فصل: (بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ):

(وَهُوَ ذَهَابُ ضَوْءِ أَحَدِ النَّيِّرَيْنِ) الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (أَوْ بَعْضِهِ) أَيْ أَوْ ذَهَابُ بَعْضِ ضَوْءِ أَحَدِهِمَا يُقَالُ: كَسَفَتْ الشَّمْسُ، بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا وَكَذَا خُسِفَتْ وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ وَقِيلَ: عَكْسُهُ وَرُدَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَخَسَفَ الْقَمَرُ} وَقِيلَ: الْكُسُوفُ فِي أَوَّلِهِ وَالْخُسُوفُ فِي آخِرِهِ وَقِيلَ: الْكُسُوفُ لِذَهَابِ بَعْضِ ضَوْئِهِ، وَالْخُسُوفُ لِذَهَابِهِ كُلِّهِ وَفِعْلُهَا ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ اسْتَنْبَطَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ} (وَإِذَا كَسَفَ أَحَدُهُمَا فَزِعُوا إلَى الصَّلَاةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ لَهُمَا أَمْرًا وَاحِدًا وَرَوَى أَحْمَدُ مَعْنَاهُ وَلَفْظُهُ «فَافْزَعُوا إلَى الْمَسَاجِدِ».
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ: أَنَّ الْقَمَرَ خَسَفَ وَابْنُ عَبَّاسٍ أَمِيرٌ عَلَى الْبَصْرَةِ فَخَرَجَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ وَقَالَ «إنَّمَا صَلَّيْت كَمَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي».
(وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الْكُسُوفِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ) حَكَاهُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالنَّوَوِيُّ إجْمَاعًا لِمَا تَقَدَّمَ (حَضَرًا وَسَفَرًا حَتَّى لِلنِّسَاءِ) «لِأَنَّ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ صَلَّتَا مَعَ النَّبِيِّ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَإِنْ حَضَرَهَا غَيْرُ ذَوِي الْهَيْئَاتِ مَعَ الرِّجَالِ فَحَسَنٌ (وَلِلصِّبْيَانِ حُضُورُهَا) وَاسْتَحَبَّهَا ابْنُ حَامِدٍ لَهُمْ وَلِعَجَائِزَ كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ.
(وَوَقْتُهَا مِنْ حِينِ الْكُسُوفِ إلَى حِينِ التَّجَلِّي) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ حَتَّى يَنْجَلِيَ» (جَمَاعَةً) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمَسْجِدِ فَقَامَ وَكَبَّرَ وَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَفُرَادَى) لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الِاسْتِيطَانُ فَلَمْ تُشْتَرَطْ لَهَا الْجَمَاعَةُ كَالنَّوَافِلِ.
(وَيُسَنُّ أَيْضًا ذِكْرُ اللَّهِ وَالدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَالتَّكْبِيرُ وَالصَّدَقَةُ وَالْعِتْقُ وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا اسْتَطَاعَ) مِنْ الْقُرَبِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا» الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ أَسْمَاءَ «إنْ كُنَّا لَنُؤْمَرُ بِالْعِتْقِ فِي الْكُسُوفِ» وَقَيَّدَ الْعِتْقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ بِالْقَادِرِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ وَلِيَحُوزَ فَضِيلَةَ ذَلِكَ، وَيَكُونَ عَامِلًا بِمُقْتَضَى التَّخْوِيفِ.
(وَ) يُسَنُّ (الْغُسْلُ لَهَا) أَيْ لِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَتَقَدَّمَ فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ.
(وَفِعْلُهَا جَمَاعَةً فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَفْضَلُ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا إذْنُ الْإِمَامِ وَلَا الِاسْتِسْقَاءِ، كَصَلَاتِهِمَا) أَيْ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ (مُنْفَرِدًا) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَافِلَةٌ وَلَيْسَ إذْنُهُ شَرْطًا فِي نَافِلَةٍ وَكَالْجُمُعَةِ وَأَوْلَى (وَلَا خُطْبَةَ لَهَا) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَ بِالصَّلَاةِ دُونَ الْخُطْبَةِ» وَإِنَّمَا خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِيُعَلِّمَهُمْ حُكْمَهَا وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِهِ وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَطَبَ كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ (وَإِنْ فَاتَتْ لَمْ تُقْضَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ» وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ فَعَلَهَا بَعْدَ التَّجَلِّي، وَلَا أَمَرَ بِهَا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ عَوْدُ مَا ذَهَبَ مِنْ النُّورِ، وَقَدْ عَادَ كَامِلًا وَلِأَنَّهَا سُنَّةٌ غَيْرُ رَاتِبَةٍ وَلَا تَابِعَةٍ لِفَرْضٍ فَلَمْ تُقْضَ (كَصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَسُجُودِ الشُّكْرِ) لِفَوَاتِ مَجَالِهَا.
(وَلَا تُعَادُ إنْ صَلَّيْت وَلَمْ يَنْجَلِ) الْكُسُوفُ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (بَلْ يَذْكُرُ اللَّهَ وَيَدْعُوهُ وَيَسْتَغْفِرُهُ حَتَّى يَنْجَلِيَ) لِأَنَّهُ كُسُوفٌ وَاحِدٌ فَلَا تَتَعَدَّدُ الصَّلَاةُ لَهُ، كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ (وَيُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ نَدْبًا) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَعَثَ مُنَادِيًا يُنَادِي: الصَّلَاةَ جَامِعَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْأَوَّلُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَالثَّانِي عَلَى الْحَالِ وَفِي الرِّعَايَةِ: بِرَفْعِهِمَا وَنَصْبِهِمَا وَتَقَدَّمَ (وَيُجْزِئُ قَوْلُ: الصَّلَاةُ فَقَطْ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
(ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ) وَالْبَسْمَلَةِ (الْفَاتِحَةَ ثُمَّ الْبَقَرَةَ أَوْ قَدْرَهَا) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّارِحُ وَاقْتَصَرَ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِمَا عَلَى قَوْلِهِ سُورَةً طَوِيلَةً قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ (جَهْرًا وَلَوْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ «صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ (ثُمَّ يَرْكَعُ رُكُوعًا طَوِيلًا فَيُسَبِّحُ) مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَ(قَالَ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالشَّارِحُ وَغَيْرُهُ (نَحْوَ مِائَةِ آيَةٍ) وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: بِقَدْرِ مُعْظَمِ الْقِرَاءَةِ وَقِيلَ: نِصْفَهَا (ثُمَّ يَرْفَعُ) مِنْ رُكُوعِهِ (فَيُسَمِّعُ) أَيْ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي رَفْعِهِ (وَيَحْمَدُ) فِي اعْتِدَالِهِ، فَيَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ (ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، وَ) سُورَةً (دُونَ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى) قِيلَ: كَمُعْظَمِهَا.
