فصل: (بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ):

(وَهُوَ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (فِعْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ) إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ (أَوْ) فِعْلُ (وَلِيِّهِ) أَيْ وَارِثِهِ إنْ كَانَتْ عَلَى النَّفْسِ (بِجَانٍ عَامِدٍ مِثْلَ مَا فَعَلَ) الْجَانِي (أَوْ شِبْهِهِ) أَيْ شِبْهِ فِعْلِ الْجَانِي (وَلَهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقُّهُ مُكَلَّفًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ تَكْلِيفِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا تَصَرُّفُهُ (فَإِنْ كَانَ) مُسْتَحَقَّ الْقِصَاصِ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجُزْ) لِآخَرَ (اسْتِيفَاؤُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَ) حَتَّى (يَعْقِلَ الْمَجْنُونُ) لِأَنَّ فِيهِ حَظًّا لِلْقَاتِلِ بِتَأْخِيرِ قَتْلِهِ وَحَظًّا لِلْمُسْتَحِقِّ بِإِيصَالِهِ إلَى حَقِّهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَ نَفْسِهِ وَمَنْفَعَتِهِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ النَّفْسِ لِعَارِضٍ بَقِيَ إتْلَافُ الْمَنْفَعَةِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ حَبَسَ مُعَاوِيَةُ هُدْبَةَ بْنَ خَشْرَمٍ فِي قَوَدٍ حَتَّى بَلَغَ ابْنُ الْقَتِيلِ فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ وَكَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ.
(وَلَيْسَ لِأَبِيهِمَا) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (اسْتِيفَاؤُهُ) لَهُمَا (كَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ) لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّشَفِّي وَتَرْكُ الْغَيْظِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاسْتِيفَاءِ الْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَائِهِ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهَا إذَا تَعَيَّنَتْ وَالْقِصَاصَ لَا يَتَعَيَّنُ (فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى نَفَقَةٍ فَلِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ دُونَ وَلِيِّ الصَّغِيرِ نَصَّا) لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ فِي حَالَةٍ مُعْتَادَةٍ يُنْتَظَرُ فِيهَا إفَاقَتُهُ وَرُجُوعُ عَقْلِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ مَا فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ مَاتَا) أَيْ: الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ (قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ قَامَ وَارِثُهُمَا مَقَامَهُمَا فِيهِ) أَيْ: فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا فَانْتَقَلَ بِمَوْتِهِمَا إلَى وَارِثِهِمَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِمَا، (وَإِنْ قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ (قَهْرًا) سَقَطَ حَقُّهُمَا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَيْنَ حَقِّهِ فَسَقَطَ الْحَقُّ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ لَهُمَا وَدِيعَةٌ عِنْدَ شَخْصٍ فَأَتْلَفَاهَا (أَوْ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ دِيَتَهُ بِالْعَبْدِ سَقَطَ حَقُّهُمَا) وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ دَيْنِهِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلَمْ يَكُنْ إلَّا سُقُوطُهُ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي اتِّفَاقُ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهُ) أَيْ: الْقِصَاصِ (عَلَى اسْتِيفَائِهِ) لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ فَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ (وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمْ اسْتِيفَاؤُهُ دُونَ بَعْضٍ) لِأَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ، أَشْبَهَ الدَّيْنَ (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمْ الْقِصَاصَ بِدُونِ إذْنِ الْبَاقِي (فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا يَسْتَحِقُّ بَعْضَهَا فَلَمْ يَجِبْ قَتْلُهُ بِهَا، لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تُؤْخَذُ بِبَعْضِ نَفْسٍ، وَلِأَنَّهُ مُشَارِكٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْقَتْلِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَوَدٌ كَالشَّرِيكِ فِي الْجَارِيَةِ إذَا وَطِئَهَا وَيُفَارِقُ مَا إذَا قَتَلَ الْجَمَاعَةُ وَاحِدًا فَإِنَّا لَمْ نُوجِبْ الْقِصَاصَ بِقَتْلِ بَعْضِ النَّفْسِ (وَلِشُرَكَائِهِ فِي تَرِكَةِ الْجَانَّيْ حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ) لِأَنَّ حَقَّهُمْ مِنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ مَاتَ الْقَاتِلُ (وَتَرْجِعُ وَرَثَةُ الْجَانِي عَلَى الْمُقْتَصِّ بِمَا فَوْقَ حَقِّهِ) مِنْ الدِّيَةِ.
(فَلَوْ كَانَ الْجَانِي أَقَلَّ دِيَةً مِنْ قَاتِلِهِ مِثْلُ امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا لَهُ ابْنَانِ قَتَلَهَا أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ) الِابْنِ (الْآخَرِ فَلِلْآخَرِ نِصْفُ دِيَةِ أَبِيهِ فِي تَرِكَةِ الْمَرْأَةِ) الَّتِي قَتَلَتْهُ كَمَا لَوْ مَاتَتْ (وَتَرْجِعُ وَرَثَتُهَا بِنِصْفِ دِيَتِهَا عَلَى قَاتِلِهَا) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سِوَى نِصْفِ دَمِهَا وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ (وَهُوَ) أَيْ: نِصْفُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ (رُبْعُ دِيَةِ الرَّجُلِ) لِأَنَّ دِيَةَ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ كَمَا يَأْتِي (وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةُ عَنْ الْقِصَاصِ (وَكَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ عَفَوْهُ) بِأَنْ كَانَ مُكَلَّفًا (وَلَوْ) كَانَ الْعَفْوُ (إلَى الدِّيَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ) رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ لِأَنَّ الْقِصَاصُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لَا يَتَبَعَّضُ مَبْنَاهُ عَلَى الدَّرْءِ وَالْإِسْقَاطِ فَإِذَا أَسْقَطَ بَعْضُهُمْ حَقَّهُ سَرَى إلَى الْبَاقِي كَالْعِتْقِ (وَإِنْ كَانَ الْعَافِي) عَلَى الْقِصَاصِ (زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً) لِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ: «إنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَتَلَ قَتِيلًا فَجَاءَ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَتْ امْرَأَةُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ أُخْتُ الْقَاتِلِ: عَفَوْتُ عَنْ حَقِّي فَقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ عَتَقَ الْقَتِيلُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لِأَنَّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقَوَدَ كَمَا يَأْتِي.
(وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ (وَلَوْ مَعَ فِسْقِهِ بِعَفْوِ بَعْضِهِمْ) فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الْجَمِيعِ مِنْ الْقِصَاصِ لِكَوْنِ شَهَادَتِهِ إقْرَارًا بِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ (وَلِلْبَاقِي) الَّذِينَ لَمْ يَعْفُوا (حَقُّهُمْ مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي) سَوَاءٌ عَفَا مُطْلَقًا أَوْ إلَى الدِّيَةِ لِأَنَّ حَقَّهُ مِنْ الْقِصَاصِ سَقَطَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَثَبَتَ لَهُ الْبَدَلُ كَمَا لَوْ وَرِثَ بَعْضَ دَمِهِ أَوْ مَاتَ (فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاقُونَ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ وَ) عَالِمِينَ (بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ فَعَلَيْهِمْ الْقَوَدُ حَكَمَ بِالْعَفْوِ حَاكِمٌ أَوْ لَا)؛ لِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ عَمْدًا عُدْوَانًا أَشْبَهَ مَا قَتَلُوهُ ابْتِدَاء (وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ) وَبِسُقُوطِ الْقِصَاصِ (فَلَا قَوَدَ) عَلَيْهِمْ (وَلَوْ كَانَ قَدْ حُكِمَ بِالْعَفْوِ) لِأَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِذَلِكَ شُبْهَةٌ دَرَأَتْ الْقَوَدَ كَالْوَكِيلِ إذَا قَتَلَهُ بَعْدَ الْعَفْوِ وَقَبْلَ الْعِلْمِ بِهِ (وَعَلَيْهِمْ) أَيْ الْقَاتِلِينَ (دِيَتُهُ) لِأَنَّ الْقَتْلَ قَدْ تَعَذَّرَ وَالدِّيَةَ بَدَلُهُ، (وَسَوَاءٌ كَانَ الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ أَوْ) كَانَ بَعْضُهُمْ حَاضِرًا وَ(بَعْضُهُمْ غَائِبًا) لِاسْتِوَائِهِمْ مَعْنًى، (فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الْعَافِي فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ)، وَلَوْ ادَّعَى نِسْيَانَهُ أَوْ جَوَازَهُ، (وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ) أَيْ: الْوَرَثَةِ (غَائِبًا انْتَظَرَ قُدُومَهُ وُجُوبًا) لِأَنَّهُ حَقٌّ مُشْتَرَكٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْمَقْتُولُ عَبْدًا مُشْتَرَكًا.
(وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَقْدَمَ) الْغَائِبُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (وَكُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنْ الْمَالِ حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ فَيَسْتَحِقُّهُ الْوَارِثُ مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثِهِ، أَشْبَهَ الْمَالَ، وَالْأَحْسَنُ رَفْعُ الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ عَطْفًا عَلَى كُلُّ، وَعَلَى عِبَارَةِ الْمُصَنَّفِ تَبَعًا لِلْمُقْنِعِ تَكُونُ حَتَّى حَرْفَ جَرٍّ لِانْتِهَاءِ الْغَايَةِ أَيْ كُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الْقِصَاصَ يَنْتَهِي ذَلِكَ إلَى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ (وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَوَلِيُّهُ الْإِمَامُ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ (إنْ شَاءَ اقْتَصَّ) لِأَنَّ بِنَا حَاجَةً إلَى عِصْمَةِ الدِّمَاءِ فَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَقُتِلَ (وَإِنْ شَاءَ عَفَا إلَى دِيَةٍ كَامِلَةٍ) فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَرَى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ (وَلَيْسَ لَهُ الْعَفْوُ مَجَّانًا) وَلَا عَلَى أَقَلَّ مِنْ دِيَةٍ لِأَنَّهَا لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ.
(وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ فَعَفَا عَنْهُمْ) وَرَثَتُهُ (إلَى الدِّيَةِ فَعَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ عَفَا عَنْ بَعْضِهِمْ فَعَلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ قِسْطُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الدِّيَةِ بَدَلَ الْمَحَلِّ وَهُوَ وَاحِدٌ فَتَكُونُ دِيَتُهُ وَاحِدَةً سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ وَأَمَّا الْقِصَاصُ فَهُوَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْفِعْلِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ أَنْ يُؤْمَنَ فِي الِاسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ الْجَانِي) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} وَإِذَا أَفْضَى إلَى التَّعَدِّي فَفِيهِ إسْرَافٌ.
(فَلَوْ وَجَبَ الْقَوَدُ أَوْ الرَّجْمُ عَلَى حَامِلٍ أَوْ عَلَى حَائِلٍ وَ) حَمَلَتْ بَعْدَ وُجُوبِهِ (لَمْ تُقْتَلْ حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ وَتَسْقِيَهُ اللَّبَأَ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ قَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ عَمْدًا فَلَا تُقْتَلُ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا إنْ كَانَتْ حَامِلًا وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدَهَا، وَإِنْ زَنَتْ لَمْ تُرْجَمْ حَتَّى تَضَعَ مَا فِي بَطْنِهَا، وَحَتَّى تَكْفُلَ وَلَدهَا» وَلِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَتْلُهُ حَرَامٌ، وَالْوَلَدُ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ اللِّبَأِ ضَرَرًا كَثِيرًا، وَقَالَ فِي الْكَافِي: لَا يَعِيشُ إلَّا بِهِ (ثُمَّ إنْ وَجَدَ مَنْ يُرْضِعُهُ مُرْضِعَةً رَاتِبَةً قُتِلَتْ)؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَ قَتْلِهَا إنَّمَا كَانَ لِلْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ.
(وَإِنْ وَجَدَ مُرْضِعَاتٍ غَيْرَ رَوَاتِبَ، أَوْ) وَجَدَ (لَبَنَ شَاةٍ وَنَحْوِهَا لِيَسْقِيَ مِنْهُ رَاتِبًا جَازَ قَتْلُهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ إذَنْ التَّلَفُ (وَيُسْتَحَبُّ لِوَلِيِّ الْقَتْلِ تَأْخِيرُهُ) حِينَئِذٍ (إلَى الْفِطَامِ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْوَلَدِ بِذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْوَلَدِ (مَنْ يُرْضِعُهُ تُرِكَتْ حَتَّى تُرْضِعَهُ حَوْلَيْنِ ثُمَّ تَقْطَعُهُ) لِلْخَبَرِ وَالْمَعْنَى لِأَنَّ الْقَتْلَ إذَا أُخِّرَ مِنْ أَجْلِ حِفْظِ الْحَمْلِ فَلَأَنْ يُؤَخَّرَ مِنْ أَجْلِ حِفْظِ الْوَلَدِ أَوْلَى (وَلَا تُجْلَدُ) الْحَامِلُ (فِي الْحَدِّ) حَتَّى تَضَعَ (وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ حَتَّى تَضَعَ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ التَّعَدِّي إلَى تَلَفِ الْوَلَدِ أَشْبَهَ الِاقْتِصَاصَ فِي النَّفْسِ بَلْ يُقَادُ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى.
(قَالَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) حَتَّى تَضَعَ (وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ) قَالَ فِي الْمُبْدِع وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَإِذَا أَوَضَعَتْ الْوَلَدَ وَانْقَطَعَ النِّفَاسُ وَكَانَتْ قَوِيَّةً يَوْمَ تَلَفِهَا وَلَا يُخَافُ عَلَى الْوَلَدِ الضَّرَرُ مِنْ تَأَثُّرِ اللَّبَنِ أُقِيمَ عَلَيْهَا الْحَدُّ مِنْ قَطْعِ الطَّرَفِ وَالْجِلْدِ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَإِنْ كَانَتْ فِي نِفَاسِهَا أَوْ ضَعِيفَةً يُخَافُ تَلَفُهَا لَمْ يُقَمْ عَلَيْهَا حَتَّى تَطْهُرَ وَتَقْوَى) دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا بِالْوَضْعِ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ قَبْلَ سَقْيِ اللَّبَنِ (وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحُدُودِ) بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا.
(وَإِنْ ادَّعَتْ مِنْ وُجِدَ عَلَيْهَا الْقِصَاصُ الْحَمْلَ قُبِلَ مِنْهَا إنْ أَمْكَنَ) لِأَنَّ لِلْحَمْلِ أَمَارَاتٌ خَفِيَّةٌ تَعْلَمُهَا مِنْ نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا لَوَجَبَ أَنْ يُحْتَاطَ لَهُ كَالْحَيْضِ (وَتُحْبَسُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا) احْتِيَاطًا لِمَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ (وَلَا تُحْبَسُ لِحَدٍّ) يَعْنِي لَوْ ادَّعَتْ مِنْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدُّ أَنَّهَا حَامِلٌ قُبِلَ مِنْهَا إنْ أَمْكَنَ وَلَمْ تُحْبَسْ.
(وَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْ حَامِلٍ فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَضَعْهُ) وَلَمْ تَتَيَقَّنْهُ حَمْلًا (لَكِنْ مَاتَتْ عَلَى مَا بِهَا مِنْ انْتِفَاخِ الْبَطْنِ وَأَمَارَةِ الْحَمْلِ فَلَا ضَمَانَ فِي حَقِّ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَا يُتَحَقَّقُ أَنَّ الِانْتِفَاخَ حَمْلٌ) فَلَا تُوجَبُ بِالشَّكِّ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ) أَيْ الْجَنِينَ (حَيًّا فَعَاشَ فَلَا كَلَامَ) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُقْتَصِّ لَكِنْ يُؤَدِّبُ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ حَيًّا وَبَقِيَ) الْوَلَدُ (خَاضِعًا ذَلِيلًا زَمَانًا يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ إذَا كَانَ وَضْعُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ مِثْلَهُ) وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ (وَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا فِي وَقْتٍ لَا يَعِيشُ) فِيهِ (مِثْلُهُ) وَهُوَ مَا دُونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ (فَفِيهِ غُرَّةٌ) عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ كَمَا يَأْتِي فِي الْجَنِينِ (وَالضَّمَانُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْ أُمِّهِ) لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَالْحَاكِمُ الَّذِي مَكَّنَهُ مُتَسَبِّبٌ وَإِنْ عَلِمَ الْحَاكِمُ دُونَ الْوَلِيِّ فَالضَّمَانُ عَلَى الْحَاكِمِ وَحْدَهُ، كَالسَّيِّدِ إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ الْأَعْجَمِيَّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ وَيَكُونُ وُجُوبُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْغُرَّةِ (مَعَ الْكَفَّارَةِ) عَلَى الْمُقْتَصِّ لِأَنَّهُ قَاتِلُ نَفْسٍ.
