فصل: (فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الِاقْتِدَاءِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ فِي الْمَوْقِفِ):

(السُّنَّةُ وُقُوفُ الْمَأْمُومِينَ خَلْفَ الْإِمَامِ) رِجَالًا كَانُوا أَوْ نِسَاءً لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَامَ أَصْحَابُهُ خَلْفَهُ» وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ جَابِرًا وَجَبَّارًا وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ «فَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمَا، حَتَّى أَقَامَهُمَا خَلْفَهُ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَا يَنْقُلُهُمَا إلَّا إلَى الْأَكْمَلِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّهُ صَلَّى بَيْنَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ» رَوَاه أَحْمَدُ فَفِيهِ هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ وَقَدْ وَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ لَا يُحْتَجَّ بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ فَأَجَابَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ ضَيِّقًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (إلَّا إمَامَ الْعُرَاةِ وَ) إلَّا (إمَامَةَ النِّسَاءِ، فَوَسَطًا وُجُوبًا فِي الْأُولَى) أَيْ إمَامِ الْعُرَاةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
(وَاسْتِحْبَابًا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ إمَامَةِ النِّسَاءِ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهَا التَّسَتُّرَ وَهَذَا أَسْتَرُ لَهَا.
(فَإِنْ وَقَفُوا) أَيْ الْمَأْمُومُونَ (قُدَّامَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (وَلَوْ بِ) قَدْرِ تَكْبِيرَةِ (إحْرَامٍ) ثُمَّ تَأَخَّرُوا (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» وَالْمُخَالَفَةُ فِي الْأَفْعَالِ مُبْطِلَةٌ لِكَوْنِهِ يَحْتَاجُ فِي الِاقْتِدَاءِ إلَى الِالْتِفَاتِ خَلْفَهُ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْقُولِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ، (غَيْرَ دَاخِلِ الْكَعْبَةِ فِي نَفْلٍ إذَا تَقَابَلَا) بِأَنْ وَجَّهَ الْإِمَامُ إلَى وَجْهِ الْمَأْمُومِ (أَوْ) تَدَابَرَا بِأَنْ (جَعَلَ) الْمَأْمُومُ (ظَهْرَهُ إلَى ظَهْرِ إمَامِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ خَطَأَهُ وَإِنَّمَا خَصَّهُ بِالنَّفْلِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَصِحُّ دَاخِلَهَا.
(وَلَا) تَصِحُّ (إنْ جَعَلَ) الْمَأْمُومَ (ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (لِتَقَدُّمِهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى إمَامِهِ.
(وَ) إلَّا (فِيمَا إذَا اسْتَدَارَ الصَّفُّ حَوْلَهَا) أَيْ الْكَعْبَةِ (فَلَا بَأْسَ بِتَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ إذَا كَانَ فِي الْجِهَةِ الْمُقَابِلَةِ لِلْإِمَامِ) يَعْنِي فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ جِهَةِ الْإِمَامِ فَلَا تَصِحُّ إنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ فِيهَا.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَقْرَبَ فِي جِهَتِهِ مِنْ الْإِمَامِ فِي جِهَتِهِ جَازَ فَإِنْ كَانَ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ بَطَلَتْ وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ.
(وَ) إلَّا (فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ إذَا أَمْكَنَ الْمُتَابَعَةُ) فَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ نَصَّ عَلَيْهِ لِدُعَاءِ الْحَاجَّةِ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ الْمُتَابَعَةُ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ.
(وَإِنْ وَقَفُوا) أَيْ الْمَأْمُومِينَ (مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (عَنْ يَمِينِهِ أَوْ) وَقَفُوا (عَنْ جَانِبَيْهِ صَحَّ) لِمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَاحِدًا وَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ أَيْ الْإِمَامِ «لِإِدَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا إلَى يَمِينِهِ لَمَّا وَقَفَا عَنْ يَسَارِهِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلًا خَوْفًا مِنْ التَّقَدُّمِ، وَمُرَاعَاةً لِلْمَرْتَبَةِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (فَإِنْ بَانَ عَدَمُ صِحَّةِ مُصَافَّتِهِ لَمْ تَصِحَّ)؛ لِأَنَّهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ: وَالْمُرَادُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ أَحَدٌ فَيَجِيءُ الْوَجْهُ تَصِحُّ مُنْفَرِدًا، أَوْ كَصَلَاتِهِمْ قُدَّامَهُ، فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ انْتَهَيَا قُلْت ظَاهِرُ الْمُنْتَهَى صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ قَالَ فَإِنْ تَقَدَّمَهُ مَأْمُومٌ لَمْ تَصِحَّ لَهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي رَجُلٍ أَمَّ رَجُلًا قَامَ عَنْ يَسَارِهِ يُعِيدُ وَإِنَّمَا صَلَّى الْإِمَامُ وَحْدَهُ فَظَاهِرُهُ تَصِحُّ مُنْفَرِدًا دُونَ الْمَأْمُومِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى الْغَايَةِ بِالْإِمَامَةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
(فَإِنْ وَقَفَ) الْمَأْمُومُ الرَّجُلُ أَوْ الْخُنْثَى (خَلْفَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (أَوْ) وَقَفَ الْمَأْمُومُ مُطْلَقًا (عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ (وَصَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ إدَارَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا وَعَنْهُ تَصِحُّ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ وَالْمُوَفَّقُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهِيَ أَظْهَرُ وَفِي الشَّرْحِ: هِيَ الْقِيَاسُ كَمَا لَوْ كَانَ عَنْ يَمِينِهِ وَكَوْنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ جَابِرًا وَابْنَ عَبَّاسٍ لَا يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ الصِّحَّةِ، بِدَلِيلِ رَدِّ جَابِرٍ وَجَبَّارٍ إلَى وَرَائِهِ، مَعَ صِحَّةِ صَلَاتِهِمَا عَنْ جَانِبَيْهِ.
(وَإِذَا وَقَفَ) الْمَأْمُومُ (عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (أَحْرَمَ أَوَّلًا، سُنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُدِيرَهُ مِنْ وَرَائِهِ إلَى يَمِينِهِ وَلَمْ تَبْطُلْ تَحْرِيمَتُهُ) لِمَا سَبَقَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ.
(وَإِنْ كَبَّرَ) مَأْمُومٌ (وَحْدَهُ خَلْفَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (ثُمَّ تَقَدَّمَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ جَاءَ) مَأْمُومٌ (آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ، أَوْ تَقَدَّمَ إلَى الصَّفِّ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ كَانَا) أَيْ الْمَأْمُومَانِ (اثْنَيْنِ فَكَبَّرَ أَحَدُهُمَا) لِلْإِحْرَامِ (وَتَوَسْوَسَ الْآخَرُ ثُمَّ كَبَّرَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ) وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ فَأَحَسَّ بِآخَرَ فَتَأَخَّرَ مَعَهُ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ الثَّانِي ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ فَجَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ قَدْرَ رَكْعَةٍ وَلَا أَكْثَرَهَا.
(فَإِنْ وَقَفَ) مَأْمُومٌ (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (وَ) وَقَفَ (آخَرُ عَنْ يَسَارِهِ أَخَّرَهُمَا خَلْفَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ رَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَابِرًا وَجَبَّارًا وَرَاءَهُ (فَإِنْ شَقَّ) عَلَيْهِ تَأْخِيرُهُمَا تَقَدَّمَ عَنْهُمَا (أَوْ لَمْ يُمْكِنْ تَأْخِيرُهُمَا تَقَدَّمَ الْإِمَامُ) بَيْنَهُمَا لِيَصِيرَا وَرَاءَهُ وَصَلَّى بَيْنَهُمَا (فَإِنْ تَأَخَّرَ الْأَيْمَنُ قَبْلَ إحْرَامِ الدَّاخِل لِيُصَلِّيَ خَلْفَهُ جَازَ) ذَلِكَ.
وَفِي النِّهَايَةِ وَالرِّعَايَةِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَ(كَتَفَاوُتِ إحْرَامِ اثْنَيْنِ خَلْفَهُ)؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ (ثُمَّ إنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ أَحَدِهِمَا) لِسَبْقِهِ الْحَدَثَ وَنَحْوِهِ (تَقَدَّمَ الْآخَرُ إلَى الصَّفِّ) إنْ كَانَ (أَوْ) تَقَدَّمَ (إلَى يَمِينِ الْإِمَامِ) إنْ لَمْ يَكُنْ صَفَّ (أَوْ جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ خَلْفَ الْإِمَامِ) لِئَلَّا يَصِيرَ فَذًّا.
(وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْ تَقَدُّمُهُ إلَى الصَّفِّ، بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُرْجَةٌ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَلَا إلَى يَمِينِ الْإِمَامِ، وَلَا جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ (نَوَى الْمُفَارَقَةَ) لِلْعُذْرِ (وَإِنْ أَدْرَكَهُمَا) أَيْ أَدْرَكَ مَأْمُومٌ الْإِمَامَ وَالْمَأْمُومَ (جَالِسَيْنِ أَحْرَمَ ثُمَّ جَلَسَ عَنْ يَمِينِ صَاحِبِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ وَلَا تَأَخَّرَ إذَنْ لِلْمَشَقَّةِ).
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ أَنَّ الزَّمْنَى لَا يَتَقَدَّمُونَ وَلَا يَتَأَخَّرُونَ لِلْعِلَّةِ.
(وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقَدُّمِ وَالْمُسَاوَاةِ بِمُؤَخَّرِ قَدَمٍ، وَهُوَ الْعَقِبُ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ تَقَدُّمٌ بِمُؤَخَّرِ الْقَدَمِ (لَمْ يَضُرَّ، كَطُولِ الْمَأْمُومِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ بِرَأْسِهِ فِي السُّجُودِ فَلَوْ اسْتَوَيَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (فِي الْعَقِبِ، وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَضُرَّ) أَيْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُومِ لِعَدَمِ تَقَدُّمِ عَقِبِهِ عَلَى عَقِبِ إمَامِهِ.
(وَإِنْ تَقَدَّمَ عَقِبُ الْمَأْمُومِ عَقِبَ الْإِمَامِ مَعَ تَأَخُّرِ أَصَابِعِهِ) أَيْ الْمَأْمُومِ عَنْ أَصَابِعِ الْإِمَامِ (لَمْ تَصِحَّ) صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، لِتَقَدُّمِهِ عَلَى إمَامِهِ اعْتِبَارًا بِالْعَقِبِ وَلَوْ قَدَّمَ رِجْلَهُ وَهِيَ مُرْتَفِعَةٌ عَنْ الْأَرْضِ لَمْ يَضُرَّ لِعَدَمِ اعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا.
(وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَ عَقِبَ الْمَأْمُومِ) فَإِنَّهُ الْمُعْتَبَرُ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ أَصَابِعُهُ، لَكِنْ لَا يَضُرَّ تَأَخُّرُ عَقِبِهِ إلَّا إذَا بَانَ عَدَمُ مُصَافَّتِهِ لِإِمَامِهِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْمُبْدِعِ: أَنَّهُ يُنْدَبُ تَأَخُّرُهُ قَلِيلًا، بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُصَافًّا لَهُ (فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا لَا اعْتِبَارَ بِمَحَلِّ الْقُعُودِ)؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ اسْتِقْرَارِهِ.
(وَهُوَ الْأَلْيَةُ، حَتَّى لَوْ مَدَّ) الْمَأْمُومُ (رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَهُمَا عَلَى الْإِمَامِ لَمْ يَضُرَّ) لِعَدَمِ اعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا قُلْتُ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَائِمًا وَالْآخَرُ قَاعِدًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ فَلَا يُقَدِّمُ الْقَائِمُ عَقِبَهُ عَلَى مُؤَخَّرِ أَلْيَةِ الْجَالِسِ.
(وَإِنْ أَمَّ) رَجُلٌ (خُنْثَى وَقَفَ) الْخُنْثَى (عَنْ يَمِينِهِ) احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا رَجُلٌ وَقَفَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ، وَالْخُنْثَى عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ عَنْ يَمِينِ الرَّجُلِ وَلَا يَقِفَانِ خَلْفَهُ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ رَجُلٌ آخَرُ وَقَفَ الثَّلَاثَةُ خَلْفَهُ صَفًّا.
(وَإِنْ أَمَّ رَجُلٌ) امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ رَجُلٌ أَوْ رِجَالٌ أَوْ لَا (أَوْ) أَمَّ (خُنْثَى امْرَأَةً وَقَفَ خَلْفَهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَخِّرُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ» (فَإِنْ وَقَفَتْ) الْمَرْأَةُ (عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ يَمِينِ الرَّجُلِ أَوْ الْخُنْثَى الْإِمَامِ، فَكَرَجُلٍ، فَتَصِحُّ (أَوْ) وَقَفَتْ (عَنْ يَسَارِهِ، فَكَرَجُلٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا بِيَسَارِهِ وَإِلَّا صَحَّتْ.
وَفِي التَّعْلِيقِ: إذَا كَانَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَهُوَ عُرْيَانٌ فَإِنَّمَا تَقِفُ عَنْ يَمِينِهِ.
(وَيُكْرَهُ لَهَا الْوُقُوفُ فِي صَفِّ الرِّجَالِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَأْخِيرِهِنَّ (فَإِنْ فَعَلَتْ) أَيْ وَقَفَتْ فِي صَفِّ الرِّجَالِ (لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا وَلَا) صَلَاةُ (مَنْ خَلْفَهَا) فَصَفٌّ تَامٌّ مِنْ نِسَاءٍ لَا يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ مَنْ خَلْفَهُنَّ مِنْ الرِّجَالِ (وَلَا) صَلَاةُ مَنْ (أَمَامَهَا وَلَا صَلَاتُهَا) كَمَا لَوْ وَقَفَتْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَالْأَمْرُ بِتَأْخِيرِهَا لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ مَعَ عَدَمِهِ.
(وَإِنْ أَمَّ) رَجُلٌ (رَجُلًا وَصَبِيًّا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقِفَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ) لِكَمَالِ الرَّجُلِ (وَالصَّبِيُّ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ) أَمَّ (رَجُلًا وَامْرَأَةً وَقَفَ الرَّجُلُ عَنْ يَمِينِهِ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا».
(وَلَا بَأْسَ بِقَطْعِ الصَّفِّ عَنْ يَمِينِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (أَوْ خَلْفَهُ وَكَذَا إنْ بَعُدَ الصَّفُّ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ بِهِ (نَصًّا وَقُرْبُهُ) أَيْ الصَّفِّ (مِنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ (أَفْضَلُ) مِنْ بُعْدِهِ وَكَذَا قُرْبُ الصُّفُوفِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ.
(وَكَذَا تَوَسُّطُهُ) أَيْ الْإِمَامِ لِلصَّفِّ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَسِّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَإِنْ انْقَطَعَ) الصَّفُّ (عَنْ يَسَارِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ إنْ كَانَ) الِانْقِطَاعُ بَعْدَ مُقَامِ الثَّلَاثَةِ رِجَالٌ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ) أَيْ صَلَاةُ الْمُنْقَطِعِينَ عَنْ الصَّفِّ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ، وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَإِنْ اجْتَمَعَ) فِي الصَّلَاةِ (أَنْوَاعٌ) مِنْ رِجَالٍ وَصِبْيَانٍ وَنِسَاءٍ وَخَنَاثَى (سُنَّ تَقْدِيمُ رِجَالٍ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ قَالَ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَقَامَ الصَّفَّ فَصَفَّ الرِّجَالَ وَصَفَّ، الْغِلْمَانَ خَلْفَهُمْ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ، وَزَادَ فِيهِ وَالنِّسَاءَ خَلْفَ الْغِلْمَانِ.
وَيُقَدَّمُ مِنْ الرِّجَالِ (أَحْرَارٌ) عَلَى أَرِقَّاءَ لِمَزِيَّتِهِمْ بِالْحُرِّيَّةِ (ثُمَّ عَبِيدٌ) بَالِغُونَ (الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ، ثُمَّ الْأَفْضَلُ) مِنْهُمَا لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لِيَلِيَنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد (ثُمَّ صِبْيَانٌ كَذَلِكَ) أَيْ أَحْرَارٌ، ثُمَّ عَبِيدٌ الْأَفْضَلُ فَالْأَفْضَلُ لِمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ خَنَاثَى) هَكَذَا فِي الْمُقْنِعُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا رِجَالًا وَهَذَا إنْ قُلْنَا: يَصِحُّ وُقُوفُ الْخَنَاثَى صَفًّا.
وَفِي الْمُنْتَهَى: وَإِنْ وَقَفَ الْخَنَاثَى صَفًّا لَمْ يَصِحَّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ مَعَ الْمَرْأَةِ فَذٌّ (ثُمَّ نِسَاءٌ) أَحْرَارٌ بَالِغَاتٌ، ثُمَّ إمَاءٌ بَالِغَاتٌ، ثُمَّ أَحْرَارٌ غَيْرُ بَالِغَاتٍ ثُمَّ إمَاءٌ غَيْرُ بَالِغَاتٍ، الْفُضْلَى فَالْفُضْلَى.
(وَيُقَدَّمُ مِنْ الْجَنَائِزِ إلَى الْأَمَامِ) عِنْدَ اجْتِمَاعِ مَوْتَى فِي الْمُصَلَّى (وَ) يُقَدَّمُ (إلَى الْقِبْلَةِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ حَيْثُ جَازَ) دَفْنُ مَيِّتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ (رَجُلٌ حُرٌّ ثُمَّ عَبْدٌ بَالِغٌ، ثُمَّ صَبِيٌّ كَذَلِكَ) أَيْ حُرٌّ، ثُمَّ عَبْدٌ (ثُمَّ خُنْثَى) حُرٌّ ثُمَّ عَبْدٌ بَالِغٌ، ثُمَّ الصَّبِيُّ فِيهِمَا (ثُمَّ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ) بَالِغَةٌ (ثُمَّ أَمَةٌ) بَالِغَةٌ، ثُمَّ صَبِيَّةٌ حُرَّةٌ ثُمَّ صَبِيَّةٌ أَمَةٌ.
(وَتَأْتِي تَتِمَّتُهُ) فِي الْجَنَائِزِ وَتَقَدَّمَ مَعَ تَعَدُّدِ النَّوْعِ الْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ كَمَا فِي الْمُصَافَّةِ (وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا امْرَأَةٌ) وَهُوَ رَجُلٌ فَفَذٌّ (أَوْ) لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا (كَافِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَوْ خُنْثَى أَوْ مُحْدِثٌ أَوْ نَجِسٌ يَعْلَمُ مُصَافَّةَ ذَلِكَ) أَيْ إنَّهُ مُحْدِثٌ أَوْ نَجِسٌ وَكَذَا لَوْ عَلِمَ الْمُصَافُّ حَدَثَ أَوْ نَجَسَ نَفْسِهِ (فَفَذٌّ)؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوُقُوفِ مَعَهُ وَلِأَنَّ وُجُودَ الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُحْدِثِ وَالنَّجِسِ كَعَدَمِهِ وَكَذَا إذَا وَقَفَ مَعَهُ سَائِرُ مَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ.
قَالَهُ فِي الشَّرْحِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ صَحَّتْ مُصَافَّتُهُ (وَكَذَا) مَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا (صَبِيٌّ فِي فَرْضٍ) وَهُوَ رَجُلٌ فَفَذٌّ لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا فَلَيْسَ بِفَذٍّ لِقَوْلِ أَنَسٍ «فَقَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (كَذَا) (امْرَأَةٌ مَعَ نِسَاءٍ) إذَا لَمْ يَقِفْ مَعَهَا إلَّا كَافِرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ، أَوْ مَنْ تَعْلَمُ حَدَثَهَا أَوْ نَجَاسَتَهَا فَفَذٌّ أَوْ وَقَفَ مَعَهَا فِي فَرْضٍ غَيْرُ بَالِغَةٍ فَفَذٌّ.
(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُحْدِثُ حَدَثَ نَفْسِهِ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى انْقَضَتْ (وَلَا عَامَّةُ مَصَافِّهِ) كَذَلِكَ (فَلَيْسَ بِفَذٍّ) وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بُقْعَتِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ وَلَا عَلِمَهُ مُصَافُّهُ حَتَّى انْقَضَتْ فَلَيْسَ بِفَذٍّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامًا لَهُ، إذَنْ لَمْ يَعُدْ فَأَوْلَى إذَا كَانَ مُصَافًّا.
(وَمَنْ وَقَفَ مَعَهُ مُتَنَفِّلٌ أَوْ مَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّهُ كَالْأُمِّيِّ) يَقِفُ مَعَ الْقَارِئِ (وَالْأَخْرَسِ) يَقْفُ مَعَ النَّاطِقِ (وَالْعَاجِزِ) عَنْ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ يَقِفُ مَعَ الْقَادِرِ عَلَيْهِ (وَنَاقِصِ الطَّهَارَةِ) الْعَاجِزِ عَنْ إكْمَالِهَا يَقْفُ مَعَ تَامِّ الطَّهَارَةِ (وَالْفَاسِقِ) يَقِفُ مَعَ الْعَدْلِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذُكِرَ (فَصَلَاتُهُمَا صَحِيحَةٌ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا صِحَّةُ الْإِمَامَةِ.
(وَمَنْ جَاءَ فَوَجَدَ فُرْجَةً) بِضَمِّ الْفَاءِ وَهِيَ الْخَلَلُ فِي الصَّفِّ دَخَلَ فِيهِ (أَوْ وَجَدَهُ) أَيْ الصَّفَّ (غَيْرَ مَرْصُوصٍ دَخَلَ فِيهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصَّفَّ».
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فَإِنْ كَانَتْ: أَيْ الْفُرْجَةُ، بِحِذَائِهِ كُرِهَ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهَا عَرْضًا (فَإِنْ مَشَى إلَى الْفُرْجَةِ عَرْضًا بَيْن يَدَيْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ كُرِهَ) لَهُ ذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي الْحَدِيثَ وَلَعَلَّ عَدَمَ التَّحْرِيمِ هُنَا إمَّا؛ لِأَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ أَوْ لِلْحَاجَةِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) مَوْضِعًا فِي الصَّفِّ يَقِفُ فِيهِ (وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ إنْ أَمْكَنَهُ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَوْقِفُ الْوَاحِدِ (فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ) الْوُقُوفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ (فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ بِكَلَامٍ أَوْ بِنَحْنَحَةٍ أَوْ إشَارَةٍ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ) لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ اجْتِنَابِ الْفَذِّيَّةِ (وَيَتْبَعُهُ) مَنْ يُنَبِّهُهُ، وَظَاهِرُهُ وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ.
(وَيُكْرَهُ) تَنْبِيهُهُ (بِجَذْبِهِ نَصًّا) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
(وَلَوْ كَانَ عَبْدَهُ أَوْ ابْنَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، حَالَ الْعِبَادَةِ: كَالْأَجْنَبِيِّ (فَإِنْ صَلَّى فَذًّا رَكْعَةً وَلَوْ امْرَأَةً خَلْفَ امْرَأَةٍ) لَمْ تَصِحَّ لِمَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ شَيْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا صَلَاةَ لِفَرْدٍ خَلْفَ الصَّفِّ» رَوَاه أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَثْبَتَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلِأَنَّهُ خَالَفَ الْمَوْقِفَ أَشْبَهَ مَا لَوْ وَقَفَ قُدَّامَ الْإِمَامِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْعَامِدِ وَضِدِّهِمَا (أَوْ) وَقَفَ (عَنْ يَسَارِهِ، وَلَوْ) كَانَ الْمَأْمُومُ (جَمَاعَةً مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ لَمْ تَصِحَّ) إذَا صَلَّى رَكْعَةً كَذَلِكَ لِمُخَالَفَتِهِ مَوْقِفِهِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
(وَلَوْ كَانَ خَلْفَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (صَفٌّ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى عَنْ يَسَارِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ (فَإِنْ كَبَّرَ) فَذًّا (ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ طَمَعًا فِي إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ.
(وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ أَوْ وَقَفَ مَعَهُ) مَأْمُومٌ (آخَرُ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ) مِنْ الرُّكُوعِ (صَحَّتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ فِي الصَّفِّ مَا يُدْرِكُ بِهِ الرَّكْعَةَ.
(وَكَذَا إنْ رَفَعَ الْإِمَامُ) مِنْ الرُّكُوعِ فَذًّا (وَلَمْ يَسْجُدْ) حَتَّى دَخَلَ الصَّفَّ، أَوْ جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَكَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرُّكُوعَ.
(وَلَا) تَصِحُّ صَلَاتُهُ (إنْ سَجَدَ) إمَامُهُ قَبْل دُخُولِهِ فِي الصَّفِّ، وَمَجِيءِ آخَرَ يَقْفُ مَعَهُ، لِانْفِرَادِهِ فِي مُعْظَمِ الرَّكْعَةِ.
(وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ رَكَعَ وَرَفَعَ فَذًّا ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ أَوْ وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ (لِغَيْرِ عُذْرٍ بِأَنْ لَا يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ لَمْ يَصِحَّ)؛ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي الْمَعْذُورِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ.
(وَلَوْ زُحِمَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ، فَأُخْرِجَ مِنْ الصَّفِّ، وَبَقِيَ فَذًّا فَإِنَّهُ يَنْوِي مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ) لِلْعُذْرِ.
(وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً)؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ (وَإِنْ أَقَامَ عَلَى مُتَابَعَةِ إمَامِهِ، وَيُتِمُّهَا مَعَهُ) جُمُعَةً (فَذًّا، صَحَّتْ جُمُعَتُهُ) فِي وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى فَاغْتُفِرَ فِيهَا ذَلِكَ وَصَحَّحَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ عَدَمَ الصِّحَّةِ، ذَكَرَهُ فِي الْجُمُعَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ.

.(فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الِاقْتِدَاءِ):

(إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ يَرَى الْإِمَامَ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ، وَكَانَا فِي الْمَسْجِدِ صَحَّتْ) صَلَاةُ الْمَأْمُومِ (وَلَوْ لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ عُرْفًا)؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلْجَمَاعَةِ فَكُلُّ مَنْ حَصَلَ فِيهِ حَصَلَ فِي مَحَلِّ الْجَمَاعَةِ، بِخِلَافِ خَارِجِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُعَدًّا لِلِاجْتِمَاعِ فِيهِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ الِاتِّصَالُ فِيهِ.
(وَكَذَا إنْ لَمْ يَرَ) الْمَأْمُومُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ: الْإِمَامِ أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ (إنْ سَمِعَ التَّكْبِيرَ)؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَوْضِعِ الْجَمَاعَةِ وَيُمْكِنُهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ أَشْبَهَ الْمُشَاهَدَةَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ التَّكْبِيرَ وَلَمْ يَرَهُ وَلَا بَعْضُ مَنْ وَرَاءَهُ (فَلَا) تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِإِمَامِهِ.
(وَإِنْ كَانَا) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ (خَارِجَيْنِ عَنْهُ) أَيْ الْمَسْجِدِ (أَوْ) كَانَ (الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ) خَارِجًا عَنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِهِ الْإِمَامُ وَلَوْ كَانَ بِمَسْجِدٍ آخَرَ (وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ صَحَّتْ) صَلَاةُ الْمَأْمُومِ (إنْ رَأَى) الْمَأْمُومُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ مَنْ وَرَاءَهُ وَلَوْ كَانَتْ جُمُعَةً فِي دَارٍ أَوْ دُكَّانٍ لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ وَوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ وَهُوَ الرُّقْيَةُ وَإِمْكَانُ الِاقْتِدَاءِ.
(وَلَوْ) كَانَتْ الرُّقْيَةُ (مِمَّا لَا يُمْكِنْ الِاسْتِطْرَاقُ مِنْهُ كَشُبَّاكٍ وَنَحْوِهِ) كَطَاقٍ صَغِيرَةٍ، فَتَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ (وَإِنْ لَمْ يَرَ) الْمَأْمُومُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ مَنْ وَرَاءَهُ.
(وَالْحَالَةُ هَذِهِ) أَيْ وَهُمَا خَارِجَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ خَارِجَهُ (لَمْ يَصِحَّ) اقْتِدَاؤُهُ بِهِ (وَلَوْ سَمِعَ التَّكْبِيرَ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِنِسَاءٍ كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي الْغَالِبِ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إمْكَانُ الرُّؤْيَةِ لَوْلَا الْمَانِعُ، إنْ كَانَ بِالْمَأْمُومِ عَمًى أَوْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ وَكَانَ بِحَيْثُ يُرَى لَوْلَا ذَلِكَ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ حَيْثُ أَمْكَنَتْهُ الْمُتَابَعَةُ، وَلَوْ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ بِالْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَسْجِدٍ غَيْرِ الَّذِي بِهِ الْآخَرُ فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَأْمُومِ إذَنْ إنْ لَمْ يَرَ الْإِمَامَ أَوْ بَعْضَ مَنْ وَرَاءَهُ.
(وَتَكْفِي الرُّؤْيَةُ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ) كَحَالِ الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ وَجِدَارُ الْحُجْرَةِ قَصِيرٌ، فَرَأَى النَّاسُ شَخْصَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ أُنَاسٌ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ» الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي حَالِ قِيَامِهِ.
(وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا) لِعَدَمِ الْفَارِقِ (وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ) لِعَدَمِ الْفَارِقِ فِيمَا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ كَانَا فِي الْمَسْجِدِ (إذَا حَصَلَتْ الرُّؤْيَةُ الْمُعْتَبَرَةُ وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ) أَيْ الْمُتَابَعَةُ.
(وَلَوْ جَاوَزَ) مَا بَيْنَهُمَا (ثَلَاثَمِائَةِ ذِرَاعٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ) لَمْ تَصِحَّ (أَوْ) كَانَ بَيْنَهُمَا (طَرِيقٌ وَلَمْ تَتَّصِلْ فِيهِ الصُّفُوفُ عُرْفًا إنْ صَحَّتْ) الصَّلَاةُ (فِيهِ) أَيْ الطَّرِيقِ كَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ وَالْجِنَازَةِ لِضَرُورَةٍ، لَمْ تَصِحَّ فَإِنْ اتَّصَلَتْ إذَنْ صَحَّتْ (أَوْ اتَّصَلَتْ) الصُّفُوفُ (فِيهِ) أَيْ الطَّرِيقِ (وَقُلْنَا لَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (فِيهِ) أَيْ الطَّرِيقِ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (أَوْ انْقَطَعَتْ) الصُّفُوفُ (فِيهِ) أَيْ الطَّرِيقِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ مِمَّا تَصِحُّ فِي الطَّرِيقِ أَوْ لَا، وَبَعْضُهُ دَاخِلٌ فِيمَا تَقَدَّمَ (لَمْ تَصِحَّ) صَلَاةُ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الطَّرِيقَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلصَّلَاةِ أَشْبَهَ مَا يَمْنَعُ الِاتِّصَالَ، وَالنَّهْرُ الْمَذْكُورُ فِي مَعْنَاهَا وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الِاقْتِدَاءَ لِعَدَمِ النَّصِّ فِي ذَلِكَ وَالْإِجْمَاعِ.
(وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ: مَنْ بِسَفِينَةٍ وَإِمَامُهُ فِي أُخْرَى غَيْرِ مَقْرُونَةٍ بِهَا)؛ لِأَنَّ الْمَاءَ طَرِيقٌ وَلَيْسَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً (فِي غَيْرِ شِدَّةِ خَوْفٍ) فَلَا يُمْنَعُ ذَلِكَ الِاقْتِدَاءُ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ لِلْحَاجَةِ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَعْلَى مِنْ الْمَأْمُومِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُومَنَّ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِهِمْ» وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لِحُذَيْفَةَ «أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْ ذَلِكَ؟ قَالَ بَلَى» رَوَاه الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِ ثِقَاتٍ وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ تَعْلِيمَهُمْ أَمْ لَا وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ (كَثِيرًا وَهُوَ ذِرَاعٌ فَأَكْثَرُ) مِنْ ذِرَاعٍ.
(وَلَا بَأْسَ بِ) عُلُوٍّ (يَسِيرٍ كَدَرَجَةِ مِنْبَرٍ وَنَحْوِهَا) مِمَّا دُونَ ذِرَاعٍ جَمْعًا بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ النَّاسُ ثُمَّ عَاد حَتَّى فَرَغَ، ثُمَّ قَالَ «إنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي، وَلِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ عَلَى الدَّرَجَةِ السُّفْلَى لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ فَيَكُونُ ارْتِفَاعًا يَسِيرًا.
(وَلَا بَأْسَ بِعُلُوِّ مَأْمُومٍ وَلَوْ) كَانَ عُلُوُّهُ (كَثِيرًا نَصًّا) وَلَا يُعِيدُ الْجُمُعَةَ مَنْ يُصَلِّيهَا فَوْقَ سَطْحِ الْمَسْجِدِ رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَرَوَاهُ سَعْدٌ عَنْ أَنَسٍ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الِاقْتِدَاءُ أَشْبَهَ الْمُتَسَاوِيَيْنِ.
(وَيُبَاحُ اتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ نَصًّا) وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ لِيَسْتَدِلَّ بِهِ الْجَاهِلُ لَكِنْ.
قَالَ الْحَسَنُ الطَّاقُ فِي الْمَسْجِدِ أَحْدَثَهُ النَّاسُ وَكَانَ أَحْمَدُ يَكْرَهُ كُلَّ مُحْدَثٍ.
(وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ الصَّلَاةُ فِيهِ) أَيْ الْمِحْرَابِ (إذَا كَانَ يَمْنَعُ الْمَأْمُومَ مُشَاهَدَتَهُ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَتِرُ عَنْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حِجَابٌ (إلَّا مِنْ حَاجَةٍ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ) وَكَثْرَةِ الْجَمْعِ فَلَا يُكْرَهُ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَلَا) يُكْرَهُ (سُجُودُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمِحْرَابِ، إذَا كَانَ وَاقِفًا خَارِجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ مُشَاهَدَتِهِ.
(وَيَقِفُ الْإِمَامُ عَنْ يَمِينِ الْمِحْرَابِ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ وَاسِعًا نَصًّا) لِتَمَيُّزِ جَانِبِ الْيَمِينِ.
(وَيُكْرَهُ تَطَوُّعُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فِي مَوْضِعِ الْمَكْتُوبَةِ بَعْدَهَا) نَصَّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ كَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا قَالَ «لَا يُصَلِّيَنَّ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْهُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد إلَّا أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ وَلِأَنَّ فِي تَحَوُّلِهِ مِنْ مَكَانِهِ إعْلَامًا لِمَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ أَنَّهُ قَدْ صَلَّى فَلَا يَنْتَظِرُهُ وَيَطْلُبُ جَمَاعَةً أُخْرَى (بِلَا حَاجَةٍ) كَضِيقِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ.
(وَتَرْكُ مَأْمُومٍ لَهُ) أَيْ لِلتَّطَوُّعِ مَوْضِعَ الْمَكْتُوبَةِ (أَوْلَى) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُسَنُّ الْفِعْلُ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّتِهِ بِكَلَامٍ أَوْ قِيَامٍ، بَلْ النَّفَلُ بِالْبَيْتِ أَفْضَلُ.
(وَيُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُعُودِ لِلْإِمَامِ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِضِيقِ الْمَسْجِدِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ عَلَى حَالِهِ رُبَّمَا سَهَا فَظُنَّ أَنَّهُ يُسَلِّمُ أَوْ ظَنَّ غَيْرُهُ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ عَلَى حَالِهِمَا (إنْ لَمْ يَكُنْ) هُنَاكَ (نِسَاءٌ وَلَا حَاجَةٌ) تَدْعُو إلَى إطَالَةِ الْجُلُوسِ مُسْتَقْبِلًا كَمَا إذَا لَمْ يَجِدْ مُنْصَرَفًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ الِانْحِرَافُ (فَإِنْ أَطَالَ) الْإِمَامُ الْجُلُوسَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ (انْصَرَفَ مَأْمُومٌ إذَنْ) لِمُخَالَفَةِ الْإِمَامِ السُّنَّةَ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُطِلْ الْإِمَامُ الْجُلُوسَ (اُسْتُحِبَّ لَهُ) أَيْ لِلْمَأْمُومِ (أَنْ لَا يَنْصَرِفَ قَبْلَهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَلَا تَسْبِقُونِي بِالِانْصِرَافِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَذْكُرُ سَهْوًا فَيَسْجُدُ لَهُ وَإِنْ انْحَرَفَ فَلَا بَأْسَ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ قِيَامُهُنَّ عَقِبَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَثُبُوتُ الرِّجَالِ قَلِيلًا)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَنَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكْهُنَّ الرِّجَالُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَلِأَنَّ الْإِخْلَالَ بِذَلِكَ يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ (وَتَقَدَّمَ فِي) بَابِ (صِفَةِ الصَّلَاةِ).
(وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ غَيْرِ الْإِمَامِ مَكَانًا بِالْمَسْجِدِ، لَا يُصَلِّي فَرْضَهُ إلَّا فِيهِ) «لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إيطَانِ الْمَكَانِ كَإِيطَانِ الْبَعِيرِ» وَفِي إسْنَادِهِ تَمِيمُ بْنُ مَحْمُودٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي إسْنَادِ حَدِيثِهِ نَظَرٌ.
لَا بَأْسَ (بِهِ) أَيْ اتِّخَاذِ مَكَان لَا يُصَلِّي إلَّا فِيهِ (فِي النَّفْلِ) لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَخْبَارِ وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ: كَانَ أَحْمَدُ لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ وَيَكْرَهُ إيطَانَهَا.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ فَاضِلَةً، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا سَبَقَ مِنْ تَحَرِّي نَقْرَةَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ سَلَمَةَ «كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ وَقَالَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا: وَلَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ، كَإِسْمَاعِ حَدِيثٍ وَتَدْرِيسٍ، وَإِفْتَاءٍ وَنَحْوِهِ وَيَتَوَجَّهُ لَا وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اتِّفَاقًا.
(وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِينَ الْوُقُوفُ بَيْنَ السَّوَارِي إذَا قَطَعَتْ صُفُوفَهُمْ عُرْفًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ لِينٌ وَقَالَ أَنَسٌ كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّفَّ قَالَ بَعْضُهُمْ فَتَكُونُ سَارِيَةٌ عَرْضُهَا مَقَامَ ثَلَاثَةِ (بِلَا حَاجَةٍ) فَإِنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ كَضِيقِ الْمَسْجِدِ وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ لَمْ يُكْرَهْ (وَلَا يُكْرَهُ لِلْإِمَامِ) أَنْ يَقِفَ بَيْنَ السَّوَارِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ صَفٌّ يُقْطَعُ.
(وَلَوْ أَمَّتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً وَاحِدَةً، أَوْ) أَمَّتْ (أَكْثَرَ) مِنْ امْرَأَةٍ كَاثْنَتَيْنِ فَأَكْثَرَ (لَمْ يَصِحَّ وُقُوفُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ خَلْفَهَا مُفْرَدَةً) كَالرَّجُلِ خَلْفَ الرَّجُلِ وَكَذَا لَوْ وَقَفَتْ عَنْ يَسَارِهَا (وَتَقَدَّمَ).
قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ (وَمِنْ الْأَدَبِ وَضْعُ الْإِمَامِ نَعْلَهُ عَنْ يَسَارِهِ) فِي حَالِ صَلَاتِهِ إكْرَامًا لِجِهَةِ يَمِينِهِ.
(وَ) وَضْعُ (مَأْمُومٍ) نَعْلَهُ (بَيْنَ يَدَيْهِ) أَيْ قُدَّامَهُ (لِئَلَّا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ) وَتَقَدَّمَ: يُسْتَحَبُّ تَفَقُّدُهُ عِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْأَوْلَى تَنَاوُلُهُ بِيَسَارِهِ.