فصل: (فَصْلٌ): حَضَانَةُ الطفلِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): حَضَانَةُ الطفلِ:

(وَإِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلًا وَاتَّفَقَ أَبَوَاهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ فِي حَضَانَتِهِ إلَيْهِمَا لَا يَعْدُوهُمَا (وَإِنْ تَنَازَعَا) أَيْ الْأَبَوَانِ (فِيهِ) أَيْ فِي حَضَانَتِهِ (خَيَّرَهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَكَانَ مَعَ مَنْ اخْتَارَ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ أَبَوَيْهِ قَضَى بِهِ عُمَرُ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ وَعَلِيٌّ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ، وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ:
«جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عُيَيْنَةَ وَنَفَعَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ، فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ فَانْطَلَقَتْ بِهِ» رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلِأَنَّهُ إذَا مَالَ إلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ، وَقُيِّدَ بِالسَّبْعِ لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَالٍ أَمَرَ الشَّرْعُ فِيهَا بِمُخَاطَبَتِهِ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّهَا قُدِّمَتْ فِي حَالِ الصِّغَرِ لِحَاجَتِهِ إلَى حَمْلِهِ وَمُبَاشَرَةِ خِدْمَتِهِ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِذَلِكَ.
(قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَعَ السَّلَامَةِ مِنْ فَسَادٍ، فَأَمَّا إنْ عُلِمَ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَحَدَهُمَا لِيُمَكِّنَهُ مِنْ فَسَادٍ وَيَكْرَهُ الْآخَرَ لِلْأَدَبِ لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ انْتَهَى) لِأَنَّ ذَلِكَ إضَاعَةٌ لَهُ.
(وَلَا يُخَيَّرُ) الْغُلَامُ بَيْنَ أَبَوَيْهِ (قَبْلَ سَبْعٍ) لِمَا سَبَقَ (فَإِنْ اخْتَارَ) الْغُلَامُ (أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا يُمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِغْرَاءِ بِالْعُقُوقِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ (وَإِنْ مَرِضَ) الْغُلَامُ (كَانَتْ) أُمُّهُ (أَحَقَّ بِتَمْرِيضِهِ فِي بَيْتِهَا) لِأَنَّهُ صَارَ بِالْمَرَضِ كَالصَّغِيرِ فِي الْحَاجَةِ (وَإِنْ اخْتَارَ) الْغُلَامُ (أُمَّهُ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا) لِأَنَّهُ وَقْتُ السَّكَنِ وَانْحِيَازُ الرِّجَالِ إلَى الْمَنَازِلِ.
(وَ) يَكُونُ (عِنْدَ أَبِيهِ نَهَارًا لِيُعَلِّمَهُ الصِّنَاعَةَ وَالْكِتَابَةَ وَيُؤَدِّبَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقَصْدُ فِي حِفْظِ الْوَلَدِ (فَإِنْ عَادَ) الْغُلَامُ (فَاخْتَارَ الْآخَرَ نُقِلَ إلَيْهِ وَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الْأَوَّلَ رُدَّ إلَيْهِ هَكَذَا أَبَدًا) لِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ تَشَهٍّ وَقَدْ يَشْتَهِي أَحَدُهُمَا فِي وَقْتٍ دُونَ آخَرَ فَأُتْبِعَ بِمَا يَشْتَهِيهِ (فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَحَدَهُمَا أَوْ اخْتَارَهُمَا) أَيْ الْأَبَوَيْنِ (أُقْرِعَ) بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (ثُمَّ إنْ اخْتَارَ غَيْرَ مَنْ قُدِّمَ بِالْقُرْعَةِ رُدَّ إلَيْهِ) كَمَا لَوْ اخْتَارَهُ ابْتِدَاءً (وَلَا يُخَيَّرُ) الْغُلَامُ (إذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ) لِأَنَّ غَيْرَ الْأَهْلِ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (وَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ) الْغُلَامُ (عِنْدَ الْآخَرِ) الَّذِي هُوَ أَهْلٌ لِلْحَضَانَةِ كَمَا قَبْلَ السَّبْعِ.
(وَإِنْ اخْتَارَ) ابْنُ سَبْعٍ أَبَاهُ ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ رُدَّ إلَى الْأُمِّ لِحَاجَتِهِ إلَى مَنْ يَتَعَاهَدُهُ كَالصَّغِيرِ (وَبَطَلَ اخْتِيَارُهُ) لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لِكَلَامِهِ.
(وَالْجَارِيَةُ إذَا بَلَغَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَأَكْثَرَ فَعِنْدَ أَبُوهَا إلَى الْبُلُوغِ) وُجُوبًا (وَبَعْدَهُ) أَيْ الْبُلُوغِ تَكُونُ (عِنْدَهُ) أَيْ الْأَبِ (أَيْضًا إلَى الزِّفَافِ) بِوَزْنِ كِتَابٍ (وُجُوبًا وَلَوْ تَبَرَّعَتْ الْأُمُّ بِحَضَانَتِهَا) لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْحَضَانَةِ الْحِفْظُ، وَالْأَبُ أَحْفَظُ لَهَا وَإِنَّمَا تُخْطَبُ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ تَحْتَ نَظَرِهِ؛ لِيُؤْمَنَ عَلَيْهَا مِنْ دُخُولِ النِّسَاءِ، لِكَوْنِهَا مُعَرَّضَةً لِلْآفَاتِ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا لِلِانْخِدَاعِ لِغِرَّتِهَا، وَلِأَنَّهَا إذَا بَلَغَتْ السَّبْعَ قَارَبَتْ الصَّلَاحِيَةَ لِلتَّزْوِيجِ وَقَدْ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سَبْعٍ وَلَا يُصَارُ إلَى تَخْيِيرِهَا لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ فِيهَا (وَيَمْنَعُهَا) الْأَبُ مِنْ (الِانْفِرَادِ وَكَذَلِكَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) لِأَنَّهَا لَا تُؤْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا (وَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ فَإِنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَإِنَّ تَأْدِيبَهَا أَوْ تَخْرِيجَهَا فِي جَوْفِ الْبَيْتِ) مَنْ يُعَلِّمُهَا الْغَزْلَ وَالطَّبْخَ وَغَيْرَهُمَا وَلَا حَاجَةَ بِهَا إلَى الْإِخْرَاجِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْغُلَامِ (وَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا أَيْ الْأَبَوَيْنِ مِنْ زِيَارَتِهَا عِنْدَ الْآخَرِ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلًا عَلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُوَ الزَّوْجُ بِأُمِّهَا وَلَا يُطِيلُ) الْمَقَامَ لِأَنَّ الْأُمَّ صَارَتْ بِالْبَيْنُونَةِ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ (وَالْوَرَعُ إذَا زَارَتْ) امْرَأَةٌ (ابْنَتَهَا تَحَرِّي أَوْقَاتِ خُرُوجِ أَبِيهَا إلَى مَعَاشِهِ لِئَلَّا يَسْمَعَ كَلَامَهَا) وَالْكَلَامُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ، لَكِنْ يَحْرُمُ تَلَذُّذٌ بِسَمَاعِهِ (وَإِنْ مَرِضَتْ) الْبِنْتُ (فَالْأُمُّ أَحَقُّ بِتَمْرِيضِهَا فِي بَيْتِ الْأَبِ) لِحَاجَتِهَا إلَى ذَلِكَ.
(وَيَمْنَعُ) الْأُمَّ (مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا) أَيْ الْبِنْتِ (إنْ كَانَتْ الْبِنْتُ مُزَوَّجَةً إذَا خِيفَ) مِنْهَا (الْفِتْنَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا) وَالْإِضْرَارُ بِهِ (وَكَذَلِكَ الْغُلَامُ) تُمْنَعُ أُمُّهُ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهِ إذَا خِيفَ إفْسَادُهُ (وَإِنْ مَرِضَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، وَالْوَلَدُ عِنْدَ الْآخَرِ لَمْ يُمْنَعْ الْوَلَدُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ عِيَادَتِهِ) لِئَلَّا يَكُونَ إغْرَاءً بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ.
(وَ) لَا يُمْنَعُ مِنْ تَكَرُّرِ (ذَلِكَ) فَيُعِيدُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ (لَا) يُمْنَعُ أَيْضًا (مِنْ حُضُورِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَ) لَا مِنْ (تَوَلِّي جَهَازِهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ (وَأَمَّا فِي حَالِ الصِّحَّةِ فَالْغُلَامُ يَزُورُ أُمَّهُ) عَلَى الْعَادَةِ (وَالْأُمُّ تَزُورُ ابْنَتَهَا) كَمَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَالْبِنْتُ أَحَقُّ بِالسِّتْرِ وَالصِّيَانَةِ؛ لِأَنَّهَا مُخَدَّرَةٌ بِخِلَافِ أُمِّهَا.
(وَالْغُلَامُ يُزَوَّرُ أُمَّهُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ كَالْيَوْمِ فِي الْأُسْبُوعِ، وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ حَضَرَتْهُ أُمُّهُ) لِتُعَاهِدَ بَلَّ حَلْقِهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهَا أَرْفَقُ أَهْلِهِ (وَتَتَوَلَّى) مِنْ وَلَدِهَا إذَا اُحْتُضِرَ (مَا تَتَوَلَّاهُ حَالَ الْحَيَاةِ فَتَشْهَدُهُ فِي حَالِ نَزْعِهِ وَتَشُدُّ لِحْيَتَهُ وَتُوَجِّهُهُ) إلَى الْقِبْلَةِ (وَتُشْرِفُ عَلَى مَنْ يَتَوَلَّى غُسْلَهُ وَتَجْهِيزَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ (وَلَا تُمْنَعُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ إذَا طَلَبَتْهُ فَإِنْ أَرَادَتْ الْحُضُورَ بِمَا يُنَافِي الشَّرْعَ مِنْ تَخْرِيقِ ثَوْبٍ وَلَطْمِ خَدٍّ وَنَوْحٍ مُنِعَتْ) مِنْهُ كَمَا تُمْنَعُ لَوْ كَانَتْ فِي حِيَالِ زَوْجِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ (فَإِذَا امْتَنَعَتْ) مِنْ ذَلِكَ (وَإِلَّا حُجِبَتْ عَنْهُ إلَى أَنْ تَتْرُكَ الْمُنْكَرَ) فَيَجِبُ نَهْيُهَا وَكَفُّهَا عَنْهُ بِمَا يُزَالُ بِهِ الْمُنْكَرُ، وَلَا يَنْبَغِي لِينُ الْقَوْلِ لِلنِّسَاءِ فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فَأَكْثَرُ فِي حَضَانَةٍ مِمَّنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ كَالْأُخْتَيْنِ) شَقِيقَتَيْنِ أَوْ لِأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ (وَالْأَخَوَيْنِ) كَذَلِكَ (وَنَحْوِهِمَا) كَالْعَمَّيْنِ (قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِقُرْعَةٍ) لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ.
(فَإِذَا بَلَغَ) الْمَحْضُونُ (سَبْعًا وَلَوْ) كَانَ (أُنْثَى كَانَ عِنْدَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ) لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِلْبَعْضِ، وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ (وَسَائِرُ الْعَصَبَاتِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْهُمْ كَأَبٍ عِنْدَ عَدَمِهِ أَوْ عَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْأَبِ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ (فِي التَّخْيِيرِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأُمِّ إذَا بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعًا (وَالْإِقَامَةُ وَالنُّقْلَةُ) إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (إذَا كَانَ) الْعَصَبَةُ (مَحْرَمًا لِلْجَارِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ) وَلَوْ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ (وَسَائِرُ النِّسَاءِ الْمُسْتَحِقَّاتِ لَهَا) أَيْ لِلْحَضَانَةِ كَالْجَدَّةِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ (كَأُمٍّ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي التَّخْيِيرِ وَالْإِقَامَةِ وَالنُّقْلَةِ.
(وَلَا يُقَرُّ الطِّفْلُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (بِيَدِ مَنْ لَا يَصُونُهُ، وَ) لَا (يُصْلِحُهُ) لِأَنَّ وُجُودَ مَنْ لَا يَصُونُهُ وَلَا يُصْلِحُهُ كَعَدَمِهِ فَتُنْقَلُ عَنْهُ إلَى مَنْ يَلِيهِ (وَالْمَعْتُوهُ وَلَوْ أُنْثَى) يَكُونُ (عِنْدَ أُمِّهِ وَلَوْ بَعْدَ الْبُلُوغِ) لِحَاجَتِهِ إلَى مَنْ يَخْدُمُهُ وَيَقُومُ بِأَمْرِهِ، وَالنِّسَاءُ أَعْرَفُ بِذَلِكَ.
(تَتِمَّةٌ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ لَمْ أَقِفْ فِي الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَلَى نَقْلٍ، وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ حَتَّى يَجِيءَ فِي جَوَازِ اسْتِقْلَالِهِ وَانْفِرَادِهِ عَنْ أَبَوَيْهِ الْخِلَافُ.

.(كتابُ الْجِنَايَاتِ):

(وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ وَهِيَ) لُغَةً التَّعَدِّي عَلَى بَدَنٍ أَوْ مَالٍ، وَشَرْعًا (التَّعَدِّي عَلَى الْأَبْدَانِ بِمَا يُوجِبُ قِصَاصًا أَوْ غَيْرَهُ) أَيْ مَالًا أَوْ كَفَّارَةً وَسَمَّوْا الْجِنَايَةَ عَلَى الْأَمْوَالِ غَصْبًا وَنَهْبًا وَسَرِقَةً وَخِيَانَةً وَإِتْلَافًا (قَتْلُ الْآدَمِيِّ بِغَيْرِ حَقٍّ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مُرْتَدًّا، أَوْ زَانِيًا مُحْصَنًا، أَوْ قَاتِلًا لِمُكَافِئِهِ، أَوْ حَرْبِيًّا (ذَنْبٌ كَبِيرٌ وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} الْآيَةَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَمْرُهُ) أَيْ الْقَاتِلِ (إلَى اللَّهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (وَتَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَخَالَفَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا} الْآيَةَ وَهِيَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ لَمْ يَنْسَخْهُمَا شَيْءٌ وَحُجَّةُ الْأَكْثَرِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ فَهُوَ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَالْآيَةُ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ مُسْتَحِلًّا وَلَمْ يَتُبْ أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا جَزَاؤُهُ إنْ جَازَاهُ، وَلَهُ الْعَفْوُ إنْ شَاءَ لَا يُقَالُ لَفْظُ الْآيَةِ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَالْأَخْبَارُ لَا يَدْخُلُهَا النَّسْخُ لِأَنَّا نَقُولُ يَدْخُلُهَا التَّخْصِيصُ وَالتَّأْوِيلُ (وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْمَقْتُولِ فِي الْآخِرَةِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ) كَسَائِرِ حُقُوقِهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ: فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ الْمَقْتُولُ مِنْ حَسَنَاتِ الْقَاتِلِ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا.
(فَإِنْ اُقْتُصَّ) لِلْمَقْتُولِ مِنْ الْقَاتِلِ أَوْ عَفَا عَنْهُ أَيْ عَفَا وَلِيُّهُ عَنْ الْقِصَاصِ (فَهَلْ يُطَالِبُهُ الْمَقْتُولُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ) أَحَدُهُمَا يُطَالِبُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا.
(قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي حَدِيثِ صَاحِبِ النِّسْعَةِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ) فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «: إنَّمَا تُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِ صَاحِبِكِ» (فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قَتْلَ الْقِصَاصِ لَا يُكَفِّرُ ذَنْبَ الْقَاتِلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنْ كَفَّرَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَهُوَ) أَيْ قَتْلُ الْقِصَاصِ (كَفَّارَةٌ لَهُ) أَيْ لِحَقِّ اللَّهِ (وَيَبْقَى حَقُّ الْمَقْتُولِ) فَلَهُ الطَّلَبُ بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ النُّونِ مَعَ السِّينِ: النِّسْعَةُ بِالْكَسْرِ سَيْرٌ مَضْفُورٌ يُجْعَلُ زِمَامًا لِلْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يُنْسَجُ عَرِيضَةً تُجْعَلُ عَلَى صَدْرِ الْبَعِيرِ (وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ لَهُ تَتِمَّةٌ) وَتَوْضِيحٌ.
(وَالْقَتْلُ) وَهُوَ فِعْلُ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِزُهُوقِ النَّفْسِ وَهُوَ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْبَدَنَ (ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ) أَحَدُهَا (عَمْدٌ يَخْتَصُّ الْقِصَاصُ بِهِ) دُونَ قَسِيمَيْهِ.
(وَ) الثَّانِي (شِبْهُ عَمْدٍ وَ) الثَّالِثُ (خَطَأٌ) وَهَذَا تَقْسِيمُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ شِبْهَ الْعَمْدِ وَقَالَ: لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إلَّا الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ وَجَعَلَ شِبْهَ الْعَمْدِ مِنْ قِسْمِ الْعَمْدِ، وَحُكِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ:
«أَلَا إنَّ دِيَةَ الْخَطَإِ شِبْهِ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَذَا نَصٌّ فِي ثُبُوتِ شِبْهِ الْعَمْدِ.
وَقَسَّمَهُ الْمُوَفَّقُ فِي الْمُقْنِعِ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَزَادَ مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَإِ؛ وَهُوَ أَنْ يَنْقَلِبَ النَّائِمُ عَلَى شَخْصٍ فَيَقْتُلَهُ، وَمَنْ يُقْتَلُ بِسَبَبٍ كَحَفْرِ بِئْرٍ مُحَرَّمٍ وَنَحْوِهِ وَهَذِهِ الصُّوَرُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِسْمِ الْخَطَإِ (وَيُشْتَرَطُ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْقَصْدُ) فَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ الْقَتْلُ فَلَا قِصَاصَ؛ لِحَدِيثِ:
«عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (فَ) الْقَتْلُ (الْعَمْدُ أَنْ يَقْتُلَ قَصْدًا بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ) أَيْ الْمَقْتُولِ (بِهِ عَالِمًا بِكَوْنِهِ) أَيْ الْمَقْتُولِ (آدَمِيًّا مَعْصُومًا) فَلَا قِصَاصَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْقَتْلِ بِمَا لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ يَكُونُ اتِّفَاقًا لِسَبَبٍ أَوْجَبَ الْمَوْتَ غَيْرُهُ، وَإِلَّا لَمَا تَخَلَّفَ الْمَوْتُ عَنْهُ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْحَالِ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَكَذَا لَا قِصَاصَ إنْ لَمْ يَقْصِدْ أَوْ قَصَدَ غَيْرَ مَعْصُومٍ.
(وَهُوَ) أَيْ قَتْلُ الْعَمْدِ الْمُوجِبُ لِلْقِصَاصِ (تِسْعَةُ أَقْسَامٍ) لِلِاسْتِقْرَاءِ (أَحَدُهَا أَنْ يَجْرَحَهُ بِمُحَدِّدٍ لَهُ مَوْرٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ (أَيْ دُخُولٌ وَتَرَدُّدٌ فِي الْبَدَنِ بِقَطْعِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ كَسِكِّينٍ وَسَيْفٍ وَسِنَانٍ وَقَدُومٍ أَوْ يَغْرِزَهُ بِمِسَلَّةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ حَجَّام الْمُحَدِّدِ الْمَذْكُورِ (مِمَّا يُحَدِّدُ وَيَجْرَحُ مِنْ حَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَزُجَاجٍ وَحَجَرٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَعَظْمٍ- جُرْحًا وَلَوْ صَغِيرًا كَشَرْطِ حَجَّامٍ فَمَاتَ) الْمَجْرُوحُ (وَلَوْ طَالَتْ عِلَّتُهُ مِنْهُ وَلَا عِلَّةَ بِهِ غَيْرُهُ) أَيْ الْجُرْحِ وَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ كَالْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ الْمُحَدِّدَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فِي حُصُولِ الْقَتْلِ.
بِدَلِيلِ مَا لَوْ قَطَعَ شَحْمَةَ أُذُنِهِ أَوْ أُنْمُلَتَهُ فَمَاتَ، وَلِأَنَّ الْعَمْدَ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ اتِّحَادِ الْآلَةِ وَالْفِعْلِ بِسُرْعَةِ الْإِفْضَاءِ وَإِبْطَائِهِ؛ وَلِأَنَّ فِي الْبَدَنِ مَقَاتِلَ خَفِيَّةً وَهَذَا لَهُ سِرَايَةٌ وَمَوْرٌ فَأَشْبَهَ الْجُرْحَ الْكَبِيرَ (وَلَوْ لَمْ يُدَاوِهِ) أَيْ الْجُرْحَ (قَادِرٌ عَلَيْهِ) أَيْ الدَّوَاءِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ وَلَا مُسْتَحَبٍّ، فَتَرْكُهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ (أَوْ يَغْرِزُهُ) الْجَانِي (بِإِبْرَةٍ أَوْ شَوْكَةٍ وَنَحْوِهَا) مِنْ كُلِّ مُحَدِّدٍ صَغِيرٍ (فِي مَقْتَلٍ كَالْعَيْنِ وَالْفُؤَادِ) وَهُوَ الْقَلْبُ (وَالْخَاصِرَةِ وَالصُّدْغِ وَأَصْلِ الْأُذُنِ وَالْخُصْيَتَيْنِ فَمَاتَ) فِي الْحَالِ (أَوْ) جَرَحَهُ (بِإِبْرَةٍ وَنَحْوِهَا) فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ (كَالْأَلْيَةِ وَالْفَخِذِ فَمَاتَ فِي الْحَالِ أَوْ) لَمْ يَمُتْ فِي الْحَالِ لَكِنْ (بَقِيَ ضَمِنًا) بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مُتَأَلِّمًا (حَتَّى مَاتَ) فَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقَوَدُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِ الْجَانِي.
(وَإِنْ قَطَعَ) أَيْ أَبَانَ سِلْعَةً خَطِرَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ مُكَلَّفٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ (أَوْ بَطَّ أَيْ شَرَطَ سِلْعَةً خَطِرَةً) لِيُخْرِجَ مَاءَهَا (مِنْ أَجْنَبِيٍّ مُكَلَّفٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ جَرَحَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ جُرْحًا لَا يَجُوزُ لَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَحَيْثُ تَعَمَّدَهُ كَغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ، لَكِنْ إنْ جَنَتْ يَدُهُ أَوْ كَانَ غَيْرَ حَاذِقٍ ضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ (وَإِنْ فَعَلَهُ حَاكِمٌ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ) لِمَصْلَحَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (أَوْ) فَعَلَهُ (وَلِيُّهُمَا) أَيْ وَلِيُّ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (لِمَصْلَحَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ وَصِيَّهُ؛ لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ خَتَنَهُ فَمَاتَ.
الْقِسْمُ (الثَّانِي أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثْقَلٍ) كَبِيرٍ (فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ الَّذِي تَتَّخِذُهُ الْعَرَبُ لِبُيُوتِهَا فِيهِ رِقَّةٌ وَرَشَاقَةٌ لَا) بِمُثْقَلٍ (كَحُوٍّ) أَيْ كَعَمُودِ الْفُسْطَاطِ وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَقُومُ عَلَيْهَا بَيْتُ الشَّعْرِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا «سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ الَّتِي ضَرَبَتْ جَارِيَتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ فَقَتَلَتْهَا وَجَنِينَهَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ بِغُرَّةٍ وَبِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» وَالْعَاقِلَةُ لَا تَحْمِلُ الْعَمْدَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ بِعَمُودِ الْفُسْطَاطِ لَيْسَ بِعَمْدٍ وَأَنَّ الْعَمْدَ يَكُونُ بِمَا فَوْقَهُ.
(وَأَمَّا الْعَمُودُ تَتَّخِذُهُ التُّرْكُ وَغَيْرُهُمْ لِخِيَامِهِمْ فَالْقَتْلُ بِهِ عَمْدٌ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ يَضْرِبُهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ كَاللُّتِّ) بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ (نَوْعٌ مِنْ السِّلَاحِ، وَالدَّبُّوسِ وَعَقِبِ الْفَأْسِ وَالْكُوذِينَ: الْخَشَبَةُ الثَّقِيلَةُ الَّتِي يَدُقُّ بِهَا الدَّقَّاقُ الثِّيَابَ، وَالسِّنْدَانِ أَوْ) يَضْرِبُهُ (بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ يُلْقِي عَلَيْهِ حَائِطًا أَوْ سَقْفًا أَوْ صَخْرَةً أَوْ خَشَبَةً عَظِيمَةً، أَوْ يُلْقِيهِ مِنْ شَاهِقٍ أَوْ يُكَرِّرُ الضَّرْبَ) عَلَيْهِ (بِخَشَبَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا (أَوْ يَضْرِبُهُ بِهِ) أَيْ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْخَشَبَةِ الصَّغِيرَةِ أَوْ الْحَجَرِ الصَّغِيرِ مَرَّةً فِي مَقْتَلٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ (يَلْكُزُهُ بِيَدِهِ فِي مَقْتَلٍ أَوْ فِي حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ حَرٍّ مُفْرِطٍ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ وَنَحْوِهِ فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَقْتُلُ غَالِبًا.
(وَإِنْ ادَّعَى جَهْلَ الْمَرَضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يُقْبَلْ) وَكَذَا إنْ قَالَ لَمْ أَقْصِدْ قَتْلَهُ لَمْ يُصَدَّقْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الضَّرْبُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْخَشَبَةِ الصَّغِيرَةِ أَوْ الْحَجَرِ الصَّغِيرِ أَوْ اللَّكْزِ بِالْيَدِ فِي مَقْتَلٍ وَلَا فِي حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذَكَرَ (فَفِيهِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُ عَمْدُ الْخَطَإِ) لِكَوْنِهِ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا إذَنْ (إلَّا أَنْ يَصْغُرَ جِدًّا كَالضَّرْبَةِ بِالْقَلَمِ أَوْ الْإِصْبَعِ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ وَنَحْوِهِ أَوْ مَسَّهُ بِالْكَبِيرِ وَلَمْ يَضْرِبْهُ) بِهِ (فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ قَتْلٌ.
الْقِسْمُ (الثَّالِثُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَسَدٍ أَوْ نَمِرٍ بِضَيِّقٍ كَزُبْيَةٍ وَنَحْوِهَا، وَزُبْيَةُ الْأَسَدِ) بِضَمِّ الزَّايِ (حُفْرَةٌ تُحْفَرُ لَهُ شِبْهُ الْبِئْرِ) قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: الزُّبْيَةُ حُفْرَةٌ فِي مَوْضِعٍ عَالٍ يُصَادُ فِيهَا الْأَسَدُ وَغَيْرُهُ (فَيَفْعَلُ بِهِ) الْأَسَدُ وَنَحْوُهُ (بِمَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ الْإِلْقَاءَ فَقَدْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ فَعَلَ بِهِ) أَيْ الْأَسَدُ أَوْ نَحْوُهُ (مَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ الْإِلْقَاءَ فَقَدْ تَعَمَّدَ قَتْلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ فَعَلَ بِهِ) الْأَسَدُ وَنَحْوُهُ (فِعْلًا أَوْ فَعَلَهُ الْآدَمِيُّ لَمْ يَكُنْ عَمْدًا فَلَا قَوَدَ) لِأَنَّ السَّبُعَ صَارَ آلَةً لِلْآدَمِيِّ فَكَانَ فِعْلُهُ كَفِعْلِهِ.
(وَإِنْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِحَضْرَةِ سَبُعٍ فَقَتَلَهُ أَوْ) أَلْقَاهُ (بِمَضِيقٍ بِحَضْرَةِ حَيَّةٍ فَنَهَشَتْهُ، أَوْ لَسَعَهُ عَقْرَبٌ مِنْ الْقَوَاتِلِ فَقَتَلَهُ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّ هَذَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَكَانَ عَمْدًا مَحْضًا (وَإِنْ أَنْهَشَهُ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ سَوَاءٌ، وَقِيلَ: بِالْمُهْمَلَةِ الْأَخْذُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ، وَبِالْمُعْجَمَةِ بِالْأَضْرَاسِ (كَلْبًا أَوْ سَبُعًا) الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ (أَوْ حَيَّةً مِنْ الْقَوَاتِلِ وَهُوَ) أَيْ ذَلِكَ الْفِعْلُ (يَقْتُلُ غَالِبًا فَعَمْدٌ) يُقَادُ بِهِ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ كَانَ) مَا ذُكِرَ مِنْ إنْهَاشِ الْكَلْبِ أَوْ السَّبُعِ أَوْ الْحَيَّةِ (لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَثُعْبَانِ الْحِجَازِ أَوْ سَبُعً صَغِيرٍ) أَوْ كَلْبٍ صَغِيرٍ.
(أَوْ كَتَّفَهُ وَأَلْقَاهُ فِي أَرْضٍ غَيْرِ مَسْبَعَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ كَثِيرَةِ السِّبَاعِ (فَأَكَلَهُ سَبُعٌ أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ فَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ) فَيَضْمَنُهُ بِالدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ فِعْلًا تَلِفَ بِهِ وَهُوَ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا (وَكَذَلِكَ إنْ أَلْقَاهُ مَشْدُودًا فِي مَوْضِعٍ لَمْ يُعْهَدْ وُصُولُ زِيَادَةِ الْمَاءِ إلَيْهِ أَوْ تُحْتَمَلُ زِيَادَةُ الْمَاءِ وَعَدَمُهَا فِيهِ) فَوَصَلَتْ الزِّيَادَةُ وَمَاتَ بِهَا فَشِبْهُ عَمْدٍ لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ كَانَ يُعْلَمُ زِيَادَةُ الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ) وَأَلْقَاهُ مَشْدُودًا (فَمَاتَ بِهِ فَهُوَ عَمْدٌ) لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا.
الْقِسْمُ (الرَّابِعُ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ أَوْ نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْمَاءِ وَالنَّارِ (إمَّا لِكَثْرَتِهِمَا أَوْ لِعَجْزِهِ عَنْ التَّخَلُّصِ لِمَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ كَانَ مَرْبُوطًا أَوْ مَنَعَهُ الْخُرُوجُ كَوْنُهُ فِي حُفْرَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصُّعُودِ مِنْهَا وَنَحْوِ هَذَا فَمَاتَ) فَعَمْدٌ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بَعْدَ فِعْلٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إسْنَادُ الْقَتْلِ إلَيْهِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ عَمْدًا.
(أَوْ حَبَسَهُ فِي بَيْتٍ وَأَوْقَدَ فِيهِ نَارًا وَسَدَّ الْمَنَافِذَ) الَّتِي لِلْبَيْتِ (حَتَّى) اشْتَدَّ الدُّخَانُ وَضَاقَ بِهِ النَّفَسُ أَوْ دَفَنَهُ حَيًّا أَوْ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ ذَاتِ نَفْسٍ عَالِمًا بِذَلِكَ فَمَاتَ فَعَمْدٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتُلُ مِثْلُهُ غَالِبًا.
(وَإِنْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ فَلَبِثَ فِيهِ اخْتِيَارًا حَتَّى مَاتَ فَهَدَرٌ) لِأَنَّهُ مُهْلِكٌ لِنَفْسِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) أَلْقَاهُ (فِي نَارٍ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَاتَ فَلَا قَوَدَ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ (وَيَضْمَنُهُ بِالدِّيَةِ) لِأَنَّهُ جَانٍ بِالْإِلْقَاءِ الْمُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ وَهَذَا أَحَدُ وَجْهَيْنِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ انْتَهَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (وَإِنَّمَا تُعْلَمُ قُدْرَتُهُ) أَيْ الْمُلْقَى فِي الْمَاءِ أَوْ النَّارِ عَلَى التَّخَلُّصِ بِقَوْلِهِ: أَنَا قَادِرٌ (عَلَى التَّخَلُّصِ أَوْ نَحْوِ هَذَا).
الْقِسْمُ (الْخَامِسُ خَنَقَهُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ) وَهُوَ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْنُقَهُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ يُعَلِّقَهُ فِي نَحْوِ خَشَبَةٍ فَيَمُوتَ فَهُوَ عَمْدٌ؛ سَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ أَوْ بَقِيَ زَمَنًا؛ لِأَنَّ هَذَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ اللُّصُوصِ وَالْمُفْسِدِينَ، الثَّانِي: أَنْ يَخْنُقَهُ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ (أَوْ سَدَّ فَمَهُ وَأَنْفَهُ أَوْ عَصَرَ خُصْيَتَيْهِ حَتَّى مَاتَ) أَيْ عَصَرَهُمَا عَصْرًا يَقْتُلُهُ غَالِبًا فَمَاتَ (فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا فَعَمْدٌ) لِأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا، وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ سَدُّ الْفَمِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ فِي الْغَالِبِ لَا تَفُوتُ إلَّا بِسَدِّهِمَا (وَإِنْ كَانَ) سَدُّ الْفَمِ أَوْ الْأَنْفِ أَوْ عَصْرُ الْخُصْيَتَيْنِ (فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ) مِثْلُهُ (فِيهَا غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا إلَى الْغَايَةِ بِحَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ الْمَوْتُ فِيهِ فَمَاتَ فَهَدَرٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ (وَمَتَى خَنَقَهُ وَتَرَكَهُ سَالِمًا حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ الْقَوَدُ) لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ تَنَفَّسَ) الْمَخْنُوقُ (وَصَحَّ) بَعْد الْخَنْقِ (ثُمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ) عَلَى الْخَانِقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ بَرِئَ الْجُرْحُ ثُمَّ مَاتَ.
الْقِسْمُ (السَّادِسُ حَبَسَهُ وَمَعَهُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ أَوْ أَحَدُهُمَا) أَيْ الطَّعَامُ وَحْدَهُ أَوْ الشَّرَابُ (أَوْ) مَنَعَهُ (الدِّفَاءَ فِي الشِّتَاءِ وَلَيَالِيهِ الْبَارِدَةِ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ حَتَّى مَاتَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا أَوْ بَرْدًا فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا بِشَرْطِ أَنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ فَعَمْدٌ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِالْمَوْتِ عِنْدَ ذَلِكَ فَإِذَا تَعَمَّدَهُ الْإِنْسَانُ فَقَدْ تَعَمَّدَ الْقَتْلَ (فَإِنْ لَمْ يَتَعَذَّرْ) عَلَيْهِ الطَّلَبُ وَتَرَكَهُ حَتَّى مَاتَ (فَهَدَرٌ) لِأَنَّهُ الْمُهْلِكُ لِنَفْسِهِ (كَتَرْكِهِ شَدَّ مَوْضِعِ فِصَادِهِ، وَالْمُدَّةُ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا غَالِبًا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالزَّمَانِ وَالْأَحْوَالِ؛ فَإِذَا عَطِشَ فِي الْحَرِّ مَاتَ فِي الزَّمَانِ الْقَلِيلِ وَعَكْسُهُ فِي الْبَرْدِ وَإِنْ كَانَ) حَبَسَهُ مَعَ مَنْعِهِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ (فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ فِيهَا غَالِبًا فَ) هُوَ (عَمْدٌ لَا خَطَأٌ وَإِنْ شَكَكْنَا فِيهَا) أَيْ فِي الْمُدَّةِ هَلْ يَمُوتُ فِيهَا غَالِبًا أَوْ لَا؟ (لَمْ يَجِبْ الْقَوَدُ) لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مُوجِبِهِ.
الْقِسْمُ (السَّابِعُ سَقَاهُ سُمًّا لَا يَعْلَمُ) الْمَقْتُولُ (بِهِ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامٍ ثُمَّ أَطْعَمَهُ إيَّاهُ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامٍ آكَلَهُ فَأَكَلَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ) بِهِ (فَمَاتَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ كَانَ) ذَلِكَ السُّمُّ (مِثْلُهُ يَقْتُلُ غَالِبًا) لِمَا رُوِيَ أَنَّ يَهُودِيَّةً «أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةً فَأَكَلَ مِنْهَا النَّبِيُّ وَبَشِيرُ بْنُ الْعَلَاءِ فَلَمَّا مَاتَ بَشِيرٌ أَرْسَلَ إلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (وَإِنْ عَلِمَ آكِلُهُ) أَيْ السُّمِّ (بِهِ وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ فَلَا ضَمَانَ) كَمَا لَوْ قَدَّمَ إلَيْهِ سِكِّينًا فَقَتَلَ بِهَا نَفْسَهُ (وَإِنْ كَانَ) الْآكِلُ غَيْرَ مُكَلَّفٍ بِأَنْ كَانَ صَغِيرًا (أَوْ مَجْنُونًا ضَمِنَهُ) وَاضِعُ السُّمِّ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا عِبْرَةَ بِفِعْلِهِمَا (وَإِنْ خَلَطَهُ) أَيْ السُّمَّ (بِطَعَامِ نَفْسِهِ فَأَكَلَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَتَلَ نَفْسَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ حَفَرَ فِي دَارِهِ بِئْرًا لِيَقَعَ فِيهَا اللِّصُّ إذَا دَخَلَ يَسْرِقُ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْأَكْلِ.
(فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ بِالسُّمِّ عَدَمَ عِلْمِهِ أَنَّهُ قَاتِلٌ لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ؛ لِأَنَّ السُّمَّ يَقْتُلُ غَالِبًا (كَمَا لَوْ جَرَحَهُ وَقَالَ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ يَمُوتْ، وَإِنْ كَانَ) مَا سَقَاهُ لَهُ (سُمًّا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا) فَقَتَلَهُ (فَشِبْهُ عَمْدٍ) لِأَنَّهُ قَصَدَ الْجِنَايَةَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ اُخْتُلِفَ) فِي السُّمِّ الْمَسْقِيِّ لَهُ (هَلْ يَقْتُلُ غَالِبًا أَوْ لَا، وَثَمَّ بَيِّنَةٌ) لِأَحَدِهِمَا (عُمِلَ بِهَا) إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوِي الْخِبْرَةِ بِهِ (وَإِنْ قَالَتْ) الْبَيِّنَةُ إنَّ ذَلِكَ السُّمَّ (يَقْتُلُ النِّضْوَ الضَّعِيفَ دُونَ الْقَوِيِّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ عُمِلَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّاقِي) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ.
الْقِسْمُ (الثَّامِنُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا هُوَ عَمْدٌ) إذَا كَانَ السَّاحِرُ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ بِمُحَدِّدِ (وَإِنْ قَالَ) السَّاحِرُ (لَا أَعْلَمُهُ قَاتِلًا، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (فَهُوَ) أَيْ السِّحْرُ (كَسُمٍّ حُكْمًا) أَيْ فِي حُكْمِهِ السَّابِقِ (وَإِذَا وَجَبَ قَتْلُهُ) أَيْ السَّاحِرِ (بِالسِّحْرِ وَقُتِلَ) بِهِ (كَانَ قَتْلُهُ بِهِ حَدًّا) قَالَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَمُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ فِي الْحُدُودِ أَنَّهُ يُقْتَلُ قِصَاصًا لِتَقْدِيمِ حَقِّ الْآدَمِيِّ (وَتَجِبُ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي تَرِكَتِهِ) أَيْ السَّاحِرِ كَمَا لَوْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بِغَيْرِ الْمَسْحُورِ (وَالْمِعْيَانُ الَّذِي يَقْتُلُ بِعَيْنِهِ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: يَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالسَّاحِرِ الَّذِي يَقْتُلُ بِسِحْرِهِ غَالِبًا فَإِذَا كَانَتْ عَيْنُهُ يَسْتَطِيعُ الْقَتْلَ بِهَا وَيَفْعَلُهُ بِاخْتِيَارِهِ وَجَبَ بِهِ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ فَعَلَ بِهِ مَا يَقْتُلُ غَالِبًا (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِغَيْرِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ فَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ خَطَأٌ يَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي الْقَتْلِ الْخَطَإِ، وَكَذَا مَا أَتْلَفَهُ بِعَيْنِهِ يَتَوَجَّهُ فِيهِ الْقَوْلُ بِضَمَانِهِ إلَّا أَنْ يَقَعَ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَيَتَوَجَّهُ عَدَمُ الضَّمَانِ انْتَهَى وَيَأْتِي فِي التَّعْزِيرِ) وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بَلْ غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَإِنْ عَمَدَ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ سَاغَ لِلْوَالِي أَنْ يَقْتُلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ بِهِ فَيُعِينُهُ إنْ شَاءَ كَمَا أَعَانَ هُوَ الْمَقْتُولَ، وَأَمَّا قَتْلُهُ قِصَاصًا بِالسَّيْفِ فَلَا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمَاثِلٍ لِلْجِنَايَةِ، قَالَ: وَسَأَلْتُ شَيْخَنَا عَنْ الْقَتْلِ بِالْحَالِ هَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ؟ فَقَالَ: لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ بِالْحَالِ كَمَا قَتَلَ بِهِ.
وَفَرَّقَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الْمَشْهَدِ الثَّانِي مِنْ الْمَشَاهِدِ بَيْنَ الْعَائِنِ وَالسَّاحِرِ مِنْ وَجْهَيْنِ، وَالْعَيْنُ نَظَرٌ بِاسْتِحْسَانٍ مَشُوبٌ بِحَسَدٍ مِنْ خَبِيثِ الطَّبْعِ يَحْصُلُ لِلْمَنْظُورِ مِنْهُ ضَرَرٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْ سُمٍّ يَصِلُ مِنْ عَيْنِ الْعَائِنِ فِي الْهَوَاءِ إلَى بَدَنِ الْمَعْيُونُ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَضَعَ يَدَهَا فِي إنَاءِ اللَّبَنِ يَفْسُدُ، وَلَوْ وَضَعَتْهُ بَعْدَ طُهْرِهَا لَمْ يَفْسُدْ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ يَنْظُرُ فِي عَيْنِ الْأَرْمَدِ فَيَرْمَدُ، وَيَتَثَاءَبُ وَاحِدٌ بِحَضْرَتِهِ فَيَتَثَاءَبُ، قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ.
الْقِسْمُ (التَّاسِعُ أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ عَلَى شَخْصٍ بِقَتْلِ عَمْدٍ أَوْ رِدَّةٍ حَيْثُ امْتَنَعَتْ التَّوْبَةُ أَوْ) يَشْهَدَ (أَرْبَعَةٌ فَأَكْثَرُ بِزِنَا مُحْصَنٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ الْقَتْلَ فَقُتِلَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ رَجَعُوا وَاعْتَرَفُوا بِتَعَمُّدِ الْقَتْلِ فَعَلَيْهِمْ الْقِصَاصُ) لِمَا رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عِنْدَ عَلِيٍّ أَنَّهُ سَرَقَ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا؛ فَقَالَ عَلِيٌّ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا عَمَدْتُمَا لَقَطَعْتُ أَيْدِيَكُمَا» وَلِأَنَّهُمَا تَوَصَّلَا إلَى قَتْلِهِ بِسَبَبٍ يَقْتُلُ غَالِبًا أَشْبَهَ بِهِ الْمُكْرَهَ، وَقَوْلُهُ: حَيْثُ امْتَنَعَتْ التَّوْبَةُ بِأَنْ شَهِدَا أَنَّهُ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا تُقْبَلُ فِيهِ التَّوْبَةُ؛ إذْ يُمْكِنُهُ دَفْعُهُمَا بِالتَّوْبَةِ.
(وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ إذَا حَكَمَ عَلَى شَخْصٍ بِالْقَتْلِ عَالِمًا بِذَلِكَ) أَيْ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ (مُتَعَمِّدًا فَقَتَلَ وَاعْتَرَفَ) الْحَاكِمُ بِذَلِكَ (فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشُّهُودِ، فَكَانَ الْحَاصِلُ بِسَبَبِهِ عَمْدًا كَالْقَتْلِ الْحَاصِلِ بِسَبَبِ الشَّاهِدَيْنِ (وَلَوْ أَنَّ الْوَلِيَّ الَّذِي بَاشَرَ قَتْلَهُ أَقَرَّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِ الشُّهُودِ وَتَعَمَّدَ قَتْلَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْقَتْلَ عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ (فَإِنْ أَقَرَّ الشَّاهِدَانِ وَالْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ جَمِيعًا بِذَلِكَ) أَيْ بِالْكَذِبِ وَالتَّعَمُّدِ بِقَتْلِهِ (فَعَلَى الْوَلِيِّ الْمُبَاشِرِ) لِلْقَتْلِ (الْقِصَاصُ وَحْدَهُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْقَتْلَ عَمْدًا عُدْوَانًا قَالَ فِي الشَّرْحِ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى غَيْرِهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُمْ مُتَسَبِّبُونَ، وَالْمُبَاشَرَةُ يَبْطُلُ حُكْمُهَا كَالدَّافِعِ مَعَ الْحَافِرِ.
(وَإِنْ كَانَ الْوَلِيُّ لَمْ يُبَاشِرْ) الْقَتْلَ (وَإِنَّمَا بَاشَرَ وَكِيلُهُ؛ فَإِنْ كَانَ الْوَكِيلُ عَالِمًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ وَحْدَهُ) لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَكِيلُ عَالِمًا (فَعَلَى الْوَلِيِّ) الْقِصَاصُ كَمَا لَوْ بَاشَرَ (فَيَخْتَصُّ مُبَاشِرٌ عَالِمٌ بِالْقَوَدِ ثُمَّ وَلِيٌّ) عَالِمٌ (ثُمَّ بَيِّنَةٌ وَحَاكِمٌ وَمَتَى لَزِمَتْ الدِّيَةُ الْحَاكِمَ وَالْبَيِّنَةَ فَهِيَ بَيْنَهُمْ سَوَاءٌ عَلَى الْحَاكِمِ مِثْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ)؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُتَسَبِّبُونَ، وَلَوْ رَجَعَ الْوَلِيُّ وَالْبَيِّنَةُ ضَمِنَهُ الْوَلِيُّ وَحْدَهُ (لِمُبَاشَرَتِهِ الْقَتْلَ) وَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ: عَمَدْنَا قَتْلَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَخْطَأْنَا؛ يُرِيد كُلُّ قَائِلٍ نَفْسَهُ دُونَ الْبَعْضِ الْآخَرِ، قَالَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَاشِيَةِ الْفُرُوعِ، أَوْ قَالَ وَاحِدٌ: عَمَدْتُ قَتْلَهُ وَقَالَ الْآخَرُ: أَخْطَأْتُ، فَلَا قَوَدَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَمْ يَتَمَحَّضْ مُوجِبًا (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُتَعَمِّدِ (حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، (وَعَلَى الْمُخْطِئِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: تَعَمَّدْتُ وَأَخْطَأَ شَرِيكِي، أَوْ قَالَ وَاحِدُ: عَمَدْنَا جَمِيعًا، وَقَالَ الْآخَرُ: عَمَدْتُ وَأَخْطَأَ صَاحِبِي، أَوْ قَالَ وَاحِدٌ: عَمَدْتُ وَلَا أَدْرِي مَا فَعَلَ صَاحِبِي، فَعَلَيْهِمَا الْقَوَدُ) لِاعْتِرَافِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْقَتْلِ عُدْوَانًا (وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ: عَمَدْنَا) حَالَ كَوْنِهِ مُخْبِرًا عَنْهُ وَعَمَّنْ مَعَهُ وَقَالَ الْآخَرُ: أَخْطَأْنَا، (مُخْبِرًا عَنْهُ وَعَمَّنْ مَعَهُ لَزِمَ الْمُقِرَّ بِالْعَمْدِ الْقَوَدُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ.
(وَ) لَزِمَ (الْآخَرَ نِصْفُ الدِّيَةِ مُخَفَّفَةً إذَا كَانَا اثْنَيْنِ) فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَأَكْثَرَ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: عَمَدْنَا وَقَالَ آخَرُ: أَخْطَأْنَا، فَلَا قَوَدَ وَعَلَى مَنْ قَالَ عَمَدْنَا حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ، وَالْآخَرِ حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَلَوْ قَالَ: عَمَدْنَا الْإِشْهَادَ دُونَ الْقَتْلِ، فَالدِّيَةُ (وَإِنْ قَالَا: أَخْطَأْنَا، فَعَلَيْهِمَا الدِّيَةُ مُخَفَّفَةً).
(وَلَوْ حَفَرَ فِي بَيْتِهِ بِئْرًا وَسَتَرَهُ لِيَقَعَ فِيهِ أَحَدٌ فَوَقَعَ) فِيهَا أَحَدٌ (فَمَاتَ فَإِنْ كَانَ) الْوَاقِعُ (دَخَلَ بِإِذْنِهِ قُتِلَ بِهِ) لِتَسَبُّبِهِ فِي قَتْلِهِ (إلَّا إنْ دَخَلَ بِلَا إذْنِهِ أَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً بِحَيْثُ يَرَاهَا الدَّاخِلُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ) أَيْ الْقَتْلَ فَلَا يُقْتَلُ بِهِ، وَيَأْتِي بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا فِي الدِّيَاتِ.
(وَلَوْ جَعَلَ فِي حَلْقِ زَيْدٍ خُرَاطَةً) أَيْ حَبْلًا وَنَحْوَهُ (وَشَدَّهَا فِي شَيْءٍ عَالٍ وَتَرَكَ تَحْتَهُ حَجَرًا فَأَزَالَهُ آخَرُ عَمْدًا فَمَاتَ قُتِلَ مُزِيلُهُ دُونَ رَابِطِهِ) كَالْحَافِرِ مَعَ الدَّافِعِ (وَإِنْ جَهِلَ) الْمُزِيلُ (الْخُرَاطَةَ فَلَا قَوَدَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْقَتْلَ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي مَالِهِ الدِّيَةُ) جَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَمْدًا أَوْجَبَ الْقَوَدَ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
(وَلَوْ شَدَّ عَلَى ظَهْرِهِ قِرْبَةً مَنْفُوخَةً وَأَلْقَاهُ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ لَا يُحْسِنُ السِّبَاحَةَ فَجَاءَ آخَرُ وَخَرَقَ الْقِرْبَةَ فَخَرَجَ الْهَوَاءُ فَغَرَقَ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي)؛ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَالْأَوَّلُ مُتَسَبِّبٍ (وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَنَّ الدَّالَّ) عَلَى الْمَقْتُولِ لِيُقْتَلَ ظُلْمًا (يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ إنْ تَعَمَّدَ) وَعَلِمَ الْحَالَ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا تَعَذَّرَ تَضْمِينُ الْمُبَاشِرِ وَإِلَّا فَهُوَ الْأَصْلُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الدَّالُّ (فَ) عَلَيْهِ (الدِّيَةُ وَ) اخْتَارَ الشَّيْخُ أَيْضًا (أَنَّ الْآمِرَ) بِالْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ (لَا يَرِثُ) مِنْ الْمَقْتُولِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ لَهُ تَسَبُّبًا فِي الْقَتْلِ.