فصل: (بَابُ الشِّجَاجُ وَكَسْرُ الْعِظَامِ الشَّجَّةُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ الشِّجَاجُ وَكَسْرُ الْعِظَامِ الشَّجَّةُ):

وَاحِدَةُ الشِّجَاجِ وَهِيَ (اسْمٌ لِجُرْحِ الرَّأْسِ وَجُرْحِ الْوَجْهِ خَاصَّةً) وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْضَاءِ قَالَهُ ابْنُ أَبِي الْفَتْحِ (وَهِيَ عَشْرٌ) بِالِاسْتِقْرَاءِ (خَمْسٌ لَا مُقَدَّرُ فِيهَا) لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مِنْ الشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهَا (أَوَّلُهَا الْحَارِصَةُ) بِالْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (وَهِيَ الَّتِي تَشُقُّ الْجِلْدَ قَلِيلًا أَيْ تُقَشِّرُهُ شَيْئًا يَسِيرًا وَلَا تُدْمِيهِ) وَالْحِرْصُ الشَّقُّ وَمِنْهُ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ قَلِيلًا وَهِيَ الْقَاشِرَةُ وَالْقِشْرَةُ قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: تَبَعًا لِلْقَاضِي وَتُسَمَّى الْمِلْطَاةُ (ثُمَّ) ثَانِيهَا (الْبَازِلَةُ وَتُسَمَّى الدَّامِيَةُ وَالدَّامِعَةُ) لِقِلَّةِ سَيْلَانِ دَمِهَا تَشْبِيهًا لَهُ بِخُرُوجِ الدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ (وَهِيَ الَّتِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ ثُمَّ) ثَالِثُهَا (الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ) أَيْ تَشُقُّهُ (بَعْدَ الْجِلْد ثُمَّ) رَابِعُهَا (الْمُتَلَاحِمَةُ وَهِيَ مَا أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ أَيْ دَخَلَتْ فِيهِ دُخُولًا كَثِيرًا فَوْقَ الْبَاضِعَةِ وَدُونَ السِّمْحَاقِ ثُمَّ) خَامِسُهَا (السِّمْحَاقُ وَهِيَ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ رَقِيقَةٌ) فَوْقَ الْعَظْمِ (تُسَمَّى تِلْكَ الْقِشْرَةُ سِمْحَاقًا وَ) لِذَلِكَ (تُسَمَّى الْجِرَاحُ الْوَاصِلَةُ إلَيْهَا سِمْحَاقًا فَهَذِهِ الْخَمْسُ فِيهَا حُكُومَةٌ) لِأَنَّهَا جِرَاحَاتٌ لَمْ يَرِدْ فِيهَا تَوْقِيتٌ مِنْ الشَّرْعِ أَشْبَهَتْ جِرَاحَاتِ الْبَدَن.
(وَخَمْسٌ) أَيْ مِنْ الشِّجَاجِ (فِيهَا مُقَدَّرٌ أَوَّلُهَا الْمُوضِحَةُ) وَالْوَضَحُ الْبَيَاضُ (وَهِيَ الَّتِي تُوَضِّحُ الْعَظْمَ) أَيْ تُبْدِي بَيَاضَهُ (أَيْ تُبْرِزْهُ وَلَوْ بِقَدْرِ رَأْسِ بِزَّةٍ وَمُوضِحَةُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ سَوَاءٌ) لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ (وَفِيهَا إنْ كَانَتْ مِنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَوْ أُنْثَى خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) لِمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْن حَزْمٍ:
«وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ (وَلَا يُعْتَبَرُ إيضَاحُهَا لِلنَّاظِرِ فَلَوْ أَوْضَحَهُ بِرَأْسِ مِسَلَّةٍ أَوْ) رَأْسِ (إبْرَةٍ وَعَرَفَ وُصُولَهَا إلَى الْعَظْمِ كَانَتْ مُوضِحَةُ) لِأَنَّهَا أَوَضَحَتْ الْعَظْمَ (فَإِنْ عَمَّتْ الرَّأْسَ) وَنَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ فَمُوضِحَتَانِ (أَوْ لَمْ تَعُمُّهُ) أَيْ الرَّأْسَ (وَنَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ فَمُوضِحَتَانِ) لِأَنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي عُضْوَيْنِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسٍ وَنَزَلَ إلَى الْقَفَا.
(وَإِنْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَعَلَيْهِ) أَيْ الْجَانِي (أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ) عَشْرَةُ أَبْعِرَةٍ (فَإِنْ خَرَقَ الْجَانِي مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُوضِحَتَيْنِ صَارَتَا وَاحِدَة (أَوْ ذَهَبَ مَا بَيْنَ) الْمُوضِحَتَيْنِ (بِالسِّرَايَةِ صَارَا مُوضِحَةً وَاحِدَةً) كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ الْكُلُّ مِنْ غَيْر حَاجِزٍ (وَمِثْلُهُ لَوْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ امْرَأَةٍ) حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ (فَعَلَيْهِ ثَلَاثُونَ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ قَطَعَ الرَّابِعَةَ قَبْلَ الْبُرْءِ عَادَ) مَا عَلَيْهِ (إلَى عِشْرِينَ) كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَوْلُهُ: هَكَذَا السُّنَّةُ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا (فِي قَطْعِهَا) أَيْ الْأُصْبُعِ الرَّابِعَةِ بِأَنْ قَالَ الْجَانِي: إنَّهُ قَطَعَهَا أَوْ إنَّهَا ذَهَبَتْ بِالسِّرَايَةِ وَقَالَتْ: بَلْ قَطَعَهَا غَيْرُكَ (فَقَوْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهَا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهَا فَيَلْزَمهُ ثَلَاثُونَ بَعِيرًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلَهَا عَلَى الْغَيْرِ بِلَا بَيِّنَةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ.
وَإِنْ انْدَمَلَتْ الْمُوضِحَتَانِ ثُمَّ أَزَالَ الْجَانِي الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ ثَلَاثِ مَوَاضِحَ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأُولَتَيْنِ بِالِانْدِمَالِ ثُمَّ لَزِمَهُ أَرْشُ الثَّالِثَةِ (وَإِنْ انْدَمَلَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ زَالَ الْحَاجِزُ بِفِعْلِهِ) أَيْ الْجَانِي (أَوْ بِسِرَايَةِ الْأُخْرَى) الَّتِي لَمْ تَنْدَمِلْ (فَمُوضِحَتَانِ) لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَرْشُ الَّتِي انْدَمَلَتْ وَمَا عَدَاهَا مُوضِحَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا غَيْرُهَا (وَإِنْ خَرَقَهُ) أَيْ الْحَاجِزَ بَيْنَ مُوضِحَتَيْنِ (أَجْنَبِيٌّ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي أَرْشُ مُوضِحَةٍ لِأَنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ) فَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِد مِنْهُمَا بِحُكْمِ جِنَايَتِهِ (وَإِنْ أَزَالَهُ) أَيْ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا (الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ مُوضِحَتَيْنِ) لِأَنَّ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ جِنَايَتُهُ فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ شَيْءٌ بِفِعْلِ غَيْرِهِ.
(فَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ خَرَقَهُ) أَيْ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا (فَقَالَ الْجَانِي: أَنَا شَقَقْتُ مَا بَيْنَهُمَا وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ: بَلْ أَنَا) الْخَارِقُ لِمَا بَيْنَهُمَا (أَوْ) قَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِلْجَانِي (أَزَالَهَا آخَرُ سِوَاكَ فَقَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّ سَبَبَ أَرْشِ مُوضِحَتَيْنِ قَدْ وَجَدَ الْجَانِي يَدَّعِي زَوَالَهُ وَالْمَجْرُوحُ يُنْكِرُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (وَإِنْ خَرَقَ الْجَانِي مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ الْمُوضِحَتَيْنِ (فِي الْبَاطِنِ بِأَنْ قَطَعَ اللَّحْمَ الَّذِي بَيْنَهُمَا وَتَرَك الْجِلْدَ الَّذِي فَوْقَهُمَا صَارَا) مُوضِحَةً (وَاحِدَةً) لِاتِّصَالِهِمَا فِي الْبَاطِنِ وَكَذَا لَوْ خَرَقَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ (وَإِنْ خَرَقَهُ) أَيْ الْحَاجِزَ (فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ فَثِنْتَانِ) أَيْ مُوضِحَتَانِ لِعَدَمِ اتِّصَالِهِمَا بَاطِنًا (كَمَا لَوْ جَرَحَهُ جِرَاحًا وَاحِدَةً وَأَوْضَحَهُ فِي طَرَفَيْهَا) أَيْ الْجِرَاحَةَ فَمُوضِحَتَانِ (وَإِنْ شَجَّ جَمِيعَ رَأْسِهِ سِمْحَاقًا إلَّا مَوْضِعًا مِنْهُ أَوْضَحَهُ لَمْ يَلْزَمهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ مُوضِحَةٍ كَمَا لَوْ أَوْضَحَهُ) أَيْ الرَّأْس (كُلَّهُ) أَيْ لِأَنَّهُ لَوْ أَوْضَحَهُ فِي رَأْسِهِ كُلِّهِ لَمْ يَلْزَمهُ سِوَى أَرْشِ مُوضِحَةٍ فَهُنَا أَوْلَى.
(وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّةً بَعْضُهَا هَاشِمَةٌ وَبَاقِيهَا دُونهَا) أَيْ دُون مِنْ الْهَاشِمَةِ مُوضِحَةٌ كَانَتْ أَوْ دُونهَا (لَمْ يَلْزَمهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْشِ هَاشِمَةٍ) كَمَا لَوْ هَشَّمَهُ فِي رَأْسِهِ كُلِّهِ (وَإِنْ كَانَتْ) الشَّجَّةُ (مُنَقِّلَةً وَمَا دُونَهَا أَوْ) كَانَتْ (مَأْمُومَةً وَمَا دُونَهَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُنَقِّلَةُ) فَقَطْ (أَوْ مَأْمُومَةٌ) لِمَا تَقَدَّرَ فِي الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ (ثُمَّ) يَلِي الْمُوضِحَةَ (الْهَاشِمَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ) أَيْ تُبْرِزُهُ (وَتُهَشِّمُهُ) أَيْ تَكْسِرُهُ (وَفِيهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ) رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَيَكُونُ تَوْقِيفًا (فَإِنْ هَشَّمَهُ هَاشِمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَفِيهِمَا عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ عَلَى مَا ذَكَرنَا مِنْ التَّفْصِيل فِي الْمُوضِحَةِ) بِلَا فَرْقٍ.
(وَتَسْتَوِي الْهَاشِمَةُ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ كَالْمُوضِحَةِ) لِأَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلهُمَا (وَإِنْ ضَرَبَهُ بِمُثْقَلٍ فَهَشَّمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوضِحَهُ فَحُكُومَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِهَاشِمَةٍ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فَوَجَبَ فِيهِ حُكُومَةٌ (وَإِنْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ هَشَّمَ الْعَظْمَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَانْضَلَّ الْهَشْمُ فِي الْبَاطِنِ فَ) هُمَا (هَاشِمَتَانِ) فِيهِمَا عِشْرُونَ بَعِيرًا لِأَنَّ الْهَشْمَ إنَّمَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْإِيضَاحِ فَإِذَا كَانَتَا مُوضِحَتَيْنِ كَانَ الْهَشِمُ هَاشِمَتَيْنِ بِخِلَافِ الْمُوضِحَة فَإِنَّهَا لَيْسَتْ تَبَعًا لِغَيْرِهَا فَافْتَرَقَا.
(ثُمَّ) يَلِي الْهَاشِمَةَ (الْمُنَقِّلَةُ وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ) الْعَظْمَ (وَتُهَشِّمُ) الْعَظْمُ (وَتَنْقُلُ عِظَامَهَا بِتَكْسِيرِهَا وَفِيهَا خَمْسُ عَشْرَة مِنْ الْإِبِلِ) بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِر فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الَّذِي كَتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسُ عَشْرَة مِنْ الْإِبِلِ (وَفِي تَفْصِيلِهَا) أَيْ الْمُنَقِّلَةِ (مَا فِي تَفْصِيلِ الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ عَلَى مَا مَضَى) تَوْضِيحُهُ (ثُمَّ) يَلِي الْمُنَقِّلَةَ.
(الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمّ الدِّمَاغِ وَهِيَ) أَيْ أُمُّ الدِّمَاغِ (جِلْدَةٌ فِيهَا الدِّمَاغُ) قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: أُمُّ الرَّأْسِ الْخَرِيطَةُ الَّتِي فِيهَا الدِّمَاغُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَخْرِطُ الدِّمَاغَ وَتَجْمَعهُ (وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَاب عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ:
«فِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِثْلُ ذَلِكَ ثُمَّ يَلِي الْمَأْمُومَةَ الدَّامِغَةُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ (وَفِي الدَّامِغَةِ مَا فِي الْمَأْمُومَةِ) أَيْ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ مِنْ الْمَأْمُومَةِ وَلَا يَسْلَمُ صَاحِبُهَا فِي الْغَالِبِ (وَهِيَ) أَيْ الدَّامِغَةُ (الَّتِي تَخْرِق جِلْدَة الدِّمَاغِ وَإِنْ أَوْضَحَهُ جَانٍ ثُمَّ هَشَّمَهُ ثَانٍ ثُمَّ جَعَلَهَا) أَيْ الشَّجَّةَ الْمَذْكُورَةَ (ثَالِثَ مُنَقِّلَةٍ ثُمَّ) جَعَلَهَا (رَابِعٌ مَأْمُومَةً أَوْ دَامِغَةً فَعَلَى الرَّابِعِ ثَمَانِيَةَ عَشَر وَثَلَاثٌ مِنْ الْإِبِلِ) لِأَنَّهَا تُفَاوِتُ مَا بَيْن الْمُنَقِّلَة وَالْمَأْمُومَة أَوْ الدَّامِغَة (وَعَلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ) لِأَنَّهَا تُفَاوِتُ مَا بَيْنَ اشَّجَّتَيْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(فَصْلٌ وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ:
«وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ» وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَمْدًا أَوْ خَطَأً (وَهِيَ) أَيْ الْجَائِفَةُ (الَّتِي تَصِلُ إلَى بَاطِنِ الْجَوْفِ مِنْ بَطْنٍ أَوْ ظَهْرٍ أَوْ صَدْرٍ أَوْ نَحْرٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَحَلْقٌ وَمَثَانَةٌ وَبَيْنَ خُصْيَتَيْنِ وَدُبُرٌ.
وَفِي الرِّعَايَةِ وَهِيَ مَا وَصَلَ جَوْفًا فِيهِ قُوَّةٌ يُحِيلهُ الْغِذَاءُ مِنْ ظَهْرٍ أَوْ بَطْنٍ وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ الْأَمْعَاءَ أَوْ صَدْرٍ أَوْ نَحْرٍ أَوْ دِمَاغٍ وَإِنْ لَمْ تَخْرِقْ الْخَرِيطَةَ أَوْ مَثَانَةً أَوْ مَا بَيْنَ وِعَاءِ الْخُصْيَتَيْنِ وَالدُّبُرِ (وَإِنْ أَجَافَهُ جَائِفَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَعَلَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ) لِكُلِّ جَائِفَةٍ ثُلُثٌ.
(وَإِنْ خَرَقَ الْجَانِي مَا بَيْنَهُمَا) صَارَا وَاحِدَةً (أَوْ خَرَقَ) مَا بَيْنَهُمَا (بِالسِّرَايَةِ صَارَا جَائِفَةً وَاحِدَةً فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ لَا غَيْرَ) ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُوضِحَةِ (وَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ الْجَائِفَتَيْنِ (أَجْنَبِيٌّ أَوْ) خَرَقَهُ (الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ وَعَلَى الْأَجْنَبِيِّ الثَّانِي ثُلُثُهَا) لِأَنَّ فِعْلَ أَحَدِهِمَا لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَجْنَبِيُّ غَيْرُ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَوَلِيّهِ وَالطَّبِيبِ بِأَمْرِهِ (وَيَسْقُطُ مَا قَابَلَ فِعْلَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) فَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَرْشٌ (وَإِنْ احْتَاجَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (إلَى خَرْقِ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ الْجَائِفَتَيْنِ (لِلْمُدَاوَاةِ فَخَرَقَهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ) خَرَقَهَا (غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ أَوْ) خَرَقَهَا (وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِذَلِكَ) أَيْ لِلْمُدَاوَاةِ (أَوْ) خَرَقَهَا (الطَّبِيبُ بِأَمْرِهِ) أَيْ أَمْرِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُكَلَّفًا أَوْ بِأَمْرِ وَلِيِّ غَيْرِهِ (فَلَا شَيْءَ فِي خَرْقِ الْحَاجِزِ) عَلَى أَحَدٍ (وَعَلَى الْأَوَّلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ) لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ.
(وَإِنْ جَرَحَهُ مِنْ جَانِبٍ فَخَرَجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَجَائِفَتَانِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِسَنَدِهِ إلَى أَبِي بَكْرٍ «أَنَّهُ قَضَى فِي جَائِفَةٍ تَقَذَّتْ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ» وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الْجَائِفَةِ إذَا نَفَذَتْ بِأَرْشِ جَائِفَتَيْنِ» وَكَمَا لَوْ طَعَنَهُ مِنْ جَانِبَيْنِ فَالِقًا وَالِاعْتِبَارُ بِوُصُولِ الْجُرْحِ إلَى الْجَوْفِ وَلَا عِبْرَةَ لِكَيْفِيَّةِ إيصَالِهِ إذْ لَا أَثَرَ لِصُورَةِ الْفِعْلِ مَعَ التَّسَاوِي فِي الْمَعْنَى.
