فصل: فَصْلٌ: نَذْرُ صومِ يومَ قُدوم فلان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: نَذْرُ صومِ يومَ قُدوم فلان:

(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُهُ فَلَمْ يَجِبْ نَذْرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ صَبِيحَتَهُ (وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ يَوْمِ صَبِيحَتِهِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَخَبِ (وَإِنْ قَدِمَ) زَيْدٌ (نَهَارًا أَوْ هُوَ) أَيْ النَّاذِرُ (مُفْطِرٌ أَوْ) قَدِمَ (يَوْمَ عِيدٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ قَضَى وَكَفَّرَ) لِأَنَّهُ أَفْطَرَ مَا نَذَرَ صَوْمَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَلَمْ يَصُمْهُ وَعُلِمَ مِنْهُ انْعِقَادُ نَذْرِهِ لِأَنَّهُ زَمَنٌ يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ التَّطَوُّعِ فَانْعَقَدَ نَذْرُهُ لِصَوْمِهِ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا تَطَوُّعًا وَنَذَرَ إتْمَامَهُ (وَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ وَهُوَ) أَيْ النَّاذِرُ (صَائِمٌ وَكَانَ قَدْ بَيَّتَ النِّيَّةَ بِخَبَرٍ سَمِعَهُ صَحَّ صَوْمُهُ وَأَجْزَأَهُ) وَفَاءً بِنَذْرِهِ.
(وَإِنْ نَوَى) النَّاذِرُ الصَّوْمَ (حِين قَدِمَ) زَيْد (لَمْ يُجْزِئْهُ) الصَّوْمُ لِعَدَمِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ (وَيَقْضِي وَيُكَفِّرُ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ (وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ عَنْ نَذْرِهِ (وَالْكَفَّارَةُ) لِتَأْخِيرِ النَّذْرِ عَنْ ذِمَّتِهِ (وَإِنْ وَافَقَ قُدُومُهُ) أَيْ زَيْدٍ (وَهُوَ) أَيْ النَّاذِرُ صَائِمٌ عَنْ نَذْرٍ مُعَيَّنٍ أَتَمَّهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ (وَلَا يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الْفُرُوعِ وَالْمُنْتَهَى وَيَقْضِي نَذْرَ الْقُدُومِ كَ) مَا لَوْ قَدِمَ زَيْدٌ فِي (صَوْمٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ مُطْلَقٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مِنْ يَوْمِ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ أَوَّلَ رَمَضَانَ) فَعَلَيْهِ قَضَاءُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةُ (وَعَلَيْهِ نَذْرُ الِاعْتِكَافِ كَالصَّوْمِ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمٍ أَكَلَ فِيهِ فَلَغْوٌ) لَا قَضَاءَ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَإِنْ وَافَقَ يَوْم نَذْرِهِ وَهُوَ) أَيْ النَّاذِرُ (مَجْنُونٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ قَبْلَ وَقْتِ النَّذْرِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ) كَالْمُحَرَّمِ (فَلَمْ يَصُمْهُ قَضَى) لِأَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ مُعَيَّنٌ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ (مُتَتَابِعًا) لِأَنَّ الْقَضَاءَ كَالْأَدَاءِ وَقَدْ وَجَبَ مُتَتَابِعًا فَكَذَلِكَ قَضَاؤُهُ (وَكَفَّرَ) سَوَاءٌ تَرَكَهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِتَأْخِيرِ النَّذْرِ عَنْ وَقْتِهِ (وَإِنْ أَفْطَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ (لِغَيْرِ عُذْرٍ اسْتَأْنَفَ) لِأَنَّهُ صَوْمٌ يَجِبُ مُتَتَابِعًا بِالنَّذْرِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَطَ التَّتَابُعَ فَيَسْتَأْنِفُ (شَهْرًا مِنْ يَوْمِ فِطْرِهِ وَكَفَّرَ) لِتَأْخِيرِ النَّذْرِ.
، (وَ) إنْ أَفْطَرَ مِنْهُ (لِعُذْرٍ يَبْنِي) عَلَى مَا صَامَهُ (وَيَقْضِي مَا أَفْطَرَهُ مُتَتَابِعًا مُتَّصِلًا بِتَمَامِهِ) لِأَنَّ بَاقِي الشَّهْرِ مَنْذُورٌ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صَوْمِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ أَنَّ تَتَابُعَ رَمَضَانَ بِالشَّرْعِ وَتَتَابُعَ النَّذْرِ أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ فَرَّقَهَا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَيُكَفِّرُ) لِفَوَاتِ زَمَنِ النَّذْرِ (وَإِنْ صَامَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الشَّهْرِ الْمُعَيَّنِ (لَمْ يُجْزِئْهُ) الصَّوْمُ (كَالصَّلَاةِ) قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعَيَّنِ (وَكَذَلِكَ إنْ نَذَرَ الْحَجَّ فِي عَامٍ فَحَجَّ قَبْلَهُ) لَمْ يُجْزِئْهُ.
