فصل: (بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ):

أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} وَالْقِصَاصُ كَانَ حَتْمًا عَلَى الْيَهُودِ وَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ الْعَفْوُ وَالدِّيَةُ، وَكَانَتْ الدِّيَةُ حَتْمًا عَلَى النَّصَارَى وَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ فَخُيِّرَتْ الْأُمَّةُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ وَالْعَفْوِ تَخْفِيفًا وَرَحْمَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُرْفَعُ إلَيْهِ أَمْرٌ فِيهِ الْقِصَاصُ إلَّا أَمَرَ فِيهِ بِالْعَفْوِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ حَقٌّ لَهُ فَجَازَ تَرْكُهُ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَالْعَفْوُ: الْمَحْوُ وَالتَّجَاوُزُ.
(الْوَاجِبُ بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ الْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} أَوْجَبَ الِاتِّبَاعَ بِمُجَرَّدِ الْعَفْوِ، وَلَوْ أَوْجَبَ الْعَمْدَ بِالْقِصَاصِ عَيْنًا لَمْ تَجِبْ الدِّيَةُ عِنْدَ الْعَفْوِ الْمُطْلَقِ (فَيُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَهُمَا) فَإِنْ شَاءَ اقْتَصَّ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ (وَلَوْ لَمْ يَرْضَ الْجَانِي) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الْآيَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:
«مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أَنْ يُودَى وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَإِنْ عَفَا مَجَّانًا فَهُوَ أَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِهِ (ثُمَّ لَا عُقُوبَةَ عَلَى جَانٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ وَاحِدٌ وَقَدْ سَقَطَ) كَعَفْوٍ عَنْ دِيَةِ قَاتِلٍ خَطَأً قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْعَدْلُ نَوْعَانِ، أَحَدُهُمَا: هُوَ الْغَايَةُ وَهُوَ الْعَدْلُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ الْإِحْسَانُ أَفْضَلَ مِنْهُ وَهُوَ عَدْلُ الْإِنْسَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ فَإِنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ عَدْلٌ وَالْعَفْوُ إحْسَانٌ وَالْإِحْسَانُ هُنَا أَفْضَلُ، لَكِنَّ هَذَا الْإِحْسَانَ لَا يَكُونُ إحْسَانًا إلَّا بَعْدَ الْعَدْلِ وَهُوَ أَنْ لَا يَحْصُلَ بِالْعَفْوِ ضَرَرٌ فَإِذَا حَصَلَ مِنْهُ ضَرَرٌ كَانَ ظُلْمًا مِنْ الْعَافِي لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا لِغَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ، وَمَحِلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِمَجْنُونٍ أَوْ صَغِيرٍ فَلَا يَصِحُّ الْعَفْوُ إلَى غَيْرِ مَالٍ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ.
(وَإِنْ اخْتَارَ) الْوَلِيُّ (الْقَوَدَ أَوْ عَفَا عَنْ الدِّيَةِ فَقَطْ فَلَهُ أَخْذُهَا) أَيْ الدِّيَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لَهُ وَلِلْجَانِي، وَتَكُونُ بَدَلًا عَنْ الْقِصَاصِ وَلَيْسَتْ الَّتِي وَجَبَتْ بِالْقَتْلِ (وَلَوْ سَخَطَ الْجَانِي) لِأَنَّ الدِّيَةَ دُونَ الْقِصَاصِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَيْهَا لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ حَقِّهِ (وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ (الصُّلْحُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا) أَيْ الدِّيَةِ (وَتَقَدَّمَ فِي الصُّلْحِ) مُوَضَّحًا (وَمَتَى اخْتَارَ) الْوَلِيُّ (الدِّيَةَ تَعَيَّنَتْ وَسَقَطَ الْقَوَدُ) قَالَ أَحْمَدُ: إذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَقَدْ عَفَا عَنْ الدَّمِ (وَلَا يَمْلِكُ طَلَبَهُ) أَيْ الْقَوَدِ (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ اخْتِيَارِ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ لَا يَعُودُ (فَإِنْ قَتَلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ اخْتِيَارِ الدِّيَةِ (قُتِلَ بِهِ) لِأَنَّهُ عَمْدُ عُدْوَانٍ.
(وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ فَلَهُ الدِّيَةُ لِانْصِرَافِ الْعَفْوِ إلَى الْقَوَدِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الِانْتِقَامِ، وَالِانْتِقَامُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَتْلِ (أَوْ) عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ بِأَنْ عَفَا عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَهُ الدِّيَةُ (أَوْ) عَفَا (عَلَى الْقَوَدِ مُطْلَقًا) بِأَنْ قَالَ عَفَوْتُ عَنْ الْقَوَدِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ (وَلَوْ) كَانَ الْعَفْوُ (عَنْ يَدِهِ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ رِجْلِهِ وَنَحْوِهِمَا (فَلَهُ الدِّيَةُ) لِانْصِرَافِ الْعَفْوِ إلَى الْقَوَدِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الْقَوَدِ (لِمَنْ) لَهُ (عَلَيْهِ قَوَدٌ عَفَوْت عَنْ جِنَايَتِكَ أَوْ) عَفَوْتُ، (عَنْكَ بَرِئَ مِنْ الدِّيَةِ كَالْقَوَدِ نَصًّا)) لِأَنَّ عَفْوَهُ عَنْ ذَلِكَ يَتَنَاوَلُهُمَا.
(وَإِذَا جَنَى عَبْدٌ عَلَى حُرٍّ جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ فَاشْتَرَاهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّ شِرَاءَهُ بِالْأَرْشِ اخْتِيَارٌ لِلْمَالِ وَلَمْ يَصِحَّ الشِّرَاءُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَعْرِفَا قَدْرَ الْأَرْشِ فَالثَّمَنُ مَجْهُولٌ وَشَرْطُ الْبَيْعِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ (وَإِنْ عَرَفَا عَدَدَ الْإِبِلِ) أَوْ الْبَقَرِ أَوْ الْغَنَمِ (أَوْ أَسْنَانِهَا فَصِفَتُهَا مَجْهُولَةٌ) وَذَلِكَ يُنَافِي صِحَّةَ الْبَيْعِ (فَإِنْ قُدِّرَ الْأَرْشُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَبَاعَهُ بِهِ صَحَّ) الْبَيْعُ لِلْعِلْمِ بِالثَّمَنِ (وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ قَبْلَهُ عَفْوُ وَلِيِّ الْمَجْنُونِ وَالصَّغِيرِ وَيَصِحُّ عَفْوُ الْمُفْلِسِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ عَنْ الْقِصَاصِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ.
(وَإِنْ أَرَادَ الْمُفْلِسُ الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ إجْبَارُهُ عَلَى تَرْكِهِ) لِيَأْخُذَ الدِّيَةَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ لَهُ (وَإِنْ أَحَبَّ) الْمُفْلِسُ (الْعَفْوَ عَنْهُ إلَى مَالٍ فَلَهُ ذَلِكَ) كَغَيْرِ الْمُفْلِسِ وَ(لَا) يَعْفُو (مَجَّانًا) لِأَنَّ الْمَالَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ لَهُ إسْقَاطُهُ إذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَيْنِ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا صَحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ إلَّا الْقَوَدُ وَقَدْ أَسْقَطَهُ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ.
وَفِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ يَصِحُّ عَفْوُهُ مَجَّانًا لِأَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ، وَقَالَهُ فِي الْمُغْنِي (وَكَذَا) أَيْ كَالْمُفْلِسِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ عَلَى مَالٍ أَوْ مَجَّانًا (السَّفِيهُ وَوَارِثُ الْمُفْلِسِ وَالْمُكَاتَبُ وَكَذَا الْمَرِيضُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ) وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْعَفْوِ مِنْ هَؤُلَاءِ مَجَّانًا، لِأَنَّ الدِّيَةَ لَمْ تَتَعَيَّنْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُفْلِسِ.
(إنْ مَاتَ الْقَاتِلُ، أَوْ قُتِلَ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْقَوَدُ مِنْ غَيْرِ إسْقَاطٍ (كَتَعَذُّرِهِ فِي طَرَفِهِ) أَيْ تَعَذُّرِ الْقَوَدِ فِي طَرَفِ الْجَانِي لِقَطْعٍ أَوْ شَلَلٍ.
(وَ) كَ (قَتْلِ غَيْرِ الْمُكَافِئ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ) الْجَانِي (تَرِكَةً سَقَطَ الْحَقُّ) يَعْنِي لَمْ تُطَالِبْ بِهِ عَاقِلَتُهُ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ الْمَحْضَ (وَإِنْ قَطَعَ) الْجَانِي (أُصْبُعًا عَمْدًا فَعَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَنْهُ ثُمَّ سَرَتْ) الْجِنَايَةُ (إلَى الْكَفِّ أَوْ إلَى النَّفْسِ وَالْعَفْوُ عَلَى مَالٍ أَوْ عَلَى غَيْرِ مَالٍ فَلَهُ تَمَامُ دِيَةِ مَا سَرَتْ إلَيْهِ) الْجِنَايَةُ لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إنَّمَا عَفَا عَنْ دِيَةِ الْأُصْبُعِ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ تَمَامُ الدِّيَةِ ضَرُورَةَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ، وَلَا قِصَاصَ لِتَعَذُّرِهِ فِي النَّفْسِ دُونَ مَا عَفَا عَنْهُ فَسَقَطَ فِي النَّفْسِ كَمَا لَوْ عَفَا بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ.
(وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا قِصَاصَ فِيهِ كَالْجَائِفَةِ فَعَفَا) الْمَجْرُوحُ (عَنْ الْقِصَاصِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْ قَوَدِ مَا لَا قَوَدَ فِيهِ) فَلَمْ يُؤَثِّرْ عَفْوُهُ (وَلَهُ) أَيْ وَلِيِّ الْمَجْرُوحِ (بَعْدَ السِّرَايَةَ الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَلَهُ) حِينَئِذٍ (كَمَالُ الدِّيَةِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عَفْوٌ.
(وَإِنْ عَفَا) الْمَجْرُوحُ (عَنْ دِيَةِ الْجُرْحِ صَحَّ) عَفْوُهُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ وَجَبَ بِالْجِنَايَةِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ (وَلَهُ) أَيْ لِوَرَثَتِهِ (بَعْدَ السِّرَايَةِ دِيَةُ النَّفْسِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ إلَّا أَرْشَ الْجُرْحِ ا هـ لِأَنَّ الْجُرْحَ مُوجِبٌ وَإِنَّمَا سَقَطَ الْوُجُوبُ بِالْعَفْوِ فَيَخْتَصُّ الْقَوَدُ بِمَحِلِّ الْعَفْوِ.
