فصل: (بَابُ النِّيَّةِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: إِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ:

(وَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ) يَعْنِي أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ خُنْثَيَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَوْ قَالَ مُجْتَهِدَيْنِ: لَعُلِمَ الْكُلُّ (فَأَكْثَرَ) مِنْ مُجْتَهِدَيْنِ (فِي جِهَتَيْنِ فَأَكْثَرَ) بِأَنْ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا جِهَةً غَيْرَ الْجِهَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ لِلْآخَرِ (لَمْ يَتْبَعْ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (صَاحِبَهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ خَطَأَ الْآخَرِ فَأَشْبَهَا الْعَالِمَيْنِ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْحَادِثَةِ إذَا اخْتَلَفَا وَالْقَاصِدَيْنِ رُكُوبُ الْبَحْرِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ أَحَدِهِمَا الْهَلَاكُ وَعَلَى ظَنِّ الْآخَرِ السَّلَامَةُ فَيَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِغَالِبِ ظَنِّهِ (وَلَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ) أَيْ أَحَدَهُمَا (بِهِ) أَيْ بِالْآخَرِ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الصَّلَاةِ خَطَأَ أَحَدِهِمَا فِي الْقِبْلَةِ فَتَبْطُلُ جَمَاعَتُهُمَا.
(فَإِنْ كَانَ) اخْتِلَافُ اجْتِهَادِهِمَا (فِي وِجْهَةٍ وَاحِدَةٍ، بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا يَمِينًا، وَ) قَالَ (الْآخَرُ شِمَالًا صَحَّ أَنْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، لِاتِّفَاقِ اجْتِهَادِهِمَا) فِي الْجِهَةِ، وَالْوَاجِبُ الِاجْتِهَادُ إلَى الْجِهَةِ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا.
(وَمَنْ بَانَ) أَيْ ظَهَرَ (لَهُ الْخَطَأُ) فِي اجْتِهَادِهِ وَهُوَ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ (انْحَرَفَ) إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا لِأَنَّهَا تَرَجَّحَتْ فِي ظَنِّهِ فَتَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ (وَأَتَمَّ) صَلَاتَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَنْقُضُ الِاجْتِهَادَ (وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ مِنْهُمَا) أَيْ الْمُجْتَهِدِينَ اللَّذَيْنِ ائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، ثُمَّ بَانَ لِأَحَدِهِمَا الْخَطَأُ (الْمُفَارَقَةَ) لِإِمَامِهِ (لِلْعُذْرِ) الْمَانِعِ مِنْ اقْتِدَائِهِ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَتْبَعُهُ مَنْ قَلَّدَهُ) أَيْ: يَلْزَمُ مَنْ قَلَّدَ الْمُجْتَهِدَ الَّذِي تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ أَنْ يَتْبَعَهُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي بَانَتْ لَهُ لِأَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
(فَإِنْ اجْتَهَدَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَجْتَهِدْ الْآخَرُ لَمْ يَتْبَعْهُ) حَيْثُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الِاجْتِهَادِ، بَلْ يَجْتَهِدُ.
(وَيَتْبَعُ) وُجُوبًا (جَاهِلٌ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ) وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فِي الْأَحْكَامِ: أَوْثَقَ الْمُجْتَهِدَيْنِ.
(وَ) يَتْبَعُ (أَعْمَى وُجُوبًا أَوْثَقَهُمَا) أَيْ الْمُجْتَهِدَيْنِ (فِي نَفْسِهِ عِلْمًا بِدَلَائِلِ الْقِبْلَةِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَقْرَبَ إصَابَةٌ فِي نَظَرِهِ، وَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي مُتَابَعَتِهِ وَقَدْ كُلِّفَ الْإِنْسَانُ فِي ذَلِكَ بِاتِّبَاعِ غَالِبِ ظَنِّهِ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: بِخِلَافِ تَكْلِيفِ الْعَامِّيِّ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ فِي الْأَحْكَامِ، فَأَنَّ فِيهِ حَرَجًا وَتَضْيِيقًا، ثُمَّ مَا زَالَ عَوَامُّ كُلِّ عَصْرٍ يُقَلِّدُ أَحَدُهُمْ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ فِي مَسْأَلَةٍ، وَلِلْآخَرِ فِي أُخْرَى وَالثَّالِثِ فِي ثَالِثَةٍ وَهَكَذَا وَهَكَذَا كَذَلِكَ إلَى مَا لَا يُحْصَى وَلَمْ يَنْقُلْ إنْكَارَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلَا أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِتَحَرِّي الْأَعْلَمِ وَالْأَفْضَلِ فِي نَظَرِهِمْ.
(فَإِنْ تَسَاوَيَا) أَيْ: الْمُجْتَهِدَانِ (عِنْدَهُ) أَيْ: عِنْدَ الْجَاهِلِ بِأَدِلَّتِهَا أَوْ الْأَعْمَى خُيِّرَ فَيُقَلِّدُ أَيَّهُمَا شَاءَ، (لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَفْضَلِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ) حَتَّى يَتَرَجَّحَ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَمْكَنَ الْأَعْمَى الِاجْتِهَادَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدِلَّةِ) كَالْأَنْهَارِ الْكِبَارِ غَيْرِ الْمَحْدُودَةِ وَالْجِبَالِ وَمَهَبَّاتِ الرِّيَاحِ (لَزِمَهُ) الِاجْتِهَادُ (وَلَمْ يُقَلِّدْ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الِاجْتِهَادِ.
(وَإِذَا صَلَّى الْبَصِيرُ فِي حَضَرٍ فَأَخْطَأَ، أَوْ) صَلَّى (الْأَعْمَى بِلَا دَلِيلٍ) بِأَنْ لَمْ يَسْتَخْبِرْ مَنْ يُخْبِرُهُ، وَلَمْ يَلْمِسْ الْمِحْرَابَ وَنَحْوَهُ، مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَعْرِفَ بِهِ الْقِبْلَةَ (أَعَادَا) وَلَوْ أَصَابَا أَوْ اجْتَهَدَ الْبَصِيرُ، لِأَنَّ الْحَضَرَ لَيْسَ بِمَحِلِّ اجْتِهَادٍ، لِقُدْرَةِ مَنْ فِيهِ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ وَنَحْوِهَا وَلِوُجُودِ مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ غَالِبًا وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِمَا لِتَفْرِيطِهِمَا بِعَدَمِ الِاسْتِخْبَارِ، أَوْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْمَحَارِيبِ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ.
(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْأَعْمَى) مَنْ يُقَلِّدُهُ (أَوْ) لَمْ يَجِدْ (الْجَاهِلُ) مَنْ يُقَلِّدُهُ (أَوْ) لَمْ يَجِدْ (الْبَصِيرُ الْمَحْبُوسُ وَلَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَنْ يُقَلِّدُهُ صَلَّى بِالتَّحَرِّي) إلَى مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ جِهَةُ الْقِبْلَةِ (وَلَمْ يُعِدْ) أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ، لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَسَقَطَتْ عَنْهُ الْإِعَادَةُ كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ.
(وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ) إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ (أَوْ التَّقْلِيدِ) إنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلَ اجْتِهَادٍ (ثُمَّ عَلِمَ خَطَأَ الْقِبْلَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ، لَمْ يُعِدْ) لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِهِ، مَعَ عَدَمِ تَفْرِيطِهِ، فَسَقَطَ عَنْهُ وَلِأَنَّ خَفَاءَ الْقِبْلَةِ فِي الْأَسْفَارِ يَقَعُ كَثِيرًا لِوُجُودِ الْغُيُومِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَانِعِ فَإِيجَابُ الْإِعَادَةِ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ حَرَجٌ وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا.
(وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادٍ) بَعْدَ أَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ جِهَةَ الْقِبْلَةِ وَأَحْرَمَ (ثُمَّ شَكَّ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى ذَلِكَ الشَّكِّ لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِي غَلَبَةَ الظَّنِّ الَّتِي دَخَلَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ (وَيَبْنِي) عَلَى صَلَاتِهِ.
(وَكَذَا إنْ زَادَ ظَنُّهُ) الْخَطَأُ (وَلَمْ يَبِنْ لَهُ الْخَطَأُ وَلَا ظَهَرَ لَهُ جِهَةٌ أُخْرَى) فَلَا يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَيَبْنِي.
(وَلَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ خَطَأُ الْجِهَةِ الَّتِي يُصَلِّي إلَيْهَا) بِأَنْ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ (وَلَمْ يَظُنَّ جِهَةً غَيْرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَلَيْسَتْ لَهُ جِهَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا، فَبَطَلَتْ لِتَعَذُّرِ إتْمَامِهَا.
(وَلَوْ أُخْبِرَ) مَنْ يُصَلِّي بِاجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدٍ (وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بِالْخَطَأِ) فِي الْقِبْلَةِ (يَقِينًا) وَكَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً (لَزِمَهُ قَبُولُهُ) بِأَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَيَتْرُكَ الِاجْتِهَادَ أَوْ التَّقْلِيدَ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَبْلَ اجْتِهَادِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِخْبَارُ عَنْ يَقِينٍ (لَمْ يَجُزْ) لِلْمُجْتَهِدِ قَبُولُ خَبَرِهِ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدٌ مُجْتَهِدًا خَالَفَهُ.
(وَإِنْ أَرَادَ) مُجْتَهِدٌ (صَلَاةً أُخْرَى) غَيْرَ الَّتِي صَلَّاهَا بِالِاجْتِهَادِ (اجْتَهَدَ لَهَا وُجُوبًا) فَيَجِبُ الِاجْتِهَادُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ مُتَجَدِّدَةٌ فَتَسْتَدْعِي طَلَبًا جَدِيدًا، كَطَلَبِ الْمَاءِ فِي التَّيَمُّمِ، وَكَالْحَادِثَةِ فِي الْأَصَحِّ فِيهَا لِمُفْتٍ وَمُسْتَفْتٍ قُلْتُ فَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةً مِنْ الْفَرَائِضِ بِخِلَافِ النَّوَافِلِ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّحَرِّي لِكُلِّ رَكْعَتَيْنِ لَوْ أَرَادَ التَّنَفُّلَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْلِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا كَانَ مُقَلِّدًا لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُجَدِّدَ التَّقْلِيدَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، كَمَا هُوَ مَفْهُومٌ مُجْتَهِدٌ (فَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ عَمَلَ بِ) الِاجْتِهَادِ.
(الثَّانِي) لِأَنَّهُ تَرَجَّحَ فِي ظَنِّهِ، فَصَارَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا، فَيَسْتَدِيرُ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهَا ثَانِيًا (وَلَمْ يُعِدْ مَا صَلَّى) بِ الِاجْتِهَادِ.
(الْأَوَّلِ) لِئَلَّا يُنْقَضُ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ، وَالْعَمَلُ بِالثَّانِي لَيْسَ نَقْضًا لِلْأَوَّلِ بَلْ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى جِهَةٍ فَلَمْ تَجُزْ لَهُ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةٍ غَيْرِهَا وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ لَمَّا قَضَى فِي الْمُشْرِكَةِ فِي الْعَامِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا قَضَى بِهِ فِي الْأَوَّلِ ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ: فَيَعْمَلُ بِالِاجْتِهَادِ.
الثَّانِي (وَلَوْ) كَانَ (فِي صَلَاةٍ وَبَنَى) عَلَى مَا عَمِلَهُ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ (نَصًّا) فَلَوْ فَرَضَ أَنَّهُ صَلَّى بِكُلِّ اجْتِهَادٍ رَكْعَةً مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ إلَى جِهَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ إلَى الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ أَمْكَنَ الْمُقَلِّدُ) أَيْ: الْجَاهِلُ بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (تَعَلُّمُ الْأَدِلَّةِ وَالِاجْتِهَادِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ) عِنْدَ خَفَاءِ الْقِبْلَةِ عَلَيْهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: قَوْلًا وَاحِدًا، لِقِصَرِ زَمَنِهِ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ فَإِنْ صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادِهِ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّقْلِيدُ كَالْمُجْتَهِدِ (فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ تَعَلُّمِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (فَعَلَيْهِ التَّقْلِيدُ) لِأَنَّ الْقِبْلَةَ يَجُوزُ تَرْكُهَا لِلضَّرُورَةِ، وَفِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَلَا يُعِيدُ، بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ.

.(بَابُ النِّيَّةِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا:

(وَهِيَ الشَّرْطُ التَّاسِعُ) وَبِهَا تَمَّتْ شُرُوطُ الصَّلَاةِ (وَهِيَ) لُغَةً: الْقَصْدُ، يُقَالُ: نَوَاك اللَّهُ بِخَيْرٍ أَيْ: قَصَدَك بِهِ وَ(شَرْعًا: عَزْمُ الْقَلْبِ عَلَى فِعْلِ الْعِبَادَةِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) بِأَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ اللَّهَ تَعَالَى دُونَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ تَصَنُّعٍ لِمَخْلُوقٍ، أَوْ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ، أَوْ مَحَبَّةِ مَدْحٍ مِنْهُمْ أَوْ نَحْوِهِ، وَهَذَا هُوَ الْإِخْلَاصُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ تَصْفِيَةُ الْفِعْلِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْمَخْلُوقِينَ وَقَالَ آخَرُ: هُوَ التَّوَقِّي عَنْ مُلَاحَظَةِ الْأَشْخَاصِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ، وَقَالَ آخَرُ: هُوَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفِعْلِ لِدَاعِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا يَكُونُ لِغَيْرِهَا مِنْ الدَّوَاعِي تَأْثِيرٌ فِي الدُّعَاءِ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ.
وَفِي الْخَبَرِ «الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي اسْتَوْدَعْتُهُ قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْتُهُ مِنْ عِبَادِي» وَدَرَجَاتُ الْإِخْلَاصِ ثَلَاثَةٌ: عُلْيَا، وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِهِ وَقِيَامًا بِحَقِّ عُبُودِيَّتِهِ.
وَوُسْطَى وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَدُنْيَا: وَهِيَ أَنْ يَعْمَلَ لِلْإِكْرَامِ فِي الدُّنْيَا وَالسَّلَامَةِ مِنْ آفَاتِهَا، وَمَا عَدَا الثَّلَاثَ مِنْ الرِّيَاءِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَفْرَادُهُ، وَلِهَذَا قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ: الْعِبَادَةُ مَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهَا مُفْضِيَةً إلَى ثَوَابِ الْجَنَّةِ، أَوْ إلَى الْبُعْدِ مِنْ عِقَابِ النَّارِ، بَلْ لِأَجْلِ أَنَّكَ عَبْدٌ وَهُوَ رَبٌّ هَذَا مُلَخَّصُ كَلَامِ الشَّمْسِ الْعَلْقَمِيِّ فِي حَاشِيَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (بِحَالٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وَالْإِخْلَاصُ: عَمَلُ الْقَلْبِ، وَهُوَ مَحْضُ النِّيَّةِ.
وَذَلِكَ بِأَنْ يَقْصِدَ بِعَمَلِهِ اللَّهَ وَحْدَهُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ، فَاشْتُرِطَتْ لَهَا النِّيَّةُ بِالصَّوْمِ وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ: هِيَ قَبْلَ الصَّلَاةِ شَرْطٌ وَفِيهَا رُكْنٌ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يُقَالَ فِي بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ كَذَلِكَ وَلَا قَائِلَ بِهِ.