(فَإِنْ كَانَ نَذْرُهُ بِصَدَقَةِ مَالٍ جَازَ إخْرَاجُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ كَالزَّكَاةِ) وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْحِنْثِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَتَقَدَّمَ (وَلَوْ جُنَّ) النَّاذِرُ (الشَّهْرَ الْمُعَيَّنَ كُلَّهُ) لِلصَّوْمِ أَوْ الِاعْتِكَافِ (لَمْ يَقْضِهِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّكْلِيفِ (وَلَمْ يُكَفِّرْ) لِذَلِكَ (وَصَوْمُهُ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (فِي الشَّهْرِ الْمَنْذُورِ كَفِطْرِهِ فِيهِ) فَيَقْضِي وَيُكَفِّرُ (وَيَبْنِي مَنْ لَا يَقْطَعُ عُذْرُهُ تَتَابُعَ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ) أَيْ إذَا أَفْطَرَ لِعُذْرٍ لَا يَقْطَعُ تَتَابُعَ الصَّوْمِ فِي الْكَفَّارَةِ كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِعَدَمِ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ وَيُكَفِّرُ لِتَأْخِيرِ النَّذْرِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ فِي عَامِي هَذَا فَلَمْ يَحُجَّ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا نَذَرَهُ (وَالْكَفَّارَةُ) لِتَأْخِيرِهِ عَنْ مَحَلِّهِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ) شَهْرٍ (مُطْلَقٍ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ) لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّهْرِ يَقْتَضِي التَّتَابُعَ كَمَا لَوْ نَوَاهُ (وَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَامَ شَهْرًا هِلَالِيًّا مِنْ أَوَّلِهِ وَلَوْ نَاقِصًا، وَإِنْ شَاءَ ابْتَدَأَ مِنْ أَثْنَاءِ الشَّهْرِ وَيَلْزَمُهُ شَهْرٌ بِالْعَدَدِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا) لِأَنَّ الشَّهْرَ يُطْلَقُ عَلَى مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ تَامًّا كَانَ أَوْ نَاقِصًا، وَعَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَأَيَّهُمَا فَعَلَهُ خَرَجَ بِهِ مِنْ الْعُهْدَةِ (فَإِنْ قَطَعَهُ) أَيْ الصَّوْمَ بِلَا عُذْرٍ اسْتَأْنَفَهُ (لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَهُ الْبِنَاءُ بَطَلَ التَّتَابُعُ لِتَحَلُّلِ الْفِطْرِ فِيهِ وَ) إنْ أَفْطَرَ (مَعَ عُذْرٍ بِخَبَرٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ) أَيْ بَيْنَ الِاسْتِئْنَافِ (بِلَا كَفَّارَةٍ) لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمَنْذُورِ عَلَى صِفَتِهِ (وَبَيْنَ الْبِنَاءِ، وَيُتِمُّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيُكَفِّرُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صِيَامَ أَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَلَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يَلْزَمْهُ تَتَابُعٌ) لِأَنَّ الْأَيَّامَ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى التَّتَابُعِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَعِدَّة مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (إلَّا بِشَرْطٍ) بِأَنْ يَقُولَ: مُتَتَابِعَةٍ (أَوْ نِيَّةٍ) فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ وَإِنْ شَرَطَ تَفْرِيقَهَا لَزِمَهُ فِي الْأَقْيَسِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا مُتَتَابِعًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ) كَعَشْرَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ (فَأَفْطَرَ) فِي أَثْنَائِهَا (لِمَرَضٍ يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ) بِأَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ بِالصَّوْمِ (أَوْ) أَفْطَرَ لِ (حَيْضٍ خُيِّرَ بَيْنَ اسْتِئْنَافِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ (وَبَيْنَ الْبِنَاءِ عَلَى صَوْمِهِ فَيُكَفِّرُ) لِمُخَالَفَتِهِ فِيمَا نَذَرَهُ (وَإِنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ) ضَرُورَةً لِلْوَفَاءِ بِالتَّتَابُعِ (بِلَا كَفَّارَةٍ) لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَنْذُورَ وَعَلَى وَجْهِهِ (وَإِنْ أَفْطَرَ) النَّاذِرُ صِيَامًا مُتَتَابِعًا (لِسَفَرٍ أَوْ مَا يُبِيحُ الْفِطْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّوْمِ لَمْ يَنْقَطِعْ التَّتَابُعُ) لِأَنَّهُ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ أَشْبَهَ الْمَرَضَ الَّذِي يَجِبُ مَعَهُ الْفِطْرُ.
(وَإِنْ نَذَرَ صِيَامًا فَعَجَزَ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ نَذَرَهُ) أَيْ الصِّيَامَ فِي حَالِ عَجْزِهِ (أَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) لِأَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ عَدَمُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَالْإِطْعَامِ لِلْعَجْزِ عَنْ وَاجِب الصَّوْمِ، فَقَدْ اخْتَلَفَ السَّبَبَانِ وَاجْتَمَعَا فَلَمْ يَسْقُطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ (وَإِنْ عَجَزَ) النَّاذِرُ عَنْ الصَّوْمِ (لِعَارِضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ انْتَظَرَ زَوَالَهُ) كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ (وَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَلَا غَيْرُهَا) إذَا لَمْ يَكُنِ النَّذْرُ مُعَيَّنًا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَفَاتَ مَحَلَّهُ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ صَارَ) الْمَرَضُ (غَيْرَ مَرْجُوِّ الزَّوَالِ صَارَ) النَّاذِرُ (إلَى الْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ) فِي الْإِطْعَامِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا كَمَا لَوْ كَانَ ابْتَدَأَ بِذَلِكَ.
(وَإِنْ نَذَرَ صَلَاةً وَنَحْوَهَا) كَطَوَافٍ (وَعَجَزَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَقَطْ) وَظَاهِرُ هَذَا انْعِقَادُ نَذْرِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» وَلَوْلَا انْعِقَادُ نَذْرِهِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ كَفَّارَةٌ (وَإِنْ نَذَرَ حَجًّا لَزِمَهُ) صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَعْضُوبًا، وَيَحُجُّ عَنْهُ وَإِنْ أَطَاقَ الْبَعْضَ أَتَى بِهِ وَكَفَّرَ لِلْبَاقِي.
(وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ أَوْ الرُّكُوبَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَوْ) إلَى (مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَبِي قُبَيْسٍ أَوْ مَكَّةَ وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ (أَوْ قَالَ: غَيْرُ حَاجٍّ وَلَا مُعْتَمِرٍ لَزِمَهُ إتْيَانُهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) لِأَنَّ الْمَشْيَ إلَيْهِ فِي الشَّرْعِ هُوَ الْمَشْيُ إلَيْهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَيُحْمَلُ النَّذْرُ عَلَى الْمَعْهُودِ الشَّرْعِيِّ، وَيُلْغَى مَا يُخَالِفُهُ (مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَيْ مَكَانِهِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ) كَمَا فِي حَجِّ الْفَرْضِ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ يُحْمَلُ عَلَى الْمَشْرُوعِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مِنْ مَكَان مُعَيَّنٍ فَيَلْزَمُهُ مِنْهُ عَلَى صِفَة مَا نَذَرَهُ مِنْ مَشْيٍ أَوْ رُكُوبٍ) لِأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ ذَلِكَ (إلَى أَنْ يَسْعَى فِي الْعُمْرَةِ أَوْ يَأْتِيَ بِالتَّحَلُّلَيْنِ فِي الْحَجِّ).
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَلْزَمُهُ الْمَقْدُورُ مِنْهُمَا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إلَى أَنْ يَتَحَلَّلَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ انْقِضَاؤُهُ قَالَ أَحْمَدُ: إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ فَقَدْ فَرَغَ.
وَفِي التَّرْغِيبِ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَأْتِيَ التَّحَلُّلَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَيَحْرُمُ ذَلِكَ) أَيْ لِإِتْيَانِهِ مَا نَذَرَهُ (مِنْ الْمِيقَاتِ) لِأَنَّ النَّذْرَ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ وَالْإِحْرَامِ الْوَاجِبِ مِنْ الْمِيقَاتِ (فَإِنْ تَرَكَ الْمَشْيَ الْمَنْذُورَ أَوْ) تَرَكَ (الرُّكُوبَ الْمَنْذُورَ لِعَجْزٍ أَوْ غَيْرِهِ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» وَلِأَنَّ الْمَشْيَ أَوْ الرُّكُوبَ فِيهَا لَا يُوجِبُهُ الْإِحْرَامُ فَلَا يَجِبُ بِهِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ دَم (فَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِالْمَشْيِ أَوْ الرُّكُوبِ حَقِيقَةَ ذَلِكَ) وَ(إنَّمَا أَرَادَ إتْيَانَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَزِمَهُ إتْيَانَهُ فِي ذَلِكَ) لِلْوَفَاءِ بِنَذْرِهِ (وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ مَشْيٌ وَلَا رُكُوبٌ) لِأَنَّهُمَا يَحْصُلَانِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشْيِ أَوْ الرُّكُوبِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
(وَإِنْ نَذَرَهُمَا) أَيْ الْمَشْيَ وَالرُّكُوبَ (إلَى) مَوْضِعٍ (غَيْرَ الْحَرَمِ كَعَرَفَةَ وَمَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ الْمَوَاضِعِ كَمَسْجِدٍ سِوَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى (لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ، وَيَكُونُ كَنَذْرِ الْمُبَاحِ) فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ (وَلَوْ أَفْسَدَ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا وَجَبَ قَضَاؤُهُ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا) لِيَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى صِفَةِ الْأَدَاءِ (وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِ) أَيْ الْحَجِّ الْمَنْذُورِ (مَاشِيًا) إنْ كَانَ نَذَرَهُ مَاشِيًا (أَوْ رَاكِبًا) إنْ كَانَ نَذَرَهُ رَاكِبًا (حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُ) بِالتَّحَلُّلَيْنِ كَمَا فِي الصَّحِيحِ (وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) بِأَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ (سَقَطَ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ وَ) هِيَ (الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ وَ) الْمَبِيتُ بِمِنًى وَالرَّمْيُ (وَتَحَلُّلٌ بِعُمْرَةٍ) إنْ لَمْ يَخْتَرْ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ،.
وَإِذَا نَذَرَ الْحَجَّ الْعَامَ فَلَمْ يَحُجَّ ثُمَّ نَذَرَ أُخْرَى فِي الْعَامِ الثَّانِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَيَتَوَجَّهُ يَصِحّ وَأَنْ يَبْدَأَ بِالثَّانِيَةِ لِفَوْتِهَا وَيُكَفِّرُ لِتَأْخِيرِ الْأُولَى وَفِي الْمَعْذُورِ الْخِلَافُ.
(وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ أَوْ) أَنْ (يَذْهَبَ إلَيْهِ أَوْ يَحُجَّهُ أَوْ يَزُورَهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ) فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ (إنْ شَاءَ مَاشِيًا وَإِنْ شَاءَ رَاكِبًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ أَحَدَهُمَا.
(وَلَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (أَوْ) نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى الْمَسْجِدِ (الْأَقْصَى لَزِمَهُ ذَلِكَ) لِيُوَفِّيَ بِنَذْرِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: مُرَادُهُمْ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ لِأَفْضَلِيَّةِ بَيْتِهَا (وَأَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ غَيْرُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إنَّمَا تُقْصَدُ لِلصَّلَاةِ.
(وَإِنْ نَذَرَ إتْيَانَهُ مَسْجِدًا سِوَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ) لِحَدِيثِ:
«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» (وَإِنْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِيهِ) أَيْ فِيمَا سِوَى الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ) لِحَدِيثِ:
«مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» (فَيُصَلِّيهَا فِي أَيْ مَكَان شَاءَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ) لِحَدِيثِ:
«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ».
(وَإِنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى بَيْتِ اللَّهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْتًا) بِلَفْظِهِ (وَلَمْ يَنْوِهِ انْصَرَفَ إلَى بَيْتِ اللَّه الْحَرَامِ) لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ فَيَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ.
(وَإِنْ نَذَرَ طَوَافًا) وَأَطْلَقَ (أَوْ) نَذَرَ (سَعْيًا) وَأَطْلَقَ (فَأَقَلُّهُ أُسْبُوعٌ) لِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ (وَتَقَدَّمَ نَذْرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ) مُفَصَّلًا.
(وَإِنْ نَذَرَ رَقَبَةً فَهِيَ الَّتِي تُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الظِّهَارِ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى مَعْهُودِ الشَّرْعِ وَهُوَ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَةِ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ رَقَبَةً بِعَيْنِهَا فَيَجْزِيهِ مَا عَيَّنَهُ) لِأَنَّ الْمُطْلَقَ يَتَقَيَّدُ بِالنِّيَّةِ كَالْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ (لَكِنْ لَوْ مَاتَ الْمَنْذُورُ الْمُعَيَّنُ أَوْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ عِتْقِهِ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِلَا عِتْقٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ).
(وَإِنْ نَذَرَ الطَّوَافَ عَلَى أَرْبَعَ طَافَ طَوَافَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَلِخَبَرِ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ الْكِنْدِيِّ: أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ أُمُّهُ كَبْشَةُ بِنْتُ مَعْدِي كَرِبَ عَمَّةُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتُ أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ حَبْوًا فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: طُوفِي عَلَى رِجْلَيْكِ سَبْعَيْنِ، سَبْعًا عَنْ يَدَيْكِ وَسَبْعًا عَنْ رِجْلَيْكِ» أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَالسَّعْيُ) النُّذُورُ عَلَى أَرْبَعٍ (كَالطَّوَافِ) فِي ذَلِكَ فَيَسْعَى عَلَى رِجْلَيْهِ أُسْبُوعَيْنِ (وَكَذَا لَوْ نَذَرَ طَاعَةً عَلَى وَجْهٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ كَنَذْرِهِ صَلَاةً عُرْيَانًا أَوْ) نَذْرِهِ حَجًّا حَافِيًا حَاسِرًا، أَوْ نَذَرَتْ الْمَرْأَةُ (الْحَجَّ حَاسِرَةً وَنَحْوَهُ) كَالصَّلَاةِ بِثَوْبٍ نَجِسٍ (فَيَفِي بِالطَّاعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ وَتُلْغَى تِلْكَ الصِّفَةُ) لِمَا.
رَوَى عِكْرِمَةُ:
«أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَحَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ نَاشِرَةٌ شَعْرَهَا قَالَ: فَمُرُوهَا فَلْتَخْتَمِرْ، وَمَرَّ بِرَجُلَيْنِ مَقْرُونَيْنِ فَقَالَ: أَطْلِقَا قِرَانَكُمَا» (وَيُكَفِّرُ) لِإِخْلَالِهِ بِصِفَةِ نَذْرِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَمَا لَوْ كَانَ أَصْلُ النَّذْرِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ (وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ وَلَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (وَيَحْرُمُ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: فَلَا يُخْبِرُ عَنْ شَيْءٍ سَيُوجَدُ إلَّا بِاعْتِبَارٍ جَازِمٍ أَوْ ظَنٍّ رَاجِحٍ.
قَالَ: وَتَعْلِيقُ الْخَبَرِ فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ مُسْتَحَبٌّ، وَلَا يَجِبُ لِلْإِخْبَارِ الْمَشْهُورِ فِي تَرْكِهِ فِي الْخَبَرِ وَالْقَسَمِ انْتَهَى قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَمَذْهَبُ مَالِكٍ يَلْزَمُ أَيْ الْوَفَاءَ بِالْوَعْدِ بِسَبَبٍ كَمَنْ قَالَ: تَزَوَّجْ وَأُعْطِيكَ كَذَا، وَأَحْلِفْ لَا تَشْتُمُنِي وَلَكَ كَذَا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ.
(تَنْبِيهَاتٌ) لَوْ قَالَ: إنْ مَلَكْتَ عَبْدَ زَيْدٍ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَهُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ أُلْزِمَ بِعِتْقِهِ إذَا مَلَكَهُ.
وَإِذَا نَذَرَ الْحَجَّ عَاجِزٌ عَنْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ حَالَ نَذْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُمَا لَزِمَهُ.
وَإِنْ نَذَرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَوْ أَطْلَقَ يُجْزَى بِتَسْلِيمَةٍ كَعَكْسِهِ،.
وَلِمَنْ نَذَرَ صَلَاةً جَالِسًا أَنْ يُصَلِّيَهَا قَائِمًا وَالْعَهْدُ غَيْرُ الْوَعْدِ، وَيَكُونُ بِمَعْنَى الْيَمِينِ، وَالْأَمَانِ وَالذِّمَّةِ وَالْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ} عَامٌّ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَالنَّاسِ ثُمَّ قَالَ الزَّجَّاجُ: كُلُّ مَا أَمْرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَنَهَى عَنْهُ فَهُوَ مِنْ الْوَعْدِ.

.كتاب الْقَضَاءِ وَالْفُتْيَا:

(وَالْقَضَاءُ) مَصْدَرُ قَضَى يَقْضِي فَهُوَ قَاضٍ، إذَا حَكَمَ وَإِذَا فَصَلَ وَإِذَا حَكَمَ وَإِذَا أَمْضَى وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الشَّيْءِ وَإِذَا خَلَقَ، وَقَضَى فُلَانٌ وَاسْتَقْضَى صَارَ قَاضِيًا وَيُسَمَّى قَاضِيًا لِأَنَّهُ يُمْضِي الْأَحْكَامَ وَيَحْكُمُهَا وَيَكُونُ قَضَى بِمَعْنَى أَوْجَبَ وَ(جَمْعُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (أَقْضِيَةٌ) وَجُمِعَ مَعَ أَنَّهُ مَصْدَرٌ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ (الْإِلْزَامُ) بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ (وَفَصْلُ الْخُصُومَاتِ) وَالْحُكْمُ إنْشَاءٌ لِذَلِكَ الْإِلْزَامِ إنْ كَانَ فِيهِ إلْزَامٌ أَوْ لِلْإِبَاحَةِ وَالْإِطْلَاقِ إنْ كَانَ الْحُكْمُ فِي الْإِبَاحَةِ كَحُكْمِ الْحَاكِم بِأَنَّ الْمَوَاتَ إذَا بَطَلَ إحْيَاؤُهُ صَارَ مُبَاحًا لِجَمِيعِ النَّاسِ قَالَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ.
وَفِي الِاخْتِيَارَاتِ الْحَاكِمُ فِيهِ صِفَاتٌ ثَلَاثَةٌ: فَمِنْ جِهَةِ الْإِثْبَاتِ هُوَ شَاهِدٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ هُوَ مُفْتٍ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِلْزَامِ بِذَلِكَ هُوَ ذُو سُلْطَانٍ انْتَهَى.
وَأَرْكَانُ الْقَضَاءِ خَمْسَةٌ: الْقَاضِي وَالْمَقْضِيُّ بِهِ وَالْمُقْضَى فِيهِ وَالْمَقْضِيُّ لَهُ وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى:
{يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} وقَوْله تَعَالَى:
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَصْبِ الْقُضَاةِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّاسِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْإِمَامَةِ) الْعُظْمَى.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ لِئَلَّا تَذْهَبَ حُقُوقُ النَّاسِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ (وَإِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ أَثِمُوا) قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ لَمْ يَحْكُمُوا فِي غَيْرِهِ لَكِنْ الْمُخَاطَبُ بِنَصْبِ الْقَضَاءِ الْإِمَامُ كَمَا يَأْتِي (وَوِلَايَتُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ وَنَصْبُهُ شَرْعِيَّةٌ وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الْحَقِّ فِيهِ) قَالَ ابْنُ مَسْرُوقٍ: لَأَنْ أَحْكُمَ يَوْمًا بِحَقٍّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْزُو سَنَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُهَا) أَيْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ (دِينًا وَقُرْبَةً فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ)
«وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ الْأَكْثَرِ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ بِهَا انْتَهَى).
(وَفِيهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (خَطَرٌ عَظِيمٌ وَوِزْرٌ كَبِيرٌ لِمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْحَقَّ فِيهِ) وَلِهَذَا فِي الْحَدِيثِ:
«مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَيْ مَنْ تَصَدَّى لِلْقَضَاءِ وَتَوَلَّاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ فَلْيَحْذَرْهُ، وَالذَّبْحُ هَهُنَا مَجَازٌ عَنْ الْهَلَاكِ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْرَعِ أَسْبَابِهِ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (فَمَنْ عَرَفَ الْحَقِّ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ أَوْ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَفِي النَّارِ، وَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَفِي الْجَنَّةِ) لِحَدِيثِ:
«قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ».
(وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ قَاضِيًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الرَّعِيَّةِ الْمُتَكَلِّمُ بِمَصْلَحَتِهِمْ، الْمَسْئُولُ عَنْهُمْ، فَيَبْعَثُ الْقُضَاةَ إلَى الْأَمْصَارِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَلِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَوَقَّفَ الْأَمْرُ عَلَى السَّفَرِ إلَى الْإِمَامِ فَتَضِيعَ الْحُقُوقُ لِمَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَكُلْفَةِ النَّفَقَةِ وَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ وَوَلَّى عُمَرُ شُرَيْحًا قَاضِيًا لِلْكُوفَةِ، وَكَعْبَ بْنَ سُورٍ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَالْإِقْلِيمُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ (أَنْ يَخْتَارَ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَوَرَعًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ يَنْظُرُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لَهُمْ، فَيَخْتَارُ أَفْضَلَهُمْ عِلْمًا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالشَّرْعِ فَرْعٌ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ، وَالْأَفْضَلُ أَثْبَتُ وَأَمْكَنُ، وَكَذَا مَنْ وَرَعُهُ أَشَدُّ لِسُكُونِ النَّفْسِ إلَى مَا يَحْكُمُ بِهِ أَعْظَمُ (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ) الْإِمَامُ الْأَفْضَلَ (سَأَلَ عَمَّنْ يَصْلُحُ) قَالَ تَعَالَى:
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (فَإِنْ ذُكِرَ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (مَنْ لَا يَعْرِفُهُ أَحْضَرَهُ وَسَأَلَهُ) لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ لِلْمَسْئُولِ غَرَضٌ غَيْر الْمَطْلُوبِ وَكَانُوا يَمْتَحِنُونَ الْعُمَّالَ بِالْفَرَائِضِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْغَوَامِضِ (فَإِنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُ) وَلَّاهُ (وَإِلَّا بَحَثَ عَنْهَا فَإِذَا عَرَفَهَا وَلَّاهُ) وَإِلَّا لَمْ يُوَلِّهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا يَأْتِي (وَيَأْمُرُهُ) الْإِمَامُ (بِتَقْوَى اللَّهِ وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ فِي سِرِّهِ وَعَلَانِيَتِهِ وَ) يَأْمُرُهُ أَيْضًا (بِتَحَرِّي الْعَدْلِ وَالِاجْتِهَادِ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ) لِأَنَّ ذَلِكَ تَذْكِرَةٌ لَهُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ، وَإِعَانَةٌ لَهُ فِي إقَامَةِ الْحَقِّ وَتَقْوِيَةٌ لِقَلْبِهِ، وَتَنْبِيهُهُ عَلَى اعْتِنَاءِ الْإِمَامِ بِأَمْرِ الشَّرْعِ وَأَهْلِهِ.
(وَيَكْتُبُ) الْإِمَامُ (لَهُ) أَيْ الْقَاضِي (بِذَلِكَ عَهْدًا) إذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ فَيَكْتُبُ لَهُ بِأَنَّهُ وَلَّاهُ، وَأَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ إلَخْ.
(وَ) يَأْمُرُهُ (أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي كُلِّ صُقْعٍ) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ نَاحِيَةٍ (أَصْلَحَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَيْهِ) لَهُمَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ وَتَنْبِيهًا عَلَى مَصْلَحَةِ رَعِيَّةِ بَلَدِ الْقَاضِي وَحَثًّا لَهُ عَلَى اخْتِيَارِ الْأَصْلَحِ.
، (وَ) يَجِبُ عَلَى (مَنْ يَصْلُحُ لَهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (إذَا طُلِبَ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ الدُّخُولُ فِيهِ إنْ لَمْ يَشْغَلْهُ عَمَّا هُوَ أَهَمُّ مِنْهُ) لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِهِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ (وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ (طَلَبُهُ) وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَنْ سَأَلَ الْقَضَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ نَزَلَ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ.
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى:
«مَنْ ابْتَغَى الْقَضَاءَ وَسَأَلَ فِيهِ شُفَعَاءَ وُكِلَ إلَى نَفْسِهِ، وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ يُسَدِّدُهُ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(وَمَنْ لَا يُحْسِنُهُ) أَيْ الْقَضَاءَ (وَلَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ شُرُوطُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ) لِعَدَمِ صِحَّةِ قَضَائِهِ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ وَالضَّرَرُ.
(وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (وَيُوجَدُ غَيْرُهُ مِثْلُهُ) فِي الْأَهْلِيَّةِ (فَلَهُ أَنْ يَلِيَهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) الدُّخُولُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُجِيبَ إذَا طُلِبَ) إذَنْ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ وَالْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ وَلِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ السَّلَامَةِ وَذَلِكَ طَرِيقَةُ السَّلَفِ وَقَدْ أَرَادَ عُثْمَانُ تَوْلِيَةَ ابْنِ عُمَرَ الْقَضَاءَ فَأَبَى.
(وَيُكْرَهُ لَهُ طَلَبُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (وَكَذَلِكَ الْإِمَارَةُ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ:
«لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَطَرِيقَةُ السَّلَفِ الِامْتِنَاعُ) طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ لِظُلْمِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ حَرُمَ) عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ (وَتَأَكَّدَ الِامْتِنَاعُ) مِنْ الْإِجَابَةِ إلَيْهِ.
(وَيَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا (وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ (وَ) يَحْرُمُ (طَلَبُهُ وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَهُ) وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْقَائِمِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَمْ يَحْرُمْ طَلَبُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ إزَالَتَهُ أُثِيبَ وَإِنْ كَانَ لِيَخْتَصَّ بِالنَّظَرِ أُبِيحَ، فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ تَمْكِينِهِ فَالِاحْتِمَالَانِ.
(وَتَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَفْضُولٍ مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ) مِنْهُ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ يُوَلَّى مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ مَعَ الِاشْتِهَارِ وَالتَّكْرَارِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَتَصِحُّ أَيْضًا تَوْلِيَةُ حَرِيصٍ عَلَيْهَا بِلَا كَرَاهَةٍ.
(وَلَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ إلَّا بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَلَمْ تَجُزْ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَهُوَ وَاجِبُ الطَّاعَةِ مَسْمُوعُ الْكَلِمَةِ.
(وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا) أَيْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ (مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي) بِكَسْرِ اللَّامِ (كَوْنَ الْمُوَلَّى) بِفَتْحِهَا (عَلَى صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقَضَاءِ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فَلَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَهْلِيَّتِهِ، كَمَا لَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِصَلَاحِيَتِهِ (وَ) مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا (تَعْيِينُ مَا يُوَلِّيهِ الْمُحَكَّمُ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ) كَمِصْرِ وَنَوَاحِيهَا (وَالْبُلْدَانِ) كَالْمَحِلَّةِ وَنَحْوِهَا لِيَعْلَمَ مَحَلَّ وِلَايَتِهِ فَيَحْكُمَ فِيهِ وَلَا يَحْكُمُ فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وِلَايَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْوِكَالَةِ.
(وَ) مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا (مُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ فِي الْمَجْلِسِ) إنْ كَانَ حَاضِرًا (وَمُكَاتَبَتُهُ بِهَا) إنْ كَانَ غَائِبًا لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ كَالتَّوْكِيلِ وَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ عَهْدًا بِمَا وَلَّاهُ،
«لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ»، وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ «أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ لَكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا، وَعَبْدَ اللَّهِ قَاضِيًا» (فِي الْبُعْدِ) أَيْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا فِي الْبُعْدِ (وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ فَيَقْرَأُ) الْإِمَامُ (أَوْ نَائِبُهُ عَلَيْهِمَا الْعَهْدَ أَوْ يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ لِيَمْضِيَا مَعَهُ إلَى بَلَدِ تَوْلِيَتِهِ فَيُقِيمَا لَهُ الشَّهَادَةَ وَيَقُولُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (لَهُمَا اشْهَدَا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ وَلَّيْتُهُ قَضَاءَ الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ وَتَقَدَّمْتُ عَلَيْهِ بِمَا يَشْتَمِلُ هَذَا الْعَهْدِ عَلَيْهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي وَلَّاهُ فِيهِ بَعِيدًا لَا يَسْتَفِيضُ إلَيْهِ الْخَبَرُ بِمَا يَكُونُ فِي بَلَدِ الْإِمَامِ (وَلَا تَصِحُّ الْوِلَايَةُ بِمُجَرَّدِ الْكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ إشْهَادِ) عَدْلَيْنِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِذَلِكَ.
(وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ) الَّذِي وَلَّاهُ فِيهِ (قَرِيبًا مِنْ بَلَدِ الْإِمَامِ لِيَسْتَفِيضَ إلَيْهِ مَا يَجْرِي فِي بَلَدِ الْإِمَامِ نَحْوُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَمَا دُونَهَا جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالِاسْتِفَاضَةِ دُونَ الشَّهَادَةِ كَالْكِتَابَةِ وَالْإِشْهَادِ) أَيْ كَمَا يَكْتَفِي بِالِاسْتِفَاضَةِ عَنْ الْكِتَابَةِ وَعَنْ الْإِشْهَادِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالْوِلَايَةِ يَحْصُلُ بِذَلِكَ وَأَطْلَقَ الْأَزَجِيُّ وَاسْتِفَاضَةٌ وَظَاهِرُهُ مَعَ الْبُعْدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَا تُشْتَرَطُ عَدَالَةُ الْمُوَلِّي بِكَسْرِ اللَّامِ وَلَوْ كَانَ نَائِبَ الْإِمَامِ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ الْكُبْرَى تَصِحُّ مِنْ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، فَتَصِحُّ وِلَايَتُهُ كَالْعَدْلِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ فِي الْمُوَلِّي أَفْضَى إلَى تَعَذُّرِهَا بِالْكُلِّيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ (وَأَلْفَاظُ التَّوْلِيَةِ الصَّحِيحَةِ سَبْعَةٌ: وَلَّيْتُكَ الْحُكْمَ وَقَلَّدْتُكَ) الْحُكْمَ (وَاسْتَنَبْتُكَ) فِي الْحُكْمِ (وَاسْتَخْلَفْتُكَ) فِي الْحُكْمِ (وَرَدَدْتُ إلَيْكَ) الْحُكْمَ (وَفَوَّضْتُ إلَيْكَ) الْحُكْمَ (وَجَعَلْتُ إلَيْكَ الْحُكْمَ، فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ السَّبْعَةِ.
(وَقَبِلَ الْمُوَلَّى الْحَاضِرُ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ) قَبِلَ (الْغَائِبُ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْمَجْلِسِ (أَوْ شَرَعَ الْغَائِبُ فِي الْعَمَلِ انْعَقَدَتْ) الْوِلَايَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَدُلُّ عَلَى وِلَايَةِ الْقَضَاءِ دَلَالَةً لَا تَفْتَقِرُ مَعَهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَصِحُّ الْقَبُولُ بِالشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ فِي الْأَصَحِّ انْتَهَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَالْكِنَايَةُ نَحْوَ: اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ وَعَوَّلْتُ عَلَيْكَ وَوَكَّلْتُ إلَيْكَ وَأَسْنَدْتُ الْحُكْمَ إلَيْك فَلَا تَنْعَقِدُ) الْوِلَايَةُ بِكِنَايَةٍ مِنْهَا (حَتَّى تَقْتَرِنَ بِهَا قَرِينَةٌ نَحْوُ: فَاحْكُمْ أَوْ فَتَوَلَّ مَا عَوَّلْتُ فِيهِ عَلَيْكَ وَمَا أَشْبَهَهُ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ تَحْتَمِلُ التَّوْلِيَةَ وَغَيْرَهَا مِنْ كَوْنِهِ يَأْخُذُ بِرَأْيِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا تَنْصَرِفُ إلَى التَّوْلِيَةِ إلَّا بِقَرِينَةٍ تَنْفِي الِاحْتِمَالَ.