فصل: (فَصْلٌ): رفع اليدين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: قراءة الْبَسْمَلَةِ سِرًّا:

(ثُمَّ يَقْرَأُ الْبَسْمَلَةَ سِرًّا) نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ (ثُمَّ) يَقْرَأُ (سُورَةً كَامِلَةً) قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ (وَتَجُوزُ) أَيْ: تُجْزِئُ (آيَةٌ، إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ اسْتَحَبَّ أَنْ تَكُونَ) الْآيَةُ (طَوِيلَةً، كَآيَةِ الدَّيْنِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ) لِتُشْبِهَ بَعْضَ السُّوَرِ الْقِصَارِ قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ إجْزَاءِ آيَةٍ لَا تَسْتَقِلُّ بِمَعْنًى أَوْ حُكْمٍ نَحْوِ {ثُمَّ نَظَرَ} {مُدْهَامَّتَانِ} كَمَا يَأْتِي عَنْ أَبِي الْمَعَالِي فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ (فَإِنْ قَرَأَ مِنْ أَثْنَاءِ سُورَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَسْمِلَ نَصًّا) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَيَجُوزُ قِرَاءَةُ آخِرِ سُورَةٍ وَأَوْسَطِهَا، فَيُسَمِّي إذَنْ وَظَاهِرٌ حَتَّى بَرَاءَةَ وَلِبَعْضِ الْقُرَّاءِ فِيهِ تَرَدُّدٌ (وَإِنْ كَانَ) يَقْرَأُ (فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ شَاءَ جَهَرَ بِهَا) أَيْ: الْبَسْمَلَةِ (وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ) بِهَا، كَمَا يُخَيَّرُ فِي الْقِرَاءَةِ.
(وَيُكْرَهُ الِاقْتِصَارُ) فِي الصَّلَاةِ (عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ (تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي الْفَجْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ) لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) وَنَحْوِهَا، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ إلَى التَّخْفِيفِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى أَنْ «اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَاقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ، وَاقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَهُوَ السَّبْعُ السَّابِعُ، سُمِّيَ بِهِ لِكَثْرَةِ فُصُولِهِ (وَأَوَّلُهُ) أَيْ الْمُفَصَّلِ سُورَةُ ق لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ.
قَالَ: سَأَلْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْف يُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: ثُلُثٌ وَخُمُسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أَوَّلَ الْمُفَصَّلِ السُّورَةُ التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ، مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ لَا مِنْ الْفَاتِحَةِ وَهِيَ ق، قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ.
وَفِي الْفُنُونِ: أَوَّلُهُ الْحُجُرَاتُ (وَيُكْرَهُ) أَنْ يَقْرَأَ (بِقِصَارِهِ فِي الْفَجْرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَنَحْوِهِمَا) كَغَلَبَةِ نُعَاسٍ وَخَوْفٍ، لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ (وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ) أَيْ: الْمُفَصَّلِ، لِمَا يَأْتِي.
(وَلَا يُكْرَهُ) أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ (بِطِوَالِهِ) أَيْ: الْمُفَصَّلِ (إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) يَقْتَضِي التَّخْفِيفَ (نَصًّا) لِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ، فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ».
(وَ) يَقْرَأُ (فِي الْبَاقِي) وَهُوَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ (مِنْ أَوْسَاطِهِ) أَيْ: الْمُفَصَّلِ، لِمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ، قَالَ سُلَيْمَانُ فَصَلَّيْت خَلْفَهُ، فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْغَدَاةِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ، وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ، وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ لَهُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) مِنْ مَرَضٍ وَسَفَرٍ وَنَحْوِهِمَا (فَإِنْ كَانَ) ثَمَّ عُذْرٌ (لَمْ يُكْرَهْ) أَنْ يَقْرَأَ (بِأَقْصَرَ مِنْهُ) أَيْ: مِمَّا ذَكَرَ، وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ وَإِنْ قَصُرَتْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضِهَا، وَلَا يُعْتَدُّ بِالسُّورَةِ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ.
(وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ اسْتِحْبَابًا فِي الصُّبْحِ، وَأُولَتَيْ الْمَغْرِبِ وَ) أُولَتَيْ (الْعِشَاءِ) إجْمَاعًا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ.
(وَيُكْرَهُ) الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ (لِمَأْمُومٍ) لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْإِنْصَاتِ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ (وَيُخَيَّرُ مُنْفَرِدٌ وَقَائِمٌ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ بَيْنَ جَهْرٍ) بِالْقِرَاءَةِ (وَإِخْفَاتٍ) بِهَا، لِأَنَّهُ يُرَادُ مِنْهُ إسْمَاعُ غَيْرِهِ وَلَا اسْتِمَاعُهُ، بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ.