(وَإِنْ خَرَقَ شَدْقَهُ أَوْ) خَرَقَ (أَنْفَهُ فَوَصَلَ إلَى فَمِهِ فَلَيْسَ بِجَائِفَةٍ لِأَنَّ بَاطِنَ الْفَم فِي حُكْمِ الظَّاهِر) لَا الْبَاطِنِ وَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ (وَإِنْ طَعَنَهُ فِي خَدِّهِ فَكَسَرَ الْعَظْمَ وَوَصَلَ إلَى فَمِهِ فَلَيْسَ بِجَائِفَةٍ أَيْضًا) لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ بَاطِنَ الْفَمِ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ (وَعَلَيْهِ دِيَةُ مُنَقِّلَةٍ) خَمْسَةَ عَشَر بَعِيرًا (لِكَسْرِ الْعَظْمِ وَفِيمَا زَادَ) عَلَى كَسْرِ الْعَظْمِ (حُكُومَةٌ) لِمَا نَقَصَ (وَإِنْ جَرَحَهُ فِي ذَكَرِهِ فَوَصَلَ) الْجُرْحُ (إلَى مَجْرَى الْبَوْلِ أَوْ) جَرَحَهُ (فِي جَفْنِهِ فَوَصَلَ) الْجُرْحُ (إلَى بَيْضَةِ عَيْنهِ فَحُكُومَةٌ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِبَاطِنٍ فَلَيْسَ بِجَائِفَةٍ (كَإِدْخَالِهِ إصْبَعَهُ فِي فَرْج بِكْرٍ وَدَاخِلِ عَظْمِ فَخِذِ وَإِنْ جَرَحَهُ فِي وَرِكِهِ فَوَصَلَ الْجُرْحُ إلَى جَوْفِهِ أَوْ أَوْضَحَهُ فَوَصَلَ).
الْجُرْحُ (إلَى قَفَاهُ فَعَلَيْهِ) فِي الْأُولَى (دِيَةُ جَائِفَةٍ) وَحُكُومَةٌ (وَ) فِي الثَّانِي دِيَة (مُوضِحَةٍ وَحُكُومَةٌ كَجُرْحِ الْقَفَا وَالْوَرِكِ) لِأَنَّ الْجِرَاح فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجَائِفَةِ وَالْمُوضِحَةِ فَانْفَرَدَ فِيهِ الضَّمَانُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ جَائِفَةٌ أَوْ مُوضِحَةٌ وَأَمَّا الْحُكُومَةُ فَلِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ (وَإِنْ أَجَافَهُ) وَاحِدٌ (وَوَسَّعَ آخَرُ الْجُرْحَ فَجَائِفَتَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُ جَائِفَةٍ) لِأَنَّ فِعْلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ انْفَرَدَ لَكَانَ جَائِفَةً فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ (وَإِنْ وَسَّعَهَا الطَّبِيبُ بِإِذْنِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْمُكَلَّفِ (أَوْ) وَسَّعَهَا الطَّبِيبُ (بِإِذْنِ وَلِيّهِ) إنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا (لِمَصْلَحَتِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ (وَإِنْ أَدْخَلَ) مُكَلَّفٌ (سِكِّينًا فِي الْجَائِفَةِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا عُزِّرَ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ جِنَايَتِهِ.
(وَإِنْ خَاطَهَا) أَيْ الْجَائِفَةَ (فَجَاءَ آخَرُ فَقَطَعَ الْخَيْطَ وَأَدْخَل السِّكِّينَ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تَلْتَحِمَ عُزِّرَ أَشَدُّ مِنْ التَّعْزِيرِ الَّذِي قَبْلَهُ) لِأَنَّ فِعْلَهُ أَشَدُّ (وَغُرِّمَ ثَمَنُ الْخُيُوطِ) لِإِتْلَافِهِ لَهَا تَعَدِّيًا (وَأُجْرَة الْخَيَّاطِ) لِتَسَبُّبِهِ فِي ذَلِكَ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا دِيَةَ لِلْجَائِفَةِ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُجِفْهُ (وَإِنْ الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ فَفَتْحهَا آخَرُ فَهِيَ جَائِفَةٌ أُخْرَى عَلَيْهِ أَرْشُهَا) أَيْ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى الصِّحَّةِ فَصَارَ كَاَلَّذِي لَمْ يُجْرَحْ.
(وَإِنْ الْتَحَمَ بَعْضُهَا) أَيْ الْجَائِفَةِ (دُونَ بَعْضٍ فَفَتَقَ مَا الْتَحَمَ فَعَلَيْهِ أَرْشُ جَائِفَةٍ) لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ فَتَقَ غَيْرَ مَا الْتَحَمَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَرْشُ جَائِفَةٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَعُدْ إلَى الصِّحَّةِ (وَحُكْمهُ حُكْمُ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِمَ مِنْهَا شَيْءٌ) فَيَغْرَم ثَمَنَ الْخُيُوطِ وَأُجْرَةَ الْخَيَّاطِ (وَإِنْ وَسَّعَ بَعْضَ مَا الْتَحَمَ فِي الظَّاهِرِ فَقَطْ أَوْ) وَسَّعَهُ فِي (الْبَاطِنِ فَقَطْ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ) لِتَوْسِيعِهِ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَمْ تَبْلُغْ الْجَائِفَةَ (وَمَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ صَغِيرَةٌ) لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ (أَوْ) وَطِئَهَا وَهِيَ (نَحِيفَةٌ لَا يُوطَأ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ فَخَرَقَ مَا بَيْن مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ أَوْ) خَرَقَ (مَا بَيْنَ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ فَلَمْ يَسْتَمْسِكْ الْبَوْلُ لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ) لِأَنَّ لِلْبَوْلِ مَكَانًا فِي الْبَدَنِ يَجْتَمِعُ فِيهِ لِلْخُرُوجِ فَعَدَم إمْسَاكُ الْبَوْلِ إبْطَالٌ لِنَفْعِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ الْغَائِطُ.
(وَإِنْ اسْتَمْسَكَ) الْبَوْلُ (فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِأَنَّهَا جَائِفَةٌ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ «قَضَى فِي الْإِفْضَاءِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ» وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَيَلْزَمهُ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى فِي النِّكَاحِ) لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ بِالدُّخُولِ (مَعَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ) السَّابِقِ وَهُوَ الدِّيَةُ إنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلً وَإِلَّا فَثُلُثُهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُضْمَنُ مُنْفَرِدًا فَضُمِنَا مُجْتَمَعَيْنِ (وَيَكُونُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي مَالِهِ) أَيْ الْجَانِي (إنْ كَانَ عَمْدًا مَحْضًا) لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُهُ (وَهُوَ) أَيْ الْعَمْدُ الْمَحْضُ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ) الزَّوْجُ (أَنَّهَا لَا تُطِيقهُ وَأَنَّ وَطْأَهُ يُفْضِيهَا وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهَا لَا تُطِيقُهُ (وَكَانَ) وَطْؤُهُ (مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُفْضِي إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْإِفْضَاءِ (فَ) الْأَرْشُ (عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهُ شِبْهُ عَمْدٍ.
(وَإِنْ انْدَمَلَ الْحَاجِز وَزَالَ الْإِفْضَاءُ وَجَبَتْ حُكُومَةٌ) لِجَبْرِ مَا حَصَلَ مِنْ النَّقْصِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (فَقَطْ) وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِر الْبَابِ قَبْلَهُ وَلَوْ الْتَحَمَتْ الْجَائِفَةُ لَمْ يَسْقُطْ مُوجِبُهَا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ رِوَايَةً وَاحِدَةً قَالَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ (كَبِيرَةً مُحْتَمِلَةً لِلْوَطْءِ يُوطَأُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ) فَهَدْرٌ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ حَصَلَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَسِرَايَةِ الْقَوَدِ (أَوْ) كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ (أَجْنَبِيَّةً كَبِيرَةً مُطَاوِعَةً وَلَا شُبْهَةَ وَهِيَ حُرَّةٌ مُكَلَّفَةٌ) وَوَقَعَ مَا سَبَقَ (فَهَدْرٌ) لِأَنَّهُ ضَرَرٌ حَصَلَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ فَلَمْ يَضْمَنْهُ كَأَرْشِ بَكَارَتِهَا (وَلَا مَهْرَ) لِلْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ مُطَاوِعَةٌ (كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا فَسَرَى) الْقَطْعُ (إلَى نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ) الْأَجْنَبِيَّةُ (مُكْرَهَةً أَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ فَأَفْضَاهَا لَزِمَهُ ثُلُثُ دِيَتِهَا) إنْ اسْتَمْسَكَ الْبَوْلُ وَإِلَّا فَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ (وَ) لَزِمَهُ (مَهْرُ مِثْلِهَا) بِمَا اسْتَبَاحَ مِنْ فَرْجِهَا (وَ) لَزِمَهُ (أَرْشُ الْبَكَارَةِ).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَا يَنْدَرِجُ أَرْشٌ بَكَارَةٍ فِي دِيَةِ إفْضَاءٍ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَجَزَمَ بِوُجُوبِ أَرْشِ الْبَكَارَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ أَنَّ أَرْشَ الْبَكَارَة يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ حُرَّةً وَأَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُهَا بِكْرًا فَقَطْ فَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ لَا عَلَى إفْضَاءٍ فَلَا يَجِبُ مَعَهُ مَهْرٌ بِأَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ وَطْءٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْفُرُوعِ فِي دِيَةِ إفْضَاءٍ وَلَمْ يُقْبَلْ فِي مَهْرٍ (وَإِنْ اسْتَطْلَقَ بَوْلُهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةُ الْمُكْرَهَةُ أَوْ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ (فَدِيَةٌ فَقَطْ) أَيْ فَلَا يَجِبُ مَعَهَا ثُلُثُ دِيَةٍ لِلْفَتْقِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْمَهْرِ إنْ وَطِئَ وَلَا عَنْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُبْدِع وَغَيْرِهِ.
