فصل: (فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ):

وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاةَ} الْآيَةَ وَمَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ ثَبَتَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ، لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ وَتَخْصِيصُهُ بِالْخِطَابِ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْحُكْمِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وَبِالسُّنَّةِ فَقَدْ ثَبَتَ وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّاهَا وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى فِعْلِهَا وَصَلَّاهَا عَلِيٌّ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ فَإِنْ قِيلَ: لَمْ يُصَلِّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أُجِيبَ: بِأَنَّهُ: كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَنَسِيَهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ قِتَالٌ يَمْنَعُهُ مِنْهَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَأَلَهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالُوا مَا صَلَّيْنَا».
(وَتَأْثِيرُهُ) أَيْ الْخَوْفِ (فِي تَغْيِيرِ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَصِفَاتِهَا، لَا فِي تَغْيِيرِ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا) أَيْ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ فَلَا يُغَيِّرُهُ الْخَوْفُ، بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فِي مَنْعِ الْوَجْهِ السَّادِسِ الْآتِي وَأَمَّا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْإِمَامِ فَيُؤَثِّرُ أَيْضًا فِي عَدَدِهَا كَمَا فِي الْوَجْهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ.
(وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ (أَنْ يَكُونَ الْقِتَالُ مُبَاحًا، كَقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَالْمُحَارِبِينَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} وَقِيسَ عَلَيْهِمْ بَاقِي مَنْ يَجُوزُ قِتَالُهُ بِخِلَافِ الْقِتَالِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ فَلَا تُبَاحُ بِمَعْصِيَةٍ.
(قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ) بْنُ حَنْبَلٍ (صَحَّتْ) صَلَاةُ الْخَوْفِ (عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَوْ سِتَّةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٍ؟ كُلُّهَا جَائِزَةٌ).
قَالَ الْأَثْرَمُ قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا، أَوْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا قَالَ أَنَا أَقُولُ: كُلُّ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهَا كُلِّهَا فَحَسَنٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ فَأَنَا أَخْتَارُهُ ا هـ وَسَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَى عِلَّةِ اخْتِيَارِهِ لَهُ (فَمِنْ ذَلِكَ) الَّذِي صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَخِيفَ هُجُومُهُ صَلَّى بِهِمْ) إمَامٌ (صَلَاةَ) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي (عُسْفَانَ) بَلَدٌ يَبْعُدُ عَنْ مَكَّةَ بِنَحْوِ مَرْحَلَتَيْنِ (فَيَصُفُّهُمْ) الْإِمَامُ (خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَأَكْثَرَ، حَضَرًا كَانَ) الْخَوْفُ (أَوْ سَفَرًا وَصَلَّى بِهِمْ جَمِيعًا) مِنْ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ (إلَى أَنْ يَسْجُدَ فَيَسْجُدَ مَعَ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ وَيَحْرُسَ) الصَّفُّ (الْآخَرُ، حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدَ) الْمُتَخَلِّفُ (وَيَلْحَقَهُ، ثُمَّ الْأَوْلَى تَأَخُّرُ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَتَقَدُّمُ) الصَّفِّ (الْمُؤَخَّرِ) لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي فِي فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ.
وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ مُوَاجَهَةً لِلْعَدُوِّ (فَإِذَا سَجَدَ) الْإِمَامُ (فِي الثَّانِيَةِ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ، وَهُوَ الَّذِي حَرَسَ أَوَّلًا) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَحَرَسَ) الصَّفُّ (الْآخَرُ) الَّذِي سَجَدَ مَعَهُ فِي الْأُولَى (حَتَّى يَجْلِسَ) الْإِمَامُ (لِلتَّشَهُّدِ فَيَسْجُدَ) الْحَارِسُ.
(وَيَلْحَقَهُ فَيَتَشَهَّدَ وَيُسَلِّمَ بِهِمْ) جَمِيعًا هَذِهِ الصِّفَةُ رَوَاهَا جَابِرٌ قَالَ «شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ، فَصَفَّنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ وَالْعَدُوُّ خَلْفَهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَكَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَسَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَاهُ جَمِيعًا» رَوَاه مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ.
وَرَوَى هَذِهِ الصِّفَةَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ «فَصَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِعُسْفَانَ وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ» (وَيُشْتَرَطُ فِيهَا) أَيْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (أَنْ لَا يَخَافُوا كَمِينًا) يَأْتِي مِنْ خَلْفِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْكَمِينُ، كَأَمِيرِ: الْقَوْمُ يَكْمُنُونَ فِي الْحَرْبِ (وَ) أَنْ (لَا يَخْفَى بَعْضُهُمْ) أَيْ الْكُفَّارُ (عَنْ الْمُسْلِمِينَ) فَإِنْ خَافُوا كَمِينًا أَوْ خَفِيَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ صَلَّى عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ كَمَا لَوْ كَانُوا فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ.
(وَإِنْ حَرَسَ كُلُّ صَفٍّ مَكَانَهُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ) فَلَا بَأْسَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ لَكِنْ مَا تَقَدَّمَ أَوْلَى، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ جَعَلَهُمْ صَفًّا وَاحِدًا أَوْ حَرَسَ بَعْضُهُ وَسَجَدَ الْبَاقُونَ) ثُمَّ فِي الثَّانِيَةِ حَرَسَ السَّاجِدُونَ أَوَّلًا وَسَجَدَ الْآخَرُونَ فَلَا بَأْسَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (أَوْ حَرَسَ الْأَوَّلُ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى وَ) حَرَسَ (الثَّانِي فِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ فَلَا بَأْسَ)، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْرُسَ صَفٌّ وَاحِدٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) لِأَنَّهُ ظُلْمٌ لَهُ بِتَأْخِيرِهِ عَنْ السُّجُودِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، وَعُدُولٌ عَنْ الْعَدْلِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ.
الْوَجْهُ (الثَّانِي: إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِي جِهَتِهَا وَلَمْ يَرَوْهُمْ أَوْ رَأَوْهُمْ) وَخَافُوا كَمِينًا أَوْ خَفِيَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ رَأَوْهُمْ وَلَمْ يَخَافُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
(وَ) لَكِنْ (أَحَبُّوا فِعْلَهَا كَذَلِكَ صَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ) النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَزْوَةِ (ذَاتِ الرِّقَاعِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ شَدُّوا الْخِرَقَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ لِفَقْدِ النِّعَالِ وَقِيلَ: هُوَ اسْمُ جَبَلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَدِينَةِ فِيهِ حُمْرَةٌ وَسَوَادٌ وَبَيَاضٌ كَأَنَّهَا خِرَقٌ وَقِيلَ: هِيَ غَزْوَةُ غَطَفَانَ وَقِيلَ: كَانَتْ نَحْوَ نَجْدٍ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (فَيَقْسِمُهُمْ) الْإِمَامُ (طَائِفَتَيْنِ، تَكْفِي كُلُّ طَائِفَةٍ الْعَدُوَّ) زَادَ أَبُو الْمَعَالِي: بِحَيْثُ يَحْرُمُ فِرَارُهَا، مَتَى خُشِيَ اخْتِلَالُ حَالِهِمْ وَاحْتِيجَ إلَى مَعُونَتِهِمْ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْهَضَ إلَيْهِمْ بِمَنْ مَعَهُ وَيَبْنُوا عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمْ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّائِفَةِ عَدَدٌ) مَخْصُوصٌ، بَلْ كِفَايَةُ الْعَدُوِّ، لِأَنَّ الْغَرَضَ الْحِرَاسَةُ مِنْهُ وَيَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ (فَإِنْ فَرَّطَ) الْإِمَامُ (فِي ذَلِكَ) بِأَنْ كَانَتْ الطَّائِفَةُ لَا تَكْفِي الْعَدُوَّ (أَوْ) فَرَّطَ فِي (مَا فِيهِ حِفْظٌ لَنَا أَثِمَ وَيَكُونُ صَغِيرَةً لَا يَقْدَحُ فِي) صِحَّةِ (الصَّلَاةِ إنْ قَارَنَهَا) لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَخْتَصُّ شَرْطَ الصَّلَاةِ (وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَسَقَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ كَالْمُودِعِ وَالْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ، إذَا فَرَّطَ فِي الْحِفْظِ).
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قُلْت: إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فَسَقَ وَإِلَّا فَلَا ا هـ وَقَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: الْمَذْهَبُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ، بَلْ إلَى الْمُخَاطَرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، كَتَرْكِ حَمْلِ السِّلَاحِ مَعَ حَاجَةٍ قُلْت: وَفِي الْفِسْقِ مَعَ التَّعَمُّدِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ الصَّغِيرَةُ لَا يَفْسُقُ بِتَعَمُّدِهَا، بَلْ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا (طَائِفَةٌ) تَذْهَبُ (تَحْرُسُ) الْعَدُوَّ.
وَلَا تُحْرِمُ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لِمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (وَطَائِفَةٌ) تُحْرِمُ مَعَهُ (يُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً تَنْوِي مُفَارَقَتَهُ إذَا اسْتَتَمَّ قَائِمًا، وَلَا يَجُوزُ) أَنْ تُفَارِقَهُ (قَبْلَهُ) بِلَا عُذْرٍ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهَا بِذَلِكَ، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَتَنْوِي الْمُفَارَقَةَ وُجُوبًا لِأَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمُتَابَعَةَ) لِإِمَامِهِ (وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ عَلَى إمَامِهِ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ.
(وَأَتَمَّتْ) صَلَاتَهَا (لِأَنْفُسِهَا) بِرَكْعَةٍ (أُخْرَى بِ) سُورَةِ (الْحَمْدُ) لِلَّهِ (وَسُورَةٍ) أُخْرَى (ثُمَّ تَشَهَّدَتْ وَسَلَّمَتْ) لِنَفْسِهَا (وَمَضَتْ تَحْرُسُ) مَكَانَ الْأُولَى (وَتَسْجُدُ لِسَهْوِ إمَامِهَا قَبْلَ الْمُفَارَقَةِ بَعْدَ فَرَاغِهَا) مِنْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ نَقْصَ صَلَاتِهِ نَقْصٌ فِي صَلَاتِهَا.
(وَهِيَ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ) لَهُ (مُنْفَرِدَةٌ فَقَدْ فَارَقَتْهُ حِسًّا وَحُكْمًا) لِنِيَّتِهَا الْمُفَارَقَةَ، فَلَا تَسْجُدُ لِسَهْوِهِ بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ (وَثَبَتَ) الْإِمَامُ (قَائِمًا يُطِيلُ قِرَاءَتَهُ حَتَّى تَحْضُرَ) الطَّائِفَةُ (الْأُخْرَى) الَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُ (فَـ) تُحْرِمُ ثُمَّ (تُصَلِّي مَعَهُ) الرَّكْعَةَ (الثَّانِيَةَ، يَقْرَأُ) الْإِمَامُ (إذَا جَاءُوا بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ قَرَأَ) قَبْلَ مَجِيئِهَا (فَإِنْ كَانَ قَرَأَ) قَبْلَهُ (قَرَأَ بَعْدَهُ بِقَدْرِهِمَا وَلَا يُؤَخِّرُ الْقِرَاءَةَ إلَى مَجِيئِهَا اسْتِحْبَابًا).
فَلَا تَبْطُلُ إنْ لَمْ يَقْرَأْ (وَيَكْفِي إدْرَاكُهَا لِرُكُوعِهَا) أَيْ الثَّانِيَةِ كَالْمَسْبُوقِ.
(وَيَكُونُ الْإِمَامُ تَرَكَ الْمُسْتَحَبَّ) وَهُوَ الْقِرَاءَةُ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ (وَفِي الْفُصُولِ: فَعَلَ مَكْرُوهًا يَعْنِي حَيْثُ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا بَعْدَ دُخُولِهَا مَعَهُ، إنَّمَا أَدْرَكَتْهُ رَاكِعًا فَإِذَا جَلَسَ) الْإِمَامُ (لِلتَّشَهُّدِ أَتَمَّتْ لِأَنْفُسِهَا) رَكْعَةً (أُخْرَى وَتُفَارِقُهُ حِسًّا لَا حُكْمًا) فَلَا تَنْوِي مُفَارَقَتَهُ، (تَسْجُدُ مَعَهُ لِسَهْوِهِ) فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَ(لَا) تَسْجُدُ (لِسَهْوِهِمْ) لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهُ لِأَنَّهَا لَمْ تُفَارِقْهُ مِنْ دُخُولِهَا مَعَهُ إلَى سَلَامِهِ بِهَا.
(وَيُكَرِّرُ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ) أَوْ يُطِيلُ الدُّعَاءَ فِيهِ، كَمَا فِي الْمُبْدِعِ (فَإِذَا تَشَهَّدَتْ سَلَّمَ بِهِمْ، لِأَنَّهَا مُؤْتَمَّةٌ بِهِ حُكْمًا) فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي تَقْضِيهَا وَفِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى حِسًّا فَلَا يُسَلِّمُ قَبْلَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَك} فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُمْ كُلَّهَا مَعَهُ، وَتَحْصُلُ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ، وَالثَّانِيَةَ فَضِيلَةَ السَّلَامِ.
وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عَمَّنْ «صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى، فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ» وَصَحَّ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ فَأَنَا أَخْتَارُهُ وَوَجْهُهُ: كَوْنُهُ إنْكَاءً لِلْعَدُوِّ وَأَقَلَّ فِي الْأَفْعَالِ وَأَشْبَهَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَحْوَطَ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا صَلَّى بِ) الطَّائِفَةِ (الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ)، وَبِالطَّائِفَةِ (الثَّانِيَةِ رَكْعَةً) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّفْضِيلِ فَالْأُولَى أَحَقُّ بِهِ وَمَا فَاتَ الثَّانِيَةَ يَنْجَبِرُ بِإِدْرَاكِهَا السَّلَامَ مَعَ الْإِمَامِ.
(وَلَا تَتَشَهَّدُ) الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ (مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (عَقِبَهَا) أَيْ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِتَشَهُّدِهَا بِخِلَافِ الرُّبَاعِيَّةِ (وَيَصِحُّ عَكْسُهَا) بِأَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَةً، وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ (نَصًّا) وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لِأَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ الثَّانِيَةَ فِي الرَّكَعَاتِ، لِيَحْصُلَ الْجَبْرُ بِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُصَلِّي جَمِيعَ صَلَاتِهَا فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ وَالْأُولَى تَفْعَلُ مَا بَقِيَ مُنْفَرِدَةً.
(وَإِنْ كَانَتْ) الصَّلَاةُ (رُبَاعِيَّةً غَيْرَ مَقْصُورَةٍ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ) لِيَحْصُلَ الْعَدْلُ بَيْنَهُمْ.
(وَلَوْ صَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً وَبِأُخْرَى ثَلَاثًا صَحَّ، وَتُفَارِقُهُ) الطَّائِفَةُ (الْأُولَى فِي الْمَغْرِبِ وَالرُّبَاعِيَّةِ عِنْدَ فَرَاغِ التَّشَهُّدِ) الْأَوَّلِ.
(وَيَنْتَظِرُ الْإِمَامُ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ جَالِسًا يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ) الْأَوَّلَ إلَى أَنْ تَحْضُرَ (فَإِذَا أَتَتْ قَامَ) لِتُدْرِكَ مَعَهُ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ أَخَفُّ عَلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ مَتَى انْتَظَرَهُمْ قَائِمًا احْتَاجَ إلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الثَّالِثَةِ، وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: تُحْرِمُ مَعَهُ ثُمَّ يَنْهَضُ بِهِمْ الْوَجْهُ الثَّانِي: يُفَارِقُونَهُ حِينَ يَقُومُ إلَى الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّطْوِيلِ مِنْ أَجْلِ الِانْتِظَارِ، وَالتَّشَهُّدُ يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ وَلِأَنَّ ثَوَابَ الْقَائِمِ أَكْثَرُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ (فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ تَشَهَّدَتْ مَعَهُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ كَالْمَسْبُوقِ، ثُمَّ قَامَتْ وَهُوَ جَالِسٌ، فَاسْتَفْتَحْت) وَتَعَوَّذَتْ (وَأَتَمَّتْ صَلَاتَهَا فَإِذَا تَشَهَّدَتْ سَلَّمَ بِهِمْ).
وَلَا يُسَلِّمُ قَبْلَهُمْ لِمَا تَقَدَّمَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَ بِهِمْ الصَّلَاةَ لِأَنَّ مَوْضُوعَ صَلَاةِ الْخَوْفِ عَلَى التَّخْفِيفِ وَكَذَلِكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي تُفَارِقُهُ تُخَفِّفُ الصَّلَاةَ.
(وَتُتِمُّ الْأُولَى) صَلَاتَهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ (بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) وَحْدَهَا (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) لِأَنَّهَا آخِرُ صَلَاتِهَا (وَالْأُخْرَى تُتِمُّ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُورَةٍ) لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلَاتِهَا.
(وَإِنْ فَرَّقَهُمْ) الْإِمَامُ (أَرْبَعًا) أَيْ أَرْبَعَ طَوَائِفَ (فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً) أَوْ فَرَقَّهُمْ ثَلَاثَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَالْبَاقِيَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً، أَوْ صَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً فِي الْمَغْرِبِ (صَحَّتْ صَلَاةُ الْأُولَيَيْنِ) لِأَنَّهُمَا ائْتَمَّتَا بِمَنْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَلِمُفَارِقَتِهِمْ قَبْلَ الِانْتِظَارِ الثَّالِثِ، وَهُوَ الْمُبْطِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ (وَبَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ) لِأَنَّهُ زَادَ انْتِظَارًا ثَالِثًا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، فَوَجَبَ بُطْلَانُهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا التَّفْرِيقُ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُمْ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ (وَ) بَطَلَتْ صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ (الْأُخْرَيَيْنِ إنْ عَلِمَتَا بُطْلَانَ صَلَاتِهِ) لِأَنَّهُمَا ائْتَمَّتَا بِمَنْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً مِنْ أَوَّلِهَا (فَإِنْ جَهِلَتَاهُ) أَيْ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ.
(وَ) جَهِلَهُ (الْإِمَامُ صَحَّتْ) صَلَاتُهُمْ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى (كَحَدَثِهِ) أَيْ كَمَا لَوْ جَهِلَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ حَدَثَ الْإِمَامِ حَتَّى انْقَضَتْ الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا تَصِحُّ لِلْمَأْمُومِ فَقَطْ وَتَقَدَّمَ وَعُلِمَ مِنْهُ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَإِنْ جَهِلَا.
(وَ) الْوَجْهُ الثَّالِثُ: (أَنْ يُصَلِّيَ) الْإِمَامُ (بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً، ثُمَّ بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً ثُمَّ تَمْضِيَ) إلَى الْعَدُوِّ لِلْحِرَاسَةِ (ثُمَّ) بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، (ثُمَّ تَمْضِيَ) لِحِرَاسَةِ الْعَدُوِّ (وَيُسَلِّمَ وَحْدَهُ ثُمَّ تَأْتِي الْأُولَى فَتُتَمِّمَ صَلَاتَهَا بِقِرَاءَةِ) سُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ تَأْتِي الْأُخْرَى، فَتُتَمِّمَ صَلَاتهَا بِقِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوَّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ مُخْتَارَةً) لِمَا فِيهَا مِنْ كَثْرَةِ الْعَمَلِ (وَلَوْ قَضَتْ الثَّانِيَةُ رَكْعَتَهَا وَقْتَ مُفَارَقَةِ إمَامِهَا وَسَلَّمَتْ وَمَضَتْ) لِلْحِرَاسَةِ (وَأَتَتْ الْأُولَى فَأَتَمَّتْ) صَلَاتَهَا (صَحَّ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ وَجْهَيْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ) بِالنِّسْبَةِ لِلْوَجْهِ الْأَوَّلِ مِنْ وَجْهَيْ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ اخْتِيَارِ الْإِمَامِ لِلْوَجْهِ الثَّانِي وَقَالَ أَنَا أَذْهَبُ إلَيْهِ.
الْوَجْهُ (الرَّابِعُ: أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ صَلَاةً) كَامِلَةً (وَيُسَلِّمُ بِهَا) أَيْ بِكُلِّ طَائِفَةٍ وَالْمَنْصُوصُ جَوَازُهُ وَإِنْ مَنَعْنَا اقْتِدَاءَ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَهَذَا الْوَجْهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَنَّ صِفَتَهُ حَسَنَةٌ قَلِيلَةُ الْكُلْفَةِ، لَا تَحْتَاجُ إلَى مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ وَلَا إلَى تَعْرِيفِ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ مُتَنَفِّلٌ يَؤُمُّ مُفْتَرِضِينَ.
الْوَجْهُ (الْخَامِسُ: أَنْ يُصَلِّيَ) الْإِمَامُ (الرُّبَاعِيَّةَ الْمَقْصُورَةَ تَامَّةً وَتُصَلِّيَ مَعَهُ كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ) لِلرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ (فَتَكُونُ) الصَّلَاةُ (لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (تَامَّةً، وَلَهُمْ مَقْصُورَةً) لِحَدِيثِ جَابِرٍ.
قَالَ «أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا، وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ قَالَ: فَكَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَنَعَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ لِاحْتِمَالِ سَلَامِهِ فَيَكُونُ هُوَ الْوَجْهَ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَتَأَوَّلَهُ الْقَاضِي عَلَى إنْ صَلَّى بِهِمْ كَصَلَاةِ الْحَضَرِ وَأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ قَضَتْ رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُخَالِفٌ لِصِفَةِ الرِّوَايَةِ.
(وَلَوْ قَصَرَ) الرُّبَاعِيَّةَ (الْجَائِزَ قَصْرُهَا، وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا قَضَاءٍ فَمَنَعَ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْأَصْحَابِ (صِحَّةَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ) الْوَجْهُ (السَّادِسُ): لِأَنَّ الْخَوْفَ لَا يُؤَثِّرُ فِي نَقْصِ الرَّكَعَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ فِي الْكَافِي كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوُجُوهِ الْجَائِزَةِ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا: لَا تَأْثِيرَ لِلْخَوْفِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ، وَحَمَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ عَلَى شِدَّةِ الْخَوْفِ انْتَهَى وَاخْتَارَ هَذَا الْوَجْهَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَابْنِ تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَقَالَ: هُوَ الْمُخْتَارُ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، يَعْنِي بِهِ الْمُوَفَّقَ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ قَصَرَهَا وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا قَضَاءٍ، كَصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهَا صِحَاحٌ، ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ رَكْعَةً رَكْعَةً إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ وَلِلْخَوْفِ وَالسَّفَرِ- أَيْ اجْتِمَاعِ مُبِيحَيْنِ أَحَدُهُمَا: الْخَوْفُ- وَالْآخَرُ السَّفَرُ.
تَتِمَّةٌ الْوَجْهُ السَّابِعُ: صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ عَامَ نَجْدٍ عَلَى مَا خَرَّجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَنْ تَقُومَ مَعَهُ طَائِفَةٌ وَطَائِفَةٌ أُخْرَى تُجَاهَ الْعَدُوِّ، وَظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُحْرِمَ وَتُحْرِمَ مَعَهُ الطَّائِفَتَانِ ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَةً هُوَ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ، ثُمَّ يَقُومَ إلَى الثَّانِيَةِ وَيَذْهَبَ الَّذِينَ مَعَهُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِيَ الْأُخْرَى فَتَرْكَعَ وَتَسْجُدَ، ثُمَّ يُصَلِّيَ بِالثَّانِيَةِ، وَتَأْتِيَ الَّتِي تُجَاهَ الْعَدُوِّ فَتَرْكَعَ وَتَسْجُدَ وَيُسَلِّمَ بِالْجَمِيعِ.
(وَتُصَلَّى الْجُمُعَةُ فِي) حَالِ (الْخَوْفِ حَضَرًا) لَا سَفَرًا (بِشَرْطِ كَوْنِ كُلِّ طَائِفَةٍ أَرْبَعِينَ) رَجُلًا (فَأَكْثَرَ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَالِاسْتِيطَانِ (فَيُصَلِّي بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بَعْدَ حُضُورِهَا الْخُطْبَةَ)- يَعْنِي خُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ يَعْنِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْرِمَ بِمَنْ حَضَرَتْ الْخُطْبَةَ لِاشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَالْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ (فَإِنْ أَحْرَمَ بِ) الطَّائِفَةِ (الَّتِي لَمْ تَحْضُرْهَا لَمْ تَصِحَّ) الْجُمُعَةُ (حَتَّى يَخْطُبَ لَهَا) كَغَيْرِ حَالَةِ الْخَوْفِ (وَتَقْضِي كُلُّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا جَهْرٍ) بِالْقِرَاءَةِ، كَالْمَسْبُوقِ إذَا فَاتَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةٌ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَبْطُلُ إنْ بَقِيَ مُنْفَرِدًا بَعْدَ ذَهَابِ الطَّائِفَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ وَقِيلَ: يَجُوزُ هُنَا لِلْعُذْرِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَلِأَنَّهُ مُتَرَقِّبٌ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَإِنْ صَلَّاهَا كَخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ جَازَ.
(وَيُصَلَّى اسْتِسْقَاءٌ ضَرُورَةً كَالْمَكْتُوبَةِ) قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ (وَالْكُسُوفُ وَالْعِيدُ آكَدُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ، لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ الْعِيدَ فَرْضُ كِفَايَةٍ (فَيُصَلِّيهِمَا) أَيْ الْكُسُوفَ وَالْعِيدَ فِي الْخَوْفِ كَالْمَكْتُوبَةِ.
(وَيُسْتَحَبُّ لَهُ) أَيْ لِلْخَائِفِ (حَمْلُ سِلَاحٍ فِي الصَّلَاةِ يَدْفَعُ بِهِ) الْعَدُوَّ (عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يُثْقِلُهُ كَسَيْفٍ وَسِكِّينٍ وَنَحْوِهِمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ} وَقَوْلُهُ {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ} فَدَلَّ عَلَى الْجُنَاحِ عِنْدَ عَدَمِ ذَلِكَ لَكِنْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لَكَانَ شَرْطًا، كَالسُّتْرَةِ قَالَ ابْنُ مُنَجَّا: وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ حَمْلَ السِّلَاحِ يُرَادُ لِحِرَاسَةٍ أَوْ قِتَالٍ وَالْمُصَلِّي لَا يَتَّصِفُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَالْأَمْرُ بِهِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَالصِّيَانَةِ لَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِيجَابِ، كَالنَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ لَمَّا كَانَ لِلرِّفْقِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْرِيمِ.
وَأَمَّا حَمْلُ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ: لَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِ الْعُذْرِ، وَهُوَ أَظْهَرُ (مَا لَمْ يَمْنَعْهُ) أَيْ الْمُصَلِّي (إكْمَالَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (كَمِغْفَرٍ) كَمِنْبَرٍ (سَابِغٍ عَلَى الْوَجْهِ وَهُوَ زَرَدٌ يُنْسَجُ مِنْ الدُّرُوعِ عَلَى قَدْرِ الرَّأْسِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ) أَوْ حَلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهَا الْمُتَسَلِّحُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ.
(وَ) يُكْرَهُ (مَا لَهُ أَنْفٌ) لِأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْأَنْفِ وَالْمُصَلِّي (أَوْ يُثْقِلُهُ حَمْلُهُ كَجَوْشَنٍ وَهُوَ التَّنُّورُ الْحَدِيدُ وَنَحْوُهُ).
قَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْجَوْشَنُ الصَّدْرُ وَالدِّرْعُ (وَنَحْوُهُ) أَيْ نَحْوُ مَا ذَكَرَ مِمَّا يُثْقِلُهُ (أَوْ يُؤْذِي غَيْرَهُ كَرُمْحٍ وَقَوْسٍ إذَا كَانَ) الْمُصَلِّي (بِهِ) أَيْ بِالرُّمْحِ أَوْ الْقَوْسِ (مُتَوَسِّطًا) لِلْقَوْمِ (فَيُكْرَهُ) إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ (فَإِنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ أَوْ كَانَ فِي طَرَفِ النَّاسِ لَمْ يُكْرَهْ) لِعَدَمِ الْإِيذَاءِ إذَنْ (وَيَجُوزُ حَمْلُ نَجِسٍ) وَلَوْ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ لَوْلَا الْخَوْفُ (فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَ) حَمْلُ (مَا يُخِلُّ بِبَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ) إلَيْهِ.
(وَلَا إعَادَةَ) فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، كَالْمُتَيَمِّمِ فِي الْحَضَرِ لِبَرْدٍ.