(وَلَا بَأْسَ بِجَهْرِ امْرَأَةٍ) فِي الْجَهْرِيَّةِ (إذَا لَمْ يَسْمَعْهَا أَجْنَبِيٌّ) مِنْهَا، بِأَنْ كَانَتْ تُصَلِّي وَحْدَهَا، أَوْ مَعَ مَحْرَمِهَا، أَوْ مَعَ النِّسَاءِ (وَخُنْثَى مِثْلِهَا) أَيْ مِثْلِ الْمَرْأَةِ فِي الْجَهْرِ وَعَدَمِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ: أَنَّهُ إذَا سَمِعَهَا أَجْنَبِيٌّ أَنَّهَا تُسِرُّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وُجُوبًا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَلَا تَرْفَعْ صَوْتَهَا قَالَ الْقَاضِي: أُطْلِقَ الْمَنْعُ (وَيُسِرُّ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ جَهْرٍ) كَعِشَاءٍ أَوْ صُبْحٍ قَضَاهَا (نَهَارًا وَلَوْ جَمَاعَةً) اعْتِبَارًا بِزَمَنِ الْقَضَاءِ (كَصَلَاةِ سِرٍّ) قَضَاهَا وَلَوْ لَيْلًا، اعْتِبَارًا بِالْمَقْضِيَّةِ (وَيَجْهَرُ بِالْجَهْرِيَّةِ) كَأُولَتَيْ الْمَغْرِبِ إذَا قَضَاهَا (لَيْلًا فِي جَمَاعَةٍ فَقَطْ) اعْتِبَارًا بِالْقَضَاءِ، وَشَبَهِهَا بِالْأَدَاءِ، لِكَوْنِهَا فِي جَمَاعَةٍ، فَإِنْ قَضَاهَا مُنْفَرِدًا أَسَرَّهَا لِفَوَاتِ شَبَهِهَا بِالْأَدَاءِ.
(وَيُكْرَهُ جَهْرُهُ) أَيْ: الْمُصَلِّي (فِي نَفْلٍ نَهَارًا) لِحَدِيثِ «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» (وَ) الْمُتَنَفِّلُ (لَيْلًا يُرَاعِي الْمَصْلَحَةَ) فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ مَنْ يَتَأَذَّى بِجَهْرِهِ أَسَرَّ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِجَهْرِهِ جَهَرَ (وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالنَّهَارِ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، لَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَبِاللَّيْلِ مِنْ غُرُوبِهَا) أَيْ: الشَّمْسِ (إلَى طُلُوعِهَا قَالَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ).
وَتَقَدَّمَ فِي الْأَذَانِ مَعْنَاهُ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَصِحُّ الْفَجْرُ بَعْدَ نِصْفَ اللَّيْلِ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصُّبْحَ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ فِي الْمَوَاقِيتِ (وَإِنْ أَسَرَّ فِي) مَحَلِّ (جَهْرٍ، أَوْ جَهَرَ فِي) مَحَلِّ (سِرٍّ بَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ) لِصِحَّتِهَا، وَالْجَهْرُ وَالسِّرُّ سُنَّةٌ لَا يُبْطِلُ تَرْكُهُ الْقِرَاءَةَ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ كَمَا فِي الْمُصْحَفِ مِنْ تَرْتِيبِ السُّوَرِ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: أَعْجَبُ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْبَقَرَةِ إلَى أَسْفَلَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَنْقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيَحْرُمُ تَنْكِيسُ الْكَلِمَاتِ) أَيْ: كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ، لِإِخْلَالِهِ بِنَظْمِهِ (وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِإِخْلَالِ نَظْمِهِ كَلَامًا أَجْنَبِيًّا، يُبْطِلُ الصَّلَاةَ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ.
(وَيُكْرَهُ تَنْكِيسُ السُّوَرِ) كَأَنْ يَقْرَأَ {أَلَمْ نَشْرَحْ} ثُمَّ يَقْرَأَ بَعْدَهَا {وَالضُّحَى} سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ (فِي رَكْعَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا فَقَالَ: ذَلِكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ وَفَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنْ يَقْرَأَ سُورَةً ثُمَّ يَقْرَأَ بَعْدَهَا أُخْرَى هِيَ قَبْلَهَا فِي النَّظْمِ ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي الشَّرْحِ (كَالْآيَاتِ) أَيْ: كَمَا يُكْرَهُ تَنْكِيسُ الْآيَاتِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وِفَاقًا قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَلَوْ قِيلَ بِالتَّحْرِيمِ فِي تَنْكِيسِ الْآيَاتِ.
كَمَا يَأْتِي مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ: أَنَّهُ وَاجِبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ النَّصِّ، وَتَغْيِيرِ الْمَعْنَى- كَانَ مُتَّجَهًا وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ فَقَطْ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَالِاحْتِجَاجُ بِتَعَلُّمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ كَانَ لِلْحَاجَةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كَانَ يَنْزِلُ بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ،.
وَ(قَالَ الشَّيْخُ تَرْتِيبُ الْآيَاتِ وَاجِبٌ لِأَنَّ تَرْتِيبَهَا بِالنَّصِّ إجْمَاعًا).
(وَتَرْتِيبُ السُّوَرِ بِالِاجْتِهَادِ لَا بِالنَّصِّ، وَفِي قَوْلِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ، مِنْهُمْ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَتَجُوزُ قِرَاءَةُ هَذِهِ) السُّورَةِ (قَبْلَ هَذِهِ) السُّورَةِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَلَّمَ كَذَلِكَ (وَكَذَا فِي الْكِتَابَةِ) أَيْ: تَجُوزُ كِتَابَةُ هَذِهِ قَبْلَ هَذِهِ.
(وَلِهَذَا تَنَوَّعَتْ مَصَاحِفُ الصَّحَابَةِ فِي كِتَابَتِهَا، لَكِنْ لَمَّا اتَّفَقُوا عَلَى الْمُصْحَفِ زَمَنَ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (صَارَ هَذَا مِمَّا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ) أَيْ: حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عُضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» الْحَدِيثَ (عَلَى أَنَّ لَهُمْ سُنَّةً يَجِبُ اتِّبَاعُهَا) لِقَوْلِهِ «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ» (وَإِنْ قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ تَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ).
قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ وَافَقَ قِرَاءَةَ أَحَدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وَيَحْرُمُ) قِرَاءَةُ مَا خَرَجَ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ (لِعَدَمِ تَوَاتُرِهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ) أَنْ يَقْرَأَ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ (وَ) عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ (تَصِحُّ) صَلَاتُهُ (إذَا صَحَّ سَنَدُهُ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُصَلُّونَ بِقِرَاءَتِهِمْ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدِهِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ صَحِيحَةً بِغَيْرِ شَكٍّ (وَتَصِحُّ) الصَّلَاةُ (بِمَا وَافَقَ الْمُصْحَفَ) الْعُثْمَانِيَّ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَشَرَةِ نَصًّا) أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مُصْحَفِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ كَسُورَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَزِيَادَةِ بَعْضِ الْكَلِمَاتِ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: وَصَحَّ سَنَدُهُ عَنْ صَحَابِيٍّ، قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَالْعَشَرَةُ هُمْ قُرَّاءُ الْإِسْلَامِ الْمَشْهُورُونَ، فَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ اثْنَانِ: الْأَوَّلُ أَبُو جَعْفَرٍ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ،.
وَالثَّانِي نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ، وَمِنْ أَهْلِ مَكَّةَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، وَمِنْ أَهْلِ الشَّامِ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ، وَمِنْ الْبَصْرَةِ: أَبُو عَمْرٍو يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، وَمِنْ الْكُوفَةِ: عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ بَهْدَلَةَ، وَحَمْزَةُ بْنُ حَبِيبٍ الزَّيَّاتُ الْقَسْمَلِيُّ، وَأَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ حَمْزَةَ الْكِسَائِيُّ، وَخَلَفُ بْنُ هِشَامٍ الْبَزَّارُ.
(وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ قِرَاءَةَ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ) لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْكَسْرِ وَالْإِدْغَامِ وَالتَّكَلُّفِ وَزِيَادَةِ الْمَدِّ وَأَنْكَرَهَا السَّلَفُ، مِنْهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يَكْرَهْ أَحْمَدُ غَيْرَهُمَا وَعَنْهُ (وَالْإِدْغَامُ الْكَبِيرُ لِأَبِي عَمْرٍو) لِلْإِدْغَامِ الشَّدِيدِ.
(وَاخْتَارَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (قِرَاءَةَ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ) لِأَنَّ إسْمَاعِيلَ قَرَأَ عَلَى شَيْبَةَ شَيْخِ نَافِعٍ (ثُمَّ قِرَاءَةَ عَاصِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَيَّاشٍ) لِأَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَلَى عُثْمَانَ وَعَلَى زَيْدٍ وَأُبَيُّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَارَهَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ أَضْبَطُ مَنْ أَخَذَ عَنْهُ مَعَ عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَزُهْدٍ، وَقَالَ لَهُ الْمَيْمُونِيُّ: أَيُّ الْقِرَاءَاتِ تَخْتَارُ لِي فَأَقْرَأُ بِهَا؟ قَالَ: قِرَاءَةُ ابْنِ الْعَلَاءِ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَالْفُصَحَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ زِيَادَةُ حَرْفٍ مِثْلُ: فَأَزَلَّهُمَا، وَأَزَالَهُمَا، وَوَصَّى وَأَوْصَى، فَهِيَ أَوْلَى، لِأَجْلِ عَشْرِ الْحَسَنَاتِ نَقَلَهُ حَرْبٌ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَنَّ الْحَرْفَ الْكَلِمَةُ.

.(فَصْلٌ): رفع اليدين:

(ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ) إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ (كَرَفْعِهِ الْأَوَّلِ) عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ (بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْقِرَاءَةِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ ثَبَتَ قَائِمًا، وَسَكَتَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِ نَفَسُهُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ وَلَا يَصِلُ قِرَاءَتَهُ بِتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ، قَالَهُ أَحْمَدُ، لِحَدِيثِ سَمُرَةَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ، «إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ سَكَتَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَيَكُونُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ (مَعَ ابْتِدَاءِ الرُّكُوعِ) اسْتِحْبَابًا فِي قَوْلِ خَلَائِقَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ، حَتَّى يُحَاذِيَ مَنْكِبَيْهِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَبَعْدَ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَكَانَ عُمَرُ إذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَصَبَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْفَعَ وَمَضَى عَمَلُ السَّلَفِ عَلَى هَذَا (مُكَبِّرًا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَيَضَعُ يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، مُلْقِمًا كُلَّ يَدٍ رُكْبَةً) لِمَا فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ «وَإِذَا رَكَعْتَ فَضَعْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْك» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَرَّجَ أَصَابِعَهُ مِنْ وَرَاءِ رُكْبَتَيْهِ» (وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِيًا) وَيَجْعَلُ (رَأْسَهُ حِيَالِهِ) أَيْ: بِإِزَاءِ (ظَهْرِهِ) لَا يَرْفَعْهُ وَلَا يَخْفِضْهُ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ «إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَا تَحَرَّكَ، لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ» ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» (وَيُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ) لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَرَ يَدَيْهِ، فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُطْبِقَ إحْدَى رَاحَتَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَيَجْعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ) وَهَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نُسِخَ، «وَقَدْ فَعَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ: كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ فَأَمَرَنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، (وَقَدْرُ الْإِجْزَاءِ) فِي الرُّكُوعِ (انْحِنَاؤُهُ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ نَصًّا، إذَا كَانَ وَسَطًا مِنْ النَّاسِ، لَا طَوِيلَ الْيَدَيْنِ، وَلَا قَصِيرَهُمَا) لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى رَاكِعًا بِدُونِهِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْقِيَامِ إلَى الرُّكُوعِ إلَّا بِهِ.
(وَقَدْرُهُ) أَيْ: الِانْحِنَاءِ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ لَوْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ (فِي حَقِّهِمَا) أَيْ: طَوِيلَ الْيَدَيْنِ وَقَصِيرَهُمَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: أَوْ قَدْرُهُ مِنْ غَيْرِهِ أَيْ: غَيْرِ الْوَسَطِ مِنْ النَّاسِ، قَالَ الْمَجْدُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ تَيْمِيَّةَ الْحَرَّانِيُّ: وَضَابِطُ الْإِجْزَاءِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ (بِحَيْثُ) عِبَارَتِهِ: أَنْ (يَكُونَ انْحِنَاؤُهُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُعْتَدِلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْقِيَامِ الْمُعْتَدِلِ) وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ أَوْضَحْت ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ.
وَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ عَلِيلَتَيْنِ لَا يُمْكِنُهُ وَضْعُهُمَا انْحَنَى وَلَمْ يَضَعْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا عَلِيلَةً وَضَعَ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ (وَقَدْرُهُ) أَيْ: الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ (مِنْ قَاعِدٍ مُقَابَلَةُ وَجِهَةِ مَا قُدَّامَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ أَدْنَى مُقَابَلَةٍ، وَتَتِمَّتُهَا) أَيْ: الْمُقَابَلَةِ (الْكَمَالُ) أَيْ: كَمَالُ الرُّكُوعِ مِنْ الْقَاعِدِ، قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ.
(وَيَقُولُ) فِي رُكُوعِهِ: (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ، وَفِي سُجُودِهِ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ.
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ، فَلَمَّا نَزَلَتْ {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى} قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد.
وَالْأَفْضَلُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ «وَبِحَمْدِهِ» وَالْوَاجِبُ مَرَّةٌ كَمَا يَأْتِي، وَالسُّنَّةُ (ثَلَاثًا، وَهُوَ أَدْنَى الْكَمَالِ) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ «إذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ» وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَأَعْلَاهُ، أَيْ: الْكَمَالِ فِي حَقِّ إمَامٍ إلَى عَشْرِ تَسْبِيحَاتٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُصَلِّي كَصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَزَرُوا ذَلِكَ بِعَشْرِ تَسْبِيحَاتٍ».
وَقَالَ أَحْمَدُ جَاءَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ التَّسْبِيحَ التَّامَّ سَبْعٌ وَالْوَسَطُ خَمْسٌ وَأَدْنَاهُ ثَلَاثٌ (وَ) (أَعْلَاهُ) التَّسْبِيحِ (فِي حَقِّ إمَامٍ إلَى عَشْرٍ وَمُنْفَرِدٍ: الْعُرْفُ) وَقِيلَ: مَا لَمْ يَخَفْ سَهْوًا.
وَقِيلَ: بِقَدْرِ قِيَامِهِ وَقِيلَ: سَبْعٌ (وَكَذَا سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فِي سُجُودِهِ) أَيْ: حُكْمُهَا حُكْمُ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَالْكَمَالُ فِي رَبِّ اغْفِرْ لِي) بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ (ثَلَاثٌ وَمَحَلُّ ذَلِكَ: فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ) فِي الْكُلِّ لِمَا فِيهَا مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّطْوِيلِ (وَلَوْ انْحَنَى لِتَنَاوُلِ شَيْءٍ، وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ الرُّكُوعُ لَمْ يُجْزِئْهُ) الِانْحِنَاءُ (عَنْهُ) أَيْ: الرُّكُوعِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ.
(وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّهَا حَالُ ذُلٍّ وَانْخِفَاضٍ وَالْقُرْآنُ أَشْرَفُ الْكَلَامِ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مَعَ يَدَيْهِ كَرَفْعِهِ الْأَوَّلِ) فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ، إلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ (قَائِلًا إمَامٌ وَمُنْفَرِدٌ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، مُرَتَّبًا وُجُوبًا) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ.
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِبُرَيْدَةَ: يَا بُرَيْدَةُ، إذَا رَفَعْت رَأْسَك مِنْ الرُّكُوعِ فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَلَوْ قَالَ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ: سَمِعَ لَهُ، لَمْ يُجْزِئْهُ لِتَغْيِيرِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْأَوَّلَ صِيغَةٌ تَصْلُحُ لِلدُّعَاءِ (وَمَعْنَى سَمِعَ أَجَابَ) أَيْ: اسْتَجَابَ وَالثَّانِي: صِيغَةُ شَرْطٍ وَجَزَاءٍ، لَا تَصْلُحُ لِذَلِكَ، فَافْتَرَقَا (ثُمَّ إنْ شَاءَ أَرْسَلَ يَدَيْهِ) مِنْ غَيْرِ وَضْعِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى (وَإِنْ شَاءَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ نَصًّا) أَيْ: نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى تَخْيِيرِهِ بَيْنَهُمَا (فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا قَالَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ.
قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (مِلْءَ السَّمَوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ).
لِمَا رَوَى عَلِيٌّ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ، وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُقْنِعِ وَالْمُنْتَهَى «مِلْءَ السَّمَاءِ» لِأَنَّهُ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَالْمُنْفَرِدُ كَالْإِمَامِ، خُصُوصًا وَقَدْ عَضَّدَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
(وَ) نَقَلَ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ (إنْ شَاءَ زَادَ عَلَى ذَلِكَ أَهْلَ الثَّنَاء وَالْمَجْدِ) قَالَ أَحْمَدُ وَأَنَا أَقُولُهُ وَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَفْصٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا وَتَبِعَهُمْ فِي الْإِنْصَافِ وَظَاهِرُ التَّنْقِيحِ: لَا يُسْتَحَبُّ وَ«أَهْلَ» مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ، أَوْ مَرْفُوعٌ عَلَى الْخَبَرِ، لِمَحْذُوفٍ، أَيْ: أَنْتَ أَهْلُهُمَا «أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ» رَوَاه مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ (أَوْ) يَقُولُ (غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ) وَمِنْهُ «اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ، اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي مِنْ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ».
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ الزِّيَادَةِ لِمَنْ يَكْتَفِي فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ بِأَدْنَى الْكَمَالِ، (وَالْمَأْمُومُ يَحْمَدُ) أَيْ: يَقُولُ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ (فَقَطْ فِي حَالِ رَفْعِهِ) مِنْ الرُّكُوعِ.
لِمَا رَوَى أَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، فَأَمَّا قَوْلُ «مِلْءَ السَّمَاءِ» وَمَا بَعْدَهُ فَلَا يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَصَرَ عَلَى أَمْرِهِمْ بِقَوْلِ «رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهُمْ سِوَاهُ (وَلِلْمُصَلِّي) إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا (قَوْلُ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، بِلَا وَاوٍ) لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِهِ (وَبِهَا) أَيْ: بِالْوَاوِ (أَفْضَلُ) نَصَّ عَلَيْهِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ حُرُوفًا وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ: رَبَّنَا حَمِدْنَاك، وَلَك الْحَمْدُ، لِأَنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ مَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْكَلَامِ مُقَدَّرًا (وَإِنْ شَاءَ) الْمُصَلِّي.
(قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، بِلَا وَاوٍ) نَقَلَهُ ابْنُ مَنْصُورٍ، لِوُرُودِهِ فِي خَبَرَيْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ (أَفْضَلُ) مِنْهُ مَعَ الْوَاوِ (وَإِنْ شَاءَ) قَالَهُ (بِوَاوٍ) فَيَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَذَلِكَ كُلُّهُ بِحَسَبِ الرِّوَايَاتِ صِحَّةً وَكَثْرَةً، وَضِدَّهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِزِيَادَةِ الْحُرُوفِ وَقِلَّتِهَا.
تَنْبِيهٌ يَجُوزُ فِي «مِلْءَ السَّمَوَاتِ» وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ النَّصْبُ، عَلَى الْحَالِ أَيْ: مَالِئًا، وَالرَّفْعُ عَلَى الصِّفَةِ أَيْ: حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ أَيْ: كَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يَعْلَمُ سِعَتَهُ إلَّا اللَّهُ وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا» وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ فِي الْأَخْبَارِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَالْأَصْحَابُ.
(وَإِنْ عَطَسَ) الْمُصَلِّي (حَالَ رَفْعِهِ) مِنْ الرُّكُوعِ (فَحَمِدَ) اللَّهَ (لَهُمَا جَمِيعًا) بِأَنْ قَالَ «رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ» وَنَحْوَهُ مِمَّا وَرَدَ نَاوِيًا بِهِ الْعُطَاسَ، وَذَكَرَ الِانْتِقَالَ (لَمْ يُجْزِئْهُ نَصًّا وَلَا تَبْطُلُ بِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُخْلِصْهُ لِلرَّفْعِ، وَصَحَّحَ الْمُوَفَّقُ الْإِجْزَاءَ، كَمَا لَوْ قَالَهُ ذَاهِلًا، وَإِنْ نَوَى أَحَدَهُمَا تَعَيَّنَ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْآخَرِ (وَمِثْلُ ذَلِكَ: لَوْ أَرَادَ الشُّرُوعَ فِي الْفَاتِحَةِ فَعَطَسَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، يَنْوِي بِذَلِكَ عَنْ الْعُطَاسِ وَالْقِرَاءَةِ) لَمْ يُجْزِئْهُ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي مَوَاضِعِهِ مِنْ تَمَامِ) فَضِيلَةِ (الصَّلَاةِ) وَسُنَنِهَا (مَنْ رَفَعَ) يَدَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ، فَهُوَ (أَتَمُّ صَلَاةً مِمَّنْ لَمْ يَرْفَعْ) يَدَيْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَخْبَارِ، نَصَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى: لَا يَنْهَاك عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إلَّا مُبْتَدِعٌ، فَعَلَ ذَلِكَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَرْفَعُ مَنْ صَلَّى قَائِمًا وَجَالِسًا فَرْضًا وَنَفْلًا، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، (وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُسَبِّحْ فِي رُكُوعِهِ لَمْ يَعُدْ إلَى الرُّكُوعِ، إذَا ذَكَرَهُ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ) لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى رُكْنٍ مَقْصُودٍ، فَلَا يَعُودُ إلَى وَاجِبٍ (فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى التَّسْبِيحِ بَعْدَ اعْتِدَالِهِ (فَقَدْ زَادَ رُكُوعًا، تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ) كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ نَسِيَ التَّسْبِيحَ.
(فَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ: عَادَ إلَى التَّسْبِيحِ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ (نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ بِذَلِكَ (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) وُجُوبًا لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِعْلِيَّةٌ (فَإِنْ أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي هَذَا الرُّكُوعِ) الْعَائِدِ بِهِ إلَى التَّسْبِيحِ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا (لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ) لِأَنَّهُ مَلْغِيٌّ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي سُجُودِ السَّهْوِ) مُوَضَّحًا (ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ) لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ قَالَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ، وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاه النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ شَرِيكٍ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ غَيْرٍ طَرِيقِ شَرِيكٍ وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِالْمُصَلِّي، وَأَحْسَنُ فِي الشَّكْلِ، وَرَأْيِ الْعَيْنِ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْبَعِيرِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ، فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: حَدِيثُ وَائِلٍ أَصَحُّ.
وَقَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَبِتَقْدِيرِ مُسَاوَاتِهِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ، لِمَا رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ «كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ، فَأُمِرْنَا بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ» لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ هُنَا الْكَفَّانِ (ثُمَّ) يَضَعُ (جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ).
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ وَيُمَكِّنُ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ، لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ أَمْكَنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَيُمَكِّنُ (رَاحَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ) أَيْ: مِنْ مُصَلَّاهُ (وَيَكُونُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ» ذَكَرَ مِنْهَا أَطْرَافَ الْقَدَمَيْنِ (وَتَكُونُ) أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ (مُفَرَّقَةً، إنْ لَمْ يَكُنْ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلٌ أَوْ خُفٌّ) وَتَكُونُ (مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ) لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ».
وَفِي رِوَايَةٍ وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ قَوْلُهُ فَتَخَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ: أَيْ: نَصَبَهُمَا، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ إنَّهُ يُقِيمُ قَدَمَيْهِ، وَيَجْعَلُ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ وَفِيهِ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْصَقَ كَعْبَهُ فِي سُجُودِهِ.
تَتِمَّةٌ إذَا سَقَطَ عَلَى جَنْبِهِ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنْ الرُّكُوعِ، ثُمَّ انْقَلَبَ سَاجِدًا لَمْ يُجْزِهِ سُجُودُهُ، حَتَّى يَنْوِيَهُ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهَيْئَتِهَا، وَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ سَاجِدًا، أَجْزَأَهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ لِأَنَّهُ عَلَى هَيْئَتِهَا، فَلَوْ قَطَعَ النِّيَّةَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْهُ، قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ: وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ.
(وَلَوْ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ عَادَ فَأَتَى بِذَلِكَ) أَيْ: بِالرُّكُوعِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا يُسْقِطُ فَرْضَهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْتَدِئَهُ عَنْ انْتِصَابٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ (وَإِنْ) رَكَعَ (اطْمَأَنَّ) ثُمَّ سَقَطَ (عَادَ) وُجُوبًا (فَانْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ يَسْجُدُ) لِيَحْصُلَ فَرْضُ الِاعْتِدَالِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنْهُ فِي مَوْضِعِهِ.
(فَإِنْ) رَكَعَ وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ (اعْتَلَّ) بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ (حَتَّى يَسْجُدَ، سَقَطَ) عَنْهُ الرَّفْعُ لِعَجْزِهِ عَنْهُ، وَيَسْجُدُ عَنْ الرُّكُوعِ، فَإِنْ زَالَتْ الْعِلَّةُ قَبْلَ سُجُودِهِ بِالْأَرْضِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الْقِيَامِ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ حُصُولِهِ فِي الرُّكْنِ الَّذِي بَعْدَهُ، فَلَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ (وَإِنْ عَلَا مَوْضِعُ رَأْسِهِ عَلَى) مَوْضِعِ (قَدَمَيْهِ فَلَمْ تَسْتَعْلِ الْأَسَافِلُ بِلَا حَاجَةٍ فَلَا بَأْسَ بِيَسِيرِهِ) صَحَّحَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ.
(وَيُكْرَهُ بِكَثِيرِهِ) أَيْ: يُكْرَهُ الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ (وَلَا يُجْزِئُ) سُجُودُهُ مَعَ عَدَمِ اسْتِعْلَاءِ الْأَسَافِلِ (إنْ خَرَجَ عَنْ صِفَةِ السُّجُودِ) لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ سَاجِدًا (وَالسُّجُودُ بِالْمُصَلِّي عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ) السَّبْعَةِ: الْجَبْهَةِ، وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَالْقَدَمَيْنِ (مَعَ الْأَنْفِ: رُكْنٌ مَعَ الْقُدْرَةِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، عَلَى الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ، وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ، وَكَفَّاهُ، وَرُكْبَتَاهُ، وَقَدَمَاهُ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ «سَجَدَ وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ: لَا يَنْفِي سُجُودَ مَا عَدَاهُ وَإِنَّمَا خَصَّهُ لِأَنَّ الْجَبْهَةَ هِيَ الْأَصْلُ فَمَتَى أَخَلَّ بِالسُّجُودِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ لَمْ يَصِحَّ.
(وَإِنْ عَجَزَ) عَنْ السُّجُودِ (بِالْجَبْهَةِ أَوْ مَا أَمْكَنَهُ، وَسَقَطَ لُزُومُ بَاقِي الْأَعْضَاءِ) لِأَنَّ الْجَبْهَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي السُّجُودِ، وَغَيْرَهَا تَبَعٌ لَهَا، فَإِذَا سَقَطَ الْأَصْلُ سَقَطَ التَّبَعُ، وَدَلِيلُ التَّبَعِيَّةِ: مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ، فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ: أَنَّ الْيَدَيْنِ يُوضَعَانِ بَعْدَ وَضْعِ الْوَجْهِ، لِمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ: أَنَّ السُّجُودَ بِهِمَا تَبَعٌ لِلسُّجُودِ بِالْوَجْهِ وَبَاقِي الْأَعْضَاءِ مِثْلُهُمَا فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ الْفَارِقِ (وَإِنْ قَدَرَ) عَلَى السُّجُودِ (بِهَا) أَيْ: الْجَبْهَةِ (تَبِعَهَا الْبَاقِي) مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَيُجْزِئُ) فِي السُّجُودِ (بَعْضُ كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ إذَا سَجَدَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ فِي الْحَدِيثِ وَيُجْزِئُهُ.
(وَلَوْ عَلَى ظَهْرِ كَفٍّ وَ) ظَهْرِ (قَدَمٍ وَنَحْوِهِمَا) كَمَا لَوْ سَجَدَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ أَوْ قَدَمَيْهِ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ، لِأَنَّهُ قَدْ سَجَدَ عَلَى قَدَمَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ.
وَ(لَا) يُجْزِئُهُ السُّجُودُ (إنْ كَانَ بَعْضُهَا) أَيْ: بَعْضُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ (فَوْقَ بَعْضٍ) كَوَضْعِ يَدَيْهِ تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ أَوْ جَبْهَتِهِ عَلَى يَدَيْهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَدَاخُلِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ (وَيُسْتَحَبُّ مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِبَاطِنِ كَفَّيْهِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِمَا حَائِلٌ مُتَّصِلٌ بِهِ (وَضَمُّ أَصَابِعِهِمَا مُوَجَّهَةً نَحْوَ الْقِبْلَةِ غَيْرَ مَقْبُوضَةٍ، رَافِعًا مِرْفَقَيْهِ) لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْك».
(وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ: السَّاجِدِ (مُبَاشَرَةُ الْمُصَلَّى بِشَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ (حَتَّى الْجَبْهَةِ).
أَمَّا سُقُوطُ الْمُبَاشَرَةِ بِالْقَدَمَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ فَإِجْمَاعٌ لِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَأَمَّا سُقُوطُ الْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدَيْنِ فَقَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ وَهُوَ يَتَّقِي الطِّينَ إذَا سَجَدَ بِكِسَاءٍ عَلَيْهِ، يَجْعَلُهُ دُونَ يَدَيْهِ إلَى الْأَرْضِ إذَا سَجَدَ» وَفِي رِوَايَةٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ، يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا» رَوَاهمَا أَحْمَدُ.
وَأَمَّا سُقُوطُ الْمُبَاشَرَةِ بِالْجَبْهَةِ فَلِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ.
وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ (لَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهَا) أَيْ: تَرْكُ الْمُبَاشَرَةِ بِالْيَدَيْنِ وَالْجَبْهَةِ (بِلَا عُذْرٍ) مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَيَأْتِي بِالْعَزِيمَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَهُ السُّجُودَ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ (فَلَوْ سَجَدَ عَلَى مُتَّصِل بِهِ غَيْرِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ، كَكَوْرِ عِمَامَتِهِ) بِفَتْحِ الْكَافِ، يُقَالُ: كَارَ عِمَامَتَهُ يُكَوِّرُهَا كَوْرًا، مِنْ بَابِ قَالَ (وَكُمِّهِ وَذَيْلِهِ وَنَحْوِهِ صَحَّتْ) صَلَاتُهُ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَمْ يُكْرَهْ لِعُذْرٍ، كَحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ وَإِلَّا كُرِهَ.
(وَيُكْرَهُ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ) لِأَنَّهُ تَبْدُو بِهِ الْعَوْرَةُ غَالِبًا (كـ) مَا يُكْرَهُ (سَتْرُ الْيَدَيْنِ) لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِ كَشْفِهِمَا.
(وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِمَكَانٍ شَدِيدِ الْحَرِّ أَوْ) شَدِيدِ (الْبَرْدِ) مَعَ إمْكَانِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ يَذْهَبُ بِالْخُشُوعِ وَيَمْنَعُ كَمَالَ الصَّلَاةِ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (وَيُسَنُّ) لِلسَّاجِدِ (أَنْ يُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ) وَأَنْ يُجَافِيَ (بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) وَأَنْ يُجَافِيَ (فَخِذَيْهِ عَنْ سَاقَيْهِ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُحَيْنَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ فِي سُجُودِهِ، حَتَّى يُرَى وَضَحَ إبِطَيْهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ أَمْكَنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي رِسَالَتِهِ: جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ إذَا سَجَدَ لَوْ مَرَّتْ بَهِيمَةٌ لَنَفَرَتْ» وَذَلِكَ لِشِدَّةِ رَفْعِ مِرْفَقَيْهِ وَعَضُدَيْهِ (مَا لَمْ يُؤْذِ جَارَهُ) الَّذِي بِجَانِبَيْهِ بِفِعْلِ ذَلِكَ فَيَجِبُ تَرْكُهُ لِحُصُولِ الْإِيذَاءِ الْمُحَرَّمِ مِنْ أَجْلِ فِعْلِهِ (وَيَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُد (وَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ بِمِرْفَقَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ إنْ طَالَ) سُجُودُهُ، لِيَسْتَرِيحَ بِذَلِكَ.
(وَ) يُسَنُّ أَنْ (يُفَرِّقَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَرِجْلَيْهِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَجَدَ فَرَّقَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ (وَيَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، وَحُكْمُهُ كَتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ) وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَلَا بَأْسَ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ لِعُذْرٍ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ، فَوَضَعَهُ، ثُمَّ كَبَّرَ فَصَلَّى، فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، فَلَمَّا قَضَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّك سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَيْ صَلَاتِك سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ، وَأَنَّهُ يُوحَى إلَيْك، قَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنْ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ «ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا» وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ، وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ.
(وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى، وَيُخْرِجُهَا مِنْ تَحْتِهِ، وَيَجْعَلُ بُطُونَ أَصَابِعِهَا عَلَى الْأَرْضِ مُفَرَّقَةً، مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا لِتَكُونَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهَا إلَى الْقِبْلَةِ) لِقَوْلِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَيْهَا، وَاعْتَدَلَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ».
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (بَاسِطًا يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، مَضْمُومَةَ الْأَصَابِعِ) قِيَاسًا عَلَى جُلُوسِ التَّشَهُّدِ، وَلِأَنَّ هَذَا مِمَّا تَوَارَثَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ (قَائِلًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي) لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي،» رَوَاه النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ.
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ، وَإِنْ قَالَ: رَبِّ اغْفِرْ لَنَا أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، فَلَا بَأْسَ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (ثَلَاثًا، وَهُوَ الْكَمَالُ هُنَا، وَتَقَدَّمَ) عِنْدَ ذِكْرِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ لِمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي، وَعَافَنِي» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَلَا تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى قَوْلِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَلَا عَلَى سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَ) لَا عَلَى (سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، مِمَّا وَرَدَ) مِنْ دُعَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَمِنْهُ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ، دِقَّهُ وَجُلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَسِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَأَمَّا السُّجُودُ: فَأَكْثِرُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَمَعْنَى قَمِنٌ حَقِيقٌ وَجَدِيرٌ، (ثُمَّ يَسْجُدُ) السَّجْدَةَ (الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى) فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ وَالْهَيْئَةِ.
لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفْعَلُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا شُرِعَ تَكْرَارُ السُّجُودِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّ السُّجُودَ أَبْلَغُ مَا يَكُونُ فِي التَّوَاضُعِ، لِأَنَّ الْمُصَلِّي لَمَّا تَرَقَّى فِي الْخِدْمَةِ، بِأَنْ قَامَ، ثُمَّ رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَدْ أَتَى بِغَايَةِ الْخِدْمَةِ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ فِي الْجُلُوسِ فِي خِدْمَةِ الْمَعْبُودِ، فَسَجَدَ ثَانِيًا شُكْرًا عَلَى اخْتِصَاصِهِ إيَّاهُ بِالْخِدْمَةِ وَعَلَى اسْتِخْلَاصِهِ مِنْ غَوَايَةِ الشَّيْطَانِ إلَى عِبَادَةِ الرَّحْمَنِ (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ (قَائِمًا عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ، مُعْتَمِدًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ، إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ أَشَقُّ فَكَانَ أَفْضَلَ، كَالتَّجَافِي (إلَّا أَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ) الِاعْتِمَادُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، لِكِبَرٍ، أَوْ ضَعْفٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ سِمَنٍ، وَنَحْوِهِ (فَيَعْتَمِدُ بِالْأَرْضِ) لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إذَا نَهَضَ أَنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ».
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ) إذَا قَامَ، ذَكَرَهُ فِي الْغُنْيَةِ، وَكَذَا فِي رِسَالَةِ أَحْمَدَ، وَفِيهَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَلَا تُسْتَحَبُّ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ، وَهِيَ جِلْسَةٌ يَسِيرَةٌ صِفَتُهَا كَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ بَعْدَهَا قِيَامٌ، وَالِاسْتِرَاحَةُ طَلَبُ الرَّاحَةِ كَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ إعْيَاءٌ فَيَجْلِسُ لِيَزُولَ عَنْهُ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ اسْتِحْبَابِهَا مُطْلَقًا: هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ، وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُود وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَحْمَدُ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا، قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: تِلْكَ السُّنَّةُ، وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ: أَدْرَكْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ، أَيْ: لَا يَجْلِسُ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لِلْمَطْلُوبِ، كَحَدِيثِ إثْبَاتِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَاخْتِيَارِ الْخَلَّالِ رِوَايَةَ الْجُلُوسِ لَهَا، وَقَالَ: رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إلَى هَذَا، لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ، جَلَسَ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَيْضًا أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي، وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا» رَوَاه الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا وَابْنَ مَاجَهْ، وَذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِهِ وَالْمَصِيرُ إلَيْهِ.
وَأُجِيبُ: بِأَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ عِنْدَ كِبَرِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ.