فصل: ما يكره في الكفن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): حرمة غسل الشهيد:

(وَيَحْرُم غُسْلُ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ الْمَقْتُولِ بِأَيْدِيهِمْ).
جَزَمَ بِهِ أَبُو الْمَعَالِي وَحَكَى رِوَايَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ أَثَرُ الشَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ وَهُوَ حَيٌّ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: لَا يَجُوزُ غُسْلُهُ، وَكَلَامُ الْمُوَفَّقِ وَغَيْرِهِ: يَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ، ذَكَرَ فِي الْإِنْصَافِ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَمْ أَقِفْ بِتَصْرِيحٍ لِأَصْحَابِنَا هَلْ غُسْلُ الشَّهِيدِ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فَيَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ لِمُخَالِفَةِ الْأَمْرِ وَقَطَعَ فِي التَّنْقِيحِ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى مَعَ قَوْلِهِمَا وَيَجِبُ بَقَاءُ دَمِ شَهِيدٍ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ) كَانَ شَهِيدُ الْمَعْرَكَةِ (غَيْرَ مُكَلَّفٍ، أَوْ) كَانَ (غَالًّا) كَتَمَ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا (رَجُلًا) كَانَ (أَوْ امْرَأَةً) لِعُمُومِ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِدَفْنِ قَتْلَى أُحُدٍ فِي دِمَائِهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَلِأَحْمَدَ مَعْنَاهُ وَقَدْ كَانَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ وَهُوَ صَغِيرٌ.
قَالَهُ فِي الشَّرْحِ لَا يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِمْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ تُوجَدُ فِي سَائِرِ الشُّهَدَاءِ قَالَ «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ، وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ تَعَالَى {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} وَالْحَيُّ لَا يُغَسَّلُ وَسَمِّي شَهِيدًا لِأَنَّهُ حَيٌّ وَقِيلَ لِأَنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الشَّهِيدُ (جُنُبًا) قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ فَيُغَسَّلُ لِمَا رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنَّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسِّلُهُ الْمَلَائِكَةُ يَعْنِي حَنْظَلَةَ قَالُوا لِأَهْلِهِ: مَا شَأْنُهُ؟ فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ».
وَفِي الْكَافِي أَنَّهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ.
(أَوْ) يَكُونُ (حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ طَهُرَتَا) أَيْ انْقَطَعَ دَمُهُمَا (أَوْ لَا، فَيُغَسَّلَانِ غُسْلًا وَاحِدًا) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْجُنُبِ وَلِأَنَّهُ وَاجِبٌ لِغَيْرِ الْمَوْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ (وَإِنْ أَسْلَمَ) شَخْصٌ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ قَبْلَ غُسْلِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُغَسَّلْ) لِلْإِسْلَامِ لِأَنَّ أَصْرَمَ بْنَ عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَسْلَمَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ قُتِلَ فَلَمْ يَأْمُرْ بِغُسْلِهِ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَالْمُبْدِعِ وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ: يَجِبُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمْ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (وَإِنْ قُتِلَ) شَهِيدًا (وَعَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ لَمْ يُوَضَّأْ) لِأَنَّ الْوُضُوءَ تَابِعٌ لِلْغُسْلِ.
وَقَدْ سَقَطَ (وَتُغْسَلُ نَجَاسَتُهُ) أَيْ الشَّهِيدِ كَالْحَيِّ (وَيَجِبُ بَقَاءُ دَمِ) شَهِيدٍ (لَا نَجَاسَةَ مَعَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَفْنِ قَتْلَى أُحُدٍ فِي دِمَائِهِمْ (فَإِنْ لَمْ تُزَلْ) النَّجَاسَةُ (إلَّا بِالدَّمِ غُسِلَا) أَيْ الدَّمُ وَالنَّجَاسَةُ لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ- وَمِنْهُ غُسْلُ النَّجَاسَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَمِنْهُ بَقَاءُ دَمِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ.
(وَيُنْزَعُ عَنْهُ السِّلَاحُ وَالْجُلُودُ وَ) مِنْهَا (نَحْوُ فَرْوَةٍ وَخُفٍّ وَيَجِبُ دَفْنُهُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمْ بِدِمَائِهِمْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ الْعِبَادَةِ.
(وَظَاهِرُهُ لَوْ كَانَتْ حَرِيرًا) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ (فَلَا يُزَادُ فِيهَا) أَيْ فِي ثِيَابِ الشَّهِيدِ (وَلَا يُنْقَصُ) مِنْهَا (وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْمَسْنُونُ) بِهَا لِنَقْصِهَا أَوْ زِيَادَتِهَا، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَخْرِيجِهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِمَا.
وَأَجَابَ الْقَاضِي عَمَّا رُوِيَ: «أَنَّ صَفِيَّةَ أَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَيْنِ لِيُكَفِّنَ فِيهِمَا حَمْزَةَ، فَكَفَّنَهُ فِي أَحَدِهِمَا، وَكَفَّنَ فِي الْآخَرِ رَجُلًا آخَرَ»: بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ ثِيَابَهُ سُلِبَتْ، أَوْ أَنَّهُمَا ضُمَّا إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى فِي الْمُعْتَمَدِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (فَإِنْ كَانَ) الشَّهِيدُ (قَدْ سُلِبَهَا) أَيْ الثِّيَابُ (كُفِّنَ بِغَيْرِهَا) وُجُوبًا كَغَيْرِهِ (وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ) أَيْ الشَّهِيدِ (فِي مَصْرَعِهِ) الَّذِي قُتِلَ فِيهِ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ سَقَطَ مِنْ شَاهِقٍ) أَيْ مَكَان مُرْتَفِعٍ، كَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ، لَا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ فَمَاتَ (أَوْ سَقَطَ عَنْ دَابَّةٍ لَا بِفِعْلِ الْعَدُوِّ) فَمَاتَ (أَوْ رَفَسَتْهُ) دَابَّةٌ (فَمَاتَ أَوْ مَاتَ) فِي دَارِ الْحَرْبِ (حَتْفَ أَنْفِهِ، أَوْ عَادَ سَهْمُهُ عَلَيْهِ) فَقَتَلَهُ (أَوْ) عَادَ (سَيْفُهُ) عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ (أَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ، أَوْ حُمِلَ بَعْد جَرْحِهِ، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَوْ بَالَ أَوْ تَكَلَّمَ أَوْ عَطَسَ، أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفًا: غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وُجُوبًا) أَمَّا مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ فِعْلِ الْعَدُوِّ فَلِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِمْ قَتْلَهُ وَتَسَبُّبِهِمْ فِيهِ فَأَشْبَهَ مَنْ مَاتَ بِمَرَضٍ.
وَأَمَّا مَنْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ بِهِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَلَا يَسْقُطُ يَقِينُ ذَلِكَ، بِالشَّكِّ فِي مُسْقِطِهِ فَإِنْ كَانَ بِهِ أَثَرٌ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: لَا دَمٌ مِنْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: اعْتَبَرْنَا الْأَثَرَ هُنَا احْتِيَاطًا لِلْغُسْلِ وَلَمْ نَعْتَبِرْهُ فِي الْقَسَامَةِ احْتِيَاطًا لِوُجُوبِ الدَّمِ وَأَمَّا مَنْ حُمِلَ بَعْد جَرْحِهِ فَأَكَلَ، وَنَحْوَهُ فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ لِتَغْسِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ ذِي حَيَاةٍ مُسْتَقِرَّةٍ وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ: حَتْفَ أَنْفِهِ أَيْ بِغَيْرِ سَبَبٍ يُفْضِي إلَى الْمَوْتِ مِنْ جَرْحٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا، حَتَّى مَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ صَبْرًا فِي غَيْرِ الْحَرْبِ أُلْحِقَ بِشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ) فِي أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ شَهِيدٌ وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيد، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّهُمْ مَقْتُولُونَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَشْبَهُوا قَتْلَى الْكُفَّارِ، فَلَا يُغَسَّلُونَ.
تَتِمَّةٌ:
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ أَوْ الْكُفَّارُ خَطَأً يُغَسَّلُ رِوَايَةً وَاحِدَةً.

.فصل: في أقسام الشهداء:

(وَالشُّهَدَاءُ غَيْرَ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ) وَهُوَ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ وَقْتَ قِيَامِ الْقِتَالِ (بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ) شَهِيدًا (الْمَطْعُونُ) أَيْ الْمَيِّتُ بِالطَّاعُونِ (وَالْمَبْطُونُ وَالْغَرِيقُ وَالشَّرِيقُ وَالْحَرِيقُ وَصَاحِبُ الْهَدْمِ) أَيْ مَنْ مَاتَ بِانْهِدَامِ شَيْءٍ عَلَيْهِ كَمَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَنَحْوُهُ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالشُّهَدَاءُ خَمْسٌ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(وَ) صَاحِبُ (ذَاتِ الْجَنْبِ، وَ) صَاحِبُ (السِّلِّ) بِكَسْرِ السِّينِ (وَصَاحِبُ اللَّقْوَةِ) بِفَتْحِ اللَّامِ دَاءٌ فِي الْوَجْهِ (وَالصَّابِرُ فِي الطَّاعُونِ وَالْمُتَرَدِّي مِنْ رُءُوسِ الْجِبَالِ) إنْ لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِ الْكُفَّارِ.
فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَمِنْ شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ (وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) تَعَالَى، وَمِنْهُ مَنْ مَاتَ فِي الْحَجِّ، كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ وَمَنْ مَاتَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، كَمَا تَقَدَّمَ أَيْضًا عَنْهُ (وَمَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ، وَمَوْتُ الْمُرَابِطِ، وَأُمَنَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) وَهُمْ الْعُلَمَاءُ (وَالْمَجْنُونُ وَالنُّفَسَاءُ وَاللَّدِيغُ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ مَظْلِمَتِهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ (وَفَرِيسُ السَّبُعِ، وَمَنْ خَرَّ عَنْ دَابَّتِهِ، وَمِنْ أَغْرَبِهَا مَوْتُ الْغَرِيبِ) لِمَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ» (وَأَغْرَبُ مِنْهُ) مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي بْنُ الْمُنْجِي وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ (الْعَاشِقُ إذَا عَفَّ وَكَتَمَ).
وَأَشَارُوا إلَى الْخَبَرِ الْمَرْفُوعِ «مَنْ عَشِقَ وَعَفَّ وَكَتَمَ فَمَاتَ مَاتَ شَهِيدًا» وَهَذَا الْخَبَرُ مَذْكُورٌ فِي تَرْجَمَةِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ فِيمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ، قَالَهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ (ذَكَرَ تَعْدَادَهُمْ فِي غَايَةِ الْمَطْلَبِ) وَعِبَارَتُهُ: وَالشَّهِيدُ غَيْرَ شَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ- بِضْعَةُ عَشْرَ: الْمَطْعُونُ، وَالْمَبْطُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَالشَّرِيقُ وَالْحَرِيقُ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ وَذَاتُ الْجَنْبِ، وَالْمَجْنُونُ، وَالنُّفَسَاءُ، وَاللَّدِيغُ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ مَظْلِمَتِهِ وَفَرِيسُ سَبْعٍ، وَمَنْ خَرَّ عَنْ دَابَّتِهِ، وَمِنْ أَغْرَبِهَا مَوْتُ الْغَرِيبِ وَأَغْرَبُ مِنْهُ الْعَاشِقُ إذَا عَفَّ وَكَتَمَ ا هـ فَلَمْ يَسْتَوْعِبْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَكُلُّ شَهِيدٍ غُسِّلَ صُلِّيَ عَلَيْهِ وُجُوبًا وَمَنْ لَا) يُغَسَّلُ (فَلَا) يُصَلَّى عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَالْمَذْهَبِ (وَالشَّهِيدُ بِغَيْرِ قَتْلٍ كَغَرِيقٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ) غَيْرَ مَنْ اسْتَثْنَى (يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدِ مَعْرَكَةٍ وَلَا مُلْحَقًا بِهِ.
(وَإِذَا وُلِدَ السَّقْطُ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) أَيْ: لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ (غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَصَالِحٍ لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالسَّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُمَا«: وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ» وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ نَسَمَةٌ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ.
(وَلَوْ لَمْ يَسْتَهِلَّ) أَيْ: يُصَوِّتْ عِنْدَ الْوِلَادَةِ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَيُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهُ وَلَوْ وُلِدَ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) لِأَنَّهُ يُبْعَثُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ فَيُسَمَّى لِيُدْعَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاسْمِهِ (وَإِنْ جُهِلَ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ سُمِّيَ بِصَالِحٍ لَهُمَا، كَطَلْحَةَ وَهِبَةِ اللَّهِ).
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ: (وَلَوْ كَانَ السَّقْطُ مِنْ كَافِرَيْنِ فَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) لَوْ مَاتَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ بِدَارِنَا (فَكَمُسْلِمٍ) يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا وُلِدَ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ (فَلَا) يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَافِرٌ.
(وَيُصَلَّى عَلَى طِفْلٍ) مِنْ كَافِرَيْنِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) لِمَوْتِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ سَبْيِهِ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ وَكَذَا مَجْنُونٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَبَقَ.
(وَمَنْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ لِعَدَمِ مَاءٍ أَوْ عُذْرٍ غَيْرِهِ) كَالْحَرْقِ وَالْجُذَامِ وَالتَّبْضِيعِ (يُمِّمَ) لِأَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ طَهَارَةٌ عَلَى الْبَدَنِ فَقَامَ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ مُقَامَهُ كَالْجَنَابَةِ.
(وَكُفِّنَ) بَعْدَ التَّيَمُّمِ (وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) كَغَيْرِهِ (وَإِنْ تَعَذَّرَ غُسْلُ بَعْضِهِ) غُسِّلَ مَا أَمْكَنَ مِنْهُ، وَ(يَمَّمَ لَهُ) أَيْ: لِمَا تَعَذَّرَ غُسْلُهُ كَالْجَنَابَةِ.
(وَإِنْ أَمْكَنَ صَبُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِلَا عَرْكٍ صُبَّ عَلَيْهِ) الْمَاءُ بِحَيْثُ يَعُمُّ بَدَنَهُ (وَتُرِكَ عَرْكُهُ) لِتَعَذُّرِهِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ (ثُمَّ إنْ يُمِّمَ) الْمَيِّتُ (لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ الْمَاءُ قَبْلَ دَفْنِهِ وَجَبَ غُسْلُهُ) لِإِمْكَانِهِ وَتُعَادُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ، بِتَيَمُّمٍ وَالْأُولَى بِوُضُوءٍ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ وُجِدَ) الْمَاءُ (فِيهَا) أَيْ: فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَدْ يُمِّمَ (بَطَلَتْ) الصَّلَاةُ فَيُغَسَّلُ ثُمَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْحَيِّ يَجِدُ الْمَاءَ (وَيَلْزَمُ الْوَارِثَ قَبُولُ مَا وُهِبَ لِلْمَيِّتِ) لِيُغَسَّلَ بِهِ لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِيهِ يَسِيرَةٌ وَ(لَا) يَلْزَمُهُ قَبُولُ (ثَمَنِهِ) هِبَةً لِلْمِنَّةِ كَالْحَيِّ.
(وَيَجِبُ عَلَى الْغَاسِلِ سَتْرُ قَبِيحٍ رَآهُ) لِأَنَّ فِي إظْهَارِهِ إذَاعَةً لِلْفَاحِشَةِ وَفِي الْخَبَرِ مَرْفُوعًا «: لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمْ الْمَأْمُونُونَ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَأَدَّى فِيهِ الْأَمَانَةَ وَلَمْ يُفْشِ عَيْبَهُ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدْتُهُ أُمُّهُ» رَوَاه أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ (كَطَبِيبٍ) أَيْ: كَمَا يَجِبُ عَلَى الطَّبِيبِ أَنْ لَا يُحَدِّثَ بِشَرٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ، الْإِفْضَاحِ (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْغَاسِلِ (إظْهَارُهُ) أَيْ: مَا رَآهُ مِنْ الْمَيِّتِ (إنْ كَانَ حَسَنًا) لِيُتَرَحَّمَ عَلَيْهِ.
(قَالَ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ: إلَّا عَلَى مَشْهُورٍ بِبِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ قِلَّةِ دِينٍ، أَوْ فُجُورٍ وَنَحْوِهِ) كَكَذِبٍ (فَيُسْتَحَبُّ إظْهَارُ شَرِّهِ وَسَتْرِ خَيْرِهِ) لِيَرْتَدِعَ نَظِيرُهُ.
وَيَحْرُمُ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ وَبِمُسْلِمٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَيَجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَيُسْتَحَبُّ ظَنُّ الْخَيْرِ بِالْمُسْلِمِ وَلَا يَنْبَغِي تَحْقِيقُ ظَنِّهِ فِي رِيبَةٍ وَلَا حَرَجَ بِظَنِّ السَّوْءِ بِمَنْ ظَاهِرُهُ الشَّرُّ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» مَحْمُولٌ عَلَى الظَّنِّ الْمُجَرَّدِ الَّذِي لَمْ تُعَضِّدْهُ قَرِينَةٌ تَدُلَّ عَلَى صِدْقِهِ وَحَدِيثُ «احْتَرِسُوا مِنْ النَّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ» الْمُرَادُ بِهِ الِاحْتِرَاسُ بِحِفْظِ الْمَالِ كَغَلْقِ الْبَابِ خَوْفَ السُّرَّاقِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي،.
وَنَرْجُو لِلْمُحْسِنِ وَنَخَافُ عَلَى الْمُسِيءِ (وَلَا نَشْهَدُ) بِجَنَّةٍ أَوْ نَارٍ (إلَّا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الثَّنَاءِ أَوْ الْإِسَاءَةِ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: الْأَكْثَرَ، وَأَنَّهُ الْأَكْثَرُ دِيَانَةً، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: وَلَوْ لَمْ تَكُنْ أَفْعَالُ الْمَيِّتِ مُوَافِقَةً لِقَوْلِهِمْ وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ عَلَامَةً مُسْتَقِلَّةً ا هـ.
وَمَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ وَوُجِدَ عَلَيْهِ عَلَامَةُ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ أَقْلَفَ بِدَارِنَا لَا بِدَارِ حَرْبٍ وَلَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ سَعِيدٍ يُسْتَدَلُّ بِثِيَابٍ وَخِتَانٍ.

.(فَصْلٌ فِي الْكَفَنِ):

وَتَقَدَّمَ أَنَّ تَكْفِينَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُحْرِمِ «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» (يَجِبُ كَفْنُ الْمَيِّتِ) فِي مَالِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ، وَلِأَنَّ حَاجَةَ الْمَيِّتِ مُقَدَّمَةٌ فِي مَالِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ، بِدَلِيلِ قَضَاءِ دَيْنِهِ.
(وَ) تَجِبُ (مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ) أَيْ: الْمَيِّتِ بِمَعْرُوفٍ قِيَاسًا عَلَى الْكَفَنِ (غَيْرَ حُنُوطٍ وَطِيبٍ) كَمَا وَرَدَ وَعُودٌ لِلْكَفَنِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ كَحَالِ الْحَيَاةِ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ وَقَوْلُهُ (فِي مَالِهِ) أَيْ: الْمَيِّتِ مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ لِمَا تَقَدَّمَ (لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْمَيِّتِ) فَلَا يَسْقُطُ لَوْ أَوْصَى أَنْ لَا يُكَفَّنَ، لِمَا فِيهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ (ذَكَرًا كَانَ) الْمَيِّتُ (أَوْ أُثْنَى) أَوْ خُنْثَى صَغِيرًا، كَانَ أَوْ كَبِيرًا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا (ثَوْبٌ) بَدَلٌ مِنْ كَفَنٍ، أَوْ خَبَرٌ لِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَالْوَاجِبُ (ثَوْبٌ وَاحِدٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ) لِأَنَّ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ يُجْزِئُ فِي سَتْرِهَا ثَوْبٌ وَاحِدٌ.
فَكَفَنُ الْمَيِّتِ أَوْلَى (فَلَوْ أَوْصَى بِأَقَلِّ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ (لَمْ تُسْمَعْ وَصِيَّتُهُ) لِتَضَمُّنِهَا إسْقَاطُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى (وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَصِفَ الْبَشَرَةَ) لِأَنَّ مَا يَصِفُهَا غَيْرُ سَاتِرٍ، فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَيَجِبُ) أَنْ يُكَفَّنَ فِي (مَلْبُوسِ مِثْلِهِ فِي الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ) لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِتَحْسِينِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ (مَا لَمْ يُوصِ بِدُونِهِ) فَتُتَّبَعُ وَصِيَّتُهُ، لِإِسْقَاطِهِ حَقِّهِ مِمَّا زَادَ (مُقَدَّمًا هُوَ) أَيْ: الْكَفَنُ (وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ عَلَى دَيْنٍ، وَلَوْ بِرَهْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ) وَلَوْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِرَقَبَةِ الْجَانِي (وَوَصِيَّةٍ وَمِيرَاثٍ وَغَيْرِهِمَا) لِأَنَّ الْمُفْلِسَ يُقَدَّمُ بِالْكِسْوَةِ عَلَى الدَّيْنِ فَكَذَا الْمَيِّتُ، إذَا قُدِّمَ عَلَى الدَّيْنِ فَعَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى.
(وَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ إلَّا مَا فَضُلَ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ) مِنْ كَفَنٍ وَمُؤْنَةِ تَجْهِيزٍ وَقَضَاءِ دَيْنٍ وَلَوْ لِلَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ».
(وَإِنْ أَوْصَى) أَنْ يُكَفَّنَ (فِي أَثْوَابٍ ثَمِينَةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ تَصِحُّ) الْوَصِيَّةُ، لِأَنَّهَا بِمَكْرُوهٍ (وَالْجَدِيدُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَتِيقِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِ الشَّارِعِ، بِتَحْسِينِهِ (مَا لَمْ يُوصِ بِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْجَدِيدِ فَيُمْتَثَلُ، لِمَا رُوِيَ عَنْ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ كَفِّنُونِي فِي ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ، فَإِنَّ الْحَيَّ أَحْوَجُ إلَى الْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ، وَإِنَّهُمَا لِلْمُهْلَةِ وَالتُّرَابِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ.
(وَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْدَادِ الْكَفَنِ، لِحَلٍّ أَوْ لِعِبَادَةٍ فِيهِ قِيلَ لِأَحْمَدَ: يُصَلَّى فِيهِ ثُمَّ يَغْسِلْهُ وَيَضَعُهُ لِكَفَنِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) لِمَا فِيهِ مِنْ أَثَرِ الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ.
(وَيَجِبُ كَفَنُ الرَّقِيقِ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (عَلَى مَالِكِهِ) كَنَفَقَتِهِ حَالَ الْحَيَاةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ) بِأَنْ لَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا أَوْ تَلِفَ قَبْلَ أَنْ يُجَهَّزَ (فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُهُ حَالَ الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ.
(وَكَذَلِكَ دَفْنُهُ) كَفَنُ امْرَأَتِهِ أَيْ: مُؤْنَتُهُ (وَمَا لَا بُدَّ لِلْمَيِّتِ مِنْهُ) كَحَمْلِهِ وَسَائِرِ تَجْهِيزِهِ (إلَّا الزَّوْجَ) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَنُ امْرَأَتِهِ وَلَا مُؤْنَةَ تَجْهِيزِهَا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ وَجَبَا فِي النِّكَاحِ لِلتَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَلِهَذَا تَسْقُط بِالنُّشُوزِ وَالْبَيْنُونَةِ وَقَدْ انْقَطَعَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ فَأَشْبَهْت الْأَجْنَبِيَّةَ وَفَارَقَتْ الرَّقِيقَ فَإِنَّ نَفَقَتَهُ تَجِبُ بِحَقِّ الْمِلْكِ لَا بِالِانْتِفَاعِ.
وَلِهَذَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْآبِقِ وَفِطْرَتُهُ فَتُكَفَّنُ الزَّوْجَةُ مِنْ مَالِهَا إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً مِنْ قَرِيبٍ وَمَوْلَى (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَجَبَ كَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ (مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، إنْ كَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا) كَنَفَقَتِهِ إذَنْ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَإِنْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَثَوْبٌ وَفِي الزَّائِدِ لِلْكَمَالِ وَجْهَانِ وَيَتَوَجَّهُ ثَوْبٌ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الْأَكْفَانِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَخَرَجَ الْكَافِرُ وَلَوْ ذِمِّيًّا فَلَا يُكَفَّنُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ إنَّمَا أُوجِبَتْ عِصْمَتُهُمْ فَلَا نُؤْذِيهِمْ لَا إرْفَاقهمْ (ثُمَّ) إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ الْمَالِ، أَوْ مَكَانٌ وَتَعَذَّرَ الْأَخْذُ مِنْهُ، فَكَفَنُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ (عَلَى مُسْلِمٍ عَالِمٍ بِهِ) أَيْ: بِالْمَيِّتِ كَنَفَقَةِ الْحَيِّ وَكِسْوَتِهِ.

.ما يكره في الكفن:

(وَيُكْرَهُ) التَّكْفِينُ (فِي رَقِيقٍ يَحْكِي هَيْئَةَ الْبَدَنِ) لِرِقَّتِهِ، وَلَوْ لَمْ يَصِفْ الْبَشَرَةَ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا يُكْرَهُ لِلْحَيِّ لُبْسُهُ.
(وَ) يُكْرَهُ التَّكْفِينُ أَيْضًا (بِشَعْرٍ وَصُوفٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ فِعْلِ السَّلَفِ.
(وَ) يُكْرَهُ التَّكْفِينُ (بِمُزَعْفَرٍ وَمُعَصْفَرٍ وَلَوْ لِامْرَأَةٍ حَتَّى الْمَنْقُوشِ قُطْنًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) لِأَنَّهُ غَيْرُ لَاحِقٍ بِحَالِ الْمَيِّتِ (وَيَحْرُمُ بِجُلُودِ) «لِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَزْعِ الْجُلُودِ عَنْ الشُّهَدَاءِ، وَأَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمْ» (وَ).