(وَإِنْ عَفَا) وَلِيُّ الْقَوَدِ (مُطْلَقًا) بِأَنْ قَالَ عَفَوْت فَقَطْ فَلَهُ الدِّيَةُ (أَوْ عَفَا عَنْ الْقَوَدِ مُطْلَقًا) بِأَنْ قَالَ عَفَوْت عَنْ الْقَوَدِ (فَلَهُ الدِّيَةُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَإِذَا سَقَطَ الْقَوَدُ تَعَيَّنَتْ الدِّيَةُ (وَإِنْ قَالَ الْجَانِي) لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ (عَفَوْت مُطْلَقًا) أَيْ عَنْ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ (أَوْ) قَالَ الْجَانِي (عَفَوْت عَنْهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ (وَعَنْ سِرَايَتِهَا قَالَ) وَلِيُّ الْجِنَايَةِ (بَلْ عَفَوْت إلَى مَالٍ أَوْ عَفَوْت عَنْهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ (دُونَ سِرَايَتِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيّه) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (وَإِنْ قَتَلَ الْجَانِي الْعَافِيَ فِيمَا إذَا عَفَا عَلَى مَالٍ قَبْلَ الْبُرْءِ فَالْقَوَدُ) أَيْ لِوَلِيِّ الْعَافِي الْقَوَدُ لِأَنَّ قَتْلَهُ انْفَرَدَ عَنْ قَطْعِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ غَيْرَهُ (أَوْ الدِّيَةُ كَامِلَةً) لِأَنَّ الْقَتْلَ مُنْفَرِدٌ عَنْ الْقَطْعِ فَلَمْ يَدْخُلْ حُكْمُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ وَلِأَنَّ الْقَتْلَ مُوجِبٌ لَهُ فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ كَامِلَةً كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ عَفْوٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَفْوُ عَلَى غَيْرِ مَالٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الشَّرْحِ قَالَ وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرَ كَانَ الْعَافِي عَنْ الْجُرْحِ أَخَذَ دِيَةَ طَرَفِهِ أَوْ لَمْ يَأْخُذْهَا.
(وَإِنْ وَكَّلَ) مُسْتَحِقُّ الْقَوَدِ (فِي قِصَاصٍ ثُمَّ عَفَا) الْمُوَكَّلُ (وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ حَتَّى اقْتَصَّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا) أَمَّا الْمُوَكَّلُ فَلِأَنَّ الْعَفْوَ إحْسَانٌ فَلَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الضَّمَانِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ فَلِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ كَمَا لَوْ عَفَا بَعْدَ مَا رَمَاهُ (وَإِنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ) بِعَفْوِ الْمُوَكِّلِ (فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ ظُلْمًا كَمَا لَوْ قَتَلَهُ ابْتِلَاءً.
(وَإِنْ عَفَا) الْمَجْرُوحُ (عَنْ قَاتِلِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ صَحَّ سَوَاءٌ كَانَ) الْعَفْوُ (بِلَفْظِ الْعَفْوِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ الْإِبْرَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ فَصَحَّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ (فَإِنْ قَالَ) وَلِيُّ الْجِنَايَةِ: (عَفَوْتُ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا صَحَّ) الْعَفْوُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ لِلْحَقِّ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ (وَلَمْ يَضْمَنْ) الْجَانِي (السِّرَايَةَ) لِلْعَفْوِ عَنْهَا (فَإِنْ كَانَ) الْجُرْحُ (عَمْدًا لَمْ يَضْمَنْ) الْجَانِي (شَيْئًا) وَلَمْ يُعْتَبَرْ خُرُوجُ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْقَوَدُ عَيْنًا أَوْ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ إسْقَاطُ أَحَدِهِمَا (وَإِنْ كَانَ) الْجُرْحُ (خَطَأً اُعْتُبِرَ خُرُوجُهُمَا) أَيْ الْجِنَايَةِ وَسِرَايَتِهَا (مِنْ الثُّلُثِ) كَالْوَصِيَّةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ سَقَطَ عَنْهُ أَيْ الْجَانِي (مِنْ دِيَتِهَا) أَيْ السِّرَايَةِ (مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ) كَوَصِيَّةٍ.
(وَإِنْ أَبْرَأَهُ) أَيْ أَبْرَأَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْجَانِيَ (مِنْ الدِّيَةِ أَوْ وَصَّى لَهُ بِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ وَتَصِحُّ) لِتَأَخُّرِهَا عَنْ الْجِنَايَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَصَّى لَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ (وَتَقَدَّمَ فِي الْمُوصَى لَهُ) مُفَصَّلًا (وَتُعْتَبَرُ) الْبَرَاءَةُ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ الْوَصِيَّةُ بِهَا لِلْقَاتِلِ (مِنْ الثُّلُثِ) كَسَائِرِ الْعَطَايَا فِي الْمَرَضِ وَالْوَصَايَا (وَإِنْ أَبْرَأَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَارِثُهُ (الْقَاتِلَ مِنْ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ أَوْ) أَبْرَأَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَارِثُهُ (الْعَبْدَ مِنْ الْجِنَايَةِ الْمُتَعَلِّقِ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ لَمْ يَصِحَّ) الْإِبْرَاءُ لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّ الدِّيَةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْجِنَايَةُ الْمُتَعَلِّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ بَلْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمِلْكِ السَّيِّدِ (وَإِنْ أَبْرَأَ الْعَاقِلَةَ أَوْ) أَبْرَأَ (السَّيِّدَ صَحَّ) لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُمَا مِنْ حَقٍّ عَلَيْهِمَا كَالدَّيْنِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا.
(وَإِنْ وَجَبَ لِعَبْدٍ قِصَاصٌ) فِي الطَّرَفِ، (أَوْ تَعْزِيرُ قَذْفٍ فَلَهُ) أَيْ الْعَبْدِ (طَلَبُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَالْقَصْدُ مِنْهُ التَّشَفِّي (وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ لَهُ (إلَّا أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ) فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَهُ طَلَبُهُ وَإِسْقَاطُهُ كَالْوَارِثِ.
(وَمَنْ صَحَّ عَفْوُهُ مَجَّانًا فَإِنْ أَوْجَبَ الْجُرْحُ مَالًا عَيْنًا) كَالْجَائِفَةِ وَجِنَايَةِ الْخَطَإِ (فَكَوَصِيَّةٍ) يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالٍ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجِبْ الْمَالُ عَيْنًا كَالْعَمْدِ الْمَحْضِ (فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّ الْمَالَ لَمْ يَتَعَيَّنْ.
(وَيَصِحُّ قَوْلُ مَجْرُوحٍ) لِجَانٍ (أَبْرَأْتُكَ وَحَلَلْتُكَ مِنْ دَمِي أَوْ قَتْلِي أَوْ وَهَبْتُكَ ذَلِكَ أَوْ نَحْوُهُ) كَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنْ دَمِي، أَوْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَلَيْك (مُعَلِّقًا) ذَلِكَ (بِمَوْتِهِ) بِأَنْ يَقُولَ إنْ مِتُّ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ دَمِي، أَوْ وَهَبْتُك دَمِي إنْ مِتُّ وَنَحْوَهُ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا (فَلَوْ بَرِئَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ الْجِنَايَةِ (بَقِيَ حَقُّهُ) فَيُطَالِبُ بِهِ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ (بِخِلَافِ عَفَوْتُ عَنْهُ وَنَحْوِهِ) كَأَبْرَأْتُك مِنْ دَمِي فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مُطْلَقًا بَرِئَ أَوْ عُوفِيَ لِأَنَّهُ إبْرَاءٌ مُنَجَّزٌ ا هـ.

.(بَابُ مَا يُوجِب قِصَاصًا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ):

(مِنْ الْأَطْرَافِ، وَالْجِرَاحِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلَى قَوْلِهِ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ الرُّبَيِّعِ عَمَّتِهِ «لَمَّا كَسَرَتْ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ وَطَلَبُوا الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَعَرَضُوا الْأَرْشَ، فَأَبَوْا فَقَالَ النَّبِيُّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ إذَا أَمْكَنَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ النَّفْسِ كَالنَّفْسِ فِي الْحَاجَةِ إلَى حِفْظِهِ بِالْقِصَاصِ فَكَانَ كَالنَّفْسِ فِي وُجُوبِهِ (كُلُّ مَنْ أُقِيدَ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ أُقِيدَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا مِنْ حُرٍّ وَعَبْدٍ)؛ لِأَنَّ مَنْ أُقِيدَ بِهِ فِي النَّفْسِ إنَّمَا أُقِيدَ بِهِ لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ لِلْقَوَدِ فَوَجَبَ أَنْ يُقَادَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا، فَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ مُسْلِمٍ قُطِعَتْ يَدُهُ؛ لِأَنَّهُ يُقَادُ بِهِ فِي النَّفْسِ.
(وَمَنْ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ بَيْنَهُمَا فِي النَّفْسِ لَا يَجْرِي بَيْنَهُمَا فِي الطَّرَفِ كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ) وَكَ (الْحُرِّ مَعَ الْعَبْدِ وَ) كَ (الْمُسْلِمِ مَعَ الْكَافِرِ) فَلَا تُقْطَعُ يَدُ الْأَبِ بِيَدِ ابْنِهِ وَلَا يَدُ الْحُرِّ بِيَدِ الْعَبْدِ، وَلَا يَدُ الْمُسْلِمِ بِيَدِ الْكَافِرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَادُ بِهِ فِي النَّفْسِ (وَلَا يَجِبُ) الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ (إلَّا بِمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ وَهُوَ الْعَمْدُ الْمَحْضُ فَلَا قَوَدَ فِي شَبَهِ الْعَمْدِ) خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ وَابْنِ أَبِي مُوسَى (وَلَا) قَوَدَ فِي (خَطَأٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ إجْمَاعًا وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِهِمَا (وَهُوَ) أَيْ مَا دُونَ النَّفْسِ (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا الْأَطْرَافُ) لِمَا ذَكَرْنَا (فَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ) بِالْعَيْنِ الْيُمْنَى بِالْيُمْنَى وَالْيُسْرَى بِالْيُسْرَى (وَ) يُؤْخَذُ (الْأَنْفُ) بِالْأَنْفِ.
(وَ) يُؤْخَذُ (الْحَاجِزُ وَهُوَ وَتَرُ الْأَنْفِ) بِمِثْلِهِ (وَ) تُؤْخَذُ (الْأُذُنُ) بِالْأُذُنِ (وَ) يُؤْخَذُ (السِّنُّ) بِالسِّنِّ (وَالْجَفْنُ) بِالْجَفْنِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَحَكَى ابْنُ سِيدَهْ كَسْرَهَا (وَالشَّفَةُ) بِمِثْلِهَا (وَالْيَدُ وَالرِّجْلُ وَاللِّسَانُ وَالْأُصْبُعُ وَالْكَتِفُ وَالْمِرْفَقُ وَالذَّكَرُ وَالْخُصْيَةُ وَالْأَلْيَةُ وَشُفْرُ الْمَرْأَةِ بِمِثْلِهِ) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَوْجُودَةٌ وَالْقِصَاصُ مُمْكِنٌ فَوَجَبَ إلْحَاقًا لِغَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِالْمَنْصُوصِ وَالشُّفْرُ بِضَمِّ الشِّينِ أَحَدُ شُفْرَيْ الْمَرْأَةِ، فَأَمَّا شُفْرُ الْعَيْنِ فَهُوَ مَنْبَتُ الْهُدْبِ، وَقَدْ حُكِيَ فِيهِ الْفَتْحُ.

