فصل: (بَابُ الْكِتَابَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ الْكِتَابَةِ):

(وَهِيَ) اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْمُكَاتَبَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّيِّدَ يَكْتُبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَقِيقِهِ كِتَابًا بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَقِيلَ مِنْ الْكُتُبِ وَهُوَ الضَّمُّ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَضُمُّ بَعْضَ النُّجُومِ إلَى بَعْضٍ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْخَرَزُ كُتْبًا وَالْكَتِيبَةُ لِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَشَرْعًا (بَيْعُ سَيِّدٍ رَقِيقَهُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى (نَفْسَهُ أَوْ) بَيْعُهُ (بَعْضَهُ) كَنِصْفِهِ وَسُدُسِهِ (بِمَالٍ مُؤَجَّلٍ فِي ذِمَّتِهِ مُبَاحٌ مَعْلُومُ يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ مُنَجَّمٌ) أَيْ مُؤَجَّلٌ بِأَجَلَيْنِ فَصَاعِدًا (يُعْلَمُ قِسْطُ كُلِّ نَجْمٍ وَمُدَّتُهُ) أَيْ مُدَّةُ النَّجْمِ مِنْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا تَصِحُّ بِنَحْوِ خَمْرٍ وَلَا بِمَالٍ حَالٍ وَلَا بِمُعَيَّنٍ وَلَا بِمُحَرَّمِ الصِّنَاعَةِ كَآنِيَةِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَلَا بِمَالٍ مَجْهُولٍ، وَلَا بِمَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ كَجَوْهَرٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ بِالْوَصْفِ وَلَا بِمُؤَجَّلٍ أَجَلًا وَاحِدًا وَلَوْ طَالَ وَالْمُرَادُ بِالنَّجْمِ هُنَا الْوَقْتُ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ لَا تَعْرِفُ الْحِسَابَ وَإِنَّمَا تَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ بِطُلُوعِ النَّجْمِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعْ فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ وَالْحِقُّ الْجَذَعْ أَوْ بَيْعُ السَّيِّدِ رَقِيقَهُ نَفْسَهُ أَوْ بَعْضَهُ بِهِ (بِمَنْفَعَةٍ مُؤَجَّلَةٍ مُنَجَّمَةٍ) عَلَى أَجَلَيْنِ فَأَكْثَرَ وَاشْتِرَاطُ النَّجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْكُتُبِ وَهُوَ الضَّمُّ فَوَجَبَ افْتِقَارُهَا إلَى نَجْمَيْنِ لِيُضَمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ، وَاشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِمَا لِكُلِّ نَجْمٍ مِنْ الْقِسْطِ وَالْمُدَّةِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ جَهْلُ ذَلِكَ إلَى التَّنَازُعِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فَلَوْ جَعَلَ أَحَدَ النَّجْمَيْنِ شَهْرًا وَالْآخَرَ سَنَةً، أَوْ جَعَلَ قِسْطَ أَحَدِ النَّجْمَيْنِ عَشَرَةً وَالْآخَرَ خَمْسَةً وَنَحْوَهُ جَازَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِقَدْرِ الْأَجَلِ وَقِسْطِهِ وَالْأَصْلُ فِي الْكِتَابَةِ قَوْله تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} وَقِصَّةُ بَرِيرَةَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابَتِهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا.
(وَهِيَ) أَيْ الْكِتَابَةُ (مَنْدُوبَةٌ لِمَنْ يَعْلَمُ) سَيِّدُهُ (فِيهِ خَيْرًا وَهُوَ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قَالَ أَحْمَدُ: الْخَيْرُ صِدْقٌ وَصَلَاحٌ وَوَفَاءٌ بِمَالِ الْكِتَابَةِ وَالْآيَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى إزَالَةِ مِلْكٍ بِعِوَضٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَيْهِ (كَالْبَيْعِ).
(وَتُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ) لِئَلَّا يَصِيرَ كَلًّا عَلَى النَّاسِ وَيَحْتَاجَ إلَى السُّؤَالِ وَتَقَدَّمَ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا.
(وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ الْمَرْهُونِ) بَعْدَ قَبْضِهِ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَوَقْفُهُ.
(وَالْكِتَابَةُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَهِيَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَجُمُوعٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُبْدِعِ (أَنَّهَا) أَيْ الْكِتَابَةَ (فِي الْمَرَضِ الْمَخُوفِ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ عِوَضًا مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ وَهُوَ مَالٌ لَهُ فَصَارَ كَالْعِتْقِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الْمُحَابَاةِ فِيهَا.
(وَلَوْ كَاتَبَهُ فِي الصِّحَّةِ وَأَسْقَطَ دَيْنَهُ) فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ (أَوْ) كَاتَبَهُ فِي الصِّحَّةِ وَ(أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ اُعْتُبِرَ خُرُوجُ الْأَقَلِّ مِنْ رَقَبَتِهِ أَوْ دَيْنِهِ مِنْ الثُّلُثِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ إبْرَاءٌ وَالْإِبْرَاءُ عِتْقٌ، فَاعْتُبِرَ أَقَلُّهُمَا وَأُلْغِيَ الْآخَرُ.
(وَلَوْ وَصَّى بِعِتْقِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (أَوْ أَبْرَأَهُ) الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ وَنَحْوَهُ (مِنْ الدَّيْنِ) أَيْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (اُعْتُبِرَ) خُرُوجُ (أَيِّهِمَا) أَيْ رَقَبَتِهِ أَوْ دَيْنِهِ (مِنْ ثُلُثِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ حَمَلَ الثُّلُثُ بَعْضَهُ) أَيْ بَعْضَ مَا عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (عَتَقَ) مِنْهُ بِقَدْرِ مَا حَمَلَهُ الثُّلُثُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَبَاقِيهِ عَلَى الْكِتَابَةِ) إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (إلَّا بِقَوْلٍ) بِأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُكَاتِبَهُ كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا لِأَنَّهَا إمَّا بَيْعٌ أَوْ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَكِلَاهُمَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْقَوْلُ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْمُعَاطَاةِ هُنَا (مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ) لِأَنَّهَا عِتْقُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ كَانَتْ مَعَ قَبُولِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَتَوَقَّفَتْ عَلَى الْقَبُولِ كَالْبَيْعِ.
(وَإِنْ كَاتَبَ) السَّيِّدُ (الْمُمَيِّزُ رَقِيقَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ صَحَّ) الْعَقْدُ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْمُمَيِّزِ إلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ كَالْبَيْعِ (وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمُمَيِّزَ صَحَّ) الْعَقْدُ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ وَبَيْعُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ، فَصَحَّتْ كِتَابَتُهُ كَالْمُكَلَّفِ، لِأَنَّ تَعَاطِيَ السَّيِّدِ الْعَقْدَ مَعَهُ إذْنٌ لَهُ فِي قَبُولِهِ.
وَ(لَا) يَصِحُّ أَنْ يُكَاتِبَ رَقِيقًا (مَجْنُونًا أَوْ طِفْلًا غَيْرَ مُمَيِّزٍ) لِأَنَّ قَبُولَهُمَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ كَاتَبَ مَجْنُونًا أَوْ طِفْلًا (لَمْ يُعْتَقَا بِالْأَدَاءِ) لِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ (بَلْ) يُعْتَقَانِ (بِتَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِهِ) أَيْ بِالْأَدَاءِ (إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ صَرِيحًا) بِأَنْ قَالَ فِي الْعَقْدِ، وَمَتَى أَدَّيْت ذَلِكَ وَنَحْوَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ صَرِيحًا (فَلَا) عِتْقَ لِعَدَمِ مَا يَقْتَضِيه.
(وَتَصِحُّ كِتَابَةُ الذِّمِّيِّ عَبْدَهُ) كَالْمُسْلِمِ (فَإِنْ أَسْلَمَا) أَيْ السَّيِّدُ وَعَبْدُهُ (أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُهُمَا أَوْ) لَمْ يُسْلِمَا وَلَكِنْ (تَرَافَعَا إلَيْنَا أَمْضَيْنَا الْعَقْدَ، إنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}.
(وَإِنْ كَانَتْ) الْكِتَابَةُ (فَاسِدَةً، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ خَمْرًا وَنَحْوَهُ) كَخِنْزِيرٍ (وَقَدْ تَقَابَضَاهُ فِي الْكُفْرِ أَمْضَيْنَاهُ أَيْضًا وَحَصَلَ الْعِتْقُ سَوَاءٌ تَرَافَعَا) إلَيْنَا (قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَوْ بَعْدَهُ) لِلُزُومِهِ بِالتَّقَابُضِ (وَإِنْ تَقَابَضَاهُ فِي الْإِسْلَامِ فَهِيَ كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ وَيَأْتِي حُكْمُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ) تَعَالَى آخِرَ الْبَابِ.
(وَإِنْ تَرَافَعَا قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ (أَبْطَلْنَا الْكِتَابَةَ) كَسَائِرِ عُقُودِهِمْ الْفَاسِدَةِ إذَا تَرَافَعَا إلَيْنَا قَبْلَ التَّقَابُضِ.
(وَتَصِحُّ كِتَابَةُ الْحَرْبِيِّ) لِرَقِيقِهِ (فِي دَارِ الْحَرْبِ وَدَارِ الْإِسْلَامِ) كَكِتَابَةِ الذِّمِّيِّ وَسَائِرِ عُقُودِهِ (فَإِنْ دَخَلَا مُسْتَأْمَنَيْنِ إلَيْنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ الْحَاكِمُ لَهُمَا إلَّا أَنْ يَتَرَافَعَا إلَيْهِ) أَيْ الْحَاكِمُ فَإِنْ تَرَافَعَا إلَيْهِ (فَإِنْ كَانَتْ) الْكِتَابَةُ (صَحِيحَةً أَلْزَمَهُمَا حُكْمَهَا وَإِنْ جَاءَا) دَارَ الْإِسْلَامِ (وَقَدْ قَهَرَ أَحَدٌ صَاحِبَهُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ لِأَنَّ دَارَ الْحَرْبِ دَارُ قَهْرٍ وَإِبَاحَةٍ فَمَنْ قَهَرَ صَاحِبَهُ وَلَوْ حُرًّا قَهَرَ حُرًّا مَلَكَهُ وَإِنْ دَخَلَا) دَارَ الْإِسْلَامِ (مِنْ غَيْرِ قَهْرٍ ثُمَّ قَهَرَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ تَبْطُلْ) الْكِتَابَةُ لِأَنَّهُ لَا أَثَرً لِلْقَهْرِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا دَارُ عِصْمَةٍ.
(وَتَنْفُذُ) الْكِتَابَةُ (بِقَوْلِهِ) أَيْ السَّيِّدِ لِرَقِيقِهِ (كَاتَبْتُك عَلَى كَذَا مَعَ قَبُولِهِ) لِأَنَّهُ اللَّفْظُ الْمَوْضُوعُ لَهَا فَانْعَقَدَتْ بِمُجَرَّدِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) السَّيِّدُ (فَإِذَا أَدَّيْت لِي فَأَنْتَ حُرٌّ) لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُوجِبُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ، فَتَثْبُتُ عِنْدَ تَمَامِهِ كَسَائِرِ أَحْكَامِهِ وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ وُضِعَ لِلْعِتْقِ فَلَمْ تَحْتَجْ إلَى لَفْظِ الْعِتْقِ وَلَا نِيَّةٍ كَالتَّدْبِيرِ وَقَوْلُهُ الْمُخَالِفُ لَفْظُ الْكِتَابَةِ يَحْتَمِل الْمُخَارَجَةَ، لَيْسَ بِمَشْهُورٍ حَتَّى يَحْتَاجَ أَنْ يُمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِشَيْءٍ يُمَيِّزُهُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ الْمُحْتَمَلَ يَنْصَرِفُ بِالْقَرَائِنِ إلَى أَحَدِ مُحْتَمَلَيْهِ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (إلَّا بَعُوضٍ مُبَاحٍ) بِخِلَافِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (وَالْحُلِيِّ الْمُحَرَّمِ وَيَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الذِّمَّةِ فَيَحْتَاجُ إلَى ضَبْطِ صِفَاتِهِ قَطْعًا لِلنِّزَاعِ بِخِلَافِ الْجَوْهَرِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ بِالْوَصْفِ (مُنَجَّمٌ نَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ يُعْلَمُ لِكُلِّ أَجَلٍ نَجْمُ) أَيْ وَقْتُ (قِسْطِهِ وَمُدَّتِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (تَسَاوَتْ) النُّجُومُ (أَوْ لَا) أَيْ أَوْ لَمْ تَتَسَاوَ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ.
(فَلَا تَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (حَالَّةً) لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْعَجْزِ عَنْ الْأَدَاءِ وَفَسْخِ الْعَقْدِ.
(وَلَا) تَصِحُّ الْكِتَابَةُ (عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ) كَأَنْ يُكَاتِبَ رَقِيقَهُ عَلَى عَبْدٍ وَيُطْلِقَ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُقَدَّرٌ فِي عَقْدٍ أَشْبَهَ الْبَيْعَ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ تَصِحُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حَمْدَانَ كَمَهْرٍ، وَلَهُ الْوَسَطُ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (تَوْقِيتُ النَّجْمَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ وَنَحْوِهِ) مِمَّا لَا وَقْعَ لَهُ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ (بَلْ يُعْتَبَرُ مَالُهُ وَقَعَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ صَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافَهُ) قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ الصِّحَّةُ، وَلَكِنَّ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى السَّلَمِ لَكِنَّ السَّلَمَ أَضْيَقُ انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَلَا يُشْتَرَطُ أَجَلٌ لَهُ وَقَعَ فِي الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ فِيهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ فِي الْأَصَحِّ فَيَصِحُّ تَوْقِيتُ النَّجْمَيْنِ بِسَاعَتَيْنِ.
(وَتَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (عَلَى خِدْمَةٍ مُتَفَرِّدَةٍ مُنَجَّمَةٍ فِي مُدَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، كَأَنْ يُكَاتِبَهُ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ عَلَى خِدْمَتِهِ فِيهِ) أَيْ الْمُحَرَّمِ (وَفِي رَجَبٍ أَوْ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَبِنَاءِ حَائِطٍ عَيَّنَهُمَا وَكَذَا لَوْ قَالَ) السَّيِّدُ لِرَقِيقِهِ كَاتَبْتُك (عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي هَذَا الشَّهْرَ و) عَلَى (خِيَاطَةِ كَذَا عَقِيبَ الشَّهْرِ، أَوْ) كَاتَبْتُك (عَلَى أَنْ تَخْدِمَنِي شَهْرًا مِنْ وَقْتِي هَذَا وَشَهْرًا عَقِيبَ هَذَا الشَّهْرِ) فَيَصِحُّ لِأَنَّهُمَا أَجَلَانِ وَإِنْ وَلِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ.
(وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ) كَرَجَبٍ وَلِيَ الْعَقْدَ أَوْ لَا (أَوْ) كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ (سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ) كَسَنَةِ خَمْسٍ تَلِي الْعَقْدَ أَوْ لَا (لَمْ يَصِحَّ) عَقْدُ الْكِتَابَةِ (لِأَنَّهُ نَجْمٌ وَاحِدٌ).
(وَتَصِحُّ) الْكِتَابَةُ (عَلَى خِدْمَةٍ وَمَالٍ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا فِي غَيْرِ الْكِتَابَةِ فَلْيَكُنْ فِيهَا كَذَلِكَ سَوَاءٌ (تَقَدَّمَتْ لِلْخِدْمَةِ أَوْ تَأَخَّرَتْ) لِأَنَّ تَقَدُّمَهَا وَتَأَخُّرَهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا صَالِحَةً لِلْعِوَضِ، وَأَوَّلُهَا عَقِبَ الْعَقْدِ مَعَ الْإِطْلَاقِ (إنْ كَانَ الْمَالُ مُؤَجَّلًا وَلَوْ إلَى أَثْنَائِهَا) أَيْ أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْخِدْمَةِ، كَأَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ شَهْرَ رَجَبٍ وَعَلَى دِينَارٍ وَجَعَلَ مَحِلَّهُ فِي نِصْفِ رَجَبٍ أَوْ فِي انْقِضَائِهِ، فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ جَعَلَ مَحِلَّهُ فِيمَا بَعْدَ رَجَبٍ، لِأَنَّ الْخِدْمَةَ بِمَنْزِلَةِ الْعِوَضِ الْحَاصِلِ فِي ابْتِدَاءِ مُدَّتِهَا فَيَكُونُ مَحِلُّهَا غَيْرَ مَحِلِّ الدِّينَارِ (بِخِلَافِ الْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَأْجِيلُهَا) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الْحُلُولِ فِي غَيْرِهَا لِأَجْلِ الْعَجْزِ عَنْهُ فِي الْحَالِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْخِدْمَةِ فَجَازَتْ حَالَّةً وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَجَلُ الدِّينَارِ قَبْلَ الْخِدْمَةِ إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى دِينَارٍ وَسَلَخَ صَفَرٌ وَخِدْمَتِهِ شَهْرَ رَجَبٍ.
(وَإِذَا كَاتَبَ) السَّيِّدُ (الْعَبْدَ وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ) الْمُكَاتَبُ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ قَبْلَ الْكِتَابَةِ فَيَكُونُ لَهُ بَعْدَهَا وَكَمَا لَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ (فَإِنْ كَانَتْ لَهُ) أَيْ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يُكَاتِبَ (سُرِّيَّةً إنْ جَوَّزْنَا لِلْعَبْدِ التَّسَرِّي أَوْ) كَانَ لَهُ.
(وَلَدٌ مِنْهَا) أَيْ مِنْ سُرِّيَّتِهِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ (فَهُوَ) أَيْ الْمَذْكُورُ مِنْ السُّرِّيَّةِ وَالْوَلَدِ (لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ فَيَكُونُ لِسَيِّدِهِ إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الْمُكَاتَبُ.
(وَإِذَا أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ فَقَبَضَهُ السَّيِّدُ) مَعَ أَهْلِيَّتِهِ لِلْقَبْضِ أَوْ قَبَضَهُ وَكِيلُهُ (أَوْ) قَبَضَهُ (وَلِيُّهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ السَّيِّدُ أَهْلًا (أَوْ أَبْرَأَهُ) السَّيِّدُ (مِنْهُ) أَيْ مِمَّا كُوتِبَ عَلَيْهِ (عَتَقَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَ(لَا) يُعْتَقُ (قَبْلَ الْأَدَاءِ) لِجَمِيعِ مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ (وَالْإِبْرَاءِ) مِنْهُ، لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَدَلَّلَ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ كِتَابَتِهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا أَدَّاهَا لَا يَبْقَى عَبْدًا.
(وَإِنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَنَانِيرَ فَأَبْرَأْهُ) السَّيِّدُ (مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ بِالْعَكْسِ) بِأَنْ كَاتَبَهُ عَلَى دَرَاهِمَ فَأَبْرَأَهُ مِنْ دَنَانِيرَ (لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ) لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِمَّا لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ يَزِيدَ) فِي الْبَرَاءَةِ لَفْظَ (بِقَدْرِ ذَلِكَ مِمَّا لِي عَلَيْك) فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ اكْتِفَاءً بِالْمَعْنَى.
(وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (مَا يُؤَدِّي) مِنْهُ (فَهُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ السَّابِقِ.
(فَإِنْ) مَاتَ السَّيِّدُ وَوَرِثَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، أَوْ (أَبْرَأْهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ (بَعْضُ وَرَثَتِهِ) أَيْ السَّيِّدِ (مِنْ حَقِّهِ مِنْهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ بِمَعْنَى دَيْنِهَا (وَكَانَ) الْمُبَرِّئُ (مُوسِرًا) بِقِيمَةِ بَاقِيه (عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ) بِالسِّرَايَةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي رَقِيقٍ (وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (بَعْدَ الْأَدَاءِ) لِجَمِيعِ مَالِ الْكِتَابَةِ (فَ) هُوَ (لَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ لَهُ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ قَبْلَ الْعِتْقِ.
(فَإِنْ مَاتَ) الْمُكَاتَبُ (أَوْ قُتِلَ وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ) لَهُ (السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَمَاتَ عَبْدًا وَكَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ) سَوَاءٌ خَلَفَ وَفَاءً أَمْ لَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ السَّابِقِ، وَلِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَقَدْ تَلِفَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَبَطَلَ، وَتُفَارِقُ الْكِتَابَةُ الْبَيْعَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَيْرُ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يَنْفَسِخْ بِتَلَفِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ.
(وَإِنْ عَجَّلَ) الْمُكَاتَبُ (مَا عَلَيْهِ) مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ (قَبْلَ مَحِلِّهِ لَزِمَ سَيِّدَهُ أَخْذُهُ وَعَتَقَ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ) أَيْ فِي أَخْذِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ (ضَرَرٌ) عَلَى السَّيِّدِ رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِذَا قَدَّمَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ فَسَقَطَ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ لَا يُقَالُ إذَا عَلَّقَ عِتْقَ رَقِيقِهِ عَلَى فِعْلٍ فِي وَقْتٍ فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ لَا يُعْتَقُ لِأَنَّ هَذَا صِفَةٌ مُجَرَّدَةٌ لَا يُعْتَقُ إلَّا بِوُجُودِهَا وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ يُعْتَقُ فِيهَا بِأَدَاءِ الْعِوَضِ فَاقْتَرَبَا فَإِنْ كَانَ فِي قَبْضِهَا قَبْلَ مَحِلِّهَا ضَرَرٌ بِأَنْ دَفَعَهَا بِطَرِيقٍ مَخُوفٍ أَوْ كَانَتْ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى مَخْزَنٍ كَالطَّعَامِ وَالْقُطْنِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُلْزَمْ السَّيِّدُ لِأَخْذِهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْتِزَامُ ضَرَرٍ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَا يُعْتَقُ بِبَذْلِهِ مَعَ وُجُودِ الضَّرَرِ.
(فَلَوْ أَبَى) السَّيِّدُ أَخْذَ الْمُعَجَّلِ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ (جَعَلَهُ الْإِمَامُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ أَدَّاهُ إلَى السَّيِّدِ وَقْتَ حُلُولِهِ وَحَكَمَ بِعِتْقِ الْمُكَاتَبِ فِي الْحَالِ) أَيْ حَالِ أَخْذِ الْمُعَجَّلِ مِنْهُ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنِّي كُوتِبْت عَلَى كَذَا وَكَذَا وَإِنِّي أَيْسَرْت بِالْمَالِ وَأَتَيْته بِهِ فَزَعَمَ أَنْ لَا يَأْخُذَهَا إلَّا نُجُومًا فَقَالَ عُمَرُ: يَا سُرَاقَةُ خُذْ هَذَا الْمَالَ فَاجْعَلْهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَأَدِّ إلَيْهِ نُجُومًا فِي كُلِّ عَامٍ، وَقَدْ عَتَقَ هَذَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ سَيِّدُهُ أَخَذَ الْمَالَ» وَعَنْ عُثْمَانَ نَحْوُهُ.
(وَإِذَا كَاتَبَهُ عَلَى جِنْسٍ كَدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ أَوْ عَرْضٍ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ السَّيِّدَ (قَبْضُ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ لَهُ فَلَا تَلْزَمُهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا وَإِنْ تَرَاضَيَا جَازَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا.
(وَإِذَا أَدَّى) الْمُكَاتَبُ (الْعِوَضَ) الَّذِي كُوتِبَ عَلَيْهِ جَمِيعَهُ (وَعَتَقَ فَبَانَ الْعِوَضُ مَعِيبًا فَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (أَرْشُهُ) إنْ أَمْسَكَهُ (أَوْ عَوَّضَهُ إنْ رَدَّهُ وَلَمْ يَبْطُلْ عِتْقُهُ) لِأَنَّهُ إتْلَافٌ، فَإِذَا وَقَعَ لَمْ يَرْتَفِعْ وَكَالْخُلْعِ، وَإِطْلَاقُ عَقْدِ الْكِتَابَةِ يَقْتَضِي سَلَامَةَ الْعِوَضِ فِيهَا وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْمُكَاتَبِ رَقِيقًا فَوَجَبَ أَرْشُ الْعَيْبِ أَوْ عِوَضُ الْمَعِيبِ جَبْرًا لِمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْعَقْدِ.
(وَإِذَا أَحْضَرَ) الْمُكَاتَبُ (مَالَ الْكِتَابَةِ فَقَالَ السَّيِّدُ: هَذَا حَرَامٌ أَوْ غَصْبٌ) فَلَا يَصِحُّ أَنْ أَقْبِضَهُ مِنْك (فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْمُكَاتَبُ أَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ) أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ غَصْبٌ (لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ قَبُولُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ) قَبُولُهُ وَسُمِعَتْ بَيِّنَةُ السَّيِّدِ بِذَلِكَ، لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَنْ لَا يَقْتَضِيَ دَيْنَهُ مِنْ حَرَامٍ، وَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ بِهِ.
(وَكَذَلِكَ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَ) كَذَلِكَ (صَدَاقُهَا وَ) كَذَلِكَ (كُلُّ حَقٍّ) مِنْ قَرْضٍ أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ عِوَضٍ فِي عَقْدٍ) كَثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةٍ وَنَحْوِهَا إذَا حَضَرَ بِهَا مَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَادَّعَى مَنْ هِيَ لَهُ أَنَّهَا حَرَامٌ أَوْ غَصْبٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا وَلَمْ يَلْزَمْهُ إنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِإِقْرَارِ الْمَدِينِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ (فَإِنْ أَنْكَرَ) الْمُكَاتَبُ أَنَّهَا غَصْبٌ أَوْ حَرَامٌ (وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ بَيِّنَةٌ فَقَوْلُ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ) أَنَّهُ مَلَكَهُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (ثُمَّ يَجِبُ) عَلَى السَّيِّدِ (أَخْذُهُ وَيُعْتَقُ) الْمُكَاتَبُ بِأَخْذِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ مَلَكَهُ.
(فَإِنْ نَكَلَ) الْمُكَاتَبُ (عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ قَبُولُهُ) وَيَحْلِفُ السَّيِّدُ أَنَّهُ حَرَامٌ (وَإِنْ حَلَفَ) الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ (قِيلَ لِلسَّيِّدِ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَهُ وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَهُ لِيُعْتَقَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَلَكَهُ (فَإِنْ قَبَضَهُ) السَّيِّدُ (وَكَانَ تَمَامَ كِتَابَتِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الظَّاهِرِ (وَلَمْ يُمْنَعْ السَّيِّدُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا قَبَضَهُ.
وَقَالَ هُوَ حَرَامٌ أَوْ غَصْبٌ (إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدٍ) مُعَيَّنٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ إذَنْ (وَعَلَيْهِ إثْمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ بَاطِنًا فِيهِ إذَا عَلِمَهُ حَرَامًا (وَإِنْ ادَّعَى) السَّيِّدُ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ (غَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ) أَوْ سَرَقَهُ مِنْهُ وَنَحْوَهُ (لَزِمَهُ) أَيْ السَّيِّدَ (دَفْعُهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ بِهِ إنْ صَدَّقَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ.
