فصل: (بَابُ الْعَاقِلَةُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ الْعَاقِلَةُ):

(وَمَا تَحْمِلُهُ وَهِيَ) جَمْعُ عَاقِلٍ يُقَالُ عَقَلْتُ فُلَانًا إذَا أَدَّيْتَ دِيَتَهُ وَعَقَلْتُ عَنْ فُلَانِ إذَا غَرِمْتَ عَنْهُ دِيَتَهُ وَأَصْلُهُ مِنْ عَقْلِ الْإِبِلِ وَهِيَ الْحِبَالُ الَّتِي تُثْنَى بِهَا أَيْدِيهَا إلَى رُكَبِهَا وَقِيلَ مِنْ الْعَقْلِ وَهُوَ الْمَنْعُ لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ عَنْ الْقَاتِلِ وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ يَتَحَمَّلُونَ الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ لِسَانَ وَلِيّ الْمَقْتُولِ وَالْعَاقِلَةُ (مَنْ غَرِمَ ثُلُثًا فَأَكْثَر بِسَبَبِ جِنَايَة غَيْرِهِ) وَهُوَ تَعْرِيفٌ بِالْحُكْمِ فَيَدْخُلهُ الدَّوْرُ فَلِذَلِكَ رَفَعَهُ بِقَوْلِهِ (فَعَاقِلَةُ الْجَانِي ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى ذُكُور عَصَبَته نَسَبًا) كَالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمِّ وَالْأَعْمَامِ كَذَلِكَ (وَوَلَاءٌ) كَالْمُعْتَقِ وَعَصَبَتِهِ الْمُعْتَصِبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ (قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ حَاضِرُهُمْ وَغَائِبُهُمْ صَحِيحُهُمْ وَمَرِيضُهُمْ وَلَوْ هَرِمًا وَزَمِنًا وَأَعْمَى) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِيرَاثَهَا لِبِنْتِهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ يَعْقِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ كَانُوا وَلَا يَرِثُونَ مِنْهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيُّ (وَمِنْهُمْ) أَيْ الْعَاقِلَةُ (عَمُودَا نَسَبِهِ آبَاؤُهُ) أَيْ أَبُوهُ وَإِنْ عَلَا بِمَحْضِ الذُّكُورِ (وَأَبْنَاؤُهُ) وَإِنْ نَزَلُوا بِمَحْضِ الذُّكُورِ لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ الْعَصَبَاتِ بِمِيرَاثِهِ فَكَانُوا أَوْلَى بِتَحَمُّلِ عَقْلِهِ (وَلَا يُعْتَبَرُ) فِي الْعَاقِلَةِ (أَنْ يَكُونُوا وَارِثِينَ فِي الْحَالِ) أَيْ حَالِ الْعَقْلِ (بَلْ مَتَى كَانُوا يَرِثُونَ لَوْلَا الْحَجْبُ عَقَلُوا) لِأَنَّهُمْ عَصَبَةٌ أَشْبَهُوا سَائِرَ الْعَصَبَاتِ يُحَقِّقْهُ أَنَّ الْعَقْلَ مَوْضُوعٌ عَلَى التَّنَاصُرِ وَهُمْ مِنْ أَهْلِهِ (وَلَيْسَ مِنْهُمْ) أَيْ الْعَاقِلَةُ (الْإِخْوَةُ لِأُمٍّ وَلَا سَائِرُ ذَوِي الْأَرْحَامِ) وَلَا النِّسَاءُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ ذَوِي النُّصْرَةِ (وَلَا الزَّوْجِ وَلَا الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ) وَهُوَ الْعَتِيقُ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ (وَلَا مَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَهُوَ الَّذِي حَالَفَ رَجُلًا يَجْعَلُ لَهُ وَلَاءَهُ وَنُصْرَتَهُ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» (وَلَا الْحَلِيفُ الَّذِي يُحَالِفُ آخَرَ عَلَى التَّنَاصُرِ وَلَا الْعَدِيدُ وَهُوَ الَّذِي لَا عَشِيرَةَ لَهُ يَنْضَمُّ إلَى عَشِيرَةٍ فَيُعَدُّ مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِي ذَلِكَ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ عُرِفَ نَسَبُ قَاتِلٍ مِنْ قَبِيلَةٍ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيْ بُطُونِهَا لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ) لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ (وَلَا مَدْخَلَ لِأَهْلِ الدِّيوَانِ فِي الْمُعَاقَلَةِ) فَإِذَا قَتَلَ وَاحِدٌ مِنْ دِيوَانِ لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ كَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَهُ (وَلَيْسَ عَلَى فَقِيرٍ وَلَوْ مُعْتَمِلًا حَمْلُ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ) لِأَنَّ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ مُوَاسَاةٌ فَلَا يَلْزَمُ الْفَقِيرَ كَالزَّكَاةِ وَلِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْ الْقَاتِلِ فَلَا يَجُوزُ التَّثْقِيلُ عَلَى الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ (وَلَا صَبِيٍّ وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ) لِأَنَّ الْحَمْلَ لِلتَّنَاصُرِ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهِ (وَلَا امْرَأَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا خُنْثَى مُشْكِلِ وَلَوْ كَانُوا مُعْتَقِينَ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْخُنْثَى امْرَأَةً (وَلَا رَقِيقٍ) لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ (وَلَا مُخَالِفِ لِدِينِ الْجَانِي حَمْلَ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ) لِأَنَّ حَمْلَهَا لِلنُّصْرَةِ وَلَا نُصْرَةَ لِمُخَالِفٍ فِي دِينِهِ.
(وَيَحْمِلُ الْمُوسِرُ مِنْ غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ الصَّبِيِّ وَزَائِلِ الْعَقْلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَالرَّقِيقِ وَالْمُخَالِفِ إذَا كَانَ عَصَبَةً (وَهُوَ) أَيْ الْمُوسِرُ (هُنَا مَنْ مَلَكَ نِصَابًا) زَكَوِيًّا (عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَاضِلًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ حَاجَتِهِ (كَحَجٍّ وَكَفَّارَة ظِهَارٍ) فَيُعْتَبَرُ أَنْ يَفْضُلَ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَعِيَالِهِ وَوَفَاءِ دَيْنِهِ (وَخَطَأُ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ فِي أَحْكَامِهِمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ خَطَأَهُ يَكْثُرُ فَيُجْحِفُ بِعَاقِلَتِهِ وَلِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ فَكَانَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ فِي مَالِ اللَّهِ (كَخَطَأِ وَكِيلٍ) فَإِنَّهُ عَلَى مُوَكَّلِهِ يَعْنِي أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَضْمَنْهُ (فَعَلَى هَذَا لِلْإِمَامِ عَزْلُ نَفْسِهِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ وَالتَّنْقِيحِ (وَخَطَؤُهُمَا الَّذِي تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَة) هُوَ خَطَؤُهُمَا فِي غَيْرِ حُكْمِهِمَا (وَشِبْهُهُ) أَيْ شِبْهُ الْخَطَأِ إذَا كَانَ (فِي غَيْرِ حُكْمٍ عَلَى عَاقِلَتِهِمَا) أَيْ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ كَخَطَأِ غَيْرِهِمَا.
(وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ زَادَ سَوْطُ الْخَطَأِ فِي حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ أَوْ جَهْلًا حَمْلًا أَوْ بِأَنَّ مَنْ حَكَمَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْحَاكِمُ (بِشَهَادَتِهِ غَيْرَ أَهْلٍ فِي أَنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ مِنْ خَطَئِهِ فِي حُكْمِهِ (وَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْحُدُودِ وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ) فَلَا يَعْقِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ لِعَدَمِ التَّنَاصُرِ وَقِيلَ إنَّ التَّوَارُثَ (بَلْ بَيْن ذِمِّيَّيْنِ إنْ تَحْدُثْ مِثْلُهَا فَلَا يَعْقِل يَهُودِيٌّ) عَنْ نَصْرَانِيٍّ (وَلَا نَصْرَانِيٌّ عَنْ الْآخَرِ) أَيْ عَنْ يَهُودِيٍّ لِعَدَمِ التَّوَارُثِ وَالتَّنَاظُرِ (فَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ أَوْ ارْتَدَّ مُسْلِمٌ لَمْ يَعْقِلْ عَنْهُمْ أَحَدٌ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقَرُّوا عَلَى ذَلِكَ الدِّينِ (وَتَكُونُ جِنَايَاتُهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ كَسَائِرِ الْجِنَايَةِ الَّتِي لَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ أَوْ لَهُ) عَاقِلَةٌ (وَعَجَزَتْ عَنْ الْجَمِيعِ فَالدِّيَةُ) أَيْ عَجَزُوا عَنْ الْكُلِّ (أَوْ بَاقِيهَا) إنْ أَدَّوْا الْبَعْضَ وَعَجَزُوا عَنْ الْبَاقِي (عَلَيْهِ) أَيْ الْجَانِي (إنْ كَانَ ذِمِّيًّا) لِأَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَا يَعْقِلُ عَنْهُ (وَإِنْ كَانَ) الْجَانِي (مُسْلِمًا أُخِذَتْ) الدِّيَةُ.