.(فَصْلٌ): شروطُ الْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ:

(وَيُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِي الْأَطْرَافِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ) أَحَدُهَا إمْكَانُ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ؛ لِأَنَّ الْحَيْفَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ، وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الْقِصَاصُ إلَّا بِهِ لَمْ يَجُزْ فِعْلُهُ (وَأَمَّا الْأَمْنُ مِنْ الْحَيْفِ فَشَرْطٌ لِجَوَازِ الِاسْتِيفَاءِ) مَعَ أَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاجِبٌ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْعُدْوَانُ عَلَى مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا مَعَ الْمُسَاوَاةِ فِي الِاسْمِ وَالصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ لَكِنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِخَوْفِ الْعُدْوَانِ عَلَى الْجَانِي، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا قُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ تَعَيَّنَتْ الدِّيَةُ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ شَرْطٌ لِلِاسْتِيفَاءِ دُونَ الْوُجُوبِ انْبَنَى عَلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْوَاجِبَ مَاذَا؟ فَإِنْ قُلْنَا: الْقِصَاصُ عَيْنًا لَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ شَيْءٌ، إلَّا أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ إذَا عَفَا يَكُونُ قَدْ عَفَا عَمَّنْ يَحْصُلْ لَهُ ثَوَابُهُ، وَإِنْ قُلْنَا مُوجِبُ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ انْتَقَلَ الْوُجُوبُ إلَى الدِّيَةِ كَغَيْرِهِ، وَإِمْكَانُ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ (بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مِفْصَلٍ) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنَةٍ وَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يُسْتَوْفَى أَكْثَرُ مِنْ الْحَقِّ (أَوْ) يَكُونُ الْقَطْعُ (لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي) الْقَطْعُ (إلَيْهِ كَمَارِنِ الْأَنْفِ وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ دُونَ الْقَصَبَةِ) لِأَنَّ لِذَلِكَ حَدًّا يُنْتَهَى إلَيْهِ أَشْبَهَ الْيَدَ (فَإِنْ قَطَعَ الْقَصَبَةَ) أَيْ قَصَبَةَ الْأَنْفِ (أَوْ قَطَعَ مِنْ نِصْفِ كُلٍّ مِنْ السَّاعِدِ أَوْ الْكَفِّ أَوْ السَّاقِ أَوْ الْعَضُدِ أَوْ الْوَرِك أَوْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْكُوعِ ثُمَّ تَآكَلَتْ إلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ فَلَا قِصَاصَ، وَلَهُ الدِّيَةُ) لِخَبَرِ «أَنَّ رَجُلًا ضَرَبَ رَجُلًا عَلَى سَاعِدِهِ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا مِنْ غَيْرِ مِفْصَلٍ فَاسْتَدْعَى عَلَيْهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِالدِّيَةِ فَقَالَ إنِّي أُرِيدُ الْقِصَاصَ قَالَ خُذْ الدِّيَةَ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ لَيْسَ مِنْ مِفْصَلٍ فَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ مِنْ الْحَيْفِ (وَلَا أَرْشَ لِلْبَاقِي) أَيْ لَا يَجِبُ سِوَى دِيَةِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ لِئَلَّا يُجْمَعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ بَيْنَ دِيَةٍ وَحُكُومَةٍ.
(وَلَا قَوَدَ فِي اللَّطْمَةِ وَنَحْوِهَا) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ.
(وَيُؤْخَذُ الْأَنْفُ الْكَبِيرُ بِالْأَنْفِ الصَّغِيرِ) لِمُسَاوَاتِهِ لَهُ فِي الِاسْمِ (وَ) يُؤْخَذُ (الْأَنْفُ الْأَقْنَى بِالْأَفْطَسِ وَالْأَشَمُّ بِالْأَخْشَمِ الَّذِي لَا شَمَّ لَهُ) لِأَنَّ عَدِمَ الشَّمِّ لِعِلَّةٍ فِي الدِّمَاغِ، وَنَفْسُ الْأَنْفِ صَحِيحٌ فَوَجَبَ أَخْذُ الْأَشَمِّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ.
(وَ) يُؤْخَذُ الْأَنْفُ (الصَّحِيحُ بِ) الْأَنْفِ (الْأَجْذَمِ) لِأَنَّهُ مِثْلُهُ (مَا لَمْ يَسْقُطْ مِنْهُ) أَيْ الْأَجْذَمِ (شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ) السَّاقِطُ مِنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ فَيُؤْخَذُ مِنْ الصَّحِيحِ مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْهُ أَيْ الْأَجْذَمِ (أَوْ يَأْخُذُ أَرْشَ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ) لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ (التَّسَاوِي فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ وَالصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ فِي الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَنَحْوِهِمَا فَتُقْلَعُ عَيْنُ الشَّابِّ بِعَيْنِ الشَّيْخِ الْمَرِيضَةِ وَ) تُقْلَعُ (عَيْنُ الْكَبِيرِ بِعَيْنِ الصَّغِيرِ وَ) تُقْلَعُ الْعَيْنُ الصَّحِيحَةُ بِعَيْنِ الْأَعْمَشِ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الصِّفَةِ لَا يَمْنَعُ الْقِصَاصَ (لَكِنْ إنْ كَانَ) الْجَانِي قَلَعَ عَيْنَهُ (بِإِصْبَعِهِ لَا يَجُوزُ) لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَنْ يَقْتَصَّ بِإِصْبَعِهِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهِ).
(وَلَا تُؤْخَذُ) الْعَيْنُ (الصَّحِيحَةُ بِالْقَائِمَةِ) وَهِيَ صَحِيحَةٌ فِي مَوْضِعِهَا وَإِنَّمَا ذَهَبَ نُورُهَا وَإِبْصَارُهَا لِانْتِفَاءِ اسْتِوَائِهِمَا فِي الصِّحَّةِ (وَتُؤْخَذُ) الْعَيْنُ (الْقَائِمَةُ بِالصَّحِيحَةِ) لِأَنَّهَا دُونَ حَقِّهِ (وَلَا أَرْشَ لَهَا مَعَهَا) لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ (كَمَا يَأْتِي).
(وَتُؤْخَذُ أُذُنُ السَّمِيعِ بِمِثْلِهَا) أَيْ بِأُذُنِ سَمِيعٍ لِلْمُمَاثَلَةِ (وَ) تُؤْخَذُ أُذُنُ السَّمِيعِ (بِأُذُنِ الْأَصَمِّ) لِأَنَّ الْعُضْوَ صَحِيحٌ وَمَقْصُودُهُ الْجَمَالُ وَذَهَابُ السَّمْعِ لِعِلَّةٍ فِي الرَّأْسِ، لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَلَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْأُذُنِ (تُؤْخَذُ أُذُنُ الْأَصَمِّ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ أُذُنِ السَّمِيعِ وَالْأَصَمِّ (وَتُؤْخَذُ) الْأُذُنُ (الصَّحِيحَةُ بِ) الْأُذُنِ (الْمَثْقُوبَةِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْأُذُنِ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ فِي الْعَادَةِ لِلْقُرْطِ وَالتَّزَيُّنِ بِهِ (فَإِنْ كَانَ الثُّقْبُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ أَوْ كَانَتْ) الْأُذُنُ (مَخْرُومَةً أُخِذَتْ بِالصَّحِيحَةِ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِدُونِ حَقِّهِ (وَلَمْ تُؤْخَذْ) الْأُذُنُ (الصَّحِيحَةُ بِهَا) أَيْ بِالْمَثْقُوبَةِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الثُّقْبِ أَوْ بِالْمَخْرُومَةِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ فَتَفُوتُ الْمُسَاوَاةُ (وَيُخَيَّرُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ إلَّا قَدْرَ النَّقْصِ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ فِيمَا سِوَى الْعَيْبِ وَيَتْرُكَهُ مِنْ أُذُنِ الْجَانِي، وَيَجِبُ لَهُ فِي قَدْرِ النَّقْصِ حُكُومَةٌ).
(وَإِنْ قَطَعَ) الْجَانِي (بَعْضَ أُذُنِهِ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أُذُنِ الْجَانِي بِقَدْرِ مَا قَطَعَ مِنْ أُذُنِهِ وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِالْأَجْزَاءِ) كَالنِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَ(لَا) يُؤْخَذُ (بِالْمِسَاحَةِ) لِأَنَّهُ قَدْ يُفْضِي إلَى أَخْذِ جَمِيعِ أُذُنِ الْجَانِي لِصِغَرِهِ بِبَعْضِ أُذُنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِكِبَرِهِ وَكَذَا أَنْفٌ وَلِسَانٌ وَشَفَةٌ.
(وَمَنْ قُطِعَ طَرَفُهُ مِنْ أُذُنٍ أَوْ غَيْرِهَا فَرَدَّهُ فَالْتَحَمَ) بِحَرَارَةِ الدَّمِ (وَثَبَتَ فَلَا قِصَاصَ) فِي ذَلِكَ الْقَطْعِ، لِأَنَّهَا لَمْ تُبَنْ عَلَى الدَّوَامِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إبَانَةَ أُذُنِ الْجَانِي دَوَامًا (وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ بِالْكُلِّيَّةِ (وَلَا أَرْشَ نَقْصِهِ خَاصَّةً نَصًّا) قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى، وَذَلِكَ حُكُومَةٌ لِأَنَّهَا أَرْشُ كُلِّ نُقْصَانٍ حَصَلَ بِالْجِنَايَةِ (وَإِنْ سَقَطَ مَا كَانَ) رَدَّهُ وَالْتَحَمَ (بَعْدَ ذَلِكَ) بِغَيْرِ جِنَايَةٍ (قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَلَهُ الْقِصَاصُ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَهُ) مِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّ ذَلِكَ الِالْتِحَامَ كَعَدَمِهِ (وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ الطَّرَفِ فَالْتَصَقَ فَلَهُ أَرْشُ الْجُرْحِ وَلَا قِصَاصَ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأُذُنِ.
(وَمَنْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ وَنَحْوُهَا) كَمَارِنِهِ (قِصَاصًا فَأَلْصَقَهَا فَالْتَصَقَتْ فَطَلَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إبَانَتَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْقِصَاصَ قَطَعَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُقَادُ ثَانِيًا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ فِي دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا أُقِيدَ ثَانِيَةً عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ هُنَاكَ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى قَالَ فِي شَرْحِهِ: لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إبَانَتُهُ ثَانِيًا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَبَانَ عُضْوًا مِنْ غَيْرِهِ دَوَامًا فَوَجَبَتْ إبَانَتُهُ مِنْهُ دَوَامًا لِتَحَقُّقِ الْمُقَاصَّةِ.
(فَإِنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لَمْ يَقْطَعْ جَمِيعَ الطَّرَفِ وَإِنَّمَا قَطَعَ بَعْضَهُ فَالْتَصَقَ فَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَطْعُ جَمِيعِهِ) لِيَسْتَوْفِيَ تَمَامَ حَقِّهِ (وَالْحُكْمُ فِي السِّنِّ) إذَا قَلَعَهَا ثُمَّ أُعِيدَتْ (كَالْحُكْمِ فِي الْأُذُنِ) عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ.
