فصل: (الثَّانِي) مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ) مَا يُوجِبُ (الْغُسْلَ وَمَا يُسَنُّ لَهُ):

الْغُسْلُ (وَ) بَابُ (صِفَتِهِ) أَيْ: الْغُسْلِ، وَمَا يُمْنَعُ مِنْهُ مَنْ لَزِمَهُ الْغُسْلُ، وَمَسَائِلُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ وَالْحَمَّامِ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: غَسَلْتُ الشَّيْءَ غَسْلًا بِالْفَتْحِ، وَالِاسْمُ الْغُسْلُ بِالضَّمِّ، وَبِالْكَسْرِ مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ عِيَاضٌ: بِالْفَتْحِ الْمَاءُ، وَبِالضَّمِّ الْفِعْلُ.
وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ بِالضَّمِّ الِاغْتِسَالُ، وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ بَرِّيٍّ أَنَّ غَسْلَ الْجَنَابَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ (وَهُوَ) أَيْ: الْغُسْلُ شَرْعًا (اسْتِعْمَالُ مَاءٍ) خَرَجَ التَّيَمُّمُ (طَهُورٍ) لَا طَاهِرٍ (فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ) خَرَجَ الْوُضُوءُ (عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) يَأْتِي كَيْفِيَّتُهُ، بِأَنْ يَكُونَ بِنِيَّةٍ وَتَسْمِيَةٍ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}.
يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ، وَرَجُلَانِ جُنُبٌ، وَرِجَالٌ جُنُبٌ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَقَدْ يُقَالُ: جُنُبَانِ وَجُنُبُونَ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَنَحْنُ جُنُبَانِ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَقْرُب مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ، وَقِيلَ: لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ حَتَّى يَتَطَهَّرَ، وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَاءَ جَانَبَ مَحَلَّهُ، وَالْأَحَادِيثُ مَشْهُورَةٌ بِذَلِكَ وَيَأْتِي بَعْضُهَا فِي مَحَالِّهِ (وَمُوجِبُهُ) أَيْ: الْحَدَثُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ (سِتَّةُ) أَشْيَاءَ، أَيُّهَا وُجِدَ كَانَ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ.

.(أَحَدُهَا: خُرُوجُ الْمَنِيِّ):

وَهُوَ الْمَاءُ الْغَلِيظُ الدَّافِقُ يَخْرُجُ عِنْدَ اشْتِدَادِ الشَّهْوَةِ، وَمَنِيُّ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ (مِنْ مَخْرَجِهِ) فَإِنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ، وَحُكْمُهُ كَالنَّجَاسَةِ الْمُعْتَادَةِ.
(وَلَوْ) كَانَ الْمَنِيُّ (دَمًا) أَيْ: أَحْمَرَ كَالدَّمِ، لِقُصُورِ الشَّهْوَةِ عَنْ قَصْرِهِ (دَفْقًا بِلَذَّةٍ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَاضِخًا فَلَا تَغْتَسِلْ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالْفَضْخُ: هُوَ خُرُوجُهُ بِالْغَلَبَةِ، قَالَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ (فَإِنْ خَرَجَ) الْمَاءُ (لِغَيْرِ ذَلِكَ) كَمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ كَسْرِ ظَهْرٍ (مِنْ غَيْرِ نَائِمٍ وَنَحْوِهِ) كَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ (لَمْ يُوجِبْ) غُسْلًا لِمَا تَقَدَّمَ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ نَجِسًا وَلَيْسَ مَذْيًا، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
(وَإِنْ انْتَبَهَ بَالِغٌ، أَوْ مَنْ يُمْكِنُ بُلُوغُهُ كَابْنِ عَشْرٍ) وَبِنْتِ تِسْعٍ مِنْ نَوْمٍ وَنَحْوِهِ (وَوَجَدَ بَلَلًا) بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ (جَهِلَ كَوْنَهُ مَنِيًّا، بِلَا سَبَبٍ تَقَدَّمَ نَوْمَهُ، مِنْ بَرْدٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ انْتِشَارٍ وَجَبَ الْغُسْلُ، كَتَيَقُّنِهِ مَنِيًّا وَغَسَلَ مَا أَصَابَهُ مِنْ بَدَنٍ وَثَوْبٍ) احْتِيَاطًا.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَا يَجِبُ انْتَهَى، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِيجَابِ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ، كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْمِثَالِ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَنِيًّا أَوْ مَذْيًا، وَلَا سَبَبَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يُرَجَّحُ بِهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ (وَإِنْ تَقَدَّمَ نَوْمَهُ سَبَبٌ مِنْ بَرْدٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ أَوْ مُلَاعَبَةٍ أَوْ انْتِشَارٍ) لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ لِعَدَمِ يَقِينِ الْحَدَثِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ مِنْ ثَوْبٍ وَبَدَنٍ، لِرُجْحَانِ كَوْنِهِ مَذْيًا، بِقِيَامِ سَبَبِهِ إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ كَمَا لَوْ وَجَدَ فِي نَوْمِهِ حُلْمًا، فَإِنَّا نُوجِبُ الْغُسْلَ عَلَيْهِ لِرُجْحَانِ كَوْنِهِ مَنِيًّا، بِقِيَامِ سَبَبِهِ.
وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ لَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ وَلَا الْبَدَنِ جَمِيعًا لِتَرَدُّدِ الْأَمْرِ فِيهِمَا، نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الطَّبَقَاتِ.
وَقَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الرَّجُلَيْنِ إذَا وَجَدَا عَلَى فِرَاشِهِمَا مَنِيًّا، وَلَمْ يَعْلَمَا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالِهِ فِي الثَّوْبِ؛ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِذَلِكَ حُصُولَ الْمُفْسِدِ لِصَلَاتِهِ، وَهُوَ إمَّا الْجَنَابَةُ وَإِمَّا النَّجَاسَةُ (أَوْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ: الْبَلَلَ (مَذْيًا لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ) بَلْ يُغْسَلُ مَا أَصَابَهُ وُجُوبًا.
(وَلَا يَجِبُ) الْغُسْلُ (بِحُلْمٍ بِلَا بَلَلٍ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ (فَإِنْ انْتَبَهَ) مَنْ احْتَلَمَ (ثُمَّ خَرَجَ) الْمَنِيُّ (إذَنْ وَجَبَ) الْغُسْلُ مِنْ حِينِ الِاحْتِلَامِ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ قَدْ اُنْتُقِلَ حِينَهُ.
تَتِمَّةٌ قَالَ فِي الْهَدْيِ نَقْلًا عَنْ ابْنِ مَاسَوَيْهِ: مَنْ احْتَلَمَ فَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى وَطِئَ أَهْلَهُ، فَوَلَدَتْ مَجْنُونًا أَوْ مُخْتَلًّا فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ.
(وَإِنْ وَجَدَ مَنِيًّا فِي ثَوْبٍ لَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ) قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ: لَا بِظَاهِرِهِ، لِجَوَازِهِ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ فِيمَا يَظْهَرُ (فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) لِوُجُودِ مُوجِبِهِ (وَإِعَادَةُ الْمُتَيَقَّنِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ) أَيْ: الْمَنِيُّ (فِيهِ) أَيْ: الثَّوْبِ قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعِيدُ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّاهُ بَعْدَ وُجُودِ الْمَنِيِّ، وَمَا شَكَّ فِيهِ لَا يُعِيدُهُ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْأَوْلَى إعَادَةُ صَلَوَاتِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَمَا يَصِلُ بِهِ الْيَقِينُ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ إذَا تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ يُعِيدُ، وَنَصُّهُ: حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَتَهُ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: بَعْدَ ظَنِّهِ نَجَاسَتَهُ قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: الْفَرْقُ أَنَّ الْمَنِيَّ الْأَصْلُ عَدَمُهُ، فَيَكُونُ فِي وَقْتِ الشَّكِّ كَالْمَعْدُومِ، بِخِلَافِ مَا إذَا تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ، فَإِنَّهُ فِي وَقْتِ الشَّكِّ قَدْ شَكَّ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ رَفْعِهِ فَيَكُونُ الْحَدَثُ فِي وَقْتِ الشَّكِّ كَالْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَإِنْ كَانَ يَنَامُ هُوَ) أَيْ: مَنْ وَجَدَ الْمَنِيَّ فِي الثَّوْبِ.
(وَغَيْرُهُ فِيهِ) أَيْ: فِي ذَلِكَ الثَّوْبِ الَّذِي وُجِدَ بِهِ الْمَنِيُّ (وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الِاحْتِلَامِ، فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِمَا)؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَيَقِّنٌ مِنْ الطَّهَارَةِ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ (وَمِثْلُهُ) فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِمَا: (إنْ سُمِعَ صَوْتٌ أَوْ شُمَّ رِيحٌ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا تُعْلَمُ عَيْنُهُ لَمْ تَجِبْ الطَّهَارَةُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) بِعَيْنِهِ، لِعَدَمِ تَيَقُّنهِ الْحَدَثَ.
(وَلَا يَأْثَمُ أَحَدُهُمَا) وَحْدَهُ، وَلَا مَعَ غَيْرِهِ (بِالْآخَرِ) لِتَحَقُّقِ الْمُفْسِدِ وَهُوَ إمَّا حَدَثُهُ وَإِمَّا حَدَثُ إمَامِهِ (وَلَا يُصَافُّهُ) أَيْ: لَا يُصَافُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (وَحْدَهُ) لِتَحَقُّقِ الْمُفْسِدِ؛ إذْ صَلَاةُ الْفَذِّ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَمَا يَأْتِي فَإِنْ صَافَّهُ مَعَ غَيْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا لِزَوَالِ الْفَذِّيَّةِ (فِيهِمَا) أَيْ: فِي مَسْأَلَةِ وُجْدَانِ الْمَنِيِّ فِي الثَّوْبِ، وَمَسْأَلَةِ سَمَاعِ الصَّوْتِ أَوْ شَمِّ الرِّيحِ مِنْ أَحَدِهِمَا (وَكَذَا كُلُّ اثْنَيْنِ تَيَقَّنَ مُوجِبُ الطَّهَارَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ كَرَجُلَيْنِ) أَوْ.
امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَةٍ (لِمَسِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ فَرْجَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ)؛ لِأَنَّ أَحَدَ الْفَرْجَيْنِ أَصْلِيٌّ فَانْتَقَضَ وُضُوءُ لَامِسِهِ فَإِنْ مَسَّ لِشَهْوَةٍ مِثْلِ مَا لِلَّامِسِ مِنْهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ يَقِينًا وَتَقَدَّمَ.
قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ: وَإِنْ أَرَادَا ذَلِكَ، أَيْ: أَنْ يُصَلِّيَا جَمَاعَةً أَوْ أَنْ يَكُونَا صَفًّا وَحْدَهُمَا تَوَضَّأَ ثُمَّ فَعَلَا ذَلِكَ لِيَزُولَ الِاعْتِقَادُ الَّذِي أَبْطَلْنَا صَلَاتَهُمَا مِنْ أَجْلِهِ وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَحْدَثَ مِنْهُمَا هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ (وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَطَهَّرَا) فِيمَا تَقَدَّمَ مُطْلَقًا لِيَخْرُجَا مِنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ.
(وَإِنْ أَحَسَّ) رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ (بِانْتِقَالِ الْمَنِيِّ فَحَبَسَهُ، فَلَمْ يَخْرُجْ وَجَبَ الْغُسْلُ، كَخُرُوجِهِ)؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَصْلُهَا الْبُعْدُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} أَيْ: الْبَعِيدِ، وَمَعَ الِانْتِقَالِ قَدْ بَاعَدَ الْمَاءُ مَحَلَّهُ فَصَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْجُنُبِ وَإِنَاطَةً لِلْحُكْمِ بِالشَّهْوَةِ وَتَعْلِيقًا لَهُ عَلَى الْمَظِنَّةِ، إذْ بَعْدَ انْتِقَالِهِ يَبْعُدُ عَدَمُ خُرُوجِهِ، وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ يَرْجِعُ.
(وَيَثْبُتُ بِهِ) أَيْ: بِانْتِقَالِ الْمَنِيِّ (حُكْمُ بُلُوغٍ) كَمَا يَثْبُتُ بِخُرُوجِهِ (وَ) يَثْبُتْ بِهِ حُكْمُ (فِطْرٍ) مِنْ صَوْمٍ مِمَّنْ قَبَّلَ أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ لِشَهْوَةٍ وَنَحْوِهِ، لَا مِمَّنْ احْتَلَمَ، كَخُرُوجِهِ (وَغَيْرِهِمَا) كَوُجُوبِ بَدَنَةٍ فِي الْحَجِّ حَيْثُ وَجَبَتْ لِخُرُوجِ الْمَنِيِّ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: كَفَسَادِ نُسُكٍ وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ: الْتِزَامًا وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِ النُّسُكِ بِخُرُوجِهِ بِالْمُبَاشَرَةِ (وَكَذَا انْتِقَالُ حَيْضٍ قَالَهُ) الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَيَثْبُتُ بِهِ مَا يَثْبُتُ بِخُرُوجِهِ (فَإِنْ خَرَجَ الْمَنِيُّ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنْ انْتِقَالِهِ) لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ.
(أَوْ) خَرَجَ الْمَنِيُّ (بَعْدَ غُسْلِهِ مِنْ جِمَاعٍ لَمْ يُنْزِلْ فِيهِ) بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ (أَوْ خَرَجَتْ بَقِيَّةُ مَنِيٍّ اغْتَسَلَ لَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجُنُبِ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ بَعْدَ الْغُسْلِ؟ قَالَ: يَتَوَضَّأُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ وَلِأَنَّهُ مَنِيٌّ وَاحِدٌ فَأَوْجَبَ غُسْلًا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ خَرَجَ دَفْقَةً وَاحِدَةً، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَشْبَهَ الْخَارِجَ لِبَرْدٍ، وَبِهِ عَلَّلَ أَحْمَدُ قَالَ: لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مَاضِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَثٌ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ الْوُضُوءُ.
(وَلَوْ) انْتَقَلَ الْمَنِيُّ (ثُمَّ خَرَجَ إلَى قُلْفَةِ الْأَقْلَفِ، أَوْ) إلَى (فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَجَبَ) الْغُسْلُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِالِانْتِقَالِ.
(وَلَوْ خَرَجَ مَنِيُّهُ مِنْ فَرْجِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنِيَّهَا (وَيَكْفِي الْوُضُوءُ، وَإِنْ دَبَّ مَنِيُّهُ) أَيْ: الرَّجُلِ فَدَخَلَ فَرْجَهَا ثُمَّ خَرَجَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا أَوْ دَبَّ إلَى فَرْجِهَا (مَنِيُّ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِسِحَاقٍ، فَدَخَلَ فَرْجَهَا) ثُمَّ خَرَجَ (فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا بِدُونِ إنْزَالٍ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنِيًّا خَارِجًا مِنْ مَخْرَجِهِ دَفْقًا بِلَذَّةٍ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا وَجَبَ جَبْرًا لِلْبَدَنِ لِكَوْنِهِ يَنْقُصُ بِهِ مِنْهُ جُزْءٌ لِخُرُوجِهِ مِنْ جَمِيعِهِ؛ لِكَوْنِ الْحَيَوَانِ يُخْلَقُ مِنْهُ وَلِكَوْنِهِ يَنْقُصُ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ وَلِهَذَا يَضْعُفُ بِكَثْرَتِهِ.
تَنْبِيهٌ:
مَحَلُّ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ: إذَا لَمْ يَصِرْ سَلَسًا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ فَقَطْ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: يُمْكِنُ مَنْعُ كَوْنِ هَذَا مَنِيًّا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْغُسْلَ كَالْوُضُوءِ سَبَبُ وُجُوبِهِ الْحَدَثُ.

.(الثَّانِي) مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ:

(تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ أَوْ قَدْرِهَا إنْ فُقِدَتْ بِلَا حَائِلٍ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» زَادَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَمَنْسُوخٌ بِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: «إنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةٌ رَخَّصَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْتِقَائِهِمَا، تَقَابُلُهُمَا وَتَحَاذِيهِمَا.
فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ (قُبُلًا كَانَ) الْفَرْجُ (أَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ، وَلَوْ مُكْرَهًا أَوْ) مِنْ (بَهِيمَةٍ حَتَّى سَمَكَةٍ وَطَيْرٍ)؛ لِأَنَّهُ إيلَاجٌ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ، أَشْبَهَ الْآدَمِيَّةَ (حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ بِذَلِكَ حَرَارَةً خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ.
(وَلَوْ كَانَ) ذُو الْحَشَفَةِ الْأَصْلِيَّةِ (مَجْنُونًا أَوْ نَائِمًا) أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ (بِأَنْ أَدْخَلَتْهَا فِي فَرْجِهَا، فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ) وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ (كَهِيَ) أَيْ: كَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجَامَعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ مَجْنُونَةً أَوْ نَائِمَةً أَوْ مُغْمًى عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الطَّهَارَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَصْدُ، كَسَبْقِ الْحَدَثِ.
(وَإِنْ اسْتَدْخَلَتْهَا) أَيْ: الْحَشَفَةَ الْأَصْلِيَّةَ (مِنْ مَيِّتٍ أَوْ) مِنْ (بَهِيمَةٍ وَجَبَ عَلَيْهَا) الْغُسْلُ (دُونَ الْمَيِّتِ، فَلَا يُعَادُ غُسْلُهُ) لِذَلِكَ، وَلَا فَرْقَ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ، فَلَوْ مَكَثَ زَمَانًا يُصَلِّي وَلَمْ يَغْتَسِلْ احْتَاطَ فِي الصَّلَاةِ، وَيُعِيدُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا اشْتَهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ، فَلَمْ يُعْذَرْ فِيهِ بِالْجَهْلِ (وَيُعَادُ غُسْلُ الْمَيِّتَةِ الْمَوْطُوءَةِ) قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ:: وَمَنْ وُطِئَ بَعْدَ غُسْلِهِ أُعِيدَ غُسْلُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَاخْتَارَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَيَجِبُ الْغُسْلُ بِالْجِمَاعِ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ كَانَ الْمُجَامِعُ غَيْرَ بَالِغٍ نَصًّا، فَاعِلًا وَمَفْعُولًا) إنْ كَانَ (يُجَامِعُ مِثْلَهُ كَابْنَةِ تِسْعٍ، وَابْنِ عَشْرٍ) قَالَ الْإِمَامُ: يَجِبُ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا وَطِئَ وَالصَّغِيرَةِ إذَا وُطِئَتْ، مُسْتَدِلًّا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ (فَيَلْزَمُهُ) أَيْ: ابْنَ عَشْرٍ وَبِنْتَ تِسْعٍ (غُسْلٌ وَوُضُوءٌ بِمُوجِبَاتِهِ، إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ) فَقَطْ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ (أَوْ) عَلَى (وُضُوءٍ) كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ (لِغَيْرِ لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ) فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ إذَا أَرَادَهُ وَيَكْفِيهِ الْوُضُوءُ كَالْمُكَلَّفِ وَيَأْتِي، وَمَثَلُ مَسْأَلَةِ الْغُسْلِ إلْزَامُهُ بِاسْتِجْمَارٍ وَنَحْوِهِ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَلَيْسَ مَعْنَى وُجُوبِ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ: التَّأْثِيمُ بِتَرْكِهِ، بَلْ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ أَوْ الطَّوَافِ، أَوْ لِإِبَاحَةِ مَسِّ الْمُصْحَفِ، أَوْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ.
(أَوْ مَاتَ) الصَّغِيرُ (شَهِيدًا) بَعْدَ الْجِمَاعِ (قَبْلَ غُسْلِهِ) فَيُغْسَلُ، لِوُجُوبِهِ قَبْلَهُ، كَمَا لَوْ مَاتَ غَيْرَ شَهِيدٍ (وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ) أَيْ: الصَّغِيرِ (بِغُسْلِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ) فَلَا يَجِبُ إعَادَتُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ، لِصِحَّةِ غُسْلِهِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرُهَا وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ ثُمَّ أَخَذَ يُصَرِّحُ بِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ فَقَالَ: (وَلَا يَجِبُ غُسْلٌ بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ) بِلَا إنْزَالٍ (وَلَا بِإِيلَاجٍ بِحَائِلٍ، مِثْلَ إنْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً، أَوْ أَدْخَلَهُ فِي كِيسٍ) بِلَا إنْزَالٍ.
(وَلَا بِوَطْءٍ دُونَ الْفَرْجِ مِنْ غَيْرِ إنْزَالٍ) وَلَا انْتِقَالٍ لِعَدَمِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ (وَلَا بِالْتِصَاقٍ) أَيْ: تَمَاسِّ (خِتَانَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ إيلَاجٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ (وَلَا سِحَاقَ) وَهُوَ إتْيَانُ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ (بِلَا إنْزَالٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا بِإِيلَاجِ فِي غَيْرِ أَصْلِيٍّ) أَوْ بِغَيْرِ أَصْلِيٍّ (كَإِيلَاجِ رَجُلٍ فِي قُبُلِ الْخُنْثَى) الْمُتَّضِحِ الذُّكُورِيَّةِ أَوْ الْمُشْكِلِ، بِلَا إنْزَالٍ لِعَدَمِ الْفَرْجِ الْأَصْلِيِّ بِيَقِينٍ.
(أَوْ إيلَاجِ الْخُنْثَى) الْوَاضِحِ الْأُنُوثَةِ، أَوْ الْمُشْكِلِ (ذَكَرَهُ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ بِلَا إنْزَالٍ) لِعَدَمِ تَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ الْأَصْلِيَّةِ بِيَقِينٍ (وَكَذَا لَوْ وَطِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ الْمُشْكِلَيْنِ الْآخَرَ بِالذَّكَرِ فِي الْقُبُلِ) لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِمَا، أَوْ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا (أَوْ) وَطِئَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُنْثَيَيْنِ الْآخَرَ بِالذَّكَرِ فِي (الدُّبُرِ) لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الذَّكَرَيْنِ.
(وَإِنْ تَوَاطَأَ رَجُلٌ وَخُنْثَى فِي دُبُرَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا الْغُسْلُ)؛ لِأَنَّ دُبُرَ الْخُنْثَى أَصْلِيٌّ قَطْعًا وَقَدْ وُجِدَ تَغْيِيبُ حَشَفَةِ الرَّجُلِ فِيهِ (وَإِنْ وَطِئَ الْخُنْثَى بِذَكَرِهِ امْرَأَةً وَجَامَعَهُ) أَيْ: ذَلِكَ الْخُنْثَى (رَجُلٌ فِي قُبُلِهِ فَعَلَى الْخُنْثَى الْغُسْلُ)؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَقَدْ غَيَّبَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ جُومِعَتْ فِي قُبُلِهَا الْأَصْلِيِّ.
(وَأَمَّا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فَيَلْزَمُ أَحَدَهُمَا الْغُسْلُ، لَا بِعَيْنِهِ)؛ لِأَنَّ الْخُنْثَى لَا يَخْلُو عَنْ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَوْ يَكُونَ أُنْثَى، فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الرَّجُلِ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَطَهَّرَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، أَوْ يُصَافَّهُ وَحْدَهُ اغْتَسَلَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ الْمُنْتَهَى.
(وَلَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ: بِي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِي، كَالرَّجُلِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ).
وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَا غُسْلَ لِعَدَمِ الْإِيلَاجِ وَالِاحْتِلَامِ ذَكَرَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي قَوْله تَعَالَى {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنِّيَّ يَغْشَى الْمَرْأَةَ كَالْإِنْسِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْغَشَيَانِ الْإِيلَاجُ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إيلَاجُهُ عَنْ مُلَابَسَتِهِ بِبَدَنِهِ خَاصَّةً انْتَهَى قُلْتُ:
وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: لَوْ قَالَ رَجُلٌ: بِي جِنِّيَّةٌ أُجَامِعُهَا كَالْمَرْأَةِ، فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ.
(وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ كَالْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَطْءِ الْكَامِلِ) مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْبَدَنَةِ فِي الْحَجِّ، وَإِفْسَادِ النُّسُكِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ، وَتَقَرُّرِ الصَّدَاقِ، وَالْخُرُوجِ مِنْ الْفَيْئَةِ فِي الْإِيلَاءِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا يَأْتِي فِي أَبْوَابِهِ (وَجَمَعَهَا بَعْضُهُمْ فَبَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةِ) حُكْمٍ (إلَّا ثَمَانِيَةَ أَحْكَامٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي تُحْفَةِ الْوَدُودِ فِي أَحْكَامِ الْمَوْلُودِ) وَمَنْ تَتَبَّعَ مَا يَأْتِي يَظْفَرْ بِأَكْثَرِهَا.

.الثَّالِثُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ:

(إسْلَامُ الْكَافِرِ، وَلَوْ مُرْتَدًّا أَوْ مُمَيِّزًا) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ أَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اذْهَبُوا بِهِ إلَى حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَمُرُوهُ أَنْ يَغْتَسِلَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْعُمَرِيِّ وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا. «وَعَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ جَنَابَةٍ فَأُقِيمَتْ الْمَظِنَّةُ مُقَامَ الْحَقِيقَةِ، كَالنَّوْمِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ.
وَلِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُسَاوٍ لِلْأَصْلِيِّ فِي الْمَعْنَى وَهُوَ الْإِسْلَامُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ (سَوَاءٌ وُجِدَ مِنْهُ فِي كُفْرِهِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ) مِنْ نَحْوِ جِمَاعٍ أَوْ إنْزَالٍ (أَوْ لَا وَسَوَاءٌ اغْتَسَلَ قَبْلَ إسْلَامِهِ أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحَالُ لَوَجَبَ الِاسْتِفْصَالُ (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ: الَّذِي أَسْلَمَ (غُسْلٌ) آخَرُ (بِسَبَبِ حَدَثٍ وُجِدَ مِنْهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ بَلْ يَكْفِيهِ غُسْلُ الْإِسْلَامِ) سَوَاءٌ نَوَى الْكُلَّ، أَوْ نَوَى غُسْلَ الْإِسْلَامِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فِيمَا إذَا اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ تُوجِبُ وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا (وَوَقْتُ وُجُوبِهِ) أَيْ: غُسْلِ الْإِسْلَامِ (عَلَى الْمُمَيِّزِ) إذَا أَسْلَمَ (كَوَقْتِ وُجُوبِهِ عَلَى الْمُمَيِّزِ الْمُسْلِمِ إذَا جَامَعَ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ لِغَيْرِ لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ أَوْ مَاتَ شَهِيدًا.
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ، أَيْ: الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ إلَّا إذَا وُجِدَ فِي حَالِ كُفْرِهِ مَا يُوجِبُهُ، فَيَجِبُ (إلَّا حَائِضًا وَنُفَسَاءَ كِتَابِيَّتَيْنِ، إذَا اغْتَسَلَتَا لِوَطْءِ زَوْجٍ) مُسْلِمٍ (أَوْ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ) انْتَهَى بِالْمَعْنَى (ثُمَّ أَسْلَمَتَا فَلَا يَلْزَمُهُمَا إعَادَةُ الْغُسْلِ) لِصِحَّتِهِ مِنْهُمَا، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ لِلْعُذْرِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اغْتَسَلَ الْكَافِرُ لِجَنَابَةٍ ثُمَّ أَسْلَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ، لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُ.
وَهَذَا كَمَا عَلِمْتَ مُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفُهُ لِئَلَّا يُوهِمَ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْإِنْصَافِ وَقَدْ تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ (وَيَحْرُمُ تَأَخُّرُ إسْلَامٍ لِغُسْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ.
(وَلَوْ اسْتَشَارَ) كَافِرٌ (مُسْلِمًا) فِي الْإِسْلَامِ (فَأَشَارَ بِعَدَمِ إسْلَامِهِ) لَمْ يَجُزْ (أَوْ أَخَّرَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ) لَهُ ذَلِكَ (وَلَمْ يَصِرْ) الْمُسْلِمُ (مُرْتَدًّا) خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّتِمَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَرَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ.