فصل: (بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): شروطُ صِحَّةِ الطَّوَافِ:

(وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَيْئًا الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالنِّيَّةُ) كَسَائِرِ الْعِبَادَات (وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ)؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَ(لَا) تُشْتَرَطُ طَهَارَةُ الْحَدَثِ (لِطِفْلٍ دُونَ التَّمْيِيزِ) لِعَدَمِ إمْكَانِهَا مِنْهُ.
(وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ) وَظَاهِرُهُ: حَتَّى لِلطِّفْلِ (وَتَكْمِيلُ السَّبْع وَجَعْلُ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ، وَالطَّوَافُ بِجَمِيعِهِ) أَيْ: الْبَيْتِ بِأَنْ لَا يَطُوفَ عَلَى جِدَارِ الْحَجَرِ أَوْ شَاذَرْوَانِ الْكَعْبَةِ.
(وَأَنْ يَطُوفَ مَاشِيًا مَعَ الْقُدْرَةِ) عَلَى الْمَشْيِ (وَأَنْ يُوَالِيَ بَيْنَهُ) إلَّا إذَا حَضَرَتْ جِنَازَةٌ أَوْ أُقِيمَتْ صَلَاةٌ وَتَقَدَّمَ (وَأَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) يَعْنِي: أَنْ يَطُوفَ فِي الْمَسْجِدِ (وَأَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فَيُحَاذِيَهُ) بِكُلِّ بَدَنِهِ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ مُوَضَّحًا.
(وَسُنَنُهُ) أَيْ: الطَّوَافِ (عَشْرٌ اسْتِلَامُ الرُّكْنِ) يَعْنِي: بِهِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ (وَتَقْبِيلُهُ أَوْ مَا يَقُوم مَقَامَهُ مِنْ الْإِشَارَةِ) عِنْدَ تَعَذُّرِ الِاسْتِلَامِ.
(وَاسْتِلَامُ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ وَالِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ وَالْمَشْيُ فِي مَوَاضِعِهِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مُفَصَّلًا (وَالدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ وَالدُّنُوُّ مِنْ الْبَيْتِ، وَرَكْعَتَا الطَّوَافِ) وَتَقَدَّمَتْ أَدِلَّةُ ذَلِكَ كُلِّهِ.
(وَإِذَا فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَأَرَادَ السَّعْيَ سُنَّ عَوْدُهُ إلَى الْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّفَا مِنْ بَابِهِ) أَيْ: بَابِ الْمَسْجِد الْمَعْرُوف بِبَابِ الصَّفَا.
(وَهُوَ) أَيْ: الصَّفَا (طَرْفُ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَعَلَيْهِ دَرَجَ وَفَوْقَهَا أَزَجٌ كَإِيوَانٍ فَيَرْقَى عَلَيْهِ نَدْبًا حَتَّى يَرَى الْبَيْتَ إنْ أَمْكَنَهُ فَيَسْتَقْبِلَهُ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَتَى الصَّفَا فَعَلَا عَلَيْهِ حَتَّى نَظَرَ إلَى الْبَيْتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيَدْعُو مَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي حَدِيث جَابِرٍ «فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» لِحَدِيثٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَيُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ ثَلَاثًا: لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) أَيْ: الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ وَالْيَهُودُ.
(وَيَقُولُ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي بِدِينِكَ وَطَوَاعِيَتِكَ وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِكَ اللَّهُمَّ جَنِّبْنِي حُدُودَكَ) أَيْ: مَحَارِمَكَ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِمَّنْ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ مَلَائِكَتَكَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ وَعِبَادَكَ الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ حَبِّبْنِي إلَيْكَ وَإِلَى مَلَائِكَتِكَ وَإِلَى رُسُلِكَ وَإِلَى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي الْيُسْرَى وَجَنِّبْنِي الْعُسْرَى وَاغْفِرْ لِي فِي الْآخِرَة وَالْأُولَى وَاجْعَلْنِي مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ اللَّهُمَّ قُلْتَ {اُدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ اللَّهُمَّ إذْ هَدَيْتَنِي لِلْإِسْلَامِ فَلَا تَنْزِعَنِي مِنْهُ وَلَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي عَلَى الْإِسْلَامِ اللَّهُمَّ لَا تُقَدِّمْنِي لِلْعَذَابِ وَلَا تُؤَخِّرنِي لِسُوءِ الْفِتَنِ).
هَذَا دُعَاءُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَحْمَدُ يَدْعُو بِهِ قَالَ نَافِعٌ بَعْدَهُ «وَيَدْعُو دُعَاءً كَثِيرًا حَتَّى إنَّهُ لَيُمِلّنَا وَنَحْنُ شَبَابٌ» (وَلَا يُلَبِّي) عَلَى الصَّفَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ وَيَأْتِي حُكْمُ التَّلْبِيَةِ فِي السَّعْيِ (ثُمَّ يَنْزِلُ مِنْ الصَّفَا وَيَمْشِي حَتَّى يُحَاذِيَ الْعَلَمَ وَهُوَ الْمِيلُ الْأَخْضَرُ الْمُعَلَّقُ بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ عَلَى يَسَارِهِ نَحْو سِتَّةِ أَذْرُعٍ) يَعْنِي يَمْشِي مِنْ الصَّفَا حَتَّى يَبْقَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَلَمِ الْمَذْكُورِ نَحْو سِتَّةِ أَذْرُعٍ (فَيَسْعَى مَاشِيًا سَعْيًا شَدِيدًا نَدْبًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ وَلَا يُؤْذَى حَتَّى يَتَوَسَّطَ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ وَهُمَا الْعَلَمُ الْآخَرُ أَحَدُهُمَا بِرُكْنِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ بِالْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِدَارِ الْعَبَّاسِ فَيَتْرُكَ شِدَّةَ السَّعْيِ ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ وَهِيَ أَنْفُ) جَبَل (قُعَيْقِعَانَ فَيَرْقَاهَا نَدْبًا وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَقُولَ عَلَيْهَا مَا قَالَ عَلَى الصَّفَا) لِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَنَا مِنْ الصَّفَا قَرَأَ {إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إذَا صَعِدْنَا مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَيَجِبُ اسْتِيعَابُ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلِهِ {خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ} (فَإِنْ لَمْ يَرْقَهُمَا أَلْصَقَ عَقِبَ رِجْلَيْهِ بِأَسْفَلِ الصَّفَا وَ) أَلْصَقَ (أَصَابِعَهُمَا أَسْفَلَ الْمَرْوَةِ) لِيَسْتَوْعِبَ مَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا لِعُذْرٍ فَعَلَ ذَلِكَ بِدَابَّتِهِ لَكِنْ قَدْ حَصَلَ عُلُوٌّ فِي الْأَرْضِ مِنْ الْأَتْرِبَةِ وَالْأَمْطَارِ بِحَيْثُ تَغَطَّى مِنْ دَرَجِهِمَا فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرَ الْمُغَطَّى يَحْتَاطُ لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ بِيَقِينٍ (ثُمَّ يَنْقَلِبُ) فَيَنْزِلُ عَنْ الْمَرْوَةِ (إلَى الصَّفَا فَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ إلَى الصَّفَا يَفْعَلُ) السَّاعِي (ذَلِكَ سَبْعًا يَحْتَسِبُ بِالذَّهَابِ سَعْيَةً وَ) يَحْتَسِبُ (بِالرُّجُوعِ سَعْيَةً يَفْتَتِحُ بِالصَّفَا وَيَخْتِمُ بِالْمَرْوَةِ) لِخَبَرِ جَابِرٍ وَسَبَقَ (فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ لَمْ يَحْتَسِبْ بِذَلِكَ الشَّوْطِ) لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ».
(وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ: الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (وَمِنْهُ) أَيْ: مِنْ الدُّعَاءِ مَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَة قَالَ (رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَاعْفُ عَمَّا تَعْلَمْ وَأَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(وَلَا يُسَنُّ السَّعْيُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (إلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ) فَهُوَ رُكْنٌ فِيهِمَا كَمَا يَأْتِي فَلَيْسَ السَّعْيُ كَالطَّوَافِ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ كُلَّ وَقْتٍ لِعَدَمِ وُرُودِ التَّطَوُّعِ بِهِ مُفْرَدًا (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْعَى طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثِ) الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ.
(وَ) مِنْ (النَّجَاسَةِ) فِي بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ (مُسْتَتِرًا) أَيْ: سَاتِرًا لِعَوْرَتِهِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ سَعَى عُرْيَانًا أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَكَشْفُ الْعَوْرَةِ غَيْرُ جَائِزٍ.
(وَتُشْتَرَطُ) لِلسَّعْيِ (النِّيَّةُ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَالْمُوَالَاةُ) قِيَاسًا عَلَى الطَّوَافِ قَالَهُ الْقَاضِي.
(وَالْمَرْأَةُ لَا تَرْقَى) الصَّفَا وَلَا الْمَرْوَةَ (وَلَا تَسْعَى) بَيْنَ الْمِيلَيْنِ سَعْيًا (شَدِيدًا) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَمَلٌ بِالْبَيْتِ وَلَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ».
وَقَالَ «لَا تَصْعَدُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَرْفَعُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهَا السِّتْرُ وَفِي ذَلِكَ تَعَرُّضٌ لِلِانْكِشَافِ وَالْقَصْدُ بِشِدَّةِ السَّعْيِ: إظْهَارُ الْجَلَدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَطْلُوبًا فِي حَقِّهَا.
(وَإِنْ سَعَى عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ) بِأَنْ سَعَى مُحْدِثًا أَوْ نَجِسًا (كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ وَأَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ أَشْبَهَ الْوُقُوفَ.
(وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ الطَّوَاف عَلَيْهِ وَلَوْ) كَانَ الطَّوَافُ الَّذِي تَقَدَّمَ عَلَيْهِ (مَسْنُونًا كَطَوَافِ الْقُدُومِ)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا سَعَى بَعْدَ الطَّوَافِ وَقَالَ {لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ}.
(فَإِنْ سَعَى بَعْدَ طَوَافِهِ) الْوَاجِبِ أَوْ الْمَسْنُونِ (ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ طَافَ غَيْرَ مُتَطَهِّرٍ لَمْ يُجْزِئْهُ السَّعْيُ) لِبُطْلَانِ الطَّوَافِ الَّذِي تَقَدَّمَهُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
(وَلَهُ) أَيْ: لِلسَّاعِي (تَأْخِيرُهُ) أَيْ: السَّعْيِ (عَنْ طَوَافِهِ بِطَوَافٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَجِبُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (فَلَا بَأْسَ أَنْ يَطُوفَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَيَسْعَى آخِرَهُ) أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ لَكِنْ تُسَنُّ الْمُوَالَاةُ بَيْنَهُمَا.
(وَلَا تُسَنُّ عَقِبَهُ) أَيْ: السَّعْيِ (صَلَاةٌ) لِعَدَمِ الْوُرُودِ.
(وَإِنْ سَعَى) الْمُفْرِدُ أَوْ الْقَارِنُ (مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ لَمْ يُعِدْهُ) أَيْ: السَّعْيَ (مَعَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ تَكْرَارُهُ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ كَانَ مُتَمَتِّعًا (سَعَى بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ لِيَأْتِيَ بِرُكْنِ الْحَجِّ.
(فَإِذَا فَرَغَ مِنْ السَّعْيِ فَإِنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا بِلَا هَدْيٍ) أَيْ: لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ (حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ وَقَدْ حَلَّ وَلَوْ كَانَ مُلَبِّدًا رَأْسه فَيَسْتَبِيح جَمِيعَ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَالْأَفْضَلُ هُنَا: التَّقْصِيرُ لِيَتَوَفَّرَ الْحَلَقُ لِلْحَجِّ وَلَا يُسَنُّ تَأْخِيرُ التَّحَلُّلِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَلَمَّا قَدِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ قَالَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلْيُقَصِّرْ وَلْيُحْلِلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ تَرَكَ التَّقْصِيرَ وَالْحَلْقَ فَعَلَيْهِ دَمٌ فَإِنْ وَطِئَ قَبْلَهُ فَعُمْرَتُهُ صَحِيحَةٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَإِنْ كَانَ مَعَهُ) أَيْ: الْمُتَمَتِّعِ هَدْيٌ (أَدْخَل الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ) وَيَصِيرُ قَارِنًا وَتَقَدَّمَ (وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُحِلَّ وَلَا) أَنْ (يَحْلِقَ حَتَّى يَحُجَّ فَيُحْرِمَ بِهِ) أَيْ: بِالْحَجِّ (بَعْدَ طَوَافِهِ وَسَعْيِهِ لِعُمْرَتِهِ كَمَا يَأْتِي).
(وَيُحِلُّ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (يَوْمَ النَّحْرِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ لِحَدِيثِ حَفْصَةَ قَالَتْ «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا مِنْ الْعُمْرَةِ وَلَمْ تَحُلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ فَقَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الَّذِي طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ (مُعْتَمِرًا غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ فَإِنَّهُ يُحِلُّ) أَيْ: يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ وَقَدْ حَلَّ (وَلَوْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ) سَوَاءٌ كَانَ (فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ) وَلَمْ يَقْصِدْ الْحَجَّ مِنْ عَامِهِ (أَوْ) كَانَ (فِي غَيْرِهَا) أَيْ: غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَوْ قَصَدَهُ مِنْ عَامِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ سِوَى عُمْرَتِهِ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ بَعْضُهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ» وَقِيلَ: كُلُّهُنَّ وَكَانَ يُحِلُّ مِنْهَا وَمَتَى كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَحَيْثُ نَحَرَهُ مِنْ الْحَرَمِ جَازَ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ كَانَ) الَّذِي طَافَ وَسَعَى (حَاجًّا) مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا (بَقِيَ عَلَى إحْرَامِهِ) حَتَّى يَتَحَلَّلَ يَوْمَ النَّحْرِ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَمَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَوْ مُعْتَمِرًا قَطَعَ التَّلْبِيَةَ إذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعُهُ «كَانَ يُمْسِكُ عَنْ التَّلْبِيَةِ فِي الْعُمْرَةِ إذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرَ وَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» وَلِشُرُوعِهِ فِي التَّحَلُّلِ كَالْحَاجِّ يَقْطَعُهَا إذَا شَرَعَ فِي رَمْي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (وَلَا بَأْسَ بِهَا فِي طَوَافِ الْقُدُومِ) نَصَّ عَلَيْهِ (سِرًّا) وَمَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي يُكْرَهُ أَيْ: الْجَهْرُ بِهَا فِيهِ وَكَذَا السَّعْيُ بَعْدَهُ: يَتَوَجَّهُ أَنَّ حُكْمَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ مُرَادُ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

.(بَابُ صِفَةِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:

(يُسْتَحَبُّ لِمُتَمَتِّعٍ حِلٌّ مِنْ عُمْرَتِهِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْمُحِلِّينَ بِمَكَّةَ) وَقُرْبِهَا (الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ».
(وَهُوَ) أَيْ: يَوْمُ التَّرْوِيَةِ (الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) قَالَ ابْنُ رَسْلَانَ: اعْلَمْ أَنَّ أَيَّامَ الْمَنَاسِكِ سَبْعَةٌ أَوَّلُهَا: سَابِعُ ذِي الْحِجَّةِ وَآخِرُهَا ثَالِثُ عَشْرِهِ فَالسَّابِعُ ذَكَرَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي بَابِ عَمَلِ الْحَجِّ: أَنَّ اسْمَهُ يَوْمُ الزِّينَةِ أَيْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُزَيِّنُونَ مَحَامِلَهُمْ وَهَوَادِجَهُمْ لِلْخُرُوجِ وَأَمَّا يَوْمُ الثَّامِنِ: فَاسْمُهُ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِتَرْوِيَتِهِمْ فِيهِ الْمَاءَ وَسُمِّيَ يَوْمَ النَّقْلَةِ لِانْتِقَالِهِمْ فِيهِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِنًى وَالتَّاسِعُ: يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْعَاشِرُ: يَوْمُ النَّحْرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ يَوْمُ الْقَرِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُمْ قَارُّونَ فِيهِ بِمِنًى وَالثَّانِي عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلِ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَالثَّالِثُ عَشَرَ يَوْمُ النَّفْرِ الثَّانِي (إلَّا لِمَنْ) أَيْ: مُتَمَتِّعٍ (لَمْ يَجِد هَدْيًا تَمَتُّعٍ ف).
يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ (يُحْرِمَ يَوْمَ السَّابِعِ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (لِيَكُونَ آخِرُ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ) يَعْنِي أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا فِيهِ فَيُقَدَّمُ الْإِحْرَامُ عَلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَابِ الْفِدْيَةِ (لِيَكُونَ) صَوْمُ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَكُونُ (آخِرُ) تِلْكَ (الثَّلَاثَةِ يَوْمَ عَرَفَةَ) فَيَصُومُ السَّابِعَ وَالثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَفْعَلَ عِنْدَ إحْرَامِهِ) مِنْ مَكَّةَ أَوْ قُرْبِهَا (مَا يَفْعَلُهُ عِنْدَ إحْرَامِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ مِنْ غُسْلٍ وَغَيْرِهِ) أَيْ: تَنْظِيفٍ وَتَطَيُّبٍ فِي بَدَنِهِ وَتَجَرُّدٍ مِنْ مَخِيطٍ وَلُبْسِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ وَنَعْلَيْنِ (ثُمَّ) بَعْدَ ذَلِكَ (يَطُوفُ أُسْبُوعًا وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ مِنْ الْمَسْجِدِ) الْحَرَامِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَحْتِ الْمِيزَابِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْهِجِ وَالْإِيضَاحِ وَكَانَ عَطَاءٌ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ ثُمَّ يَنْطَلِقُ مُهِلًّا بِالْحَجِّ (وَتَقَدَّمَ فِي) بَابِ (الْمَوَاقِيتِ).
(وَلَا يَطُوفُ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ (لِوَدَاعِ الْبَيْتِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «لَا أَرَى لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفُوا بَعْدَ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ وَلَا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يَرْجِعُوا» (فَلَوْ طَافَ وَسَعَى بَعْدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ) سَعْيُهُ (عَنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ قَبْلَ خُرُوجِهِ) مِنْ مَكَّةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ طَوَافٌ وَاجِبٌ وَلَا مَسْنُونٌ.
(وَلَا يَخْطُبُ يَوْمَ السَّابِعِ بَعْدَ صَلَاةِ الظَّهْرِ بِمَكَّةَ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى مِنًى قَبْلَ الزَّوَالِ فَيُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ مَعَ الْإِمَامِ وَيَبِيتُ بِهَا) أَيْ: بِمِنًى (إلَى أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ) أَيْ: الْإِمَامِ (الْفَجْرَ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ».
(وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا) بَلْ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ تَخَلَّفَتْ لَيْلَةَ التَّرْوِيَةِ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ وَصَلَّى ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَلَوْ صَادَفَ يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَزَالَتْ الشَّمْسُ) وَهُوَ بِمَكَّةَ (فَلَا يَخْرُج قَبْلَ صَلَاتِهَا) أَيْ: الْجُمُعَةِ لِوُجُوبِهَا بِالزَّوَالِ (وَقَبْلَ الزَّوَالِ إنْ شَاءَ خَرَجَ) إلَى مِنًى.
(وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ) بِمَكَّةَ (حَتَّى يُصَلِّيَهَا) أَيْ: الْجُمُعَةَ (فَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ أَمَرَ مَنْ يُصَلِّي بِالنَّاسِ) الْجُمُعَةَ إنْ اجْتَمَعَ مَعَهُ الْعَدَدُ لِئَلَّا تَفُوتَهُمْ.
(فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ) مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ (سَارَ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَةَ فَأَقَامَ بِنَمِرَةَ نَدْبًا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ وَنَمِرَةُ مَوْضِعٌ بِعَرَفَةَ) وَقِيلَ بِقُرْبِهَا وَهُوَ خَارِجٌ عَنْهَا (وَهُوَ الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ نِصَابٌ) أَيْ: عَلَامَاتُ (الْحَرَمِ عَلَى يَمِينِكَ إذَا خَرَجْتَ مِنْ مَأْزِمِي عَرَفَةَ تُرِيدُ الْمَوْقِفَ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً يُقْصِرُهَا) لِقَوْلِ سَالِمٍ لِلْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ يَوْمَ عَرَفَةَ «إنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُصِيبَ السُّنَّةَ فَقَصِّرْ الْخُطْبَةَ وَعَجِّلْ الصَّلَاةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ صَدَقَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَيَفْتَتِحَهَا بِالتَّكْبِيرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ فِيهَا مَنَاسِكَهُمْ مِنْ الْوُقُوفِ وَوَقْتِهِ وَالدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ الْحَلْقِ وَالنَّحْرِ (فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ نَزَلَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا إنْ جَازَ لَهُ) الْجَمْعُ كَالْمُسَافِرِ سَفَرَ قَصْرٍ.
(وَتَقَدَّمَ) فِي الْجَمْعِ (بِأَذَانٍ) لِلْأُولَى (وَإِقَامَتَيْنِ) لِكُلِّ صَلَاةٍ إقَامَةٍ لِقَوْلِ جَابِرٍ «وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقُصْوَى فَرَحَلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا إنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِي مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُهُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فِرَاشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تُسْأَلُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا: نَشْهَد أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلَاثَ مَرَّات ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَى الظُّهْرُ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا».
(وَإِنْ لَمْ يُؤَذَّنْ) لِلصَّلَاةِ (فَلَا بَأْسَ) أَيْ: لَا كَرَاهَةَ قَالَ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَذَانُ أَوْلَى (وَكَذَا يَجْمَعُ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ الْإِمَامِ (وَلَوْ مُنْفَرِدًا)؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلْجَمْعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَحَلِّهِ.
(ثُمَّ يَأْتِي مَوْقِفُ عَرَفَةَ وَيَغْتَسِلُ لَهُ) أَيْ: لِلْوُقُوفِ اسْتِحْبَابًا لِفِعْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ وَتَقَدَّمَ (وَكُلُّهَا) أَيْ: عَرَفَةَ (مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْوُقُوفُ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقِفْ بِعُرَنَةَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَحَدُّ عَرَفَاتٍ مِنْ الْجَبَلِ الْمُشْرِفِ عَلَى عُرَنَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمُقَابِلَةِ لَهُ إلَى مَا يَلِي حَوَائِطَ بَنِي عَامِرٍ).
(وَيُسَنُّ أَنْ يَقِفَ عِنْدَ الصَّخَرَاتِ وَجَبَلِ الرَّحْمَةِ وَاسْمُهُ الْآلُ عَلَى وَزْنِ هِلَالٍ وَلَا يُشْرَعُ صُعُودُهُ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إجْمَاعًا وَيُقَالُ لِجَبَلِ الرَّحْمَةِ: جَبَلُ الدُّعَاءِ.
(وَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَاكِبًا) لِقَوْلِ جَابِرٍ «ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقُصْوَى إلَى الصَّخْرَاتِ وَجَعَلَ جَبَلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ» (بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ وَالْعِبَادَاتِ ف) إنَّهُ يَفْعَلُهَا (رَاجِلًا).
وَفِي الِانْتِصَارِ وَمُفْرَدَاتِ أَبِي يَعْلَى الصَّغِيرِ: أَفْضَلِيَّةُ الْمَشْي فِي الْحَجِّ عَلَى الرُّكُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ فِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْأَخْبَارَ فِي ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُبَّادِ وَأَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ حَجَّ خَمْسَ عَشْرَةَ حَجَّةً مَاشِيًا وَذَكَر غَيْرُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَالْجَنَائِبُ تُقَادُ مَعَهُ.
وَقَالَ فِي أَسْبَابِ الْهِدَايَةِ: فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْمَاشِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ لَهُ: وَمَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ مِائَةُ أَلْفِ حَسَنَةٍ» قَالَ وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «إنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتُصَافِحُ رُكْبَانَ الْحَاجِّ وَتُعَانِقُ الْمُشَاةَ» كَذَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ.
(وَيُكْثِرُ بِعَرَفَةَ مِنْ الدُّعَاءِ وَمِنْ قَوْلِ: لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ) لِمَا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَآخِرُهُ زَايٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وَلِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».
وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ فَقَالَ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيك لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ قِيلَ لَهُ: هَذَا ثَنَاءٌ وَلَيْسَ بِدُعَاءٍ فَقَالَ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الشَّاعِرِ: أَأَذْكُرُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي حَيَاؤُكَ إنَّ شِيمَتَكَ الْحَيَاءُ إذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ وَمَا فِي الْمَتْنِ مَأْثُورٌ عَنْ عَلِيٍّ.
وَفِي الْوَجِيزِ: يَدْعُو بِمَا وَرَدَ وَمِنْهُ مَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَعَا فَقَالَ «اللَّهُمَّ إنَّك تَرَى مَكَانِي وَتَسْمَعُ كَلَامِي وَتَعْلَمُ سِرِّي وَعَلَانِيَتِي وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِي أَنَا الْبَائِسُ الْفَقِيرُ الْمُسْتَغِيثُ الْمُسْتَجِيرُ الْوَجِلُ الْمُشْفِقُ الْمُقِرُّ الْمُعْتَرِفُ بِذَنْبِهِ أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ الْمِسْكِينِ وَأَبْتَهِلُ إلَيْكَ ابْتِهَالَ الْمُذْنِبِ الذَّلِيلِ وَأَدْعُوكَ دُعَاءَ الْخَائِفِ الضَّرِيرِ مَنْ خَشَعَتْ لَكَ رَقَبَتُهُ وَذَلَّ لَكَ جَسَدُهُ وَفَاضَتْ لَكَ عَيْنَاهُ وَرَغِمَ لَكَ أَنْفُهُ».
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ «اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ، اللَّه أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ اهْدِنِي بِالْهُدَى وَقِنِي بِالتَّقْوَى وَاغْفِرْ لِي فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى» وَيَرُدُّ يَدَيْهِ وَيَسْكُتُ قَدْرَ مَا كَانَ إنْسَانٌ قَارِئًا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَزَلْ يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى أَفَاضَ.
(وَوَقْتُ الْوُقُوفِ: مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ) لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ قَالَ «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُزْدَلِفَةِ حِين خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي جِئْتُ مِنْ جَبَلَيْ طَيِّئٍ أَكَلَلْتُ رَاحِلَتِي وَأَتْعَبْت نَفْسِي وَاَللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَهِدَ صَلَاتَنَا هَذِهِ وَوَقَفَ مَعَنَا حَتَّى نَدْفَعَ وَقَدْ وَقَفَ قَبْلَ ذَلِكَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ كَافَّةِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ فَكَانَ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ كَمَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَتَرْكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُقُوفَ فِيهِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ وَقْتًا لِلْوُقُوفِ كَمَا بَعْدَ الْعِشَاءِ وَإِنَّمَا وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ.
(وَاخْتَارَ الشَّيْخُ وَغَيْرُهُ) كَأَبِي حَفْصٍ الْعُكْبَرِيِّ (وَحَكَى إجْمَاعًا) أَنَّ وَقْتَ الْوُقُوفِ (مِنْ الزَّوَالِ يَوْمِ عَرَفَةَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا وَقَفَ بَعْدَ الزَّوَالِ (إلَى طُلُوعِ فَجْرِ) يَوْمِ (النَّحْرِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ فَقُلْتُ لَهُ أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ» (فَمَنْ حَصَلَ بِعَرَفَةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَوْ لَحْظَةً وَلَوْ مَارًّا بِهَا أَوْ نَائِمًا أَوْ جَاهِلًا بِهَا) أَيْ: بِأَنَّهَا عَرَفَةُ.
(وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُقُوفِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا مُحْرِمًا بِالْحَجِّ (صَحَّ حَجُّهُ) وَأَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إنْ كَانَ حُرًّا بَالِغًا وَإِلَّا فَنَفْلٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَقَدْ أَتَى عَرَفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا».
وَ(لَا) يَصِحُّ الْوُقُوفُ مِنْ (مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ) لِعَدَمِ عَقْلِهِ (إلَّا أَنْ يُفِيقُوا وَهُمْ بِهَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الْوُقُوفِ) وَكَذَا لَوْ أَفَاقُوا بَعْدَ الدَّفْعِ مِنْهَا وَعَادُوا فَوَقَفُوا بِهَا فِي الْوَقْتِ.
(وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ) أَيْ: الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ (فَاتَهُ الْحَجُّ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ جَابِرٍ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ طَاهِرًا مِنْ الْحَدَثَيْنِ) قُلْتُ وَمِنْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنِهِ وَثَوْبِهِ كَسَائِرِ الْمَنَاسِكِ.
(وَيَصِحُّ وُقُوفُ الْحَائِضِ إجْمَاعًا وَوَقَفَتْ عَائِشَةُ) الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) وَعَنْ أَبِيهَا وَعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ (حَائِضًا بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَتَقَدَّمَ فِي دُخُولِ مَكَّةَ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلْوُقُوفِ (سِتَارَةٌ وَلَا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَلَا نِيَّةٌ) بِخِلَافِ الطَّوَافِ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ وَغَيْرُهُ لَيْسَ كَذَلِكَ.
(وَيَجِبُ أَنْ يَجْمَعَ فِي الْوُقُوفِ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَنْ وَقَفَ نَهَارًا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (فَإِنْ دَفَعَ) مِنْ عَرَفَةَ (قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إنْ لَمْ يَعُدْ قَبْلَهُ)؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ بِتَرْكِهِ أَشْبَهَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِنْ عَادَ إلَيْهَا لَيْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (وَإِنْ وَافَاهَا) أَيْ: عَرَفَةَ (لَيْلًا فَوَقَفَ بِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ).
(وَإِنْ خَافَ فَوْتَ وَقْتِ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ إنْ صَلَّى صَلَاةَ آمِنٍ (صَلَّى صَلَاةَ خَائِفٍ إنْ رَجَا إدْرَاكَهُ) لِمَا فِي فَوْتِ الْحَجِّ مِنْ الضَّرَرِ الْعَظِيمِ.
(وَوَقْفَةُ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ يَوْمِهَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ) لِلْخَبَرِ (فَإِذَا اجْتَمَعَ فَضْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَيَوْمِ عَرَفَةَ كَانَ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ) قِيلَ وَلِهَذَا اشْتَهَرَ وَصْفُ الْحَجِّ بِالْأَكْبَرِ إذَا كَانَتْ الْوَقْفَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ وَلِأَنَّ فِيهَا مُوَافَقَةَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ وَقْفَةَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْحَدِيثَيْنِ الْآتِيَيْنِ.
(قَالَ) ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي الْهَدْي) النَّبَوِيِّ (وَأَمَّا مَا اسْتَفَاضَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ مِنْ أَنَّهَا تَعْدِلُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَجَّةً فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ) لَكِنْ أَخْرَجَ رَزِينٌ مَرْفُوعًا «يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ إلَّا يَوْمَ عَرَفَةَ وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ» ذَكَرَهُ ابْنُ جَمَاعَةٍ فِي مَنَاسِكِهِ وَالْكَازَرُونِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَعْرُوفُ بِالْأَخَوَيْنِ وَالشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ عَلِيٌّ الزِّيَادِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ وَحَدِيثُ «إذَا كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ غَفَرَ اللَّهُ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفَ» قَدْ يُسْتَشْكَلُ بِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ مِثْلُهُ فِي مُطْلَقِ الْحَجِّ وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى مَغْفِرَتِهِ لَهُمْ بِلَا وَاسِطَةٍ وَحَمْلُ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يَهَبُ قَوْمًا لِقَوْمٍ ذَكَرَهُ الْكَازَرُونِيُّ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ جَمَاعَةٍ فِي مَنَاسِكِهِ عَنْ أَبِيهِ.