(وَتُؤْخَذُ السِّنُّ رَبَطَهَا بِذَهَبٍ أَوْ لَا بِالسِّنِّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ} (الثَّنِيَّةُ بِالثَّنِيَّةِ وَالنَّابُ بِالنَّابِ وَالضَّاحِكُ بِالضَّاحِكِ وَالضِّرْسُ بِالضِّرْسِ، الْأَعْلَى بِالْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ بِالْأَسْفَلِ) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ مَوْجُودَةٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ (مِمَّنْ قَدْ أَثْغَرَ أَيْ سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ ثُمَّ نَبَتَتْ) قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: يُقَالُ: ثُغِرَ الصَّبِيُّ بِضَمِّ الثَّاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ يُثْغَرُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ فَهُوَ مَثْغُورٌ إذَا سَقَطَتْ رَوَاضِعُهُ فَإِذَا نَبَتَتْ قِيلَ اتَّغَرَ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ مُشَدَّدَةً عَلَى مِثَالِ اتَّزَرَ قُلِبَتْ الثَّاءُ تَاءً ثُمَّ أُدْغِمَتْ (وَإِنْ كَسَرَ) الْجَانِي (بَعْضَهَا) أَيْ السِّنِّ (يُرَدُّ مِنْ سِنِّ الْجَانِي مِثْلُهُ) أَيْ مِثْلَمَا كَسَرَهُ (إذَا أُمِنَ قَلْعُهَا وَسَوَادُهَا) لِإِمْكَانِ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ ذَلِكَ سَقَطَ الْقِصَاصُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْمَجْنِيُّ عَلَى سِنِّهِ (اثَّغَرَ لَمْ يُقْتَصَّ) لَهُ مِنْ الْجَانِي فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يُرْجَى عَوْدُهُ وَ(لَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ لِمَا رُجِيَ عَوْدُهُ مِنْ عَيْنٍ) كَسِنٍّ (أَوْ مَنْفَعَةٍ) كَعَدْوٍ (فِي مُدَّةٍ تَقُولُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ فَلَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ وَتَسْقُطُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ فَوَجَبَ تَأْخِيرُهُ (فَإِنْ عَادَ مِثْلُهَا) أَيْ السِّنِّ وَنَحْوِهَا وَالْمَنْفَعَةُ كَالْعَدْوِ (فِي مَوْضِعهَا عَلَى صِفَتِهَا) أَيْ الذَّاهِبَةِ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ الْجَانِي؛ لِأَنَّ الْمُتْلَفَ عَادَ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَطَعَ شَعْرَهُ وَعَادَ (وَإِنْ عَادَتْ) السِّنُّ (مَائِلَةً أَوْ مُتَغَيِّرَةً عَنْ صِفَتِهَا فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ) لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ.
(وَإِنْ عَادَتْ) السِّنُّ (قَصِيرَةً ضَمِنَ مَا نَقَصَ) مِنْهَا (بِالْحِسَابِ فَفِي ثُلُثِهَا ثُلُثُ دِيَتِهَا) كَمَا لَوْ كَسَرَ ثُلُثَهَا جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ، وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَإِنْ عَادَ نَاقِصًا فِي قَدْرٍ أَوْ صِفَةٍ فَحُكُومَةٌ، كَمَا قَالَ فِي شَرْحِهِ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ فَانْكَسَرَ بَعْضُهُ أَوْ اسْوَدَّ (وَإِنْ عَادَتْ) السِّنُّ (وَالدَّمُ يَسِيلُ فَفِيهَا حُكُومَةٌ) لِمَا نَقَصَتْهُ بِسَبَبِ اسْتِدَامَةِ سَيَلَانِ الدَّمِ لِحُصُولِهِ بِجِنَايَتِهِ (وَإِنْ مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ عَوْدُهَا) أَيْ السِّنِّ الذَّاهِبَةِ وَنَحْوِهَا (فِيهِ فَلَمْ تَعُدْ وَأَيِسَ مِنْ عَوْدِهَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ خُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ) كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ (فَإِنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ) فِي الْمُدَّةِ الَّتِي قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إنَّهُ يَعُودُ فِيهَا (قَبْلَ الْإِيَاسِ مِنْ عَوْدِهَا فَلَا قِصَاصَ) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لَهُ أَقَلُّهُ غَيْرُ مُحَقَّقٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْقَوَدِ (وَتَجِبُ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى الْعَوْدُ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَإِنْ) قَلَعَ الْجَانِي (لَهُ سِنًّا زَائِدًا قَلَعَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (لَهُ) سِنًّا (مِثْلَهَا إنْ كَانَ) لَهُ سِنٌّ مِثْلُهَا لِلْمُسَاوَاةِ (أَوْ حُكُومَةً) إنْ اخْتَارَ عَدَمَ الْقِصَاصِ إذَنْ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْجَانِي سِنٌّ (زَائِدٌ فَحُكُومَةٌ) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ.
(وَإِنْ) قَلَعَ الْجَانِي (سِنًّا فَاقْتُصَّ مِنْهُ ثُمَّ عَادَتْ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَقَلَعَهَا الْجَانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ سِنَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَمَّا عَادَتْ وَجَبَ لِلْجَانِي عَلَيْهِ دِيَةُ سِنِّهِ فَلَمَّا قَلَعَهَا وَجَبَ عَلَى الْجَانِي دِيَتُهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَقَدْ وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا دِيَةٌ فَيَتَقَاصَّانِ.
(وَيُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ جَفْنِ الْبَصِيرِ وَالضَّرِيرِ بِالْآخَرِ) أَيْ يُؤْخَذُ جَفْنُ الْبَصِيرِ بِجَفْنِ الضَّرِيرِ وَجَفْنُ الضَّرِيرِ بِجَفْنِ الْبَصِيرِ لِلْمُسَاوَاةِ وَعَدَمُ الْمُسَاوَاةِ وَعَدَمُ الْبَصَرِ نَقْصٌ فِي غَيْرِهِ وَيُؤْخَذُ جَفْنُ الْبَصِيرِ بِجَفْنِ الْبَصِيرِ وَجَفْنُ الضَّرِيرِ (بِمِثْلِهِ) لِلْمُمَاثَلَةِ.
(وَإِنْ قَطَعَ) الْجَانِي (الْأَصَابِعَ الْخَمْسَ مِنْ مَفَاصِلِهَا فَلَهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (الْقَوَدُ) لِأَنَّ الْقَطْعَ مِنْ مِفْصَلٍ فَأَمْنُ الْحَيْفِ مَوْجُودٌ (وَإِنْ قَطَعَهَا) أَيْ الْأَصَابِعَ مِنْ الْكُوعِ فَلَهُ الْقَوَدُ مِنْهُ أَيْ الْكُوعِ لِلْمُمَاثَلَةِ (فَإِنْ أَرَادَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (قَطْعَ الْأَصَابِعِ فَقَطْ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ) لِأَنَّ لِلْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مَحَلًّا يُمْكِنُ الِاقْتِصَاصُ مِنْهُ وَهُوَ مِفْصَلُ الْكُوعِ فَلَا يُقْتَصُّ مِنْ غَيْرِهِ لِاعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَحَلِّ حَيْثُ لَا مَانِعَ (فَإِنْ قَطَعَ الْجَانِي مِنْ الْمِرْفَقِ فَلَهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (الْقِصَاصُ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمِرْفَقِ لِإِمْكَانِ الْمُمَاثَلَةِ (فَإِنْ أَرَادَ الْقَوَدَ مِنْ الْكُوعِ مُنِعَ) لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ قَطَعَ) الْجَانِي مِنْ الْكَتِفِ أَوْ خَلَعَ عَظْمَ الْمَنْكِبِ وَيُقَالُ لَهُ مُشْطُ الْكَتِفِ فَلَهُ الْقَوَدُ إذَا لَمْ يَخَفْ جَائِفَةً) بِلَا نِزَاعٍ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي (فَإِنْ خِيفَ) إنَّ اُقْتُصَّ مِنْ مَنْكِبٍ جَائِفَةٌ وَهِيَ الْجُرْحُ الَّذِي يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ يَفْسُدُ بِدُخُولِ الْهَوَاءِ فِيهِ (فَلَهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ مِرْفَقِهِ) لِأَنَّهُ أَخَذَ مَا أَمْكَنَ مِنْ حَقِّهِ (وَمَتَى خَالَفَ وَاقْتَصَّ مَعَ خَشْيَةِ الْحَيْفِ) مِنْ مَنْكِبٍ أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ) اقْتَصَّ (مِنْ مَأْمُومَةٍ أَوْ) جَائِفَةٍ أَوْ (مِنْ نِصْفِ الذِّرَاعِ وَنَحْوِهِ) كَالسَّاعِدِ وَالسَّاقِ (أَجْزَأَ) أَيْ وَقَعَ الْمَوْقِعُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ كَمَا فُعِلَ بِهِ (وَالرِّجْلُ كَالْيَدِ فِيمَا تَقَدَّمَ) مِنْ التَّفْصِيلِ.
(وَيُؤْخَذُ الذَّكَرُ بِالذَّكَرِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ ذَكَرُ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالذَّكَرُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالطَّوِيلُ وَالْقَصِيرُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ مِنْ الْأَطْرَافِ لَا يَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْمَعَانِي كَذَلِكَ الذَّكَرُ (وَالْمَخْتُونُ وَالْأَقْلَفُ) لِلْمُسَاوَاةِ فِي الِاسْمِ وَالْقُلْفَةُ فِي زِيَادَةٍ تُسْتَحَقُّ إزَالَتُهَا (وَيُؤْخَذُ ذَكَرُ الْخَصِيِّ) بِذَكَرِ الْخَصِيِّ (وَ) ذَكَرُ (الْعِنِّينِ بِمِثْلِهِ) لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ، لَا ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ أَوْ عِنِّينٍ، لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِيهِمَا (وَتُؤْخَذُ الْأُنْثَيَانِ بِالْأُنْثَيَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (فَإِنْ قَطَعَ إحْدَاهُمَا) أَيْ الْأُنْثَيَيْنِ (فَقَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ) بِالطِّبِّ (إنَّهُ يُمْكِنُ أَخْذُهَا مَعَ سَلَامَةِ الْأُخْرَى جَازَ الْقَوَدُ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَإِلَّا فَلَا) يَجُوزُ الْقَوَدُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْفِ (وَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ).
(وَإِنْ قَطَعَ الْجَانِي ذَكَرَ خُنْثَى مُشْكِلٍ أَوْ) قَطَعَ (أُنْثَيَيْهِ أَوْ) قَطَعَ (شُفْرَيْهِ لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ) لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ الْمَقْطُوعَ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ (وَيَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ) أَيْ الْخُنْثَى فَتَتَّضِحَ ذُكُورَتُهُ أَوْ أُنُوثِيَّتُهُ (وَإِنْ اخْتَارَ) الْخُنْثَى (الدِّيَةَ وَكَانَ يُرْجَى انْكِشَافُ حَالِهِ) بِأَنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ (أُعْطِيَ الْيَقِينَ) لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا نُوجِبُهُ بِالشَّكِّ (وَهُوَ) أَيْ الْيَقِينُ (الْحُكُومَةُ فِي الْمَقْطُوعِ) مِنْ الذَّكَرِ أَوْ الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ الشُّفْرَيْنِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ (وَإِنْ كَانَ) الْجَانِي (قَدْ قَطَعَ جَمِيعَهَا) أَيْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ وَالشُّفْرَيْنِ (فَلَهُ) أَيْ الْخُنْثَى (دِيَةُ امْرَأَةٍ فِي الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةٌ فِي الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ أُنْثَى (وَإِنْ يُئِسَ مِنْ انْكِشَافِ حَالِهِ) بِأَنْ بَلَغَ وَلَمْ يَتَّضِحْ (أُعْطِيَ نِصْفَ دِيَةِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، وَنِصْفَ دِيَةِ الشُّفْرَيْنِ وَحُكُومَةً فِي نِصْفِ ذَلِكَ كُلِّهِ) كَمَا فِي دِيَتِهِ لَوْ قَتَلَ وَمِيرَاثِهِ.
(وَإِنْ أَوْضَحَ) الْجَانِي (إنْسَانًا فَذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِهِ أَوْ) ذَهَبَ (سَمْعُهُ أَوْ شَمُّهُ فَإِنَّهُ يُوضِحُهُ) كَمَا فَعَلَ بِهِ لِأَنَّهُ جُرْحٌ يُمْكِنُ الْقَوَدُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ لِأَنَّ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إلَيْهِ (فَإِنْ ذَهَبَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَوْفَى) حَقَّهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ (اسْتَعْمَلَ مَا يُذْهِبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى حَدَقَتِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ أَنْفِهِ) لِأَنَّهُ يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَيَطْرَحُ فِي الْعَيْنِ كَافُورًا أَوْ يُقَرِّبُ مِنْهُ مِرْآةً أَوْ يَحْمِي لَهُ حَدِيدَةً أَوْ مِرْآةً ثُمَّ يُقْطِرُ عَلَيْهَا مَاءً ثُمَّ يُقْطِرُ مِنْهُ فِي الْعَيْنِ لِيُذْهِبَ بَصَرَهَا (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ) اسْتِعْمَالُ مَا يُذْهِبُ ضَوْءَ الْبَصَرِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الشَّمِّ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَى الْعُضْوِ (سَقَطَ الْقَوَدُ إلَى الدِّيَةِ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ.
(وَإِنْ أَذْهَبَ ذَلِكَ) أَيْ ضَوْءَ الْبَصَرِ أَوْ السَّمْعِ أَوْ الشَّمِّ (بِشَجَّةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا مِثْلُ أَنْ تَكُونَ دُونَ الْمُوضِحَةِ أَوْ لَطَمَهُ فَأَذْهَبَ ذَلِكَ) أَيْ بَصَرَهُ أَوْ سَمْعَهُ أَوْ شَمَّهُ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَفْعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ) لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهَا غَيْرُ مُمْكِنَةٍ (لَكِنْ يُعَالِجُ بِمَا يُذْهِبُ ذَلِكَ) أَيْ الْبَصَرَ وَالسَّمْعَ وَالشَّمَّ (فَإِنْ لَمْ يُذْهِبْ سَقَطَ الْقَوَدُ إلَى الدِّيَةِ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ بِلَا حَيْفٍ وَقَالَ الْقَاضِي لَهُ أَنْ يَلْطِمَهُ مِثْلَ لَطْمَتِهِ فَإِنْ ذَهَبَ ضَوْءُ عَيْنِهِ وَإِلَّا أَذْهَبَهُ بِمَا ذُكِرَ قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا، لِأَنَّ اللَّطْمَةَ لَا يُقْتَصُّ مِنْهَا مُنْفَرِدَةً، فَكَذَا إذَا سَرَتْ إلَى الْعَيْنِ كَالشَّجَّةِ دُونَ الْمُوضِحَةِ انْتَهَى وَكَلَامُهُ فِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى يُوهِمُ الْقِصَاصَ فِيهِمَا، وَصَرَّحَ بِهِ شَارِحُ الْمُنْتَهَى.
(وَإِنْ لَطَمَ الْجَانِي عَيْنَهُ فَذَهَبَ بَصَرُهَا أَوْ ابْيَضَّتْ وَشَخَصَتْ عُولِجَتْ عَيْنُ الْجَانِي حَتَّى تَصِيرَ كَذَلِكَ بِدَوَاءٍ أَوْ بِمِرْآةٍ وَمَحْمِيَّةٍ وَنَحْوِهَا تُقَرَّبُ إلَى عَيْنِهِ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهَا بَعْدَ تَغْطِيَةِ عَيْنِهِ الْأُخْرَى بِقُطْنٍ وَنَحْوِهِ) لِئَلَّا يَذْهَبَ ضَوْءُهَا (وَإِنْ وَضَعَ فِيهَا) أَيْ عَيْنِ الْجَانِي (كَافُورًا فَذَهَبَ ضَوْءُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى الْحَدَقَةِ جَازَ) لِحُصُولِ الِاسْتِيفَاءِ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ عَلَى الْحَدَقَةِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا ذَهَابُ بَعْضِ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَذْهَبَ بَصَرُهَا دُونَ أَنْ تَبْيَضَّ وَتَشْخَصُ فَعَلَيْهِ لَمْ يُمْكِنْ الْقِصَاصُ مِنْهُ) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهِ.
(فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّانِي الْمُمَاثَلَةُ فِي الِاسْمِ وَالْمَوْضِعِ) قِيَاسًا عَلَى النَّفْسِ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ وَلِأَنَّهَا جَوَارِحُ مُخْتَلِفَةُ الْمَنَافِعِ وَالْأَمَاكِنِ فَلَمْ يُؤْخَذْ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَالْعَيْنِ بِالْأَنْفِ (فَتُؤْخَذُ الْيَمِينُ بِالْيَمِينِ وَ) تُؤْخَذُ الْيَسَارُ بِالْيَسَارِ مِنْ كُلِّ مَا انْقَسَمَ إلَى يَمِينٍ وَيَسَارٍ مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ وَأُذُنٍ وَمَنْخِرٍ وَثَدْيٍ وَأَلْيَةٍ وَخُصْيَةٍ وَ(شُفْرٍ) وَتُؤْخَذُ الْعُلْيَا بِالْعُلْيَا وَالسُّفْلَى بِالسُّفْلَى مِنْ شَفَةٍ وَجَفْنٍ وَأُنْمُلَةٍ فَلَا تُؤْخَذُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ وَلَا يَسَارٌ بِيَمِينٍ وَلَا (سُفْلَى بِعُلْيَا وَلَا عُلْيَا بِسُفْلَى) لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَوْضِعِ (وَتُؤْخَذُ الْإِصْبَعِ) بِمِثْلِهَا (وَ) تُؤْخَذُ (السِّنُّ) بِمِثْلِهَا (وَ) تُؤْخَذُ (الْأُنْمُلَةُ بِمِثْلِهَا فِي الِاسْمِ وَالْمَوْضِعِ) دُونَ مَا خَالَفَهَا فِي ذَلِكَ (وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ رِجْلٍ عُلْيَا وَقَطَعَ) أَيْضًا الْأُنْمُلَةَ (الْوُسْطَى مِنْ تِلْكَ وَالْأُصْبُعَ مِنْ رِجْلِ آخَرَ لَيْسَ لَهُ عُلْيَا فَصَاحِبُ) الْأُنْمُلَةِ (الْوُسْطَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ عَقْلِ أُنْمُلَتِهِ الْآنَ وَلَا قِصَاصَ لَهُ بَعْدَ) ذَلِكَ وَلَوْ ذَهَبَتْ الْأُنْمُلَةُ الْعُلْيَا لِأَنَّ أَخْذَ عَقْلِهَا عَفْوٌ عَنْ الْقِصَاصِ (وَبَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تَذْهَبَ عُلْيَا قَاطِعٍ بِقَوَدٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَقْتَصُّ مِنْ الْوُسْطَى) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِي الْحَالِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْفِ وَأَخْذِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوَاجِبِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَأْخِيرِ حَقِّهِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْ الْقِصَاصِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرُورَةِ فَوَجَبَتْ الْخِيرَةُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ (وَلَا أَرْشَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْوُسْطَى (الْآنَ) إذَا اخْتَارَ الصَّبْرَ حَتَّى تَذْهَبَ عُلْيَا قَاطَعٍ (لِ) أَجْلِ (الْحَيْلُولَةِ): بِخِلَافِ غَصْبِ مَالٍ لِسَدِّ مَالٍ مَسَدَّ مَالٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَطَعَ مَنْ قَطَعَ أُنْمُلَةً مِنْ رِجْلٍ وَالْوُسْطَى مِنْ آخَرَ مِنْ أُصْبُعِ نَظِيرَتِهَا مِنْ ثَالِثٍ) الْأُنْمُلَةَ السُّفْلَى فَلِأَوَّلٍ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْعُلْيَا ثُمَّ لِلثَّانِي أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ الْوُسْطَى ثُمَّ لِلثَّالِثِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ السُّفْلَى سَوَاءٌ جَاءُوا مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ لِأَنَّ كُلًّا يَسْتَوْفِي حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ (فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُ الْوُسْطَى أَوْ) صَاحِبُ السُّفْلَى بِطَلَبِ الْقِصَاصِ قَبْلَ صَاحِبِ الْعُلْيَا لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَمْ تَجُزْ إجَابَتُهُ إلَى مَا طَلَبَهُ مِنْ الْقِصَاصِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَيْفِ (وَيُخَيَّرَانِ) أَيْ صَاحِبُ السُّفْلَى وَالْوُسْطَى (بَيْنَ أَنْ يَرْضَيَا بِالْعَقْلِ) أَيْ دِيَةِ الْأُنْمُلَتَيْنِ (أَوْ الصَّبْرِ حَتَّى يَقْتَصَّ الْأَوَّلُ) وَلَا أَرْشُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ عَفَا) أَيْ صَاحِبُ الْعُلْيَا (فَلَا قِصَاصَ لَهُمَا) أَيْ لِصَاحِبِ الْوُسْطَى وَالسُّفْلَى فِي الْحَالِ وَيُخَيَّرَانِ كَمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ اقْتَصَّ) صَاحِبُ الْعُلْيَا (فَلِلثَّانِي) وَهُوَ صَاحِبُ الْوُسْطَى (الِاقْتِصَاصُ) لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ بِغَيْرِ حَيْفٍ وَحُكْمُ الثَّالِثِ صَاحِبِ السُّفْلَى (مَعَ الثَّانِي صَاحِبِ الْوُسْطَى حُكْمُ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ) صَاحِبِ الْعُلْيَا فَإِنْ اقْتَصَّ مِنْ الْوُسْطَى جَازَ لِلثَّالِثِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ السُّفْلَى وَإِلَّا فَلَا مَا لَمْ تَذْهَبْ الْوُسْطَى قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ الثَّالِثُ عَقْلَ السُّفْلَى (فَإِنْ قَطَعَ صَاحِبُ الْوُسْطَى الْوُسْطَى وَالْعُلْيَا) فَعَلَيْهِ دِيَةُ الْعُلْيَا لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَنْ حَقِّهِ وَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً فِي قَطْعِ الْوُسْطَى فَدُرِئَ لَهَا الْقِصَاصُ (تُدْفَعُ) دِيَةُ الْعُلْيَا (إلَى صَاحِبِ الْعُلْيَا) أَيْ إلَى الْجَانِي لِيَدْفَعَهَا لِصَاحِبِ الْعُلْيَا أَوْ يَدْفَعُ لَهُ مِنْ مَالِهِ نَظِيرَهَا هَذَا مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ،.
(وَإِنْ قَطَعَ) صَاحِبُ الْوُسْطَى الْأُصْبُعَ كُلَّهَا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْأُنْمُلَةِ الثَّالِثَةِ السُّفْلَى لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي قَطْعِهَا (وَعَلَيْهِ أَرْشُ الْعُلْيَا لِلْأَوَّلِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ، (وَأَرْشُ السُّفْلَى عَلَى الْجَانِي لِصَاحِبِهَا) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ (وَإِنْ عَفَا الْجَانِي عَنْ قِصَاصِهَا) أَيْ: السُّفْلَى (وَجَبَ أَرْشُهَا) أَيْ السُّفْلَى (بِدَفْعِهِ إلَيْهِ لِيَدْفَعَهُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) بِقَطْعِ أُنْمُلَتِهِ السُّفْلَى (وَإِنْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ رَجُلٍ الْعُلْيَا) ثُمَّ قَطَعَ أُنْمُلَتَيْ آخَرَ الْعُلْيَا وَالْوُسْطَى مِنْ تِلْكَ الْأُصْبُعِ، فَلِلْأَوَّلِ قَطْعُ الْعُلْيَا لِسَبْقِهِ (ثُمَّ يَقْطَعُ الثَّانِي الْوُسْطَى) لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ فِيهَا (وَيَأْخُذُ أَرْشَ الْعُلْيَا مِنْ الْجَانِي) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ بِفَوَاتِهَا كَمَا لَوْ سَقَطَتْ بِتَآكُلٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَإِنْ بَادَرَ الثَّانِي فَقَطَعَ الْأُنْمُلَتَيْنِ فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ) لِأَنَّهُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ فِيهِمَا وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ التَّقْدِيمَ لِسَبْقِهِ (وَلِلْأَوَّلِ الْأَرْشُ) أَيْ دِيَةُ الْأُنْمُلَةِ (عَلَى الْجَانَّيْ) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ فِيهَا.
(وَإِنْ كَانَ قَطَعَ الْأُنْمُلَتَيْنِ أَوَّلًا قُدِّمَ صَاحِبُهُمَا فِي الْقِصَاصِ) لِسَبْقِهِ (وَلِصَاحِبِ الْعُلْيَا أَرْشُهَا) لِفَوَاتِ الْقِصَاصِ (فَإِنْ بَادَرَ صَاحِبُهَا) أَيْ الْعُلْيَا (فَقَطَعَهَا فَقَدْ اسْتَوْفَى حَقَّهُ ثُمَّ تُقْطَعُ الْوُسْطَى لِلْأَوَّلِ وَيَأْخُذُ) الْأَوَّلُ أَرْشَ الْعُلْيَا كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ قَطَعَ أُنْمُلَةَ رَجُلٍ الْعُلْيَا وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَاطِعِ أُنْمُلَةٌ) عُلْيَا نَظِيرَتُهَا (فَاسْتَوْفَى) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ (الْجَانِي مِنْ الْوُسْطَى، فَإِنْ عَفَا) صَاحِبُ الْوُسْطَى (إلَى الدِّيَةِ تَقَاصَّا وَتَسَاقَطَا) لِأَنَّهُ قَدْ وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مِثْلُ مَا وَجَبَ لَهُ (وَإِنْ اخْتَارَ الْجَانِي) الْقِصَاصَ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ الْوُسْطَى (فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْقِصَاصُ (وَيَدْفَعُ أَرْشَ الْعُلْيَا) أَيْ دِيَتَهَا قَالَ فِي الشَّرْحِ: يَجِيءُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِأَنَّ دِيَتَهُمَا وَاحِدَةٌ، وَاسْمُ الْأُنْمُلَةِ يَشْمَلُهُمَا فَتَسَاقَطَا كَقَوْلِهِ فِي إحْدَى الْيَدَيْنِ بَدَلًا عَنْ الْأُخْرَى.
(وَلَا تُؤْخَذُ أَصْلِيَّةٌ بِزَائِدَةٍ) لِأَنَّ الزَّائِدَةَ دُونَهَا (وَلَا زَائِدَةٌ بِأَصْلِيَّةٍ) لِأَنَّهَا لَا تُمَاثِلُهَا (وَيُؤْخَذُ زَائِدٌ بِمِثْلِهِ مَوْضِعًا وَخِلْقَةً وَلَوْ تَفَاوَتَا قَدْرًا) كَالْأَصْلِيِّ بِالْأَصْلِيِّ إذَا اتَّفَقَا فِي الْمَوْضِعِ وَالْخِلْقَةِ وَاخْتَلَفَا فِي الْقَدْرِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الزَّائِدَانِ (فِي غَيْرِ الْقَدْرِ) بِأَنْ اخْتَلَفَا فِي الْمَوْضِعِ أَوْ الْخِلْقَةِ (لَمْ يُؤْخَذْ) أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ (وَلَوْ بِتَرَاضِيهِمَا) لِمَا يَأْتِي (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْجَانِي زَائِدًا يُؤْخَذُ) بِمَا جَنَى عَلَيْهِ (فَحُكُومَةٌ) لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ (وَتُؤْخَذُ) يَدٌ أَوْ رِجْلٌ (كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ) بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ (زَائِدَةٍ إصْبَعًا) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَيْبٌ وَنَقْصٌ فِي الْمَعْنَى فَلَمْ يَمْنَع وُجُودَهَا الْقِصَاصُ كَالسِّلْعَةِ.
(وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ الْأَصْلِيَّةِ بِالزَّائِدَةِ، أَوْ) عَلَى (عَكْسِهِ) كَأَخْذِ الزَّائِدَةِ بِالْأَصْلِيَّةِ (أَوْ تَرَاضَيَا) عَلَى أَخْذِ (خِنْصَرٍ بِبِنْصِرٍ، أَوْ) عَلَى (أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (بِمَا يُخَالِفُهُ) فِي الِاسْمِ أَوْ الْمَوْضِعِ (لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الدِّمَاءَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَالْبَدَلِ، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ قَتْلُ نَفْسِهِ وَلَا قَطْعُ طَرَفِهِ، وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ) ذَلِكَ (بِبَذْلِهِ) أَيْ بِإِبَاحَتِهِ لَهُ لِحَقِّ (اللَّهِ تَعَالَى) فَإِنْ فَعَلَا (فَقَطَعَ يَسَارَ جَانٍ مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي يَمِينِهِ) بِتَرَاضِيهِمَا (أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ قَطَعَ يَمِينَ جَانٍ مَنْ لَهُ قَوَدُ يَسَارِهِ (بِتَرَاضِيهِمَا) أَجْزَأَتْ وَسَقَطَ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْقَوَدَ سَقَطَ فِي الْأُولَى بِإِسْقَاطِ صَاحِبِهَا.
وَفِي الثَّانِيَةِ بِإِذْنِ صَاحِبِهَا فِي قَطْعِهَا وَدِيَتُهَا مُسَاوِيَةٌ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ (أَوْ قَطَعَهَا) أَيْ الْيَسَارَ مَنْ لَهُ قَوَدُ الْيَمِينِ أَوْ بِالْعَكْسِ (تَعَدِّيًا) أَجْزَأَتْ وَلَا قَوَدَ لِأَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فِي الدِّيَةِ وَالْأَلَمِ وَالِاسْمِ فَتَسَاقَطَا، وَلِأَنَّ إيجَابَ الْقَوَدِ يُفْضِي إلَى قَطْعِ يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِذْهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ، وَكُلٌّ مِنْ الْقَطْعَيْنِ مَضْمُونٌ بِسَرَايَتِهِ لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ (أَوْ) قَطَعَ خِنْصَرًا (بِبِنْصِرٍ) أَجْزَأَتْ وَلَا ضَمَانَ لِمَا سَبَقَ.
(أَوْ قَالَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِلْجَانِي (أَخْرِجْ يَمِينَكَ فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ عَمْدًا أَوْ غَلَطًا أَوْ ظَنًّا أَنَّهَا تُجْزِئُ فَقَطَعَهَا أَجْزَأَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَلَمْ يَبْقَ قَوَدٌ وَلَا ضَمَانٌ كَقَطْعِ يَسَارِ السَّارِقِ بَدَلَ يَمِينِهِ (حَتَّى وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (مَجْنُونًا لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّعَدِّي) بِخِلَافِ مَا إذَا قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ وَهُوَ سَاكِتٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْبَذْلُ وَقَدْ أَشَرْتُ فِي الْحَاشِيَةِ إلَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُنْتَهَى بِمَا يُغْنِي عَنْ الْإِعَادَةِ.
(فَصْلٌ الشَّرْطُ الثَّالِثُ) اسْتِوَاؤُهُمَا أَيْ الطَّرَفَانِ (فِي الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ (فَلَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةٌ) مِنْ يَدٍ أَوْ غَيْرُهَا (بِشَلَّاءَ) لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيمَا سِوَى الْجَمَالِ فَلَا يُؤْخَذُ بِمَا فِيهِ نَفْعٌ (وَلَا) تُؤْخَذُ (كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (بِنَاقِصَةِ) الْأَصَابِعِ.
فَلَوْ قَطَعَ مَنْ لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ يَدَ مَنْ لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْقِصَاصُ لِأَنَّهَا فَوْقَ حَقِّهِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْطَعَ مِنْ أَصَابِعِ الْجَانِي بِعَدَدِ أَصَابِعِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَلَا) تُؤْخَذُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ ذَاتُ أَظْفَارٍ (بِمَا لَا أَظْفَارَ لَهَا) لِزِيَادَتِهَا عَلَى حَقِّهِ (وَلَا بِنَاقِصَةِ الْأَظْفَارِ، رَضِيَ الْجَانِي) بِذَلِكَ (أَوْ لَا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الدِّمَاءَ لَا تُسْتَبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ (فَلَوْ قَطَعَ مَنْ لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ يَدَ مَنْ لَهُ أَرْبَعُ) أَصَابِعَ فَأَقَلَّ (أَوْ قَطَعَ مَنْ لَهُ أَرْبَعُ) أَصَابِعَ (يَدَ مَنْ لَهُ ثَلَاثُ) أَصَابِعَ فَأَقَلَّ، فَلَا قِصَاصَ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ (أَوْ قَطَعَ ذُو الْيَدِ الْكَامِلَةِ يَدًا فِيهَا إصْبَعٌ شَلَّاءُ فَلَا قِصَاصَ) لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْمَقْطُوعَةُ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ذَاتِ أَظْفَارٍ إلَّا أَنَّهَا أَيْ الْأَظْفَارَ (خَضْرَاءُ أَوْ مُسْتَحْشِفَةٌ) أَيْ رَدِيئَةٌ (أُخِذَتْ بِهَا السَّلِيمَةُ) كَمَا يُؤْخَذُ الصَّحِيحُ بِالْمَرِيضِ، (وَلَا يُؤْخَذُ لِسَانُ نَاطِقٍ) بِلِسَانِ أَخْرَسَ لِنَقْصِهِ.
(وَلَا) يُؤْخَذُ ذَكَرٌ صَحِيحٌ بِأَشَلَّ، (وَلَا ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ أَوْ عِنِّينٍ) لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِمَا، لِأَنَّ الْخَصِيَّ لَا يُولَدُ لَهُ، وَلَا يُنْزِلُ وَلَا يَكَادُ الْعِنِّينُ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الْوَطْءِ فَهُمَا كَالْأَشَلِّ.
(وَيُؤْخَذُ مَارِنُ الْأَشَمِّ الصَّحِيحِ بِمَارِنِ الْأَخْشَمِ) الَّذِي لَا يَجِدُ رَائِحَةَ شَيْءٍ، لِعَدَمِ الشَّمِّ لِعِلَّةٍ فِي الدِّمَاغِ وَنَفْسُ الْأَنْفِ صَحِيحٌ فَوَجَبَ أَخْذُ الْأَخْشَمِ بِهِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ.
(وَ) يُؤْخَذُ مَارِنُ الصَّحِيحِ بِ (الْمَجْذُومِ وَهُوَ الْمَقْطُوعُ وَتَرُ أَنْفِهِ، وَ) بِ (الْمُسْتَحْشَفِ وَهُوَ الرَّدِيءُ) لِأَنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ وَلِأَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ الصَّحِيحِ.
(وَتُؤْخَذَ أُذُنُ سَمِيعٍ صَحِيحَةٌ بِأُذُنِ أَصَمَّ شَلَّاءَ) لِأَنَّ الْعُضْوَ صَحِيحٌ وَمَقْصُودُهُ الْجَمَالُ لَا السَّمْعُ، وَذَهَابُ السَّمْعِ لِنَقْصٍ فِي الرَّأْسِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ وَلَيْسَ بِنَقْصٍ فِي الْأُذُنِ (وَيُؤْخَذُ مَعِيبٌ مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (كُلِّهِ بِصَحِيحٍ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِدُونِ حَقِّهِ كَمَا رَضِيَ الْمُسْلِمُ بِالْقَوَدِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ مِنْ الْعَبْدِ.
(وَ) يُؤْخَذُ مَعِيبٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ (بِمِثْلِهِ) لِحُصُولِ الْمُسَاوَاةِ (فَتُؤْخَذُ الشَّلَّاءُ) مِنْ يَدٍ أَوْ نَحْوِهَا (بِالشَّلَّاءِ إذَا أُمِنَ مِنْ قَطْعِ الشَّلَّاءِ التَّلَفُ) بِأَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْخِبْرَةِ فَإِنْ قَالُوا إنَّهَا إذَا قُطِعَتْ لَمْ تَفْسُدْ الْعُرُوقُ وَلَمْ يَدْخُلْ الْهَوَاءُ، أُجِيبَ إلَى ذَلِكَ، وَإِنْ قَالُوا: يَدْخُلُ الْهَوَاءُ فِي الْبَدَنِ فَيَفْسُدُ سَقَطَ الْقِصَاصُ.
(وَتُؤْخَذُ النَّاقِصَةُ بِالنَّاقِصَةِ إذَا تَسَاوَتَا فِيهِ) أَيْ فِي النَّقْصِ (بِأَنْ يَكُونَ الْمَقْطُوعُ مِنْ يَدِ الْجَانِي كَالْمَقْطُوعِ مِنْ يَدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) لِحُصُولِ الْمُمَاثَلَةِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) فِي النَّقْصِ (فَكَانَ الْمَقْطُوعُ مِنْ يَدِ أَحَدِهِمَا الْإِبْهَامَ، وَالْمَقْطُوعُ مِنْ الْأُخْرَى أُصْبُعٌ غَيْرُهَا) كَالسَّبَّابَةِ (لَمْ يَجُزْ الْقِصَاصُ) لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ (وَلَا يَجِبُ لَهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (إذَا أُخِذَ الْمَعِيبُ بِالصَّحِيحِ وَ) أُخِذَ (النَّاقِصُ بِالزَّائِدِ مَعَ ذَلِكَ) الْأَخْذِ أَرْشٌ لِأَنَّ الْأَشَلَّ كَالصَّحِيحِ فِي الْخِلْقَةِ وَإِنَّمَا نَقَصَ فِي الصِّفَةِ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ مَالًا وَقَوَدًا (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْجَانِي وَوَلِيُّ الْجِنَايَةِ (فِي شَلَلِ الْعُضْوِ وَصِحَّتِهِ) بِأَنْ قَالَ الْجَانِي كَانَ أَشَلَّ وَأَنْكَرَهُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مَعَ يَمِينِهِ) وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي نَقْصِ الْعُضْوِ بِغَيْرِ شَلَلٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ السَّلَامَةُ (وَظُفْرٌ كَسِنٍّ فِي انْقِلَاعٍ وَ) فِي عَوْدٍ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ.
(وَإِنْ قَطَعَ الْجَانِي بَعْضَ لِسَانٍ أَوْ) بَعْضَ (شَفَةٍ أَوْ بَعْضَ حَشَفَةٍ أَوْ) بَعْضَ (ذَكَرٍ أَوْ) بَعْضَ (أُذُنٍ قُدِّرَ بِالْأَجْزَاءِ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَرُبُعٍ وَأُخِذَ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَالْجُرُوحُ قِصَاصٌ} وَلِأَنَّهُ يُؤْخَذُ جَمِيعُهُ بِجَمِيعِهِ فَأُخِذَ بَعْضُهُ بِبَعْضِهِ وَ(لَا) يُؤْخَذُ (بِالْمِسَاحَةِ) لِئَلَّا يُفْضِي إلَى أَخْذِ جَمِيعِ عُضْوِ الْجَانِي بِبَعْضِ عُضْوِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ النَّوْعُ الثَّانِي الْجِرَاحُ) لِلْآيَةِ وَالْخَبَرِ (فَيُقْتَصُّ فِي كُلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ كَالْمُوضِحَةِ فِي الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ وَجُرْحِ الْعَضُدِ وَالسَّاعِدِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَلَا زِيَادَةٍ لِانْتِهَائِهِ إلَى عَظْمٍ أَشْبَهَ قَطْعَ الْكَفِّ مِنْ الْكُوعِ وَلِأَنَّ اللَّهَ نَصَّ عَلَى الْقِصَاصِ فِي الْجُرُوحِ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ فِي كُلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ سَقَطَ حُكْمُ الْآيَةِ.
(وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ بِالسَّيْفِ) فَوْقَ التَّعَدِّي (وَلَا) يُسْتَوْفَى (بِآلَةٍ يُخْشَى مِنْهَا الزِّيَادَةُ) لِأَنَّهَا عُدْوَانٌ وَسَوَاءٌ كَانَ الْجُرْحُ بِهَا أَيْ بِالْآلَةِ الَّتِي يُخْشَى مِنْهَا الزِّيَادَةُ (أَوْ بِغَيْرِهَا) لِحَدِيثِ:
«إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ مُوضِحَةً أَوْ مَا أَشْبَهَهَا فَ) إنَّهُ يُسْتَوْفَى (بِالْمُوسَى أَوْ حَدِيدَةٍ مَاضِيَةٍ مُعَدَّةٍ) لِذَلِكَ لَا يُخْشَى مِنْهَا الزِّيَادَةُ.
(وَلَا يَسْتَوْفِي) ذَلِكَ (إلَّا مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِذَلِكَ كَالْجَرَائِحِ وَمَنْ أَشْبَهَهُ) مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ بِذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ عِلْمٌ بِذَلِكَ أَمَرَهُ بِالِاسْتِنَابَةِ) لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ كَالنَّفْسِ (وَلَا يُقْتَصُّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ فِي غَيِّرْ جُرْحٌ يَنْتَهِي إلَى عَظْمٍ (مِنْ الشِّجَاجِ وَالْجُرْحُ كَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ) كَالْبَاضِعَةِ (أَوْ أَعْظَمَ مِنْهَا) أَيْ الْمُوضِحَةِ (كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ وَالْمَأْمُومَةِ) وَأُمِّ الدِّمَاغِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ (وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ فِيهِنَّ) أَيْ فِي الْهَاشِمَةِ وَمَا بَعْدَهَا مُوضِحَةٌ لِأَنَّهُ يَقْتَصُّ عَلَى بَعْضِ حَقِّهِ وَيَقْتَصُّ مِنْ مَحِلِّ جِنَايَتِهِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا وَضَعَ السِّكِّينَ فِي مَوْضِعٍ وَضَعَهَا الْجَانِي فِيهِ، لِأَنَّ سِكِّينَ الْجَانِي وَصَلَتْ إلَى الْعَظْمِ ثُمَّ تَجَاوَزَتْهُ، بِخِلَافِ قَاطَعِ السَّاعِدِ فَإِنَّهُ لَا يَضَعُ سَكِينَهُ فِي الْكُوعِ.
(وَيَجْبُ لَهُ) إذَا اقْتَصَّ مُوضِحَةٌ وَالْجِنَايَةُ فَوْقَهَا (مَا بَيْنَ دِيَةِ الْمُوضِحَةِ وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ) لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ فِيهِ الْقِصَاصُ فَوَجَبَ الْأَرْشُ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ فِي جَمِيعِهَا وَفَارَقَ الزِّيَادَةَ ثَمَّ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَلَيْسَتْ مُتَمَيِّزَةً بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا (فَيَأْخُذُ فِي الْهَاشِمَةِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنهَا وَبَيْنَ الْمُوضِحَةِ.
(وَ) يَأْخُذُ (فِي الْمُنَقِّلَةِ عَشْرًا) مِنْ الْإِبِلِ، لِأَنَّهُ مَا بَيْنَ الْمُوضِحَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ (وَفِي الْمَأْمُومَةِ) وَأُمِّ الدِّمَاغِ (ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرِينَ) بَعِيرًا (وَثُلُثًا) مِنْ بَعِيرٍ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِمَا ثُلُثُ الدِّيَةِ فَإِذَا سَقَطَ مِنْهَا دِيَةُ مُوضِحَةٍ خُمْسٌ بَقِيَ ذَلِكَ (وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ دُونَ كَثَافَةِ اللَّحْمِ) لِأَنَّ حَدَّهُ أَعْظَمُ وَالنَّاسُ يَخْتَلِفُونَ فِي قِلَّةِ اللَّحْمِ وَكَثْرَتِهِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ.
(فَلَوْ أَوْضَحَ) الشَّاجُّ (إنْسَانًا فِي بَعْضِ رَأْسِهِ) وَ(مِقْدَارُ ذَلِكَ الْبَعْضِ جَمِيعُ رَأْسِ الشَّاجِّ وَزِيَادَةٌ كَانَ لَهُ) أَيْ الْمَشْجُوجِ (أَنْ يُوضِحَهُ فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ) لِتَحْصُلَ الْمُمَاثَلَةُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلِأَنَّ الْجَمِيعَ رَأْسٌ (وَلَا أَرْشَ لَهُ) أَيْ لِلْمَشْجُوجِ (لِلزَّائِدِ) لِئَلَّا يَجْتَمِعَ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ قِصَاصٌ وَدِيَةٌ.
(وَإِنْ أَوْضَحَ) الْجَانِي (كُلَّ الرَّأْسِ وَرَأْسُ الْجَانِي أَكْبَرُ) مِنْ رَأْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (فَلَهُ قَدْرُ شَجَّتِهِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ الْمُقْتَصُّ) لِأَنَّ الْجَمِيعَ مَحَلُّ الْجِنَايَةِ وَ(لَا) يُسْتَوْفَى مِنْ جَانِبَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهُ يَأْخُذُ (مُوضِحَتَيْنِ بِمُوضِحَةٍ) وَذَلِكَ حَيْفٌ.
(وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَكْبَرَ فَأَوْضَحَهُ الْجَانِي فِي مُقَدَّمِهِ وَمُؤَخَّرِهِ مُوضِحَتَيْنِ قَدْرُهُمَا قَدْرُ جَمِيعِ رَأْسِ الْجَانِي فَلَهُ) أَيْ الْمُقْتَصِّ (الْخِيَارُ بَيْنَ أَنْ يُوضِحَهُ مُوضِحَةً وَاحِدَةً فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ) لِأَنَّ الْجَمِيعَ رَأْسٌ (أَوْ يُوضِحَهُ مُوضِحَتَيْنِ يَقْتَصُّ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى قَدْرِ مُوضِحَتِهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الزَّائِدِ لَهُ وَقَدْ تَرَكَهُ (وَلَا أَرْشَ) لِلْمُقْتَصِّ (لِذَلِكَ) الْمَتْرُوكِ، لِأَنَّهُ تَرَكَ الِاسْتِيفَاءَ مَعَ إمْكَانِهِ (وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ بِقَدْرِ بَعْضِ الرَّأْسِ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ (لَمْ يَعْدِلْ عَنْ جَانِبِهَا إلَى غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مَا وَجَبَ لَهُ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْعُدُولُ إلَى غَيْرِهِ (وَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِيفَاءَ مِنْ مُوضِحَةٍ وَشِبْهِهَا) مِنْ الْجُرُوحِ الْمَنْهِيَّةِ إلَى الْعَظْمِ (فَإِنْ كَانَ عَلَى مَوْضِعهَا شَعْرٌ أَزَالَهُ) بِحَلْقٍ أَوْ غَيْرِهِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ (وَيَعْمِدُ إلَى مَوْضِعِ الشَّجَّةِ مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ، فَعَلِمَ طُولَهَا وَعَرْضَهَا بِخَشَبَةٍ أَوْ خَيْطٍ) فَعَلِمَ حَتَّى يَقْتَصَّ مِنْ الْجَانِي مِثْلَهُ (ثُمَّ يَضَعُهَا) أَيْ الْخَشَبَةَ أَوْ نَحْوَهَا عَلَى رَأْسِ الشَّاجِّ (وَيَعْلَمُ طَرَفَيْهِ) أَيْ الْمَوْضِعِ عَلَى رَأْسِ الْجَانِي أَوْ غَيْرِهِ مِنْ خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا (بِسَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ حَدِيدَةً عَرْضُهَا كَعَرْضِ الشَّجَّةِ فَيَضَعُهَا فِي أَوَّلِ الشَّجَّةِ وَيَجُرُّهَا إلَى آخِرِهَا فَيَأْخُذُ مِثْلَ الشَّجَّةِ طُولًا وَعَرْضًا) لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَعْتَمِدُ الْمُمَاثَلَةَ (وَلَا يُرَاعِي الْعُمْقُ) لِأَنَّ حَدَّهُ الْعَظْمُ وَلَوْ رُوعِيَ لَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي قِلَّةِ اللَّحْمِ وَكَثْرَتِهِ كَمَا سَبَقَ.
(فَصْلٌ وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ فِي جُرْحٍ مُوجِبٍ لِلْقِصَاصِ) حَتَّى وَلَوْ فِي مُوضِحَةٍ أَوْ تَسَاوَتْ أَفْعَالُهُمْ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ فِعْلُ أَحَدِهِمْ عَنْ فِعْلِ الْآخَرِ مِثْلُ أَنْ يَضَعُوا حَدِيدَةً عَلَى يَدِهِ وَيَتَحَامَلُوا عَلَيْهَا جَمِيعًا حَتَّى تَبِينَ أَيْ تَنْفَصِلَ الْيَدُ (أَوْ يَشْهَدُوا بِمَا يُوجِبُ قَطْعَهُ) كَسَرِقَةٍ (فَيُقْطَعُ ثُمَّ يَرْجِعُوا عَنْ الشَّهَادَةِ، أَوْ يُكْرِهُوا إنْسَانًا عَلَى قَطْعِ طَرَفٍ) فَيَقْطَعَهُ (فَيَجِبُ قَطْعُ الْمُكْرِهِينَ وَالْمُكْرَهِ) كَمَا يُقْتَلُونَ بِالنَّفْسِ (أَوْ يُلْقُوا صَخْرَةً عَلَى طَرَفِ إنْسَانٍ فَتَقْطَعَهُ) الصَّخْرَةُ (أَوْ يَمُدَّهَا) أَيْ الْيَدَ وَنَحْوَهَا (فَتَبِينُ) بِالْمَدِّ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذُكِرَ كَمَا لَوْ أَلْقَمُوهَا لِسَبْعٍ أَوْ نَحْوِهِ فَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ الْقِصَاصُ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ لِلشَّاهِدَيْنِ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُكُمَا فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لَوْ تَعَمَّدَ، أَوْ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الْقِصَاصِ فَتُؤْخَذُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ كَالنَّفْسِ.
وَفِي الِانْتِصَارِ لَوْ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَقْطَعُ يَدًا حَنِثَ بِذَلِكَ، وَعَنْهُ لَا قَوَدَ لِأَنَّهُ لَا تَسَاوِيَ بَيْنَ طَرَفٍ وَأَطْرَافٍ.
وَفِي الرِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ: وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةُ الطَّرَفِ وَالْجُرْحِ كَمَا لَوْ قَطَعَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ جَانِبٍ أَوْ فِي وَقْتٍ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي دِيَتِهِ ا هـ.
قُلْتُ هُنَا الِاحْتِمَالُ هُوَ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ فِي النَّفْسِ (وَإِنْ تَفَرَّقَتْ أَفْعَالُهُمْ) أَيْ الْقَاطِعِينَ فَقَطَعَ كُلُّ إنْسَانٍ مِنْ جَانِبٍ أَوْ قَطَعَ أَحَدُهُمْ بَعْضَ الْمِفْصَلِ وَأَتَمَّهُ غَيْرُهُ بِأَنْ قَطَعَ الْبَاقِي أَوْ ضَرَبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حَدِيدَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وُضِعَتْ عَلَى الْيَدِ أَوْ نَحْوِهَا (ضَرْبَةً حَتَّى) انْفَصَلَتْ (أَوْ وَضَعُوا مِنْشَارًا عَلَى مِفْصَلٍ ثُمَّ مَدَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مَرَّةً حَتَّى بَانَتْ الْيَدُ) أَوْ نَحْوُهَا (فَلَا قِصَاصَ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَمْ يَقْطَعْ الْيَدَ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَطْعِ جَمِيعِهَا (وَسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ) مَضْمُونَةٌ (كَهِيَ) أَيْ الْجِنَايَةِ (فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ فِي النَّفْسِ وَدُونَهَا) لِأَنَّ السِّرَايَةَ أَثَرُ الْجِنَايَةِ وَالْجِنَايَةُ مَضْمُونَةٌ فَكَذَا أَثَرُهَا (حَتَّى لَوْ انْدَمَلَ الْجُرْحُ فَاقْتَصَّ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (ثُمَّ انْتَقَضَ) الْجُرْحُ (فَسَرَى) كَانَتْ سِرَايَتُهُ مَضْمُونَةً، لِأَنَّهُ إعْرَاضٌ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، لِاعْتِمَادِهِ عَلَى الظَّاهِرِ.
(فَلَوْ قَطَعَ أُصْبُعًا فَتَآكَلَتْ أُخْرَى إلَى جَانِبِهَا وَسَقَطَ مِنْ مِفْصَلٍ) وَجَبَ الْقِصَاصُ (أَوْ) قَطَعَ أُصْبُعًا فَ (تَآكَلَتْ الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنْ الْكُوعِ) أَوْ الْمِرْفَقِ (وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْقَوَدُ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ بِالسِّرَايَةِ كَالنَّفْسِ، وَفَارَقَ مَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى شَخْصٍ فَمَرَقَ مِنْهُ إلَى آخَرَ لِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ وَلَيْسَ بِسِرَايَةٍ،.
وَلَوْ قَصَدَ قَطْعَ إبْهَامِهِ فَقَطَعَ سَبَّابَتَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ (وَإِنْ شَلَّ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا أَيْ فَسَدَ الْعُضْوُ وَذَهَبَتْ حَرَكَتُهُ بِالسِّرَايَةِ (فَفِيهِ دِيَتُهُ دُونَ الْقِصَاصِ) لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقِصَاصِ فِي الشَّلَلِ فَيُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ قَطْعٌ (وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَا: مَنْ مَاتَ مِنْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ لَا دِيَةَ لَهُ، الْحَقُّ قَتَلَهُ وَلِأَنَّهُ قَطْعٌ مُسْتَحَقٌّ فَلَا تُضْمَنُ سِرَايَتُهُ كَقَطْعِ السَّارِقِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سِرَايَتِهِ إلَى النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا.
(فَلَوْ قَطَعَ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (الْيَدَ قِصَاصًا فَمَاتَ الْجَانِي فَهَدَرٌ) لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ (لَكِنْ لَوْ اقْتَصَّ) الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ (قَهْرًا) عَلَى الْجَانِي (مَعَ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ بِآلَةٍ كَالَّةٍ أَوْ مَسْمُومَةٍ وَنَحْوِهِ) كَمَا لَوْ حَرَقَ الْعُضْوَ الْمُسْتَحَقَّ لَهُ فَسَرَى فَمَاتَ (لَزِمَهُ بَقِيَّةُ الدِّيَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَضْمَنُ دِيَةَ النَّفْسِ مَنْقُوصًا مِنْهَا دِيَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فِيهِ فَلَوْ وَجَبَ لَهُ فِي يَدٍ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي جَفْنٍ كَانَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَهَكَذَا.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُقْتَصّ مِنْ طَرَفٍ قَبْلَ بُرْئِهِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَجَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَقِدْنِي فَقَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ ثُمَّ جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ: أَقِدْنِي فَأَقَادَهُ، ثُمَّ جَاءَ إلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَجْتُ فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِي فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ وَأَبْطَلَ عَرَجَكَ، ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيِّ، وَلِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يُدْرَى أَيُؤَدِّي إلَى الْقَتْلِ أَمْ لَا؟ فَوَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ لِيُعْلَمَ حُكْمُهُ.
(فَإِنْ فَعَلَ أَيْ اقْتَصَّ لِلطَّرَفِ، قَبْلَ بُرْئِهِ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ سِرَايَتِهِ فَلَوْ سَرَى) الْجُرْحُ بَعْدُ (إلَى نَفْسِهِ) فَهَدَرٌ لِلْخَبَرِ (أَوْ سَرَى الْقِصَاصُ إلَى نَفْسِ الْجَانَّيْ فَهَدَرٌ) وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَطَعَ) جَانٍ (يَدَ رَجُلٍ مِنْ الْكُوعِ ثُمَّ) قَطَعَهَا جَانٍ (آخَرُ مِنْ الْمِرْفَقِ فَاتَ الْمَجْنِيُّ) عَلَيْهِ (بِسِرَايَتِهِمَا) أَيْ الْقِطْعَتَيْنِ (فَلِلْوَلِيِّ قَتْلُ الْقَاطِعَيْنِ) لِأَنَّهُمَا قَاتِلَانِ، لِأَنَّ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ بِالْقَوَدِ كَمَا سَبَقَ.