وَفِي الشَّرْحِ آلُ عِمْرَانَ، أَوْ قَدْرَهَا (ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيلُ) الرُّكُوعَ (وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، نِسْبَتُهُ) أَيْ الرُّكُوعِ الثَّانِي (إلَى الْقِرَاءَةِ كَنِسْبَةِ) الرُّكُوعِ (الْأَوَّلِ مِنْهَا) قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الشَّرْحِ فَيُسَبِّحُ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ آيَةٍ (ثُمَّ يَرْفَعُ) مِنْ الرُّكُوعِ وَيُسَبِّحُ وَيَحْمَدُ (وَلَا يُطِيلُ اعْتِدَالَهُ) لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الرِّوَايَاتِ (ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا) أَيْ السَّجْدَتَيْنِ (لِأَنَّهُ) أَيْ السُّجُودَ الزَّائِدَ (لَمْ يَرِدْ) فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ وَلِأَنَّ السُّجُودَ مُتَكَرِّرٌ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ مُتَّحِدٌ.
(وَلَا يُطِيلُ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ (ثُمَّ يَقُومُ إلَى) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ، فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (مِنْ الرُّكُوعَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، لَكِنْ يَكُونُ) فِعْلُهُ فِي الثَّانِيَةِ (دُونَ) فِعْلِهِ (الْأَوَّلِ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ فِيهَا وَمَهْمَا قَرَأَ بِهِ).
مِنْ السُّوَرِ (جَازَ) لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْقِرَاءَةِ (ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ) وَالْأَصْلُ فِيهِ: مَا رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ، فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، ثُمَّ قَامَ فَاقْتَرَأَ قِرَاءَةً طَوِيلَةً، هِيَ أَدْنَى مِنْ الْقِرَاءَةِ الْأُولَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا أَدْنَى مِنْ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَمَّعَ وَحَمِدَ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ، وَانْجَلَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «خُسِفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ».
وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ «ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ».
وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» (وَإِنْ تَجَلَّى الْكُسُوفُ فِيهَا أَتَمَّهَا خَفِيفَةً عَلَى صِفَتِهَا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ «فَصَلُّوا وَادْعُوا حَتَّى يَنْكَشِفَ مَا بِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّجَلِّي وَقَدْ حَصَلَ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}.
وَشُرِعَ تَخْفِيفُهَا لِزَوَالِ السَّبَبِ (وَإِنْ شَكَّ فِي التَّجَلِّي) لِنَحْوِ غَيْمٍ (أَتَمَّهَا مِنْ غَيْرِ تَخْفِيفٍ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (فَيُعْمَلُ بِالْأَصْلِ فِي بَقَائِهِ) أَيْ الْكُسُوفِ.
(وَ) يُعْمَلُ بِالْأَصْلِ فِي (وُجُودِهِ) إذَا شَكَّ فِيهِ، فَلَا يُصَلِّي، لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَإِنْ تَجَلَّى السَّحَابُ عَنْ بَعْضِهَا) أَيْ الشَّمْسِ؟ وَكَذَا الْقَمَرُ (فَرَأَوْهُ صَافِيًا) لَا كُسُوفَ عَلَيْهِ (صَلَّوْا) صَلَاةَ الْكُسُوفِ لِأَنَّ الْبَاقِيَ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ.
(وَإِنْ تَجَلَّى) الْكُسُوفُ (قَبْلَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ لَمْ يُصَلِّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» فَجَعَلَهُ غَايَةً لِلصَّلَاةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا زَوَالُ الْعَارِضِ وَإِعَادَةُ النِّعْمَةِ بِنُورِهِمَا، وَقَدْ حَصَلَ وَإِنْ خَفَّ قَبْلَهَا شَرَعَ وَأَوْجَزَ (أَوْ غَابَتْ الشَّمْسُ كَاسِفَةً أَوْ طَلَعَتْ) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ (أَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَالْقَمَرُ خَاسِفٌ لَمْ يُصَلِّ) لِأَنَّهُ ذَهَبَ وَقْتُ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا.
(وَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ) فِي كُسُوفٍ، وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا يُخْبِرُونَ بِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ) لِأَنَّهُ مِنْ الرَّجْمِ بِالْغَيْبِ فَلَا يَجُوزُ تَصْدِيقُهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ إخْبَارِهِمْ عَنْ الْمُغَيَّبَاتِ لِحَدِيثِ «مَنْ أَتَى عَرَّافًا».
(وَإِنْ وَقَعَ) الْكُسُوفُ (فِي وَقْتِ نَهْيٍ، دَعَا وَذَكَرَ بِلَا صَلَاةٍ) لِعُمُومِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى قَتَادَةَ قَالَ انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ، فَقَامُوا يَدْعُونَ قِيَامًا فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَكَذَا كَانُوا يَصْنَعُونَ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَمِثْلُ هَذَا فِي مَظِنَّةِ الشُّهْرَةِ، فَيَكُونُ كَالْإِجْمَاعِ.
(وَيَجُوزُ فِعْلُهَا) أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ (عَلَى كُلِّ صِفَةٍ وَرَدَتْ) عَنْ الشَّارِعِ (إنْ شَاءَ أَتَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِرُكُوعَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ الْأَفْضَلُ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فِي الرِّوَايَةِ.
(وَإِنْ شَاءَ) صَلَّاهَا (بِثَلَاثِ) رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بِأَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» (أَوْ أَرْبَعِ) رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى فِي كُسُوفٍ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ وَالْأُخْرَى مِثْلُهَا» رَوَاه مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
وَفِي لَفْظٍ «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَزَادَ مُسْلِمٌ: وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ (أَوْ خَمْسَ) رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ.
لِمَا رَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ «انْكَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ صَلَّى بِهِمْ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ، ثُمَّ رَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ فَقَرَأَ سُورَةً مِنْ الطِّوَالِ، وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ كَمَا هُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو حَتَّى انْجَلَى كُسُوفُهَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَرَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ الشَّمْسَ انْكَسَفَتْ، فَقَامَ عَلِيٌّ فَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَا صَلَّاهَا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِي وَلَا يَزِيدُ عَلَى خَمْسِ رُكُوعَاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَالْقِيَاسُ لَا يَقْتَضِيهِ (وَإِنْ شَاءَ فَعَلَهَا) أَيْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ (كَنَافِلَةٍ بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهِ سُنَّةٌ.
(وَالرُّكُوعُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ) إذَا صَلَّاهَا بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ فَأَكْثَرَ إلَى خَمْسٍ (سُنَّةٌ لَا تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ) لِلْمَسْبُوقِ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ صَلَّاهَا بِرُكُوعٍ وَاحِدٍ.
(وَإِنْ اجْتَمَعَ مَعَ كُسُوفٍ جِنَازَةٌ قُدِّمَتْ) الْجِنَازَةُ عَلَى الْكُسُوفِ، إكْرَامًا لِلْمَيِّتِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَغَيَّرُ بِالِانْتِظَارِ (فَتُقَدَّمُ) الْجِنَازَةُ (عَلَى مَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ؟) الْكُسُوفُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.
(وَلَوْ مَكْتُوبَةً) أُمِنَ فَوْتُهَا (وَنَصُّهُ) تُقَدَّمُ (عَلَى فَجْرٍ وَعَصْرٍ فَقَطْ، وَتُقَدَّمُ) الْجِنَازَةُ (عَلَى جُمُعَةٍ إنْ أُمِنَ فَوْتُهَا وَلَمْ يَشْرَعْ فِي خُطْبَتِهَا) لِمَشَقَّةِ الِانْتِظَارِ.
(وَكَذَا) تُقَدَّمُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ (عَلَى عِيدٍ وَمَكْتُوبَةٍ إنْ أُمِنَ الْفَوْتُ) وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مِمَّا سَبَقَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ رُبَّمَا حَصَلَ التَّجَلِّي فَتَفُوتُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ بِخِلَافِ الْعِيدِ وَالْمَكْتُوبَةِ مَعَ أَمْنِ الْفَوْتِ.
(وَ) يُقَدَّمُ كُسُوفٌ (عَلَى وِتْرٍ، وَلَوْ خِيفَ فَوْتُهُ) أَيْ الْوِتْرِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ بِالْقَضَاءِ (وَ) إنْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ (مَعَ تَرَاوِيحَ وَتَعَذَّرَ فِعْلُهُمَا، تُقَدَّمُ التَّرَاوِيحُ) لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِرَمَضَانَ وَتَفُوتُ بِفَوَاتِهِ.
قِيلَ: (وَلَا يُمْكِنُ كُسُوفُ الشَّمْسِ إلَّا فِي الِاسْتِسْرَارِ آخِرَ الشَّهْرِ، إذَا اجْتَمَعَ النَّيِّرَانِ قَالَ بَعْضُهُمْ: فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ، أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ، وَلَا) يُمْكِنُ (خُسُوفُ الْقَمَرِ إلَّا فِي الْأَبْدَارِ، وَهُوَ إذَا تَقَابَلَا قَالَ الشَّيْخُ: أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ أَنَّ الشَّمْسَ لَا تَنْكَسِفُ إلَّا وَقْتَ الِاسْتِسْرَارِ، وَإِنَّ الْقَمَرَ لَا يَنْخَسِفُ إلَّا وَقْتَ الْأَبْدَارِ وَقَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الشَّمْسَ تَنْخَسِفُ فِي غَيْرِ وَقْتِ الِاسْتِسْرَارِ فَقَدْ غَلِطَ وَقَالَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ وَخَطَّأَ الْوَاقِدِيَّ فِي قَوْلِهِ: إنَّ إبْرَاهِيمَ) بْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَاتَ يَوْم الْعَاشِرِ، وَهُوَ الَّذِي انْكَسَفَتْ فِيهِ الشَّمْسُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّيْخُ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَحِيلُ كُسُوفُ الشَّمْسِ بِعَرَفَةَ، وَيَوْمَ الْعِيدِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَغِيبَ الْقَمَرُ لَيْلًا وَهُوَ خَاسِفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَرُدَّ بِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِهِ فَذَكَرَ أَبُو شَامَةَ الشَّافِعِيُّ فِي تَارِيخِهِ: أَنَّ الْقَمَرَ خَسَفَ لَيْلَةَ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَسِتِّ مِائَةٍ وَخَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي غَدِهِ وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قَالَ: وَاتَّضَحَ بِذَلِكَ مَا صَوَّرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْكُسُوفِ وَالْعِيدِ وَاسْتَبْعَدَهُ أَهْلُ النَّجَّامَةِ، هَكَذَا كَلَامُهُ وَكَسَفَتْ الشَّمْسُ يَوْمَ مَوْتِ إبْرَاهِيمَ عَاشِرَ شَهْرِ رَبِيعٍ قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا اتِّفَاقًا قَالَ فِي الْفُصُولِ: لَا يَخْتَلِفُ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ نَقَلَهُ الْوَاقِدِيُّ وَالزُّبَيْرُ وَإِنَّ الْفُقَهَاءَ فَرَّعُوا وَبَنَوْا عَلَى ذَلِكَ: إذَا اتَّفَقَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا سِيَّمَا إذَا اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا.
(وَلَا يُصَلَّى لِشَيْءٍ مِنْ سَائِرِ الْآيَاتِ، كَالصَّوَاعِقِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالظُّلْمَةِ بِالنَّهَارِ وَالضِّيَاءِ بِاللَّيْلِ) لِعَدَمِ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ، مَعَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي زَمَانِهِمْ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَهُبُوبُ الرِّيَاحِ وَالصَّوَاعِقِ وَعَنْهُ يُصَلَّى لِكُلِّ آيَةٍ وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَقِّقِي أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ (إلَّا الزَّلْزَلَةَ الدَّائِمَةَ فَيُصَلَّى لَهَا كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ) نَصًّا لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْنَا بِهِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ صَلَاةُ رَهْبَةٍ وَخَوْفٍ كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةُ رَغْبَةٍ وَرَجَاءٍ.

.(بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ):

هُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ السُّقْيَا، أَيْ بَابُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَهُوَ الدُّعَاءُ بِطَلَبِ السُّقْيَا عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) وَالسُّقْيَا بِضَمِّ السِّينِ الِاسْمُ مِنْ السَّقْيِ (وَهِيَ) أَيْ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ (سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ حَضَرًا وَسَفَرًا) لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى، رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَتُفْعَلُ جَمَاعَةً وَفُرَادَى وَالْأَفْضَلُ جَمَاعَةً (إذَا أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ) أَيْ أَصَابَهَا الْجَدْبُ (وَهُوَ ضِدُّ الْخِصْبِ) بِالْكَسْرِ، أَيْ النَّمَاءِ وَالْبَرَكَةِ مِنْ أَخْصَبَ الْمَكَانُ فَهُوَ مُخَصَّبٌ.
وَفِي لُغَةٍ: خَصِبَ يَخْصَبُ مِنْ بَابِ تَعِبَ فَهُوَ خَصِيبٌ وَأَخْصَبَ الْمَكَانُ، الْمَوْضِعُ: إذَا أَنْبَتَ بِهِ الْغَيْثُ وَالْكَلَأُ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَقَحَطَ الْمَطَرُ) أَيْ احْتَبَسَ (وَهُوَ) أَيْ الْقَحْطُ (احْتِبَاسُهُ) أَيْ الْمَطَرِ (لَا عَنْ أَرْضٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ وَلَا مَسْلُوكَةٍ) لِعَدَمِ الضَّرَرِ (فَزِعَ النَّاسُ إلَى الصَّلَاةِ) لِمَا تَقَدَّمَ وَيَأْتِي (حَتَّى وَلَوْ كَانَ الْقَحْطُ فِي غَيْرِ أَرْضِهِمْ) لِحُصُولِ الضَّرَرِ بِهِ (أَوْ غَارَ مَاءُ عُيُونٍ) أَيْ ذَهَبَ مَاؤُهَا فِي الْأَرْضِ، (أَوْ) غَارَ مَاءُ (أَنْهَارٍ) جَمْعُ نَهْرٍ- بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا- وَهُوَ مَجْرَى الْمَاءِ (أَوْ نَقَصَ) مَاءُ الْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ (وَضَرَّ ذَلِكَ) أَيْ غَوْرُ مَائِهَا أَوْ نُقْصَانُهُ فَتُسْتَحَبُّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ لِذَلِكَ كَقَحْطِ الْمَطَرِ.
(وَلَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ) أَوْ الْمُطَاعُ فِي قَوْمِهِ (الِاسْتِسْقَاءَ زَمَنَ الْجَدْبِ وَحْدَهُ أَوْ هُوَ وَالنَّاسُ لَزِمَهُ) الِاسْتِسْقَاءُ (فِي نَفْسِهِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ».
(وَ) لَزِمَتْهُ (الصَّلَاةُ) أَيْ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ، صَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَجَعَلَهُ ظَاهِرَ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَعَلَّهُ لِأَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ الْمَعْهُودَ شَرْعًا يَكُونُ كَذَلِكَ فَيُحْمَلُ نَذْرُهُ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ وَنَحْوِهِ إذَا نَذَرَ (أَنْ يُلْزِمَ غَيْرَهُ بِالْخُرُوجِ مَعَهُ) لِأَنَّهُ نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَيْهِ (وَإِنْ نَذَرَهُ) أَيْ الِاسْتِسْقَاءَ (غَيْرُ الْإِمَامِ) وَغَيْرُ الْمُطَاعِ فِي قَوْمِهِ (انْعَقَدَ) نَذْرُهُ (أَيْضًا) لِمَا سَبَقَ وَقِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ: يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ.
(وَإِنْ نَذَرَهُ) أَيْ الِاسْتِسْقَاءَ (زَمَنَ الْخِصْبِ لَمْ يَنْعَقِدْ) صَوَّبَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ إذَنْ وَقِيلَ بَلَى لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَيُصَلِّيهَا، وَيَسْأَلُ دَوَامَ الْخِصْبِ وَشُمُولَهُ.
(وَ صِفَتُهَا) أَيْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (فِي مَوْضِعِهَا وَأَحْكَامُهَا صِفَةُ صَلَاةِ الْعِيدِ) لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الْعِيدَيْنِ فَعَلَى هَذَا تُسَنُّ فِي الصَّحْرَاءِ، وَأَنْ تُصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، يُكَبِّرُ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِمْهَا إلَّا فِي الصَّحْرَاءِ وَهِيَ أَوْسَعُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي الْعِيدَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. «وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ يُكَبِّرُونَ فِيهَا سَبْعًا وَخَمْسًا» رَوَاه الشَّافِعِيُّ مُرْسَلًا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوُهُ وَزَادَ «وَقَرَأَ سَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ الْغَاشِيَةَ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِيمَا سَبَقَ «ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ.
(وَيُسَنُّ فِعْلُهَا) أَيْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ (أَوَّلَ النَّهَارِ وَقْتَ صَلَاةِ الْعِيدِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ حِينَ بَدَأَ حَاجِبُ الشَّمْسِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَلَا تَتَقَيَّدُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ) فَيَجُوزُ فِعْلُهَا بَعْدَهُ، كَسَائِرِ النَّوَافِلِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ النَّهْيِ بِغَيْرِ خِلَافٍ (وَيُقْرَأُ فِيهَا بِمَا يُقْرَأُ بِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
(وَإِنْ شَاءَ) قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (بِ إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا) لِمُنَاسَبَتِهَا الْحَالَ (وَ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (سُورَةً أُخْرَى) مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ.
(وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْخُرُوجَ لَهَا وَعَظَ النَّاسَ) أَيْ خَوَّفَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ بِالْخَيْرِ، لِتَرِقَّ بِهِ قُلُوبُهُمْ وَيَنْصَحُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ بِالْعَوَاقِبِ (وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي، وَبِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَبِأَدَاءِ الْحُقُوقِ) وَذَلِكَ وَاجِبٌ لِأَنَّ الْمَعَاصِي سَبَبُ الْقَحْطِ وَالتَّقْوَى سَبَبُ الْبَرَكَاتِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الْآيَةَ (وَالصِّيَامِ قَالَ جَمَاعَةٌ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَخْرُجُونَ فِي آخِرِ صِيَامِهَا) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى نُزُولِ الْغَيْثِ وَقَدْ رُوِيَ «دَعْوَةُ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ» وَلِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ الشَّهْوَةِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ، وَالتَّذَلُّلِ لِلرَّبِّ.
(وَلَا يَلْزَمُهُمْ الصِّيَامُ بِأَمْرِهِ) كَالصَّدَقَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: فِي السِّيَاسَةِ وَالتَّدْبِيرِ، وَالْأُمُورِ الْمُجْتَهَدِ فِيهَا، لَا مُطْلَقًا وَلِهَذَا جَزَمَ بَعْضُهُمْ تَجِبُ فِي الطَّاعَةِ، وَتُسَنُّ فِي الْمَسْنُونِ، وَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ.
(وَ) يَأْمُرُهُمْ أَيْضًا بِ (الصَّدَقَةِ) لِأَنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلرَّحْمَةِ الْمُفْضِيَةِ إلَى رَحْمَتِهِمْ الْغَيْثِ (وَتَرْكِ التَّشَاحُنِ) مِنْ الشَّحْنَاءِ وَهِيَ الْعَدَاوَةُ لِأَنَّهَا تَحْمِلُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْبُهُتِ، وَتَمْنَعُ نُزُولَ الْخَيْرِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ، فَتَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ».
(وَيَعِدهُمْ يَوْمًا) أَيْ يُعَيِّنُهُ لَهُمْ (يَخْرُجُونَ، فِيهِ) لِلِاسْتِسْقَاءِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَيَتَنَظَّفُ لَهَا بِالْغُسْلِ وَالسِّوَاكِ وَإِزَالَةِ الرَّائِحَةِ) وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَنَحْوِهِ؛ لِئَلَّا يُؤْذِي النَّاسَ وَهُوَ يَوْمٌ يَجْتَمِعُونَ لَهُ أَشْبَهَ الْجُمُعَةَ.
(وَلَا يَتَطَيَّبُ) وِفَاقًا لِأَنَّهُ يَوْمُ اسْتِكَانَةٍ وَخُضُوعٍ (وَيَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى مُتَوَاضِعًا فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ مُتَخَشِّعًا) أَيْ خَاضِعًا (مُتَذَلِّلًا) مِنْ الذُّلِّ، وَهُوَ الْهَوَانُ (مُتَضَرِّعًا) أَيْ مُسْتَكِينًا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ مُتَذَلِّلًا مُتَوَاضِعًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا، حَتَّى أَتَى الْمُصَلَّى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالشُّيُوخِ) لِأَنَّهُ أَسْرَعُ لِإِجَابَتِهِمْ، وَقَدْ اسْتَسْقَى عُمَرُ بِالْعَبَّاسِ وَمُعَاوِيَةُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ، وَاسْتَسْقَى بِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ مَرَّةً أُخْرَى ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَقَالَ السَّامِرِيُّ، وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ: لَا بَأْسَ بِالتَّوَسُّلِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ بِالشُّيُوخِ وَالْعُلَمَاءِ الْمُتَّقِينَ وَقَالَ فِي الْمَذْهَبِ يَجُوزُ أَنْ، يُسْتَشْفَعُ إلَى اللَّهِ بِرَجُلٍ صَالِحٍ وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ قَالَ أَحْمَدُ فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِلْمَرُّوذِيِّ أَنَّهُ يَتَوَسَّلُ بِالنَّبِيِّ فِي دُعَائِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ، فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ» الِاسْتِعَاذَةُ لَا تَكُونُ: بِمَخْلُوقٍ قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: الدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرٍ مَعْرُوفٍ التِّرْيَاقُ الْمُجَرَّبُ وَقَالَ شَيْخُنَا: قَصْدُهُ لِلدُّعَاءِ عِنْدَهُ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ بِدْعَةٌ، لَا قُرْبَةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَئِمَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَكَذَا مُمَيِّزُ الصِّبْيَانِ) يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ وَلَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ، فَتُرْجَى إجَابَةُ دُعَائِهِ.
(وَيُبَاحُ خُرُوجُ أَطْفَالٍ وَعَجَائِزَ وَبَهَائِمَ) لِأَنَّ الرِّزْقَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْكُلِّ وَرَوَى الْبَزَّارُ مَرْفُوعًا «لَوْلَا أَطْفَالٌ رُضَّعٌ وَعِبَادٌ رُكَّعٌ، وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ، لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» وَرُوِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَرَأَى نَمْلَةً مُسْتَلْقِيَةً، وَهِيَ تَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِك لَيْسَ بِنَا غِنًى عَنْ رِزْقِك فَقَالَ سُلَيْمَانُ: ارْجِعُوا فَقَدْ سُقِيتُمْ بِدَعْوَةِ غَيْرِكُمْ».
(وَيُؤْمَرُ سَادَةُ الْعَبِيدِ بِإِخْرَاجِ عَبِيدِهِمْ) رَجَاءَ اسْتِجَابَةِ دُعَائِهِمْ لِانْكِسَارِهِمْ بِالرِّقِّ (وَيُكْرَهُ) أَنْ يُخْرِجَ (مِنْ النِّسَاءِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ) خَوْفَ الْفِتْنَةِ.
(وَيُكْرَهُ لَنَا أَنْ نُخْرِجَ أَهْلَ الذِّمَّةِ وَمَنْ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ فَهُمْ بَعِيدُونَ مِنْ الْإِجَابَةِ وَإِنْ أُغِيثَ الْمُسْلِمُونَ فَرُبَّمَا ظَنُّوهُ بِدُعَائِهِمْ.
(وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ لَمْ يُكْرَهْ وَلَمْ يُمْنَعُوا) لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِطَلَبِ الرِّزْقِ وَاَللَّهُ ضَمِنَ أَرْزَاقَهُمْ كَمَا ضَمِنَ أَرْزَاقَ الْمُسْلِمِينَ.
(وَأُمِرُوا بِالِانْفِرَادِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَخْتَلِطُونَ بِهِمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ فَيَعُمَّ مَنْ حَضَرَ.
(وَلَا يَنْفَرِدُونَ بِيَوْمٍ) لِئَلَّا يَتَّفِقَ نُزُولُ غَيْثٍ يَوْمَ خُرُوجِهِمْ، وَحْدَهُمْ، فَيَكُونُ أَعْظَمَ لِفِتْنَتِهِمْ وَرُبَّمَا افْتَتَنَ بِهِمْ غَيْرُهُمْ.
(وَحُكْمُ نِسَائِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ وَعَجَائِزِهِمْ حُكْمُهُمْ) فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ مُنْفَرِدِينَ لَا بِيَوْمٍ (وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُمْ شَابَّةٌ كَالْمُسْلِمِينَ) وَالْمُرَادُ حَسْنَاءُ وَلَوْ عَجُوزًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ.
(فَيُصَلِّي بِهِمْ) رَكْعَتَيْنِ كَالْعِيدِ، كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَهِيَ بَعْدَ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ، لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ خَطَبَنَا» رَوَاه أَحْمَدُ، وَعَنْهُ قَبْلَهَا وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ كَالْجُمُعَةِ وَعَنْهُ يُخَيَّرُ (يَجْلِسُ قَبْلَهَا إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ) لِيَرْتَدَّ إلَيْهِ نَفَسُهُ، كَالْعِيدِ، (ثُمَّ يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ تِسْعًا) نَسَقًا كَخُطْبَةِ الْعِيدِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا صَنَعَ فِي الْعِيدِ».
(وَيُكْثِرُ فِيهَا الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّهَا مَعُونَةٌ عَلَى الْإِجَابَةِ وَعَنْ عُمَرَ قَالَ «الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّك» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
(وَ) يُكْثِرُ فِيهَا (الِاسْتِغْفَارَ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْغَيْثِ رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَسْتَسْقِي فَلَمْ يَزِدْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ فَقَالُوا: مَا رَأَيْنَاك اسْتَسْقَيْت فَقَالَ: لَقَدْ طَلَبْت الْغَيْثَ بِمَجَادِيحَ السَّمَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ بِهِ الْمَطَرُ ثُمَّ قَرَأَ: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ.
(وَقَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرَ بِهِ) أَيْ بِالِاسْتِغْفَارِ (كَقَوْلِهِ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} وَنَحْوِهِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ}.
(وَيُسَنُّ رَفْعُ يَدَيْهِ وَقْتَ الدُّعَاءِ) لِقَوْلِ أَنَسٍ «كَانَ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَكَانَ يَرْفَعُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبِطَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَتَكُونُ ظُهُورُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ) لِحَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ «فَيَدْعُو قَائِمًا» كَسَائِرِ الْخُطْبَةِ.
(وَيُكْثِرُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الدُّعَاءِ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» (وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ وَيَرْفَعُ) الْمَأْمُومُ (يَدَيْهِ) كَالْإِمَامِ (جَالِسًا) كَمَا فِي اسْتِمَاعِ غَيْرِهَا مِنْ الْخُطَبِ (وَأَيُّ شَيْءٍ دَعَا بِهِ جَازَ) لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ (وَالْأَفْضَلُ) الدُّعَاءُ (بِالْوَارِدِ مِنْ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ (اسْقِنَا) بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَقَطْعِهَا (غَيْثًا) هُوَ مَصْدَرٌ، الْمُرَادُ بِهِ الْمَطَرُ.
وَيُسَمَّى الْكَلَأُ غَيْثًا (مُغِيثًا) هُوَ الْمُنْقِذِ مِنْ الشِّدَّةِ يُقَالُ: غَاثَهُ وَأَغَاثَهُ، وَغِيثَتْ الْأَرْضُ، فَهِيَ مُغِيثَةٌ وَمَغْيُوثَةٌ (هَنِيئًا) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ، أَيْ حَاصِلًا بِلَا مَشَقَّةٍ (مَرِيئًا) السَّهْلُ النَّافِعُ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةُ وَهُوَ مَمْدُودٌ مَهْمُوزٌ (مَرِيعًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ مُخْصِبًا كَثِيرُ النَّبَاتِ يُقَالُ: أَمْرَعَ الْمَكَانُ، وَمُرِعَ بِالضَّمِّ إذَا أَخْصَبَ (غَدَقًا) نَفْعُهُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَالْغَدَقُ الْكَثِيرُ الْمَاءَ وَالْخُبْزَ (مُجَلَّلًا) السَّحَابُ الَّذِي يَعُمُّ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ نَفْعُهُ (سَحًّا) الصَّبُّ يُقَالُ: سَحَّ الْمَاءُ يَسِحُّ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقَ إلَى أَسْفَلَ وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ (عَامًّا) شَامِلًا (طَبَقًا) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْبَاءِ الَّذِي طَبَقَ الْبِلَادَ (دَائِمًا) أَيْ مُتَّصِلًا إلَى أَنْ يَحْصُلَ الْخِصْبُ (نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ، عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ) رَوَى ذَلِكَ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ «أَتَتْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاكِي فَقَالَ- فَذَكَرَهُ قَالَ: فَأَطْبَقَتْ السَّمَاءُ عَلَيْهِمْ اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهَائِمَك، وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا اسْتَسْقَى قَالَ- فَذَكَرَهُ اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ» أَيْ الْآيِسِينَ قَالَ تَعَالَى {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} أَيْ لَا تَيْأَسُوا «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ مِنْ اللَّأْوَاءِ» أَيْ الشِّدَّةِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ (وَالْجَهْدِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ الْمَشَقَّةُ وَضَمِّهَا الطَّاقَةُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا؟: هُمَا الْمَشَقَّةُ وَرُدَّ بِمَا سَبَقَ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَالضَّنْكِ) الضِّيقُ («مَا لَا نَشْكُو إلَّا إلَيْك اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ») قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الضَّرْعُ لِكُلِّ ذَاتِ ظِلْفٍ أَوْ خُفٍّ «وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِك، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجُوعَ وَالْجَهْدَ وَالْعُرْيَ وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُك اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا» أَيْ دَائِمًا إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَهَذَا الدُّعَاءُ رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّ قَوْلَهُ «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ لَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ وَلَا غَرَقٍ» رَوَاه الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ.
(وَيُؤَمِّنُونَ) عَلَى دُعَاءِ الْإِمَامِ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلُ مَا عَلَى الْأَيْمَنِ) مِنْ الرِّدَاءِ (عَلَى الْأَيْسَرِ وَمَا عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ يَدْعُو، ثُمَّ حَوَّلَ رِدَاءَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ وَدَعَا اللَّهَ، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ، ثُمَّ قَلَبَ رِدَاءَهُ، فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ» وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِهَذَا ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ، فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ أَسْفَلَهَا أَعْلَاهَا، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ، فَقَلَبَهَا الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَأُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا- بِأَنَّهَا ظَنٌّ مِنْ الرَّاوِي وَقَدْ نَقَلَ التَّحْوِيلَ جَمَاعَةٌ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لِثِقَلِ الرِّدَاءِ فَائِدَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِهَا، أَيْ الْقِبْلَةِ لِلدُّعَاءِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَالْقِرَاءَةُ وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَالْخُطْبَةِ وَسَبَقَ مَعْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ.
(وَيَفْعَلُ النَّاسُ كَذَلِكَ) أَيْ يُحَوِّلُونَ أَرْدِيَتَهُمْ، فَيَجْعَلُونَ مَا عَلَى الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَمَا عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ، كَيْفَ وَقَدْ عُقِلَ الْمَعْنَى؟ وَهُوَ التَّفَاؤُلُ بِقَلْبِ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ؟ بَلْ رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ (وَيَتْرُكُونَهُ) أَيْ الرِّدَاءَ مَحْمُولًا (حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ) لِعَدَمِ نَقْلِ إعَادَتِهِ.
وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: لَا تَحْوِيلَ فِي كُسُوفٍ، وَلَا حَالَةِ الْأَمْطَارِ وَالزَّلْزَلَةِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ (وَيَدْعُوا سِرًّا) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِخْلَاصِ، وَأَبْلَغُ فِي الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ، وَأَسْرَعُ فِي الْإِجَابَةِ قَالَ تَعَالَى {اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} (حَالَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّك أَمَرْتنَا بِدُعَائِك، وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك، وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتنَا، إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِنْجَازًا لِمَا وَعَدَ مِنْ فَضْلِهِ حَيْثُ قَالَ {وَإِذَا سَأَلَك عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذَا دَعَانِ} فَإِنْ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ اسْتَقْبَلَهُمْ، ثُمَّ حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْخَيْرِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنَاتِ وَيَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَمَّتْ، الْخُطْبَةُ) ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ.
(فَإِنْ سُقُوا) فَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ (وَإِلَّا عَادُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَ) الْيَوْمِ (الثَّالِثِ، وَأَلَحُّوا فِي الدُّعَاءِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ وَقَدْ رُوِيَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ، فَاسْتُحِبَّ كَالْأَوَّلِ قَالَ أَصْبَغُ: اُسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَرَّةً مُتَوَالِيَةً، وَحَضَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَجَمْعٌ (وَإِنْ سُقُوا قَبْلَ خُرُوجِهِمْ، وَكَانُوا قَدْ تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ، خَرَجُوا وَصَلَّوْا شُكْرًا) لِلَّهِ تَعَالَى وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ شُرِعَتْ لِأَجْلِ الْعَارِضِ مِنْ الْجَدْبِ وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ النُّزُولِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا قَدْ تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ (لَمْ يَخْرُجُوا) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَشَكَرُوا اللَّهَ، وَسَأَلُوهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ) قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} وَإِنْ سُقُوا بَعْدَ خُرُوجِهِمْ صَلَّوْا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَجْهًا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا وَفِي الْخُطْبَةِ وَجْهَانِ.
(وَيُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ) قِيَاسًا عَلَى الْكُسُوفِ (وَلَا يُشْتَرَطُ لَهَا إذْنُ الْإِمَامِ فِي الْخُرُوجِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي الْخُطْبَةِ) لِأَنَّهَا نَافِلَةٌ أَشْبَهَتْ سَائِرَ النَّوَافِلِ فَيَفْعَلُهَا الْمُسَافِرُ وَأَهْلُ الْقُرَى وَيَخْطُبُ بِهِمْ أَحَدُهُمْ (وَلَا بَأْسَ بِالتَّوَسُّلِ بِالصَّالِحِينَ وَنَصُّهُ) فِي مَنْسَكِهِ الَّذِي كَتَبَهُ لِلْمَرُّوذِيِّ أَنَّهُ يَتَوَسَّلُ (بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي دُعَائِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ.
(وَإِنْ اسْتَقُوا عَقِبَ صَلَوَاتِهِمْ أَوْ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ أَصَابُوا السُّنَّةَ) ذَكَرَ الْقَاضِي وَجَمْعٌ: أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ: أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ وَصْفُهُ وَهُوَ أَكْمَلُهَا الثَّانِي اسْتِسْقَاءُ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي خُطْبَتِهَا كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الثَّالِثُ: دُعَاؤُهُمْ عَقِبَ صَلَوَاتِهِمْ (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ وَيُخْرِجُ رَحْلَهُ) هُوَ فِي الْأَصْلِ مَسْكَنُ الرَّجُلِ وَمَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ الْأَثَاثِ.
(وَ) يُخْرِجُ (ثِيَابَهُ لِيُصِيبَهَا) الْمَطَرُ (وَهُوَ الِاسْتِمْطَارُ) لِقَوْلِ أَنَسٍ «أَصَابَنَا وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَطَرٌ، فَحَسِرَ ثَوْبَهُ حَتَّى أَصَابَهُ مِنْ الْمَطَرِ فَقُلْنَا: لِمَ صَنَعْت هَذَا؟ قَالَ لِأَنَّهُ حَدِيثُ عَهْدٍ بِرَبِّهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَرُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْزِعُ ثِيَابَهُ فِي أَوَّلِ الْمَطَرِ إلَّا الْإِزَارَ يَتَّزِرُ بِهِ» وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَمْطَرَتْ السَّمَاءُ قَالَ لِغُلَامِهِ «أَخْرِجْ رَحْلِي وَفِرَاشِي يُصِبْهُ الْمَطَرُ» (وَيَغْتَسِلُ فِي الْوَادِي إذَا سَالَ وَيَتَوَضَّأُ).
وَاقْتَصَرَ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْوُضُوءِ فَقَطْ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ «إذَا سَالَ الْوَادِي- اُخْرُجُوا بِنَا إلَى الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرَ بِهِ» (وَيَقُول:
اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَى الْمَطَرَ قَالَ: اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا» رَوَاه أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَعِبَارَةُ الْآدَابِ الْكُبْرَى بِالسِّينِ قَالَ: السَّيْبُ الْعَطَاءُ، وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ.
(وَإِذَا زَادَتْ الْمِيَاهُ لِكَثْرَةِ الْمَطَرِ فَخِيفَ مِنْهَا اُسْتُحِبَّ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا) أَيْ أَنْزِلْهُ حَوَالَيْ الْمَدِينَةِ مَوَاضِعَ النَّبَاتِ وَلَا عَلَيْنَا فِي الْمَدِينَةِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا مِنْ الْمَبَانِي (اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ) أَيْ الرَّوَابِي الصِّغَارِ جَمْعُ ظَرِبٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ.
(وَالْآكَامِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ تَلِيهَا مَدَّةٌ عَلَى وَزْنِ آصَالٍ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بِغَيْرِ مَدٍّ عَلَى وَزْنِ جِبَالٍ فَالْأَوَّلُ جَمْعُ أُكُمٍ كَكُتُبٍ وَأُكُمٌ جَمْعُ إكَامٍ كَجِبَالٍ وَآكَامٌ جَمْعُ أُكُمٍ كَجَبَلٍ وَأُكُمٌ وَاحِدُهُ أَكَمَةٌ فَهُوَ مُفْرَدٌ جُمِعَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ قَالَ عِيَاضٌ: هُوَ مَا غَلُظَ مِنْ الْأَرْضِ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَكُونَ، جَبَلًا وَكَانَ أَكْثَرَ ارْتِفَاعًا مِمَّا حَوْلَهُ، كَالتُّلُولِ وَنَحْوِهَا وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ الْجِبَالُ الصِّغَارُ وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ حَجَرٌ وَاحِدٌ (وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ) أَيْ الْأَمْكِنَةِ الْمُنْخَفِضَةِ (وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ) أَيْ أُصُولِهَا لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لَهَا لِمَا فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى لِذَلِكَ، بَلْ يَدْعُو لِأَنَّهُ أَحَدُ الضَّرَرَيْنِ فَاسْتُحِبَّ الدُّعَاءُ لِانْقِطَاعِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ: وَلَا يُشْرَعُ لَهُ الِاجْتِمَاعُ فِي الصَّحْرَاءِ وَيَقْرَأُ ({رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} إلَى آخِرِ الْآيَةِ) لِأَنَّهَا لَائِقَةٌ بِالْحَالِ فَاسْتُحِبَّ قَوْلُهَا كَسَائِرِ الْأَقْوَالِ اللَّائِقَةِ بِمَحَالِّهَا وقَوْله تَعَالَى {لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} أَيْ لَا تُكَلِّفْنَا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ.
