فصل: ما لا يجزئ في زكاة الفطر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: مقدار زكاة الفطر:

وَالْوَاجِبُ فِيهَا أَيْ الْفِطْرَةِ صَاعٌ عِرَاقِيٌّ لِأَنَّهُ الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِبَارَةُ الْمُبْدِعِ صَاعٌ بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْ رَجُلٍ مُعْتَدِلِ الْقَامَةِ، وَحِكْمَتُهُ: كِفَايَةُ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ فِي أَيَّامِ الْعِيدِ انْتَهَى وَهُوَ قَدْ حَانَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْبُرِّ، أَوْ مِثْلِ مَكِيلِهِ مِنْ التَّمْرِ أَوْ الزَّبِيبِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ إجْمَاعًا.
(وَلَوْ) كَانَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ (مَنْزُوعِي الْعَجَمِ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (أَوْ الشَّعِيرِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ إجْمَاعًا (وَكَذَا الْأَقِطُ) وَيَأْتِي بَيَانُهُ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ) الْأَقِطُ (قُوتُهُ وَ) لَوْ (لَمْ يَعْدَمْ الْأَرْبَعَةَ) أَيْ التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ وَالْبُرَّ وَالشَّعِيرَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(أَوْ) صَاعًا (مِنْ مُجْمَعٍ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالْأَقِطِ، فَإِذَا جَمَعَ مِنْهَا صَاعًا وَأَخْرَجَهُ أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ خَالِصًا مِنْ أَحَدِهَا.
(وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَخْرَجُ قُوتًا لَهُ) أَيْ لِلْمُخْرِجِ كَالتَّمْرِ بِمِصْرَ فَإِنَّهُ لَيْسَ قُوتًا بِهَا غَالِبًا، وَيُجْزِئُ إخْرَاجُهُ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَلَا عِبْرَةَ بِوَزْنِ تَمْرٍ وَغَيْرِهِ، مِمَّا يُخْرِجُهُ سِوَى الْبُرِّ) الْمُخْرَجُ مِنْ غَيْرِ الْبُرِّ (صَاعًا بِالْبُرِّ) بِأَنْ اتَّخَذَ مَا يَسَعُ صَاعًا مِنْ جَيِّدِ الْبُرِّ، وَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ صَاعًا (أَجْزَأَ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ) الْمُخْرَجُ (الْوَزْنَ) أَيْ وَزْنَ الصَّاعِ، لِخِفَّتِهِ كَالشَّعِيرِ (وَيُحْتَاطُ فِي الثَّقِيلِ فَيَزِيدُ عَلَى الْوَزْنِ) أَيْ وَزْنِ الصَّاعِ (شَيْئًا يُعْلَمُ أَنَّهُ) أَيْ الثَّقِيلَ (قَدْ بَلَغَ صَاعًا) كَيْلًا (لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ) فَيَخْرُجَ مِنْ الْعُهْدَةِ.
(وَلَا يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَفِيهِ مَقَالٌ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَابْنُ الْمَدِينِيِّ (وَيُجْزِئُ صَاعُ دَقِيقٍ وَسَوِيقٍ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْحَبِّ) نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِزِيَادَةٍ انْفَرَدَ بِهَا ابْنُ عُيَيْنَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «أَوْ صَاعًا مِنْ دَقِيقٍ» لِابْنِ عُيَيْنَةَ: أَنَّ أَحَدًا لَا يَذْكُرُهُ فِيهِ قَالَ: بَلْ هُوَ فِيهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ الْمَجْدُ: بَلْ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ لِأَنَّهُ كَفَى مُؤْنَتَهُ، كَتَمْرٍ نُزِعَ نَوَاهُ (وَسَوِيقِ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ: يُحَمَّصُ) وَعِبَارَةُ الْمُبْدِعِ: يُقْلَى (ثُمَّ يُطْحَنُ وَصَاعُ الدَّقِيقِ) يُعْتَبَر بِ (وَزْنِ حَبِّهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِتَفَرُّقِ الْأَجْزَاءِ بِالطَّحْنِ.
وَكَذَا السُّوَيْقُ (وَيُجْزِئُ دَقِيقٌ بِلَا نَخْلٍ) كَقَمْحٍ بِلَا تَنْقِيَةٍ (وَالْأَقِطُ لَبَنٌ جَامِدٌ يُجَفَّفُ بِالْمَصْلِ) أَيْ بِسَبَبِ الْمَصْلِ الَّذِي يَسِيلُ مِنْهُ (يُعْمَلُ مِنْ اللَّبَنِ الْمَخِيضِ) وَقِيلَ مِنْ لَبَنِ الْإِبِلِ خَاصَّةً.

.ما لا يجزئ في زكاة الفطر:

(وَلَا يُجْزِئُ غَيْرُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْصِيلِهَا) كَالدِّبْسِ وَالْمَصْلِ، وَالْجُبْنِ لِلْأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَلَا) إخْرَاجُ (الْقِيمَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي زَكَاةِ الْأَمْوَالِ (فَإِنَّ عَدَمَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَصْنَافِ الْخَمْسَةِ أَخْرَجَ مَا يُقَوَّمُ مَقَامَهُ) مِنْ حَبٍّ وَتَمْرٍ يَقْتَاتُ إذَا كَانَ مَكِيلًا، (كَالذُّرَةِ وَالدُّخْنِ وَالْمَاشِ وَنَحْوِهِ) كَالْأُرْزِ وَالتِّينِ وَالتُّوتُ الْيَابِسُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَشْبَهَ بِالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَكَانَ أَوْلَى.
(وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ حَبٍّ مَعِيبٍ، كَمُسَوِّسٍ وَمَبْلُولٍ وَقَدِيمٍ، تَغَيَّرَ طَعْمُهُ وَنَحْوِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} وَلِأَنَّ السُّوسَ يَأْكُلُ جَوْفَهُ وَالْبَلَلَ يَنْفُخُهُ (فَالْمُخْرِجُ لِصَاعٍ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ الْوَاجِبُ شَرْعًا) وَلَا خُبْزٍ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْكَيْلِ وَالِادِّخَارِ وَفِيهِ شَبَهٌ بِإِخْرَاجِ الْقِيمَةِ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُجْزِئُ (فَإِنْ خَالَطَ الْمُخْرَجُ) الْجَيِّدَ (مَا لَا يُجْزِئُ وَكَثُرَ لَمْ يُجْزِئْهُ) ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ قَلَّ الَّذِي لَا يُجْزِئُ زَادَ بِقَدْرِ مَا يَكُونُ الْمُصَفَّى صَاعًا) لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا لِقِلَّةِ مَشَقَّةِ تَنْقِيَتِهِ (وَأَحَبَّ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (تَنْقِيَةَ الطَّعَامِ) وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ لِيَكُونَ أَكْمَلَ.
(وَأَفْضَلُ مُخْرَجٍ: تَمْرٌ) لِفِعْلِ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ لَهُ أَبُو مِجْلَزٍ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَوْسَعَ، وَالْبُرُّ أَفْضَلُ فَقَالَ: إنَّ أَصْحَابِي سَلَكُوا طَرِيقًا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُكَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ، وَلِأَنَّهُ قُوتٌ وَحَلَاوَةٌ وَأَقْرَبُ تَنَاوُلًا، وَأَقَلُّ كُلْفَةً (ثُمَّ زَبِيبٌ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّمْرِ فِيمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ بُرٌّ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ فِي الِاقْتِيَاتِ، وَأَبْلَغُ فِي دَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ (ثُمَّ أَنْفَعُ) لِلْفَقِيرِ (ثُمَّ شَعِيرٌ ثُمَّ دَقِيقُ بُرٍّ، ثُمَّ دَقِيقُ شَعِيرٍ ثُمَّ سُوَيْقُهُمَا) أَيْ سُوَيْقُ الْبُرِّ ثُمَّ الشَّعِيرُ (ثُمَّ أَقِطٌ).
(وَيَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْجَمَاعَةَ) مِنْ الْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ (مَا يَلْزَمُ الْوَاحِدَ) مِنْ فِطْرَةٍ أَوْ زَكَاةِ مَالٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، فَإِذَا أَعْطَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةً، جَازَ لِأَنَّهُ دَفَعَ الصَّدَقَةَ إلَى مُسْتَحَقِّهَا (لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ لَا يُنْقِصَهُ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْآخِذِينَ (عَنْ مُدِّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ) لِيَحْصُلَ إغْنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ (وَ) يَجُوزُ (أَنْ يُعْطِيَ الْوَاحِدَ مَا يَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، فَجَازَ صَرْفُهَا لِوَاحِدٍ، كَالزَّكَاةِ.
(وَلِفَقِيرٍ إخْرَاجُ فِطْرَةٍ، وَزَكَاةٍ عَنْ نَفْسِهِ إلَى مَنْ أُخِذَتَا مِنْهُ) لِأَنَّهُ رَدَّ بِسَبَبٍ مُتَجَدِّدٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بِمِيرَاثٍ (مَا لَمْ يَكُنْ حِيلَةً) كَأَنْ يَشْرِطُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ أَنْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ عَنْ نَفْسِهِ.
(وَكَذَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، إذَا حُصِّلَتَا) أَيْ الْفِطْرَةُ وَزَكَاةُ الْمَالِ (عِنْدَهُ، فَقَسَمَهُمَا رَدَّهُمَا) أَيْ جَازَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرُدَّهُمَا (إلَى مَنْ أُخِذَتَا مِنْهُ وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ) وَتَوْضِيحُهُ (وَكَانَ عَطَاءٌ يُعْطِي عَنْ أَبَوَيْهِ صَدَقَةَ الْفِطْرِ، حَتَّى مَاتَ، وَهُوَ تَبَرُّعٌ اسْتَحْسَنَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) رَحِمِهِمَا اللَّهُ تَعَالَى.

.بَابُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ:

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حُكْمِ النَّقْلِ، وَالتَّعْجِيلِ وَنَحْوِهِ.
(لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ) أَيْ تَأْخِيرُ إخْرَاجِ زَكَاةِ الْمَالِ (عَنْ وَقْتِ وُجُوبِهَا، مَعَ إمْكَانِهِ فَيَجِبُ إخْرَاجُهَا عَلَى الْفَوْرِ، كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ، وَكَفَّارَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وَالْمُرَادُ: الزَّكَاةُ وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لِلْفَوْرِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُؤَخِّرَ يَسْتَحِقُّ الْعِقَابَ، وَلَوْ جَازَ التَّأْخِيرُ لَكَانَ إمَّا إلَى غَايَةٍ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلْوُجُوبِ، وَإِمَّا إلَى غَيْرِهَا، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، بَلْ رُبَّمَا يُفْضِي إلَى سُقُوطِهَا إمَّا بِمَوْتِهِ، أَوْ تَلَفِ الْمَالِ، فَيَتَضَرَّرُ الْفَقِيرُ بِذَلِكَ، فَيَخْتَلُّ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِهَا: وَلِأَنَّهَا لِلْفَوْرِ بِطَلَبِ السَّاعِي، فَكَذَا بِطَلَبِ اللَّهِ تَعَالَى كَعَيْنٍ مَغْصُوبَةٍ.
وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ لِلْفَوْرِ، لَقُلْنَا بِهِ هُنَا.
وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَكَرَّرُ، فَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا إلَى دُخُولِ وَقْتِ مِثْلِهَا، كَالصَّلَاةِ (وَيَأْتِي) حُكْمُ النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ فِي الْأَيْمَانِ (إلَّا أَنْ يَخَافَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (ضَرَرًا) فَيَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُهَا نَصَّ عَلَيْهِ، لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (كَرُجُوعِ سَاعٍ) عَلَيْهِ إذَا أَخْرَجَهَا هُوَ بِنَفْسِهِ، مَعَ غَيْبَةِ السَّاعِي (أَوْ خَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ وَنَحْوِهِ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ، وَإِذَا جَازَ تَأْخِيرُ دَيْنِ الْآدَمِيِّ لِذَلِكَ، فَهِيَ أَوْلَى (أَوْ كَانَ) الْمَالِكُ (فَقِيرًا مُحْتَاجًا إلَى زَكَاتِهِ تَخْتَلُّ كِفَايَتُهُ وَمَعِيشَتُهُ بِإِخْرَاجِهَا) نَصَّ عَلَيْهِ (وَتُؤْخَذُ مِنْهُ) الزَّكَاةُ (عِنْدَ يَسَارِهِ) لِمَا مَضَى، لِزَوَالِ الْعَارِضِ (أَوْ أَخَّرَهَا) أَيْ الزَّكَاةَ (لِيُعْطِيَهَا لِمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ) مِنْ غَيْرِهِ (أَوْ) لِيُعْطِيَهَا لِقَرِيبٍ أَوْ جَارٍ نَقَلَهُ يَعْقُوبُ فِيمَنْ حَاجَتُهُ أَشَدُّ، وَقَيَّدَهُ جَمَاعَةٌ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ لِلْحَاجَةِ،
وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ وَاجِبٍ لِمَنْدُوبٍ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ: الْمَنْعُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدُ الْكُلُّ بِمَا إذَا لَمْ يَشْتَدَّ ضَرَرُ الْحَاضِرِ (أَوْ) أَيْ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ (لِتَعَذُّرِ إخْرَاجِهَا مِنْ النِّصَابِ لِغَيْبَةِ) الْمَالِ (وَنَحْوِهَا) كَالْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ إذَنْ (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمَالِ الْمُزَكَّى فَلَا يَلْزَمُهُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ إخْرَاجُ زَكَاةِ الْمَالِ مِنْهُ وَجَوَازُ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ رُخْصَةٌ فَلَا يَنْقَلِبُ تَضْيِيقًا.
(وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، أَوْ) أَيْ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا (لِغَيْبَةِ الْمُسْتَحِقِّ، أَوْ) غَيْبَةِ (الْإِمَامِ عِنْدَ خَوْفِ رُجُوعِهِ) عَلَيْهِ بِهَا لِلضَّرَرِ (وَكَذَا لِلْإِمَامِ وَالسَّاعِي التَّأْخِيرُ) أَيْ تَأْخِيرُ الزَّكَاةِ (عِنْدَ رَبِّهَا، لِعُذْرِ قَحْطٍ وَنَحْوِهِ) كَمَجَاعَةٍ احْتَجَّ أَحْمَدُ بِفِعْلِ عُمَرَ.

.حكم جاحد الزكاة:

(فَإِنْ جَحَدَ) الْمُسْلِمُ الْحُرُّ الْمُكَلَّفُ (وُجُوبَهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (جَهْلًا بِهِ- وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ- كَقَرِيبِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ، أَوْ نُشُوئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ) بِحَيْثُ (يَخْفَى عَلَيْهِ) وُجُوبُ الزَّكَاةِ (عُرِّفَ ذَلِكَ) أَيْ وُجُوبَهَا، لِيَرْجِعَ عَنْ الْخَطَأِ وَلَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ (وَنُهِيَ عَنْ الْمُعَاوَدَةِ) لِجَحْدِ وُجُوبِهَا لِزَوَالِ عُذْرِهِ (فَإِنْ أَصَرَّ) عَلَى جَحْدِ الْوُجُوبِ بَعْدَ أَنْ عُرِّفَ (أَوْ كَانَ عَالِمًا بِوُجُوبِهَا كَفَرَ) إجْمَاعًا لِأَنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَلَوْ أَخْرَجَهَا وَهَذَا إذَا جَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَمَّا إنْ جَحْدَهُ فِي مَالٍ خَاصٍّ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا كَمَالِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَزَكَاةِ الْعَسَلِ وَمَا عَدَا الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالزَّبِيبَ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلَمْ يُنَبِّهْ لِذَلِكَ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا يَأْتِي (وَأُخِذَتْ) الزَّكَاةُ مِنْهُ إنْ كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ كُفْرِهِ، لِكَوْنِهَا لَا تَسْقُطُ بِهِ، كَالدَّيْنِ.
(وَاسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا) كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ (فَإِنْ لَمْ يَتُبْ) بِأَنْ يُقِرَّ بِوُجُوبِهَا مَعَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ (قُتِلَ كُفْرًا وُجُوبًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ» وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ «لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَمَنْ مَنَعَهَا) أَيْ الزَّكَاةَ (بُخْلًا بِهَا أَوْ تَهَاوُنًا أُخِذَتْ مِنْهُ) قَهْرًا، كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ، وَكَمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ طَلَبَهُ بِهِ فَهُوَ كَالْخَرَاجِ بِخِلَافِ الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَجِّ، وَالتَّكْفِيرِ بِالْمَالِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْبَسُ، حَتَّى يُؤَدِّيَ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ مِنْ الْمُمْتَنِعِ (وَعَزَّرَهُ إمَامٌ عَدْلٌ فِيهَا) أَيْ فِي الزَّكَاةِ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا.
وَظَاهِرُهُ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي غَيْرِهَا (أَوْ) عَزَّرَهُ (عَامِلُ زَكَاةٍ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْإِمَامِ فِيهَا وَإِنَّمَا عُزِّرَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ (مَا لَمْ يَكُنْ) مَانِعُ الزَّكَاةِ بُخْلًا أَوْ تَهَاوُنًا (جَاهِلًا) بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَلَا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
(وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ مَنَعَ الزَّكَاةَ (لِكَوْنِ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ فِيهَا لَا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا لَمْ يُعَزَّرْ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ (وَإِنْ غَيَّبَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (مَالَهُ أَوْ كَتَمَهُ) أَيْ غَلَّهُ.
(وَأَمْكَنَ أَخْذُهَا) بِأَنْ كَانَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ (أُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (مِنْهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ) عَلَيْهَا لِأَنَّ الصِّدِّيقَ مَعَ الصَّحَابَةِ لَمَّا مَنَعَتْ الْعَرَبُ الزَّكَاةَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى أَخْذِ الْحُقُوقِ مِنْ الظَّالِمِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «فِي كُلِّ إبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إبِلِهِ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ «شَطْرَ مَالِهِ» وَهُوَ ثَابِتٌ إلَى بَهْزٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، حَيْثُ كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ بِالْمَالِ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الصِّدِّيقِ «وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلَا يُعْطَهُ» وَلِأَنَّ مَنْعَ الزَّكَاةِ كَانَ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ مَعَ تَوَفُّرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَخْذُ زِيَادَةٍ وَلَا قَوْلَ بِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ بِالتَّغْيِيبِ أَوْ غَيْرِهِ (اُسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا) لِأَنَّ الزَّكَاةَ أَحَدُ مَبَانِي الْإِسْلَامِ فَيُسْتَتَابُ تَارِكُهَا كَالصَّلَاةِ (فَإِنْ تَابَ) وَ(أَخْرَجَ) كُفَّ عَنْهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ (قُتِلَ) لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِهَا (حَدًّا) لَا كُفْرًا لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكَهُ كُفْرًا إلَّا الصَّلَاةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَا حَكَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «مَا مَانِعُ الزَّكَاةِ بِمُسْلِمٍ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، مَعْنَاهُ: التَّغْلِيظُ وَمُقَارَبَةُ الْكُفْرِ، دُونَ حَقِيقَتِهِ (وَأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْآدَمِيِّ.
فَكَذَا الزَّكَاةُ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ مِنْ مَانِعِهَا (إلَّا بِقِتَالٍ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُ، إنْ وَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا) لِاتِّفَاقِ الصِّدِّيقِ مَعَ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَقَالَ «وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا- وَفِي لَفْظِ: عِقَالًا- كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَضَعْهَا مَوَاضِعَهَا لَمْ يُقَاتِلْهُ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَنْعَهُ إيَّاهَا لِاعْتِقَادِهِ ذَلِكَ عُذْرًا (وَلَا يُكَفَّرُ) مَانِعُ الزَّكَاةِ تَهَاوُنًا أَوْ بُخْلًا (بِقِتَالِهِ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ.
وَلِأَنَّ عُمَرَ وَغَيْرَهُ امْتَنَعُوا ابْتِدَاءً مِنْ قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَلَوْ اعْتَقَدُوا كُفْرَهُمْ مَا امْتَنَعُوا مِنْهُ، ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى الْقِتَالِ فَبَقِيَ عَدَمُ التَّكْفِيرِ عَلَى اعْتِقَادِهِمْ الْأَوَّلِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ لَمَّا قَاتَلَ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَعَضَّتْهُمْ الْحَرْبُ قَالُوا، نُؤَدِّيهَا قَالَ «لَا أَقْبَلُهَا حَتَّى تَشْهَدُوا أَنَّ قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ وَأَنَّ قَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ» يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِيمَنْ مَنَعَهَا جُحُودًا وَلَحِقَ بِأَهْلِ الرِّدَّةِ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ فِيهِمْ طَائِفَةٌ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِالنَّارِ الْحُكْمُ بِالْكُفْرِ، بِدَلِيلِ الْعُصَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَوْ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ بِتَعَذُّرٍ فِيهَا وَالْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَدَائِهَا مَعَ الْقِتَالِ.
(وَمَنْ طُولِبَ بِهَا) أَيْ الزَّكَاةِ (فَادَّعَى مَا يَمْنَعُ وُجُوبَهَا مِنْ نُقْصَانِ الْحَوْلِ أَوْ) نُقْصَانِ (النِّصَابِ، أَوْ انْتِقَالِهِ) أَيْ مَلَكَ النِّصَابَ (فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَنَحْوِهِ، كَادِّعَائِهِ أَدَاءَهَا، أَوْ تَجَدُّدِ مِلْكِهِ قَرِيبًا أَوْ) ادَّعَى (أَنَّ مَا بِيَدِهِ) مِنْ الْمَالِ (لِغَيْرِهِ أَوْ) ادَّعَى أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ، أَوْ أَنَّهُ (مُخْتَلَطٌ قُبِلَ قَوْلِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ (بِغَيْرِ يَمِينٍ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ هُوَ مُؤْتَمَنٌ عَلَيْهَا فَلَا يُسْتَحْلَفُ عَلَيْهَا كَالصَّلَاةِ، نَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُسْأَلُ الْمُتَصَدِّقُ عَنْ شَيْءٍ، وَلَا يُبْحَثُ، إنَّمَا يَأْخُذُ مَا أَصَابَهُ مُجْتَمَعًا، وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ مَرَّ بِعَاشِرٍ وَادَّعَى أَنَّهُ عَشَّرَهُ آخَرُ.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِقَدْرِ زَكَاتِهِ وَلَمْ يُخْبَرْ بِقَدْرِ مَالِهِ أُخِذَتْ مِنْهُ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ إحْضَارَ مَالِهِ) لِمَا مَرَّ.
(وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ) تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِهِمَا لِمَا تَقَدَّمَ (يُخْرِجُ عَنْهُمَا وَلِيُّهُمَا فِي مَالِهِمَا) لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا فَوَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَدَاؤُهَا عَنْهُمَا (كَنَفَقَةِ أَقَارِبِهُمَا وَزَوْجَاتِهِمَا، وَأُرُوشِ جِنَايَاتِهِمَا) وَتُعْتَبَرُ النِّيَّةُ مِنْ الْوَلِيِّ فِي الْإِخْرَاجِ، كَرَبِّ الْمَالِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ تَفْرِقَةُ زَكَاتِهِ وَ) تَفْرِقَةُ (فِطْرَتِهِ بِنَفْسِهِ،، بِشَرْطِ أَمَانَتِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إلَى إمَامٍ عَادِلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} وَكَالدَّيْنِ وَلِأَنَّ الْقَابِضَ رَشِيدٌ قَبَضَ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلِيَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ إيصَالِهَا إلَى مُسْتَحَقِّيهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ.
(وَلَهُ) أَيْ رَبِّ الْمَالِ (دَفْعُهَا إلَى السَّاعِي وَإِلَى الْإِمَامِ وَلَوْ فَاسِقًا يَضَعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا) لِمَا رَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْت سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ فَقُلْت: لِي مَالٌ وَأُرِيدُ إخْرَاجَ زَكَاتِهِ فَمَا تَأْمُرُنِي؟ فَقَالَ: ادْفَعْهَا إلَيْهِمْ فَأَتَيْت ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ فَقَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ مُسْتَحَقِّهَا فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ (يَضَعْهَا مَوَاضِعَهَا حَرُمَ) دَفْعُهَا إلَيْهِ (وَيَجُوزُ).
وَعِبَارَةُ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَكَثِيرٌ مِنْ النُّسَخِ: وَيَجِبُ وَهِيَ أَنْسَبُ بِمَا قَبْلَهُ (كَتَمَهَا إذَنْ) وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَنَصَّ الْإِمَامُ عَلَى خِلَافَهُ قَالَ فِي الشَّرْح: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ دَفْعَهَا لِلْإِمَامِ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ وَيَبْرَأُ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ سَوَاءٌ تَلِفَتْ بِيَدِ الْإِمَامِ أَوْ لَا، أَوْ صَرَفَهَا فِي مَصَارِفهَا أَوْ لَمْ يَصْرِفْهَا ا هـ، وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إنَّهُمْ يُقَلِّدُونَ بِهَا الْكِلَابَ وَيَشْرَبُونَ بِهَا الْخُمُورَ فَقَالَ ادْفَعْهَا إلَيْهِمْ حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ، وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ ادْفَعُوهَا إلَى مَنْ غَلَبَ.
وَفِي لَفْظٍ آخَرَ ادْفَعُوهَا إلَى الْأُمَرَاءِ وَإِنْ كَرَعُوا بِهَا لُحُومَ الْكِلَابِ عَلَى مَوَائِدِهِمْ رَوَاهُمَا عَنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: كَانُوا يَدْفَعُونَ الزَّكَاةَ إلَى الْأُمَرَاءِ.
وَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُونَ بِدَفْعِهَا وَقَدْ عَلِمُوا فِيمَا يُنْفِقُونَهَا فَمَا أَقُولُ أَنَا؟ (وَيَبْرَأُ) دَافِعُ الزَّكَاةِ إلَى السَّاعِي أَوْ الْإِمَامِ (بِدَفْعِهَا إلَيْهِ وَلَوْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ، أَوْ لَمْ يَصْرِفُهَا فِي مَصَارِفِهَا) لِمَا سَبَقَ (وَيُجْزِئُ دَفْعُهَا إلَى الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَوَارِجِ، إذَا غَلَبُوا عَلَى بَلَدٍ، وَأَخَذُوا مِنْهُ الْعُشْرَ: وَقَعَ مَوْقِعَهُ وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ: هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ خَرَجُوا بِتَأْوِيلٍ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إنَّمَا يُجْزِئُ أَخْذُهُمْ إذَا نَصَبُوا لَهُمْ إمَامًا (وَكَذَلِكَ مَنْ أَخَذَهَا) أَيْ الزَّكَاةَ مِنْ السَّلَاطِينِ قَهْرًا أَوْ اخْتِيَارًا عَدَلَ فِيهَا أَوْ جَارَ وَيَأْتِي فِي بَابِ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَلِلْإِمَامِ طَلَبُ النَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَكَالزَّكَاةِ.
(وَ) لِلْإِمَامِ طَلَبُ (الزَّكَاةِ مِنْ الْمَالِ الظَّاهِرِ) كَالْمَوَاشِي وَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ (وَالْبَاطِنِ) كَالْأَثْمَانِ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ (إنْ وَضَعَهَا فِي أَهْلِهَا، وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ إذَا طَلَبَهَا) بَلْ لِرَبِّهَا تَفْرِقَتُهَا بِنَفْسِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (أَنْ يُقَاتِلَ عَلَى) ذَلِكَ إذَا لَمْ يَمْنَعْ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ (إخْرَاجُهَا بِالْكُلِّيَّةِ) إذْ الْوَاجِبُ الْإِخْرَاجُ، لَا الدَّفْعُ إلَى الْإِمَامِ.