فصل: (فَصْلٌ فِي الْقَصْرِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ فِي الْقَصْرِ):

أَيْ قَصْرِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ إنْ خِفْتُمْ} الْآيَةَ عَلَّقَ الْقَصْرَ عَلَى الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ غَالِبَ أَسْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَخْلُ مِنْهُ وَقَالَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ «مَا لَنَا نَقْصُرُ، وَقَدْ أَمِنَّا فَقَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» رَوَاه مُسْلِمٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ كَذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ: إنَّ قَوْله تَعَالَى {إنْ خِفْتُمْ} كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ، مَعْنَاهُ: وَإِنْ خِفْتُمْ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْقَصْرُ قِسْمَانِ مُطْلَقٌ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ قَصْرُ الْأَفْعَالِ وَالْعَدَدِ كَصَلَاةِ الْخَوْفِ، حَيْثُ كَانَ مُسَافِرًا فَإِنَّهُ يُرْتَكَبُ فِيهَا مَا لَا يَجُوزُ فِي صَلَاةِ الْأَمْنِ وَالْآيَةُ وَرَدَتْ عَلَى هَذَا وَمُقَيَّدٌ وَهُوَ مَا فِيهِ قَصْرُ الْعَدَدِ فَقَطْ كَالْمُسَافِرِ، أَوْ قَصْرُ الْعَمَلِ، فَقَطْ كَالْخَائِفِ، وَهُوَ حَسَنٌ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ: خَبَرُ يَعْلَى وَعُمَرَ السَّابِقُ؛ لِأَنَّ ظَاهَرَ مَا فَهِمَاهُ قَصْرُ الْعَدَدِ بِالْخَوْفِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ.
(مَنْ ابْتَدَأَ سَفَرًا) أَيْ شَرَعَ فِيهِ (وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحَبًّا كَسَفَرِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ وَالْعُمْرَةِ) فَالسَّفَرُ لِلْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ وَاجِبٌ، وَلِلْمَنْدُوبِ، مِنْهُ مَنْدُوبٌ.
(وَ) كَالسَّفَرِ (لِزِيَارَةِ الْإِخْوَانِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى، وَزِيَارَةِ أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ) أَيْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَقْصَى، وَأَمَّا زِيَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامَ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ لِلْمُسْتَحَبِّ، إلَّا إنْ نَذَرَهَا فَتَكُونُ وَاجِبَةً.
(وَ) زِيَارَةِ (الْوَالِدَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا (أَوْ) ابْتَدَأَ سَفَرًا (مُبَاحًا وَلَوْ لِنُزْهَةٍ، أَوْ فُرْجَةٍ أَوْ تَاجِرًا، وَلَوْ) كَانَ (مُكَاثِرًا فِي الدُّنْيَا).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَ أَصْحَابُنَا إبَاحَةَ السَّفَرِ لِلتِّجَارَةِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ مُكَاثِرٍ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ وَحَرَّمَهُ فِي الْمُبْهِجِ.
قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلَالًا مُكَاثِرًا لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ» وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَأَمَّا سُورَةُ {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ} فَتَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ لِمَنْ شَغَلَهُ عَنْ عِبَادَةٍ وَاجِبَةٍ وَالتَّكَاثُرُ: مَظِنَّةٌ لِذَلِكَ أَوْ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ فَيُكْرَهُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الِاتِّسَاعَ فِي الْمَكَاسِبِ وَالْمَبَانِي مِنْ حِلٍّ إذَا أَدَّى جَمِيعَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ مُبَاحٌ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْ كَارِهٍ وَمِنْ غَيْرِ كَارِهٍ (أَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا) عَلَى السَّفَرِ (كَأَسِيرٍ، أَوْ زَانٍ مُغَرَّبٍ) وَهُوَ الْحُرُّ غَيْرُ الْمُحْصَنِ (أَوْ قَاطِعُ) طَرِيقٍ (مُشَرَّدٌ) إذَا أَخَافَ السَّبِيلَ وَلَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا؛ لِأَنَّ سَفَرَهُمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَإِنْ كَانَ بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَافِرُ (مَحْرَمًا مَعَ) زَانِيَةٍ غَيْرِ مُحْصَنَةٍ (مُغَرَّبَةٍ) فَيَقْصُرُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسَافِرِينَ (يَبْلُغُ سَفَرُهُ ذَهَابًا) بِفَتْحِ الذَّالِ مَصْدَرُ ذَهَبَ (سِتَّةَ عَشْرَ فَرْسَخًا تَقْرِيبًا) لَا تَحْدِيدًا، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ (بَرًّا) كَانَ السَّفَرُ (أَوْ بَحْرًا) لِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
(وَهِيَ) أَيْ السِّتَّةُ عَشْرَ فَرْسَخًا (يَوْمَانِ) أَيْ مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ (قَاصِدَانِ فِي زَمَنٍ مُعْتَدِلِ) الْحَرِّ وَالْبَرْدِ، أَيْ مُعْتَدِلَانِ طُولًا وَقِصَرًا وَالْقَصْدُ الِاعْتِدَالُ: قَالَ تَعَالَى {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} (بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ) وَذَلِكَ (أَرْبَعَةُ بُرُدٍ) جَمْعُ بَرِيدٍ.
(وَالْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ) جَمْعُ فَرْسَخٍ (وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ مِيلَانِ وَنِصْفِ) مِيلٍ (وَالْمِيلُ) الْهَاشِمِيُّ (اثْنَا عَشَرَ أَلْفِ قَدَمٍ) وَهِيَ (سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ) بِذِرَاعِ الْيَدِ (وَالذِّرَاعُ: أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً كُلُّ أُصْبُعٍ) مِنْهَا عَرْضُهُ (سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى) بُطُونِ (بَعْضٍ عَرْضُ كُلِّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتِ بِرْذَوْنٍ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: يَقَعُ عَلَى الذَّكَر وَالْأُنْثَى، وَرُبَّمَا قَالُوا فِي الْأُنْثَى بِرْذَوْنَةُ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْبِرْذَوْنُ التُّرْكِيُّ مِنْ الْخَيْلِ وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ، عَكْسُ الْعِرَابِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: الذِّرَاعُ الَّذِي ذُكِرَ قَدْ حُرِّرَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْإِعْصَارِ يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثَّمَنِ وَعَلَى هَذَا فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا قَالَ وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ، قَلَّ مَنْ يُنَبِّهُ عَلَيْهَا ا هـ قَالَ الْأَثْرَمُ: قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فِي كَمْ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ؟ قَالَ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ قِيلَ لَهُ: مَسِيرَةُ يَوْمٍ تَامٍّ؟ قَالَ لَا أَرْبَعَةُ بُرُدٍ سِتَّةَ عَشْرَ فَرْسَخًا مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ وَقَدْ قَدَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ عُسْفَانَ إلَى مَكَّةَ زَمَنَ الطَّائِفِ إلَى مَكَّةَ وَمِنْ جُدَّةَ إلَى مَكَّةَ وَذَلِكَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ خُصُوصًا إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ وَلِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ (فَلَهُ قَصْرُ الرُّبَاعِيَّةِ) مِنْ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ وَعِشَاءٍ جَوَابُ مَنْ ابْتَدَأَ سَفَرًا (خَاصَّةً) أَيْ دُونَ الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْصَرْ الْفَجْرُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ مِنْهَا رَكْعَةٌ بَقِيَ أُخْرَى وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْفَرْضِ، وَلَا الْمَغْرِبِ؛ لِأَنَّهَا وَتْرُ النَّهَارِ فَإِذَا سَقَطَ مِنْهَا رَكْعَةٌ بَطَلَ كَوْنُهَا وَتْرًا وَإِنْ سَقَطَ مِنْهَا رَكْعَتَانِ صَارَ الْبَاقِي رَكْعَةً وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْفَرْضِ (إلَى رَكْعَتَيْنِ إجْمَاعًا) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَكَذَا) لِلْمُسَافِرِ السَّفَرَ الْمُتَقَدِّمَ (الْفِطْرُ) بِرَمَضَانَ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ».
(وَلَوْ قَطَعَهَا) أَيْ الْمَسَافَةَ (فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ)؛ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَافَرَ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ (وَمَتَى صَارَ الْأَسِيرُ بِبَلَدِهِمْ) أَيْ الْكُفَّارِ (أَتَمَّ) الصَّلَاةَ (نَصًّا)؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا (وَامْرَأَةٌ وَعَبْدٌ وَجُنْدِيٌّ: تَبَعٌ لِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ وَأَمِيرٍ) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ (فِي نِيَّتِهِ) أَيْ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ أَوْ الْأَمِيرِ الْمَسَافَةُ وَالْإِقَامَةُ.
(وَ) فِي (سَفَرِهِ) يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ وَالْأَمِيرَ، إنْ كَانُوا بِسَفَرٍ يُبِيحُ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ، أُبِيحَ لِلزَّوْجَةِ وَالْقِنِّ وَالْجُنْدِيِّ الْمُسَافِرِينَ مَعَهُمْ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ لَهُمْ فَلَهُمْ حُكْمُهُمْ.
(وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ لِشَرِيكَيْنِ) أَحَدُهُمَا مُسَافِرٌ وَالْآخَرُ مُقِيمٌ (تَرَجَّحَ إقَامَةُ أَحَدِهِمَا)؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ (وَلَا يُتَرَخَّصُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ بِقَصْرٍ وَلَا فِطْرٍ، وَلَا أَكْلِ مَيْتَةٍ نَصًّا)؛ لِأَنَّهَا رُخَصٌ وَالرُّخَصُ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي (فَإِنْ خَافَ) الْمُسَافِرُ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ (عَلَى نَفْسِهِ إنْ لَمْ يَأْكُلْ) الْمَيْتَةَ (قِيلَ لَهُ: تُبْ وَكُلْ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّوْبَةِ كُلَّ وَقْتٍ وَتَقَدَّمَ مَعْنَى التَّوْبَةِ، وَيَأْتِي أَيْضًا فِي الشَّهَادَاتِ.
(وَلَا) يُتَرَخَّصُ (فِي سَفَرٍ مَكْرُوهٍ) كَالسَّفَرِ لِفِعْلِ مَكْرُوهٍ (وَلِلنَّهْيِ عَنْهُ وَيُتَرَخَّصُ إنْ قَصَدَ مَشْهَدًا أَوْ قَصَدَ مَسْجِدًا وَلَوْ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ أَوْ قَصَدَ قَبْرَ نَبِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ) كَوَلِيٍّ وَحَدِيثُ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ» أَيْ لَا يُطْلَبُ ذَلِكَ فَلَيْسَ نَهْيًا عَنْ شَدِّهَا لِغَيْرِهَا، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي قُبَاءَ رَاكِبًا وَمَاشِيًا، وَيَزُورُ الْقُبُورَ وَقَالَ «زُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ الْآخِرَةَ» (أَوْ) أَيْ وَيَقْصُرُ مَنْ ابْتَدَأَ سَفَرًا وَلَوْ (عَصَى فِي سَفَرِهِ الْجَائِزِ كَأَنْ شَرِبَ فِيهِ مُسْكِرًا وَنَحْوَهُ) كَأَنْ زَنَى فِيهِ أَوْ قَذَفَ أَوْ اغْتَابَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ السَّفَرَ لِذَلِكَ.
(وَيُشْتَرَطُ) لِإِبَاحَةِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ (قَصْدُ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوَّلًا) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ (فَلَا قَصْرَ) وَلَا فِطْرَ (لِهَائِمٍ) وَهُوَ مَنْ خَرَجَ عَلَى وَجْهِهِ، لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ، إنْ سَلَكَ طَرِيقًا مَسْلُوكًا وَإِلَّا فَهُوَ رَاكِبٌ التَّعَاسِيفَ ذَكَرَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (وَ) لَا لِ (تَائِهٍ) ضَالِّ الطَّرِيقِ.
(وَ) لَا لِ (سَائِحٍ) لَا يَقْصِدُ (مَكَانًا مُعَيَّنًا)؛ لِأَنَّ السَّفَرَ إذَنْ لَيْسَ بِمُبَاحٍ (وَالسِّيَاحَةُ لِغَيْرِ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ مَكْرُوهَةٌ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: السِّيَاحَةُ فِي الْبِلَادِ لِغَيْرِ قَصْدٍ شَرْعِيٍّ، كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النُّسَّاكِ: أَمْرٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَيْسَتْ السِّيَاحَةُ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ وَلَا هِيَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ ا هـ.
قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: وَفِي الْحَدِيثِ «لَا سِيَاحَةَ فِي الْإِسْلَامِ» وَمُرَادُهُ: إذَا كَانَتْ السِّيَاحَةُ لَا لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ (وَالسِّيَاحَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ غَيْرُ هَذِهِ) وَهِيَ الصَّوْمُ، أَوْ السِّيَاحَةُ لِطَلَبِ الْعِلْمِ أَوْ الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ سَافَرَ لِيَتَرَخَّصَ، فَقَدْ ذَكَرُوا: أَنَّهُ لَوْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ حَرُمَ (وَيَقْصُرُ) الرُّبَاعِيَّةَ وَيُفْطِرُ بِرَمَضَانَ (مَنْ) أَيْ مُسَافِرٌ (الْمُبَاحِ أَكْثَرُ قَصْدِهِ) بِالسَّفَرِ (كَمَنْ قَصَدَ) بِسَفَرِهِ (مَعْصِيَةً وَمُبَاحًا) وَقَصْدُهُ لِلْمُبَاحِ أَكْثَرُ، كَالتَّاجِرِ الَّذِي يَقْصِدُ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ خَمْرَ الْبَلَدِ الَّذِي يَتَّجِرُ إلَيْهِ (أَوْ) سَافَرَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ وَ(تَابَ فِي أَثْنَائِهِ وَقَدْ بَقِيَ مَسَافَةُ قَصْرٍ) فَيَقْصُرُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا سَفَرٌ مُبَاحٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَعْصِيَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهَا وَ(لَا) يَقْصُرُ (إذَا اسْتَوَيَا) أَيْ الْمُحَرَّمُ وَالْمُبَاحُ، أَيْ تَسَاوَى قَصْدَاهُمَا (أَوْ كَانَ الْحَظْرُ أَكْثَرُ) قَصْدًا فَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ، تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْحَظْرِ.
(وَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ سَفَرِهِ الْمُبَاحِ إلَى) قَصْدِ سَفَرٍ (مُحَرَّمٍ امْتَنَعَ الْقَصْرُ) وَالْفِطْرُ كَمَا لَوْ كَانَ مُحَرَّمًا ابْتِدَاءً.
(وَلَوْ أَقَامَ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ) وَنَوَاهُ (إلَى ثَالِثَةٍ عَمْدًا أَتَمَّ) صَلَاتَهُ أَرْبَعًا، وَصَحَّتْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ وَقَدْ رَجَعَ إلَيْهِ (وَإِنْ سَلَّمَ) مَنْ نَوَى الْقَصْرَ (مِنْ ثَلَاثٍ عَمْدًا بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ كَغَيْرِ الْمُسَافِرِ.
(وَإِنْ أَقَامَ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ وَنَوَاهُ (سَهْوًا، قَطَعَ) أَيْ رَجَعَ مَتَى ذَكَرَ وَتَشَهَّدَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ وَسَجَدَ وَسَلَّمَ (فَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ، أَتَمَّ) كَمَنْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ (وَأَتَى بِمَا بَقِيَ) مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ (سِوَى مَا سَهَا عَنْهُ فَإِنَّهُ يَلْغُو) فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ، لِخُلُوِّهِ عَنْ النِّيَّةِ.
(وَلَوْ كَانَ السَّاهِي إمَامًا بِمُسَافِرٍ تَابَعَهُ) الْمُسَافِرُ الْمَأْمُومُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَطَعَ نِيَّةَ الْقَصْرِ، وَنَوَى الْإِتْمَامَ (إلَّا أَنْ يَعْلَمَ سَهْوَهُ) فَلَا يُتَابِعُهُ؛ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ سَهْوًا لَغْوٌ (فَيُسَبِّحُ بِهِ) الْمَأْمُومُ إنْ كَانَ رَجُلًا وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً صَفَّقَتْ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ رَجَعَ) الْإِمَامُ تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَرْجِعْ (فَارَقَهُ مَأْمُومٌ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُتَابَعَتِهِ) الْإِمَامَ عَامَّةً عَالِمًا سَهْوَهُ، وَحَيْثُ تَقَرَّرَ جَوَازُ الْقَصْرِ بِشَرْطِهِ فَلَا يَقْصُرُ مُسْتَوْطِنٌ بِمَحَلٍّ إلَّا إذَا فَارَقَهُ فَلَا يَقْصُرُ سَاكِنُ الْخِيَامِ أَوْ الْقُرَى إلَّا (إذَا فَارَقَ خِيَامَ قَوْمِهِ أَوْ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ، سَوَاءٌ كَانَتْ دَاخِلَ السُّوَرِ أَوْ خَارِجَهُ) فَيَقْصُرُ إذَا فَارَقَهَا (بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُفَارَقَةِ بِنَوْعٍ مِنْ الْبُعْدِ عُرْفًا)؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَبَاحَ الْقَصْرَ لِمَنْ ضَرَبَ فِي الْأَرْضِ وَقَبْلَ مُفَارَقَتِهِ مَا ذَكَرَ لَا يَكُونُ ضَارِبًا فِيهَا وَلَا مُسَافِرًا وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَحَدُ طَرْفَيْ السَّفَرِ أَشْبَهَ حَالَةَ الِانْتِهَاءِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ يَقْصُرُ إذَا ارْتَحَلَ وَقَالَ تَعَالَى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
(وَلَا) يُعْتَبَرُ مُفَارَقَةُ (الْخَرَابِ) وَإِنْ كَانَتْ حِيطَانُهُ قَائِمَةً (إنْ لَمْ يَلِهِ عَامِرٌ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ إيوَاءٍ.
(فَإِنْ وَلِيَهُ) أَيْ الْخَرَابَ عَامِرٌ (اُعْتُبِرَ مُفَارَقَةُ الْجَمِيعِ) مِنْ الْخَرَابِ وَالْعَامِرِ (كَمَا لَوْ جُعِلَ) الْخَرَابُ (مَزَارِعَ وَبَسَاتِينَ يَسْكُنُهُ أَهْلُهُ وَلَوْ فِي فَصْلِ النَّزْهَةِ) فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَهُ ذَكَرَ مَعْنَاهُ أَبُو الْمَعَالِي وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْعَامِرِ وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ مُتَدَانِيَتَيْنِ، وَاتَّصَلَ بِنَاءُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَهُمَا كَالْوَاحِدَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ، فَلِكُلِّ قَرْيَةٍ حُكْمُ نَفْسِهَا.
(وَلَوْ بَرَزُوا) أَيْ الْمُسَافِرُونَ (لِمَكَانٍ لِقَصْدِ الِاجْتِمَاعِ ثُمَّ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ يُنْشِئُونَ السَّفَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَلَهُمْ الْقَصْرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ مُتَّجَهٌ ا هـ؛ لِأَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا السَّفَرَ وَفَارَقُوا قَرْيَتَهُمْ قُلْت: إنْ لَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً أَوْ تَكُونُ الْعَادَةُ عَدَمَ اجْتِمَاعِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ (خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي) حَيْثُ قَالَ لَا قَصْرَ حَتَّى يُفَارِقُوهُ.
(وَيُعْتَبَرُ فِي سُكَّانِ قُصُورٍ وَبَسَاتِينَ وَنَحْوِهِمْ) كَأَهْلِ الْعِزَبِ مِنْ الْقَصَبِ وَنَحْوِهِ (مُفَارَقَةُ مَا نُسِبُوا إلَيْهِ) بِمَا يُعَدُّ مُفَارَقَةً (عُرْفًا) لِيَصِيرُوا مُسَافِرِينَ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يُعْتَبَرُ لِإِبَاحَةِ الْقَصْرِ (أَنْ لَا يَرْجِعَ) مَنْ فَارَقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ (إلَى وَطَنِهِ) قَرِيبًا (وَ) أَنْ (لَا يَنْوِيَهُ قَرِيبًا) أَيْ فِيمَا دُونَ الْمَسَافَةِ (فَإِنْ رَجَعَ) أَوْ نَوَى الرُّجُوعَ (لَمْ يَتَرَخَّصْ حَتَّى يُفَارِقَهُ ثَانِيًا) أَوْ تَنْثَنِيَ نِيَّتُهُ وَيَسِيرَ فَيَقْصُرَ لِانْعِقَادِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ حِينَئِذٍ.
(وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ) عِنْدَ مُفَارَقَتِهِ كَمَا سَبَقَ مُسَافِرًا (لَكِنْ بَدَا لَهُ) الرُّجُوعُ (لِحَاجَةٍ) بَدَتْ لَهُ (لَمْ يَتَرَخَّصْ) بِقَصْرٍ وَلَا فِطْرٍ (فِي رُجُوعِهِ بَعْدَ نِيَّةِ عَوْدِهِ، حَتَّى يُفَارِقَهُ أَيْضًا) أَوْ تَنْثَنِيَ نِيَّتُهُ فِي نَحْوِ يَسِيرٍ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ رُجُوعُهُ) إلَى وَطَنِهِ (سَفَرًا طَوِيلًا) أَيْ يَبْلُغُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَيُتَرَخَّصُ فِي عَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ (وَالْمُعْتَبَرُ) لِجَوَازِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ (نِيَّةُ) الْمُسَافِرِ سَفَرَ (الْمَسَافَةِ، لَا وُجُودُ حَقِيقَتِهَا فَمَنْ نَوَى ذَلِكَ) أَيْ السَّفَرَ الَّذِي يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ (قَصَرَ) لِوُجُودِ نِيَّةِ الْمَسَافَةِ الْمُعْتَبَرَةِ.
(وَلَوْ رَجَعَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمَسَافَةِ) وَقَدْ قَصَرَ (لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَةُ مَا قَصَرَ نَصًّا) مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُسَافِرْ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا وَلِذَلِكَ عَدَلَ فِي التَّنْقِيحِ عَنْ قَوْلِ الْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ: مَنْ سَافَرَ إلَى قَوْلِهِ: مَنْ نَوَى سَفَرًا وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ: أَنَّهُ لَا تَكْتَفِي النِّيَّةُ حَتَّى يَشْرَعَ وَإِنَّ قَوْلَهُ: إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ إلَى آخِرِهِ: لَا يَكْتَفِي فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْوِي وَيُفَارِقُهَا فِي طَلَبِ حَاجَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ إذَا فَارَقَهَا مُسَافِرًا وَعَبَّرَ فِي الْفُرُوعِ كَمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ ابْتِدَاءٍ لَكِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ: نَاوِيًا وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ صَنِيعِ الْمُصَنِّفِ.
(وَإِنْ رَجَعَ) لِيَعُودَ إلَى وَطَنِهِ مُقِيمًا أَوْ لِحَاجَةٍ بَدَتْ لَهُ (ثُمَّ بَدَا لَهُ الْعَوْدُ إلَى السَّفَرِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَ مَكَانَهُ) الَّذِي بَدَتْ لَهُ فِيهِ نِيَّةُ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ إقَامَةٍ حُكْمًا فَاعْتُبِرَتْ مُفَارَقَتُهُ لِمَحَلِّ وَطَنِهِ (فَإِنْ شَكَّ فِي) أَنَّ سَيْرَهُ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي قَصَدَهُ يَبْلُغُ (قَدْرَ الْمَسَافَةِ) بِأَنْ جَهِلَ كَوْنَهُ مَسَافَةَ قَصْرٍ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَعْلَمَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُبِيحُ لِلْقَصْرِ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ سَفَرِهِ كَمَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ آبِقٍ أَوْ ضَالَّةٍ نَاوِيًا أَنْ يَعُودَ بِهِ أَيْنَ وَجَدَهُ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُجَاوِزَ الْمَسَافَةَ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِهِ الْمُبِيحِ لِلْقَصْرِ.
وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فِي أَوَّلِ الْقَصْرِ: مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ ضَالَّةٍ أَوْ آبِقٍ حَتَّى جَاوَزَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا، لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ لِعَدَمِ نِيَّتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ انْتَهَى.
وَفِي الشَّرْحِ: وَلَوْ خَرَجَ طَالِبًا لِعَبْدٍ آبِقٍ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ؟ أَوْ مُنْتَجِعًا عُشْبًا، أَوْ كَلَأً، مَتَى وَجَدَهُ أَقَامَ، أَوْ سُلَيْكًا فِي الْأَرْضِ لَا يَقْصِدُ مَكَانًا لَمْ يُبَحْ لَهُ الْقَصْرُ وَإِنْ سَارَ أَيَّامًا وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ إذَا بَلَغَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَصَدَ بَلَدًا بَعِيدًا وَفِي عَزْمِهِ أَنَّهُ مَتَى طَلَبَهُ دُونَهُ رَجَعَ أَوْ أَقَامَ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْقَصْرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِسَفَرٍ طَوِيلٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَرْجِعُ وَلَا يُقِيمُ بِوُجُودِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ.
(وَيَقْصُرُ مَنْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ) وَنَوَى سَفَرًا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ (وَإِنْ لَمْ تَلْزَمْهُ الصَّلَاةُ) حَالَ شُرُوعِهِ فِي السَّفَرِ (كَحَائِضٍ وَكَافِرٍ وَمَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى (تَطْهُرُ) الْحَائِضُ (وَيُسْلِمُ) الْكَافِرُ.
(وَيُفِيقُ) الْمَجْنُونُ (وَيَبْلُغُ) الصَّبِيُّ (وَلَوْ بَقِيَ) بَعْدَ الطُّهْرِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِفَاقَةِ وَالْبُلُوغِ (دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ)؛ لِأَنَّ عَدَمَ التَّكْلِيفِ لَيْسَ بِمَانِعٍ مِنْ الْقَصْرِ فِي أَوَّلِ السَّفَرِ بِخِلَافِ مَنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ عَاصِيًا بِهِ، ثُمَّ تَابَ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْصُرُ إذَا تَابَ إلَّا إذَا بَقِيَ سَفَرُهُ مَسَافَةَ قَصْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْقَصْرِ فِي ابْتِدَائِهِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الْقَصْرِ بَعْدَ وُجُودِ مَا سَبَقَ اعْتِبَارُهُ إحْدَى وَعِشْرُونَ صُورَةً يَجِبُ فِيهَا الْإِتْمَامُ الْأُولَى مِنْهَا، أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (وَلَوْ مَرَّ) الْمُسَافِرُ (بِوَطَنِهِ) أَتَمَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِوَطَنِهِ حَاجَةٌ سِوَى الْمُرُورِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ طَرِيقُهُ إلَى مَا يَقْصِدُهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُقِيمِ بِهِ إذْ ذَاكَ.
الثَّانِيَةُ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ) مَرَّ (بِبَلَدٍ لَهُ فِيهِ امْرَأَةٌ) أَتَمَّ وَلَوْ لَمْ يُفَارِقْ وَطَنَهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ لِمَا تَقَدَّمَ.
الثَّالِثَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: (أَوْ) مَرَّ بِبَلَدٍ (تَزَوَّجَ فِيهِ أَتَمَّ) أَتَمَّ حَتَّى يُفَارِقَ الْبَلَدَ الَّذِي تَزَوَّجَ فِيهِ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «مَنْ تَأَهَّلَ فِي بَلَدٍ فَلْيُصَلِّ صَلَاةَ الْمُقِيمِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ بِهِ أَقَارِبُ كَأُمٍّ وَأَبٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يُمْنَعْ عَلَيْهِ الْقَصْرُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِمَّا سَبَقَ.
(وَأَهْلُ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ) وَهُمْ مَنْ دُونِ الْمَسَافَةِ مَنْ مَكَّةَ (إذَا ذَهَبُوا إلَى عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى فَلَيْسَ لَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ) لِلسَّفَرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ لِعَدَمِ الْمَسَافَةِ (فَهُمْ فِي) اعْتِبَارِ (الْمَسَافَةِ كَغَيْرِهِمْ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَمَثَلُهُمْ مَنْ يَنْوِي الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ فَوْقَ عِشْرِينَ صَلَاةً كَأَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ فَلَيْسَ لَهُمْ قَصْرٌ وَلَا جَمْعٌ بِمَكَّةَ وَلَا مِنًى وَلَا عَرَفَةَ وَلَا مُزْدَلِفَةَ لِانْقِطَاعِ سَفَرِهِمْ بِدُخُولِ مَكَّةَ إذْ الْحَجُّ قَصْدُ مَكَّةَ لِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ كَمَا يَأْتِي.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ فِي نِيَّتِهِ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ إذَا رَجَعَ لَمْ يَقْصُرْ بِعَرَفَةَ (لَكِنْ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِيمَنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ فَلَا يُقِيمُ بِهَا) أَيْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (فَهَذَا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بِعَرَفَةَ) أَيْ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى (؛ لِأَنَّهُ حِينَ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ أَنْشَأَ السَّفَرَ إلَى بَلَدِهِ) بِخُرُوجِهِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي كَانَ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ (وَالْقَصْرُ رُخْصَةً)؛ لِأَنَّ سَلْمَانَ بَيَّنَ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ بِمَحْضَرِ اثْنَيْ عَشَرَ صَحَابِيًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ».
(وَهُوَ) أَيْ الْقَصْرُ (أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ نَصًّا)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاوَمَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ.
(وَإِنْ أَتَمَّ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ الرُّبَاعِيَّةَ (جَازَ وَلَمْ يُكْرَهْ) لَهُ الْإِتْمَامُ لِحَدِيثِ يَعْلَى قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ «أَتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَرَ» قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ.
الرَّابِعَةُ مِنْ الصُّوَرِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا الْإِتْمَامُ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَإِنْ أَحْرَمَ مُقِيمًا فِي حَضَرٍ) ثُمَّ سَافَرَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ.
الْخَامِسَةُ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ (أَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَضَرِ (ثُمَّ سَافَرَ) لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ تَامَّةً بِدُخُولِ وَقْتِهَا وَهَذِهِ مُغْنِيَةٌ عَنْ الَّتِي قَبْلَهَا.
السَّادِسَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ أَحْرَمَ بِهَا) أَيْ الرُّبَاعِيَّةِ (فِي سَفَرٍ) مُبِيحٍ لِلْقَصْرِ (ثُمَّ أَقَامَ كَرَاكِبِ سَفِينَةٍ) أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ مَقْصُورَةً فِيهَا ثُمَّ وَصَلَتْ إلَى وَطَنِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا حُكْمُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَغَلَبَ حُكْمُ الْحَضَرِ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ.
السَّابِعَةُ وَالثَّامِنَةُ بَيَّنَهُمَا بِقَوْلِهِ (أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ فِي سَفَرٍ أَوْ عَكْسِهِ) أَيْ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي حَضَرٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَغَلَبَ.
التَّاسِعَةُ وَالْعَاشِرَةُ أَشَارَ إلَيْهِمَا بِقَوْلِهِ (أَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَوْ بِمَنْ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ) كَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ حَضَرًا ثُمَّ سَافَرَ وَنَحْوُهُ لِحَدِيثِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ» وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تِلْكَ السُّنَّةُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَرْدُودَةٌ مِنْ أَرْبَعٍ، فَلَا يُصَلِّيهَا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْأَرْبَعَ كَالْجُمُعَةِ وَسَوَاءٌ ائْتَمَّ بِهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْضِهَا، اعْتَقَدَهُ مُسَافِرًا أَوْ لَا وَمِنْ ذَلِكَ: لَوْ أَحْرَمَ مُسَافِرٌ خَلْفَ مُسَافِرٍ، ثُمَّ طَرَأَ لِلْإِمَامِ عُذْرٌ فَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ دُونَ إمَامِهِ الَّذِي اسْتَخْلَفَ الْمُقِيمَ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ) ائْتَمَّ (بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مُسَافِرًا (أَوْ) ائْتَمَّ (بِمَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُقِيمٌ، وَلَوْ بَانَ) الْإِمَامُ بَعْدُ (مُسَافِرًا) لَزِمَ الْمَأْمُومُ أَنْ يُتِمَّ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا عِنْدَ الْإِحْرَامِ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ الْمُبَيَّنَةُ بِقَوْلِهِ (أَوْ) أَحْرَمَ (بِصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا فَفَسَدَتْ، وَأَعَادَهَا كَمَنْ يَقْتَدِي بِمُقِيمٍ فَيُحْدِثُ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَزِمَهُ إعَادَتُهَا تَامَّةً؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً تَامَّةً فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُعَادَ مَقْصُورَةً.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ عِنْدَ دُخُولِهِ الصَّلَاةَ) أَيْ إحْرَامَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ نَوَى الصَّلَاةَ وَأَطْلَقَ فَإِنَّ نِيَّتَهُ تَنْصَرِفُ إلَى الِانْفِرَادِ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ (أَوْ شَكَّ فِي الصَّلَاةِ: هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا؟ وَلَوْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ (أَنَّهُ كَانَ نَوَاهُ) لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِوُجُودِ مَا أَوْجَبَ الْإِتْمَامَ فِي بَعْضِهَا فَغَلَبَ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ تَعَمَّدَ تَرْكَ صَلَاةٍ أَوْ بَعْضِهَا فِي سَفَرٍ) بِأَنْ أَخَرَّهَا بِلَا عُذْرٍ (حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا) عَنْهَا أَوْ عَنْ بَعْضِهَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، قِيَاسًا عَلَى السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقِيلَ: يَقْصُرُ، وِفَاقًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِعَدَمِ تَحْرِيمِ السَّبَبِ، أَيْ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْقَصْرِ مُبَاحٌ وَالْمَعْصِيَةُ فِيهِ لَا تَمْنَعُ الْقَصْرَ كَمَا تَقَدَّمَ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ عَزَمَ) الْمُسَافِرُ (فِي صَلَاتِهِ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ 000 بِهِ الْإِتْمَامُ مِنْ الْإِقَامَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ) بِأَنْ قَلَبَ السَّفَرَ لِلْمَعْصِيَةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ، تَغْلِيبًا لَهُ لِكَوْنِهِ الْأَصْلُ وَكَذَا لَوْ نَوَى الرُّجُوعَ وَمُدَّةُ رُجُوعِهِ لَا يُبَاحُ فِيهَا الْقَصْرُ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى: أَوْ عَزَمَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَنَحْوِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَوْلَى لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي السَّفَرِ لَا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ بِخِلَافِ الْمَعْصِيَةِ بِهِ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (أَوْ تَابَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ (فِيهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ) وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّةُ قَصْرِهَا إذَنْ وَلَا تَبْطُلُ إنْ كَانَ نَوَى الْقَصْرَ فِي ابْتِدَائِهَا جَاهِلًا تَحْرِيمَ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ عِنْدَ إحْرَامِهَا، أَمَّا إنْ نَوَاهُ عَالِمًا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي ضِمْنِ حُكْمٍ عَامٍّ بِقَوْلِهِ.
(وَإِنْ نَوَى مُسَافِرٌ الْقَصْرَ حَيْثُ يُحْرِمُ عَالِمًا) بِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ (كَمَنْ نَوَاهُ) أَيْ الْقَصْرَ (خَلْفَ مُقِيمٍ عَالِمًا) بِأَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ، فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ إذَنْ لَمْ تَنْعَقِدْ (أَوْ قَصَرَ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَ الْقَصْرِ) وَلَوْ أَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي اعْتِقَادِهِ (وَلَمْ تَنْعَقِدْ) نِيَّتُهُ فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ (كَنِيَّةِ مُقِيمٍ الْقَصْرَ) فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ.
(وَ) كـ (نِيَّةِ مُسَافِرٍ الظُّهْرَ خَلْفَ إمَامِ الْجُمُعَةِ) فَلَا تَصِحُّ (نَصًّا) لِلِاخْتِلَافِ عَلَى الْإِمَامِ (وَلَوْ ائْتَمَّ مَنْ لَهُ الْقَصْرُ) وَنَوَاهُ (جَاهِلًا حَدَثَ نَفْسِهِ بِمُقِيمٍ، ثُمَّ عَلِمَ حَدَثَ نَفْسِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ) فِي الْمُعَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَنْعَقِدْ، بِخِلَافِهِمَا لَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ ثُمَّ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا تَقَدَّمَ.