وَقِيلَ: هُوَ حَدِيثُ النَّفْسِ وَالْوَسْوَسَةُ، وَعَنْ مَكْحُولٍ: هُوَ الْغُلْمَةُ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ هُوَ الْحُبُّ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ: هُوَ الْعِشْقُ وَقِيلَ هُوَ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ وَقِيلَ: هُوَ الْفُرْقَةُ وَالْقَطِيعَةُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا {وَاعْفُ عَنَّا} أَيْ تَجَاوَزْ عَنْ ذُنُوبِنَا {وَاغْفِرْ لَنَا} أَيْ اُسْتُرْ عَلَيْنَا ذُنُوبَنَا وَلَا تَفْضَحْنَا {وَارْحَمْنَا} فَإِنَّنَا لَا نَنَالُ الْعَمَلَ بِطَاعَتِك وَلَا تَرْكِ مَعَاصِيك إلَّا بِرَحْمَتِك {أَنْتَ مَوْلَانَا} وَنَاصِرُنَا وَحَافِظُنَا.
(وَكَذَلِكَ إذَا زَادَ مَاءُ النَّبْعِ) كَمَاءِ الْعُيُونِ (بِحَيْثُ يَضُرُّ، اُسْتُحِبَّ لَهُمْ أَنْ يَدْعُوا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُخَفِّفَهُ عَنْهُمْ وَ) أَنْ (يَصْرِفَهُ إلَى أَمَاكِنَ) بِحَيْثُ (يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى زِيَادَةِ الْأَمْطَارِ.
(وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ ثَلَاثٍ: الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ».
(وَ) وَيُسَنُّ (أَنْ يَقُولَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ وَيَحْرُمُ) قَوْلُ مُطِرْنَا (بِنَوْءِ كَذَا) لِخَبَرِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَلَمْ تَرَوْا إلَى مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالَ: مَا أَنْعَمْت عَلَى عِبَادِي مِنْ نِعْمَةٍ إلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِهَا كَافِرِينَ، يُنَزِّلُ اللَّهُ الْغَيْثَ فَيَقُولُونَ: كَوْكَبُ كَذَا وَكَذَا».
وَفِي رِوَايَةٍ «بِكَوَاكِبَ كَذَا وَكَذَا» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ النِّعْمَةِ (وَإِضَافَةُ الْمَطَرِ إلَى النَّوْءِ دُونَ اللَّهِ اعْتِقَادًا كُفْرٌ إجْمَاعًا) قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، لِاعْتِقَادِهِ خَالِقًا غَيْرَ اللَّهِ.
(وَلَا يُكْرَهُ) قَوْلُ: مُطِرْنَا (فِي نَوْءِ كَذَا وَلَوْ لَمْ يَقُلْ بِرَحْمَةِ اللَّهِ) خِلَافًا لِلْآمِدِيِّ وَالنَّوْءُ: النَّجْمُ مَالَ لِلْغَرْبِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَالْأَنْوَاءُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، مَنْزِلَةً وَهِيَ مَنَازِلُ الْقَمَرِ.
(وَمَنْ رَأَى سَحَابًا أَوْ هَبَّتْ الرِّيحُ سَأَلَ اللَّهَ خَيْرَهُ، وَتَعَوَّذَ مِنْ شَرِّهِ وَلَا يَسُبُّ الرِّيحَ إذَا عَصَفَتْ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ يَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَيَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا، وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا مِنْ شَرِّهَا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (بَلْ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا») رَوَاهُ مُسْلِمٌ («اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا») رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ تَعَالَى {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} وَقَالَ تَعَالَى {فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ} وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا لَقَحًا لَا عَقِيمًا».
وَرَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ وَأَبُو يَعْلَى «وَيُكَبِّرُ» (وَيَقُولُ إذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ وَالصَّوَاعِقِ: «اللَّهُمَّ لَا تَقْتُلْنَا بِغَضَبِك، وَلَا تُهْلِكْنَا بِعَذَابِك وَعَافَنَا قَبْلَ ذَلِكَ سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ») رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا إذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ مُقَدِّمًا «سُبْحَانَ مَنْ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ» إلَى آخِرِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا نَقَلَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ عَنْهُ فِي الْكَلِمِ الطَّيِّبِ فَائِدَةٌ رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا قَالَ مَنْ قَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عِنْدَ الْبَرْقِ» لَمْ تُصِبْهُ صَاعِقَةٌ.
(وَيَقُولُ إذَا انْقَضَّ الْكَوْكَبُ: مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ) لِلْخَبَرِ رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ.
(وَإِذَا سَمِعَ نَهِيقَ حِمَارٍ) اسْتَعَاذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ (أَوْ سَمِعَ نُبَاحَ) بِضَمِّ النُّونِ أَيْ صَوْتَ كَلْبٍ، (اسْتَعَاذَ).
وَفِي نُسْخَةٍ: اُسْتُعِيذَ (بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد (وَإِذَا سَمِعَ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ سَأَلَ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ فِي الْآدَابِ: يُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ لِذَلِكَ كَمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ يَقْطَعُهَا لِلْأَذَانِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ.
(وَوَرَدَ فِي الْأَثَرِ: أَنَّ قَوْسَ قُزَحَ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ الْغَرَقِ وَهُوَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: وَدَعْوَى الْعَامَّةِ: إنْ غَلَبَتْ حُمْرَتُهُ كَانَتْ الْفِتَنُ وَالدِّمَاءُ وَإِنْ غَلَبَتْ خُضْرَتُهُ كَانَتْ رَخَاءً وَسُرُورًا هَذَيَانٌ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ.