فصل: (فَصْلٌ) فِي جِنَايَةِ الْبَهَائِمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ) فِي جِنَايَةِ الْبَهَائِمِ:

(وَمَا أَتْلَفَتْهُ الْبَهِيمَةُ) آدَمِيًّا كَانَ أَوْ مَالًا (وَلَوْ صَيْدَ حَرَمٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا) فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْ: هَدَرٌ (إذَا لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا) فَإِنْ كَانَتْ ضَمِنَ وَيَأْتِي (إلَّا الضَّارِبَةَ) أَيْ: الْمُعْتَادَةَ بِالْجِنَايَةِ مِنْ الْبَهَائِمِ وَالْجَوَارِحِ وَشِبْهِهَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلًا بِإِمْسَاكِهَا: ضَمِنَهُ إذَا لَمْ يُعْلِمْهُ بِهَا.
(وَمَنْ أَطْلَقَ كَلْبًا عَقُورًا أَوْ دَابَّةً رَفُوسًا أَوْ عَضُوضًا عَلَى النَّاسِ فِي طُرُقِهِمْ وَمَصَاطِبِهِمْ وَرِحَابِهِمْ فَأَتْلَفَ مَالًا أَوْ نَفْسًا ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ وَكَذَا إنْ كَانَ لَهُ طَائِرٌ جَارِحٌ كَالصَّقْرِ وَالْبَازِي فَأَفْسَدَ طُيُورَ النَّاسِ وَحَيَوَانَاتِهِمْ قَالَهُ) ابْنُ عَقِيلٍ (فِي الْفُصُولِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَيْ: عَدَمِ الضَّمَانِ فِي غَيْرِ الضَّارِبَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ يَدُهُ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَتْ مَغْصُوبَةً؛ لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَالِكِ وَلَا ذِمَّةَ لَهَا فَيَتَعَلَّقُ بِهَا وَلَا قَصْدَ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهَا بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالطِّفْلِ انْتَهَى وَهُوَ مَعْنَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ: وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ مَا يَقْتَضِي الضَّمَانُ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْبَهِيمَةُ فِي يَدِ إنْسَانٍ كَالسَّائِقِ) الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا (وَالْقَائِدِ) الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا (وَالرَّاكِبِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ) كُلٌّ مِنْ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ وَالرَّاكِبِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا (مَالِكًا أَوْ غَاصِبًا أَوْ أَجِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ) أَوْ مُرْتَهِنًا (ضَمِنَ مَا جَنَتْ يَدُهَا أَوْ فَمُهَا) أَيْ: جِنَايَةَ يَدِهَا أَوْ فَمِهَا (أَوْ وَطْئِهَا بِرِجْلِهَا لَا مَا نَفَحَتْ بِهَا) أَيْ: بِرَجْلِهَا لِمَا رَوَى سَعِيدٌ مَرْفُوعًا «الرِّجْلُ جُبَارٌ».
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ «رِجْلُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي جِنَايَةِ غَيْرِهَا وَخُصِّصَ بِالنَّفْحِ دُونَ الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ الدَّابَّةُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُجَنِّبَهَا وَطْءَ مَا لَا يُرِيدُ أَنْ تَطَأَهُ بِتَصَرُّفِهِ فِيهَا بِخِلَافِ نَفْحِهَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْهُ وَحَيْثُ وَجَبَ الضَّمَانُ وَكَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فَهِيَ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحِلُّ وِفَاقٍ وَمَحِلُّ عَدَمِ ضَمَانِ مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا (مَا لَمْ يَكْبَحْهَا) أَيْ: يَجْذِبْهَا بِاللِّجَامِ (زِيَادَةً عَلَى الْعَادَةِ أَوْ يَضْرِبْهَا فِي وَجْهِهَا) فَيَضْمَنُ لِتَسَبُّبِهِ فِي جِنَايَتِهَا.
(وَلَوْ) فَعَلَ ذَلِكَ (لِمَصْلَحَةٍ) تَدْعُو إلَيْهِ (وَلَا يَضْمَنُ) الرَّاكِبُ وَنَحْوُهُ (مَا جَنَتْ) الدَّابَّةُ (بِذَنَبِهَا)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَفُّظُ مِنْهُ (وَيَضْمَنُ) أَيْضًا الرَّاكِبُ وَنَحْوُهُ (مَا جَنَى وَلَدُهَا) وَلَوْ لَمْ يُفَرِّطْ؛ لِأَنَّهُ تَبِعَهَا وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ جَنَى بِيَدِهِ أَوْ فَمِهِ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ ذَنَبِهِ.
وَلَوْ قِيلَ: يَضْمَنُ مِنْهُ مَا يَضْمَنُ مِنْهَا فَقَطْ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ (وَمَنْ نَفَّرَهَا) أَيْ: الْبَهِيمَةَ (أَوْ نَخَسَهَا ضَمِنَ وَحْدَهُ)؛ لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ فِي جِنَايَتِهَا (دُونَهُمْ) أَيْ: دُونَ الرَّاكِبِ وَالسَّائِقِ وَالْقَائِدِ (فَإِنْ جَنَتْ) الْبَهِيمَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى مَنْ نَفَّرَهَا أَوْ نَخَسَهَا (فَ) الْجِنَايَةُ (هَدَرٌ)؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَإِنْ رَكِبَهَا اثْنَانِ) وَجَنَتْ جِنَايَةً مَضْمُونَةً (ضَمِنَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا) أَيْ: الرَّاكِبَيْنِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا وَالْقَادِرُ عَلَى كَفِّهَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْأَوَّلُ (صَغِيرًا أَوْ مَرِيضًا وَنَحْوِهِمَا) كَالْأَعْمَى (وَالثَّانِي مُتَوَلِّيَ تَدْبِيرَهَا فَعَلَيْهِ) أَيْ: الثَّانِي (الضَّمَانُ) وَحْدَهُ لِكَوْنِهِ الْمُتَصَرِّفَ فِيهَا (وَإِنْ اشْتَرَكَا) أَيْ: الرَّاكِبَانِ (فِي التَّصَرُّفِ) فِي الْبَهِيمَةِ (اشْتَرَكَا فِي الضَّمَانِ) أَيْ: ضَمَانِ جِنَايَتِهَا الْمَضْمُونَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ.
(وَكَذَا لَوْ كَانَ مَعَهَا) أَيْ: الْبَهِيمَةِ (سَائِقٌ وَقَائِدٌ) وَجَنَتْ جِنَايَةً تُضْمَنُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا (وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا) أَيْ: السَّائِقِ وَالْقَائِدِ رَاكِبٌ (أَوْ) كَانَ (مَعَ أَحَدِهِمَا رَاكِبٌ شَارَكَهُمَا) أَيْ: شَارَكَ الرَّاكِبُ السَّائِقَ وَالْقَائِدَ أَوْ أَحَدَهُمَا فِي ضَمَانِ جِنَايَتِهَا لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ انْفَرَدَ مَعَ الدَّابَّةِ انْفَرَدَ بِالضَّمَانِ فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْهُمْ شَارَكَهُ فِي الضَّمَانِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الثَّلَاثَةُ أَوْ اثْنَانِ مِنْهُمْ لَكِنْ انْفَرَدَ وَاحِدٌ بِالتَّصَرُّفِ اخْتَصَّ بِالضَّمَانِ.
(وَالْإِبِلُ وَالْبِغَالُ الْمُقَطَّرَةُ كَ) الْبَهِيمَةِ (الْوَاحِدَةِ عَلَى قَائِدِهَا الضَّمَانُ) لِمَا جَنَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقِطَارِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ إنَّمَا تَسِيرُ بِسَيْرِ الْأَوَّلِ وَتَقِفُ بِوُقُوفِهِ وَتَطَأُ بِوَطْئِهِ وَبِذَلِكَ يُمْكِنُهُ حِفْظُ الْجَمِيعِ عَنْ الْجِنَايَةِ.
(وَإِنْ كَانَ مَعَهُ) أَيْ: الْقَائِدِ (سَائِقٌ شَارَكَهُ) أَيْ: شَارَكَ السَّائِقُ الْقَائِدَ (فِي ضَمَانِ الْأَخِيرِ فَقَطْ إنْ كَانَ) السَّائِقُ (فِي آخِرِهَا)؛ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّصَرُّفِ الْأَخِيرِ وَلَا يُشَارِكُ السَّائِقُ الْقَائِدَ فِيمَا قَبْلَ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَائِقًا لَهُ وَلَا تَابِعًا لِمَا يَسُوقهُ (وَإِنْ كَانَ) السَّائِقُ (فِي أَوَّلِهَا) أَيْ: أَوَّلِ الْمُقَطَّرَةِ (شَارَكَ) السَّائِقُ الْقَائِدَ (فِي) ضَمَانِ جِنَايَةِ (الْكُلِّ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْفَرَدَ بِذَلِكَ لَضَمِنَ جِنَايَةَ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ تَابِعٌ لَهُ سَائِرٌ بِسَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَجَبَ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ كَانَ) السَّائِقُ (فِيمَا عَدَا الْأَوَّلَ) مِنْ الْمُقَطَّرَةِ (شَارَكَ) السَّائِقُ الْقَائِدَ (فِي ضَمَانِ مَا بَاشَرَ سَوْقَهُ وَفِي) ضَمَانِ (مَا بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ الَّذِي بَاشَرَ سَوْقَهُ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ (دُونَ) ضَمَانِ (مَا قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ الَّذِي بَاشَرَ سَوْقَهُ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْقَائِدُ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ السَّائِقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَائِقًا لَهُ وَلَا تَابِعًا لِمَا يَسُوقُهُ.
(وَإِنْ انْفَرَدَ رَاكِبٌ بِالْقِطَارِ وَكَانَ) الرَّاكِبُ (عَلَى أَوَّلِهِ ضَمِنَ) الرَّاكِبُ (جِنَايَةَ الْجَمِيعِ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ)؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الرَّاكِبِ إنَّمَا يَسِيرُ بِسَيْرِهِ وَيَطَأُ بِوَطْئِهِ فَأَمْكَنَ حِفْظُهُ عَنْ الْجِنَايَةِ فَضَمِنَ كَالْمَقْطُورِ عَلَى مَا تَحْتَهُ قُلْتُ: فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ مَعَهُ سَائِقٌ فَعَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ إذَا كَانَ سَائِقٌ وَقَائِدٌ وَإِنْ كَانَ الْمُنْفَرِدُ بِالْقِطَارِ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ ضَمِنَ جِنَايَةَ مَا هُوَ رَاكِبٌ عَلَيْهِ أَوْ سَائِقٌ لَهُ وَمَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ.
(وَلَوْ انْفَلَتَتْ الدَّابَّةُ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ وَأَفْسَدَتْ) شَيْئًا (فَلَا ضَمَانَ) عَلَى أَحَدٍ لِحَدِيثِ «الْعَجْمَاءُ جَرْحُهَا جُبَارٌ» وَتَقَدَّمَ فَلَوْ اسْتَقْبَلَهَا إنْسَانٌ فَرَدَّهَا فَقِيَاسُ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: الضَّمَانُ قَالَهُ الْحَارِثِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الضَّمَانِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ عَلَيْهَا قَالَ: وَالْبَهِيمَةُ النَّزِقَةُ الَّتِي لَا تَنْضَبِطُ بِكَبْحٍ وَلَا نَحْوِهِ لَيْسَ لَهُ رُكُوبُهَا بِالْأَسْوَاقِ فَإِنْ رَكِبَ ضَمِنَ لِتَفْرِيطِهِ وَكَذَا الرَّمُوحُ وَالْعَضُوضُ.
(وَيَضْمَنُ رَبُّ الْبَهَائِمِ وَمُسْتَعِيرُهَا وَمُسْتَأْجِرُهَا وَمُسْتَوْدِعُهَا) قُلْت: وَقِيَاسُهُ مُرْتَهِنٌ وَأَجِيرٌ لِحِفْظِهَا وَمُوصًى لَهُ بِنَفْعِهَا (مَا أَفْسَدَتْ مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا) كَثَوْبٍ خَرَقَتْهُ أَوْ مَضَغَتْهُ أَوْ وَطِئَتْ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ (لَيْلًا) لِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَرَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةُ «أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ فَقَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَلَى أَهْلِ الْأَمْوَالِ حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ وَمَا أَفْسَدَتْ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمْ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ مَشْهُورٌ وَحَدَّثَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الثِّقَاتُ وَتَلَقَّاهُ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ بِالْقَبُولِ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاشِي إرْسَالُهَا نَهَارًا لِلرَّعْيِ وَحِفْظُهَا لَيْلًا وَعَادَةُ أَهْلِ الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا نَهَارًا فَإِذَا أَفْسَدَتْ شَيْئًا لَيْلًا كَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ.
(وَإِنْ فَرَّطَ) فِي حِفْظِهَا (مِثْلَ مَا إذَا لَمْ يَضُمَّهَا وَنَحْوِهِ لَيْلًا أَوْ ضَمَّهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ فَإِنْ ضَمَّهَا) أَيْ: ضَمَّ الْبَهَائِمَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَيْلًا (فَأَخْرَجَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ فَتَحَ) غَيْرُهُ (عَلَيْهَا بَابَهَا) فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا (فَالضَّمَانُ عَلَى مُخْرِجِهَا أَوْ فَاتِحِ بَابِهَا)؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ.
(وَلَوْ كَانَ مَا أَتْلَفَتْهُ) الْبَهَائِمُ الْمُعَارَةُ وَنَحْوُهَا لَيْلًا (لِرَبِّهَا ضَمِنَهُ مُسْتَعِيرٌ وَنَحْوُهُ) كَمُسْتَأْجَرٍ وَمُسْتَوْدَعٍ إنْ فَرَّطَ (وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ رَبُّهَا وَنَحْوُهُ) كَمُسْتَأْجِرِهَا وَمُسْتَعِيرِهَا بِأَنْ ضَمَّهَا لَيْلًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ فَخَرَجَتْ فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا (فَلَا ضَمَانَ) لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ.
(وَلَا يَضْمَنُ) رَبُّهَا وَمُسْتَعِيرُهَا وَنَحْوُهُ (مَا أَفْسَدَتْ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ: مِنْ زَرْعٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (نَهَارًا) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ (إذَا لَمْ تَكُنْ يَدُ أَحَدٍ عَلَيْهَا سَوَاءٌ أَرْسَلَهَا بِقُرْبِ مَا تُفْسِدُهُ أَوْ لَا) لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ قَالَ الْقَاضِي: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا مَزَارِعُ وَمَرَاعٍ فَأَمَّا الْقُرَى الْعَامِرَةُ الَّتِي لَا مَرْعَى فِيهَا إلَّا بَيْنَ مُرَاحِينَ كَسَاقِيَةٍ وَطُرُقِ زَرْعٍ فَلَيْسَ لَهُ إرْسَالُهَا بِغَيْرِ حَافِظٍ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِتَفْرِيطِهِ.
(وَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا) أَيْ: الْبَهِيمَةِ (يَدٌ) كَقَائِدٍ (ضَمِنَ صَاحِبُ الْيَدِ) مَا أَفْسَدَتْ مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَوْ نَهَارًا قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ أَهْلِ (النَّوَاحِي بِرَبْطِهَا نَهَارًا وَإِرْسَالِهَا) لَيْلًا.
(وَحِفْظِ الزَّرْعِ لَيْلًا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَيْ: إنَّهُ يَضْمَنُ رَبُّهَا وَنَحْوُهُ مَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا إنْ فَرَّطَ لَا نَهَارًا (؛ لِأَنَّ هَذَا) الْعُرْفَ (نَادِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ بِهِ فِي التَّخْصِيصِ) أَيْ: تَخْصِيصُ الْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(وَلَوْ ادَّعَى صَاحِبُ الزَّرْعِ أَنَّ غَنَمَ فُلَانٍ نَفَشَتْ) أَيْ: رَعَتْ (فِيهِ) أَيْ: فِي زَرْعِهِ (لَيْلًا وَوَجَدَ فِي الزَّرْعِ أَثَرَ غَنَمٍ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَنَمٌ لِغَيْرِهِ قُضِيَ بِالضَّمَانِ) عَلَى صَاحِبِ الْغَنَمِ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى: وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ بَهَائِمَ فُلَانٍ فَلَا تَخْتَصُّ الْمَسْأَلَةُ بِالْغَنَمِ.
(قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (هَذَا مِنْ الْقِيَافَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَجَعَلَهَا) أَيْ: الْقِيَافَةَ (مُعْتَبَرَةً) فِي الْأَمْوَالِ (كَالْقِيَافَةِ فِي الْإِنْسَانِ).
(وَيَضْمَنُ غَاصِبُهَا) أَيْ: الْبَهَائِمَ (مَا أَفْسَدَتْ لَيْلًا وَنَهَارًا) فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَيْهَا أَوْ لَا لِتَعَدِّيهِ بِإِمْسَاكِهَا.
(وَمَنْ طَرَدَ دَابَّةً مِنْ مَزْرَعَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ) مَا أَفْسَدَتْهُ مِنْ مَزْرَعَةِ غَيْرِهِ (إلَّا أَنْ يُدْخِلَهَا مَزْرَعَةَ غَيْرِهِ) فَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْهَا لِتَسَبُّبِهِ (وَإِنْ اتَّصَلَتْ الْمَزَارِعُ) لَمْ يَطْرُدْهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَسْلِيطٌ عَلَى زَرْعِ غَيْرِهِ وَ(صَبِرَ لِيَرْجِعَ عَلَى رَبِّهَا) بِقِيمَةِ مَا تَأْكُلهُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا إلَّا بِتَسْلِيطِهَا عَلَى مَالِ غَيْرِهِ.
(وَلَوْ قَدَرَ أَنْ يُخْرِجَهَا) مِنْ مَزْرَعَتِهِ (وَلَهُ مُنْصَرَفٌ غَيْرُ الْمَزَارِعِ) يُخْرِجُهَا مِنْهُ (فَتَرَكَهَا) فِي مَزْرَعَتهِ (فَ) مَا أَفْسَدَتْ مِنْهَا (هَدَرٌ) لَا ضَمَانَ عَلَى رَبِّهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الزَّرْعِ هُوَ الْمُفَرِّطُ إذَنْ.
(وَالْحَطَبُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا خَرَقَ ثَوْبَ آدَمِيٍّ بَصِيرٍ عَاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرَفًا) أَيْ: مَوْضِعًا يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ (فَ) الْخَرْقُ (هَدَرٌ) لَا يَضْمَنُهُ الْحَطَّابُ لِتَقْصِيرِ رَبِّ الثَّوْبِ بِعَدَمِ الِانْحِرَافِ قُلْت: وَقِيَاسُهُ لَوْ جَرَحَهُ وَنَحْوُهُ وَكَالْحَطَبِ حَدِيدٌ وَنَحْوُهُ (وَكَذَا لَوْ كَانَ) صَاحِبُ الثَّوْبِ (مُسْتَدْبِرًا فَصَاحَ بِهِ) حَامِلُ الْحَطَبِ (مُنَبِّهًا لَهُ) وَوَجَدَ مُنْحَرَفًا وَلَمْ يَنْحَرِفْ فَخَرَقَ ثَوْبَهُ فَهَدَرٌ قُلْت: وَكَالْمُسْتَدْبَرِ الْأَعْمَى إذَا صَاحَ عَلَيْهِ مُنَبِّهًا لَهُ بِالِانْحِرَافِ لِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ الِانْحِرَافُ إلَيْهِ وَلَمْ يَفْعَلْ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مُنْحَرَفًا وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ لَهُ أَوْ لَمْ يُنَبِّهْهُ وَهُوَ مُسْتَدْبِرٌ (ضَمِنَهُ) أَيْ: خَرْقَ الثَّوْبِ (فِيهِمَا) حَامِلُ الْحَطَبِ فَيَغْرَمُ أَرْشَهُ.
(وَمَنْ صَالَ) أَيْ: وَثَبَ (عَلَيْهِ آدَمِيٌّ) صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ عَاقِلٌ أَوْ مَجْنُونٌ قَالَهُ: الْحَارِثِيُّ (أَوْ غَيْرُهُ) مِنْ الْبَهَائِمِ وَالطُّيُورِ (فَقَتَلَهُ) الْمَصُولُ عَلَيْهِ (دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ) إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِغَيْرِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ لِدَفْعِ شَرِّهِ فَكَأَنَّ الصَّائِلَ قَتَلَ نَفْسَهُ (وَلَوْ دَفَعَهُ) أَيْ دَفَعَ إنْسَانٌ الصَّائِلَ (عَنْ غَيْرِهِ غَيْرَ وَلَدِهِ) أَيْ: الْقَاتِلَ (وَنِسَائِهِ) كَزَوْجَتِهِ وَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ (بِالْقَتْلِ) مُتَعَلِّقٌ بِدَفْعِهِ (ضَمِنَهُ) قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ لَوْ دَفَعَ صَائِلًا عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَوْ دَفَعَهُ عَنْ غَيْرِهِ بِالْقَتْلِ ضَمِنَهُ ذَكَره الْقَاضِي.
وَفِي الْفَتَاوَى الرَّجَبِيَّاتِ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الزَّعْفَرَانِيِّ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَيْضًا انْتَهَى فَمَا ذَكَره الْمُصَنِّفُ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِالْمَنْعِ مِنْ قِتَالِ اللُّصُوصِ فِي الْفِتْنَةِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ إذَنْ وَهَذَا لَا عَمَلَ عَلَيْهِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: أَمَّا وُرُودُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ فَمُسَلَّمٌ، وَأَمَّا وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْقَتْلِ فَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي) بَابِ (حَدِّ الْمُحَارِبِينَ) بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا.
(وَإِذَا عُرِفَتْ الْبَهِيمَةُ بِالصَّوْلِ وَجَبَ عَلَى مَالِكِهَا وَ) عَلَى (الْإِمَامِ وَعَلَى غَيْرِهِ) مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى إتْلَافِهَا (إتْلَافُهَا إذَا صَالَتْ) وَقَوْلُهُ (عَلَى وَجْهِ الْمَعْرُوفِ) مُتَعَلِّقٌ بِإِتْلَافِهَا أَيْ: وَجَبَ إتْلَافُهَا عَلَى وَجْهٍ لَا تَعْذِيبَ فِيهِ لَهَا لِحَدِيثِ «إذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ» أَوْ أَنَّ هَذَا الْقَتْلَ مِنْ الْمَعْرُوفِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ رَبُّهَا بَلْ خُوطِبَ بِهِ كُلُّ أَحَدٍ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَلَا تُضْمَنُ) الْبَهِيمَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالصُّولِ إذَا قَتَلَتْ حَالَ صَوْلِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَرَمَةٍ (كَمُرْتَدٍّ) وَزَانٍ مُحْصَنٍ.
(وَلَوْ حَالَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ) أَيْ: مَالِهِ (إلَّا بِقَتْلِهَا فَقَتَلَهَا لَمْ يَضْمَنْهَا) لِعَدَمِ احْتِرَامِهَا لِصَوْلِهَا.
(وَإِنْ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ) وَاقِفَتَانِ أَوْ مُصْعِدَتَانِ أَوْ مُنْحَدِرَتَانِ (فَغَرِقَتَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْقَيِّمَيْنِ (سَفِينَةَ الْآخَرِ وَمَا فِيهَا) مِنْ نَفْسٍ وَمَالٍ (إنْ فَرَّطَ)؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِسَبَبِ فِعْلَيْهِمَا فَوَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ كَالْفَارِسَيْنِ إذَا اصْطَدَمَا.
(وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ) وَاحِدٌ مِنْهُمَا (فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ التَّلَفَ وَتَسَبُّبِهِ فِيهِ (وَإِنْ فَرَّطَ أَحَدُهُمَا) دُونَ الْآخَرِ (ضَمِنَ) الْمُفَرِّطُ (وَحْدَهُ) مَا تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ لِتَسَبُّبِهِ فِي إتْلَافِهِ.
(وَ) إذَا اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَيِّمِ وَهُوَ (الْمَلَّاحُ مَعَ يَمِينِهِ فِي غَلَبَةِ الرِّيحِ) إيَّاهُ (وَعَدَمِ التَّفْرِيطِ)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ.
(وَالتَّفْرِيطُ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى ضَبْطِهَا أَوْ رَدِّهَا عَنْ الْأُخْرَى) فَلَمْ يَفْعَلْ (أَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَعْدِلَهَا إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى) لَا صَدْمَ مَعَهَا (فَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ لَمْ يُكْمِلْ) الْقَيِّمُ (آلَتَهَا مِنْ الرِّجَالِ وَالْحِبَالِ وَغَيْرِهِمَا) كَالْمَرَاسِي وَالْأَخْشَابِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي حِفْظِهَا (وَلَوْ تَعَمَّدَا) أَيْ: الْقَيِّمَانِ (الصَّدْمَ فَ) هُمَا (شَرِيكَانِ فِي ضَمَانِ إتْلَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ السَّفِينَتَيْنِ.
(وَ) فِي ضَمَانِ إتْلَافِ (مَنْ فِيهِمَا) أَيْ: السَّفِينَتَيْنِ مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ؛ لِأَنَّهُ تَلَفٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَاشْتَرَكَا فِي ضَمَانِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ خَرَقَاهُمَا وَإِنْ تَلِفَ بِسَبَبِ ذَلِكَ آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ (فَإِنْ قُتِلَ غَالِبًا) مَا وُجِدَ مِنْ فِعْلِهِمَا (فَ) عَلَيْهِمَا (الْقَوَدُ) بِشَرْطِهِ مِنْ الْمُكَافَأَةِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّهُمَا تَعَمَّدَا الْقَتْلَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَيَاهُ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ فَغَرِقَ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُقْتَلْ غَالِبًا بِأَنْ فَعَلَا قَرِيبًا مِنْ السَّاحِلِ (فَ) هُوَ (شِبْهُ عَمْدٍ) كَمَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ فَغَرِقَ بِهِ (وَلَا يَسْقُطُ فِعْلُ الصَّادِمِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَعَ عَمْدٍ) أَيْ: مَعَ تَعَمُّدِهِمَا الصَّدْمَ بَلْ يُعْتَدُّ بِهِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا شَارَكَ الْآخَرَ فِي قَتْلِ نَفْسِهِ.
فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا نِصْفُ دِيَتِهِ وَإِنْ مَاتَا وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَتِهِ مِنْ تَرِكَةِ الْآخَرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا سَقَطَا وَإِلَّا فَيُقَدَّرُ الْأَقَلُّ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ مَعَ خَطَأٍ فَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ.
(وَإِنْ خَرَقَهَا) أَيْ: خَرَقَ السَّفِينَةَ إنْسَانٌ (عَمْدًا فَغَرِقَتْ بِمَنْ فِيهَا) مِنْ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ (وَهُوَ) أَيْ: خَرْقُهُ إيَّاهَا (مِمَّا يُغْرِقُهَا غَالِبًا أَوْ يُهْلِكُ مَنْ فِيهَا) غَالِبًا (لِكَوْنِهِمْ فِي اللُّجَّةِ أَوْ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالسِّبَاحَةِ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي اللُّجَّةِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ: الْخَارِقِ لَهَا (الْقِصَاصُ إنْ قُتِلَ) بِسَبَبِ ذَلِكَ (مَنْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَهْلَكَهُ بِفِعْلِهِ.
(وَ) عَلَيْهِ أَيْضًا (ضَمَانُ السَّفِينَةِ) لِرَبِّهَا فَيَغْرَمُ قِيمَتَهَا إذَا تَلِفَتْ وَأَرْشَ نَقْصِهَا إنْ لَمْ تَتْلَفْ (بِمَا) أَيْ: مَعَ ضَمَانِ مَا (فِيهَا مِنْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ) مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ.
(وَإِنْ كَانَ) خَرَقَهَا (خَطَأً) بِأَنْ كَانَ بِالسَّفِينَةِ مَحِلٌّ يَحْتَاجُ إلَى الْإِصْلَاحِ فَقَلَعَ مِنْهُ لَوْحًا لِيُصْلِحَهُ أَوْ لِيَضَعَ عِوَضَهُ فِي مَكَان لَا يُغْرِقُ بِهِ مَنْ فِيهَا غَالِبًا فَغَرِقُوا بِسَبَبِ ذَلِكَ (عُمِلَ بِمُقْتَضَاهُ) وَكَذَا إنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ بِأَنْ قَلَعَ اللَّوْحَ مِنْ غَيْرِ دَاعٍ إلَى قَلْعِهِ لَكِنْ فِي مَكَان قَرِيبٍ مِنْ السَّاحِلِ لَا يُغْرِقُ بِهِ مَنْ فِيهَا غَالِبًا فَغَرِقَ فَلَا قِصَاصَ فِيهِمَا لَكِنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي الدِّيَاتِ.
(وَإِنْ كَانَتْ إحْدَى السَّفِينَتَيْنِ وَاقِفَةً وَ) كَانَتْ (الْأُخْرَى سَائِرَةً) وَاصْطَدَمَتَا فَغَرِقَتَا (ضَمِنَ قَيِّمُ) السَّفِينَةِ (السَّائِرَةِ) السَّفِينَةَ (الْوَاقِفَةَ إنْ فَرَّطَ) بِأَنْ أَمْكَنَهُ رَدُّهَا وَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ لَمْ يُكْمِلْ آلَتَهَا مِنْ رِجَالٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِتَقْصِيرِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ نَامَ وَتَرَكَهَا سَائِرَةً بِنَفْسِهَا حَتَّى صَدَمَتْهَا وَأَمَّا قَيِّمُ الْوَاقِفَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٌ أَشْبَهَ النَّائِمَ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا عَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَتَلِفَ وَيَأْتِي إذَا اصْطَدَمَ نَفْسَانِ فِي كِتَابِ (الدِّيَاتِ) مُفَصَّلًا.
(وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُنْحَدِرَةً) وَالْأُخْرَى مُصْعِدَةً (فَعَلَى صَاحِبِهَا) أَيْ: الْمُنْحَدِرَةِ (ضَمَانُ الْمُصْعِدَةِ)؛ لِأَنَّ الْمُنْحَدِرَةَ تَنْحَطُّ عَلَى الْمُصْعِدَةِ مِنْ عُلُوٍّ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِغَرَقِهَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى قَيِّمِ الْمُصْعِدَةِ تَنْزِيلًا لِلْمُنْحَدِرَةِ مَنْزِلَةَ السَّائِرَةِ وَلِلْمُصْعِدَةِ مَنْزِلَةُ الْوَاقِفَةِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) قَيِّمُ الْمُنْحَدِرَةِ (غَلَبَهُ الرِّيحُ) أَوْ نَحْوُهُ عَنْ ضَبْطِهَا (أَوْ) إلَّا أَنْ يَكُونَ (الْمَاءُ شَدِيدًا).
وَفِي نُسْخَةٍ: الشَّدِيدُ (الْجَرْيَةِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهَا) فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي وُسْعِهِ وَ: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَلِأَنَّ التَّلَفَ يُمْكِنُ اسْتِنَادُهُ إلَى الرِّيحِ أَوْ شِدَّةِ جَرَيَانِ الْمَاءِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَسَوَاءٌ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَأَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَأَحْمَدُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: إنْ فَرَّطَ الْمُصْعِدُ بِأَنْ أَمْكَنَهُ الْعُدُولُ بِسَفِينَتِهِ وَالْمُنْحَدِرُ غَيْرُ قَادِرٍ وَلَا مُفَرِّطٌ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُصْعِدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُفَرِّطُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصْعِدَ يُؤَاخَذُ بِتَفْرِيطِهِ.
(وَلَوْ أَشْرَفَتْ السَّفِينَةُ عَلَى الْغَرَقِ فَ) الْوَاجِبُ (عَلَى الرُّكْبَانِ إلْقَاءُ بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ حَسْبَ الْحَاجَةِ) أَيْ: يَجِبُ إلْقَاءُ مَا تُظَنُّ بِهِ النَّجَاةُ مِنْ الْمَتَاعِ وَلَوْ كُلَّهُ دَفْعًا لِأَعْظَمِ الْمَفْسَدَتَيْنِ بِأَخَفِّهِمَا؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الْمَتَاعِ (وَيَحْرُمُ إلْقَاءُ الدَّوَابِّ) الْمُحْتَرَمَةِ (حَيْثُ أَمْكَنَ التَّخْفِيفُ بِالْأَمْتِعَةِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ أَلْجَأَتْ الضَّرُورَةُ إلَى إلْقَائِهَا) أَيْ: الدَّوَابِّ (جَازَ) إلْقَاؤُهَا (صَوْنًا لِلْآدَمِيِّينَ)؛ لِأَنَّهُمْ أَعْظَمُ حُرْمَةً (وَالْعَبِيدُ) فِي وُجُوبِ الْحِفْظِ (كَالْأَحْرَارِ) لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْحُرْمَةِ.
(وَإِنْ تَقَاعَدُوا) حَالَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَرَقِ (عَنْ الْإِلْقَاءِ) عَنْ الْمَتَاعِ أَوْ مَعَ الدَّوَابِّ (مَعَ الْإِمْكَانِ) وَدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ (أَثِمُوا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ} (وَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا يُلْقِيهِ مِنْ مَتَاعِهِ عِنْدَ الْإِشْرَافِ عَلَى الْغَرَقِ فَلَا يَضْمَنهُ لَهُ أَحَدٌ.
(وَلَوْ أَلْقَى مَتَاعَهُ وَمَتَاعَ غَيْرِهِ) مَعَ عَدَمِ امْتِنَاعِهِ (فَلَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ) مِنْ الْمُلْقِي أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ (وَإِنْ امْتَنَعَ) إنْسَانٌ (مِنْ إلْقَاءِ مَتَاعِهِ فَلِلْغَيْرِ إلْقَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ)؛ لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ (وَيَضْمَنُهُ) أَيْ: الْمَتَاعَ الْمُلْقَى مَعَ امْتِنَاعِ رَبِّهِ (الْمُلْقِي) لَهُ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي الضَّمَانِ) فَلْيُعَاوَدْ.
(وَمَنْ أَتْلَفَ) مِزْمَارًا وَنَحْوَهُ بِأَنْ حَرَقَهُ وَأَلْقَاهُ فِي نَحْوِ بَحْرٍ (أَوْ كَسَرَ مِزْمَارًا) بِكَسْرِ الْمِيمِ (أَوْ طُنْبُورًا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (أَوْ صَلِيبًا أَوْ) كَسَرَ (إنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ) لَمْ يَضْمَنْهُ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً بِلَا صِنَاعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْحَارِثِيُّ: لَا خِلَافَ فِيهِ انْتَهَى وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلَةِ اللَّهْوِ: أَنَّ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ لَا يَتْبَعَانِ الصَّنْعَةَ بَلْ هُمَا مَقْصُودَانِ عَمَلًا أَوْ كَسْرًا وَالْخَشَبَ وَالرِّقَّ يَصِيرَانِ تَابِعَيْنِ لِلصِّنَاعَةِ فَالصِّنَاعَةُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَالْغِنَاءِ فِي الْآدَمِيَّةِ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ أَقَلُّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْخَشَبَ وَالرِّقَّ لَا يَبْقَى مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ بَلْ يَتْبَعُ الصُّورَةَ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَقِيلٍ (أَوْ) كَسَرَ أَوْ شَقَّ (إنَاءً فِيهِ خَمْرٌ مَأْمُورٌ بِإِرَاقَتِهَا) وَهِيَ مَا عَدَا خَمْرَ الْخِلَالِ وَخَمْرَ الذِّمِّيِّ الْمُسْتَتِرَةَ لَمْ يَضْمَنْ إنَاءَهَا تَبَعًا لَهَا.
(وَلَوْ قَدَرَ عَلَى إرَاقَتِهَا بِدُونِهِ) أَيْ: بِدُونِ كَسْرِ الْإِنَاءِ أَوْ شَقِّهِ «لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَسْرِ دِنَانِهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَمْرِهِ بِشَقِّ زِقَاقِهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(أَوْ أَتْلَفَ) إنْسَانٌ (آلَةَ لَهْوٍ) بِكَسْرٍ أَوْ حَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا (وَلَوْ) كَانَتْ (مَعَ صَغِيرٍ)، وَآلَةُ اللَّهْوِ (كَعُودٍ وَطَبْلٍ) غَيْرَ طَبْلِ حَرْبٍ.
(وَ) كَ (دُفٍّ بِصُنُوجٍ أَوْ حَلَقٍ) لَمْ يَضْمَنْهُ بِخِلَافِ دُفٍّ لَا حَلَقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ وَطَبْلِ حَرْبٍ فَيَضْمَنُهُمَا مُتْلِفُهُمَا لِإِبَاحَتِهِمَا (أَوْ) كَ (نَرْدٍ أَوْ شِطْرَنْجٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشِّطْرَنْجَ مِنْ آلَةِ اللَّهْوِ قِيلَ: بَلْ هِيَ مِنْ أَعْظَمِهَا وَقَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِهَا.
(أَوْ) أَتْلَفَ بِحَرْقٍ أَوْ غَيْرِهِ (آلَةَ سِحْرٍ أَوْ تَعْزِيمٍ أَوْ تَنْجِيمٍ أَوْ) أَتْلَفَ (صُوَرَ خَيَالٍ أَوْ) أَتْلَفَ أَوْثَانًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ أَتْلَفَ (كُتُبَ مُبْتَدِعَةٍ مُضِلَّةٍ أَوْ) أَتْلَفَ (كُتُبَ أَكَاذِيبَ أَوْ سَخَائِفَ لِأَهْلِ الْخَلَاعَةِ وَالْبَطَالَةِ أَوْ) أَتْلَفَ (كُتُبَ كُفْرٍ) لَمْ يَضْمَنْهَا لِعَدَمِ احْتِرَامِهَا (أَوْ حَرَقَ مَخْزَنَ خَمْرٍ) قَالَ فِي الْهَدْيِ: يَجُوزُ تَحْرِيقُ أَمَاكِنَ الْمَعَاصِي وَهَدْمُهَا كَمَا حَرَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الضِّرَارِ وَأَمَرَ بِهَدْمِهِ (أَوْ) أَتْلَفَ (كِتَابًا فِيهِ أَحَادِيثُ رَدِيئَةٌ) أَيْ: تَفَرَّدَ بِهَا وَضَّاعٌ أَوْ كَذَّابٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا غَيْرُهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ: مَا قَالَهُ فِي الْفُنُونِ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ إعْدَامُ الْآيَةِ مِنْ كُتُبِ الْمُبْتَدِعَةِ لِأَجْلِ مَا هِيَ فِيهِ وَإِهَانَةً لِمَا وُضِعَتْ لَهُ وَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُهَا.
(أَوْ) كَسَرَ (حُلِيًّا مُحَرَّمًا عَلَى ذَكَرٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ) أَيْ: يَتَّخِذْهُ (يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ لَمْ يَضْمَنْهُ) لِعَدَمِ احْتِرَامِهِ، وَأَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مُحَرَّمَ الصِّنَاعَةِ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ وَزْنًا وَتُلْغَى صِنَاعَتُهُ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَلَا يَجُوزُ تَخْرِيقُ الثِّيَابِ الَّتِي عَلَيْهَا الصُّوَرُ وَلَا الرُّقُومُ الَّتِي تَصْلُحُ بُسُطًا وَمَضَارِجَ وَتُدَاسُ وَلَا كَسْرُ الْحِلِّيِّ الْمُحَرَّمِ عَلَى الرَّجُلِ إنْ صَلَحَ لِلنِّسَاءِ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ الرِّجَالُ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ حَامِلٌ) أَوْ تَلِفَ (حَمْلُهَا مِنْ رِيحِ طَبِيخٍ عَلِمَ رَبُّهُ ذَلِكَ عَادَةً ضَمِنَ) مَا تَلِفَ بِسَبَبِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ عَادَةً لَهَا فَلَا ضَمَانَ قُلْت: وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي عَدَم الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ لَكِنْ إنْ طَلَبَتْ وَامْتَنَعَ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَعْلَمُ مِنْ قِبَلِهَا.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَلِلْمَظْلُومِ الِاسْتِغَاثَةُ بِمَخْلُوقٍ) أَيْ: فِي دَفْعِ الْمَظْلِمَةِ عَنْ نَفْسِهِ (فَ) اسْتِعَانَتُهُ (بِخَالِقِهِ أَوْلَى) مِنْ اسْتِعَانَتِهِ بِالْمَخْلُوقِ (وَلَهُ) أَيْ: الْمَظْلُومِ (الدُّعَاءُ بِمَا آلَمَهُ) أَيْ: بِسَبَبِ مَا آلَمَهُ (بِقَدْرِ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ ظُلْمِهِ) وَ(لَا) يَجُوزُ لَهُ الدُّعَاءُ (عَلَى مَنْ شَتَمَهُ أَوْ أَخَذَ مَالَهُ بِالْكُفْرِ)؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ مَا يُوجِبُهُ أَلَمُ ظُلْمِهِ.
(وَلَوْ كَذَبَ) ظَالِمٌ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى إنْسَانٍ (لَمْ يَفْتَرِ) أَيْ: لَمْ يَكْذِبْ (عَلَيْهِ) أَيْ: الْكَاذِبِ (بَلْ يَدْعُو اللَّهَ فِيمَنْ يَفْتَرِي عَلَيْهِ نَظِيرَهُ وَكَذَا إنْ أَفْسَدَ) إنْسَانٌ (عَلَيْهِ دِينَهُ) فَلَا يُفْسِدُ هُوَ عَلَيْهِ دِينَهُ بَلْ يَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِ فِيمَنْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ هَذَا مُقْتَضَى التَّشْبِيهِ وَالتَّوَرُّعُ عَنْهُ أَوْلَى.
(قَالَ أَحْمَدُ: الدُّعَاءُ قِصَاصٌ وَمَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَمَا صَبَرَ يُرِيدُ أَنَّهُ انْتَصَرَ) لِنَفْسِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدْ انْتَصَرَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ: (وَلَمَنْ صَبَرَ) فَلَمْ يَنْتَصِرْ: (وَغَفَرَ) تَجَاوَزَ (إنَّ ذَلِكَ) الصَّبْرَ وَالتَّجَاوُزَ (لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) أَيْ: مَعْزُومَاتِهَا بِمَعْنَى الْمَطْلُوبَاتِ شَرْعًا.