(فَإِنْ أَبْرَأَهُ) أَيْ أَبْرَأَ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ (مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ حَقٌّ) حَتَّى يَلْزَمَهُ أَخْذُهُ.
(وَإِنْ لَمْ يُبْرِئْهُ) السَّيِّدُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ (وَلَمْ يَقْبِضْهُ) أَيْ الْمَالَ الَّذِي أَحْضَرَهُ لَهُ وَقَالَ السَّيِّدُ: إنَّهُ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ (كَانَ لَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (دَفْعُ ذَلِكَ) الْمَالِ (إلَى الْحَاكِمِ لِيَنُوبَ الْحَاكِمُ فِي قَبْضِهِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ السَّيِّدِ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ) بِأَخْذِ الْحَاكِمِ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ السَّيِّدُ.
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ) مَالَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ (وَيَضَعَ عَنْهُ) السَّيِّدُ (بَعْضَ كِتَابَتِهِ) مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ إلَى سَنَةٍ، ثُمَّ يَقُولَ لَهُ عَجِّلْ خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى أَضَعَ عَنْك الْبَاقِي أَيْ أُسْقِطَهُ، أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَلَيْسَ بِدِينٍ صَحِيحٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَمَا يُؤَدِّيه إلَى سَيِّدِهِ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَوَاجِبٌ فِيهِ التَّأْجِيلُ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَتَخْفِيفًا عَنْ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا أَمْكَنَهُ التَّعْجِيلُ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ بِهِ عَنْهُ بَعْضُ مَا عَلَيْهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ وَأَخَفَّ عَلَى الْعَبْدِ وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الدُّيُونِ وَيُفَارِقُ الْأَجَانِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَبْدُهُ، فَهُوَ أَشْبَهُ بِعَبْدِهِ الْقِنِّ.
(وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى زِيَادَةِ الْأَجَلِ وَالدَّيْنِ) مِثْل أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ إلَى سَنَةٍ يُؤَدِّي نِصْفَهَا فِي نِصْفِ السَّنَةِ وَالْبَاقِي فِي آخِرِهَا ثُمَّ جَعَلَاهَا إلَى سَنَتَيْنِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فِي كُلِّ سَنَةٍ سِتُّمِائَةٍ، أَوْ يَحِلُّ عَلَيْهِ نَجْمٌ فَيَقُولُ: أَخِّرْنِي إلَى كَذَا وَأَزِيدُك كَذَا (لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُحَرَّمِ، وَلِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ إلَى وَقْتٍ لَا يَتَأَخَّرُ أَجَلُهُ عَنْ وَقْتِهِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَلَا يَتَغَيَّرُ أَجَلُهُ بِتَغْيِيرِهِ وَإِذَا لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ وَقْتِهِ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي مُقَابَلَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى.
(وَإِذَا دَفَعَ) الْمُكَاتَبُ أَوْ غَيْرُهُ (إلَى السَّيِّدِ مَالَ الْكِتَابَةِ ظَاهِرًا فَقَالَ لَهُ السَّيِّدُ أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ) بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ (هَذَا حُرٌّ ثُمَّ بَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا) لِغَيْرِهِ بِأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَصَبَهُ أَوْ سَرَقَهُ وَنَحْوَهُ (لَمْ يُعْتَقْ) الْمُكَاتَبُ (بِذَلِكَ) لِفَسَادِ الْقَبْضِ وَقَوْلُهُ أَنْتَ حُرٌّ وَنَحْوُهُ إنَّمَا قَالَهُ اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ الْقَبْضِ (فَلَوْ ادَّعَى الْمُكَاتَبُ أَنَّ السَّيِّدَ قَصَدَ بِذَلِكَ عِتْقَهُ) لَا فِي مُقَابَلَةِ الْقَبْضِ (وَأَنْكَرَ السَّيِّدُ) ذَلِكَ (فَقَوْلُ السَّيِّدِ) بِيَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَدْرَى بِنِيَّتِهِ.