فصل: كِتَابُ الصَّلَاةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.كِتَابُ الصَّلَاةِ:

.بَابٌ: فِي مَعْنَى وَفَرْضِ وَحُكْمِ الصَّلَاةِ:

.معنى الصَّلَاةِ:

وَاشْتِقَاقُهَا مِنْ الصَّلَوَيْنِ، وَاحِدُهُمَا صَلًى كَعَصًا، وَهُمَا عِرْقَانِ مِنْ جَانِبَيْ الذَّنَبِ وَقِيلَ: عَظْمَاتُ يَنْحَنِيَانِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ مِنْ صَلَّيْت الْعُودَ إذَا لَيَّنْته، لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَلِينُ وَيَخْشَعُ وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ لَامَ الْكَلِمَةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَاوٌ أَوْ مِنْ صَلَّيْت يَاءٌ وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْوَاوَ وَقَعَتْ رَابِعَةً فَقُلِبَتْ يَاءً، وَلَعَلَّهُ ظَنَّ أَنَّ مُرَادَهُ صَلَيْت الْمُخَفَّفُ تَقُولُ صَلَيْت اللَّحْمَ صَلْيًا إذَا شَوَيْته وَإِنَّمَا أَرَادَ ابْنُ فَارِسٍ الْمُضَعَّفَ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: صَلَيْت الْعَصَا تَصْلِيَةً أَدَرْته عَلَى النَّارِ لِتُقَوِّمَهُ (وَهِيَ) أَيْ: الصَّلَاةُ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ قَالَ تَعَالَى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أَيْ: اُدْعُ لَهُمْ وَعُدِّيَ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْإِنْزَالِ، أَيْ: أَنْزِلْ رَحْمَتَك عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ».
وَقَالَ الشَّاعِرُ: تَقُولُ بِنْتِي وَقَدْ قَرَّبْت مُرْتَحِلَا يَا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الْأَوْصَابَ وَالْوَجَعَا عَلَيْك مِثْلُ الَّذِي صَلَّيْت فَاغْتَمِضِي نَوْمًا فَإِنَّ لِجَنْبِ الْمَرْءِ مُضْطَجَعَا وَشَرْعًا (أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مَخْصُوصَةٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ) وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْأَخْرَسِ وَنَحْوِهِ، لِأَنَّ الْأَقْوَالَ فِيهَا مُقَدَّرَةٌ، وَالْمُقَدَّرُ كَالْمَوْجُودِ وَالتَّعْرِيفُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ فَلَا يَرِدُ أَيْضًا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ (وَهِيَ آكَدُ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (سُمِّيَتْ صَلَاةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الدُّعَاءِ) وَقِيلَ لِأَنَّهَا ثَانِيَةُ الشَّهَادَتَيْنِ كَالْمُصَلِّي مِنْ خَيْلِ الْحَلْبَةِ.

.متى فُرِضَتِ الصَّلَاةُ:

(وَفُرِضَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ خَمْسِينَ، ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْسًا، ثُمَّ نُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ، وَإِنَّ لَك بِهَذِهِ الْخَمْسَةِ خَمْسِينَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَكَانَ الْإِسْرَاءُ (قَبْلَ الْهِجْرَةِ) مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ (بِنَحْوِ خَمْسِ سِنِينَ) عَلَى الْمَشْهُورِ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ، وَهُوَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ سِنِينَ.

.حُكْمُ الصَّلَاةِ:

(وَ) الصَّلَوَاتُ (الْخَمْسُ فَرْضُ عَيْنٍ) بِالْكِتَابِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} وَقَوْلِهِ: {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} وَبِالسُّنَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبِالْإِجْمَاعِ.
وَقَالَ نَافِعُ بْنُ الْأَزْرَقِ لِابْنِ عَبَّاسٍ هَلْ تَجِدُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ نَعَمْ ثُمَّ قَرَأَ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} الْآيَتَيْنِ (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ.
(وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ الشَّرْعُ) أَيْ: مَا شَرَعَهُ اللَّهُ مِنْ الْأَحْكَامِ (كَمَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ حَرْبٍ وَنَحْوِهِ) كَمَنْ نَشَأَ بِرَأْسِ جَبَلٍ (وَلَمْ يَسْمَعْ بِالصَّلَاةِ، فَيَقْضِيهَا) إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ وَتَعَلَّمَ حُكْمَهَا لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَقِيلَ: لَا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرَائِعَ لَا تُلْزَمُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ، وَأَجْرَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا قَبْلَ بُلُوغِ الشَّرْعِ، مِنْ تَيَمُّمٍ وَزَكَاةٍ وَنَحْوِهِمَا.
(إلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ) فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمَا وَلَا يَقْضِيَانِهَا، لِمَا مَرَّ (وَلَوْ طَرَحَتْ نَفْسَهَا) بِضَرْبٍ أَوْ دَوَاءٍ وَنَحْوِهِمَا، وَتَقَدَّمَ.
(وَتَجِبُ) الْخَمْسُ (عَلَى نَائِمٍ) أَيْ: يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا إذَا اسْتَيْقَظَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا» رَوَاه مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ حَالَ نَوْمِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا كَالْمَجْنُونِ، وَمِثْلُهُ السَّاهِي (وَيَجِبُ إعْلَامُهُ) أَيْ: النَّائِمِ (إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ) صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْخَطَّابِ فِي التَّمْهِيدِ.

.عَلَى مَنْ تَجِبُ الصَّلَاةُ:

(وَتَجِبُ) الْخَمْسُ (عَلَى مَنْ تَغَطَّى عَقْلُهُ بِمَرَضٍ، أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ مُبَاحٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الصَّوْمَ، فَكَذَا الصَّلَاةُ، وَكَالنَّائِمِ وَلِأَنَّ عَمَّارًا غُشِيَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَفَاقَ فَقَالَ هَلْ صَلَّيْت فَقَالُوا مَا صَلَّيْت مُنْذُ ثَلَاثٍ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى تِلْكَ الثَّلَاثَ.
وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ نَحْوُهُ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ مُدَّةَ الْإِغْمَاءِ لَا تَطُولُ غَالِبًا وَلَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوِلَايَةُ وَيَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ (أَوْ) تَغَطَّى عَقْلُهُ (بِمُحَرَّمٍ كَمُسْكِرٍ فَيَقْضِي) لِأَنَّ سُكْرَهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا يُنَاسِبُ إسْقَاطَ الْوَاجِبِ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ بِالنَّوْمِ الْمُبَاحِ فَبِالْمُحَرَّمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَقِيلَ: تَسْقُطُ إنْ كَانَ مُكْرَهًا (وَلَوْ زَمَنَ جُنُونِهِ لَوْ جُنَّ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ شُرْبِهِ الْمُسْكِرَ (مُتَّصِلًا) جُنُونُهُ (بِهِ) أَيْ: بِسُكْرِهِ الْمُحَرَّمِ، تَغْلِيظًا عَلَيْهِ قُلْت وَقِيَاسُ الصَّلَاةِ الصَّوْمُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ الْوَاجِبَةِ.
(وَلَا تَجِبُ) الْخَمْسُ (عَلَى كَافِرٍ أَصْلِيٍّ) لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْأَدَاءِ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْقَضَاءِ وَاللَّازِمُ مُنْتَفٍ (بِمَعْنَى أَنَّا لَا نَأْمُرُهُ) أَيْ الْكَافِرَ (بِهَا) أَيْ: بِالصَّلَاةِ (فِي كُفْرِهِ وَلَا بِقَضَائِهَا إذَا أَسْلَمَ) لِأَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ فَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ بِقَضَاءٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْفِيرِ عَنْ الْإِسْلَامِ (وَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْهُ) لِفَقْدِ شُرُوطِهَا (وَتَجِبُ) الْخَمْسُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْكَافِرِ (بِمَعْنَى الْعِقَابِ، لِأَنَّ الْكُفَّارَ وَلَوْ مُرْتَدِّينَ، مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الْإِسْلَامِ) مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ كَالتَّوْحِيدِ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنْ الْمُصَلِّينَ} الْآيَةَ.
(وَلَا تَجِبُ) الْخَمْسُ (عَلَى مُرْتَدٍّ زَمَنَ رِدَّتِهِ) كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ (وَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْهُ) لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ (وَيَقْضِي) الْمُرْتَدُّ إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ (مَا فَاتَهُ قَبْلَ رِدَّتِهِ) لِاسْتِقْرَارِهِ فِي ذِمَّتِهِ وَ(لَا) يَقْضِي مَا فَاتَهُ (زَمَنَهَا) أَيْ: زَمَنَ رِدَّتِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالْأَصْلِيِّ.
(وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَتُهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (الَّتِي فَعَلَهَا قَبْلَ رِدَّتِهِ بِهَا) أَيْ: بِرِدَّتِهِ، وَقَوْلُهُ (مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ) كَزَكَاةٍ بَيَانٌ لِعِبَادَاتِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا إذَا أَسْلَمَ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ قَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ بِفِعْلِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَلَمْ تَشْتَغِلْ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا حَبِطَتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ} الْآيَةَ.
وَإِنْ ارْتَدَّ أَثْنَاءَ عِبَادَتِهِ بَطَلَتْ مُطْلَقًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (وَلَا تَبْطُل اسْتِطَاعَةُ قَادِرٍ عَلَى الْحَجِّ بِهَا) أَيْ: بِالرِّدَّةِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْعَوْدِ لِلْإِسْلَامِ فَيَسْتَقِرُّ الْحَجُّ عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ فِي رِدَّتِهِ (وَلَا يَجِبُ) الْحَجُّ (بِاسْتِطَاعَتِهِ فِيهَا) أَيْ: فِي رِدَّتِهِ، لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لَهُ إذَنْ.
(وَلَا تَجِبُ عَلَى مَجْنُونٍ لَا يُفِيقُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ أَشْبَهَ الطِّفْلَ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اتَّصَلَ جُنُونُهُ بِرِدَّتِهِ كَالْحَيْضِ وَقَدَّمَ فِي الْمُبْدِعِ: يَجِبُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْجُنُونِ الْوَاقِعَةِ فِي الرِّدَّةِ، لِأَنَّ إسْقَاطَ الْقَضَاءِ عَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةٌ وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (وَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةَ وَلَا تُمْكِنُ مِنْهُ (وَلَا قَضَاءَ) عَلَى الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ، لِعَدَمِ لُزُومِهَا لَهُ (وَكَذَا الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يُفِيقُ) ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ كَالْمَجْنُونِ يُقَالُ: بَلِهَ بَلَهًا، كَتَعِبَ، وَتَبَالَهَ: أَرَى مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِهِ وَيُقَالُ: الْأَبْلَهُ أَيْضًا لِمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ» قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يَعْنِي الْبُلْهَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا، وَهُمْ أَكْيَاسٌ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ.
(وَإِنْ أَذَّنَ) كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ، حُكِمَ بِهِ لِاشْتِمَالِ الْأَذَانِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ (أَوْ صَلَّى فِي أَيِّ حَالٍ، أَوْ) أَيِّ (مَحَلٍّ كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ) كَالْمُمَيِّزِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَلَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا» لَكِنْ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَوْقُوفًا مِنْ قَوْلِهِ حِينَ سَأَلَهُ مَيْمُونُ بْنُ شياه فَقَالَ «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ».
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ بِالصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ شَرْعَنَا، أَشْبَهَتْ الْأَذَانَ.
وَيُحْكَمُ بِكُفْرِ مَنْ سَجَدَ لِصَنَمٍ فَكَذَا عَكْسُهُ (وَيَأْتِي) فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ بَيَانُ مَنْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ، وَبَيَانُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالْإِسْلَامِ بِالصَّلَاةِ (وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ) أَيْ: الْكَافِرِ (ظَاهِرًا) لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا.
وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ (وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ) فَلَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْ كَافِرٍ وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَقِبَ الصَّلَاةِ أَوْ الْأَذَانِ، فَتَرِكَتُهُ لِأَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ، دُونَ الْكُفَّارِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِنَا وَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَالَ إنَّمَا صَلَّيْت، أَوْ إنَّمَا أَذَّنْت مُتَلَاعِبًا، أَوْ مُسْتَهْزِئًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ (وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ وَحَجِّهِ وَلَا بِصَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ) لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}- الْآيَةَ وَلَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِمْ بِذَلِكَ وَكَذَا بَاقِي الْعِبَادَاتِ غَيْرَ الشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَلِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ شَرْعَنَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ.
(وَلَا تَجِبُ) الْخَمْسُ (عَلَى صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ) لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَمْ تَلْزَمْهُ، كَالْحَجِّ، وَالطِّفْلُ لَا يَعْقِلُ وَالْمُدَّةُ الَّتِي يَكْمُلُ فِيهَا عَقْلُهُ وَبِنْيَتُهُ تَخْفَى وَتَخْتَلِفُ، فَنَصَبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ عَلَامَةً ظَاهِرَةً، وَهِيَ الْبُلُوغُ (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الصَّغِيرِ (إلَّا مِنْ مُمَيِّزٍ) أَيْ: لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مِنْ صَغِيرٍ لَمْ يُمَيِّزْ لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ النِّيَّةُ، وَتَصِحُّ مِنْ مُمَيِّزٍ.
(وَهُوَ مَنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ) قَالَ فِي الْمُطْلِعِ: هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ الْخِطَابَ وَيَرُدُّ الْجَوَابَ وَلَا يَنْضَبِطُ بِسِنٍّ، بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَقَالَ: إنَّ الِاشْتِقَاقَ يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ) أَيْ: الْمُمَيِّزِ (مَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْكَبِيرِ) أَيْ: الْبَالِغِ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ (إلَّا فِي السُّتْرَةَ عَلَى مَا يَأْتِي) تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لِاخْتِلَافِهَا بِحَسَبِ الْبُلُوغِ وَعَدَمِهِ (وَالثَّوَابُ لَهُ) أَيْ: ثَوَابُ صَلَاةِ الْمُمَيِّزِ لِلْمُمَيِّزِ، لِأَنَّهُ الْعَامِلُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}.
(وَكَذَا أَعْمَالُ الْبِرِّ كُلُّهَا) إذَا عَمِلَهَا غَيْرُ الْبَالِغِ، كَانَ ثَوَابُهَا كَالصَّلَاةِ، وَلِحَدِيثِ «أَلِهَذَا- أَيْ: الصَّبِيِّ- حَجٌّ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ» وَيَأْتِي (فَهُوَ) أَيْ: الصَّغِيرُ (يُكْتَبُ لَهُ) مَا عَمِلَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ (وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ) مَا عَمِلَهُ مِنْ السَّيِّئَاتِ، لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ.
(وَيَلْزَمُ الْوَلِيَّ أَمْرُهُ) أَيْ: الْمُمَيِّزِ (بِهَا) أَيْ: بِالصَّلَاةِ (إذَنْ) أَيْ حِينَ يَتِمُّ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ سَوَّارٍ بْنِ دَاوُد وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ (وَ) يَلْزَمُ الْوَلِيَّ (تَعْلِيمُهُ إيَّاهَا) أَيْ: الصَّلَاةَ (وَتَعْلِيمُ طَهَارَةٍ نَصًّا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ إلَّا إذَا عُلِّمَهَا فَإِذَا عُلِّمَهَا احْتَاجَ إلَى الْعِلْمِ بِالطَّهَارَةِ، لِيَتَمَكَّنَ مِنْهَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الصَّغِيرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ.
وَكَذَا إصْلَاحُ مَا لَهُ وَكَفُّهُ عَنْ الْمَفَاسِدِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الصِّيَامَ وَنَحْوَهُ وَيُعَرِّفُ تَحْرِيمَ الزِّنَا، وَاللِّوَاطِ، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْمُسْكِرِ وَالْكَذِبِ، وَالْغَيْبَةِ وَنَحْوِهَا وَيُعَرِّفُ أَنَّهُ بِالْبُلُوغِ يَدْخُلُ فِي التَّكْلِيفِ، وَيُعَرِّفُهُ مَا يَبْلُغُ بِهِ وَقِيلَ: هَذَا التَّعْلِيمُ مُسْتَحَبٌّ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُهُ (وَيُضْرَبُ) الْمُمَيِّزُ (وَلَوْ رَقِيقًا عَلَى تَرْكِهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (لِعَشْرٍ) أَيْ: عِنْدَ بُلُوغِهِ عَشْرَ سِنِينَ تَامَّةً (وُجُوبًا) لِلْخَبَرِ، وَالْأَمْرِ وَالضَّرْبُ فِي حَقِّهِ لِتَمْرِينِهِ عَلَيْهَا حَتَّى يَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا فَلَا يَتْرُكَهَا عِنْدَ الْبُلُوغِ.