وَمَحَلُّهَا الْقَلْبُ وُجُوبًا وَاللِّسَانُ اسْتِحْبَابًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَزَمَنُهَا مَعَ أَوَّلِ وَاجِبٍ أَوْ قَبْلِهِ بِيَسِيرٍ، وَكَيْفِيَّتُهَا الِاعْتِقَادُ فِي الْقَلْبِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ النِّيَّةُ تَتْبَعُ الْعِلْمَ فَمَنْ عَلِمَ مَا يُرِيدُ فِعْلَهُ قَصَدَهُ ضَرُورَةً وَيَحْرُمُ خُرُوجُهُ لِشَكِّهِ فِي النِّيَّةِ، لِعِلْمِهِ أَنَّهُ مَا دَخَلَ إلَّا بِالنِّيَّةِ (وَلَا يَضُرُّ مَعَهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (قَصْدُ تَعْلِيمِ الصَّلَاةِ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَغَيْرِهِ (أَوْ) قَصْدُ (خَلَاصٍ مِنْ خَصْمٍ أَوْ إدْمَانِ سَهَرٍ).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا وَجَدْتُ ابْنَ الصَّيْرَفِيِّ نَقَلَهُ (وَالْمُرَادُ: لَا يَمْنَعُ الصِّحَّةَ بَعْدَ إثْبَاتِهِ بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ لَا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ، وَلِهَذَا ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِيمَا يُنْقِصُ الْأَجْرَ وَمِثْلُهُ قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الصَّوْمِ هَضْمُ الطَّعَامِ، أَوْ قَصْدُهُ مَعَ نِيَّةِ الْحَجِّ رُؤْيَةُ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ) أَيْ: الْبَعِيدَةِ (وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَقَصْدِ تِجَارَةٍ مَعَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَصَدَ مَا يَلْزَمُ ضَرُورَةً (كَنِيَّةِ التَّبَرُّدِ أَوْ النَّظَافَةِ مَعَ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَتَقَدَّمَ) هَذَا (فِي الْوُضُوءِ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا عَدَدُ الرَّكَعَاتِ، بِأَنْ يَقُولَ: نَوَيْتُ أُصَلِّي الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ الظُّهْرَ أَرْبَعًا لَكِنْ، إنْ نَوَى مَثَلًا الظُّهْرَ ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا لَمْ تَصِحَّ لِتَلَاعُبِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَنْوِيَ مَعَ الصَّلَاةِ الِاسْتِقْبَالَ، كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ (وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّلَاةَ بِعَيْنِهَا إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً مِنْ فَرْضٍ، كَظُهْرٍ) أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ عَصْرٍ أَوْ مَغْرِبٍ أَوْ عِشَاءٍ أَوْ صُبْحٍ وَكَذَا مَنْذُورَةٍ (وَنَفْلٍ مُؤَقَّتٍ كَوِتْرٍ) وَتَرَاوِيحَ (وَرَاتِبَةٍ) وَضُحًى، وَاسْتِخَارَةٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ.
فَلَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ فِي هَذَا كُلِّهِ لِتَتَمَيَّزَ تِلْكَ الصَّلَاةُ عَنْ غَيْرِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَصَلَّى أَرْبَعًا يَنْوِي بِهَا مِمَّا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجْزِيه إجْمَاعًا فَلَوْلَا اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ لَأَجْزَأَهُ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ كَانَ لَمْ تَكُنْ الصَّلَاةُ مُعَيَّنَةً كَالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ، كَصَلَاةِ اللَّيْلِ (أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ الصَّلَاةِ) لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِي التَّعْيِينَ فِيهَا (وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةٌ فِي) صَلَاةٍ (فَائِتَةٍ) فَلَوْ قَالَ مَنْ عَلَيْهِ الظُّهْرُ قَضَاءً: أُصَلِّي الظُّهْرَ فَقَطْ كَفَاهُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْآخَرِ يُقَالُ: قَضَيْتُ الدَّيْنَ، وَأَدَّيْتُهُ وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} أَيْ: أَدَّيْتُمُوهَا وَلِأَنَّ أَصْلَ إيجَابِ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْوَقْتِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ تَعْيِينُ يَوْمِهَا، بَلْ يَكْفِيهِ كَوْنُهَا السَّابِقَةَ، أَوْ الْحَاضِرَةَ.
(وَلَا) تُشْتَرَطُ نِيَّةُ (فَرْضِيَّةٍ فِي فَرْضٍ) فَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَقُولَ: أُصَلِّي الظُّهْرَ فَرْضًا أَوْ مُعَادَةً، فِيمَا إذَا كَانَتْ مُعَادَةً كَمَا فِي مُخْتَصِرِ الْمُقْنِعِ، كَالَّتِي قَبْلَهَا (وَلَا) تُشْتَرَطُ نِيَّةُ (أَدَاءً فِي حَاضِرَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا يَنْوِيهَا أَدَاءً فَبَانَ وَقْتُهَا قَدْ خَرَجَ أَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةً وَتَقَعُ قَضَاءً، وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَاهَا قَضَاءً فَبَانَ فِعْلُهَا فِي وَقْتِهَا وَقَعَتْ أَدَاءً.
قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَيَصِحُّ قَضَاءٌ بِنِيَّةِ أَدَاءٍ) إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ.
(وَ) يَصِحُّ (عَكْسُهُ) أَيْ: الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ (إذَا بَانَ خِلَافُ ظَنِّهِ) كَمَا تَقَدَّمَ، وَ(لَا) يَصِحُّ ذَلِكَ (مَعَ الْعِلْمِ) وَقَصْدِ مَعْنَاهُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ، لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ (وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ ظُهْرَانِ) مَثَلًا (حَاضِرَةٌ وَفَائِتَةٌ، فَصَلَّاهُمَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ شَرْطًا) أَوْ رُكْنًا (فِي إحْدَاهُمَا لَا يَعْلَمُ عَيْنَهَا) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ، أَهِي الْفَائِتَةُ أَوْ الْحَاضِرَةُ (صَلَّى ظُهْرًا وَاحِدَةً يَنْوِي بِهَا مَا عَلَيْهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْأَدَاءِ فِي الْحَاضِرَةِ، وَالْقَضَاءِ فِي الْفَائِتَةِ.
(وَلَوْ كَانَ الظُّهْرَانِ فَائِتَتَيْنِ فَنَوَى ظُهْرًا مِنْهُمَا) وَلَمْ يُعَيِّنْهَا (لَمْ تُجْزِهِ) الظُّهْرُ الَّتِي صَلَّاهَا (عَنْ إحْدَاهُمَا حَتَّى يُعَيِّنَ السَّابِقَةَ، لِأَجْلِ) اعْتِبَارِ (التَّرْتِيبِ) بَيْنَ الْفَوَائِتِ (بِخِلَافِ الْمَنْذُورَتَيْنِ) فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ السَّابِقَةِ مِنْ اللَّاحِقَةِ، لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنُهُمَا (وَلَوْ ظَنَّ) مُكَلَّفٌ (أَنَّ عَلَيْهِ ظُهْرًا فَائِتَةً فَقَضَاهَا فِي وَقْتِ ظُهْرِ الْيَوْمِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لَمْ تُجِزْهُ) الظُّهْرُ الَّتِي صَلَّاهَا (عَنْ) الظُّهْرِ (الْحَاضِرَةِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى قَضَاءَ عَصْرٍ.
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَكَذَا لَوْ نَوَى ظُهْرَ الْيَوْمِ فِي وَقْتِهَا وَعَلَيْهِ فَائِتَةٌ) لَمْ تُجِزْهُ عَنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا يُشْتَرَطُ إضَافَةُ الْفِعْلِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعِبَادَاتِ كُلِّهَا) بِأَنْ يَقُولَ: أُصَلِّي لِلَّهِ أَوْ أَصُومُ لِلَّهِ وَنَحْوَهُ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ لَا تَكُونُ إلَّا لِلَّهِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ) ذَلِكَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ (وَيَأْتِي بِالنِّيَّةِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) إمَّا مُقَارِنَةً لَهَا أَوْ مُتَقَدِّمَةً عَلَيْهَا بِيَسِيرٍ وَمُقَارَنَتُهَا لِلتَّكْبِيرِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرِ عَقِبَ النِّيَّةِ.
وَهَذَا مُمْكِنٌ لَا صُعُوبَةَ فِيهِ، بَلْ عَامَّةُ النَّاسِ إنَّمَا يُصَلُّونَ هَكَذَا.
وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْمُقَارَنَةِ: بِانْبِسَاطِ أَجْزَاءِ النِّيَّةِ عَلَى أَجْزَاءِ التَّكْبِيرِ، بِحَيْثُ يَكُونُ أَوَّلُهَا مَعَ أَوَّلِهِ وَآخِرُهَا مَعَ آخِرِهِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عُزُوبَ النِّيَّةِ عَنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ، وَخُلُوَّ أَوَّلِ الصَّلَاةِ عَنْ النِّيَّةِ الْوَاجِبَةِ وَتَفْسِيرَهَا بِحُضُورِ جَمِيعِ النِّيَّةِ مَعَ حُضُورِ جَمِيعِ أَجْزَاءِ التَّكْبِيرِ، فَهَذَا قَدْ نُوزِعَ فِي إمْكَانِهِ فَضْلًا عَنْ وُجُوبِهِ وَلَوْ قِيلَ بِإِمْكَانِهِ فَهُوَ مُتَعَسِّرٌ، فَيَسْقُطُ بِالْحَرَجِ وَأَيْضًا فَمَا يُبْطِلُ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْمُكَبِّرَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَدَبَّرَ التَّكْبِيرَ وَيَتَصَوَّرَهُ فَيَكُونُ قَلْبُهُ مَشْغُولًا بِمَعْنَى التَّكْبِيرِ لَا بِمَا يَشْغَلُهُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ اسْتِحْضَارِ الْمَنْوِيِّ.
ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ (وَالْأَفْضَلُ مُقَارَنَتُهَا) أَيْ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، كَالْآجُرِّيِّ وَغَيْرِهِ (فَإِنْ تَقَدَّمَتْ) النِّيَّةُ (عَلَيْهِ) أَيْ: التَّكْبِيرِ (بِزَمَنٍ يَسِيرٍ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فِي أَدَاءً وَرَاتِبَةٍ وَلَمْ يَفْسَخْهَا) أَيْ: النِّيَّةَ وَكَانَ ذَلِكَ (مَعَ بَقَاءِ إسْلَامِهِ) بِأَنْ لَمْ يَرْتَدَّ (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَقَدُّمَ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيرِ بِالزَّمَنِ الْيَسِير لَا يُخْرِجُ الصَّلَاةَ عَنْ كَوْنِهَا مَنْوِيَّةً.
وَلَا يُخْرِجُ الْفَاعِلَ عَنْ كَوْنِهِ نَاوِيًا مُخْلِصًا كَالصَّوْمِ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، فَجَازَ تَقَدُّمُهَا كَبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ؛ وَلِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْمُقَارَنَةِ حَرَجًا وَمَشَقَّةً فَوَجَبَ سُقُوطُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} وَلِأَنَّ أَوَّلَ الصَّلَاةِ مِنْ أَجْزَائِهَا فَكَفَى اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ فِيهِ كَسَائِرِهَا وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ: أَنَّ النِّيَّةَ لَوْ تَقَدَّمْت قَبْلَ وَقْتِ الْأَدَاءِ أَوْ الرَّاتِبَةِ وَلَوْ بِيَسِيرٍ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، لِلْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا رُكْنًا لِلصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَتَقَدَّمُ كَبَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ وَأَوَّلُ مَنْ اشْتَرَطَ لِتَقَدُّمِ النِّيَّةِ كَوْنَهُ فِي وَقْتِ الْمَنْوِيَّةِ: الْخِرَقِيُّ وَتَبَعَهُ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ وَالْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَوَلَدُهُ أَبُو الْحُسَيْنِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ.
وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الشَّرْطَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فَإِمَّا لِإِهْمَالِهِمْ أَوْ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى الْغَالِبِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِمْ، أَيْ: غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ: الْجَوَازُ، لَكِنْ لَمْ أَرَ الْجَوَازَ صَرِيحًا وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ إذَا فَسَخَهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِأَنَّهُ صَارَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا: أَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِأَنَّ الرِّدَّةَ فِي أَثْنَاءِ الْعِبَادَةِ مُبْطِلَةٌ لَهَا، كَمَا لَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ مَعَ التَّقَدُّمِ بِالزَّمَنِ الْيَسِيرِ بِشَرْطِهِ (حَتَّى وَلَوْ تَكَلَّمَ بَعْدَهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (وَقَبْلَ التَّكْبِيرِ) لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يُنَافِي الْعَزْمَ الْمُتَقَدِّمَ وَلَا يُنَاقِضُ النِّيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ، فَتَسْتَمِرُّ إلَى أَنْ يُوجَدَ مُنَاقِضٌ (وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهَا) أَيْ: النِّيَّةَ (قَاعِدًا) فِي الْفَرْضِ (ثُمَّ قَامَ) فَكَبَّرَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِحْضَارُ النِّيَّةِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ، لَا أَنْ لَا تَتَقَدَّمَ.
وَكَذَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَقْبِلٍ، ثُمَّ اسْتَقْبَلَ وَصَلَّى أَوْ وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ، ثُمَّ سَتَرَهَا وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ وَهُوَ حَامِلُ نَجَاسَةٍ ثُمَّ أَلْقَاهَا وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ (وَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا) أَيْ النِّيَّةِ (إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ) بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا دُونَ اسْتِصْحَابِ ذِكْرِهَا فَلَوْ ذَهَلَ عَنْهَا أَوْ عَزَبَتْ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ، لِأَنَّ التَّحَرُّزَ مِنْ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَقِيَاسًا عَلَى الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ وَلَهُ حِصَاصٌ فَإِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ: اُذْكُرْ كَذَا، اُذْكُرْ كَذَا، حَتَّى يَضِلَّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَدْرِيَ كَمْ صَلَّى» وَإِنْ أَمْكَنَهُ اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا فَهُوَ أَفْضَلُ (فَإِنْ قَطَعَهَا) أَيْ: النِّيَّةَ (فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ بَطَلَتْ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِهَا وَقَدْ قَطَعَهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْهَا (أَوْ عَزَمَ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى قَطْعِ النِّيَّةِ بَطَلَتْ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَزْمٌ جَازِمٌ، وَمَعَ الْعَزْمِ عَلَى قَطْعِهَا لَا جَزْمَ فَلَا نِيَّةَ (أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ) أَيْ: فِي قَطْعِهَا بَطَلَتْ الصَّلَاةُ، لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ النِّيَّةِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا، وَمَعَ التَّرَدُّدِ تَبْطُلُ الِاسْتِدَامَةُ (أَوْ شَكَّ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ (هَلْ نَوَى فَعَمِلَ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا) مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ، كَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَرَفْعٍ مِنْهُمَا وَقِرَاءَةٍ وَتَسْبِيحٍ وَنَحْوِهَا (ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَوَى) بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِخُلُوِّ مَا عَمِلَهُ عَنْ نِيَّةٍ جَازِمَةٍ (أَوْ شَكَّ فِي تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) بَطَلَتْ، بِمَعْنَى وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.
وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا (أَوْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ) أَيْ شَكَّ فِي تَعْيِينِ الصَّلَاةِ (ثُمَّ ذَكَرَ فِيهَا) أَيْ: بَعْدَ أَنْ عَمِلَ مَعَ الشَّكِّ عَمَلًا فِعْلِيًّا أَوْ قَوْلِيًّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لِخُلُوِّ مَا عَمِلَهُ عَنْ نِيَّةٍ جَازِمَةٍ (أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيَقْطَعُهَا) أَيْ: النِّيَّةَ (أَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ: قَطْعَ النِّيَّةِ (عَلَى شَرْطٍ) كَأَنْ نَوَى إنْ جَاءَ زَيْدٌ قَطَعَهَا (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِلْجَزْمِ بِهَا (وَإِنْ شَكَّ هَلْ نَوَى) الصَّلَاةَ (فَرْضًا أَوْ نَفْلًا أَتَمَّهَا نَفْلًا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَم نِيَّةِ الْفَرْضِ (إلَّا أَنْ يَذْكُرَ أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ قَبْل أَنْ يُحْدِثَ عَمَلًا) مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ الْفِعْلِيَّةِ وَالْقَوْلِيَّةِ (فَيُتِمُّهَا فَرْضًا) لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِهَا عَنْ النِّيَّةِ الْجَازِمَةِ (وَإِنْ ذَكَرَهُ) أَيْ: ذَكَرَ أَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ (بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ عَمَلًا بَطَلَ فَرْضُهُ) لِخُلُوِّ مَا عَمِلَهُ عَنْ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ الْجَازِمَةِ.
(وَإِنْ أَحْرَمَ بِفَرْضِ) صَلَاةٍ (رُبَاعِيَّةٍ ثُمَّ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَظُنُّهَا جُمُعَةً أَوْ فَجْرًا أَوْ التَّرَاوِيحَ ثُمَّ ذَكَرَ) وَلَوْ قَرِيبًا (بَطَلَ فَرْضُهُ) وَظَاهِرُهُ: تَصِحُّ نَفْلًا (وَلَمْ يَبْنِ) عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (نَصًّا) لِقَطْعِ نِيَّةِ الرُّبَاعِيَّةِ بِسَلَامِهِ ظَانًّا مَا ذَكَرَ (كَمَا لَوْ كَانَ) سَلَّمَ مِنْهَا (عَالِمًا) لِقَطْعِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ (وَإِنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَبَانَ عَدَمُهُ، كَمَنْ أَحْرَمَ بِفَائِتَةٍ فَلَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ، أَوْ) أَحْرَمَ بِفَرْضٍ فَ (بَانَ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِهِ انْقَلَبَتْ نَفْلًا) لِأَنَّ نِيَّةَ الْفَرْضِ تَشْمَلُ نِيَّةَ النَّفْلِ فَإِذَا بَطَلَتْ نِيَّةُ الْفَرْضِ بَقِيَتْ نِيَةُ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ.
(وَإِنْ كَانَ عَالِمًا) أَنَّ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَدْخُلْ (لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ (فِيهِمَا) لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ (وَإِنْ أَحْرَمَ بِهِ) أَيْ: الْفَرْضِ (فِي وَقْتِهِ الْمُتَّسِعِ ثُمَّ قَلَبَهُ نَفْلًا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مِثْلِ أَنْ يُحْرِمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي جَمَاعَةٍ جَازَ) لِأَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ تَضَمَّنَتْهَا نِيَّةُ الْفَرْضِ.
فَإِذَا قَطَعَ نِيَّةَ الْفَرْضِ بَقِيَتْ نِيَّةُ النَّفْلِ (بَلْ هُوَ) أَيْ: قَلْبُ الْفَرْضِ مِنْ الْمُنْفَرِدِ نَفْلًا لِيُصَلِّيَهُ فِي جَمَاعَةٍ (أَفْضَلُ) مِنْ إتْمَامِهِ مُنْفَرِدًا، لِأَنَّهُ إكْمَالٌ فِي الْمَعْنَى، كَنَقْضِ الْمَسْجِدِ لِلْإِصْلَاحِ (وَيُكْرَهُ) قَلْبُ الْفَرْضِ نَفْلًا (لِغَيْرِ الْفَرْضِ) الصَّحِيحِ، لِكَوْنِهِ أَبْطَلَ عَمَلَهُ.
وَعَنْ أَحْمَدَ فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَةً مِنْ فَرْضٍ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ: أَعْجَبُ إلَيَّ يَقْطَعُهُ وَيَدْخُلُ مَعَهُمْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَطْعُ النَّفْلِ أَوْلَى (وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ) أَحْرَمَ بِهِ كَالظُّهْرِ (إلَى فَرْضٍ) آخَرَ كَالْعَصْرِ (بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ) لِفَرْضِ (الثَّانِي بَطَلَ فَرْضُهُ الْأَوَّلُ) الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ لِقَطْعِهِ نِيَّتَهُ (وَصَحَّ) مَا صَلَّاهُ (نَفْلًا إنْ اسْتَمَرَّ) عَلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ قَطَعَ نِيَّةَ الْفَرْضِيَّةِ بِنِيَّةِ انْتِقَالِهِ عَنْ الْفَرْضِ الَّذِي نَوَى أَوَّلًا، دُونَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ فَتَصِيرُ نَفْلًا (وَكَذَا حُكْمُ مَا يُبْطِلُ الْفَرْضَ فَقَطْ، إذَا وُجِدَ فِيهِ) أَيْ: فِي الْفَرْضِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ نَفْلًا (كَتَرْكِ الْقِيَامِ) بِلَا عُذْرٍ يُسْقِطُهُ، فَإِنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ.
(وَ) كـ (الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَالِائْتِمَامُ بِمُتَنَفِّلٍ، وَائْتِمَامِ مُفْتَرِضٍ بِصَبِيٍّ، إنْ اعْتَقَدَ جَوَازَهُ) أَيْ: جَوَازَ مَا يُبْطِلُ الْفَرْضَ (وَنَحْوَهُ) أَيْ: نَحْوَ اعْتِقَادِ جَوَازِهِ، كَمَا لَوْ اعْتَقَدَ الْمُتَنَفِّلُ مُفْتَرِضًا، فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ نَفْلًا.
لِأَنَّ الْفَرْضَ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُبْطِلُ النَّفَلَ فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ جَوَازَهُ وَنَحْوَهُ، بَلْ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِعَدَمِ جَوَازِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا، لِتَلَاعُبِهِ كَمَنْ أَحْرَمَ بِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهِ عَالِمًا (وَلَمْ يَنْعَقِدْ) الْفَرْضُ (الثَّانِي) الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ لِأَنَّهَا فَتَّاحَةٌ، وَلَمْ تُوجَدْ (وَإِنْ اقْتَرَنَ) بِنِيَّةِ الْفَرْضِ (الثَّانِي تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ لَهُ بَطَلَ) الْفَرْضُ (الْأَوَّلُ) لِقَطْعِهِ نِيَّتَهُ (وَصَحَّ) الْفَرْضُ (الثَّانِي) كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ غَيْرُهُ.
(وَمِنْ شَرْطِ الْجَمَاعَةِ: أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَالَهُمَا) بِأَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامُ: الْإِمَامَةَ وَيَنْوِيَ الْمَأْمُومُ الِائْتِمَامَ (فَرْضًا وَنَفْلًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (فَيَنْوِي الْإِمَامُ: أَنَّهُ مُقْتَدًى بِهِ، وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ: أَنَّهُ مُقْتَدٍ) كَالْجُمُعَةِ، لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامُ وُجُوبِ الِاتِّبَاعِ وَسُقُوطِ السَّهْوِ عَنْ الْمَأْمُومِ وَفَسَادِ صَلَاتِهِ بِفَسَادِ صَلَاةِ إمَامِهِ وَإِنَّمَا يَتَمَيَّزُ الْإِمَامُ عَنْ الْمَأْمُومِ بِالنِّيَّةِ فَكَانَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ انْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ.
(فَلَوْ نَوَى أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ) بِأَنْ نَوَى الْإِمَامُ دُونَ الْمَأْمُومِ أَوْ بِالْعَكْسِ (أَوْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ إمَامُ الْآخَرِ أَوْ) أَنَّهُ (مَأْمُومُهُ) لَمْ يَصِحَّ لَهُمَا لِأَنَّهُ أَمَّ مَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ، أَوْ ائْتَمَّ بِمَنْ لَيْسَ إمَامًا (أَوْ نَوَى إمَامَةَ مَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ كَأُمِّيٍّ) نَوَى أَنْ يَؤُمَّ قَارِئًا (أَوْ) (كَامْرَأَةٍ) نَوَتْ أَنْ (تَؤُمَّ رَجُلًا وَنَحْوِهِ) كَعَاجِزٍ عَنْ شَرْطِ الصَّلَاةِ، نَوَى أَنْ يَؤُمَّ قَادِرًا عَلَيْهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِمَامَةِ وَالِائْتِمَامِ فَاسِدَانِ (أَوْ نَوَى الِائْتِمَامَ بِأَحَدِ الْإِمَامَيْنِ لَا بِعَيْنِهِ) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ (أَوْ) نَوَى الِائْتِمَامَ (بِهِمَا) أَيْ بِالْإِمَامَيْنِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ.
لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا (أَوْ) نَوَى الِائْتِمَامَ (بِالْمَأْمُومِ، أَوْ) بِ (الْمُنْفَرِدِ) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِغَيْرِ إمَامٍ (أَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ، أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ) أَيْ: نِيَّةِ الْإِمَامَةِ أَوْ الِائْتِمَامِ (أَوْ أَحْرَمَ بِحَاضِرٍ، فَانْصَرَفَ) الْحَاضِرُ (قَبْلَ إحْرَامِهِ) مَعَهُ، وَلَمْ يَعُدْ، وَلَمْ يَدْخُلْ غَيْرُهُ مَعَهُ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنْ رُكُوعِهِ، لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى الْإِمَامَةَ بِمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ (أَوْ عَيَّنَ إمَامًا) بِأَنْ نَوَى أَنَّهُ يُصَلِّي خَلْفَ زَيْدٍ فَأَخْطَأَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (أَوْ) عَيَّنَّ (مَأْمُومًا وَقُلْنَا: لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا) أَيْ: الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ (وَهُوَ) أَيْ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ تَعْيِينِهِمَا.
(الْأَصَحُّ) قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ (فَأَخْطَأَ) لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: عَيَّنَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا: أَنَّهُ لَوْ وَصَفَهُ فِي غَيْرِ تَعْيِينٍ لَهُ لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعُلِمَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ: وَقُلْنَا لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا: أَنَّا إذَا قُلْنَا يَجِبُ تَعْيِينُهُمَا فَعَيَّنَهُمَا وَأَخْطَأَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ.
تتمة:
وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: عَيَّنَ إمَامًا إلَخْ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّهُ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ، لَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي التَّعْيِينِ، لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ وَالْخَطَأُ مَعْفُوٌّ لَهُ عَنْهُ (أَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ وَهُوَ لَا يَرْجُو مَجِيءَ أَحَدٍ) يَأْتَمُّ بِهِ (لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ، وَلَوْ حَضَرَ مَنْ ائْتَمَّ بِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَجِيئِهِ.
(وَإِنْ نَوَى الْإِمَامَةَ ظَانًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ) بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ حُضُورُ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ (صَحَّ) ذَلِكَ، كَمَا لَوْ عَلِمَهُ وَ(لَا) تَصِحُّ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ (مَعَ الشَّكِّ) فِي حُضُورِ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ، كَمَا لَوْ عَلِمَ عَدَمَ مَجِيئِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (فَإِنْ) نَوَى الْإِمَامَةَ ظَانًّا حُضُورَ مَأْمُومٍ (فَلَمْ يَحْضُرْ، لَمْ تَصِحَّ) صَلَاتُهُ، لِأَنَّهُ نَوَى الْإِمَامَةَ بِمَنْ لَمْ يَأْتَمَّ بِهِ، وَكَذَا لَوْ حَضَرَ وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ، لَا إنْ دَخَلَ ثُمَّ انْصَرَفَ قَبْلَ إتْمَامِهِ صَلَاتَهُ فَإِنَّ صَلَاةَ الْإِمَامِ لَا تَبْطُلُ وَيُتِمُّهَا مُنْفَرِدًا (وَإِنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى الِائْتِمَامَ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ (أَوْ) أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ نَوَى (الْإِمَامَةَ لَمْ يَصِحَّ فَرْضًا كَانَتْ) الصَّلَاةُ (أَوْ نَفْلًا) كَالتَّرَاوِيحِ وَالْوَتْرِ، لِمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قَالَ الْمَجْدُ: اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا (وَالْمَنْصُوصُ صِحَّةُ الْإِمَامَةِ) مِمَّنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا (فِي النَّفْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُوَفَّقِ وَمَنْ تَابَعَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي عَنْ يَمِينِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قُلْت: وَلَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوَى الْإِمَامَةَ ابْتِدَاءً لِظَنِّهِ حُضُورَهُمْ (وَإِنْ أَحْرَمَ مَأْمُومًا ثُمَّ نَوَى الِانْفِرَادَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ، كَتَطْوِيلِ إمَامٍ وَ) (كَمَرَضٍ، وَ) كـ (غَلَبَةِ نُعَاسٍ أَوْ) غَلَبَةِ (شَيْءٍ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ) كَمُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ (أَوْ خَوْفٍ عَلَى أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ) خَوْفِ (فَوْتِ رُفْقَةٍ أَوْ خَرَجَ مِنْ الصَّفِّ مَغْلُوبًا) لِشِدَّةِ زِحَامٍ.
(وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ وَنَحْوِهِ) أَيْ: نَحْوِ مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَعْذَارِ (صَحَّ) انْفِرَادُهُ فَيُتِمُّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ «قَالَ: صَلَّى مُعَاذٌ بِقَوْمِهِ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَتَأَخَّرَ رَجُلٌ فَصَلَّى وَحْدَهُ فَقِيلَ لَهُ: نَافَقْتَ: قَالَ مَا نَافَقْتُ، وَلَكِنْ لَآتِيَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرُهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ مَرَّتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ نَوَى الْإِمَامُ الِانْفِرَادَ لِعُذْرٍ وَمَحَلُّ إبَاحَةِ الْمُفَارَقَةِ لِعُذْرٍ (إنْ اسْتَفَادَ) مَنْ فَارَقَ لِتَدَارُكِ شَيْءٍ يَخْشَى فَوْتَهُ، أَوْ غَلَبَةِ نُعَاسٍ، أَوْ خَوْفِ ضَرَرٍ، وَنَحْوِهِ (بِمُفَارَقَتِهِ) إمَامَهُ (تَعْجِيلَ لُحُوقِهِ قَبْلَ فَرَاغِ إمَامِهِ) مِنْ صَلَاتِهِ، لِيَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ الْمُفَارَقَةِ (فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُعَجِّلُ وَلَا يَتَمَيَّزُ انْفِرَادُهُ عَنْهُ بِنَوْعِ تَعْجِيلٍ لَمْ يَجُزْ) لَهُ الِانْفِرَادُ، لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَأَمَّا مَنْ عُذْرُهُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّفِّ فَلَهُ الْمُفَارَقَةُ مُطْلَقًا.
لِأَنَّ عُذْرَهُ خَوْفُ الْفَسَادِ بِالْفِدْيَةِ وَذَلِكَ يُتَدَارَكُ بِالسُّرْعَةِ (فَإِنْ زَالَ الْعُذْرُ وَهُوَ) أَيْ: الْمَأْمُومُ (فِي الصَّلَاةِ، فَلَهُ الدُّخُولُ مَعَ الْإِمَامِ) فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ، وَيُتِمُّهُ مَعَهُ وَلَا يَلْزَمُهُ الدُّخُولُ مَعَهُ (فَإِنْ فَارَقَهُ) أَيْ: فَارَقَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ لِعُذْرٍ مِمَّا تَقَدَّمَ (فِي قِيَامٍ قَبْلَ قِرَاءَتِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ (الْفَاتِحَةَ قَرَأَ) الْمَأْمُومُ لِنَفْسِهِ، لِصَيْرُورَتِهِ مُنْفَرِدًا قَبْلَ سُقُوطِ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ (وَ) إنْ فَارَقَهُ الْمَأْمُومُ (بَعْدَهَا) أَيْ: بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَ (لَهُ الرُّكُوعُ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لِلْمَأْمُومِ.
(وَ) إنْ فَارَقَهُ (فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ: الْقِرَاءَةِ (يُكَمِّلُ مَا بَقِيَ) مِنْ الْفَاتِحَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ سِرٍّ) كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ، أَوْ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ مَثَلًا وَفَارَقَ الْإِمَامَ لِعُذْرٍ بَعْدَ قِيَامِهِ.
(وَظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ قَرَأَ لَمْ يَقْرَأْ) أَيْ: لَمْ تَلْزَمْهُ الْقِرَاءَةُ، إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ قُلْتُ وَالِاحْتِيَاطُ الْقِرَاءَةُ (وَإِنْ فَارَقَهُ) لِعُذْرٍ (فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ) وَقَدْ أَدْرَكَ الْأُولَى مَعَهُ (أَتَمَّ جُمُعَةً) لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُدْرَكُ بِرَكْعَةٍ وَقَدْ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ (فَإِنْ فَارَقَهُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى) مِنْ الْجُمُعَةِ (فَكَمَزْحُومٍ فِيهَا حَتَّى تَفُوتَهُ الرَّكْعَتَانِ) فَيُتِمُّهَا نَفْلًا، ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ.
(وَإِنْ كَانَ) انْفِرَادُ الْمَأْمُومِ عَنْ الْإِمَامِ (لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَصِحَّ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَخْتَلِفُوا عَلَى أَئِمَّتِكُمْ» وَلِأَنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ وَانْتَقَلَ مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَدْنَى بِغَيْرِ عُذْرٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَلَهَا إلَى النَّفْلِ، أَوْ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الِانْفِرَادِ (وَإِنْ أَحْرَمَ إمَامٌ ثُمَّ صَارَ مُنْفَرِدًا لِعُذْرٍ، مِثْلِ أَنْ سَبَقَ الْمَأْمُومَ الْحَدَثُ، أَوْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَنَوَى الِانْفِرَادَ) قُلْت: أَوْ لَمْ يَنْوِهِ (صَحَّ) وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَإِذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ أَتَمَّهَا إمَامُهُ مُنْفَرِدًا قَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهَا لَا ضِمْنَهَا وَلَا مُتَعَلِّقَةً بِهَا بِدَلِيلِ سَهْوِهِ وَعِلْمِهِ بِحَدَثِهِ وَعَنْهُ تَبْطُلُ وَذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ.
(وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ) لِارْتِبَاطِهَا بِهَا (لَا عَكْسُهُ) أَيْ: لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ إمَامٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ مَأْمُومٍ لِمَا تَقَدَّمَ (سَوَاءٌ كَانَ) بُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ (لِعُذْرٍ، كَأَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ) وَالْمَرَضُ، أَوْ حُصِرَ عَنْ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، (أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ كَأَنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ) لِلصَّلَاةِ لِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ مَرْفُوعًا «إذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَنْصَرِفْ، فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّد.
(فَلَا اسْتِخْلَافَ لِلْمَأْمُومِ) إذَا سَبَقَ إمَامَهُ الْحَدَثُ، وَالِاسْتِخْلَافُ أَيْضًا لِلْإِمَامِ (وَلَا يَبْنِي) الْمَأْمُومُ (عَلَى صَلَاةِ إمَامِهِ) حِينَئِذٍ، بَلْ يَسْتَأْنِفُهَا لِبُطْلَانِهَا (وَعَنْهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ) إذَا كَانَ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ لِعُذْرٍ، بِأَنْ يَسْبِقَهُ الْحَدَثُ (وَيُتِمُّونَهَا) إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ بُطْلَانِهَا (جَمَاعَةً بِغَيْرِهِ) يَسْتَخْلِفُونَهُ، أَيْ: الْإِمَامَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا بِجَمَاعَتَيْنِ (أَوْ) يُتِمُّونَهَا (فُرَادَى، اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ) أَيْ اخْتَارَ الْقَوْلَ بِعَدَمِ بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ لِعُذْرٍ: جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ (فَعَلَيْهَا) أَيْ: عَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الْبُطْلَانِ.
(لَوْ نَوَى) أَيْ: أَحَدُ الْمَأْمُومِينَ (الْإِمَامَةَ لِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لَهُ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ صَحَّ) ذَلِكَ مِنْهُ لِلْعُذْرِ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا طُعِنَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن عَوْفٍ فَقَدَّمَهُ، فَأَتَمَّ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَلِفِعْلِ عَلِيٍّ رَوَاهُ سَعِيدٌ.
(وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ) لِزَوَالِ شَرْطِهَا، وَهُوَ الطَّهَارَةُ (كَتَعَمُّدِهِ لِذَلِكَ) الْحَدَثِ (وَلَهُ) أَيْ: لِلْإِمَامِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: (أَنْ يَسْتَخْلِفَ مَنْ يُتِمُّ الصَّلَاةَ بِمَأْمُومٍ وَلَوْ) كَانَ الَّذِي يَسْتَخْلِفُهُ (مَسْبُوقًا) لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ (أَوْ) كَانَ الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ (مَنْ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ الصَّلَاةَ) بِأَنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ كَانَ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا (وَيَسْتَخْلِفُ الْمَسْبُوقَ) الَّذِي اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ (مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِمَا) بَقِيَ (عَلَيْهِ) مِنْ صَلَاتِهِ وَتَكُونُ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِثَلَاثَةِ أَئِمَّةٍ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْمَسْبُوقُ).
مَنْ يُسَلِّمُ بِهِمْ (وَسَلَّمُوا مُنْفَرِدِينَ، أَوْ انْتَظَرُوا) الْمَسْبُوقَ (حَتَّى) يَأْتِي بِمَا عَلَيْهِ مِنْ صَلَاتِهِ، ثُمَّ (يُسَلِّمُ بِهِمْ جَازَ) لَهُمْ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمُجَرَّدِ: يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ (وَيَبْنِي الْخَلِيفَةُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ (فِي الصَّلَاةِ عَلَى فِعْلٍ) أَيْ: تَرْتِيبِ الْإِمَامِ.
(الْأَوَّلِ) الْمُسْتَخْلِفِ لَهُ، مِنْ حَيْثُ بَلَغَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ (حَتَّى فِي الْقِرَاءَةِ يَأْخُذُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ) لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ (وَالْخَلِيفَةُ الَّذِي لَمْ يَكُنْ دَخَلَ مَعَهُ أَيْ: الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ يَبْتَدِئُ الْفَاتِحَةَ) وَلَا يَبْنِي عَلَى قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَأْمُومًا بِحَالٍ، (لَكِنْ يُسِرُّ مَا كَانَ قَرَأَهُ الْإِمَامُ مِنْهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ (ثُمَّ يَجْهَرُ بِمَا بَقِيَ) مِنْ الْقِرَاءَةِ لِيَحْصُلَ الْبِنَاءُ عَلَى فِعْلِ مُسْتَخْلِفِهِ، وَلَوْ صُورَةً (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْخَلِيفَةُ) الْمَسْبُوقُ أَوْ الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ (كَمْ صَلَّى) الْإِمَامُ.
(الْأَوَّلُ بَنَى) الْخَلِيفَةُ (عَلَى الْيَقِينِ) كَالْمُصَلِّي يَشُكُّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ (فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ الْمَأْمُومُ رَجَعَ إلَيْهِ) لِيَبْنِيَ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَوَّلِ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ) الَّذِي سَبَقَهُ الْحَدَثُ (وَصَلَّوْا) أَيْ: الْمَأْمُومُونَ (وِحْدَانًا) بِكَسْرِ الْوَاو أَيْ: فُرَادَى (صَحَّ) مَا صَلَّوْهُ (وَكَذَا إنْ اسْتَخْلَفُوا) لِأَنْفُسِهِمْ مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ.
(وَمَنْ اُسْتُخْلِفَ فِيمَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ) إنْ كَانَ مَسْبُوقًا دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَهُ الْإِمَامُ أَثْنَاءَ تِلْكَ الرَّكْعَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرَكْ رُكُوعَهَا مَعَ الْإِمَامِ (اعْتَدَّ بِهِ الْمَأْمُومُ) لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رُكُوعَهَا مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ وَلُغِيَتْ الرَّكْعَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَسْبُوقِ الْمُسْتَخْلَفِ قَالَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ.
(وَقَالَ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ حَامِدٍ بْنِ عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ (إنْ اسْتَخْلَفَهُ، يَعْنِي مَنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ مَعَهُ فِي الرُّكُوعِ، أَوْ) اسْتَخْلَفَهُ (فِيمَا بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الرُّكُوعِ (قَرَأَ) الْخَلِيفَةُ (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهَا عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَانْتَظَرَهُ الْمَأْمُومُ) حَتَّى يَقْرَأَ (ثُمَّ رَكَعَ وَلَحِقَ الْمَأْمُومَ) لِيَحْصُلَ الِاعْتِدَادُ بِالرَّكْعَةِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَهُوَ) أَيْ: مَا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ (مُرَادُ غَيْرِهِ) مِنْ الْأَصْحَابِ (وَلَا بُدَّ مِنْهُ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ الِاعْتِدَادَ بِالرَّكْعَةِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ: أَنْ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ كَلَامَ غَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى كَلَامِهِ وَهُمَا كَمَا فِي الْإِنْصَافِ وَالْمُبْدِعِ قَوْلَانِ مُتَقَابِلَانِ وَلَيْسَ اعْتِدَادُهُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ ضَرُورِيًّا إذًا لَا مَحْذُورَ فِي بِنَائِهِ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِمَامِ، ثُمَّ يَأْتِي بِمَا سَبَقَ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ.
(وَإِنْ اسْتَخْلَفَ كُلُّ طَائِفَةٍ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ (رَجُلًا) مِنْهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ صَحَّ (وَاسْتَخْلَفَ بَعْضُهُمْ وَصَلَّى الْبَاقُونَ فُرَادَى صَحَّ) ذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ كُلُّهُمْ، أَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفُوا كُلُّهُمْ.
وَإِنْ اسْتَخْلَفَ امْرَأَةً وَفِيهِمْ رَجُلٌ أَوْ أُمِّيًّا، وَفِيهِمْ قَارِئٌ، صَحَّتْ صَلَاةُ الْمُسْتَخْلَفِ بِالنِّسَاءِ وَالْأُمِّيِّينَ فَقَطْ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (هَذَا) الَّذِي ذُكِرَ مِنْ أَحْكَامِ الِاسْتِخْلَافِ (كُلُّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ) الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُفَرَّعًا عَلَى ضَعِيفٍ، عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّعُوا هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ قَالُوا: وَكَذَا الِاسْتِخْلَافُ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، مِمَّا يَأْتِي فَاحْتَاجَ إلَى بَيَانِ هَذِهِ، لِيُعْلَمَ مِنْهَا أَحْكَامُ الِاسْتِخْلَافِ لِلْمَرَضِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَمَحَلُّهُ) أَيْ: مَحَلُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاسْتِخْلَافِ لِسَبْقِ الْحَدَثِ: (فِيمَا إذَا كَانَ ابْتِدَاءُ الْإِمَامِ صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ) ابْتِدَاءُ صَلَاتِهِ.
(فَاسِدًا كَأَنْ ذَكَرَ) الْإِمَامُ (الْحَدَثَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَا) اسْتِخْلَافَ لِأَنَّ صَلَاتَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ ابْتِدَاءً (وَلَهُ) أَيْ: لِلْإِمَامِ (الِاسْتِخْلَافُ لِحُدُوثِ مَرَضٍ أَوْ حُدُوثِ خَوْفٍ أَوْ) لِأَجْلِ (حَصْرِهِ عَنْ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَنَحْوِهِ) كَالتَّكْبِيرِ، أَوْ التَّسْمِيعِ، أَوْ التَّشَهُّدِ أَوْ السَّلَامِ، لِوُجُودِ الْعُذْرِ الْحَاصِلِ لِلْإِمَامِ، مَعَ بَقَاءِ صَلَاتِهِ وَصَلَاةِ الْمَأْمُومِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَقَ الْإِمَامَ الْحَدَثُ لِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ ثُمَّ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ تَبَعًا لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ سَبَقَ الْإِمَامُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ).
ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ (فَائْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ فِي قَضَاءِ مَا فَاتَهُمَا) صَحَّ (أَوْ ائْتَمَّ مُقِيمٌ بِمِثْلِهِ) فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمَا (إذَا سَلَّمَ إمَامٌ مُسَافِرٌ صَحَّ) ذَلِكَ، لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِعُذْرٍ فَجَازَ كَالِاسْتِخْلَافِ وَاسْتَدَلَّ فِي الشَّرْحِ بِقَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ تَأَخَّرَ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى.
قُلْت: لَيْسَ غَرَضُ الشَّارِحِ أَنَّ قَضِيَّةَ أَبِي بَكْرٍ هِيَ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ بَلْ تُشْبِهُهَا مِنْ حَيْثُ الِانْتِقَالُ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا مُؤْتَمِّينَ بِأَبِي بَكْرٍ فَصَارُوا مُؤْتَمِّينَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَصَلَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ الْجَامِعُ، وَهُوَ الْمُشَابَهَةُ فِي الِانْتِقَالِ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى أُخْرَى وَمَحَلُّ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمَسْبُوقِ بِمِثْلِهِ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ: (فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ) (فَلَا) يَصِحُّ ذَلِكَ (فِيهَا) أَيْ: فِي الْجُمُعَةِ (لِأَنَّهَا إذَا أُقِيمَتْ بِمَسْجِدٍ مَرَّةً لَمْ تُقَمْ فِيهِ) مَرَّةً (ثَانِيَةً) قَالَهُ الْقَاضِي: وَفِيهِ نَظَرٌ.
إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ إقَامَةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنَّمَا هُوَ تَكْمِيلٌ لَهَا بِجَمَاعَةٍ وَغَايَتُهُ: أَنَّهَا فُعِلَتْ بِجَمَاعَتَيْنِ وَهَذَا لَا يَضُرُّ، كَمَا لَوْ صُلِّيَتْ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مِنْهَا بِسِتِّينَ، ثُمَّ فَارَقَهُ عِشْرُونَ، وَصُلِّيَتْ الثَّانِيَةُ بِأَرْبَعِينَ وَقِيلَ: لَعَلَّهُ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ لَهَا، فَيَلْزَمُ لَوْ ائْتَمَّ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ بِآخَرَ تَصِحُّ.
(وَ) إنْ أَمَّ مَنْ لَمْ يَنْوِهِ أَوَّلًا، وَلَوْ بِاسْتِخْلَافٍ (بِلَا عُذْرِ السَّبْقِ) وَالْقَصْر الْمَذْكُورَيْنِ (لَا يَصِحُّ) لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ مَنْعُهُ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ جَوَازُهُ فِي مَحَلِّ الْعُذْرِ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ فَيَبْقَى فِيمَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (وَإِنْ أَحْرَمَ إمَامٌ لِغَيْبَةِ إمَامِ الْحَيِّ) أَيْ الْإِمَامِ الرَّاتِبِ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ أَوْ غَيْرَهُ.
(أَوْ) لِ (إذْنِهِ) أَيْ: إذْنِ إمَامِ الْحَيِّ لَهُ أَنْ يَؤُمَّ مَكَانَهُ (ثُمَّ حَضَرَ) إمَامُ الْحَيِّ (فِي أَثْنَائِهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (فَأَحْرَمَ بِهِمْ) أَيْ بِالْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ أَحْرَمُوا وَرَاءَ نَائِبِهِ (وَبَنَى) إمَامُ الْحَيِّ (عَلَى) تَرْتِيبِ (صَلَاةِ خَلِيفَتِهِ، وَصَارَ الْإِمَامُ) الَّذِي أَحْرَمَ أَوَّلًا (مَأْمُومًا جَازَ) ذَلِكَ (وَصَحَّ) لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ، فَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ، فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ وَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ (وَالْأَوْلَى) لِلْإِمَامِ (تَرْكُهُ) ذَلِكَ وَيَدَعُ الْخَلِيفَةَ يُتِمُّ بِهِمْ الصَّلَاةَ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.