(فَصْلٌ وَفِي كَسْرِ الضِّلْعِ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَسْكِينِهَا لُغَةٌ وَاحِدُ الضُّلُوعِ الْمَعْرُوفَةِ (بَعِيرٍ) إنْ جُبِرَ مُسْتَقِيمًا (وَفِي التَّرْقُوَتَيْنِ) وَاحِدُهُمَا تَرْقُوَةٌ بِالْفَتْحِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا تَقُلْ تَرْقُوَة بِالضَّمِّ (بَعِيرَانِ وَفِي أَحَدِهِمَا بَعِيرٌ وَالتَّرْقُوَةُ: الْعَظْمُ الْمُسْتَدِيرُ حَوْلَ الْعُنُقِ مِنْ النَّحْرِ إلَى الْكَتِفِ لِكُلِّ آدَمِيّ تَرْقُوَتَانِ) رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ قَالَ: «فِي الضِّلْع جَمَلٌ وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ» وَظَاهِر الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِرْشَادِ أَنَّ فِي الْوَاحِدَةِ بَعِيرَيْنِ فَيَكُونُ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ، وَرُوِيَ عَنْ زَيْدٍ لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِقَوْلِ الْخِرَقِيِّ التَّرْقُوَتَانِ مَعًا وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِإِدْخَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةُ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيَكُونُ فِي كُلّ تَرْقُوَةٍ بَعِيرٌ.
(وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الذِّرَاعِ وَهُوَ السَّاعِدُ الْجَامِعُ لِعَظْمَاتِ الزَّنْدِ) بِفَتْحِ الزَّاي وَهُوَ مَا انْحَسَرَ عَنْهُ اللَّحْمُ مِنْ السَّاعِدِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الزَّنْدُ وَصْلُ طَرَفِ الذِّرَاعِ بِالْكَفِّ وَهُمَا زَنْدَانِ بِالْكُوعِ وَالْكُرْسُوعِ وَهُوَ طَرَفُ الزَّنْد الَّذِي يَلِي الْخِنْصَر وَهُوَ النَّاتِئ عِنْدَ الرُّسْغِ.
(وَ) مِنْ (الْعَضُدِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ إذَا جُبِرَ ذَلِكَ مُسْتَقِيمًا) بِأَنْ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَغَيَّرَ عَنْ صِفَتِهِ (بَعِيرَانِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ فِي أَحَدِ الزَّنْدَيْنِ إذَا كُسِرَ فَكَتَبَ عُمَرُ أَنَّ فِيهِ بَعِيرَيْنِ وَإِذَا كُسِرَ الزَّنْدُ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةَ أَبْعِرَةٍ» وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ وَبَقِيَّةُ الْعِظَامِ الْمَذْكُورَةِ كَالزَّنْدِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْجَبِرْ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الضِّلْعِ وَالتَّرْقُوَةِ وَالزَّنْدِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ (فَحُكُومَةٌ) لِذَلِكَ النَّقْصُ.