(فَصْلٌ وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ وَلَوْ فِي النَّفْسِ إلَّا بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وُجُوبًا) لِأَنَّهُ يُفْتَقَرُ إلَى اجْتِهَادِهِ وَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ مَعَ قَصْدِ التَّشَفِّي (فَلَوْ خَالَفَ) الْوَلِيُّ (وَفَعَلَ) أَيْ اقْتَصَّ بِغَيْرِ حَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ (وَقَعَ الْمُوقَعُ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ (وَلَهُ) أَيْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ (تَعْزِيرُهُ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى السُّلْطَانِ.
وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ لَا يُعَزِّرُهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ كَالْمَالِ (وَيُسْتَحَبُّ إحْضَارُ شَاهِدَيْنِ) عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ لِئَلَّا يُنْكِرَهُ الْمُقْتَصُّ (وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْآلَةُ) الَّتِي يُسْتَوْفَى بِهَا الْقِصَاصُ (مَاضِيَةً) لِحَدِيثِ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» (وَعَلَى الْإِمَامِ تَفَقُّدُهَا) أَيْ آلَةِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ مِنْهَا مَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِيفَاءُ بِهِ (فَإِنْ كَانَتْ) الْآلَةُ (كَالَّةً أَوْ مَسْمُومَةً مَنَعَهُ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِهَا) لِخَبَرِ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادٍ وَلِئَلَّا يُعَذَّبَ الْمَقْتُولُ وَلِأَنَّ الْمَسْمُومَةَ تُفْسِدُ الْبَدَن وَرُبَّمَا مَنَعَتْ غَسَلَهُ (فَإِنْ عَجَّلَ الْوَلِيُّ) وَاسْتَوْفَى (بِهَا) أَيْ بِالْآلَةِ الْكَالَّةِ أَوْ الْمَسْمُومَةِ (عُزِّرَ) لِفِعْلِهِ مَا لَا يَجُوزُ.
(وَ) يَنْظُرُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ فِي الْوَلِيِّ (إنْ كَانَ الْوَلِيُّ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ بِالْقُوَّةِ وَالْمَعْرِفَةِ مَكَّنَهُ مِنْهُ الْإِمَامُ وَخَيَّرَهُ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْكِيلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «آتَاهُ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ فَقَالَ إنَّ هَذَا قَتَلَ أَخِي فَاعْتَرَفَ بِقَتْلِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْوَلِيُّ الِاسْتِيفَاءَ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ (أَمَرَهُ بِالتَّوْكِيلِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِيفَائِهِ فَيُوَكِّلُ فِيهِ مَنْ يُحْسِنُهُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ.
(فَإِنْ ادَّعَى) الْوَلِيُّ (الْمَعْرِفَةَ فَأَمْكَنَهُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (فَضَرَبَ بِعُنُقِهِ فَأَبَانَهُ فَقَدْ اُسْتُوْفِيَ) الْقِصَاصُ (وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَ الْعُنُقِ وَأَقَرَّ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ عُزِّرَ) لِفِعْلِهِ مَا لَا يَجُوزُ (فَإِنْ قَالَ) الْوَلِيُّ (أَخْطَأْتُ وَكَانَتْ الضَّرْبَةُ قَرِيبًا مِنْ الْعُنُقِ كَالرَّأْسِ وَالْمَنْكِبِ قَبْلَ قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ (وَإِنْ كَانَ) الضَّرْبُ (بَعِيدًا) عَنْ الْعُنُقِ (كَالْوَسَطِ وَالرِّجْلَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ) لِقَوْلِ الْوَلِيِّ إنَّهُ أَخْطَأَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (ثُمَّ إنْ أَرَادَ) الْوَلِيُّ الْعَوْدَ لِلِاسْتِيفَاءِ (لَمْ يُمْكِنْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ) فَيُوَكَّل مَنْ يُحْسِنْهُ.
(وَإِنْ احْتَاجَ الْوَكِيلُ إلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الْجَانِي كَالْحَدِّ) لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ لِإِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ فَكَانَتْ لَازِمَةً لَهُ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رَجُلٌ يَسْتَوْفِي الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ فَعَلَى الْجَانِي لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْجَانِي التَّمْكِينُ لَا الْفِعْلُ (وَ) لِهَذَا (إنْ بَاشَرَ الْوَلِيُّ الِاسْتِيفَاءَ فَلَا أُجْرَة لَهُ) عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ.
(وَيَجُوزُ اقْتِصَاصُ جَانٍ مِنْ نَفْسِهِ بِرِضَا الْوَلِيِّ) وَيَكُونُ نَائِبًا عَنْهُ كَالْأَجْنَبِيِّ (وَلَوْ أَقَامَ) الْمَحْدُودُ (حَدَّ زِنًا) عَلَى نَفْسِهِ (أَوْ) حَدَّ قَذْفٍ عَلَى نَفْسِهِ (أَوْ قَطَعَ سَرِقَةً عَلَى نَفْسِهِ بِإِذْنٍ سَقَطَ قَطْعُ السَّرِقَةِ فَقَطْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ قَطْعُ الْعُضْوِ الْوَاجِبِ قَطْعُهُ بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَالْقَذْفِ لِعَدَمِ حُصُولِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ بِجَلْدِهِ نَفْسِهِ وَلَهُ خَتْنُ نَفْسِهِ إنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَأَحْسَنَهُ نَصًّا لِأَنَّهُ يَسِيرٌ.
(وَإِنْ كَانَ) الْحَقُّ فِي (الِاسْتِيفَاءِ لِجَمَاعَةٍ) بِأَنْ كَانَ الْوَارِثُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَلَّاهُ جَمِيعُهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْجَانِي وَتَعَدُّدِ أَفْعَالِهِمْ (وَأُمِرُوا بِتَوْكِيلِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ) لِيَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ لَهُمْ (فَإِنْ تَشَاحُّوا وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْسِنُ الِاسْتِيفَاءَ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمْ كَمَا لَوْ تَشَاحُّوا فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِمْ (لَكِنْ لَا يَجُوزُ) لِمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ (الِاسْتِيفَاءُ حَتَّى يُوَكِّلَهُ الْبَاقُونَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ (فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى التَّوْكِيلِ مُنِعَ الِاسْتِيفَاءُ حَتَّى يُوَكِّلُوا) وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى إذَا تَشَاحُّوا أَمَرَ الْإِمَامُ مَنْ شَاءَ بِاسْتِيفَائِهِ.
(فَصْلٌ وَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إلَّا بِالسَّيْفِ فِي الْعُنُقِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ بِهِ) أَيْ السَّيْفِ (أَوْ بِمُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ) أَيْ ذَاتِهِ (كَسِحْرٍ وَتَجْرِيعِ خَمْرٍ وَلِوَاطٍ أَوْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ وَتَغْرِيقٍ أَوْ تَحْرِيقٍ أَوْ هَدْمِ) حَائِطٍ عَلَيْهِ (أَوْ حَبْسٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَوْضَحَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ عَادَ فَضَرَبَ بِعُنُقِهِ قَبْلَ الْبُرْءِ أَوْ أَجَافَهُ) بِأَنْ جَرَحَهُ جُرْحًا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ فَمَاتَ (أَوْ أَمَّهُ) أَيْ جَنَى عَلَيْهِ آمَّةً وَهِيَ مَا تَصِلُ إلَى جِلْدَةِ الدِّمَاغِ فَمَاتَ (أَوْ قَطَعَ يَدًا نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ أَوْ شَلَّاءَ أَوْ زَائِدَةً فَمَاتَ) (أَوْ) جَنَى (جِنَايَةً غَيْرَ ذَلِكَ) عَلَيْهِ (فَمَاتَ) لِعُمُومِ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِجَيِّدٍ (وَيَدْخُلُ قَوَدُ الْعُضْوِ فِي قَوَدِ النَّفْسِ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَدٌّ بَدَلَ النَّفْسِ فَدَخَلَ الطَّرَفُ فِي حُكْمِ الْجُمْلَةِ كَالْيَدِ.
(وَلَا يُفْعَلُ بِهِ) أَيْ بِالْمُقْتَصِّ مِنْهُ (كَمَا فَعَلَ إذَا كَانَ الْقَتْلُ بِغَيْرِ السَّيْفِ) لِلنَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةُ تَعْذِيبٍ (فَإِنْ فَعَلَ) الْوَلِيُّ بِهِ كَمَا فَعَلَ (فَقَدْ أَسَاءَ) بِالْمُخَالَفَةِ (وَلَمْ يَضْمَنْ) شَيْئًا كَمَا لَوْ اُسْتُوْفِيَ بِآلَةٍ كَالَّةٍ (فَإِنْ ضَرَبَهُ) الْوَلِيُّ (بِالسَّيْفِ فَلَمْ يَمُتْ كَرَّرَ عَلَيْهِ) الضَّرْبَ (حَتَّى يَمُوتَ) لِيَحْصُلَ الِاسْتِيفَاءُ.
(وَلَا يَجُوزُ) اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ (بِسِكِّينٍ) لِأَنَّ السَّيْفَ أَوْحَى (وَلَا) يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (فِي طَرَفٍ إلَّا بِهَا) أَيْ بِسِكِّينٍ لِئَلَّا تُحِيفَ، وَذَكَرَ فِي الِانْتِصَارِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الرَّجْمَ بِحَجَرٍ لَا يَجُوزُ بِسَيْفٍ (وَيَأْتِي فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إلَّا بِسِكِّينٍ، وَبَيَانُ كَيْفِيَّةِ اسْتِيفَائِهِ.
(وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ أَيْضًا عَلَى مَا أَتَى بِهِ) الْجَانِي (وَلَا قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ أَطْرَافِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ قَطَعَ الْوَلِيُّ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ (فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ عُقُوبَةٌ تُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَهِيَ هُنَا مُتَحَقِّقَةٌ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِإِتْلَافِ الطَّرَفِ ضِمْنًا لِاسْتِحْقَاقِ إتْلَافِ الْجُمْلَةِ (وَيَجِبُ فِيهِ) أَيْ الزَّائِدِ (دِيَتُهُ) أَيْ دِيَةُ ذَلِكَ الزَّائِدِ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِالتَّعَدِّي سَوَاءٌ عَفَا عَنْهُ الْوَلِيُّ (أَوْ قَتَلَهُ) لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ إتْلَافِ الطَّرَفِ مَوْجُودٌ فِي حَالَتَيْ الْعَفْوِ وَالْقَتْلِ (وَإِنْ زَادَ) الْمُقْتَصُّ (فِي الِاسْتِيفَاءِ مِنْ الطَّرَفِ مِثْلَ أَنْ يَسْتَحِقَّ قَطْعَ أُصْبُعٍ فَيَقْطَعَ اثْنَيْنِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَاطِعِ ابْتِدَاءً إنْ كَانَ) الْقَطْعُ (عَمْدًا مِنْ مَفْصِلٍ) وَجَبَ الْقِصَاصُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ (أَوْ) زَادَ الْمُقْتَصُّ عَمْدًا فِي (شَجَّةٍ يَجِبُ فِي مِثْلِهَا الْقِصَاصُ) وَهِيَ الْمُوضِحَةُ (فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الزِّيَادَةِ) لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ.
(وَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ (خَطَأً أَوْ) كَانَ (جُرْحًا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ مِثْلَ مَنْ يَسْتَحِقُّ مُوضِحَةً فَاسْتَوْفَى هَاشِمَةً فَعَلَيْهِ أَرْشُ الزِّيَادَةِ) كَالْجَانِي ابْتِدَاءً (إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ) الْحَاصِلُ زِيَادَةً (بِسَبَبٍ مِنْ الْجَانِي) الْمُقْتَصِّ مِنْهُ (كَاضْطِرَابِهِ حَالَ الِاسْتِيفَاءِ) مِنْهُ (فَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُقْتَصِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيِّ الْمُقْتَصُّ وَالْمُقْتَصُّ مِنْهُ (عَلَى فِعْلِهِ) أَيْ قَطْعِ الزَّائِدِ وَنَحْوِهِ (عَمْدًا أَوْ خَطَأً) فَقَوْلُ الْمُقْتَصِّ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ (أَوْ قَالَ الْمُقْتَصُّ حَصَلَ هَذَا بِاضْطِرَابِك أَوْ) بِفِعْلٍ (مِنْ جِهَتِكَ) وَقَالَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ بَلْ بِجِنَايَتِكَ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُقْتَصِّ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ.
(وَإِنْ قَطَعَ) الْجَانِي (يَدَهُ فَقَطَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رِجْلَ الْجَانِي لَزِمَهُ) أَيْ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ (دِيَةُ رِجْلِهِ) لِأَنَّ الْجَانِيَ لَمْ يَقْطَعْهَا (وَإِنْ سَرَى الِاسْتِيفَاءُ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ الزِّيَادَةُ إلَى نَفْسِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ أَوْ) سَرَى (إلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ مِثْلَ أَنْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَسَرَى إلَى جَمِيعِ يَدِهِ أَوْ اقْتَصَّ مِنْهُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ) بِآلَةٍ (مَسْمُومَةٍ) فَسَرَى (أَوْ) اقْتَصَّ مِنْهُ (فِي حَالِ حَرٍّ مُفْرِطٍ أَوْ) فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ فَسَرَى فَعَلَى الْمُقْتَصِّ (نِصْفُ الدِّيَةِ) وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ يَلْزَمُهُ بَقِيَّةُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِفِعْلٍ جَائِزٍ وَمُحَرَّمٍ.
(قَالَ الْقَاضِي كَمَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ جُرْحًا فِي رِدَّتِهِ وَجُرْحًا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَمَاتَ مِنْهُمَا) أَيْ مَنْ الْجُرْحَيْنِ.
(وَإِنْ قَطَعَ الْجَانِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَرِئَتْ الْجِرَاحُ مِثْلَ أَنْ قَطَعَ) الْجَانِي (يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَبَرِئَتْ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ) الْجَانِي (فَقَدْ اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْقَطْعِ) بِالْبُرْءِ (وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ) وَهُوَ وَارِثُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (الْخِيَارُ) بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ فَإِنْ (شَاءَ عَفَا وَأَخَذَ ثَلَاثَ دِيَاتٍ): دِيَةً لِلْيَدَيْنِ وَدِيَةً لِلرِّجْلَيْنِ وَدِيَةً لِلنَّفْسِ (وَإِنْ شَاءَ) الْوَلِيُّ (قَتَلَهُ وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ): دِيَةً لِلْيَدَيْنِ وَدِيَةً لِلرِّجْلَيْنِ (وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَأَخَذَ دِيَةَ نَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ) الْوَلِيُّ (قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ) الْوَلِيُّ (قَطَعَ طَرَفًا وَاحِدًا) مِنْ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ (وَأَخَذَ دِيَةَ الْبَاقِي) وَهُوَ دِيَتَانِ وَنِصْفٌ لِأَنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا فَهِيَ كَالْمُتَّحِدَةِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي انْدِمَالِ الْجُرْحِ قَبْلَ الْقَتْلِ وَكَانَتْ الْمُدَّةُ بَيْنَهُمَا يَسِيرَةً لَا يُحْتَمَلُ انْدِمَالُهُ فِي مِثْلِهَا) عَادَةً (فَقَوْلُ الْجَانِي) فِي عَدَمِهِ (بِغَيْرِ يَمِينٍ) لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهَا) أَيْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَنْدَمِلُ فِيهَا الْجُرْحُ (فَقَوْلُهُ) أَيْ الْجَانِي (أَيْضًا مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِانْدِمَالِ وَعَدَمُ الْمُضِيِّ (وَإِنْ كَانَتْ الْمُدَّةُ) الَّتِي مَضَتْ بَيْنَ الْجَرْحِ وَالْقَتْلِ (مَا يُحْتَمَلُ الْبُرْءُ فِيهَا فَقَوْلُ الْوَلِيِّ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ سُقُوطِ حُكْمِ الْجِنَايَةِ (فَإِنْ كَانَ لِلْجَانَّيْ بَيِّنَةٌ بِبَقَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ضِمْنًا حَتَّى قَتَلَهُ حُكِمَ لَهُ بِبَيِّنَتِهِ) لِعَدَمِ مَا يُعَارِضُهَا (وَإِنْ كَانَتْ) الْبَيِّنَةُ (لِلْوَلِيِّ بِبُرْئِهِ حُكِمَ لَهُ) أَيْ لِلْوَلِيِّ (أَيْضًا) بِبَيِّنَتِهِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهَا (فَإِنْ تَعَارَضَتَا) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ (قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَلِيِّ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ لِلْبُرْءِ) وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي (وَإِنْ ظَنَّ وَلِيُّ دَمٍ أَنَّهُ اقْتَصَّ فِي النَّفْسِ فَلَمْ يَكُنْ، وَدَاوَاهُ) أَيْ الْجَانِي (أَهْلُهُ حَتَّى بَرِئَ فَإِنْ شَاءَ الْوَلِيُّ دَفَعَ إلَيْهِ دِيَةَ فِعْلِهِ) الَّذِي فَعَلَهُ بِهِ، وَقَتَلَهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ الْوَلِيُّ ذَلِكَ (تَرَكَهُ) وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا قَضَاءُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ.
(فَصْلٌ وَإِنْ قَتَلَ وَاحِدٌ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ أَوْ دَفْعَةً وَاحِدَةً) فَاتَّفَقَ أَوْلِيَاؤُهُمْ عَلَى قَتْلِهِ قُتِلَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ كَمَا لَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبِيدًا خَطَأً فَرَضُوا بِأَخْذِهِ، وَلِأَنَّهُمْ رَضُوا بِبَعْضِ حَقِّهِمْ كَمَا لَوْ رَضِيَ صَاحِبُ الْيَدِ الصَّحِيحَةِ بِالشَّلَّاءِ (وَلَا شَيْءَ لَهُمْ سِوَاهُ) أَيْ سِوَى الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِقَتْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ سِوَاهُ، وَإِنْ طَلَبِ أَحَدُهُمْ الْقِصَاصَ وَالْبَاقُونَ الدِّيَةَ فَلَهُمْ ذَلِكَ (وَإِنْ تَشَاحُّوا فِيمَنْ يَقْتُلُهُ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ أُقِيدَ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَ قَتَلَهُمْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ) لِأَنَّ حَقَّهُ أَسْبَقُ، وَلِأَنَّ الْمَحِلّ صَارَ مُسْتَحَقًّا لَهُ بِالْقَتْلِ (وَلِلْبَاقِينَ) بَعْدَ الْأَوَّلِ (دِيَةُ قَتَلَاهُمْ) لِأَنَّ الْقَتْلَ إذَا فَاتَ تَعَيَّنَتْ الدِّيَةُ (كَمَا لَوْ بَادَرَ غَيْرُ وَلِيِّ الْأَوَّلِ وَاقْتَصَّ) بِجِنَايَتِهِ فَلِلْبَاقِينَ الدِّيَةُ (فَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْأَوَّلِ غَائِبًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا اُنْتُظِرَ) قُدُومُهُ أَوْ بُلُوغُهُ أَوْ عَقْلُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ (وَإِنْ قَتَلَهُمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَتَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ) فَيَقْتُلُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَةُ.
(وَإِنْ بَادَرَ غَيْرُ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ فَقَتَلَهُ) فَقَدْ (اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَسَقَطَ حَقُّ الْبَاقِينَ إلَى الدِّيَةِ) لِفَوَاتِ الْقَتْلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ (وَإِنْ قَتَلَهُمْ مُتَفَرِّقًا) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ (وَأَشْكَلَ الْأَوَّلُ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (الْأَوَّلِيَّةَ وَلَا بَيِّنَةَ) لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ (فَأَقَرَّ الْقَاتِلُ لِأَحَدِهِمْ قُدِّمَ) الْمُقَرُّ لَهُ بِالْأَوَّلِيَّةِ (بِإِقْرَارِهِ) أَيْ الْقَاتِلِ عَلَى نَفْسِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ الْقَاتِلُ بِالْأَوَّلِيَّةِ لِأَحَدِهِمْ (أُقْرِعَ) كَمَا لَوْ قَتَلَهُمْ مَعًا.
(فَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْأَوَّلِ عَنْ الْقَوَدِ قُدِّمَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ الْأَوَّلِ بَعْدَهُ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ إنَّمَا قُدِّمَ عَلَيْهِ بِسَبْقِهِ، وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ لِرِضَاهُ بِالدِّيَةِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَوَّلِيَّةٌ بَعْدَهُ) أَيْ الْعَافِي (أَوْ جُهِلَتْ) الْأَوَّلِيَّةُ بَعْدَهُ (فَبِقُرْعَةٍ) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُهَا (وَإِنْ عَفَا أَوْلِيَاءُ الْجَمِيعِ إلَى الدِّيَاتِ فَلَهُمْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِبَعْضِ حَقِّهِمْ، وَلَا تَتَدَاخَلُ حُقُوقُهُمْ، لِأَنَّهَا حُقُوقٌ مَقْصُودَةٌ لِآدَمِيٍّ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَالدُّيُونِ.
(وَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْقَوَدَ وَ) أَرَادَ (الْآخَرُ الدِّيَةَ قُتِلَ لِمَنْ اخْتَارَ الْقَوَدَ وَأُعْطِيَ الْبَاقُونَ دِيَةَ قَتَلَاهُمْ مِنْ مَالِ الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ، فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ.
(وَإِنْ قَتَلَ) رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً (وَقَطَعَ طَرَفًا مِنْ آخَرَ قُطِعَ طَرَفُهُ أَوَّلًا) لِأَنَّهُ لَوْ بُدِئَ بِالْقَتْلِ لَفَاتَ الْقَطْعُ وَفِيهِ تَفْوِيتٌ لِحَقِّ الْمَقْطُوعِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْقَطْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ حَقَّيْ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ (ثُمَّ قُتِلَ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ بَعْدَ الِانْدِمَالِ) لِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لَهُ (تَقَدَّمَ الْقَتْلُ) عَلَى الْقَطْعِ (أَوْ تَأَخَّرَ) عَنْهُ لِأَنَّهُمَا جِنَايَتَانِ عَلَى شَخْصَيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا كَقَطْعِ يَدِ رَجُلَيْنِ وَلِأَنَّهُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ إسْقَاطُ أَحَدِهِمَا.
(وَإِنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ وَقَتَلَ آخَرَ ثُمَّ سَرَى الْقَطْعُ إلَى نَفْسِ الْمَقْطُوعِ فَمَاتَ، فَهُوَ قَاتِلٌ لَهُمَا) لِأَنَّ سِرَايَةَ الْعَمْدِ مَضْمُونَةٌ (فَإِنْ تَشَاحَّا فِي الِاسْتِيفَاءِ قُتِلَ بِاَلَّذِي قَتَلَهُ) لِسَبْقِهِ وَتَأَخُّرِ السِّرَايَةِ (وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِلْمَقْتُولِ بِالسِّرَايَةِ وَلَمْ يُقْطَعْ طَرَفُهُ) لِأَنَّهُ قَطْعٌ صَارَ قَتْلًا.
(وَإِنْ قَطَعَ يَدَ وَاحِدٍ وَأُصْبُعَ آخَرَ مِنْ يَدٍ نَظِيرَتُهَا قُدِّمَ رَبُّ الْيَدِ إنْ كَانَ أَوَّلًا لِسَبْقِهِ) وَلِلْآخَرِ دِيَةُ أُصْبُعِهِ (لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ) فِيهِ (وَمَعَ أَوَّلِيَّتِهِ) بِأَنْ كَانَ قَطَعَ الْأُصْبُعَ أَوَّلًا (تُقْطَعُ أُصْبُعُهُ ثُمَّ يَقْتَصُّ رَبُّ الْيَدِ بِلَا أَرْشٍ) لِأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ فِي عَفْوٍ وَاحِدٍ بَيْنَ قِصَاصٍ وَدِيَةِ النَّفْسِ، وَهَذَا بِخِلَافِ النَّفْسِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْقُصُ بِقَطْعِ الطَّرَفِ فَقَطْعُهُ لَا يَمْنَعُ التَّكَافُؤَ، بِدَلِيلِ أَخْذِ صَحِيحِ الْأَطْرَافِ بِمَقْطُوعِهَا وَقَطْعُ الْأُصْبُعِ مِنْ الْيَدِ لَا يَمْنَعُ التَّكَافُؤَ فِي الْيَدِ، بِدَلِيلِ أَنَّا لَا نَأْخُذُ الْكَامِلَةَ بِالنَّاقِصَةِ وَاخْتِلَافِ دِيَتِهَا.
(وَإِنْ قَطَعَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ دَفْعَةً أَوْ مُتَفَرِّقًا (فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَتْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ) لِأَنَّ الْقَطْعَ كَالْقَتْلِ فَإِنْ رَضُوا بِقَطْعِ يَدِهِ قُطِعَتْ لَهُمْ وَلَا شَيْءَ لَهُمْ سِوَاهُ، وَإِنْ تَشَاحُّوا بُدِئَ بِالْأَوَّلِ وَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ مَعًا أَوْ جُهِلَ الْأَوَّلُ أُقْرِعَ، وَإِنْ رَضِيَ الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ أُعْطِيهَا وَقُطِعَ لِلْبَاقِينَ (وَإِنْ بَادَرَ بَعْضُهُمْ فَاقْتَصَّ بِجِنَايَتِهِ فِي النَّفْسِ أَوْ الطَّرَفِ فَلِمَنْ بَقِيَ الدِّيَةُ عَلَى الْجَانِي) فِي مَالِهِ وَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ عَمْدٌ مَحْضٌ (وَيَأْتِي إذَا قَتَلَ) خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ (أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ الْحَرَمِ ثُمَّ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ آخِرَ كِتَابِ الْحُدُودِ) مُفَصَّلًا.