُوهُ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ بِحَسَبِ الصِّنَاعَةِ (وَيَكْتُبُ تَحْتَ الْعَلَامَةِ جَرَى ذَلِكَ أَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَوْ لِيَشْهَدَ بِثُبُوتِهِ وَالْحُكْمُ بِمُوجِبِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِي الْمَقَامُ) قُلْتُ وَالْأَوْلَى عَادَةُ بَلَدِهِ وَلَوْ ذَكَر كَلَامَ الرِّعَايَةِ هُنَا كَانَ أَنْسَبَ (وَإِنْ كَتَبَ الْمُزَكِّي خَطَّهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ تَحْتَ خَطِّ الشَّاهِدِ فِي الْمَكْتُوبِ فَيَكْتُبُ إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ الْوَاضِعَ خَطَّهُ أَعْلَاهُ عَدْلٌ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ وَيُرَقِّمُ الْقَاضِي فِي الْمَكْتُوبِ عِنْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِالْقَلَمِ الْغَلِيظِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ إنْ شَاءَ بِخَطٍّ وَاحِدٍ) يَعُمُّ الشُّهُودَ (نَحْوَ شَهِدَا عِنْدِي).
إنْ كَانَا اثْنَيْنِ (أَوْ شَهِدَ الثَّلَاثَةُ أَوْ الْأَرْبَعَةُ أَوْ أَفْرَدَ) الْقَاضِي (كُلَّ وَاحِدٍ) مِنْ الشُّهُودِ (بِخَطٍّ) تَحْتَ خَطِّ الشَّاهِدِ (وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ جَلِيلَ الْقَدْرِ كَالْأَمِيرِ وَنَحْوِهِ) كَالْعَالِمِ الْكَبِيرِ وَقَاضٍ آخَرَ (كَتَبَ) الْحَاكِمُ (أَعْلَمَنِي بِذَلِكَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ) الْوَقْفَ وَنَحْوِهِ (أَوْصَالًا شَغَلَ كُلَّ مَوْضِعِ وَصْلٍ بِكَلِمَةٍ بِقَلَمِ الْعَلَّامَةِ نَحْوَ ثِقَتِي بِاَللَّهِ أَوْ حَسْبِي اللَّهُ وَنَحْوَهُ كَالْبَيَاضِ) أَيْ كَمَا يَشْغَلُ الْبَيَاضُ فِي الْمَكْتُوبِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ احْتِيَاطًا.
قُلْتُ وَالْعَادَةُ الْآنَ شَغْلُهُ بِخَتْمٍ فِي كُلِّ مَوْضِعِ وَصْلٍ وَهُوَ حَسَنٌ إذْ الْغَرَضُ الِاحْتِيَاطُ فَكُلُّ مَا أَدَّى إلَيْهِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ وَكُلُّ مَا تَقَدَّمَ أَوْ غَالِبُهُ طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَدْ اُعْتِيدَ الْآنَ خِلَافَهَا وَلِذَلِكَ تَقَدَّمَ عَنْ الرِّعَايَةِ أَوْ عَادَةِ بَلَدِهِ.

.فَصْلٌ: في حكم عدم بينة المدعي:

(وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي: مَالِي بَيِّنَةٌ فَقَوْلُ الْمُنْكِرِ بِيَمِينِهِ) لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ (إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ أَوْ ادَّعَى هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدٍ فَقَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ لِعِصْمَتِهِ قُلْتُ: وَكَذَا سَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ لِتَعْلِيلِهِمْ بِالْعِصْمَةِ وَالْكُلُّ مَعْصُومُونَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَبَعْدَهَا (فَيُعْلِمُ) الْحَاكِم (الْمُدَّعِي) الَّذِي لَا بَيِّنَة لَهُ (أَنَّ لَهُ الْيَمِين عَلَى خَصْمه) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ (فَإِنْ سَأَلَ إحْلَافَهُ أَحْلَفَهُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ طَرِيقٌ إلَى تَخْلِيصِ حَقِّهِ فَلَزِمَ الْحَاكِمَ إجَابَةُ الْمُدَّعِي إلَيْهَا لِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ (وَخَلَّى سَبِيلَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ إحْلَافِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ حَقٌّ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (اسْتِحْلَافُهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَبْلَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقٌّ لَهُ كَنَفْسِ الْحَقِّ وَيَمِينُ الْمُنْكِرِ عَلَى الْمُقَرَّرِ (فَإِنْ أَحْلَفَهُ) الْقَاضِي قَبْلَ سُؤَالِ الْمُدَّعَى لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ (أَوْ حَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَبْلَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي) تَحْلِيفُهُ وَسُؤَالُ الْحَاكِمِ لَهُ (لَمْ يُعْتَدَّ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا (فَإِنْ سَأَلَهُ الْمُدَّعِي أَعَادَهَا لَهُ) لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَكُنْ يَمِينَهُ (وَلَا بُدَّ فِي الْيَمِينِ) الَّتِي تَقْطَعُ الْخُصُومَةَ (مِنْ سُؤَالِ الْمُدَّعِي) لَهَا (طَوْعًا) لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا اعْتِدَادَ بِهِ (وَ) مَنْ (أَذِنَ الْحَاكِمُ فِيهَا) فَلَوْ حَلَفَ قَبْلَ إلْقَاءِ الْحَاكِمِ الْحَلِفُ عَلَيْهِ لَمْ تَنْقَطِعْ الْخُصُومَةُ وَلِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَمُقَدَّمٌ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (مَعَ الْكَرَاهَةِ تَحْلِيفُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى حَقِّهِ نَصًّا) أَمَّا كَوْنُهُ لَهُ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى حَقِّهِ وَأَمَّا كَوْنُهُ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ فَلِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَفِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى وَلَوْ عَلِمَ عَدَمَ قُدْرَتِهِ عَلَى حَقِّهِ وَيُكْرَهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ أَمَّا فِي كَوْنِهِ يُكْرَهُ لَهُ إحْلَافُهُ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَضْطَرُّهُ إلَى الْيَمِينِ لِخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْحَبْسِ إذَا أَقَرَّ لِعُسْرَتِهِ انْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ.
(وَيَحْرُمُ تَحْلِيفُ الْبَرِيءِ) مِمَّا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ (دُونَ الظَّالِمِ) فَلَا يَحْرُمُ تَحْلِيفُهُ إيَّاهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) تَحْرُمُ (دَعْوَاهُ ثَانِيًا وَتَحْلِيفُهُ) ثَانِيًا كَالْبَرِيءِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ كَمَا فِي الْإِنْصَافِ.
وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ لَهُ تَحْلِيفُهُ عِنْدَ مَنْ جَهِلَ حَلِفَهُ عِنْدَ غَيْرِهِ لِبَقَاءِ الْحَقِّ بِدَلِيلِ أَخْذِهِ بَيِّنَةً (وَتَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ لِخَصْمِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْجَوَابِ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ لَا عَلَى صِفَةِ الدَّعْوَى (وَلَا يَصِلُهَا) أَيْ الْيَمِينَ (بِاسْتِثْنَاءٍ) لِأَنَّهُ يُزِيلُ حُكْمَ الْيَمِينِ (وَلَا) يَصِلُهَا أَيْضًا (بِمَا لَا يُفْهَمُ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً.
(وَتَحْرُمُ التَّوْرِيَةُ وَالتَّأْوِيلُ) لِحَدِيثِ «يَمِينُكَ عَلَى مَا يَصْدُقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ» (إلَّا لِمَظْلُومٍ) كَمَنْ يَسْتَحْلِفُهُ ظَالِمٌ مَا لِفُلَانٍ عِنْدَكَ وَدِيعَةٌ؟ فَيَنْوِي بِمَا الَّذِي وَنَحْوُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ فِي بَابِ التَّأْوِيلِ (وَقَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (أَيْضًا لَا يُعْجِبُنِي) أَيْ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ أَلَّا يَعْتَقِدَهُ فَلَوْ بَاعَ شَافِعِيٌّ حَنْبَلِيًّا لَحْمًا مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ بِدِينَارٍ مَثَلًا ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ فَأَجَابَ الْحَنْبَلِيُّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ فَالْتَمَسَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ فَمُقْتَضَى نَصِّ الْإِمَامِ أَلَّا يَحْلِفَ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِهَذِهِ مَا يَعْتَقِدُهُ الْمُدَّعِي مَالًا عِنْدَهُ (وَحَمَلَ الْمُوَفَّقُ) النَّصَّ عَلَى (الْوَرَعِ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ شَيْئًا لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ ذَلِكَ فِي اعْتِقَادِهِ (وَتَوَقَّفَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (فِيهَا) أَيْ فِي الْيَمِينِ (فِيمَنْ عَامَلَهُ بِحِيلَةٍ كَعِينَةٍ) أَيْ كَمَسْأَلَةِ الْعَيِّنَةِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَرَاهَا هَلْ يَحْلِفُ أَنَّ مَا عَلَيْهِ إلَّا رَأْسُ الْمَالِ نَقَلَهُ حَرْبٌ قَالَ الْقَاضِي لِأَنَّ يَمِينَهُ هُنَا عَلَى الْقَطْعِ وَمَسَائِلُ الِاجْتِهَادِ ظَنِّيَّةٌ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الشُّفْعَةِ وَلَوْ قَدِمَ مِنْ لَا يَرَاهَا لِجَارٍ إلَى حَاكِمٍ لَمْ يَحْلِفْ وَإِنْ أَخْرَجَهُ خَرَجَ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا يُعْجِبُنِي الْحَلِفُ عَلَى أَمْرٍ اُخْتُلِفَ فِيهِ.
(وَلَوْ أَمْسَكَ) الْمُدَّعِي (عَنْ إحْلَافِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ الدَّعْوَى (وَأَرَادَهُ) أَيْ أَرَادَ الْمُدَّعِي إحْلَافُهُ (بَعْدَ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ الْمُتَقَدِّمَةِ فَلَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (ذَلِكَ) أَيْ تَحْلِيفِهِ بِالدَّعْوَى السَّابِقَةِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدٍ لَهَا لِأَنَّ حَقَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالتَّأْخِيرِ.
(وَلَوْ بَرَّأَهُ) الْمُدَّعِي (مِنْ يَمِينِهِ بَرِيءَ مِنْهَا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى) فَقَطْ.
(فَلَوْ جَدَّدَهَا) أَيْ الدَّعْوَى (وَطَلَب الْيَمِينَ فَلَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ حَقَّهُ لَمْ يَسْقُطْ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ الْيَمِينِ وَهَذِهِ الدَّعْوَى غَيْرُ الَّتِي بَرَّأَهُ مِنْ الْيَمِينِ فِيهَا.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُعْسِرَ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيَّ وَلَوْ نَوَى السَّاعَةَ خَافَ أَنْ يُحْبَسَ أَوْ لَا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَجَوَّزَهُ فِي الرِّعَايَةِ بِالنِّيَّةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ خَافَ حَبْسًا.
(وَلَا) يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ (مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ إذَا أَرَادَ غَرِيمُهُ مَنْعَهُ مِنْ سَفَرٍ) حَتَّى يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ بِجَوَازٍ أَوْ كَفِيلٍ فَأَنْكَرَ الدَّيْنَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَلَوْ أَرَادَ السَّاعَةَ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ فَلَا يَنْفَعُهُ التَّأْوِيلُ.
(وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَالَ لَهُ الْحَاكِمُ إنْ حَلَفْتَ وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْك بِالنُّكُولِ) لِأَنَّ النُّكُولَ ضَعِيفٌ فَوَجَبَ اعْتِضَادُهُ بِذَلِكَ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ) ذَلِكَ (ثَلَاثًا) إزَالَةً لِمَعْذِرَتِهِ (وَكَذَا يَقُولُ) الْحَاكِمُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فِي كُلِّ مَوْضِعٍ قُلْتُ يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (قَضَى عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ (إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ) لِأَنَّ عُثْمَانَ قَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِنُكُولِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» فَحَصَرَهَا فِي جِهَتِهِ فَلَمْ تُشْرَعْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَأْذُونًا لَهُ أَوْ مَرِيضًا أَوْ غَيْرَهُمَا (وَهُوَ) أَيْ النُّكُولُ (كَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ لَا كَإِقْرَارٍ) بِالْحَقِّ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى جَعْلُهُ مُقِرًّا مَعَ إنْكَارِهِ (وَلَا كَبَذْلِ) الْحَقِّ لِأَنَّ الْبَذْلَ قَدْ يَكُونُ تَبَرُّعًا وَلَا تَبَرُّعَ هُنَا لَكِنْ لَا يُشَارِكُ مَنْ قَضَى لَهُ بِالنُّكُولِ عَلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ لِفَلَسِ غُرَمَائِهِ لِاحْتِمَالِ التَّوَاطُؤِ.
(وَلَا تُرَدُّ الْيَمِين عَلَى الْمُدَّعِي) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي جِهَتِهِ.
(وَإِذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ بَعْدَ قَوْلِهِ مَالِي بَيِّنَةٌ لَمْ تُسْمَعْ) لِأَنَّ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ قَدْ تَحَقَّقَ كِذْبُهُ فَيَعُودُ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ الْمَقْصُودِ (وَكَذَا قَوْلُهُ كَذَبَ شُهُودِي أَوْ كُلُّ بَيِّنَةٍ أَقَمْتُهَا فَهِيَ زُورٌ) أَوْ بَاطِلَةٌ أَوْ فَلَا حَقَّ لِي فِيهَا فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ مَالِي بَيِّنَةٌ (وَأَوْلَى) لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِي تَكْذِيبِ شُهُودِهِ (وَلَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِقَوْلِهِ كَذَبَ شُهُودِي أَوْ كُلَّ بَيِّنَةٍ أُقِيمُهَا فَهِيَ زُورٌ وَبَاطِلَةٌ فَلَهُ تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْحَقُّ لَا بَيِّنَةَ بِهِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً ثُمَّ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ سُمِعَتْ) بَيِّنَتُهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ لَا يَعْلَمُهَا وَنَفْيُ الْعِلْمِ بِهَا لَيْسَ نَفْيًا لَهَا فَلَا يَكُونُ مُكَذِّبًا لَهَا.
(وَإِنْ) قَالَ لَا أَعْلَمُ لِي بَيِّنَةً فَ (قَالَتْ بَيِّنَةٌ نَحْنُ نَشْهَدُ لَك فَقَالَ هَذِهِ بَيِّنَتِي سُمِعَتْ) وَهِيَ أَوْلَى مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِيهِ (لَكِنْ لَوْ شَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ (لَهُ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا ادَّعَاهُ (فَهُوَ مُكَذِّبٌ لَهَا) فَلَا تُسْمَعُ وَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ تُقْبَلُ فَيَدَّعِيهِ ثُمَّ يُقِيمُهَا وَفِيهِ وَفِي الرِّعَايَةِ إنْ قَالَ اسْتَحَقَّهُ وَمَا شَهِدُوا بِهِ وَإِنَّمَا ادَّعَيْتُ بِأَحَدِهِمَا لِأَدَّعِيَ الْآخَرَ وَقْتًا آخَرَ ثُمَّ شَهِدُوا بِهِ قُبِلَتْ.
(وَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا فَأَقَرَّ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَهُ بِغَيْرِهِ لَزِمَهُ) مَا أَقَرَّ بِهِ (إذَا صَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَالدَّعْوَى بِحَالِهَا) فَلِلْمُدَّعِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَوْ تَحْلِيفُهُ.
(وَلَوْ سَأَلَهُ) الْمُدَّعِي (مُلَازَمَتَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (حَتَّى يُقِيمَهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (أُجِيبَ) إلَى مُلَازَمَتِهِ مَا دَامَ الْقَاضِي (فِي الْمَجْلِسِ) لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورَةٌ إقَامَتُهَا فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مُلَازَمَتِهِ لَذَهَبَ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَتِهَا إلَّا بِحُضُورِهِ وَتُفَارَقُ الْبَيِّنَةُ الْبَعِيدَةُ وَمَنْ لَا يُمْكِنُ حُضُورُهَا فَإِنَّ إلْزَامَهُ الْإِقَامَةَ إلَى حِينِ حُضُورِهَا يَحْتَاجُ إلَى حَبْسٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ.
(فَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا) أَيْ الْبَيِّنَةَ (فِي الْمَجْلِسِ صَرَفَهُ وَلَا يَجُوزُ حَبْسُهُ وَلَا يُلْزَمُ بِإِقَامَةِ كَفِيلٍ وَلَوْ سَأَلَهُ) أَيْ الْقَاضِي (الْمُدَّعِي ذَلِكَ) أَيْ حَبْسَهُ أَوْ إقَامَةَ كَفِيلٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي لِلْبَيِّنَةِ (مَا أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدُوا لِي لَمْ يُكَلَّفْ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَإِنْ شَاءَ اسْتَوْفَاهُ أَوْ تَرَكَهُ (وَإِنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ يَمِينَهُ فَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْمَجْلِسِ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً فَلَهُ إحْلَافُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ طَرِيقًا إلَى اسْتِخْلَاصِ الْحَقِّ.
(وَإِنْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ (حَاضِرَةً فِيهِ) أَيْ الْمَجْلِسِ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (إلَّا إحْدَاهُمَا) لِأَنَّ فَصْلَ الْحُكُومَةِ مُمْكِنٌ بِإِحْضَارِ الْبَيِّنَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْيَمِينِ.
(وَإِنْ حَلِفَ الْمُنْكِرُ) مَعَ غَيْبَةِ الْبَيِّنَةِ (ثُمَّ أَحْضَرَ الْمُدَّعِي بَيِّنَتَهُ حَكَمَ) لَهُ (بِهَا وَلَمْ تَكُنْ الْيَمِينُ مُزِيلَةً لِلْحَقِّ) لِقَوْلِ عُمَرَ الْبَيِّنَةُ الصَّادِقَةُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ وَلِأَنَّ كُلَّ حَالٍ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا الْحَقُّ بِإِقْرَارِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَمَا قَبْلَ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لَوْ أَزَالَتْ الْحَقَّ لَاجْتَرَأَ الْفَسَقَةُ عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ.
(وَلَوْ سَأَلَ الْمُدَّعِي إحْلَافَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَلَا يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَحَلَفَ كَانَ لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (إقَامَتُهَا) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَبْطُلُ بِالِاسْتِحْلَافِ كَمَا لَوْ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (شَاهِدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَالِ أَوْ مَا يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَالُ) كَالْوِكَالَةِ فِي الْمَالِ (عَرَّفَهُ الْحَاكِمُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَسْتَحِقُّ) بِلَا رِضَا خَصْمِهِ لِمَا يَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ».
(فَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (لَا أَحْلِفُ وَأَرْضَى يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَ لَهُ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ أَقَامَهُ (فَإِذَا حَلَفَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَقُّ) أَيْ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَمَا يَأْتِي (فَإِنْ عَادَ الْمُدَّعِي بَعْدَهَا وَقَالَ أَنَا أَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِي لَمْ يُسْتَحْلَفْ) لِأَنَّ الْيَمِينَ فَعَلَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا فَأَمْكَنَهُ أَنْ يُسْقِطَهَا بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ.
(وَإِنْ عَادَ قَبْلَ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَذَلَ) الْمُدَّعِي (الْيَمِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ) ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ.
(وَإِنْ سَكَتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يُنْكِرْ أَوْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ أَوْ قَالَ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَقِّهِ قَالَ لَهُ الْقَاضِي احْلِفْ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ) لِأَنَّهُ نَاكِلَ لِمَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ فِيهِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ عَنْهُ كَالْيَمِينِ وَالْجَامِعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْلَيْنِ طَرِيقٌ إلَى ظُهُورِ الْحَقِّ وَيُسَنُّ تَكْرَارُهُ مِنْ الْحَاكِمِ ثَلَاثًا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُنْتَهَى.
(وَلَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا فَلَمْ يَحْلِفْ) الْمُدَّعِي (مَعَهُ) أَيْ مَعَ شَاهِدِهِ (وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلِفَ لَهُ ثُمَّ أَقَامَ شَاهِدًا آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمُلَتْ بَيِّنَتُهُ وَقَضَى بِهَا) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ اسْتَحْلَفَ الْمُدَّعِي.
(وَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِي مَخْرَجٌ مِمَّا ادَّعَاهُ) الْمُدَّعِي (لَمْ يَكُنْ مُجِيبًا) لِأَنَّ الْجَوَابَ إقْرَارٌ أَوْ إنْكَارٌ وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لِي حِسَابٌ أُرِيدُ أَنْ أَنْظُرَ فِيهِ لَزِمَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (إنْظَارَهُ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ دَيْنِهِ أَوْ لِيَعْلَمَ هَلْ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا وَالثَّلَاثُ هَذِهِ يَسِيرَةٌ وَلَا يُمْهَلُ أَكْثَرُ مِنْهَا لِأَنَّهُ كَثِيرٌ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إنْ ادَّعَيْتَ أَلْفًا بِرَهْنِ كَذَا لِي عِنْدَك أَجَبْتُ أَوْ إنْ ادَّعَيْتَ هَذَا) الَّذِي ادَّعَيْتَهُ (ثَمَنَ كَذَا بِعْتَنِيهِ وَلَمْ تُقْبِضْنِيهِ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا حَقَّ لَك عَلَيَّ فَجَوَابٌ صَحِيحٌ) لِأَنَّهُ مُقِرٌّ لَهُ عَلَى قَيْدٍ يُحْتَرَزُ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ مُنْكَرٌ لَهُ فِيمَا سِوَاهُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُحَرَّرِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بَعْد ثُبُوت الدَّعْوَى قَضَيْتَهُ أَوْ أَبْرَأَنِي وَ) ذَكَر أَنَّ (لَهُ بَيِّنَةً بِالْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ أُنْظِرَ ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا فِيهِ طُولٌ بِخِلَافِهَا فَإِنَّهَا قَرِيبَةٌ وَقَدْ لَا تَتَكَامَلُ الْبَيِّنَةُ فِيمَا دُونِهَا وَلَوْ أَلْزَمْنَاهُ فِي الْحَالِ لَكَانَ تَضْيِيقًا عَلَيْهِ (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ) زَمَنَ الْإِنْظَارِ لِئَلَّا يَهْرُبَ فَيَتَأَخَّرَ عَنْ الْمُدَّةِ الَّتِي أُنْظِرهَا قُلْت وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُحْبَس وَعَمَلَ الْقُضَاةُ الْآنَ بِخِلَافِهِ.
(فَإِنْ عَجَزَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ بَيِّنَةِ الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ (حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى نَفْيِ مَا ادَّعَاهُ) مِنْ الْقَضَاءِ وَالْإِبْرَاءِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَاسْتَحَقَّ) مَا ادَّعَى بِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ.
(فَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِين (قَضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَصَدَقَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَنَكَلَ عَنْهَا فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ كَمَا لَوْ كَانَ مُدَّعَى عَلَيْهِ ابْتِدَاءً (هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَنْكَرَ أَوَّلًا سَبَبَ الْحَقِّ).
(فَأَمَّا إنْ أَنْكَرَهُ ثُمَّ ثَبَتَ فَادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً سَابِقًا لِإِنْكَارِهِ لَمْ يُسْمَعْ) مِنْهُ (وَإِنْ أَتَى بِبَيِّنَةٍ نَصًّا) فَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفًا مِنْ قَرْضٍ فَقَالَ مَا اقْتَرَضْتُ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ فَقَالَ مَا ابْتَعْت مِنْهُ شَيْئًا ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ اقْتَرَضَ أَوْ اشْتَرَى بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ فَقَالَ قَضَيْته مِنْ قَبْل هَذَا الْوَقْت أَوْ أَبْرَأَنِي مِنْ قَبْلِ هَذَا الْوَقْتِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَلَوْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً لِأَنَّ الْقَضَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَإِنْكَارُ الْحَقِّ يَقْتَضِي نَفْيَ الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ فَيَكُونُ مُكَذِّبًا لَدَعْوَاهُ وَبَيِّنَتِهِ فَلَا تُسْمَعُ لِذَلِكَ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ سَابِقًا عَلَى إنْكَارِهِ عَمَّا لَوْ ادَّعَى قَضَاءً أَوْ إبْرَاءً بَعْدَ إنْكَارِهِ فَإِنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ لِأَنَّ قَضَاؤُهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ كَالْإِقْرَارِ بِهِ فَيَكُونُ قَاضِيًا لِمَا هُوَ مُقِرٌّ بِهِ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِهِ كَغَيْرِ الْمُنْكِرِ وَإِبْرَاءُ الْمُدَّعِي بَعْدَ الْإِنْكَارِ إقْرَارٌ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ إنْكَارِهِ وَإِبْرَاءِ الْمُدَّعِي فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ.
(وَإِنْ شَهِدَتْ بِبَيِّنَةٍ لِلْمُدَّعِي) بِمَا ادَّعَاهُ (فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلِّفُوهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ يُحَلَّفْ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» وَقَوْلُهُ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَلِأَنَّ فِيهِ تُهْمَةً لِلْبَيِّنَةِ.
(وَإِنْ ادَّعَى) أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ (أَنَّهُ أَقَالَهُ بَائِعٌ) أَوْ أَجَارَهُ وَأَنْكَرَهُ (فَلَهُ تَحْلِيفُهُ) إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا وَإِنْ قَالَ قَتَلْتَ دَابَّتِي وَلِي عَلَيْكَ قِيمَتُهَا أَلْفٌ فَقَالَ: لَا يَلْزَمُنِي أَوْ لَا تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ وَلَا شَيْءَ مِنْهُ فَقَدْ أَجَابَ انْتَهَى.