فصل: (فَصْلٌ): الغسل لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): الْخُطْبَة عَلَى مِنْبَرٍ:

(وَيُسَنُّ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ) لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: أَنْ مُرِي غُلَامَك النَّجَّارَ يَعْمَلْ أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهَا إذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ عُمِلَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ فَكَانَ يَرْتَقِي عَلَيْهِ» وَكَانَ اتِّخَاذُهُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَكَانَ ثَلَاثَ دُرَجٍ وَسُمِّيَ مِنْبَرًا لِارْتِفَاعِهِ مِنْ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ وَاِتِّخَاذُهُ سُنَّةٌ مَجْمَعٌ عَلَيْهَا قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيَكُونُ صُعُودُهُ فِيهِ عَلَى تُؤَدَةٍ إلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي السَّطْحَ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ (أَوْ) عَلَى (مَوْضِعٍ عَالٍ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِعْلَامِ (وَيَكُونُ الْمِنْبَرُ) أَوْ الْمَوْضِعُ الْعَالِي (عَنْ يَمِينِ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ) بِالْمِحْرَابِ لِأَنَّ مِنْبَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا كَانَ وَكَانَ يَجْلِسُ عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي تَلِي مَكَانَ الِاسْتِرَاحَةِ، ثُمَّ وَقَفَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الثَّانِيَةِ ثُمَّ عُمَرُ عَلَى الْأُولَى تَأَدُّبًا ثُمَّ وَقَفَ عُثْمَانُ مَكَانَ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عَلِيٌّ مَوْقِفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ زَمَنَ مُعَاوِيَةَ قَلَعَهُ مَرْوَانُ، وَزَادَ فِيهِ سِتَّ دُرَجٍ فَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَرْتَقُونَ سِتًّا، يَقِفُونَ مَكَانَ عُمَرَ، أَيْ عَلَى السَّابِعَةِ وَلَا يَتَجَاوَزُونَ ذَلِكَ، تَأَدُّبًا.
(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى الْأَرْضِ وَقَفَ عَنْ يَسَارِ مُسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الْمِنْبَرِ) قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُسَلِّمَ) الْإِمَامُ (عَلَى الْمَأْمُومِينَ إذَا خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَ) يُسَنُّ أَيْضًا أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ (إذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ) لِمَا رَوَى ابْن مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ سَلَّمَ» وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ قَالَ الْقَاضِي وَجَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ اسْتِقْبَالٌ بَعْدَ اسْتِدْبَارٍ أَشْبَهَ مَنْ فَارَقَ قَوْمًا ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ وَعَكْسُهُ الْمُؤَذِّنُ قَالَهُ الْمَجْدُ (وَرَدُّ هَذَا السَّلَامِ، وَ) رَدُّ (كُلِّ سَلَامٍ مَشْرُوعٌ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِمْ وَابْتِدَاؤُهُ) أَيْ السَّلَامِ (سُنَّةٌ) وَيَأْتِي مُوَضَّحًا فِي آخِرِ بَابِ الْجَنَائِزِ.
(ثُمَّ يَجْلِسُ) عَلَى الْمِنْبَرِ (إلَى فَرَاغِ الْأَذَانِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ، حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ، مُخْتَصِرًا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَرِيحُ بِذَلِكَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ وَيَتَمَكَّنُ مِنْ الْكَلَامِ التَّمَكُّنَ التَّامَّ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ جَلْسَةً خَفِيفَةً جِدًّا) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ (بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فَإِنْ أَبَى) أَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا (أَوْ خَطَبَ جَالِسًا) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَصَلَ بِسَكْتَةٍ) وَلَا يَجِبُ الْجُلُوسُ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ، سَرَدُوا الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ، فِي الْجِلْسَةِ ذِكْرٌ مَشْرُوعٌ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَخْطُبَ قَائِمًا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجِبْ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لَيْسَ مِنْ شَرْطِهِ الِاسْتِقْبَالُ فَلَمْ يَجِبْ لَهُ الْقِيَامُ كَالْأَذَانِ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا بِإِحْدَى يَدَيْهِ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ بِالْيُسْرَى.
(وَ) يَعْتَمِدُ (بِالْأُخْرَى عَلَى حَرْفِ الْمِنْبَرِ أَوْ يُرْسِلُهَا) لِمَا رَوَى الْحَكَمُ بْنُ حَزَنٍ قَالَ «وَفَدْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَهِدْنَا مَعَهُ الْجُمُعَةَ، فَقَامَ مُتَوَكِّئًا عَلَى سَيْفٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَصًا مُخْتَصِرًا» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ أَمْكَنُ لَهُ، وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ فُتِحَ بِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى شَيْءٍ أَمْسَكَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ أَوْ أَرْسَلَهُمَا عِنْدَ جَنْبَيْهِ وَسَكَّنَهُمَا) فَلَا يُحَرِّكُهُمَا، وَلَا يَرْفَعُهُمَا فِي دُعَائِهِ حَالَ الْخُطْبَةِ.
(وَيَقْصِدُ) الْخَطِيبُ (تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَلَا يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَلَا شِمَالًا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ فِي الْتِفَاتَةِ عَنْ أَحَدِ جَانِبَيْهِ إعْرَاضًا عَنْهُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا الْتَفَتَ أَوْ اسْتَدْبَرَ النَّاسَ أَنَّهُ يُجْزِئُ مَعَ الْكَرَاهَةِ، صَرَّحُوا بِهِ فِي الِاسْتِدْبَارِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُقَصِّرَ الْخُطْبَةَ) لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَمَّارٍ مَرْفُوعًا «إنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةُ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَقَصِّرُوا الْخُطْبَةَ».
(وَ) يُسَنُّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ (الثَّانِيَةِ أَقْصَرَ مِنْ) الْخُطْبَةِ (الْأُولَى) كَالْإِقَامَةِ مَعَ الْأَذَانِ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَرْفَعَ صَوْتَهُ حَسَبَ طَاقَتِهِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (وَيُعْرِبُهُمَا بِلَا تَمْطِيطٍ) كَالْأَذَانِ.
(وَيَكُونُ مُتَّعِظًا بِمَا يَعِظُ النَّاسَ بِهِ) لِيَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ بِوَعْظِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «عُرِضَ عَلَيَّ قَوْمٌ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقِيلَ لِي: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِك يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ».
(وَيَسْتَقْبِلُهُمْ) اسْتِحْبَابًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هُوَ كَالْإِجْمَاعِ (وَيَنْحَرِفُونَ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْخَطِيبِ (فَيَسْتَقْبِلُونَهُ وَيَتَرَبَّعُونَ فِيهَا) أَيْ فِي حَالِ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ (وَإِنْ اسْتَدْبَرَهُمْ) الْخَطِيبُ (فِيهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (كُرِهَ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْهُمْ وَمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَصَحَّ لِحُصُولِ السَّمَاعِ الْمَقْصُودِ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ الدُّعَاءَ لَهُمْ مَسْنُونٌ فِي غَيْرِ الْخُطْبَةِ فَفِيهَا أَوْلَى وَهُوَ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَاتِ تَغْلِيبًا (وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالدُّعَاءِ (لِمُعَيَّنٍ حَتَّى السُّلْطَانِ وَالدُّعَاءُ لَهُ مُسْتَحَبٌّ) فِي الْجُمْلَةِ قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ لَوْ كَانَ لَنَا دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ لَدَعَوْنَا بِهَا لِإِمَامٍ عَادِلٍ وَلِأَنَّ فِي صَلَاحِهِ صَلَاحَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَدْعُو فِي خُطْبَتِهِ لِعُمَرَ وَرَوَى الْبَزَّارُ «أَرْفَعُ النَّاسِ دَرَجَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ إمَامٌ عَادِلٌ» قَالَ أَحْمَدُ: إنِّي لَأَدْعُو لَهُ بِالتَّسْدِيدِ وَالتَّوْفِيقِ.
(وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ رَفْع يَدَيْهِ حَالَ الدُّعَاء فِي الْخُطْبَة) قَالَ الْمَجْد: هُوَ بِدْعَةٌ وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهَا.
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُشِيرَ بِإِصْبَعِهِ فِيهِ) أَيْ دُعَائِهِ فِي الْخُطْبَةِ، لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ أَنَّ عُمَارَةَ بْنَ رُوَيْبَةَ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الْخُطْبَةِ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ «رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ» (وَدُعَاؤُهُ عَقِبَ صُعُودِهِ لَا أَصْلَ لَهُ) وَكَذَا مَا يَقُولُ لَهُ مَنْ يَقِفُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ مِنْ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ.
(وَإِنْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ شَاءَ نَزَلَ) عَنْ الْمِنْبَرِ (فَسَجَدَ وَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى الْمِنْبَرِ سَجَدَ عَلَيْهِ) اسْتِحْبَابًا (وَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ فَلَا حَرَجَ) لِأَنَّهُ سُنَّةٌ لَا وَاجِبٌ وَتَقَدَّمَ فِعْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْنِدَ الْإِنْسَانُ ظَهْرَهُ إلَى الْقِبْلَةِ) نَصَّ عَلَيْهِ وَاقْتَصَرَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِهَا وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ مَدُّ الرِّجْلِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَمَدُّ رِجْلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ ذَكَرَهُ فِي الْآدَابِ قَالَ: وَلَعَلَّ تَرْكُهُ أَوْلَى (وَلَا بَأْسَ بِالْحُبْوَةِ نَصًّا) مَعَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَرِهَهُ الشَّيْخَانِ، لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَفِيهِ ضَعْفٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَ) لَا بَأْسَ (بِالْقُرْفُصَاءِ، وَهِيَ الْجُلُوسُ عَلَى أَلْيَتَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ مُفْضِيًا بِأَخْمَصِ قَدَمَيْهِ إلَى الْأَرْضِ وَكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ يَقْصِدُ هَذِهِ الْجِلْسَةَ وَلَا جِلْسَةَ أَخْشَعُ مِنْهَا) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ: مَا رَأَيْت أَحْمَدَ جَالِسًا إلَّا الْقُرْفُصَاءَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ إذْنُ الْإِمَامِ) لِأَنَّ عَلِيًّا صَلَّى بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَصَوَّبَهُ عُثْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَلِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ أَشْبَهَتْ الظُّهْرَ قَالَ أَحْمَدُ: وَقَعْت الْفِتْنَةُ بِالشَّامِ تِسْعَ سِنِينَ، فَكَانُوا يَجْمَعُونَ.
(فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخُطْبَةِ نَزَلَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) كَمَا يَقُومُ إلَيْهَا مَنْ لَيْسَ بِخَطِيبٍ إذَنْ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حَالَ صُعُودِهِ عَلَى تُؤَدَةٍ، وَإِذَا نَزَلَ نَزَلَ مُسْرِعًا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ) مُبَالَغَةً فِي الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْ غَيْرِ عَجَلَةٍ تَقْبُحُ.

.(فَصْلٌ): عدد ركعات صَلَاةِ الْجُمُعَةِ:

(وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ) إجْمَاعًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ عُمَرُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ، وَقَدْ خَابَ مَنْ افْتَرَى رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ (وَيُسَنُّ جَهْرُهُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقَلَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ إلَّا الْجُمُعَةَ وَالْعِيدَيْنِ» وَيُسَنُّ أَنْ (يَقْرَأَ فِي) الرَّكْعَةِ (الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَوْ) يَقْرَأُ (بِسَبِّحِ) فِي الْأُولَى (ثُمَّ الْغَاشِيَةِ) فِي الثَّانِيَةِ (فَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ بِهِمَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَقْرَأَ فِي فَجْرِ يَوْمِهَا) أَيْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (بِ أَلَمْ السَّجْدَةِ وَفِي) الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ: هَلْ أَتَى) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَقْرَأُ بِهِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِتَضَمُّنِهِمَا ابْتِدَاءَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَخَلْقِ الْإِنْسَانِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَوْ النَّارَ.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَيُكْرَهُ تَحَرِّيهِ سَجْدَةً غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ سَجْدَةِ أَلَمْ تَنْزِيلُ وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ: قَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَعَمُّدَ قِرَاءَةِ سُورَةٍ غَيْرِ الم تَنْزِيلُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ قَالَ: وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ فَإِنْ سَهَا عَنْ السَّجْدَةِ فَنَصَّ أَحْمَدُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، قَالَهُ الْقَاضِي، كَدُعَاءِ الْقُنُوتِ قَالَ وَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُ بَقِيَّةُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: مِثْلُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْحَثَّ وَالتَّرْغِيبَ وُجِدَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ أَكْثَرُ، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَالسُّنَّةُ إكْمَالُهُمَا) أَيْ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهَا نَصًّا) لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا مُفَضَّلَةٌ بِسَجْدَةٍ أَوْ الْوُجُوبُ (وَتُكْرَهُ) الْقِرَاءَةُ (فِي عِشَاءِ لَيْلَتِهَا بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَالْمُنَافِقِينَ) وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ.
(وَتَجُوزُ إقَامَتُهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَلَدِ، لِحَاجَةٍ إلَيْهِ كَضِيقِ) مَسْجِدِ الْبَلَدِ عَنْ أَهْلِهِ (وَخَوْفِ فِتْنَةٍ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدِ عَدَاوَةٌ، فَيُخْشَى إثَارَةُ الْفِتْنَةِ بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ (وَبُعْدٌ) لِلْجَامِعِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْبَلَدِ.
(وَنَحْوِهِ) كَسِعَةِ الْبَلَدِ وَتَبَاعُدِ أَقْطَارِهِ (فَتَصِحُّ) الْجُمُعَةُ (السَّابِقَةُ وَاللَّاحِقَةُ) لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الْأَمْصَارِ الْعَظِيمَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ إجْمَاعًا قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَأَمَّا كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقِمْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ فَلِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُؤْثِرُونَ سَمَاعَ خُطْبَتِهِ، وَشُهُودَ جُمُعَتِهِ وَإِنْ بَعُدَتْ مَنَازِلُهُمْ لِأَنَّهُ الْمُبَلِّغُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى (وَكَذَا الْعِيدُ) تَجُوزُ إقَامَتُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَلَدِ لِلْحَاجَةِ، لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ حَصَلَ الْغِنَى بِ) جُمُعَتَيْنِ (اثْنَتَيْنِ لَمْ تَجُزْ) الْجُمُعَةُ (الثَّالِثَةُ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (وَكَذَا مَا زَادَ) أَيْ إذَا حَصَلَ الْغِنَى بِثَلَاثٍ لَمْ تَجُزْ الرَّابِعَةُ، أَوْ بِأَرْبَعٍ لَمْ تَجُزْ الْخَامِسَةُ.
وَهَكَذَا (وَيَحْرُمُ) إقَامَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ الْبَلَدِ (لِغَيْرِ حَاجَةٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا عَنْ عَطَاءٍ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ.
(وَ) يَحْرُمُ (إذْنُ إمَامٍ فِيهَا) أَيْ فِي إقَامَةِ مَا زَادَ عَلَى وَاحِدَةٍ (إذَنْ) أَيْ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَكَذَا الْإِذْنُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ (فَإِنْ فَعَلُوا) أَيْ أَقَامُوا الْجُمُعَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ فَأَكْثَرَ، مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ (فَجُمُعَةُ الْإِمَامِ الَّتِي بَاشَرَهَا أَوْ أَذِنَ فِيهَا: هِيَ الصَّحِيحَةُ) لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ غَيْرِهَا افْتِيَاتًا عَلَيْهِ، وَتَفْوِيتًا لِجُمُعَتِهِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا: إذْنُهُ شَرْطٌ أَوْ لَا.
(وَإِنْ) أَيْ وَلَوْ (كَانَتْ) جُمُعَةُ الْإِمَامِ (مَسْبُوقَةً) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ) أَيْ أَوْ عَدَمِ إذْنِ الْإِمَامِ فِيهِمَا (فَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ، وَلَوْ كَانَتْ) الْمَسْبُوقَةُ (فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ، وَالْأُخْرَى فِي مَكَان لَا يَسَعُ النَّاسَ، أَوْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ لِاخْتِصَاصِ السُّلْطَانِ وَجُنْدِهِ بِهِ، أَوْ كَانَتْ الْمَسْبُوقَةُ فِي قَصَبَةِ الْبَلَدِ وَالْأُخْرَى فِي أَقْصَاهَا) لِأَنَّ الِاسْتِغْنَاءَ حَصَلَ بِالْأُولَى فَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهَا، لِكَوْنِهَا سَابِقَةً (وَالسَّبَقُ يَكُونُ بِتَكْبِيرَةِ، الْإِحْرَامِ) لَا بِالشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ، وَلَا بِالسَّلَامِ.
(وَإِنْ وَقَعَتَا) أَيْ الْجُمُعَتَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبَلَدِ بِلَا حَاجَةٍ (مَعًا بَطَلَتَا) حَيْثُ لَمْ يُبَاشِرْ الْإِمَامُ إحْدَاهُمَا، وَاسْتَوَتَا فِي الْإِذْنِ أَوْ عَدَمِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُمَا وَلَا تَعْيِينُ إحْدَاهُمَا بِالصِّحَّةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَ أُخْتَيْنِ مَعًا (وَصَلَّوْا جُمُعَةً) وُجُوبًا (إنْ أَمْكَنَ) لِأَنَّهُ مِصْرٌ لَمْ تُصَلَّ فِيهِ جُمُعَةٌ صَحِيحَةٌ (وَإِنْ جُهِلَتْ) الْجُمُعَةُ (الْأُولَى) مِنْ جُمُعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ بِبَلَدٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ (أَوْ جُهِلَ الْحَالُ) بِأَنْ لَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ وَقَعَتَا: أَمَعًا أَمْ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى (أَوْ عُلِمَ) الْحَالُ (ثُمَّ أُنْسِيَ صَلَّوْا ظُهْرًا وَلَوْ أَمْكَنَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ) لِلشَّكِّ فِي شَرْطِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ، وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْ، الْجُمُعَةِ إذَا فَاتَتْ فَإِذَا كَانَ مِصْرَانِ مُتَقَارِبَانِ يَسْمَعُ كُلٌّ مِنْهُمَا نِدَاءَ الْأُخْرَى، أَوْ قَرْيَتَانِ أَوْ قَرْيَةٌ إلَى جَانِبِ مِصْرٍ كَذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ جُمُعَةٌ إحْدَاهُمَا بِجُمُعَةِ الْأُخْرَى لِأَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ مِنْهُمْ حُكْمَ أَنْفُسِهِمْ.
(وَإِذَا وَقَعَ عِيدٌ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَصَلَّوْا الْعِيدَ وَالظُّهْرَ جَازَ) ذَلِكَ (وَسَقَطَتْ الْجُمُعَةُ عَمَّنْ حَضَرَ الْعِيدَ) مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَّى الْعِيدَ وَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُجَمِّعَ فَلْيُجَمِّعْ» رَوَاه أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَحِينَئِذٍ فَتَسْقُطُ الْجُمُعَةُ (إسْقَاطَ حُضُورٍ، لَا) إسْقَاطَ (وُجُوبٍ) فَيَكُونُ حُكْمُهُ (كَمَرِيضٍ وَنَحْوِهِ) مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ أَوْ شُغْلٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ، وَ(لَا) يَسْقُطُ عَنْهُ وُجُوبُهَا فَيَكُونُ (كَمُسَافِرٍ وَعَبْدٍ) لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ لِلتَّخْفِيفِ فَتَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَيَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا (وَالْأَفْضَلُ: حُضُورُهُ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (إلَّا الْإِمَامَ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ) حُضُورُ الْجُمُعَةِ.
لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ «اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ شَاءَ أَجْزَأَهُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجَمِّعُونَ» وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ وَقَدْ قَالَ حَدَّثَنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا لَامْتَنَعَ فِعْلُهَا فِي حَقِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ يُرِيدُهَا مِمَّنْ سَقَطَتْ عَنْهُ (فَـ) عَلَى هَذَا (إنْ اجْتَمَعَ مَعَهُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ) لِلْجُمُعَةِ (أَقَامَهَا، وَإِلَّا صَلَّوْا ظُهْرًا) قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ وَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ السُّقُوطِ أَيْ عَنْ الْإِمَامِ، فَيَجِبُ أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُ فَتَصِيرُ الْجُمُعَةُ هَهُنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيَسْقُطُ بِحُضُورِ أَرْبَعِينَ.
(وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ) مَعَ الْإِمَامِ (فَيَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ، بَلَغُوا الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ أَوْ لَا) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: قَوْلًا وَاحِدًا (ثُمَّ إنْ بَلَغُوا) الْعَدَدَ الْمُعْتَبَرَ (بِأَنْفُسِهِمْ) بِأَنْ كَانُوا أَرْبَعِينَ (أَوْ حَضَرَ مَعَهُمْ تَمَامُ الْعَدَدِ) إنْ كَانُوا دُونَهُ (لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ) لِتَوَفُّرِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَبْلُغُوا أَرْبَعِينَ لَا بِأَنْفُسِهِمْ وَبِحُضُورِ غَيْرِهِمْ مَعَهُمْ (تَحَقَّقَ عُذْرُهُمْ) لِفَوَاتِ شَرْطِ الصِّحَّةِ (وَيَسْقُطُ الْعِيدُ بِالْجُمُعَةِ إنْ فُعِلَتْ) الْجُمُعَةُ (قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ) لِفِعْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَصَابَ السُّنَّةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَعَلَى هَذَا: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَى الْعَصْرِ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ عَطَاءٍ قَالَ اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ فِطْرٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: عِيدَانِ قَدْ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَجَمَعَهُمْ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً، فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى تَقْدِيمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ابْنُ الزُّبَيْرِ قَدْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَسَقَطَ الْعِيدُ وَالظُّهْرُ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا سَقَطَتْ بِالْعِيدِ مَعَ تَأْكِيدِهَا فَالْعِيدُ أَوْلَى أَنْ يَسْقُطَ بِهَا (فَإِنْ فُعِلَتْ) الْجُمُعَةُ (بَعْدَهُ) أَيْ الزَّوَالِ (اُعْتُبِرَ الْعَزْمُ عَلَى الْجُمُعَةِ لِتَرْكِ صَلَاةِ الْعِيدِ) قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى: فَيُعْتَبَرُ الْعَزْمُ عَلَيْهَا وَلَوْ فُعِلَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُرُوعِ وَقَدَّمَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
(وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ.
(وَأَكْثَرُهَا) أَيْ السُّنَّةِ بَعْدَهَا (سِتُّ) رَكَعَاتٍ (نَصًّا) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَاخْتَارَ فِي الْمُغْنِي أَرْبَعًا وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَيُسَنُّ) أَنْ يُصَلِّيَهَا (مَكَانَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ (فِي الْمَسْجِدِ) وَتَقَدَّمَ.
(وَأَنَّ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ السُّنَّةِ (وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ بِكَلَامٍ أَوْ انْتِقَالٍ) مِنْ مَوْضِعِهِ لِلْخَبَرِ.
(وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذُكِرَ (وَلَيْسَ لَهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (قَبْلَهَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ، نَصًّا بَلْ يُسْتَحَبُّ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَرْكَعُ مِنْ قَبْلِ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا» وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَبَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْت أَبِي يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ رَكَعَاتٍ (وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ.

.(فَصْلٌ): الغسل لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ:

(يُسَنُّ أَنْ يُغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ) فِي يَوْمِهَا، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَامِعَ ثُمَّ يَغْتَسِلُ نَصَّ عَلَيْهِ وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ عِنْدَ مُضِيِّهِ إلَيْهَا لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ؛ وَفِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ.
(وَتَقَدَّمَ) فِي الْأَغْسَالِ الْمُسْتَحَبَّةِ مِنْ بَابِ الْغُسْلِ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَتَنَظَّفَ) لِلْجُمُعَةِ (بِقَصِّ شَارِبِهِ) يَعْنِي حَفَّهُ (وَتَقْلِيمِ أَظَافِرِهِ وَقَطْعِ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ بِالسِّوَاكِ وَغَيْرِهِ وَ) أَنْ (يَتَطَيَّبَ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَلَوْ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ) لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا قَالَ «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ، وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» وَقَوْلُهُ مِنْ طِيبِ امْرَأَتِهِ أَيْ مَا خَفِيَ رِيحُهُ وَظَهَرَ لَوْنُهُ لِتَأَكُّدِ الطِّيبِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ: خِلَافُهُ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ) لِوُرُودِهِ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ (وَأَفْضَلُهَا الْبَيَاضُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي آدَابِ اللِّبَاسِ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَيَعْتَمُّ وَيَرْتَدِي.
(وَ) أَنْ (يُبَكِّرَ إلَيْهَا) أَيْ إلَى الْجُمُعَةِ وَلَوْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ لِلْخَبَرِ (غَيْرَ الْإِمَامِ) فَلَا يُسَنُّ لَهُ التَّبْكِيرُ إلَيْهَا وَمَعْنَى تَبْكِيرِهِ: إتْيَانُهُ (بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) لَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَيَكُونُ (مَاشِيًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ» (إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَإِنْ كَانَ) لَهُ عُذْرٌ (فَلَا بَأْسَ بِرُكُوبِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا) لَكِنْ الْإِيَابُ رَاكِبًا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ.
(وَيَجِبُ السَّعْيُ) إلَى الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ كَانَ مَنْ يُقِيمُهَا عَدْلًا أَوْ فَاسِقًا، سُنِّيًّا أَوْ مُبْتَدِعًا نَصَّ عَلَيْهِ (بِالنِّدَاءِ الثَّانِي بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ}- الْآيَةَ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا) يَجِبُ السَّعْيُ (بِ) النِّدَاءِ (الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ) لِأَنَّ عُثْمَانَ سَنَّهُ وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ يَعْنِي وَالثَّانِي فَرْضُ كِفَايَةٍ.
(وَالْأَفْضَلُ) أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ (مِنْ مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ لِإِعْلَامِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ يَسْمَعُونَهُ (وَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ (إلَّا مَنْ بَعُدَ مَنْزِلُهُ، فَ) يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ (فِي وَقْتٍ يُدْرِكُهَا) فِيهِ أَنْ يَسْعَى إلَيْهَا مِنْ مَنْزِلِهِ (إذَا عَلِمَ حُضُورَ الْعَدَدِ) الْمُعْتَبَرِ لِلْجُمُعَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ وَالْمُرَادُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلسَّعْيِ أَيْضًا وَيُسَنُّ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْجُمُعَةِ (عَلَى أَحْسَنِ هَيْئَةٍ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، مَعَ خُشُوعٍ، وَيَدْنُو مِنْ الْإِمَامِ) أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ وَبَكَّرَ، وَابْتَكَرَ، وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ، وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ: عَمَلُ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ وَقَوْلُهُ «غَسَّلَ» بِالتَّشْدِيدِ أَيْ جَامَعَ، اغْتَسَلَ مَعْلُومٌ وَبَكَّرَ أَيْ خَرَجَ فِي بُكْرَةِ النَّهَارِ وَهِيَ أَوَّلُهُ وَ«ابْتَكَرَ» أَيْ بَالَغَ فِي التَّبْكِيرِ أَيْ جَاءَ فِي أَوَّلِ الْبُكْرَةِ.
(وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ) لِأَنَّهُ خَيْرُ الْمَجَالِسِ، لِلْخَبَرِ (وَيَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ) لِلْخُطْبَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَحْصِيلِ الْأَجْرِ (فَإِذَا خَرَجَ) الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ وَهُوَ فِي نَافِلَةٍ (خَفَّفَهَا، وَلَوْ) كَانَ (نَوَى أَرْبَعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) لِيَسْتَمِعَ الْخُطْبَةَ.
(وَيَحْرُمُ ابْتِدَاءُ نَافِلَةٍ إذَنْ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لِلْخُطْبَةِ (غَيْرَ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَلَوْ كَانَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ أَوْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهَا.
(وَ) يَشْتَغِلُ أَيْضًا (بِالذِّكْرِ) لِلَّهِ تَعَالَى، تَحْصِيلًا لِلْأَجْرِ (وَأَفْضَلُهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) وَتَقَدَّمَ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يَقْرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، لِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ» وَرَوَاهُ سَعِيدٌ مَرْفُوعًا وَقَالَ «مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» زَادَ أَبُو الْمَعَالِي (وَلَيْلَتَهَا) وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ: يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا أَوْ لَيْلَتِهَا قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
وَفِي الْمُبْدِعِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى زَادَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْوَجِيزُ: أَوْ لَيْلَتِهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَتِهَا وُقِيَ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ».
(وَيُكْثِرُ الدُّعَاءَ فِي يَوْمِهَا) أَيْ الْجُمُعَةِ (رَجَاءَ إصَابَةِ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «وَأَرْجَاهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَفِي أَوَّلِهِ إنَّ «النَّهَارَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً» رَوَاه مَالِكٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لَكِنْ لَمْ يَحْكِ فِي الْإِنْصَافِ وَالْمُبْدِعِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ الْإِمَامِ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا بَلْ ذَكَرَا قَوْلَ الْإِمَامِ: أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهَا- أَيْ السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا الْإِجَابَةُ- بَعْدَ الْعَصْرِ، وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ.
وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ مَعَ بَقِيَّةِ الْأَقْوَالِ، وَهِيَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ قَوْلًا فِي فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ: إنَّهُ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ أُنَاسًا مِنْ الصَّحَابَةِ اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا سَاعَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ افْتَرَقُوا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ» وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ (يَكُونُ مُتَطَهِّرًا مُنْتَظِرًا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ مَنْ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ) لِلْخَبَرِ.
وَفِي الدَّعَوَاتِ لِلْمُسْتَغْفِرَيَّ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ، فَوَقَفَ فِي الْبَابِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَجَبْت دَعْوَتَك، وَصَلَّيْت فَرِيضَتَك، وَانْتَشَرْت لِمَا أَمَرْتنِي فَارْزُقْنِي مِنْ فَضْلِك وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ.
(وَيُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْأَصْحَابُ: وَلَيْلَتَهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَكْثِرُوا مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ فَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا» رَوَاه الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَقَدْ رُوِيَ الْحَثُّ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ: «اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْت» وَلِمَا فِيهِ مِنْ سُوءِ الْأَدَبِ وَالْأَذَى (إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا فَلَا) يُكْرَهُ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ (لِلْحَاجَةِ) لِتَعْيِينِ مَكَانِهِ، وَأَلْحَقَ بِهِ فِي الْغُنْيَةِ الْمُؤَذِّنَ (أَوْ يَرَى) غَيْرُ الْإِمَامِ (فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ) أَيْ بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُمْ أَسْقَطُوا حَقَّ أَنْفُسِهِمْ بِتَأَخُّرِهِمْ.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ فَيَجْلِسَ مَكَانَهُ، وَلَوْ عَبْدَهُ) الْكَبِيرَ (أَوْ وَلَدَهُ الْكَبِيرَ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ.
وَإِنَّمَا هُوَ حَقٌّ دِينِيٌّ فَاسْتَوَى فِيهِ السَّيِّدُ وَعَبْدُهُ وَالْوَالِدُ وَوَلَدُهُ (أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ حَتَّى الْمُعَلِّمُ وَنَحْوُهُ) كَالْمُفْتِي وَالْمُحَدِّثِ، وَمَنْ يَجْلِسُ لِلْمُذَاكَرَةِ فِي الْفِقْهِ إذَا جَلَسَ إنْسَانٌ مَوْضِعَ حَلْقَتِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ إقَامَتُهُ، لِمَا رَوَى عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ أَخَاهُ مِنْ مَقْعَدِهِ وَيَجْلِسَ فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَقُولُ: افْسَحُوا قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «لَا يُقِيمُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ يُخَالِفُ إلَى مَقْعَدِهِ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: افْسَحُوا» وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ بَيْتُ اللَّهِ، وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ (إلَّا الصَّغِيرَ) حُرًّا، كَانَ أَوْ عَبْدًا، فَيُؤَخَّرُ لِمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ.
(وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ: تَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ) أَيْ صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ أَخَّرَ مُكَلَّفًا وَجَلَسَ مَكَانَهُ، لِشِبْهِهِ الْغَاصِبَ (إلَّا مَنْ جَلَسَ بِمَوْضِعٍ يَحْفَظُهُ لَهُ) أَيْ لِغَيْرِهِ (بِإِذْنِهِ أَوْ دُونَهُ) لِأَنَّ النَّائِبَ يَقُومُ بِاخْتِيَارِهِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَلِأَنَّهُ قَعَدَ فِيهِ لِحِفْظِهِ لَهُ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِإِقَامَتِهِ.
لَكِنْ إنْ جَلَسَ فِي مَكَانِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ الْمَارَّةِ أَوْ اسْتَقْبَلَ الْمُصَلِّينَ فِي مَكَان ضَيِّقٍ أُقِيمَ قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي.
(وَيُكْرَهُ إيثَارُهُ) غَيْرَهُ (بِمَكَانِهِ الْأَفْضَلِ) وَيَتَحَوَّلُ إلَى مَا دُونَهُ (كَالصَّفِّ الْأَوَّلِ وَنَحْوِهِ) وَكَيَمِينِ الْإِمَامِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرَّغْبَةِ عَنْ الْمَكَانِ الْأَفْضَلِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ آثَرَ بِهِ وَالِدَهُ وَنَحْوَهُ وَ(لَا) يُكْرَهُ لِلْمُؤْثَرِ (قَبُولُهُ) الْمَكَانَ الْأَفْضَلَ وَلَا رَدُّهُ قَالَ سِنْدِي: رَأَيْت الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَوْضِعِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ وَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَى مَوْضِعِك فَرَجَعَ إلَيْهِ (فَلَوْ آثَرَ) الْجَالِسُ بِمَكَانٍ أَفْضَلَ (زَيْدًا فَسَبَقَهُ إلَيْهِ عَمْرٌو حَرُمَ) عَلَى عَمْرٍو سَبْقُهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا، ثُمَّ آثَرَ بِهِ غَيْرَهُ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وُسِّعَ لِرَجُلٍ فِي طَرِيقٍ فَمَرَّ غَيْرُهُ، لِأَنَّهَا جُعِلَتْ لِلْمُرُورِ فِيهَا وَالْمَسْجِدُ جُعِلَ لِلْإِقَامَةِ فِيهِ.
(وَإِنْ وَجَدَ مُصَلًّى مَفْرُوشًا فَلَيْسَ لَهُ رَفْعُهُ) لِأَنَّهُ كَالنَّائِبِ عَنْهُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِافْتِيَاتِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَالْإِفْضَاءِ إلَى الْخُصُومَةِ، وَقَاسَهُ فِي الشَّرْحِ عَلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ، وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ (مَا لَمْ تَحْضُرْ الصَّلَاةُ) فَلَهُ رَفْعُهُ وَالصَّلَاةُ مَكَانَهُ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ بِنَفْسِهِ.
وَإِنَّمَا الْحُرْمَةُ لِرَبِّهِ وَلَمْ يَحْضُرْ، (وَلَا الْجُلُوسُ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ) وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ يُكْرَهُ، وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِتَحْرِيمِهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَعَهُ مَفْرُوشًا وَيُصَلِّي عَلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضِهِ أَوْ مُصَلَّاهُ بِلَا غَصْبٍ، صَحَّ النَّهْيُ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ: جَازَ وَصَحَّتْ وَلَعَلَّ مَا هُنَاكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا، أَوْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى مُصَلَّاهُ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا هُنَا لِغَيْبَتِهِ، وَفِيهِ شَيْءٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ إنْ حَرُمَ رَفْعُهُ أَيْ الْمُصَلَّى (فَلَهُ فَرْشُهُ) وَإِلَّا كُرِهَ (وَمَنَعَ مِنْهُ) أَيْ الْفَرْشِ (الشَّيْخُ، لِتَحَجُّرِهِ مَكَانًا مِنْ الْمَسْجِدِ) كَحَفْرِهِ فِي التُّرْبَةِ الْمُسَبَّلَةِ قَبْلَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَمَنْ قَامَ مِنْ مَوْضِعِهِ) مِنْ الْمَسْجِدِ (لِعَارِضٍ لَحِقَهُ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ قَرِيبًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ).
لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا «مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» وَقَيَّدَهُ فِي الْوَجِيزِ بِمَا إذَا عَادَ وَلَمْ يَتَشَاغَلْ بِغَيْرِهِ (مَا لَمْ يَكُنْ صَبِيًّا قَامَ فِي صَفٍّ فَاضِلٍ أَوْ فِي وَسَطِ الصَّفِّ) ثُمَّ قَامَ لِعَارِضٍ ثُمَّ عَادَ، فَيُؤَخَّرُ كَمَا لَوْ لَمْ يَقُمْ مِنْهُ بِالْأَوْلَى (فَإِنْ لَمْ يَصِلْ) الْعَائِدُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى مَكَانِهِ قَرِيبًا بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْهُ لِعَارِضٍ (إلَّا بِالتَّخَطِّي، جَازَ) لَهُ التَّخَطِّي (كَالْفُرْجَةِ) أَيْ كَمَنْ رَأَى فُرْجَةً لَا يَصِلُ إلَيْهَا إلَّا بِهِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَابْنُ تَمِيمٍ.
(وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَقْصُورَةِ الَّتِي تُحْمَى) لِلسُّلْطَانِ وَلِجُنْدِهِ (نَصًّا) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا، فَتَصِيرُ كَالْمَغْصُوبِ.
(وَمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ مُوجَزَتَيْنِ) أَيْ خَفِيفَتَيْنِ (تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ) يَخْطُبُ (فِي مَسْجِدٍ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ مُسْلِمٌ «وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا» وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُ.
(وَ) مَحَلُّ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي الْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ: إنْ (لَمْ يَخَفْ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ) فَإِنْ خَافَ تَرَكَهُمَا (وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا) لِمَفْهُومِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَتُسَنُّ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ فَأَكْثَرَ لِكُلِّ مَنْ دَخَلَهُ) أَيْ الْمَسْجِدَ (قَصَدَ الْجُلُوسَ) بِهِ (أَوْ لَا) لِعُمُومِ الْأَخْبَار (غَيْرَ خَطِيبٍ دَخَلَ لَهَا) أَيْ لِلْخُطْبَةِ، فَلَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ.
(وَ) غَيْرَ (قَيِّمِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ، فَلَا تُسَنُّ لَهُ التَّحِيَّةُ (لِتَكْرَارِ دُخُولِهِ) فَتَشُقُّ عَلَيْهِ.
(وَ) غَيْرَ (دَاخِلِهِ) أَيْ الْمَسْجِدِ (لِصَلَاةِ عِيدٍ) فَلَا يُصَلِّي التَّحِيَّةَ، لِمَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ (أَوْ) دَاخِلِهِ (وَالْإِمَامُ فِي مَكْتُوبَةٍ أَوْ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْإِقَامَةِ) لِحَدِيثِ «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ».
(وَ) غَيْرَ (دَاخِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) لِأَنَّ تَحِيَّتَهُ الطَّوَافُ (وَتُجْزِئُ رَاتِبَةٌ وَفَرِيضَةٌ، وَلَوْ) كَانَتَا (فَائِتَتَيْنِ عَنْهَا) أَيْ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا عَكْسُهُ.
وَتَقَدَّمَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مُوَضَّحًا (وَإِنْ نَوَى التَّحِيَّةَ وَالْفَرْضَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ: حُصُولُهُمَا) لَهُ كَنَظَائِرِهِمَا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ (فَإِنْ جَلَسَ قَبْلَ فِعْلِهَا) أَيْ التَّحِيَّةِ (قَامَ فَأَتَى بِهَا، إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ: فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَاتَ مَحَلُّهَا (وَلَا تَحْصُلُ) التَّحِيَّةُ (بِأَقَلَّ مِنْ رَكْعَتَيْنِ) لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ (وَلَا) تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ (بِصَلَاةِ جِنَازَةٍ) وَلَا سُجُودِ تِلَاوَةٍ وَلَا شُكْرٍ لِمَا سَبَقَ (وَتَقَدَّمَ: إذَا دَخَلَ وَهُوَ يُؤَذِّنُ) فَيَنْتَظِرُ فَرَاغَهُ، لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْإِجَابَةِ وَالتَّحِيَّةِ.
(وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَلَوْ كَانَ) الْإِمَامُ (غَيْرَ عَدْلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ قَالَ: صَهٍ فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَاَلَّذِي يَقُولُ: أَنْصِتْ لَيْسَ لَهُ جُمُعَةٌ» رَوَاه أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ «لَا جُمُعَةَ لَهُ» أَيْ كَامِلَةً وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ «إذَا سَمِعْت إمَامَك يَتَكَلَّمُ فَأَنْصِتْ حَتَّى يَفْرُغَ» رَوَاه أَحْمَدُ (إنْ كَانَ) الْمُتَكَلِّمُ (مِنْهُ) أَيْ الْإِمَامِ (بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ) بِخِلَافِ الْبَعِيدِ الَّذِي لَا يَسْمَعُهُ لِأَنَّ وُجُوبَ الْإِنْصَاتِ لِلِاسْتِمَاعِ وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَمِعٍ.
(وَلَوْ) كَانَ كَلَامُ الْمُتَكَلِّمِ (فِي حَالِ تَنَفُّسِهِ) أَيْ الْإِمَامِ، فَيَحْرُمُ (لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْخُطْبَةِ) لِأَنَّهُ يَسِيرٌ (إلَّا لَهُ) أَيْ الْكَلَامِ لِلْخَطِيبِ (أَوْ لِمَنْ كَلَّمَهُ لِمَصْلَحَةٍ) فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ سُلَيْكًا وَكَلَّمَهُ هُوَ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَسَأَلَ عُمَرُ عُثْمَانَ فَأَجَابَهُ، «وَسَأَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِسْقَاءَ» وَلِأَنَّهُ حَالَ كَلَامِ الْإِمَامِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ إيَّاهُ لَا يُشْغِلُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ.
(وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ الْكَلَامِ (قَبْلَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (وَبَعْدَهُمَا نَصًّا) لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعُمَرُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ قَامَ عُمَرُ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ حَتَّى يَقْضِيَ الْخُطْبَتَيْنِ».
(وَ) لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ (بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ إذَا سَكَتَ) لِأَنَّهُ لَا خُطْبَةَ حِينَئِذٍ يُنْصَتُ لَهَا (وَلَيْسَ لَهُ تَسْكِيتُ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (بَلْ) يُسْكِتُهُ (بِإِشَارَةٍ فَيَضَعُ أُصْبُعَهُ).
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ السَّبَّابَةُ (عَلَى فِيهِ) إشَارَةً بِالسُّكُوتِ، لِأَنَّ الْإِشَارَةَ تَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ، فَفِي الْخُطْبَةِ أَوْلَى (وَيَجِبُ) الْكَلَامُ (لِتَحْذِيرِ ضَرِيرٍ وَغَافِلٍ عَنْ بِئْرٍ)، وَعَنْ (هَلَكَةٍ، وَمَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ نَارًا أَوْ حَيَّةً وَنَحْوَهُ) مِمَّا يَقْتُلُهُ أَوْ يَضُرُّهُ لِإِبَاحَةِ قَطْعِ الصَّلَاةِ لِذَلِكَ.
(وَيُبَاحُ) الْكَلَامُ (إذَا شَرَعَ) الْخَطِيبُ (فِي الدُّعَاءِ) لِأَنَّهُ يَكُونُ قَدْ فَرَغَ مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ، وَالدُّعَاءُ لَا يَجِبُ الْإِنْصَاتُ لَهُ.
(وَلَوْ فِي دُعَاءٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا ذُكِرَ) فَيُصَلِّي عَلَيْهِ (سِرًّا، كَالدُّعَاءِ اتِّفَاقًا، قَالَهُ الشَّيْخُ وَقَالَ: رَفْعُ الصَّوْتِ قُدَّامَ بَعْضِ الْخُطَبَاءِ مَكْرُوهٌ، أَوْ مُحَرَّمٌ اتِّفَاقًا فَلَا يَرْفَعُ الْمُؤَذِّنُ وَلَا غَيْرُهُ صَوْتَهُ بِصَلَاةٍ وَلَا غَيْرِهَا).
وَفِي التَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى: وَلَهُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَمِعَهَا وَيُسَنُّ سِرًّا (وَلَا يُسَلِّمُ مَنْ دَخَلَ) عَلَى الْإِمَامِ وَلَا غَيْرِهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْخُطْبَةِ وَاسْتِمَاعهَا.
(وَيَجُوزُ تَأْمِينُهُ) أَيْ مُسْتَمِعِ الْخُطْبَةِ عَلَى الدُّعَاءِ (وَحَمْدُهُ خِفْيَةً إذَا عَطَسَ نَصًّا وَتَشْمِيتُ عَاطِسٍ وَرَدُّ سَلَامٍ نُطْقًا) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ الضَّرِيرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَإِشَارَةُ أَخْرَسَ مَفْهُومَةٌ كَكَلَامٍ) لِقِيَامِهَا مَقَامَهُ فِي الْبُيُوعِ وَغَيْرِهِ.
(وَيَجُوزُ لِمَنْ بَعُدَ عَنْ الْخَطِيبِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الِاشْتِغَالُ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ خِفْيَةً وَفِعْلُهُ أَفْضَلُ) مِنْ سُكُوتِهِ (نَصًّا) لِتَحْصِيلِ أَجْرِهِ (فَيَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ وَلَا إقْرَاءُ الْقُرْآنِ وَلَا الْمُذَاكَرَةُ فِي الْفِقْهِ) لِئَلَّا يُشْغِلَ غَيْرَهُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ.
وَفِي الْفُصُولِ: إنْ بَعُدَ وَلَمْ يَسْمَعْ هَمْهَمَةَ الْإِمَامِ جَازَ أَنْ يَقْرَأَ وَأَنْ يُذَاكِرَ فِي الْفِقْهِ ا هـ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُشْغِلْ غَيْرَهُ عَنْ الِاسْتِمَاعِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا أَشْغَلَ.
(وَلَا أَنْ يُصَلِّيَ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَحْرُمُ ابْتِدَاءُ غَيْرِ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ (أَوْ) أَيْ وَلَا أَنْ (يَجْلِسَ فِي حَلْقَةٍ) قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَيُكْرَهُ التَّحَلُّقُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَهَى عَنْ التَّحَلُّقِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
(وَلَا يَتَصَدَّقُ عَلَى سَائِلٍ وَقْتَ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ السَّائِلَ (فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ) لَهُ فِعْلُهُ، وَهُوَ الْكَلَامُ حَالَ الْخُطْبَةِ (فَلَا يُعِينُهُ) عَلَى مَا لَا يَجُوزُ.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: وَإِنْ حَصَبَ السَّائِلَ كَانَ أَعْجَبَ إلَيَّ) لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ لِسَائِلٍ سَأَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.
(وَلَا يُنَاوِلُهُ) أَيْ السَّائِلَ حَالَ الْخُطْبَةِ الصَّدَقَةَ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مُحَرَّمٍ (فَإِنْ سَأَلَ) الصَّدَقَةَ (قَبْلَهَا) أَيْ الْخُطْبَةِ (ثُمَّ جَلَسَ لَهَا) أَيْ لِلْخُطْبَةِ، أَيْ اسْتِمَاعِهَا (جَازَ) أَيْ التَّصَدُّقُ عَلَيْهِ وَمُنَاوَلَتُهُ الصَّدَقَةَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: هَذَا لَمْ يَسْأَلْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، (وَلَهُ الصَّدَقَةُ) حَالَ الْخُطْبَةِ (عَلَى مَنْ لَمْ يَسْأَلْ وَعَلَى مَنْ سَأَلَهَا) أَيْ الصَّدَقَةَ (الْإِمَامُ لَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَالصَّدَقَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَخُرُوجِهِ أَوْلَى) مِنْ الصَّدَقَةِ حَالَ الْخُطْبَةِ.
(وَيُكْرَهُ الْعَبَثُ حَالَ الْخُطْبَةِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْعَبَثَ يَمْنَعُ الْخُشُوعَ.
(وَكَذَا الشُّرْبُ) يُكْرَهُ حَالَ الْخُطْبَةِ إذَا كَانَ يُسْمَعُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ بِهِ أَشْبَهَ مَسَّ الْحَصَى (مَا لَمْ يَشْتَدَّ عَطَشُهُ) فَلَا يُكْرَهُ شُرْبُهُ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ وَجَزَمَ أَبُو الْمَعَالِي بِأَنَّهُ إذَنْ أَوْلَى.
وَفِي الْفُصُولِ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ شِرَاءَهُ بَعْدَ الْأَذَانِ يَقْطَعُهُ لِأَنَّهُ بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَكَذَا شِرَاؤُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَيَتَخَرَّجُ الْجَوَازُ لِلْحَاجَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَتَحْصِيلًا لِاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَمَنْ نَعَسَ سُنَّ انْتِقَالُهُ مِنْ مَكَانِهِ إنْ لَمْ يَتَخَطَّ) أَحَدًا فِي انْتِقَالِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي مَجْلِسِهِ فَلْيَتَحَوَّلْ إلَى غَيْرِهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ.
(وَلَا بَأْسَ بِشِرَاءِ مَاءِ الطَّهَارَةِ بَعْدَ أَذَانِ الْجُمُعَةِ أَوْ) شِرَاءِ (سُتْرَةٍ) لِعُرْيَانٍ لِلْحَاجَةِ وَيَأْتِي فِي الْبَيْعِ (وَتَأْتِي أَحْكَامُ الْبَيْعِ بَعْدَ النِّدَاءِ) الثَّانِي لِلْجُمُعَةِ (فِي الْبَيْعِ) مُفَصَّلَةً.
فَائِدَةٌ:
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَنْ يَنْتَظِرَ صَلَاةَ الْعَصْرَ فَيُصَلِّيَهَا فِي مَوْضِعِهِ، ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَكْثَرُ وَيُسْتَحَبُّ انْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا» وَكَلَامُهُ فِي جُلُوسِهِ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ إلَى طُلُوعِ شَمْسٍ وَغُرُوبِهَا قَدْ سَبَقَ قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ كَتْبُ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ الْأَوْرَاقَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا حَفَائِظَ فِي آخِرِ جُمُعَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الِاشْتِغَالِ عَنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ وَالِاتِّعَاظِ بِهَا وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ، وَهُوَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَوْقَاتِ وَكِتَابَةُ مَا لَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ كعسهلون وَنَحْوِهِ وَقَدْ يَكُونُ دَالًّا عَلَى مَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا مَشْرُوعٍ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ خَاتِمَةٌ رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ قَرَأَ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَثْنِيَ رِجْلَيْهِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ سَبْعًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَأُعْطِيَ مِنْ الْأَجْرِ بِعَدَدِ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ».