فصل: فَصْلٌ: مَنْ مَلَكَ رَقَبَةً لَزِمَهُ الْعِتْقُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ:

وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهَا وَذَلِكَ كَكَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ (فَكَفَّارَةُ الظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَجِبُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} الْآيَتَيْنِ وَلِحَدِيثِ خَوْلَةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ حِين ظَاهَرَ مِنْهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«يُعْتِقُ رَقَبَةً قَالَتْ يَعْنِي امْرَأَتَهُ لَا يَجِدُ قَالَ فَيَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَتْ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ قَالَ فَيُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا» وَهَذَا فِي الْحُرِّ وَيَأْتِي حُكْمُ الْعَبْدِ (وَكَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مِثْلُهَا) فِيمَا ذَكَرَ وَسَبَقَ ذَلِكَ (وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ مِثْلُهُمَا لَكِنْ لَا إطْعَامَ فِيهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَر فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ كَالْعِتْقِ وَالصِّيَامِ.
(وَالِاعْتِبَارِ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ) لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الطُّهْرَةِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِحَالَةِ الْوُجُوبِ (كَالْحَدِّ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَإِمْكَانُ الْأَدَاءِ مَبْنِيٌّ عَلَى زَكَاةٍ) وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لِوُجُوبِهَا بَلْ لِلُزُومِ أَدَائِهَا (فَإِنْ وَجَبَتْ) الْكَفَّارَةُ (وَهُوَ مُوسِرٌ) بِهَا (ثُمَّ أُعْسِرَ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا الْعِتْقُ) لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْعُهْدَةِ إلَّا بِهِ (وَإِنْ وَجَبَتْ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ أَيْسَرَ) لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ (أَوْ) وَجَبَتْ (وَهُوَ عَبْدٌ ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ الصَّوْمُ بَدَلٌ عَنْ الْعِتْقِ فَإِذَا وَجَدَ مَنْ يُعْتِقُهُ وَجَبَ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاء قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا لِلْفَرْقِ بَيْنهمَا فَإِنَّ الْمَاءَ إذَا وُجِدَ بَعْد التَّيَمُّمِ بَطَلَ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّ الْعِتْقَ لَوْ وُجِدَ بَعْدَ فِعْلِهِ لَمْ يَبْطُلْ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُعْسِرِ إذَا أَيْسَرَ وَالْعَبْدُ إذَا عَتَقَ (الِانْتِقَالُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعِتْقِ (إنْ شَاءَ) لِأَنَّ الْعِتْقَ هُوَ الْأَصْلُ فَوَجَبَ أَنْ يَجْزِيَهُ كَسَائِرِ الْأُصُولِ.
(وَوَقْتُ الْوُجُوبِ) فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ (مِنْ وَقْتِ الْعُودِ) وَهُوَ الْوَطْءُ (لَا) مِنْ (وَقْتِ الْمُظَاهَرَةِ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ حَتَّى يَعُودَ (وَوَقْتُهُ) أَيْ الْوُجُوبُ (فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ مِنْ) وَقْتِ (الْحِنْثِ لَا) مِنْ (وَقْتِ الْيَمِينِ) لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ حَتَّى يَحْنَثَ.
(وَ) وَقْتُ الْوُجُوبِ (فِي الْقَتْلِ زَمَنُ الزَّهُوقِ لَا زَمَنَ الْجُرْحِ) لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالزَّهُوقِ (فَإِنْ شَرَعَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ أَوْ نَحْوِهَا (فِي الصَّوْمِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْعِتْقِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَال إلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْعِتْقِ قَبْلَ تَلَبُّسِهِ بِالصِّيَامِ أَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ إلَى مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلِأَنَّهُ وَجَدَ الْمُبَدِّلَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَال إلَيْهِ كَالْمُتَمَتِّعِ يَجِدُ الْهَدْيَ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي صِيَامِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَيُفَارِقُ مَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ قَضَاءَهَا يَسِيرٌ (تَنْبِيهٌ) قَوْلُهُ فَإِنْ شَرَعَ إلَى آخِرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى رِوَايَةِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَال كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُقَنَّعِ وَغَيْرِهِ فَالْأَوْلَى حَذْفُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الرِّوَايَةَ الَّتِي هُوَ مُفَرِّعٌ عَلَيْهَا أَمَّا عَلَى الْأُولَى فَمَتَى وَجَبَتْ وَهُوَ مُعْسِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ أَوْ لَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ (وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْعِتْقِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ (أَوْ) لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ (إلَى الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ فَوَجَبَ إجْزَاؤُهُ كَسَائِرِ الْأُصُولِ.
(وَإِنْ كَفَّرَ الذِّمِّيُّ) عَنْ ظِهَارِهِ (بِالْعِتْقِ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ) كَالْمُسْلِمِ (فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ أَوْ وَرِثَهَا) فَأَعْتَقَهَا (أَجْزَأَتْ عَنْهُ) وَحَلَّ لَهُ الْوَطْءُ (وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَى شِرَاءِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ شِرَاؤُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (وَيَتَعَيَّنُ تَكْفِيرُهُ بِالْإِمَامِ) لَعَجْزِهِ عَنْ الْعِتْقِ وَالصِّيَامِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الذِّمِّيُّ (لِمُسْلِمٍ أَعْتِقْ عَبْدَكَ) الْمُسْلِمَ (عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ فَيَصِحُّ) عِتْقُهُ عَنْهُ وَيَجْزِيهِ (وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ بِالْإِطْعَامِ فَكَالْعَبْدِ يُعْتَقُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ بِالصِّيَامِ) لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ فَيَجْزِيهِ الْإِطْعَامُ وَلَهُ أَنْ يُكَفِّرُ بِالْعِتْقِ وَالصِّيَامِ.
(وَإِنْ ظَاهَرَ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ وَصَامَ فِي رِدَّتِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يَصِحَّ) صَوْمُهُ عَنْهَا كَسَائِرِ صَوْمِهِ (وَإِنْ كَفَّرَ) الْمُرْتَدُّ (بِعِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ لَمْ يُجْزِئْهُ نَصًّا) لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْقَاضِي الْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ.

.فَصْلٌ: مَنْ مَلَكَ رَقَبَةً لَزِمَهُ الْعِتْقُ:

فَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً لَزِمَهُ الْعِتْقُ (أَوْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهَا) أَيْ الرَّقَبَةَ (بِمَا) أَيْ بِشَيْءٍ مِنْ نَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ (هُوَ فَاضِلٌ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ عَلَى الدَّوَامِ وَ) عَنْ (غَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ (مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ) لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ مِنْ كِفَايَتِهِ وَمُسَاوِيَةٌ لَهَا، بِدَلِيلِ تَقْدِيمِهَا عَلَى غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ (وَرَأْسِ مَالِهِ كَذَلِكَ) أَيْ رَأْسِ الْمَالِ الَّذِي يَحْتَاجُهُ لِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ وَحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْكَافُ لِلتَّعْلِيلِ كَمَا قِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى:
{كَمَا هَدَاكُمْ}.
(وَ) عَنْ (وَفَاءِ دَيْنِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُطَالَبًا بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ، لِأَنَّ مَا اسْتَغْرَقَتْهُ حَاجَةُ الْإِنْسَانِ كَالْمَعْدُومِ فِي جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَدَلِ كَمَنْ وَجَدَ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْعَطَشِ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى التَّيَمُّمِ (بِثَمَنٍ مِثْلِهَا) لِأَنَّ مَا حَصَلَ بِأَكْثَرِ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ كَالْمُتَيَمِّمِ (لَزِمَهُ الْعِتْقُ) إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى الصَّوْمِ إذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الرَّقَبَةِ (وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ اشْتَبَهَ بِعَبْدِ غَيْرِهِ أَمْكَنَهُ الْعِتْقُ) وَكَذَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أَمَتُهُ بِأَمَةِ غَيْرِهِ (بِأَنْ يُعْتِقَ الرَّقَبَةَ الَّتِي فِي مِلْكِهِ ثُمَّ يُقْرِعُ بَيْنَ الرِّقَابِ فَيُعْتِقُ) أَيْ يُظْهِرُ عِتْقَ (مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ) هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ (وَمَنْ لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ إمَّا لِكَبَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ عَظْمٍ خَلِقٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَعْجِزُ عَنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ) كَهُزَالٍ مُفْرِطٍ (أَوْ يَكُونُ) مَنْ لَهُ خَادِمٌ (مِمَّنْ لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ عَادَةً وَلَا يَجِدُ رَقَبَةً فَاضِلَةً عَنْ خِدْمَتِهِ) لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ (أَوْ لَهُ دَارٌ يَسْكُنُهَا) لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ بِثَمَنِهَا (أَوْ) لَهُ (دَابَّةٌ يَحْتَاجُ إلَى رُكُوبِهَا أَوْ) إلَى (الْحَمْل عَلَيْهَا أَوْ) لَهُ (كُتُبُ عِلْمٍ يَحْتَاجُهَا أَوْ) لَهُ (ثِيَابٌ يَتَجَمَّلُ بِهَا) لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ بِثَمَنِهَا (إذَا كَانَ صَالِحًا لِمِثْلِهِ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَدَمِ كَمَنْ مَعَهُ مَاءٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِعَطَشٍ أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً إلَّا بِزِيَادَةٍ عَنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا تُجْحَف بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ) لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ كَانَتْ) الزِّيَادَةُ (تُجْحِف بِهِ لَزِمَهُ) الْعِتْقُ كَمَا لَوْ وَجَدَهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا (وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنَهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمهُ شِرَاؤُهَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ مَال يَحْتَاجُ لِأَكْلِ الطَّيِّبِ وَلُبْسِ النَّاعِمِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهَا) أَيْ الرَّقَبَةِ لِعَدَمِ عِظَمِ الْمَشَقَّةِ (وَإِنْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يَخْدُم امْرَأَتَهُ وَهُوَ) أَيْ الزَّوْجُ (مِمَّنْ عَلَيْهِ إخْدَامُهَا) لِكَوْنِ مِثْلِهَا لَا يَخْدُمُ نَفْسَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ كَمَا لَوْ احْتَاجَهُ لِخِدْمَةِ نَفْسِهِ (أَوْ كَانَ لَهُ رَقِيقٌ يَتَقَوَّتُ بِخَرَاجِهِمْ أَوْ) لَهُ (عَقَارٌ يَحْتَاجُ إلَى غَلَّتِهِ أَوْ عَرْضٌ لِلتِّجَارَةِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْ رِبْحِهِ فِي مَئُونَتِهِ) وَمَئُونَةِ عِيَالِهِ وَحَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ (لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ فَاضِلٍ عَنْ حَاجَتِهِ.
(وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يُمْكِنهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ رَقَبَةً لَزِمَهُ) الْعِتْقُ لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِلَا ضَرَرٍ (فَلَوْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَيَشْتَرِي بِهِ) أَيْ بِثَمَنِهِ (رَقَبَتَيْنِ يُسْتَغْنَى بِخِدْمَةِ إحْدَاهُمَا وَيَعْتِقُ الْأُخْرَى لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ثِيَابٌ فَاخِرَةٌ تَزِيدُ عَلَى مَلَابِسِ مِثْلِهِ يُمْكِنهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيهِ فِي لِبَاسِهِ وَ) شِرَاءُ (رَقَبَةٍ يُعْتِقهَا) فِي كَفَّارَتِهِ (أَوْ لَهُ دَارٌ) فَوْقَ مَا يَحْتَاجُهَا (يُمْكِنهُ بَيْعُهَا وَشِرَاءُ مَا يَكْفِيهِ لِسُكْنَى مِثْلِهِ وَرَقَبَةٌ) يُعْتِقُهَا بِالْبَاقِي لَزِمَهُ، لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْعِتْقُ بِلَا ضَرَرٍ (أَوْ) لَهُ (صَنْعَةٌ يَفْضُلُ مِنْهَا عَنْ كِفَايَتِهِ مَا يُمْكِنهُ بِهِ مِنْ شِرَاءِ رَقَبَةٍ وَيُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْكِفَايَةُ الَّتِي يَحْرُمُ مَعَهَا أَخَذُ الزَّكَاةِ لَزِمَهُ) الْعِتْقُ لِأَنَّهَا بِثَمَنِ مِثْلِهَا، وَلَا يُعَدُّ شِرَاؤُهَا بِذَلِكَ ضَرَرًا وَإِنَّمَا الضَّرَر فِي إعْتَاقِهَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبُ كَمَا لَوْ كَانَ مَالِكًا لَهَا.
(وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ سُرِّيَّةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ إعْتَاقُهَا وَإِنْ أَمْكَنَهُ بَيْعُهَا أَوْ) أَمْكَنَهُ (شِرَاءُ رَقَبَةٍ أُخْرَى وَ) شِرَاءُ (رَقَبَةٍ يُعْتِقُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ الْخَادِمِ (وَإِنْ وَجَدَ رَقَبَةً) تُبَاعُ (بِثَمَنِ مِثْلِهَا إلَّا أَنَّهَا رَفِيعَةٌ يُمْكِن أَنْ يَشْتَرِيَ بِثَمَنِهَا رِقَابًا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا لَزِمَهُ شِرَاؤُهَا) مَعَ عَدَمِ غَيْرِهَا وَكَوْنِ ثَمَنُهَا فَاضِلًا عَنْ حَاجَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلِقُدْرَتِهِ عَلَى الْعِتْقِ بِلَا ضَرَرٍ (وَإِنْ وُهِبَتْ لَهُ) رَقَبَةً يُعْتِقهَا (لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا) كَمَا لَوْ وُهِبَ لَهُ ثَمَنَهَا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَاءِ التَّيَمُّمِ لِعَدَمِ تَمَوُّلِهِ عَادَة.
(وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا وَأَمْكَنَهُ شِرَاؤُهَا) أَيْ شِرَاءُ رَقَبَةٍ يُعْتِقهَا (بِ) ثَمَنٍ نَسِيئَةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ (أَوْ كَانَ مَالُهُ دَيْنًا مَرْجُوُّ الْوَفَاءِ) وَأَمْكَنَهُ شِرَاءُ الرَّقَبَةِ نَسِيئَةً (لَزِمَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا بِمَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ (فَإِنْ لَمْ تُبَعْ بِالنَّسِيئَةِ جَازَ الصَّوْمُ وَلَوْ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) لِلْحَاجَةِ وَكَالْعَادِمِ.
وَفِي الشَّرْحِ إذَا كَانَ يَرْجُو الْحُضُورَ قَرِيبًا لَمْ يَجُزْ الِانْتِقَالِ إلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِظَارِ لِشِرَاءِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا جَازَ الِانْتِقَالُ فِي غَيْرِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي الِانْتِظَارِ، وَهَلْ يَجُوزُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْأَصْلِ فِي مَالِهِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمَسِيسُ، فَجَازَ لَهُ الِانْتِفَالُ لِلْحَاجَةِ.

.(فَصْل): فيما يُجْزِي فِي الْكَفَّارَاتِ:

(وَلَا يُجْزِي فِي جَمِيع الْكَفَّارَاتِ وَفِي نَذْرِ الْعِتْقِ الْمُطْلَقِ إلَّا عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِر إجْمَاعًا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَمَا عَدَا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ، فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ (سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ مَنَافِعِهَا وَتَمْكِينُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ لِنَفْسِهَا وَلَا يَحْصُلُ هَذَا مَعَ مَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا (كَالْعَمَى) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ فِي أَكْثَرِ الصَّنَائِعِ.
(وَ) كَ (قَطْعِ الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ) قَطْعِ (الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ أَشَلَّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا لِأَنَّ الْيَدَ آلَةَ الْبَطْشِ وَالرِّجْلَ آلَةُ الْمَشْيِ.
فَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ تَلَفِ إحْدَاهُمَا أَوْ شَلَلِهَا (أَوْ قَطْعِ إبْهَامِ الْيَدِ أَوْ قَطْعِ أُنْمُلَةٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ إبْهَامِ الْيَدِ (أَوْ) قَطْع (أُنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ كَالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى (كَقَطْعِ الْكُلِّ) أَيْ كُلِّ ذَلِكَ الْإِصْبَعِ الَّذِي قُطِعَ أُنْمُلَتَاهُ (أَوْ قُطِعَ سَبَّابَتُهَا أَوْ الْوُسْطَى) مِنْ يَدٍ (أَوْ قُطِعَ الْخِنْصَرُ وَالْبِنْصِرُ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّ نَفْعَ الْيَدِ يَزُولُ بِذَلِكَ (وَقَطْعُ أُنْمُلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ وَلَوْ) كَانَ (قَطْعُ الْأُنْمُلَةِ مِنْ الْأَصَابِعِ الْأَرْبَعِ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ) لِأَنَّ نَفْعَ الْيَدِ بَاقٍ لَمْ يَزُلْ بِذَلِكَ (وَيُجْزِئُ مَنْ قُطِعَتْ خِنْصَرُهُ) فَقَطْ (أَوْ) بِنْصِرُهُ فَقَطْ (أَوْ) قُطِعَتْ (إحْدَاهُمَا مِنْ يَدٍ وَ) قُطِعَتْ (الْأُخْرَى مِنْ الْيَدِ الْأُخْرَى) بِأَنْ قُطِعَ الْخِنْصَرِ مِنْ الْيُمْنَى وَالْبِنْصِرُ مِنْ الْيُسْرَى أَوْ بِالْعَكْسِ، لِأَنَّ نَفْعَ الْكَفَّيْنِ بَاقٍ (وَ) يُجْزِئ (مَنْ قُطِعَتْ أَصَابِعُ قَدَمِهِ كُلّهَا) هَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ.
وَفِي التَّنْقِيحِ وَتَبَعَهُ فِي الْمُنْتَهَى حُكْمُ الرِّجْلِ فِي ذَلِكَ كَالْيَدِ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ كَلَامَهُ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّنْقِيحِ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى (وَ) يُجْزِئُ (الْأَعْرَجُ يَسِيرًا) وَيُجْزِئُ أَيْضًا (مَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانُ وَ) تُجْزِئُ (الرَّتْقَاءُ وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي تَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَالْحُبْلَى، وَلَهُ اسْتِثْنَاءُ حَمْلِهَا وَالْمُدَبَّرُ وَوَلَدُ الزِّنَا وَالصَّغِيرُ حَيْثُ كَانَ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ) تَبَعًا لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ لِسَابِيهِ أَوْ لِلدَّارِ.
(وَ) يُجْزِئُ (الْأَعْرَجُ وَالْمُؤَجَّرُ وَالْمَرْهُونُ وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا) وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ وَيَتْبَعُهُ الْمُرْتَهِنُ بِدَيْنِهِ إنْ حَلَّ أَوْ قِيمَةِ الْعَبْدِ تُجْعَلُ رَهْنًا مَكَانَهُ إذَا أَيْسَرَ، وَمُقَدَّمَ فِي الرَّهْنِ.
(وَ) يُجْزِئ (الْخَصِيُّ وَلَوْ مَجْبُوبًا وَالْأَقْرَعُ وَالْأَبْخَرُ وَالْأَبْرَصُ وَأَصَمُّ غَيْرُ أَخْرَسَ) لِأَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ كُلَّهَا لَا تَضُرُّ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا.
(وَ) يُجْزَى (الْجَانِي) لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ عِتْقِهِ وَلَا تَضُرُّ بِعَمَلِهِ (وَلَوْ قَتَلَ فِي الْجِنَايَةِ) لِأَنَّ الْإِجْزَاءَ حَصَلَ بِمُجَرَّدِ الْعِتْقِ، وَلَا يَرْتَفِعُ عِتْقُهُ بِذَلِكَ.
(وَ) يُجْزِئُ (الْأَحْمَقُ، وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ الْقَبِيحَ وَالْخَطَأَ عَلَى بَصِيرَةٍ لِقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِمَا يُعْقِبُهُ مِنْ الْمَضَارِّ وَيُجْزِئُ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ وَ) مَقْطُوعُ (الْأُذُنَيْنِ وَمَنْ ذَهَبَ شَمُّهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالْعَمَلِ (وَلَا يُجْزِئُ مَرِيضٌ مَيْئُوسٌ مِنْ بُرْئِهِ كَمَرَضِ السِّلِّ) بِكَسْرِ السِّينِ وَتَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَنْدُرُ بُرْؤُهُ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ مَعَ بَقَائِهِ (وَلَا يُجْزِئُ) أَيْضًا (النَّحِيفُ الْعَاجِزُ عَنْ الْعَمَلِ) لِأَنَّهُ كَالْمَرِيضِ الْمَيْئُوسِ مِنْ بُرْئِهِ (وَإِنْ كَانَ) النَّحِيفُ (يَتَمَكَّنُ مِنْ الْعَمَلِ أَجْزَأَ كَمَرِيضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ كَمَنْ بِهِ حُمَّى وَنَحْوِهِ) كَصُدَاعٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعهُ مِنْ الْعَمَل (وَلَا يُجْزِئُ جَنِينٌ وَإِنْ وُلِدَ حَيًّا) لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ أَحْكَامُ الدُّنْيَا بَعْدَ.
(وَلَا) يُجْزِئُ (زَمِنٌ وَلَا مُقْعَدٌ) لِعَجْزِهِمَا عَنْ الْعَمَلِ (وَلَا) يُجْزِئُ (غَائِبٌ لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ) لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي حَيَاتِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ شَغْل الذِّمَّةِ وَلَا يَبْرَأُ بِالشَّكِّ لَا يُقَالُ: الْأَصْلُ الْحَيَاةُ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ لَا بُدّ مِنْهُ وَقَدْ وُجِدَتْ دَلَالَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ انْقِطَاعُ خَبَرِهِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْغَائِبَ (ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيٌّ أَجْزَأَ) لِأَنَّهُ عِتْقٌ صَحِيحٌ (وَ) يُجْزِئُ (مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ) لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ النَّفْعِ ضَرُورَةً اسْتِغْرَاقُ زَمَنِهِ فِي الْجُنُونِ، وَفِي مَعْنَاهُ الْهَرِمُ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ (وَلَا) يُجْزِئُ (أَخْرَسُ لَا تُفْهَمُ إشَارَتُهُ) لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ زَائِلَةٌ أَشْبَهَ زَوَالَ الْعَقْلِ (فَإِنْ فُهِمَتْ) إشَارَتُهُ (وَفَهِمَ) أَيْ الْأَخْرَسُ (إشَارَةَ غَيْرِهِ أَجْزَأَ) عِتْقَهُ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَقُومُ مَقَامَ الْكَلَامِ (وَلَا أَخْرَسُ أَصَمٌّ وَلَوْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ).
لِأَنَّهُ نَاقِصٌ بِفَقْدِ حَاسَّتَيْنِ تَنْقُصُ بِفَقْدِهِمَا قِيمَتُهُ نَقْصًا كَثِيرًا (وَلَا مَنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا) كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْتَ الدَّار فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ دَخَلَهَا، وَنَوَى السَّيِّدُ حَالَ دُخُولِهِ أَنَّهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ، لِأَنَّ عِتْقَهُ مُسْتَحَقّ سَبَب آخَر وَهُوَ الشَّرْطُ (فَإِنْ عَلَّقَ عِتْقَهُ لِلْكَفَّارَةِ) بِأَنْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ لِلْكَفَّارَةِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَهَا أَجْزَأَ لِأَنَّ عِتْقَهُ لِلْكَفَّارَةِ (أَوْ) عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدٍ بِصِفَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ وَدُخُولِهِ الدَّارَ ثُمَّ (أَعْتَقَهُ قَبْل وُجُودِ الصِّفَةِ أَجْزَأَ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ الَّذِي يَمْلِكُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ.
(وَلَا) يُجْزِئُ (مَنْ يُعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} وَالتَّحْرِيرُ فِعْلُ الْعِتْقِ وَلَمْ يَحْصُلْ هُنَا بِتَحْرِيرٍ مِنْهُ وَلَا إعْتَاقٌ فَلَمْ يَكُنْ مُمْتَثِلًا لِلْأَمْرِ، وَيُفَارِقُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا أَنَّ الْبَائِعَ يُعْتِقهُ وَالْمُشْتَرِي لَا يُعْتِقهُ، وَإِنَّمَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِ الشَّارِعِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ الثَّانِي أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ إعْتَاقَهُ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي (وَلَا مَنْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ) لِأَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَائِعَ نَقَصَهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَجْلِ هَذَا الشَّرْط فَكَأَنَّهُ أَخَذَ عَنْ الْعِتْق عِوَضًا (وَلَوْ قَالَ لَهُ) أَيْ الْمُظَاهِرُ وَنَحْوَهُ مِمَّنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ (أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنْ كَفَّارَتِكِ وَلَكَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ فَفَعَلَ) أَيْ أَعْتَقَهُ لِذَلِكَ (لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ) لِاعْتِيَاضِهِ عَنْ الْعِتْقِ (وَوَلَاؤُهُ لَهُ) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (فَإِنْ رَدَّ) الْمُعْتِقُ (الْعَشَرَةَ بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى بَاذِلهَا لِيَكُونَ الْعِتْقُ مِنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ) أَيْ الْعِتْقُ عَنْهَا لِأَنَّ الْعِتْقَ ابْتِدَاءٌ وَقَعَ غَيْرَ مُجْزِئٍ فَلَمْ يَنْقَلِبْ مُجْزِئًا بِرَدِّ الْعِوَضِ.
(وَإِنْ قَصَدَ) الْمُعْتِقُ ابْتِدَاء (الْعِتْق عَنْ الْكَفَّارَة وَحْدهَا وَعَزَمَ عَلَى رَدِّ الْعَشَرَةِ أَوْ رَدَّ الْعَشَرَةَ قَبْلَ الْعِتْقِ وَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَهُ) عِتْقُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لِتَمَحُّضِهِ لَهَا (وَإِنْ أَشْتَرَى عَبْدًا يَنْوِي إعْتَاقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْكَفَّارَةِ) كَالْعَوَرِ (فَأَخَذَ أَرْشَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَهُ لَهُ) عِتْقُهُ عَنْهَا لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَكَانَ الْأَرْشُ لَهُ) كَمَا لَوْ لَمْ يُعْتِقْهُ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ قَبْل الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ فَأَخَذَ أَرْشَهُ فَهُوَ) أَيْ الْأَرْشُ (لَهُ أَيْضًا) كَمَا لَوْ أَخَذَهُ قَبْل إعْتَاقِهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَصْرِفُ الْأَرْشَ فِي الرِّقَابِ (وَلَا تُجْزِئُ أُمُّ وَلَدٍ) لِأَنَّ عِتْقَهَا مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبٍ آخَرَ كَرَحِمِهِ الْمَحْرَمِ.
(وَلَا) يُجْزِئُ أَيْضًا (وَلَدُهَا الَّذِي وَلَدَتْهُ بَعْدَ كَوْنِهَا أُمُّ وَلَدٍ) لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهَا وَحُكْمُهُ حُكْمُهَا (وَلَا) يُجْزِئُ (مُكَاتِبٌ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا) لِأَنَّهُ إذَا أَدَّى شَيْئًا فَقَدْ حَصَلَ الْعِوَضُ عَنْ بَعْضِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْض رَقَبَةٍ (وَلَا مَغْصُوبِ) لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ مَنَافِعِهِ (وَلَا مَنْ أَوْصَى) رَبُّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ (بِخِدْمَتِهِ أَبَدًا) وَقَبِلَ الْمُوصَى لَهُ ذَلِكَ لِنَقْصِهِ (وَلَوْ أُعْتِقَ مِنْ كَفَّارَتِهِ عَبْدٌ لَا يُجْزِئُ) عِتْقُهُ (فِي الْكَفَّارَةِ) كَالْقَطْعِ (نَفَذَ عِتْقُهُ) لِأَنَّهُ عِتْقٌ مِنْ مَالِكٍ جَائِزِ التَّصَرُّفِ (وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَمَنْ أَعْتَقَ غَيْرُهُ عَنْهُ عَبْدًا بِغَيْرِ أَمَرَهُ) فِي كَفَّارَةِ أَوْ غَيْرِهَا (لَمْ يُعْتَقْ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ إذَا كَانَ حَيًّا) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ عِتْقٌ وَلَا أَمَرَ بِهِ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ (وَوَلَاؤُهُ) أَيْ الْمُعْتَقَ (لِمُعْتِقِهِ)، لِحَدِيثِ «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (وَلَا يُجْزَى عَنْ كَفَّارَتِهِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ.
(وَإِنْ نَوَى) الْمُعْتِقُ (ذَلِكَ) لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَصْدُرْ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا، (وَكَذَا مَنْ كَفَّرَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِالْإِطْعَامِ) بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (فَأَمَّا الصِّيَامُ فَلَا يَصِحُّ) أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ أَحَدٌ (وَلَوْ بِإِذْنِهِ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ فَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ كَالصَّلَاةِ، (وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي (وَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ) الْآمِرُ (لَهُ عِوَضًا) عَمَّنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ فَأَعْتَقَهُ عَنْهُ (صَحَّ الْعِتْقُ عَنْ الْمُعْتَقِ عَنْهُ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَأَجْزَأَ عَنْ كَفَّارَتِهِ) وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ مِنْ مِلْكِ الْمَأْمُورِ لَا الْآمِرِ حَالَ الْعِتْقِ، أَوْ كَانَ الْعِتْقُ مِنْ الْآمِرِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ كَالْوَكِيلِ عَنْهُ.
(فَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ عَنْهُ مَيِّتًا، وَكَانَ) الْمَيِّتُ (قَدْ أَوْصَى بِالْعِتْقِ صَحَّ) الْعِتْقُ لِأَنَّ الْمُوصَى إلَيْهِ كَالنَّائِبِ عَنْ الْمُوصِي (وَإِنْ لَمْ يُوصِ) قَبْلَ مَوْتِهِ بِالْعِتْقِ (فَأَعْتَقَ عَنْهُ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يَصِحَّ) أَيْ لَمْ يَجُزْ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُجْزِئُ فِي الْوَلَاءِ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ) أَيْ الْمَيِّتِ (وَارِثُهُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ (وَاجِبٌ)، عِتْقٌ (لَمْ يَصِحَّ) عِتْقُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ إذَنْ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَوَقَعَ) الْعِتْقُ (عَنْ الْمُعْتِقِ) الْأَجْنَبِيِّ، أَوْ الْوَارِثِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ (وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ عِتْقٌ وَاجِبٌ صَحَّ) مِنْ الْوَارِثِ عِتْقُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ وَلِيُّهُ (فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَيِّتِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَأَطْعَمَ عَنْهُ الْوَارِثُ (أَوْ كَسَا) عَشَرَةَ مَسَاكِين (جَازَ) لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ وَنَائِبٌ عَنْهُ (وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمَيِّتِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ (فَفِيهِ وَجْهَانِ) تَقَدَّمَ فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ صَحَّ (وَلَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) أَيْ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِغَيْرِهِ (أَطْعِمْ) عَنْ كَفَّارَتِي (أَوْ اُكْسُ عَنْ كَفَّارَتِي صَحَّ) ذَلِكَ كَالْآمِرِ بِالْعِتْقِ، سَوَاءٌ (ضَمِنَ لَهُ عِوَضًا أَوْ لَا) أَيْ أَمْ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ عِوَضًا لِأَنَّهُ أَذِنَهُ فِي الْإِخْرَاجِ عَنْهُ.
(وَلَوْ مَلَكَ نِصْفَ عَبْدٍ فَأَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ ثُمَّ اشْتَرَى بَاقِيهِ فَأَعْتَقَهُ) أَيْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَكَ (كُلَّهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَهُوَ مُعْسِرٌ) بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ (سَرَى) الْعِتْقُ (إلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَعَتَقَ وَلَمْ يُجْزِئْهُ) نَصِيبُ شَرِيكِهِ (عَنْ كَفَّارَتِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِالْمُبَاشَرَةِ، بَلْ بِالسِّرَايَةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ (وَأَجْزَأَهُ عِتْقُ نَصِيبِهِ) أَيْ يُحْتَسَبُ لَهُ بِهِ مِنْ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ بَاشَرَ عِتْقَهُ (فَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفًا آخَر أَجْزَأَهُ كَمَنْ أَعْتَقَ نِصْفَيْ عَبْدَيْنِ أَوْ) أَعْتَقَ (نِصْفَيْ أَمَتَيْنِ أَوْ) أَعْتَقَ نِصْفَ أَمَةٍ وَنِصْف عَبْدٍ لِأَنَّ الْأَشْقَاصَ كَالْأَشْخَاصِ فِيمَا لَا يَمْنَعُ الْعَيْبُ الْيَسِيرُ دَلِيلُهُ الزَّكَاةُ إذَا كَانَ يَمْلِكُ نِصْفَ ثَمَانِينَ مُشَاعًا، وَجَبَتْ الزَّكَاةُ كَمَا لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ مُنْفَرِدَةً وَكَالْهَدَايَا وَالضَّحَايَا إذَا اشْتَرَكُوا فِيهَا (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْبَاقِي مِنْهَا حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ كُلُّهُ لَهُ) أَيْ لِمَنْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (فَأَعْتَقَ جُزْءًا مِنْهُ مُعَيَّنًا أَوْ مُشَاعًا عَتَقَ جَمِيعَهُ) بِالسِّرَايَةِ (فَإِنْ نَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ أَجْزَأَ عَنْهُ) لِأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقِيقَةً كَامِلَة الرِّقِّ لَهُ، نَاوِيًا بِهَا الْكَفَّارَةَ فَأَجْزَأَتْهُ، وَظَاهِرُ الْمُنْتَهَى لَا يُجْزِئهُ (وَإِنْ نَوَى إعْتَاقَ الْجُزْءِ الَّذِي بَاشَرَهُ بِالْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ دُونَ بَقِيَّتِهِ لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ إلَّا بِمَا نَوَى) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».