(وَإِنْ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ: فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا (أَوْ) بَلَغَ (بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (فِي وَقْتِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا) لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِ، فَلَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْفَرْضِ كَمَا لَوْ نَوَاهَا نَفْلًا وَكَمَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الْحَجِّ (وَ) يَلْزَمُهُ (إعَادَةُ تَيَمُّمٍ لِفَرْضٍ) لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ قَبْلَ بُلُوغِهِ كَانَ لِنَافِلَةٍ فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ (وَلَا) يَلْزَمُهُ إعَادَةُ (وُضُوءٍ) وَلَا غُسْلِ جَنَابَةٍ لِأَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ لِنَافِلَةٍ اسْتَبَاحَ بِهِ الْفَرِيضَةَ لِرَفْعِهِ الْحَدَثَ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (وَلَا) يَلْزَمُهُ أَيْضًا (إعَادَةُ إسْلَامٍ) لِأَنَّ أَصْلَ الدِّينِ لَا يَصِحُّ نَفْلًا فَإِذَا وُجِدَ فَعَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّهُ يَصِحُّ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَبُ (وَيَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (إذَا بَلَغَ فِيهَا) قَدَّمَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي النِّهَايَةِ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَحَيْثُ وَجَبَتْ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي النَّفْلِ.
أَيْ: إنْ قُلْنَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى ابْنِ عَشْرٍ فَبَلَغَ فِيهَا، لَزِمَهُ إتْمَامُهَا وَإِعَادَتُهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، كَمَا هُوَ الْمَذْهَبُ فَبَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا فَوُجُوبُ إتْمَامِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ شَرَعَ فِي نَفْلٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ، وَالصَّحِيحُ كَمَا يَأْتِي: لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهُ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا.
(وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ) الصَّلَاةُ (تَأْخِيرُهَا أَوْ) تَأْخِيرُ (بَعْضِهَا عَنْ وَقْتِ الْجَوَازِ) أَيْ وَقْتِ الصَّلَاةِ، إنْ كَانَ لَهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَوَقْتِ الِاخْتِيَارِ إنْ كَانَ لَهَا وَقْتَانِ (إنْ كَانَ ذَاكِرًا لَهَا قَادِرًا عَلَى فِعْلِهَا).
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إجْمَاعًا لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ، أَنْ تُؤَخَّرَ صَلَاةٌ إلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى» رَوَاه مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إيقَاعُهَا فِي الْوَقْتِ، فَإِذَا خَرَجَ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا كُلِّهَا كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ، مُخَالِفًا لِلْأَمْرِ وَلِأَنَّهُ لَوْ عُذِرَ بِالتَّأْخِيرِ لَفَاتَتْ فَائِدَةُ التَّأْقِيتِ (إلَّا لِمَنْ يَنْوِي الْجَمْعَ) لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ.
لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَخِّرُ الْأُولَى فِي الْجَمْعِ وَيُصَلِّيهَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ، وَسَيَأْتِي وَلِأَنَّ وَقْتَيْهِمَا يَصِيرَانِ وَقْتًا وَاحِدًا لَهُمَا، وَمُقْتَضَاهُ: أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى اسْتِثْنَائِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقْتٌ مَعْلُومٌ، فَيَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَيْهِ فَتَعَيَّنَ إخْرَاجُهُ (أَوْ لِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا الَّذِي يُحَصِّلُهُ قَرِيبًا كَالْمُشْتَغِلِ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ) وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ، إذَا انْخَرَقَ ثَوْبُهُ، وَاشْتَغَلَ بِخِيَاطَتِهِ.
وَلَيْسَ عِنْدَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا بَدَلَ لَهُ وَ(لَا) يَجُوزُ التَّأْخِيرُ لِمُشْتَغِلٍ بِشَرْطِهَا (الْبَعِيدِ كَالْعُرْيَانِ لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى يَشْتَرِي مِنْهَا ثَوْبًا) أَوْ يَسْتَأْجِرُهُ وَنَحْوُهُ (وَلَا يُصَلِّي إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ) فَيُصَلِّي عُرْيَانًا (وَكَالْعَاجِزِ عَنْ تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ وَالتَّشَهُّدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَالْفَاتِحَةِ وَأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ إذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ (بَلْ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) تَقْدِيمًا لِلْوَقْتِ لِسُقُوطِ الشَّرْطِ إذَنْ بِالْعَجْزِ عَنْهُ (وَلَهُ) أَيْ:
لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ (تَأْخِيرُهَا عَنْ أَوَّلِ وَقْتِ وُجُوبِهَا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ (بِشَرْطِ الْعَزْمِ عَلَى فِعْلِهَا فِيهِ) أَيْ: فِي الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ، مِمَّنْ وَقْتُهُ مُوَسَّعٌ (مَا لَمْ يَظُنَّ مَانِعًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ (كَمَوْتٍ وَقَتْلٍ وَحَيْضٍ) فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُبَادِرَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ ذَلِكَ.
(وَكَذَا مَنْ) عَدِمَ السُّتْرَةَ إذَا (أُعِيرَ سُتْرَةً أَوَّلَ الْوَقْتِ فَقَطْ) فَيَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا إذَنْ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهَا بِشَرْطِهَا (وَ) كَذَا (مُتَوَضِّئٌ عَدِمَ الْمَاءَ فِي السَّفَرِ) كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، أَوْ فِي الْحَضَرِ، لِقَطْعِ عَدُوٍّ مَاءَ بَلْدَةٍ وَنَحْوِهِ (وَطَهَارَتُهُ لَا تَبْقَى إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا يَرْجُو وُجُودَهُ) أَيْ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِوُضُوئِهِ (وَ) كَذَا (مُسْتَحَاضَةٌ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعِ دَمِهَا فِي وَقْتٍ يَتَّسِعُ لِفِعْلِهَا) وَفِعْلِ الْوُضُوءِ (فَيَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ الْوَقْتِ، أَوْ وَسَطَهُ أَوْ آخِرَهُ.
(وَمَنْ لَهُ التَّأْخِيرُ) أَيْ: تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ (فَمَاتَ قَبْلَ الْفِعْلِ) فِي الْوَقْتِ (لَمْ يَأْثَمْ) لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ (وَتَسْقُطُ بِمَوْتِهِ) قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فَلَا فَائِدَةَ فِي بَقَائِهَا فِي ذِمَّتِهِ، بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ (وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ) لِلصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِهَا (بِلَا عُذْرٍ إلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ) كَمَا يَحْرُمُ إخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا وَتَقَدَّمَ.

.فَصْلٌ: فيمن جَحَدَ وُجُوبَ الصَّلَاةِ:

(وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا) أَيْ وُجُوبَ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ (كَفَرَ إنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُهُ كَمَنْ نَشَأَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) زَادَ ابْنُ تَمِيمٍ وَإِنْ فَعَلَهَا، لِأَنَّهُ لَا يَجْحَدُهَا إلَّا تَكْذِيبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَيَصِيرُ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجْهَلُهُ) أَيْ: وُجُوبَهَا (كَحَدِيثِ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ عُرِّفَ وُجُوبَهَا وَلَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ) لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فَإِنْ قَالَ: أُنْسِيتُهَا قِيلَ لَهُ: صَلِّ الْآنَ، وَإِنْ قَالَ: أَعْجَزُ عَنْهَا لِعُذْرٍ، كَمَرَضٍ، أَوْ عَجْزٍ عَنْ أَرْكَانِهَا، أُعْلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الصَّلَاةَ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى الْجَحْدِ (كَفَرَ) لِمَا سَبَقَ.
(فَإِنْ تَرَكَهَا تَهَاوُنًا وَكَسَلًا) لَا جُحُودًا (دَعَاهُ إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ إلَى فِعْلِهَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ يَعْتَقِدُ سُقُوطَهَا بِهِ، كَالْمَرَضِ وَنَحْوِهِ وَيُهَدِّدُهُ فَيَقُولُ لَهُ: إنْ صَلَّيْت وَإِلَّا قَتَلْنَاك وَذَلِكَ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ (فَإِنْ أَبَى) أَنْ يُصَلِّيَهَا (حَتَّى تَضَايَقَ وَقْتُ الَّتِي بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ الَّتِي دُعِيَ لَهَا عَنْ فِعْلِ الثَّانِيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُقْنِعِ تَبَعًا لِلْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ (وَجَبَ قَتْلُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ}- إلَى قَوْلِهِ- {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} فَمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ لَمْ يَأْتِ بِشَرْطِ التَّخْلِيَةِ، فَيَبْقَى عَلَى إبَاحَةِ الْقَتْلِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ» رَوَاه أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَكْحُولٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
وَلِأَنَّهَا مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ لَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فَقُتِلَ تَارِكُهَا كَالشَّهَادَتَيْنِ وَلَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْأُولَى لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى تَرْكِهَا إلَّا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا فَإِذَا خَرَجَ عَلِمْنَا أَنَّهُ تَرَكَهَا وَلَا يَجِبُ قَتْلُهُ بِهَا لِأَنَّهَا فَائِتَةٌ فَإِذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ وَجَبَ قَتْلُهُ (وَلَا يُقْتَلُ) مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ تَهَاوُنًا وَكَسَلًا وَكَذَا مَنْ جَحَدَ وُجُوبَهَا (حَتَّى يُسْتَتَابَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَمُرْتَدٍّ) أَيْ: كَسَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ (نَصًّا) وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يُضْرَبُ (فَإِنْ تَابَ) مِنْ تَرْكِ الصَّلَاةِ تَهَاوُنًا وَكَسَلًا (بِفِعْلِهَا) أَيْ: بِفِعْلِ الصَّلَاةِ خُلِّيَ سَبِيلُهُ، نَقَلَ صَالِحٌ: تَوْبَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ لِأَنَّ كُفْرَهُ بِالِامْتِنَاعِ مِنْهَا، فَحَصَلَتْ تَوْبَتُهُ بِهَا، بِخِلَافِ جَاحِدِهَا، فَإِنَّ تَوْبَتَهُ إقْرَارُهُ بِمَا جَحَدَهُ مَعَ الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتُبْ بِفِعْلِ الصَّلَاةِ (قُتِلَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ) بِالسَّيْفِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» رَوَاه مُسْلِمٌ أَيْ: الْهَيْئَةَ مِنْ الْقَتْلِ (لِكُفْرِهِ) عِلَّةٌ لِقَتْلِهِ.
لِمَا رَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَرَوَى بُرَيْدَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ» رَوَاه الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَرَوَى عُبَادَةُ مَرْفُوعًا «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَرَجَ مِنْ الْمِلَّةِ» رَوَاه الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وَقَالَ عُمَرُ «لَا حَظَّ فِي الْإِسْلَامِ لِمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ» وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ الْأَمَانَةُ وَآخِرُ مَا تَفْقِدُونَ الصَّلَاةُ» قَالَ أَحْمَدُ كُلُّ شَيْءٍ ذَهَبَ آخِرُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ يَدْخُلُ بِفِعْلِهَا فِي الْإِسْلَامِ فَيَخْرُجُ بِتَرْكِهَا مِنْهُ كَالشَّهَادَتَيْنِ (وَحَيْثُ كَفَرَ فَ) إنَّهُ يُقْتَلُ بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ، وَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَ(لَا يُرَقُّ وَلَا يُسْبَى لَهُ أَهْلٌ وَلَا وَلَدٌ) كَسَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ (وَلَا قَتْلَ وَلَا تَكْفِيرَ قَبْلَ الدِّعَايَةِ) بِحَالٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا لِشَيْءٍ يَظُنُّهُ عُذْرًا فِي تَرْكِهَا.
(قَالَ الشَّيْخُ وَتَنْبَغِي الْإِشَاعَةُ عَنْهُ بِتَرْكِهَا، حَتَّى يُصَلِّيَ وَلَا يَنْبَغِي السَّلَامُ عَلَيْهِ، وَلَا إجَابَةُ دَعْوَتِهِ انْتَهَى) لَعَلَّهُ يَرْتَدِعُ بِذَلِكَ وَيَرْجِعُ.
(وَمَنْ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ قَضَى صَلَاتَهُ مُدَّةَ امْتِنَاعِهِ) قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مَتَى رَاجَعَ الْإِسْلَامَ لَمْ يَقْضِ مُدَّةَ امْتِنَاعِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ ثُمَّ حَكَى كَلَامَ الْفُرُوعِ.
(وَمَنْ جَحَدَ وُجُوبَ الْجُمُعَةِ؛ كَفَرَ) لِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا وَظُهُورِ حُكْمِهَا فَلَا يُعْذَرُ بِالْجَهْلِ بِهِ، إلَّا إذَا كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ (وَكَذَا لَوْ تَرَكَ رُكْنًا) مُجْمَعًا عَلَيْهِ (أَوْ شَرْطًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ، كَالطَّهَارَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِأَنَّهُ كَتَرْكِهَا (أَوْ) تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا (مُخْتَلَفًا فِيهِ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ) فَهُوَ كَتَرْكِ جَمِيعِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ قَالَ: كَمَا نَحُدُّهُ بِفِعْلِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.
قَالَ صَدْرُ الْوُزَرَاءِ عَوْنُ الدِّينِ أَبُو الْمُظَفَّرِ يَحْيَى بْنُ هُبَيْرَةَ الشَّيْبَانِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي قَوْلِ حُذَيْفَةَ وَقَدْ رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ رُكُوعَهُ وَلَا سُجُودَهُ: «مَا صَلَّيْت وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فِيهِ أَنَّ إنْكَارَ الْمُنْكَرِ فِي مِثْلِ هَذَا يُغَلَّظُ لَهُ لَفْظُ الْإِنْكَارِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَكْفِيرِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، وَإِلَى تَغْلِيظِ الْأَمْرِ فِي الصَّلَاةِ؛ حَتَّى أَنَّ (مَنْ أَسَاءَ فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا) فَإِنَّ (حُكْمَهُ حُكْمُ تَارِكِهَا) ا هـ.
(وَعِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَمَنْ تَابَعَهُ) كَالشَّارِحِ (لَا يُقْتَلُ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ) كَمَا لَا يُحَدُّ الْمُتَزَوِّجُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ (وَهُوَ أَظْهَرُ) لِلشُّبْهَةِ (وَلَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ تَهَاوُنًا غَيْرَ الصَّلَاةِ، فَلَا يَكْفُرُ بِتَرْكِ زَكَاةٍ بُخْلًا، وَلَا بِتَرْكِ صَوْمٍ وَحَجٍّ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ تَهَاوُنًا) لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ لَمْ يَكُنْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ (وَيُقْتَلُ فِيهِنَّ حَدًّا) لِمَا يَأْتِي فِي أَبْوَابِهَا (وَلَا يُقْتَلُ بِ) تَرْكِ (صَلَاةٍ فَائِتَةٍ وَلَا بِتَرْكِ كَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ) لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا فَوْرًا.
خَاتِمَةٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بِمَ كَفَرَ إبْلِيسُ؟ فَذَكَرَ أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ شَاقِلَا: أَنَّهُ كَفَرَ بِتَرْكِ السُّجُودِ لَا بِجُحُودِهِ، وَقِيلَ: كَفَرَ لِمُخَالَفَتِهِ الْأَمْرَ الشِّفَاهِيَّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ بُرْهَانُ الدِّينِ وَلَدُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ، فِي الِاسْتِعَاذَاتِ لَهُ، وَقَالَ جُمْهُورُ النَّاسِ كَفَرَ إبْلِيسُ لِأَنَّهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَعَانَدَ، وَطَعَنَ وَأَصَرَّ، وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي تَمَرُّدِهِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ، فَكَأَنَّهُ تَرَكَ السُّجُودَ لِآدَمَ تَسْفِيهًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ وَعَنْ هَذَا الْكِبْرِ عَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ».
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ: إنَّمَا أُمِرَ بِالسُّجُودِ فَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ وَالِاسْتِكْبَارُ كُفْرٌ وَقَالَتْ الْخَوَارِجُ كَفَرَ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ كُفْرٌ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.