(أَوْ) أُخِذَ (بَاقِيهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) حَيْثُ لَا عَاقِلَةَ أَوْ عَجَزَتْ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ عَاقِلَتِهِ كَعِصَابَتِهِ فَتُؤْخَذُ (حَالَّةً دَفْعَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَّى دِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَكَذَا عُمَرُ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا أُجِّلَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
(فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَنْ (فَلَيْسَ عَلَى الْقَاتِل شَيْءٌ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَم الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُطَالِب بِهَا غَيْرَهُمْ وَلَا يَعْتَبِرُ تَحَمُّلُهُمْ وَلَا رِضَاهُمْ بِهَا فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ عُدِمَ الْقَاتِلُ وَعَنْهُ تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ قَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ دَمِ الْأَحْرَارِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ تُوجَدُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ الدِّيَةَ كُلَّهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَخْذِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَتَضِيعُ الدِّمَاءُ وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ وَإِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً لَكِنْ مَعَ وُجُودِهِمْ كَمَا قَالُوا فِي الْمُرْتَدِّ يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ تَحْمِلُهَا.
(وَإِنْ رَمَى ذِمِّيٌّ) صَيْدًا ثُمَّ تَغَيَّرَ دِينُهُ (أَوْ) رَمَى (مُسْلِمٌ صَيْدًا ثُمَّ تَغَيَّرَ دِينُهُ ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ آدَمِيًّا فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ قَتِيلٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَعْصُومٌ نَفَذَ حَمْلُ عَاقِلَتِهِ عَقْلَهُ فَوَجَبَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا يَعْقِلُهُ عَصَبَةُ الْقَاتِل الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حَالَ رَمْيِهِ وَلَا الْمُعَاهَدُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلهُ إلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ (وَلَوْ اخْتَلَفَ دِينُ جَارِحٍ حَالَتَيْ جَرْح وَزُهُوقٍ) بِأَنْ جَرَحَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ تَغَيَّرَ دِينُهُ أَوْ وَهُوَ ذِمِّيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ (حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ حَالَ الْجَرْحِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدَ الْجَرْحِ (وَلَوْ جَنَى ابْنُ الْمُعْتَقَةِ مِنْ عَبْدٍ فَعَقْلُهُ عَلَى مَوَالِي أُمِّهِ) لِأَنَّهُمْ مَوَالِيه وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُ وَانْجَرَّ وَلَاؤُهُ) لِمَوَالِي أَبِيهِ (ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ) خَطَأ فَأَرْشُهَا فِي مَالِهِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ قَالَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَالَ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِنْ انْجَرَّ وَلَاءُ ابْنُ مُعْتَقَةٍ بَيْنَ جَرْحٍ أَوْ رَمْيٍ وَتَلَف فَكَتَغَيُّرِ دِينٍ وَقَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا تَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ الْجَرْحِ عَلَى عَاقِلَتِهِ حَالَ الْجَرْحِ كَمَا فِي تَغَيُّرِ الدِّينِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ حَوَّلَ صَاحِبُ الْمُبْدِع عِبَارَةَ الْمُقْنِعِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَّبِعْ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى كَلَامَهُ فِي الْإِنْصَافِ أَوَّلًا وَلَا الْمُقْنِعِ مَعَ أَنَّ التَّنْقِيحَ لَمْ يُخَالِفَهُ (أَوْ رَمَى) ابْنُ الْمُعْتَقَةِ مِنْ عَبْدٍ (بِسَهْمٍ فَلَمْ يَقَعُ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ أَبُوهُ فَأَرْشُهَا) أَيْ الْجِنَايَةُ (فِي مَالِهِ) أَيْ الْجَانِي لَا يَحْمِلُهُ أَحَدٌ لِمَا سَبَقَ فِي تَغَيُّرِ الدِّينِ.
(فَصْلٌ) فِيمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ (وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا مَحْضًا وَلَوْ لَمْ يَجِبْ فِيهِ الْقِصَاصُ كَالْجَائِفَةِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ «لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ فَيَكُونَ كَالْإِجْمَاعِ: وَعَنْ عُمَرَ نَحْوُهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ «مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْعَمِّ إلَّا أَنْ تَشَاءَ» رَوَاهُ مَالِكٌ وَلِأَنَّ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ إنَّمَا هُوَ مُوَاسَاةٌ لِلْعُذْرِ وَالْعَامِدُ لَيْسَ بِمَعْذُورٍ (وَلَا) تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ (عَبْدًا قَتَلَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً) وَلَا دِيَةَ (طَرَفِهِ وَلَا جِنَايَتِهِ) لِمَا سَبَقَ (وَلَا) تَحْمِلُ (قِيمَةَ دَابَّةٍ) كَالْعَبْدِ (وَلَا) تَحْمِلُ (صُلْحَ إنْكَارٍ وَلَا) تَحْمِلُ (اعْتِرَافًا بِأَنْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ تُوجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ إنْ لَمْ تُصَدِّقهُ الْعَاقِلَةُ) لِمَا سَبَقَ.
(وَلَا) تَحْمِلُ (مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَهِيَ دِيَةُ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ) لِقَضَاءِ عُمَرَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ شَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ عَقْلَ الْمَأْمُومَةِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ هُوَ الْمُتْلِفُ، فَكَانَ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ لَكِنْ خُولِفَ فِي الثُّلُثِ لِإِجْحَافِهِ بِالْجَانِي لِكَثْرَتِهِ فَمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ وَالثُّلُثُ حَدُّ الْكَثِير لِلْخَبَرِ (إلَّا غُرَّةُ جَنِينٍ مَاتَ مَعَ أُمِّهِ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٌ أَوْ) مَاتَ (بَعْدَ مَوْتِهَا) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَاحِدَةٌ فَتَبِعَهَا مَعَ زِيَادَتِهَا مَعَ الثُّلُثِ وَ(لَا) تَحْمِلُ الْغُرَّةَ إنْ مَاتَ الْجَنِينُ (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ أُمِّهِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنَايَةِ فَلَا تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ (لِنَقْصِهِ عَنْ الثُّلُثِ) وَلَا تَبَعِيَّةَ لِمَوْتِهِ قَبْلَهَا (فَهَذَا كُلُّهُ) أَيْ الْعَمْدُ الْمَحْضُ وَقِيمَةُ الدَّابَّةِ وَصُلْحِ الْإِنْكَارِ وَالِاعْتِرَافِ وَمَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ (فِي مَالِ الْجَانِي حَالًا) لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَانِي حَالًا لِأَنَّهُ بَدَلُ مُتْلَفِ قِيمَةِ الْمَتَاعِ خُولِفَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ لِدَلِيلِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ.
(وَتَحْمِلُ) الْعَاقِلَةُ (دِيَةَ الْمَرْأَةِ) الْمُسْلِمَةِ لِأَنَّهَا نِصْفُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ بِخِلَافِ دِيَةِ الْكَافِرَةِ فَلَا تَحْمِلُهَا لِأَنَّهَا دُونَ الثُّلُثِ (وَتَحْمِلُ) الْعَاقِلَةُ (مِنْ جِرَاحِهَا) أَيْ الْمُسْلِمَةِ (مَا يَبْلُغُ أَرْشُهُ ثُلُثَ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فَأَكْثَر كَدِيَةِ أَنْفِهَا) لِأَنَّ فِيهِ دِيَتَهَا وَهِيَ نِصْفُ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ وَ(لَا) فَتَحْمِل دِيَةَ (يَدِهَا) لِأَنَّهَا نِصْفُ دِيَتِهَا وَهِيَ الرُّبْعُ (وَكَذَا حُكْمُ الْكِتَابِيِّ) فَتَحْمِلُ دِيَتَهُ وَمَا يَبْلُغُ أَرْشُهُ مِنْ جِرَاحَةِ ثُلُثِ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ كَأَنْفِهِ وَلِسَانِهِ لَا يَدِهِ وَرِجْلِهِ (وَلَا تَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ لِأَنَّهَا دُونَ الثُّلُثِ وَتَحْمِلُ) الْعَاقِلَةُ (شِبْهَ الْعَمْدِ كَالْخَطَأِ وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ» الْحَدِيثَ، وَتَقَدَّمَ، وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا كَالْخَطَإِ.
(وَمَا يَحْمِلُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِلَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ) لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مِنْ الشَّرْعِ وَلَمْ يَرِد بِهِ (وَتَرْجِعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فَيَحْمِلُ كُلُّ إنْسَانٍ مَا يَسْهُلُ) عَلَيْهِ (وَلَا يَشُقُّ) لِأَنَّ التَّحَمُّلَ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْ الْجَانِي مَا يَثْقُلُ عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْإِجْحَافَ وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا كَانَ الْجَانِي أَحَقَّ بِهِ (وَيَبْدَأُ) الْحَاكِمُ (بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَعَصَبَاتٍ فِي مِيرَاثٍ، لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ بَعِيدٍ لِغَيْبَةِ قَرِيبٍ) لِمَحَلِّ الضَّرُورَةِ (فَإِنْ اتَّسَعَتْ أَمْوَالُ الْأَقْرَبِينَ لَهَا) أَيْ الدِّيَةَ (لَمْ يَتَجَاوَزهُمْ) أَيْ لَمْ يَنْتَقِلُ لِغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُ حَقٌّ يُسْتَحَقُّ بِالتَّعْصِيبِ فَتَقَدَّمَ الْأَقْرَبُ كَالْمِيرَاثِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ أَمْوَالُ الْأَقْرَبِينَ لَهَا (انْتَقَلَ إلَى مَنْ يَلِيهِمْ) لِأَنَّ الْأَقْرَبِينَ لَوْ لَمْ يَكُونُوا مَوْجُودِينَ تَعَلَّقَتْ الدِّيَةُ بِمَنْ يَلِيهِمْ فَكَذَا إذَا تَحَمَّلَ الْأَقْرَبُونَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةُ (فَيَبْدَأُ بِالْآبَاءِ ثُمَّ بِالْأَبْنَاءِ) الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْإِنْصَافِ: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَبْنَاءِ ثُمَّ بِالْآبَاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (ثُمَّ بِالْإِخْوَةِ) يُقَدِّمُ مَنْ يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ (ثُمَّ بَنِيهِمْ) كَذَلِكَ (ثُمَّ أَعْمَامِ بَنِيهِمْ) كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَارِبِ الْأَبِ ثُمَّ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ (ثُمَّ أَعْمَامِ الْجَدِّ ثُمَّ بَنِيهِمْ كَذَلِكَ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْمُنَاسِبُونَ) أَيْ الْعَصَبَةُ مِنْ النَّسَبِ (فَعَلَى الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ ثُمَّ عَلَى عَصَبَاتِهِ) الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبِ كَالْمِيرَاثِ (فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ) لِلْجَانِي (امْرَأَةً حَمَلَ عَنْهَا جِنَايَةَ عَتِيقهَا مَنْ يَحْمِلُ جِنَايَتَهَا مِنْ عَصَبَاتِهَا) كَالْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ.
وَقَوْلُهُ حَمَلَ عَنْهُ أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَلَاءَ لَهُمْ مِنْ جَرَّائِهَا وَنَسَبِهَا وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً لَا عَلَيْهَا ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إلَيْهِمَا (ثُمَّ عَلَى مَوْلَى الْمَوْلَى) أَيْ مُعْتِقِ الْمُعْتِق (ثُمَّ عَلَى عَصَبَاتِهِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبِ) مِنْ النَّسَبِ ثُمَّ مِنْ الْوَلَاءِ (كَالْمِيرَاثِ سَوَاءٌ فَيُقَدِّمُ مَنْ يُدْلِي بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ يُدْلِي بِأَبٍ) مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَبَنِيهِمْ (وَإِنْ تَسَاوَى جَمَاعَةٌ فِي الْقُرْبِ وَكَثُرُوا) كَالْبَنِينَ وَالْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ (وَزَّعَ مَا يَلْزَمهُمْ بَيْنَهُمْ) كَالْمِيرَاثِ (وَمَنْ صَارَ أَهْلًا عِنْدَ الْحَوْلِ، وَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا عِنْدَ الْوُجُوبِ كَفَقِيرٍ يَسْتَغْنِي وَصَبِيٍّ يَبْلُغُ وَمَجْنُونٍ يُفِيقُ دَخَلَ فِي التَّحَمُّلِ) لِأَنَّهُ فِي وَقْت الْوُجُوبِ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ أَشْبَهَ مَنْ كَانَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ كَذَلِكَ (وَعَاقِلَةُ ابْنُ الْمُلَاعَنَةِ) الْمَنْفِيِّ بِاللِّعَانِ وَوَلَدِ الزِّنَا (عَصَبَةُ أُمِّهِ) لِأَنَّهُمْ عَصَبَتُهُ الْوَارِثُونَ لَهُ.
(فَصْلٌ وَمَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ يَجِبُ مُؤَجَّلًا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي دِيَة الْخَطَإِ وَلَمْ يُعْرَف لَهُمَا مُخَالِفٌ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (فِي آخِر كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثَهُ إنْ كَانَ) الْوَاجِبُ (دِيَةً كَامِلَةً كَدِيَةِ النَّفْسِ أَوْ) دِيَةِ (طَرَف كَالْأَنْفِ) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّح لِبَعْضِ السِّنِينَ عَلَى بَعْضٍ وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ، فَلَمْ يَجِبُ حَالًّا كَالزَّكَاةِ (وَإِنْ كَانَ) الْوَاجِبُ (الثُّلُثُ كَدِيَةِ الْمَأْمُومَةِ) وَالْجَائِفَةِ (وَجَبَ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى) وَلَمْ يَجِبْ مِنْهُ شَيْءٌ حَالًّا لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ حَالًّا (وَإِنْ كَانَ) الْوَاجِبُ (نِصْفَ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ كَدِيَةِ الْيَدِ) مِنْ الذَّكَرِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ (وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ) الْمُسْلِمَةِ وَدِيَةُ (الْكِتَابِيِّ أَوْ) كَانَ الْوَاجِبُ (ثُلُثَيْهَا كَدِيَةِ الْمَنْخِرَيْنِ) دُون الْحَاجِزِ (وَجَبَ الثُّلُثُ فِي آخِرِ السَّنَةِ الْأُولَى) لِأَنَّهُ قَدْرُ مَا يُؤَدَّى مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ فَوَجَبَ لِتَسَاوِيهِمَا فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ (وَ) وَجَبَ (الثُّلُثُ الثَّانِي أَوْ السُّدُسُ الْبَاقِي مِنْ النِّصْف فِي آخِرِ) السَّنَة (الثَّانِيَةِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مَحِلُّ الْقِسْطِ الثَّانِي مِنْ الْكَامِلَةِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْوَاجِبُ (أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ مِثْل أَنْ أَذْهَبَ سَمْعَ إنْسَانٍ وَبَصَرهُ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَفِي سِتّ سِنِينَ) فَيُؤْخَذُ (فِي كُلّ سَنَةٍ ثُلُث) دِيَةٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَوْ كَانَ دُونَ الدِّيَةِ لَمْ يَنْقُصْ فِي السَّنَةِ عَنْ الثُّلُثِ، فَكَذَا لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ (وَكَذَا أَوْ قَتَلَتْ الضَّرْبَةُ الْأُمَّ وَجَنِينَهَا بَعْدَ مَا اسْتَهَلَّ) لِوَقْتٍ يَعِيشُ لِمِثْلِهِ فَفِيهِمَا دِيَتُهَا وَدِيَةُ الْجَنِينِ (لَمْ يَزِدْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى ثُلُثِ دِيَةٍ) كَامِلَةٍ لِأَنَّهُمَا كَالنَّفْسِ الْوَاحِدَةِ.
(وَإِنْ قَتَلَ اثْنَيْنِ) وَلَوْ بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ فَدِيَتُهُمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَهُ دِيَةٌ فَيَسْتَحِقُّ ثُلُثَهَا كَمَا انْفَرَدَ حَقُّهُ (أَوْ أَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِجِنَايَتَيْنِ فَدِيَتُهُمَا) أَيْ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) فَيُؤْخَذُ (مِنْ كُلِّ دِيَةٍ ثُلُثٌ) لِأَنَّهَا مِنْ جِنَايَتَيْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ انْفَرَدَ كُلُّ مِنْهُمَا (وَابْتِدَاءُ الْحَوْل فِي الْجَرْحِ مِنْ حِينِ الِانْدِمَالِ) لِأَنَّ الْأَرْشَ لَا يَسْتَقِرُّ إلَّا بِهِ.
(وَ) ابْتِدَاءُ الْحَوْلِ (فِي الْقَتْلِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ سَوَاءٌ كَانَ قَتْلًا مُوحِيًا أَوْ عَنْ سِرَايَةِ جَرْحٍ) لِأَنَّهُ حَالَةُ الْوُجُوبِ (وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْعَاقِلَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ افْتَقَرَ أَوْ جُنَّ) مِنْهُمْ قَبْلَ الْحَوْلِ (لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ مِنْ مَالٍ يَجِبُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ أَشْبَهَ الزَّكَاةَ (وَإِنْ مَاتَ) مِنْ الْعَاقِلَة أَحَدٌ (بَعْدَ الْحَوْلِ لَمْ يَسْقُطْ) مَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَدْخُلهُ النِّيَابَةُ لَا يَمْلِك إسْقَاطَهُ فِي حَيَاتِهِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ، وَلِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ لِحَوَلَانِ الْحَوْلِ فَلَمْ يَسْقُطْ كَالزَّكَاةِ وَكَذَا لَوْ جُنَّ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَأَمَّا لَوْ افْتَقَرَ فَفِيهِ نَظَرٌ.
(وَعَمْدُ غَيْرِ مُكَلَّفٍ خَطَأٌ تَحْمِلهُ الْعَاقِلَةُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ كَمَالُ الْقَصْدِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كَخَطَإِ الْبَالِغ وَلِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ فَحَمَلَتْهُ غَيْرُهُ (وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ).

.(بَابُ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ):

الْكَفَّارَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكُفْرِ وَهُوَ السَّتْرُ لِأَنَّهَا تُغَطِّي الذَّنْبَ وَتَسْتُرهُ، وَالْأَصْلُ فِيهَا الْإِجْمَاعُ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً} الْآيَةَ فَذَكَرَ فِي الْآيَةِ ثَلَاثَ كَفَّارَاتٍ إحْدَاهُنَّ بِقَتْلِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ خَطَأً الثَّانِيَةُ بِقَتْلِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ إيمَانُهُ الثَّالِثَةُ بِقَتْلِ الْمُعَاهَدِ وَهُوَ الذِّمِّيُّ (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً أَوْ شَارَكَ فِيهَا وَلَوْ نَفْسَهُ أَوْ قِنَّهُ أَوْ مُسْتَأْمَنًا أَوْ مُعَاهَدًا خَطَأً) لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ (أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ) لِأَنَّهُ أُجْرِيَ مَجْرَاهُ فِي عَدَمِ الْقِصَاصِ فَكَذَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي الْكَفَّارَةِ (أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ) لِمَا سَبَقَ (أَوْ قَتَلَ بِسَبَبٍ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ كَحَفْرِ بِئْرٍ وَنَصْبِ سِكِّينٍ وَشَهَادَة زُورٍ).
وَ(لَا) كَفَّارَةَ (فِي قَتْلِ عَمْدٍ مَحْضٍ) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} وَسَوَاءٌ كَانَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَا) كَفَّارَةَ أَيْضًا (فِي قَتْلِ أَسِيرٍ حَرْبِيٍّ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامُ فَقَتَلَهُ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامُ.
(وَلَا فِي قَتْلِ نِسَاءِ حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ وَلَا) فِي قَتْلِ (مَنْ لَمْ تَبْلُغهُ الدَّعْوَةُ إنْ وُجِدَ) فَيَحْرُم قَتْلُهُ قَبْلَ الدَّعْوَةِ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ لَا إيمَانَ لَهُمْ وَلَا أَمَانَ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْقَاتِلِ أَوْ الْمُشَارِكِ فِي سِوَى مَا اُسْتُثْنِيَ (كَفَّارَةٌ كَامِلَةٌ فِي مَالِهِ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ إمَامًا فِي خَطَأٍ يَحْمِلهُ بَيْتُ الْمَالِ) فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ لَا فِي بَيْتِ الْمَالِ (أَوْ) كَانَ الْقَاتِلُ (كَافِرًا) فَتَجِبُ عُقُوبَةٌ لَهُ كَالْحُدُودِ (وَهِيَ) أَيْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ (عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) رَقَبَةً مُؤْمِنَةً فَاضِلَةً كَمَا تَقَدَّمَ (فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) لِلْآيَةِ (وَتَقَدَّمَ حُكْمُهَا عِنْدَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَة أَشْبَهَ قَتْلَ الْآدَمِيِّ بِالْمُبَاشَرَةِ وَكَالْمَوْلُودِ.
وَ(لَا) تَجِبُ كَفَّارَةٌ (بِإِلْقَاءِ مُضْغَةٍ) لَمْ تَتَصَوَّر لِأَنَّهَا لَيْسَتْ نَفْسًا (وَإِنْ قَتَلَ جَمَاعَةً) أَوْ شَارَكَ فِي قَتْلِهِمْ (لَزِمَهُ كَفَّارَاتٌ) بِعَدَدِهِمْ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالدِّيَةِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ (سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا مَضْمُونًا) كَالذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ ظُلْمًا فَوَجَبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ كَالْمُسْلِمِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ (حُرًّا أَوْ عَبْدًا) لِعُمُومِ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ (صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى) لِمَا سَبَقَ (وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِل كَبِيرًا عَاقِلًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى) لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْقَتْلِ فَتَعَلَّقَتْ بِهِمْ كَالدِّيَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ عِبَادَتَانِ بَدَنِيَّتَانِ وَهَذِهِ مَالِيَّةٌ أَشْبَهَتْ نَفَقَةَ الْأَقَارِب.
(وَلَا يَجِبُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) لِأَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ تَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ وَلَا قَوْلَ لِلصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَهَذِهِ تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ وَفِعْلُهُمَا مُتَحَقِّقٌ وَيَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَوْلِ بِدَلِيلِ إحْبَالِهَا (وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالصِّيَامِ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ وَلَا مُكَاتَبًا لِأَنَّ مِلْكَهُ ضَعِيفٌ (وَيَأْتِي فِي آخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَيُكَفِّرُ مِنْ مَالِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ وَلِيُّهُ) كَإِخْرَاجِ زَكَاةٍ وَيُكَفِّرُ سَفِيهٌ بِصَوْمٍ كَمُفْلِسٍ (وَمَنْ رَمَى فِي دَارِ الْحَرْب مُسْلِمًا يُعْتِقُهُ كَافِرًا أَوْ رَمَى إلَى صَفِّ الْكُفَّارَ فَأَصَابَ فِيهِمْ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وَلَا دِيَة كَمَا تَقَدَّمَ لِظَاهِرِ الْآيَةِ (وَلَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ مُبَاحٍ كَقَتْلِ حَرْبِيٍّ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا) لِأَنَّهُ قَتْلٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْكَفَّارَةُ لَا تَجِبُ لِمَحْوِ الْمَأْمُورِ بِهِ.
(وَلَا) كَفَّارَةَ (فِي قَطْعِ طَرَفٍ) كَأَنْفٍ وَيَدٍ (وَ) لَا فِي (قَتْلِ بَهِيمَةٍ) لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَقَتْلُ الْخَطَإِ لَا يُوصَفُ بِتَحْرِيمٍ وَلَا إبَاحَةٍ لِأَنَّهُ كَقَتْلِ الْمَجْنُونِ لَكِنْ النَّفْسُ الذَّاهِبَةُ بِهِ مَعْصُومَةٌ مُحَرَّمَةٌ، فَلِذَلِكَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ فِيهَا وَقَالَ قَوْمٌ الْخَطَأُ مُحَرَّمٌ وَلَا إثْمَ فِيهِ وَلَا تَلْزَمُ الْكَفَّارَةُ قَاتِلًا حَرْبِيًّا ذَكَرَهُ فِي التَّرْغِيبِ (وَأَكْبَرُ الذُّنُوبِ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ ثُمَّ الْقَتْلُ ثُمَّ الزِّنَا) لِلْخَبَرِ.