فصل: فَصْلٌ: (يُسْتَحَبُّ حِفْظُ الْقُرْآنِ إجْمَاعًا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ (السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ الَّتِي تُفْعَلُ مَعَ الْفَرَائِضِ):

(عَشْرُ) رَكَعَاتٍ (وَرَكْعَةُ الْوِتْرِ فَيَتَأَكَّدُ فِعْلُهَا، وَيُكْرَهُ تَرْكُهَا، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ دَاوَمَ عَلَيْهِ لِسُقُوطِ عَدَالَتِهِ) قَالَ أَحْمَدُ مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ عَمْدًا فَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ.
(قَالَ الْقَاضِي وَيَأْثَمُ) وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ لَا تَأْثِيمَ بِتَرْكِ سُنَّةٍ وَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْعَدَالَةِ فِي بَابِ شُرُوطِ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ (إلَّا فِي سَفَرٍ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهَا) أَيْ الرَّوَاتِبِ.
(وَ) بَيْنَ (تَرْكِهَا)؛ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ، وَلِذَلِكَ جَازَ فِيهِ الْقَصْرُ (إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ وَ) إلَّا سُنَّةَ (وَتْرٍ فَيُفْعَلَانِ فِيهِ) أَيْ السَّفَرِ كَالْحَضَرِ، لِتَأَكُّدِهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ (وَفِعْلُهَا) أَيْ الرَّوَاتِبِ بَلْ السُّنَنِ كُلِّهَا سِوَى مَا تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ (فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْآتِي، وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ، لَكِنَّ الْمُعْتَكِفَ يُصَلِّيهَا فِي الْمَسْجِدِ (رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ يَقْرَأُ فِي أُولَاهُمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّانِيَةِ، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لِلْخَبَرِ (وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «حَفِظْت مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ كَانَتْ سَاعَةٌ لَا يُدْخَلُ فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَذَا أَخْبَرَتْ عَائِشَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(وَيُسَنُّ تَخْفِيفُهُمَا) أَيْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ،
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ؟» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يُسَنُّ (الِاضْطِجَاعُ بَعْدَهُمَا عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ) قَبْلَ فَرْضِهِ نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ».
وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ يُكْرَهُ الْكَلَامُ بَعْدَهُمَا إنَّمَا هِيَ سَاعَةُ تَسْبِيحٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ فِي غَيْرِ الْعِلْمِ لِقَوْلِ الْمَيْمُونِيِّ كُنَّا نَتَنَاظَرُ أَنَا وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمَسَائِلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِ الْكَلَامِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ.
وَيَتَوَجَّهُ لَا يُكْرَهُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَسَبَقَهُ إلَيْهِ جَدُّهُ فِي الْفُرُوعِ (وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا) أَيْ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (كَسُنَّةِ الْمَغْرِبِ) فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ({قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.
وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}» رَوَاه مُسْلِمٌ (أَوْ) يَقْرَأُ (فِي الْأُولَى {قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ}.
- الْآيَةَ) مِنْ الْبَقَرَةِ.
(وَفِي الثَّانِيَةِ) قُلْ ({يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا}.
- الْآيَةَ) مِنْ آلِ عِمْرَانَ لِلْخَبَرِ وَتَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَيَجُوزُ فِعْلُهُمَا) أَيْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ (رَاكِبًا) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ، وَلِلْبُخَارِيِّ «إلَّا الْفَرَائِضَ» وَسَأَلَهُ صَالِحٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: قَدْ «أَوْتَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَعِيرِهِ» وَرَكْعَتَا الْفَجْر مَا سَمِعْت بِشَيْءٍ، وَلَا أَجْتَرِئُ عَلَيْهِ.
(وَوَقْتُ كُلِّ رَاتِبَةٍ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الرَّوَاتِبِ (قَبْلَ الْفَرْضِ) كَسُنَّةِ الْفَجْرِ، وَالظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ (مِنْ دُخُولِ وَقْتِهِ) أَيْ وَقْتِ الْفَرْضِ (إلَى) تَمَامِ (فِعْلِهِ) فَسُنَّةُ فَجْرٍ وَظُهْرٍ، الْأُولَى بَعْدَهُمَا قَضَاءً كَمَا يَأْتِي (وَمَا بَعْدَهُ) أَيْ الْفَرْضِ مِنْ السُّنَنِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ الْأَخِيرَةِ وَسُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقْتُهَا (مِنْ فِعْلِهِ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ) فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ.
(وَلَا سُنَّةَ) رَاتِبَةٌ (لِجُمُعَةٍ قَبْلَهَا وَأَقَلُّهَا) أَيْ أَقَلُّ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ (بَعْدَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (رَكْعَتَانِ) لِمَا فِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي بَيْتِهِ» (وَأَكْثَرُهَا) أَيْ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ (سِتٌّ) لِمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ (وَفِعْلُهَا) أَيْ سُنَّةِ الْجُمُعَةِ (فِي الْمَسْجِدِ مَكَانَهُ أَفْضَلُ نَصًّا) وَفِيهِ نَظَرٌ مَعَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَفِي الْمُبْدِعِ: فِعْلُ جَمِيعِ الرَّوَاتِبِ فِي الْبَيْتَ أَفْضَلُ (وَتُجْزِئُ السُّنَّةُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بُدَاءَةُ الدَّاخِلِ إلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ وُجِدَتْ وَ(لَا عَكْسَ) أَيْ لَا تُجْزِئُ تَحِيَّةٌ عَنْ سُنَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ السُّنَّةَ عِنْدَ إحْرَامِهِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَلَا تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ بِرَكْعَةٍ وَلَا بِصَلَاةِ، جِنَازَةٍ، وَلَا سُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ.
قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَإِنْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَالسُّنَّةَ أَوْ الْفَرْضَ: حَصَلَا.
(وَيُسَنُّ الْفَصْلُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَسُنَّتِهِ بِكَلَامٍ أَوْ قِيَامٍ) أَيْ انْتِقَالٍ لِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ إنَّ النَّبِيَّ «أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً، حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ» رَوَاه مُسْلِمٌ (وَلِلزَّوْجَةِ وَالْأَجِيرِ) وَلَوْ خَاصًّا (وَالْوَلَدِ، وَالْعَبْدِ: فِعْلُ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرْضِ)؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ (وَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُمْ) مِنْ السُّنَنِ؛ لِأَنَّ زَمَنَهَا مُسْتَثْنًى شَرْعًا كَالْفَرَائِضِ.
(وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ السُّنَنِ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهُ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَعَ الْفَجْرِ حِينَ نَامَ عَنْهُمَا، وَقَضَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ» وَقِسْنَا الْبَاقِيَ عَلَى ذَلِكَ (وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ (إذَا فَاتَتْ) السُّنَنُ (مَعَ الْفَرَائِضِ) مُفَصَّلًا (وَسُنَّةُ فَجْرٍ وَسُنَّةُ ظُهْرٍ الْأَوْلَى بَعْدَهُمَا) أَيْ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ (قَضَاءً)؛ لِأَنَّ وَقْتَهُمَا يَمْتَدُّ إلَى الصَّلَاةِ فَفِعْلُهُمَا بَعْدَ الْوَقْتِ يَكُونُ قَضَاءً (وَيَبْدَأُ بِسُنَّةِ الظُّهْرِ) الَّتِي (قَبْلَهَا إذَا قَضَاهَا) أَيْ السُّنَّةَ (قَبْلَ) السُّنَّةِ (الَّتِي بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ الظُّهْرِ نَدْبًا، مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ (وَيُسَنُّ غَيْرُ الرَّوَاتِبِ: أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا) لِمَا رَوَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ «مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْجُمُعَةِ) لِمَا يَأْتِي فِي بَابِهَا (وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ (وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ، عُدِلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ (وَقَالَ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ (سِتٌّ) أَيْ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ (وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعَشَاءِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ قَطُّ فَدَخَلَ عَلَيَّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(قَالَ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الشَّارِحُ وَابْنُ عُبَيْدَانَ (يُحَافِظَ عَلَيْهِنَّ) اسْتِحْبَابًا لِمَا تَقَدَّمَ (وَيُسَنُّ لِمَنْ شَاءَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ آذَانِ الْمَغْرِبِ قَبْلَهَا) لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ فَقُلْت لَهُ: أَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا؟ قَالَ كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا، فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ: إبَاحَتُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَذَان لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلُّوا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ لِمَنْ شَاءَ، خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: يُسَنُّ لِمَنْ شَاءَ، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَشِيئَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ سُنَّتَيْهِمَا لَيْسَتْ مُؤَكَّدَةً.
(وَ) يُسَنُّ (رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا) وَالْأَصَحُّ: يُبَاحَانِ قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ فَقَالَ: أَرْجُو إنْ فَعَلَهُ إنْسَانٌ أَنْ لَا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ وَهُوَ جَالِسٌ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، قُلْت تَفْعَلُهُ أَنْتَ؟ قَالَ لَا مَا أَفْعَلُهُ انْتَهَى؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْوَاصِفِينَ لِتَهَجُّدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرُوهُمَا مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَعَائِشَةُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهَا عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ.

.(فَصْلٌ: التَّرَاوِيحُ):

سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ سَنَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلَيْسَتْ مُحْدَثَةً لِعُمَرَ فَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا بِأَصْحَابِهِ ثُمَّ تَرَكَهَا خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ» وَهِيَ مِنْ أَعْلَامِ الدِّينِ الظَّاهِرَةِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعٍ يَسْتَرِيحُونَ وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُرَاوَحَةِ وَهِيَ التَّكْرَارُ فِي الْفِعْلِ وَهِيَ (عِشْرُونَ رَكْعَةً فِي رَمَضَانَ) لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الرَّاتِبَةَ عَشْرٌ فَضُوعِفَتْ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ وَقْتُ جِدٍّ وَهَذَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا.
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِهِ الشَّافِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً» (يَجْهَرُ) الْإِمَامُ (فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ) لِفِعْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ (وَفِعْلُهَا جَمَاعَةً أَفْضَلُ) مِنْ فِعْلهَا فُرَادَى قَالَ أَحْمَدُ كَانَ عَلِيٌّ وَجَابِرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ يُصَلُّونَهَا فِي الْجَمَاعَةِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إمَامًا وَلِلنِّسَاءِ إمَامًا.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَأَصْحَابَهُ وَقَالَ إنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَلَا يُنْقِصُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْعِشْرِينَ رَكْعَةً لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ) عَلَى الْعِشْرِينَ (نَصًّا) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ رَأَيْت أَبِي يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ مَا لَا أُحْصِي وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَد يَقُومُ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بَعْدَهَا بِسَبْعٍ (يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ) لِحَدِيثِ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» (وَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْجَمَاعَةُ صَلَّى وَحْدَهُ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (وَيَنْوِي فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَيَقُولُ) سِرًّا نَدْبًا (أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ الْمَسْنُونَةِ) أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَيَسْتَرِيحُ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعِ) رَكَعَاتٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ (بِجِلْسَةٍ يَسِيرَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِهَا) أَيْ الْجِلْسَةِ بَعْدَ كُلِّ أَرْبَعٍ.
(وَلَا يَدْعُو إذَا اسْتَرَاحَ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَلَا يُكْرَهُ الدُّعَاءُ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ) خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ لِعُمُومِ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} (وَوَقْتُهَا) أَيْ التَّرَاوِيحِ (بَعْدَ) صَلَاةِ (الْعِشَاءِ وَ) بَعْدَ (سُنَّتِهَا) قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ:؛ لِأَنَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارِ فَكَانَ إتْبَاعُهَا لَهَا أَوْلَى (قَبْلَ الْوِتْرِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي) فَلَا تَصِحُّ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ التَّرَاوِيحَ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ صَلَّى الْعَشَاءَ مُحْدِثًا أَعَادَ التَّرَاوِيحَ؛ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ تُفْعَلُ بَعْدَ مَكْتُوبَةٍ، فَلَمْ تَصِحَّ قَبْلَهَا كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ وَإِنْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَاتَ وَقْتُهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: لَا تُقْضَى، وَإِنْ صَلَّى التَّرَاوِيحَ بَعْدَ الْعَشَاءِ وَقَبْلَ سُنَّتِهَا صَحَّ جَزْمًا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ فِعْلُهَا بَعْدَ السُّنَّةِ عَلَى الْمَنْصُوصِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ قُنْدُسٍ قُلْت وَكَذَا لَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوِتْرِ وَقَبْلَ الْفَجْرِ.
(وَفِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ) أَفْضَلُ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا مَرَّةً ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةً» كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ «وَمَرَّةً ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَفَرِّقَةً» كَمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَقَالَ «مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْزَاعًا فِي جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي عَهْدِهِ وَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أُبَيٍّ وَتَابَعَهُ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (وَ) فِعْلُهَا (أَوَّلَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ)؛ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ أَوَّلَهُ.
(وَيُوتِرُ بَعْدَهَا) أَيْ التَّرَاوِيحِ (فِي الْجَمَاعَةِ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ (فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ جَعَلَ الْوِتْرَ بَعْدَهُ) اسْتِحْبَابًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَهَجُّدٌ (صَلَّاهَا) أَيْ الْوِتْرَ مَعَ الْإِمَامِ، لِيَنَالَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ (فَإِنْ أَحَبَّ) مَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ (مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ) فِي وِتْرِهِ (قَامَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامَ فَشَفَعَهَا) أَيْ رَكْعَةَ الْوِتْرِ (بِأُخْرَى) ثُمَّ إذَا تَهَجَّدَ أَوْتَرَ فَيَنَالُ فَضِيلَةَ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، وَفَضِيلَةَ جَعْلِ وِتْرِهِ آخِرَ صَلَاتِهِ (وَمَنْ أَوْتَرَ) فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا (ثُمَّ أَرَادَ الصَّلَاةَ) تَطَوُّعًا (بِيَدِهِ) أَيْ الْوِتْرِ (لَمْ يَنْقُضْ وِتْرَهُ) أَيْ لَمْ يَشْفَعْهُ (بِرَكْعَةٍ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ الَّذِي يَنْقُضُ وِتْرَهُ- ذَاكَ الَّذِي يَلْعَبُ بِوِتْرِهِ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَغَيْرُهُ (وَصَلَّى شَفْعًا مَا شَاءَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي)؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ» (وَلَمْ يُوتِرْ) اكْتِفَاءً بِالْوَتْرِ الَّذِي قَبْلَ تَهَجُّدِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَيْسٌ فِيهِ لِينٌ.
(وَيُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ فِيهِ: عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُبَادَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَذُكِرَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ رُخْصَةٌ فِيهِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: هَذَا بَاطِلٌ.
وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ أَبْصَرَ قَوْمًا يُصَلُّونَ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّرَاوِيحُ، أَتُصَلِّي وَإِمَامُك بَيْنَ يَدَيْك؟ لَيْسَ مِنَّا مَنْ رَغِبَ عَنَّا وَ(لَا) يُكْرَهُ (طَوَافٌ بَيْنَهَا) أَيْ التَّرَاوِيحِ (وَلَا) طَوَافَ (بَعْدَهَا) وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ أُسْبُوعًا، وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ (وَلَا) يُكْرَهُ (تَعْقِيبٌ وَهُوَ التَّطَوُّعُ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وَ) بَعْدَ (الْوِتْرِ فِي جَمَاعَةٍ سَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ أَوْ قَصُرَ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ رَجَعُوا إلَى ذَلِكَ قَبْلَ النَّوْمِ أَوْ لَمْ يُؤَخِّرُوهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لِقَوْلِ أَنَسٍ لَا تَرْجِعُونَ إلَّا لِخَيْرٍ تَرْجُونَهُ وَكَانَ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا وَلِأَنَّهُ خَيْرٌ وَطَاعَةٌ، فَلَمْ يُكْرَهْ كَمَا لَوْ أَخَّرُوهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُنْقِصَ عَنْ خَتْمَةٍ فِي التَّرَاوِيحِ) لِيُسْمِعَ النَّاسَ جَمِيعَ الْقُرْآنِ (وَلَا) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَزِيدَ) الْإِمَامُ عَلَى خَتْمَةٍ كَرَاهِيَةَ الْمَشَقَّةِ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ، نَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ عَنْ الْقَاضِي وَقَالَ قَالَ أَحْمَدُ يَقْرَأُ بِالْقَوْمِ فِي شَهْرٍ مَا يَخِفُّ عَلَيْهِمْ وَلَا يَشُقُّ، سِيَّمَا فِي اللَّيَالِي الْقِصَارِ انْتَهَى (إلَّا أَنْ يُوتِرُوا) زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ (يَبْتَدِئَهَا) أَيْ التَّرَاوِيحَ فِي (أَوَّلِ لَيْلَةٍ بِسُورَةِ الْقَلَمِ) يَعْنِي {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك} (بَعْدَ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ أَوَّلَهَا (أَوَّلُ مَا نَزَلَ) مِنْ الْقُرْآنِ (فَإِذَا سَجَدَ) لِلتِّلَاوَةِ (قَامَ فَقَرَأَ مِنْ الْبَقَرَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ.
(وَعَنْهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ بِهَا) أَيْ بِسُورَةِ الْقَلَمِ (فِي عِشَاءِ الْآخِرَةِ) أَيْ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ رَمَضَانَ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا نُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِهَا التَّرَاوِيحَ وَيَخْتِمُ آخِرَ رَكْعَةٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَيَدْعُو) نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ رَأَى أَهْلَ مَكَّةَ وَسُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ يَفْعَلُونَهُ قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ أَدْرَكْت النَّاسَ بِالْبَصْرَةِ يَفْعَلُونَهُ وَبِمَكَّةَ وَذَكَرَ عُثْمَانَ (بِدُعَاءِ الْقُرْآنِ) وَهُوَ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِالْقُرْآنِ وَاجْعَلْهُ لِي إمَامًا وَنُورًا وَهُدًى وَرَحْمَةً اللَّهُمَّ ذَكِّرْنِي مِنْهُ مَا نُسِّيت وَعَلِّمْنِي مِنْهُ مَا جَهِلْت وَارْزُقْنِي تِلَاوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَاجْعَلْهُ لِي حُجَّةً يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ رَوَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمُظَفَّرُ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَأَبُو بَكْرٍ الضَّحَّاكُ فِي الشَّمَائِلِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: حَدِيثٌ مُعْضَلٌ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَتْمِ الْقُرْآنِ حَدِيثٌ غَيْرُهُ انْتَهَى.
وَلَمْ أَرَ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا قَالَهُ بِدُعَاءِ الْقُرْآنِ بَلْ نَقَلُوا عَنْ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْإِمَامَ: بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ بِمَا شِئْت، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: قَدْ تَسَاهَلَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي قَبُولِ مَا وَرَدَ مِنْ الدَّعَوَاتِ وَفَضَائِلِ الْأَعْمَالِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي رُوَاتِهِ مَنْ يُعْرَفُ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَالْكَذِبِ فِي الرِّوَايَةِ انْتَهَى فَلِذَلِكَ اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الدُّعَاءَ بِالْمَأْثُورِ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ» وَلَمْ يَدَعْ حَاجَةً إلَى غَيْرِهِ وَفِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ (وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ) إذَا دَعَا لِمَا سَبَقَ (وَيُطِيلُ) الْقِيَامَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْفَضْلِ بْنِ زِيَادٍ (وَيَعِظُ بَعْدَ الْخَتْمِ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَقِيلَ لَهُ:) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (يَخْتِمُ فِي الْوِتْرِ وَيَدْعُو؟ فَسَهَّلَ فِيهِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ: لَا بَأْسَ بِهِ) وَقِرَاءَةُ الْأَنْعَامِ فِي رَكْعَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ بِدْعَةٌ إجْمَاعًا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.

.فَصْلٌ: (يُسْتَحَبُّ حِفْظُ الْقُرْآنِ إجْمَاعًا):

(وَحِفْظُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا) قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَ اللَّهُ بِهَا بَنِي آدَمَ وَالْمَلَائِكَةُ لَمْ يُعْطُوا هَذِهِ الْفَضِيلَةَ وَهِيَ حَرِيصَةٌ عَلَى اسْتِمَاعِهِ مِنْ الْإِنْسِ انْتَهَى قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ جِبْرِيلَ هُوَ النَّازِلُ بِالْقُرْآنِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْمَلَائِكَةِ ({فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا}) أَيْ تَتْلُو الْقُرْآنَ انْتَهَى قُلْت يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمَلَائِكَةَ غَيْرَ جِبْرِيلَ أَوْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ نُزُولِهِ بِهِ بَقَاءُ حِفْظِهِ لَهُ جُمْلَةً لَكِنْ يُبْعِدُهُ حَدِيثُ مُدَارَسَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيَّاهُ الْقُرْآنَ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: كَانَ يُلْهِمُهُ إلْهَامًا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى تَبْلِيغِهِ وَأَمَّا تِلَاوَةُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا حِفْظُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْقُرْآنُ (أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الذِّكْرِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَقُولُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ وَذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
لَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْمَأْثُورِ مِنْ الذِّكْرِ فِي مَحَلِّهِ كَأَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ (وَ) الْقُرْآنُ (أَفْضَلُ مِنْ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) وَالزَّبُورِ وَسَائِرِ الصُّحُفِ (وَبَعْضُهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ) إمَّا بِاعْتِبَارِ الثَّوَابِ أَوْ بِاعْتِبَارِ مُتَعَلِّقِهِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالْفَاتِحَةُ، وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ، (وَيَجِبُ) أَنْ يَحْفَظَ (مِنْهُ) أَيْ الْقُرْآنِ (مَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ الْفَاتِحَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ،
أَوْ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً عَلَى مُقَابِلِهِ (وَيَبْدَأُ الصَّبِيُّ وَلِيَّهُ بِهِ قَبْلَ الْعِلْمِ، فَيَقْرَأُهُ كُلَّهُ)؛ لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ أَوَّلًا تَعَوَّدَ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ لَزِمَهَا (إلَّا أَنْ يَعْسُرَ) عَلَيْهِ حِفْظُهُ كُلِّهِ، فَيَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ (وَالْمُكَلَّفُ يُقَدِّمُ الْعِلْمَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ (كَمَا يُقَدِّمُ الْكَبِيرُ تَعَلُّمَ نَفْلِ الْعِلْمِ عَلَى نَفْلِ الْقِرَاءَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ) فِيمَا سَبَقَ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ.
(وَيُسَنُّ خَتْمُهُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ) قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ كَانَ أَبِي يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي النَّهَارِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ، يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعًا، لَا يَكَادُ يَتْرُكُهُ نَظَّرَا أَيْ فِي الْمُصْحَفِ وَذَلِكَ «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو اقْرَأْ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَبْعٍ وَلَا تَزِيدَنَّ عَلَى ذَلِكَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد (وَإِنْ قَرَأَهُ) أَيْ الْقُرْآنَ (فِي ثَلَاثٍ فَحَسَنٌ) لِمَا رُوِيَ «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ لِي قُوَّةً قَالَ اقْرَأْهُ فِي ثَلَاثٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد (وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْخَتْمِ (فِيمَا دُونَهَا) أَيْ الثَّلَاثِ (أَحْيَانًا وَفِي الْأَوْقَاتِ الْفَاضِلَةِ، كَرَمَضَانَ، خُصُوصًا اللَّيَالِي اللَّاتِي تُطْلَبُ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) كَأَوْتَارِ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ (وَ) فِي (الْأَمَاكِنِ الْفَاضِلَةِ كَمَكَّةَ لِمَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، اغْتِنَامًا لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ بِالنَّشَاطِ وَعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فَمَنْ وَجَدَ نَشَاطًا فِي خَتْمِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي لَيْلَةٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ السَّلَفِ.
(وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الْخَتْمِ فَوْقَ أَرْبَعِينَ بِلَا عُذْرٍ) قَالَ أَحْمَدُ أَكْثَرُ مَا سَمِعْت أَنْ يُخْتَمَ الْقُرْآنُ فِي أَرْبَعِينَ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى نِسْيَانِهِ وَالتَّهَاوُنِ بِهِ (وَيَحْرُمُ) تَأْخِيرُ الْخَتْمِ فَوْقَ أَرْبَعِينَ (إنْ خَافَ نِسْيَانَهُ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ مَا أَشَدُّ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَفِظَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ).
(وَيُسْتَحَبُّ السِّوَاكُ) قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِهِ (وَ) يُسْتَحَبُّ (التَّعَوُّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (وَ) يُسْتَحَبُّ (حَمْدُ اللَّهِ) تَعَالَى (عِنْدَ قَطْعِهَا) أَيْ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِرَاءَةِ (عَلَى تَوْفِيقِهِ وَنِعْمَتِهِ) عَلَيْهِ بِجَعْلِهِ مِنْ آلِ الْقُرْآنِ (وَ) يُسْتَحَبُّ (سُؤَالُ الثَّبَاتِ) عَلَيْهَا (وَ) يَقْصِدُ (الْإِخْلَاصَ) فِي الْقِرَاءَةِ، لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» بِأَنْ يَنْوِيَ بِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ (فَإِنْ قَطَعَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ (قَطْعَ تَرْكٍ وَإِهْمَالٍ أَعَادَ التَّعَوُّذَ إذَا رَجَعَ إلَيْهَا) أَيْ أَرَادَ الْعَوْدَ إلَى الْقِرَاءَةِ (وَإِنْ قَطَعَهَا لِعُذْرٍ عَازِمًا عَلَى إتْمَامِهَا إذَا زَالَ) الْعُذْرُ (كَتَنَاوُلِ شَيْءٍ أَوْ إعْطَائِهِ أَوْ أَجَابَ سَائِلًا) أَوْ عَطَسَ وَنَحْوِهِ (كَفَاهُ التَّعَوُّذُ الْأَوَّلُ)؛ لِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، قَالَ فِي الْآدَابِ: فَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا ثُمَّ يَقْرَأُ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ لِلِاسْتِحْبَابِ، فَلَا تَسْقُطُ بِتَرْكِهَا إذَنْ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَقْتَضِي ذَلِكَ أَمَّا لَوْ تَرَكَهَا حَتَّى فَرَغَ سَقَطَتْ (وَيَخْتِمُ فِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ) لِطُولِهِ.
(وَفِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ) لِطُولِهِ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَكَانَ يُعْجِبُ أَحْمَدَ لِمَا رَوَى طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ قَالَ أَدْرَكْت أَهْلَ الْخَيْرِ مِنْ صَدْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَسْتَحِبُّونَ الْخَتْمَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَوَّلَ النَّهَارِ، يَقُولُونَ إذَا خَتَمَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ: صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُمْسِيَ وَإِذَا خَتَمَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ: صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى يُصْبِحَ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَيَجْمَعُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ عِنْدَ خَتْمِهِ) رَجَاءَ عَوْدِ نَفْعِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ إلَيْهِمْ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ رَجُلًا يُرَاقِبُ رَجُلًا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْتِمَ أَعْلَمَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَيَشْهَدُ ذَلِكَ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ أَنَسٌ إذَا خَتَمَ الْقُرْآنَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَدَعَا وَيُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ الْخَتْمَةِ أَنْ يَشْرَعَ فِي أُخْرَى لِحَدِيثِ أَنَسٍ «خَيْرُ الْأَعْمَالِ الْحِلُّ وَالرِّحْلَةُ» قِيلَ وَمَا هُمَا؟ قَالَ افْتِتَاحُ الْقُرْآنِ وَخَتْمُهُ (وَيَدْعُو) عَقِبَ الْخَتْمِ (نَصًّا) لِفِعْلِ أَنَسٍ وَتَقَدَّمَ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُكَبِّرَ فَقَطْ) فَلَا يُسْتَحَبُّ التَّهْلِيلُ وَالتَّحْمِيدُ (لِخَتْمِهِ آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ مِنْ آخِرِ الضُّحَى) إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ» رَوَاه الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ بِإِسْنَادِهِ (وَيُكَرِّرُ سُورَةَ الصَّمَدِ، وَلَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَخَمْسًا) أَيْ خَمْسَ آيَاتٍ (مِنْ) أَوَّلِ (الْبَقَرَةِ عَقِبَ الْخَتْمِ نَصًّا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فِيهِ أَثَرٌ.
(وَيُسْتَحَبُّ تَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ وَتَرْتِيلُهَا وَإِعْرَابُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (وَالْمُرَادُ الِاجْتِهَادُ عَلَى حِفْظِ إعْرَابِهَا، لَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهِ عَمْدًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ لِتَغْيِيرِهِ الْقُرْآنَ، ذَكَرَهُ) الشَّمْسُ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٍ (فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالتَّفَهُّمُ فِي الْقُرْآنِ وَالتَّدَبُّرُ بِالْقَلْبِ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ إدْرَاجِهِ) أَيْ الْقُرْآنِ (كَثِيرًا بِغَيْرِ تَفَهُّمٍ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إلَيْك مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (وَيُمَكِّنُ حُرُوفَ الْمَدِّ وَاللِّينِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يُحَسِّنُ الْقَارِئُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ، وَيَقْرَؤُهُ بِحُزْنٍ وَتَدَبُّرٍ) «لِقَوْلِ أَبِي مُوسَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّك تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهُ لَك تَحْبِيرًا» وَعَلَى كُلٍّ فَتَحْسِينُ الصَّوْتِ وَالتَّرَنُّمُ مُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُفْضِ إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ فِيهِ، أَوْ تَغْيِيرِ لَفْظِهِ.
وَمِنْ الْآدَابِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ وَأَبُو مُوسَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَبْكِ فَلْيَتَبَاكَ وَأَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ وَيَتَعَوَّذَ عِنْدَ آيَةِ الْعَذَابِ وَلَا يَقْطَعُهَا لِحَدِيثِ النَّاسِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ إلَّا مِنْ حَاجَةٍ وَأَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ عَلَى الْعُدُولِ الصَّالِحِينَ الْعَارِفِينَ بِمَعْنَاهَا وَأَنْ يَتَطَهَّرَ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ إذَا قَرَأَ قَاعِدًا، وَيَتَحَرَّى أَنْ يَعْرِضَهُ كُلَّ عَامٍ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ وَيَفْصِلُ كُلَّ سُورَةٍ مِمَّا قَبْلَهَا بِالْوَقْفِ أَوْ التَّسْمِيَةِ وَيَتْرُكُ الْمُبَاهَاةَ، وَأَنْ لَا يَطْلُبَ بِهِ الدُّنْيَا بَلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَقَنَاعَةٍ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ، زَادَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى وَغَيْرُهُ وَأَنْ لَا يَجْهَرَ بَيْنَ مُصَلِّينَ أَوْ نِيَامٍ أَوْ تَالِينَ جَهْرًا يُؤْذِيهِمْ.
(قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوَّلَ النَّهَارِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَتِهِ آخِرَهُ) وَلَعَلَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (وَقِرَاءَةُ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ أَيْ مِنْ السَّبْعَةِ، وَ) قِرَاءَةُ الْكَلِمَةِ (الْأُخْرَى بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ آخَرَ جَائِزَةٌ وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إحَالَةٌ) أَيْ تَغْيِيرُ (الْمَعْنَى) فَيَمْتَنِعُ وَالْأَوْلَى بَقَاؤُهُ عَلَى الْأُولَى فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ.
(وَلَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ حَالٍ قَائِمًا وَجَالِسًا وَمُضْطَجِعًا وَرَاكِبًا وَمَاشِيًا) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْهَا قَالَتْ إنِّي لَأَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى سَرِيرِي رَوَاهُ الْفِرْيَابِيُّ (وَلَا تُكْرَهُ) الْقِرَاءَةُ (فِي الطَّرِيقِ نَصًّا) لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيِّ قَالَ كُنْت أَقْرَأُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ.
(وَلَا) تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ (مَعَ حَدَثٍ أَصْغَرَ وَبِنَجَاسَةِ بَدَنٍ وَثَوْبٍ، وَلَا حَالَ مَسِّ الذَّكَرِ وَالزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ وَتُكْرَهُ) الْقِرَاءَةُ (فِي الْمَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ) تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ.
(وَ) تُكْرَهُ (اسْتِدَامَتُهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ (حَالَ خُرُوجِ الرِّيحِ) فَإِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ أَمْسَكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ.
(وَ) يُكْرَهُ (جَهْرُهُ بِهَا) أَيْ بِالْقِرَاءَةِ (مَعَ الْجِنَازَةِ)؛ لِأَنَّهُ إخْرَاجٌ لَهَا مَخْرَجَ النِّيَاحَةِ (وَلَا تَمْنَعُ نَجَاسَةُ الْفَمِ الْقِرَاءَةَ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَالَ ابْنُ تَمِيمٍ الْأَوْلَى الْمَنْعُ.
(وَتُسْتَحَبُّ) الْقِرَاءَةُ (فِي الْمُصْحَفِ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ قَالَ الْقَاضِي إنَّمَا اخْتَارَ أَحْمَدُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ لِلْأَخْبَارِ، ثُمَّ ذَكَرَهَا (وَ) يُسْتَحَبُّ (الِاسْتِمَاعُ لَهَا) أَيْ لِلْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ يُشَارِكُ الْقَارِئَ فِي أَجْرِهِ.
(وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةِ (بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وَلِأَنَّهُ إعْرَاضٌ عَنْ الِاسْتِمَاعِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ.
(وَكَرِهَ أَحْمَدُ السُّرْعَةَ فِي الْقِرَاءَةِ، وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوفَ وَتَرْكُهَا) أَيْ السُّرْعَةِ (أَكْمَلُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّرْتِيلِ وَالتَّفَكُّرِ (وَكَرِهَ أَصْحَابُنَا قِرَاءَةَ الْإِدَارَةِ) وَقَالَ حَرْبٌ حَسَنَةٌ وَلِلْمَالِكِيَّةِ وَجْهَانِ (وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ قَارِئٌ ثُمَّ يَقْرَأُ غَيْرُهُ) أَيْ بِمَا بَعْدَ قِرَاءَتِهِ وَأَمَّا لَوْ أَعَادَ مَا قَرَأَهُ الْأَوَّلُ وَهَكَذَا فَلَا يَنْبَغِي الْكَرَاهَةُ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُدَارِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ (وَحَكَى الشَّيْخُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا) أَيْ قِرَاءَةَ الْإِدَارَةِ (حَسَنَةٌ كَالْقِرَاءَةِ مُجْتَمِعِينَ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ) وَلَوْ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ لِقِرَاءَةٍ وَدُعَاءٍ وَذِكْرٍ فَعَنْهُ: وَأَيُّ شَيْءٍ أَحْسَنُ مِنْهُ كَمَا قَالَتْ الْأَنْصَارُ وَعَنْهُ: لَا بَأْسَ وَعَنْهُ: مُحْدَثٌ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ مَا أَكْرَهُهُ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى غَيْرِ وَعْدٍ إلَّا أَنْ يَكْثُرُوا قَالَ ابْنُ مَنْصُورٍ يَعْنِي يَتَّخِذُوهُ عَادَةً وَكَرِهَهُ مَالِكٌ قَالَ فِي الْفُنُونِ: أَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْ جُمُوعِ أَهْلِ وَقْتِنَا فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَشَاهِدِ لَيَالِي يُسَمُّونَهَا إحْيَاءً.
(وَكَرِهَ أَحْمَدُ) وَالْأَصْحَابُ (قِرَاءَةَ الْأَلْحَانِ وَقَالَ هِيَ بِدْعَةٌ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُتَّخَذَ الْقُرْآنُ مَزَامِيرَ يُقَدِّمُونَ أَحَدَهُمْ لَيْسَ بِأَقْرَئِهِمْ وَلَا أَفْضَلِهِمْ إلَّا لِيُغْنِيَهُمْ غِنَاءً وَلِأَنَّ الْإِعْجَازَ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ وَنَظْمِهِ وَالْأَلْحَانُ تُغَيِّرُهُ (فَإِنْ حَصَلَ مَعَهَا) أَيْ الْأَلْحَانِ (تَغَيُّرُ- نَظْمِ الْقُرْآنِ وَجَعْلُ الْحَرَكَاتِ حُرُوفًا حَرُمَ) ذَلِكَ (وَقَالَ الشَّيْخُ: التَّلْحِينُ الَّذِي يُشْبِهُ الْغِنَاءَ مَكْرُوهٌ وَلَا يُكْرَهُ التَّرْجِيعُ) وَتَحْسِينُ الْقِرَاءَةِ، بَلْ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ كَإِذْنِهِ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» وَقَالَ «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ» قَالَ طَائِفَةٌ، مَعْنَاهُ تَحْسِينُ قِرَاءَتِهِ وَالتَّرَنُّمُ وَرَفْعُ صَوْتِهِ بِهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَجَمَاعَةٌ يَسْتَغْنِي بِهِ.
(وَكَرِهَ ابْنُ عَقِيلٍ الْقِرَاءَةَ فِي الْأَسْوَاقِ يَصِيحُ أَهْلُهَا فِيهَا بِالنِّدَاءِ وَالْبَيْعِ) قَالَ فِي الْفُنُونِ، قَالَ حَنْبَلٌ: كَثِيرٌ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ يَخْرُجُ مَخْرَجَ الطَّاعَاتِ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَهِيَ مَآثِمُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، مِثْلُ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَسْوَاقِ، يَصِيحُ فِيهَا أَهْلُ الْأَسْوَاقِ بِالنِّدَاءِ وَالْبَيْعِ وَلَا أَهْلُ السُّوقِ يُمْكِنُهُمْ الِاسْتِمَاعُ وَذَلِكَ امْتِهَانٌ كَذَا قَالَ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ يُكْرَهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ فَيُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَقِيلٍ التَّحْرِيمُ كَمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَلَا يَجُوزُ، وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ بَحْثُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ.
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ الْمَتْلُوَّ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ الْمَكْتُوبَ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي بِأَيْدِي الْمُسْلِمِينَ، مِمَّا جَمَعَهُ الدَّفَّتَانِ: مِنْ أَوَّلِ الْحَمْدُ (لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ- إلَى آخِرِ- قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَوَحْيُهُ الْمُنَزَّلُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا فِيهِ حَقٌّ وَأَنَّ مَنْ نَقَصَ مِنْهُ حَرْفًا قَاصِدًا لِذَلِكَ، أَوْ بَدَّلَهُ بِحَرْفٍ آخَرَ مَكَانَهُ، أَوْ زَادَ فِيهِ حَرْفًا آخَرَ مِمَّا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ الْمُصْحَفُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، وَأُجْمِعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِقُرْآنٍ عَامِدًا لِكُلِّ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي التِّبْيَانِ.
(وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةٍ تُغَلِّطُ الْمُصَلِّينَ) لِاشْتِغَالِهِمْ.
(وَيَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ)؛ لِأَنَّهُ عَرَبِيٌّ وَقَوْلُهُ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} وَقَوْلُهُ {وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} الْمُرَادُ الْأَحْكَامُ وَ(لَا) يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ (بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ لُغَةٍ وَلَا نَقْلٍ فَمَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ) أَيْ فَسَّرَهُ (بِرَأْيِهِ أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ) أَيْ لِيَنْزِلَ مَنْزِلَهُ (مِنْ النَّارِ وَأَخْطَأَ، وَلَوْ أَصَابَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَعَنْ سُهَيْلِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ جُنْدُبٍ مَرْفُوعًا «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَسُهَيْلٌ ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرْآنُ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ، مِثْلُ أَنْ يَرَى رَجُلًا جَاءَ فِي وَقْتِهِ، فَيَقُولُ: {ثُمَّ جِئْت عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى}).
وَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَهُوَ تَوْقِيفٌ (وَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ)؛ لِأَنَّهُمْ شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، وَحَضَرُوا التَّأْوِيلَ فَهُوَ أَمَارَة ظَاهِرَةٌ وَ(لَا) يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِ (التَّابِعِيِّ)؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ غَيْرِهِ إلَّا أَنْ يُنْقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا نَقَلَهُ الْمَرْوَزِيُّ: نَنْظُرُ مَا كَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمِنْ التَّابِعِينَ، لِإِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى إجْمَاعِهِمْ، لَا عَلَى مَا انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُمْ قَالَهُ الْقَاضِي.
(وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ نَصًّا)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «غَضِبَ حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً مِنْ التَّوْرَاةِ، وَقَالَ أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ» الْحَدِيثَ (وَلَا) النَّظَرُ فِي (كُتُبِ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَ) لَا النَّظَرُ فِي (الْكُتُبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَلَا رِوَايَتُهَا) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ إفْسَادِ الْعَقَائِدِ (وَتَقَدَّمَ فِي نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ جُمْلَةٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمُصْحَفِ) فَيَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا.
وَيَنْبَغِي لِحَامِلِ الْقُرْآنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى أَكْرَمِ الْأَحْوَالِ وَأَكْرَمِ الشَّمَائِلِ قَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ حَامِلُ الْقُرْآنِ حَامِلُ رَايَةِ الْإِسْلَامِ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَلْهُوَ مَعَ مَنْ يَلْهُو، وَلَا يَسْهُو مَعَ مَنْ يَسْهُو، وَلَا يَلْغُو مَعَ مَنْ يَلْغُو تَعْظِيمًا لِحَقِّ الْقُرْآنِ.