(وَلَا مُقَدَّرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْعِظَامِ) لِعَدَمِ التَّقْدِيرِ فِيهِ (وَمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجُرُوحِ وَكَسْر الْعِظَامِ مِثْلَ خَرَزَةِ الصُّلْبِ) وَالْعُصْعُصِ بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ وَقَدْ تُفْتَحُ الثَّانِيَةُ لِلتَّخْفِيفِ عَجْبُ الذَّنَبِ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي أَسْفَلِ الصُّلْبِ عِنْدَ الْعَجُزِ وَهُوَ الْعَسِيبُ مِنْ الدَّوَابِّ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَالْعَانَةِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ وَخَرَزُ الصُّلْبِ فَقَاره إنْ أُرِيدَ بِهَا كَسْرُ الصُّلْبِ (فَفِيهِ الدِّيَةُ) قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ حُكُومَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ.
(وَالْحُكُومَةُ أَنْ يَقُومَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَا جِنَايَةَ بِهِ ثُمَّ يَقُومُ وَهِيَ) أَيْ الْجِنَايَةَ (بِهِ قَدْ بَرِئَتْ فَمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَة فَلَهُ) أَيْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (مِثْلُهُ) بِالنِّسْبَةِ (مِنْ الدِّيَةِ) أَيْ دِيَة الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ كَأَنْ (كَانَ قِيمَتُهُ) أَيْ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَوْ فُرِضَ قِنًّا (وَهُوَ صَحِيحُ عِشْرُونَ وَقِيمَتُهُ وَبِهِ الْجِنَايَةُ تِسْعَةَ عَشْرَ فَفِيهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ) لِأَنَّ النَّاقِصَ بِالتَّقْوِيمِ وَاحِدٌ مِنْ عِشْرِينَ وَهُوَ نِصْفَ عُشْرِهَا فَيَكُونُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ ضَرُورَةً أَنَّ الْوَاجِبَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ الدِّيَةِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ الْحُكُومَةُ فِي شَيْءٍ فِيهِ مُقَدَّرٌ فَلَا يَبْلُغُ بِهِ) أَيْ بِحُكُومَتِهِ (أَرْشُ الْمُقَدَّرِ فَإِنْ كَانَتْ) الْحُكُومَةُ (فِي الشِّجَاجِ الَّتِي دُونَ الْمُوضِحَةِ لَمْ يَبْلُغْ بِهَا) أَيْ الْحُكُومَةِ (أَرْشَ الْمُوضِحَةِ وَإِنْ كَانَتْ) الْحُكُومَةُ (فِي أُصْبُعٍ لَمْ يَبْلُغْ بِهَا دِيَةَ الْأُصْبُعِ وَإِنْ كَانَتْ) الْحُكُومَةُ (فِي أُنْمُلَةٍ لَمْ يَبْلُغْ بِهَا دِيَتَهَا) وَالنَّقْصُ عَلَى حَسَبِ اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لَا يُقَالُ قَدْ وَجَبَ فِي بَعْضِ الْبَدَنِ أَكْثَرُ مِمَّا وَجَبَ فِي جَمِيعِهِ وَوَجَبَ فِي مَنَافِعِ الْإِنْسَانِ أَكْثَرُ مِنْ الْوَاجِبِ فِيهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ دِيَةُ النَّفْس دِيَةٌ عَنْ الرُّوحِ وَلَيْسَتْ الْأَطْرَافُ بَعْضَهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي.
(وَإِنْ كَانَتْ) الْجِنَايَةُ (مِمَّا لَا تَنْقُصُ شَيْئًا بَعْدَ الِانْدِمَالِ قُوِّمَتْ حَالُ الْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَقْصٍ لِأَجْلِ الْجِنَايَةِ (وَلَا تَكُونُ) الْجِنَايَةُ (هَدَرًا) فَإِذَا كَانَ التَّقْوِيمُ بَعْدَ الِانْدِمَال يَنْفِي ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَقُومَ فِي حَالِ جَرَيَان الدَّمِ لِيَحْصُلَ النَّقْصُ (فَإِنْ لَمْ تَنْقُصُهُ حَالَ الْجِنَايَةِ وَلَا بَعْدَ الِانْدِمَالِ أَوْ زَادَتْهُ) الْجِنَايَةُ (حُسْنًا كَإِزَالَةِ لِحْيَةِ امْرَأَةٍ أَوْ أُصْبُع أَوْ يَدِ زَائِدَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهَا) إذْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْجِنَايَةِ نَقْصٌ فِي جَمَالٍ وَلَا نَفْعٍ (كَمَا لَوْ قَطَعَ سِلْعَةً أَوْ ثُؤْلُولًا أَوْ بَطَّ جِرَاحًا وَإِنْ لَطَمَهُ فِي وَجْهِهِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ نَقْصٌ (وَيُعَزَّرُ كَمَا لَوْ شَتَمَهُ) لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً.