فصل: (فَصْلٌ): في شروط القطع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): شروط الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ:

(وَيُشْتَرَطُ لِلْقَطْعِ) فِي السَّرِقَةِ (انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَالْجَدُّ وَالْجَدَّةُ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ وَالْأَبِ) لِأَنَّ بَيْنَهُمْ قَرَابَةٌ تَمْنَعُ شَهَادَةَ أَحَدِهِمْ لِلْآخَرِ فَلَمْ يُقْطَعْ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ كَالْأَبِ بِسَرِقَةِ مَالِ ابْنِهِ.
(وَلَا) قَطْعَ (بِسَرِقَةِ) وَلَدٍ (مَالَ وَالِدِهِ وَإِنْ عَلَا) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِلْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ فِي مَالِ وَالِدِهِ حِفْظًا لَهُ فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ لِحِفْظِهِ مَالَهُ (وَيُقْطَعُ سَائِرُ) أَيْ بَاقِي (الْأَقَارِبِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ أَقَارِبِهِمْ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَمَنْ عَدَاهُمْ) كَالْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ هُنَا لَا تَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا تَمْنَعُ الْقَطْعَ وَلِأَنَّ الْآيَةَ وَالْأَخْبَارَ تَعُمُّ كُلَّ سَارِقٍ خَرَجَ مِنْهُ عَمُودُ النَّسَبِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُمَا عَلَى الْأَصْلِ (وَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالِ سَيِّدِهِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ: «أَنَّهُ جَاءَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الْحَضْرَمِيُّ بِغُلَامٍ لَهُ فَقَالَ: إنَّ غُلَامِي قَدْ سَرَقَ فَاقْطَعْ يَدَهُ: فَقَالَ عُمَرُ: خَادِمُكُمْ أَخَذَ مَالَكُمْ» وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «لَا أَقْطَعُ، مَالُكَ سَرَقَ مَالَكَ».
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ:
«أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ وَقَالَ: مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا» (وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمَكَاتِبِ كَالْقِنِّ) فِي عَدَمِ الْقَطْعِ بِسَرِقَةِ مَالِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُمْ مُلْكُهُ كَالْقِنِّ (وَلَا سَيِّدُ الْمَكَاتِبِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ) لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْجِيزَهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَكُلُّ مَنْ لَا يُقْطَعُ الْإِنْسَانُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ لَا يُقْطَعُ عَبْدُهُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ كَآبَائِهِ وَأَوْلَادِهِ وَغَيْرِهِمْ) كَزَوْجَاتِهِ فَلَا يُقْطَعُ عَبْدٌ بِسَرِقَةِ مَالِ أَحَدٍ مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِ سَيِّدِهِ وَلَا مِنْ مَالِ زَوْجِ سَيِّدَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ (وَلَا) يُقْطَعُ (مُسْلِمٌ بِسَرِقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ: «مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ» وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَطْعٌ (وَلَوْ) كَانَ السَّارِقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ (عَبْدًا إنْ كَانَ سَيِّدُهُ مُسْلِمًا) لِأَنَّهُ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ سَيِّدِهِ فَلَا يُقْطَعُ بِهِ سَيِّدُهُ.
(وَلَا) يُقْطَعُ (بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شِرْكٌ) كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْطَعْ الْأَبُ بِسَرِقَةِ مَالِ ابْنِهِ لِكَوْنِ أَنَّ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ فَلِئَلَّا يُقْطَعَ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ شَرِيكِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (أَوْ) بِسَرِقَةٍ مِنْ مَالٍ (لَا حَدَّ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ) فِيهِ شِرْكٌ مُشْتَرَكٌ كَمَالٍ لِأَبِيهِ أَوْ لِابْنِهِ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ (وَلَا بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَنِيمَةٍ لَهُ) أَيْ السَّارِقِ (فِيهَا حَقٌّ أَوْ لِوَلَدِهِ) فِيهَا حَقٌّ (أَوْ لِوَالِدِهِ) فِيهَا حَقٌّ (أَوْ) لِ (سَيِّدِهِ) فِيهَا حَقٌّ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْغَانِمِينَ وَلَا مِنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ وَالِدًا وَلَا وَلَدًا لِأَحَدِ الْغَانِمِينَ وَنَحْوِهِمَا (فَسَرَقَ مِنْهَا) أَيْ الْغَنِيمَةِ (قَبْلَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا حَقًّا وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ وَذَلِكَ شُبْهَةٌ فَيُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ (وَإِنْ أَخْرَجَ الْخُمُسَ) مِنْ الْغَنِيمَةِ (فَسَرَقَ) السَّارِقُ (مِنْ أَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ قُطِعَ) حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَا لِوَلَدِهِ وَلَا وَالِدِهِ وَنَحْوِهِ فِيهَا حَقٌّ لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا (وَإِنْ قُسِمَ الْخُمْسُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ فَسُرِقَ مِنْ خُمُسِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مُسْتَحَقِّيهِ (وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِهِ) مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ (قُطِعَ) لِأَنَّ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْخُمُسِ) كَمِسْكِينٍ سَرَقَ مِنْ خُمُسِ الْمَسَاكِينِ وَهَاشِمِيٍّ سَرَقَ مِنْ خُمُسِ ذَوِي الْقُرْبَى.
(وَلَا يُقْطَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِسَرِقَتِهِ مِنْ مَالِ الْآخَرِ وَلَوْ مِنْ مُحَرَّزٍ عَنْهُ) رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ حُجُبٍ وَيَتَبَسَّطُ بِمَالِهِ أَشْبَهَ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ وَكَمَا لَوْ مَنَعَهَا نَفَقَتَهَا (وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ) لِأَنَّ مَالَهُمَا مُحْتَرَمٌ بِالْأَمَانِ وَلِلذِّمَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ بِإِتْلَافِهِ (وَيُقْطَعَانِ) أَيْ الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ (بِسَرِقَةِ مَالِهِ) أَيْ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ إذَا قُطِعَ الْمُسْلِمُ بِسَرِقَةِ مَالِهِمَا فَلَأَنْ يُقْطَعَا بِسَرِقَةِ مَالِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَ(كَقَوَدٍ وَحَدُّ قَذْفٍ) نُصَّ عَلَيْهِمَا (وَضَمَانُ مَتْلَفٍ) مَالِيٍّ وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهِ (وَإِنْ زَنَى الْمُسْتَأْمَنُ بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ لَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ نَصًّا) لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ (كَحَدِّ خَمْرٍ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَا) فَإِنْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ قُتِلَ لِنَقْضِهِ الْعَهْدَ.
(وَيُقْطَعُ الْمُرْتَدُّ إذَا سَرَقَ) ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ قُتِلَ لِلرِّدَّةِ اُكْتُفِيَ بِقَتْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (فَإِنْ قَالَ السَّارِقُ الَّذِي أَخَذْتُهُ مِلْكِي كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةً أَوْ رَهْنًا أَوْ ابْتَعْتُهُ مِنْهُ أَوْ وَهَبَهُ لِي وَأَذِنَ لِي فِي أَخْذِهِ أَوْ) أَذِنَ لِي (فِي الدُّخُولِ إلَى حِرْزِهِ أَوْ غُصِبَ مِنِّي أَوْ) غَصَبَهُ (مِنْ أَبِي أَوْ) قَالَ (بَعْضُهُ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ وَاضِعُ الْيَدِ حُكْمًا وَالظَّاهِرُ خِلَافُ مَا ادَّعَاهُ السَّارِقُ (فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَ دَعْوَى السَّارِقِ) أَنَّهُ مِلْكُهُ وَنَحْوُهُ لِحَدِيثِ «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (وَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ) أَيْ السَّارِقِ (وَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ لِأَنَّ صِدْقَهُ مُحْتَمَلٌ) فَيَكُونُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ السَّارِقُ الظَّرِيفُ (وَإِنْ نَكِلَ) الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عَنْ الْحَلِفِ (قُضِيَ عَلَيْهِ) بِالنُّكُولِ لِمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ.
(فَصْل وَإِذَا سَرَقَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَالَ السَّارِقِ) أَوْ سَرَقَ (الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ أَوْ الْمَغْصُوبَةُ وَلَوْ) كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ أَوْ الْمَغْصُوبَةُ (مُمَيَّزَةً) لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شُبْهَةٌ فِي هَتْكِ الْحِرْزِ لِأَخْذِ مَالِهِ فَإِذَا هَتَكَ الْحِرْزَ صَارَ كَأَنَّ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ (أَوْ أَخَذَ) الْمَسْرُوقَ مِنْهُ أَوْ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ (عَيْنَ مَالِهِ فَقَطْ أَوْ) أَخَذَهُ (وَمَعَهُ نِصَابٌ مِنْ مَالِ الْمُتَعَدِّي) مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ مَالُهُ (لَمْ يُقْطَعْ) لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ سَرَقَ) الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَوْ الْمَغْصُوبُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ السَّارِقِ أَوْ الْغَاصِبِ (نِصَابًا مِنْ غَيْرِ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ مَالُهُ) فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ مَعَ الْبَدَلِ (أَوْ سَرَقَ) رَبَّ دَيْنٍ (مِنْ مَالِهِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهُمَا) أَيْ الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ وَالْمَدِينُ (بَاذِلَانِ غَيْرَ مُمْتَنِعَيْنِ مِنْ أَدَائِهِ أَوْ قَدَرَ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ فَتَرَكَهُ وَسَرَقَ مِنْ مَالِ الْمُتَعَدِّي) مِنْ غَيْرِ حِرْزِ مَالِهِ (أَوْ) سَرَقَ مِنْ مَالِ (الْغَرِيمِ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ) لِعَدَمِ الشُّبْهَةِ.
(وَإِنْ عَجَزَ) رَبُّ دَيْنٍ (عَنْ اسْتِيفَائِهِ أَوْ) عَجَزَ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ عَنْ اسْتِيفَاءِ (أَرْشِ جِنَايَتِهِ فَسَرَقَ قَدْرَ دَيْنِهِ أَوْ) قَدْرَ (حَقِّهِ) أَيْ أَرْشَ جِنَايَتِهِ (فَلَا قَطْعَ) لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَبَاحَ لَهُ الْأَخْذَ فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي إبَاحَةِ الْأَخْذِ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْحَدَّ كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ (وَإِنْ سَرَقَ) رَبُّ الدَّيْنِ (أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ فَكَالْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ) يَعْنِي مِنْ عَيْنِ مَالِهِ (عَلَى مَا مَضَى) قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَمَنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ فَعَادَ فَسَرَقَهَا قُطِعَ سَوَاءٌ سَرَقَهَا مِنْ الَّذِي سَرَقَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزَجِرْ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَهَا بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّ الْغَرَضَ إظْهَارُ كَذِبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ.
وَهُنَا الْمَقْصُودُ رَدْعُهُ وَزَجْرُهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَلَمْ يُوجَدْ فَيُرْدَعَ بِالثَّانِي كَمَا لَوْ سَرَقَ عَيْنًا أُخْرَى (وَمَنْ سَرَقَ مَرَّاتٍ قَبْلَ الْقَطْعِ أَجْزَأ حَدُّ وَاحِدٍ عَنْ جَمِيعِهَا) كَمَا لَوْ زَنَى أَوْ شَرِبَ مَرَّاتٍ قَبْلَ الْحَدِّ لِأَنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ وَتَقَدَّمَ (وَلَوْ سَرَقَ الْمَالَ الْمَسْرُوقَ أَوْ الْمَغْصُوبَ أَجْنَبِيٌّ لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْ مَالٍ لَهُ وَلَا نَائِبِهِ.
(وَمَنْ آجَرَ دَارِهِ أَوْ أَعَارَهَا ثُمَّ سَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ قُطِعَ) لِأَنَّهُ هَتَكَ حِرْزًا وَسَرَقَ مِنْهُ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ فَيُقْطَعُ كَمَا لَوْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ مِلْكِهِ وَلِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ حِرْزًا لِمَالِكٍ غَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَارِيَّةِ قَالَ فِي الْفُنُونِ لَهُ الرُّجُوعُ بِقَوْلِ لَا سَرِقَةَ.

.(فَصْلٌ): في شروط القطع:

(وَيُشْتَرَطُ) لِلْقَطْعِ (ثُبُوتُ السَّرِقَةِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِق وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِثُبُوتِهِ (إمَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَإِنَّمَا خُولِفَ فِي الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا لِدَلِيلٍ خَاصٍّ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْل (يَصِفَانِ السَّرِقَةَ) فِي شَهَادَتِهِمَا (وَ) يَصِفَانِ (الْحِرْزَ وَجِنْسَ النِّصَابِ وَقَدْرَهُ) لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ فَرُبَّمَا ظَنَّ الشَّاهِدُ الْقَطْعَ بِمَا لَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ.
(وَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ بِشَهَادَتِهِمَا لَمْ يَسْقُطْ) الْقَطْعُ (بِغِيبَتِهِمَا وَلَا مَوْتِهِمَا) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ إذَا ثَبَتَتْ (وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ الدَّعْوَى) مِنْ مَالِكِ الْمَسْرُوقِ أَوْ نَائِبِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ) فِي وَقْتٍ السَّرِقَةِ أَوْ مَكَانِهَا أَوْ فِي الْمَسْرُوقِ (فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ أَوْ سَرَقَ ثَوْرًا أَوْ ثَوْبًا أَبْيَضَ أَوْ عَرُوبًا وَشَهْدَ الْآخِرُ أَنَّهُ سَرَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ مِنْ الْبَيْتِ الْآخَرِ أَوْ بَقَرَةً أَوْ حِمَارًا أَوْ ثَوْبًا أَسْوَدَ أَوْ مَرْوِيًّا لَمْ يُقْطَعْ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ اتِّفَاقِهِمَا.
(كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي الذُّكُورِيَّةِ وَالْأُنُوثِيَّةِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى وَنَحْوُهُ (أَوْ بِاعْتِرَافٍ مَرَّتَيْنِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ قَالَ: مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ قَالَ: بَلَى فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ قَالَ: بَلَى: فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَعَنْ عَلِيٍّ: «أَنَّهُ قَالَ لِسَارِقٍ سَرَقْتَ؟ قَالَ فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ مَرَّتَيْنِ فَقُطِعَ» رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيُّ وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ التَّكْرَارُ كَحَدِّ الزِّنَا (يُذْكَرُ فِيهِ) أَيْ اعْتِرَافِهِ (شُرُوطُ السَّرِقَةِ مِنْ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ يَصِفُ السَّرِقَةَ فِي اعْتِرَافِهِ كَالزِّنَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِاحْتِمَالِ ظَنِّهِ وُجُوبَ الْقَطْعِ عَلَيْهِ مَعَ فَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ.
(وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَلَوْ آبِقًا فِي هَذَا سَوَاءٌ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَكَذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (وَلَا يَنْزِعُ) أَيْ يَرْجِعُ (عَنْ إقْرَارِهِ حَتَّى يُقْطَعَ فَإِنْ رَجَعَ) عَنْ إقْرَارِهِ (قُبِلَ) رُجُوعُهُ (وَلَا قَطْعَ) عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» عَرَّضَ لَهُ لِيَرْجِعَ وَلَوْ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِرُجُوعِهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ وَلِأَنَّ حُجَّةَ الْقَطْعِ زَالَتْ قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ فَسَقَطَ كَمَا لَوْ رَجَعَ الشُّهُودُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ ثَبَتَ) الْقَطْعُ (بِبَيِّنَةِ شَهِدَ عَلَى فِعْلِهِ فَإِنَّ إنْكَارَهُ لَا يُقْبَلُ) مِنْهُ بَلْ يُقْطَعُ (فَإِنْ قَالَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (أَحْلِفُوهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (لِي أَنِّي سَرَقْتُ مِنْهُ لَمْ يَحْلِفْ) لِأَنَّ فِيهِ قَدَحًا فِي الْبَيِّنَةِ وَلِحَدِيثِ «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ».
(وَإِنْ شَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ (عَلَى إقْرَارِهِ بِالسَّرِقَةِ ثُمَّ جَحَدَ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ لَمْ يُقْطَعْ) كَمَا لَوْ اعْتَرَفَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ رَجَعَ وَيُغَرَّمُ الْمَالُ (وَلَوْ أَقَرَّ) بِالسَّرِقَةِ (مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ ثَبَتَ) أَنَّهُ سَرَقَ (ب) شَهَادَةِ (شَاهِدٍ وَيَمِين أَوْ أَقَرَّ) مَرَّتَيْنِ بِالسَّرِقَةِ (ثُمَّ رَجَعَ لَزِمَهُ غَرَامَةُ الْمَسْرُوقِ) لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ (وَلَا قَطْعَ) عَلَيْهِ لِمَا سَبَقَ (وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ) عَنْ اعْتِرَافِهِ (وَقَدْ قُطِعَ بَعْضُ الْمَفْصِلِ لَمْ يُتَمَّمْ إنْ كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ لِكَوْنِهِ قَطْعُ الْأَقَلِّ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ.
(وَإِنْ قُطِعَ الْأَكْثَرُ) مِنْ الْمَفْصِلِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ (فَالْمَقْطُوعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَطَعَهُ) يَسْتَرِيحُ مِنْ تَعْلِيقِ كَفّه وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ (وَلَا يُلْزَمُ الْقَاطِعُ بِقَطْعِهِ) لِأَنَّ قَطْعَهُ تَدَاوٍ وَلَيْسَ بِحَدٍّ (وَلَا بَأْسَ بِتَلْقِينِ السَّارِقِ لِيَرْجِعَ عَنْ إقْرَارِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَعْرِيضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ:
«مَا إخَالُكَ سَرَقْتَ» وَعَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ فَسَأَلَهُ أَسَرَقْتَ؟ قَالَ لَا فَتَرَكَهُ وَنَحْوَهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ (وَ) لَا بَأْسَ (بِالشَّفَاعَةِ فِيهِ) أَيْ السَّارِقِ (إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْإِمَامُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«تَعَافُوا الْحُدُودَ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ وَجَبَ» (فَإِذَا بَلَغَهُ حُرِّمَتْ الشَّفَاعَةُ) وَقَبُولُهَا (وَلَزِمَ الْقَطْعُ) وَكَذَا سَائِرُ الْحُدُودِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قِصَّةِ الْمَخْزُومِيَّةِ انْتَهَى.
(فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُطَالِبَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بِمَالِهِ) أَوْ يُطَالِبَ بِهِ (وَكِيلُهُ) لِأَنَّ الْمَالَ يُبَاحُ بِالْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَالِكَهُ أَبَاحَهُ إيَّاهُ، أَوْ وَقَفَهُ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ السَّارِقُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي دُخُولِ حِرْزِهِ فَاعْتُبِرَتْ الْمُطَالَبَةُ لِتَزُولَ الشُّبْهَةُ (فَإِنْ أَقَرَّ) مُكَلَّفٌ (بِسَرِقَةِ مَالٍ غَائِبٍ أَوْ شَهِدَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ حُبِسَ) إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ (وَلَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَحْضُرَ) الْغَائِبُ وَيُطَالِبَ وَتُعَادَ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ يَكْتَفِي بِإِقَامَتِهَا قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ.
(فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْمُقِرِّ بِالسَّرِقَةِ أَوْ يَدِ مَنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ (أَخَذَهَا الْحَاكِمُ وَحَفِظَهَا لِلْغَائِبِ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَهُ النَّظَرُ فِي مَالِ الْغَائِبِ وَعَلَيْهِ حِفْظُهُ (وَإِنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ) شَيْءٍ مُكَلَّفٍ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ (فَقَالَ الْمَالِكُ لَمْ تَسْرِقْ مِنِّي وَلَكِنْ غَصَبَتْنِي أَوْ كَانَ) ذَلِكَ الشَّيْءَ (لِي قِبَلَكَ وَدِيعَةً فَجَحَدَتْنِي لَمْ يُقْطَعْ) لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَمْ يُوَافِقْ دَعْوَى الْمُدَّعِي (وَإِنْ أَقَرَّ) مُكَلَّفٌ (أَنَّهُ سَرَقَ) نِصَابًا (مِنْ رَجُلَيْنِ) مَثَلًا (فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا) وَحْدَهُ (أَوْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا فَطَالَبَ وَلَمْ يُطَالِبْ الْآخَرُ لَمْ يُقْطَعْ) لِعَدَمِ كَمَالِ الشَّرْطِ وَهُوَ مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِنِصَابٍ تَامٍّ وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ فِي الشَّرْحِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْ الْمُدَّعِي يَبْلُغُ نِصَابًا قُطِعَ لِاجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ.
(فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا يَبْلُغُ نِصَابًا فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدْ فَقَدْتُهُ مِنْ مَالِي فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّه بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَإِنْ كَذَّبَ مُدَّعٍ نَفْسَهُ سَقَطَ الْقَطْعُ.
(وَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ) لِاجْتِمَاعِ شُرُوطِهِ السَّابِقَةِ (قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِلَا خِلَافٍ وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْحِ.
وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: {فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا} وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: أَنَّهُمَا قَالَا: «إذَا سَرَقَ السَّارِقُ فَاقْطَعُوا يَمِينَهُ مِنْ الْكُوعِ» وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ، وَلِأَنَّ الْبَطْشَ بِهَا أَقْوَى، فَكَانَتْ الْبُدَاءَة بِهَا أَرْدَعُ وَلِأَنَّهَا آلَةُ السَّرِقَةِ غَالِبًا فَنَاسَبَ عُقُوبَتُهُ بِإِعْدَامِ آلَتِهَا (وَحُسِمَتْ وُجُوبًا وَهُوَ) أَيْ الْحَسْمُ (أَنْ يُغْمَسَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ مَفْصِلِ الذِّرَاعِ فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَارِق:
«اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ».
قَالَ ابْن الْمُنْذِرِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَالْحِكْمَةُ فِي الْحَسْمِ أَنَّ الْعُضْوَ إذَا قُطِعَ فَغُمِسَ فِي الزَّيْتِ الْمَغْلِيِّ انْسَدَّتْ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ فَيَنْقَطِعَ الدَّمُ إذْ لَوْ تُرِكَ بِلَا حَسْمٍ لَنَزَفَ الدَّمُ فَأَدَّى إلَى مَوْتِهِ (فَإِنْ عَادَ) فَسَرَقَ (قُطِعَتْ رَجُلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ) بِتَرْكِ عُقْبَةَ لِفِعْلِ عُمَرَ.
رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ مِنْ شَطْرِ الْقَدَمِ مِنْ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ وَيُتْرَكُ لَهُ عَقِبًا يَمْشِي عَلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِي قَطْعِ الرِّجْلِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي السَّارِقِ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ» لِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي الصَّحَابَةِ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا قُطِعَتْ الرِّجْلُ الْيُسْرَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمُحَارَبَةِ ثَبَتَ فِي السَّرِقَةِ قِيَاسًا عَلَيْهَا، وَلِأَنَّ قَطْعَ الرِّجْلِ الْيُسْرَى أَرْفَقُ بِهِ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَسْهَلُ وَأَمْكَنُ، وَيَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ الْمَشْيِ عَلَى الْيُسْرَى فَوَجَبَ قَطْعُ الْيُسْرَى لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ بِلَا ضَرُورَةٍ (وَحُسِمَتْ وُجُوبًا) بِغَمْسِهَا فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ لِئَلَّا يَنْزِفَ الدَّمُ فَيُؤَدِّي إلَى مَوْتِهِ.
(وَصِفَةُ الْقَطْعِ أَنْ يَجْلِسَ السَّارِقُ وَيُضْبَطَ لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ) فَيَجْنِي عَلَى نَفْسِهِ (وَتُشَدُّ يَدُهُ بِحَبْلٍ وَتُجَرَّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَفْصِلُ الْكَفِّ مِنْ مَفْصِلِ الذِّرَاعِ ثُمَّ تُوضَعُ بَيْنَهُمَا سِكِّينٌ حَادَّةٌ وَيُدَقُّ فَوْقَهَا بِقُوَّةٍ لِتَقْطَعَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ تُوضَعَ السِّكِّينُ عَلَى الْمَفْصِلِ وَتُمَدَّ مَدَّةً وَاحِدَةً) وَكَذَا يُفْعَلُ فِي قَطْعِ الرِّجْلِ (وَإِنْ عَلِمَ قَطْعًا أَوْحَى مِنْ هَذَا قَطَعَ بِهِ) لِأَنَّ الْغَرَض التَّسْهِيلَ عَلَيْهِ.
لِحَدِيثِ:
«إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ» (وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ) لِمَا رَوَى فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَارِقٍ فَقُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَفَعَلَهُ عَلِيٌّ (زَادَ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبُلْغَةِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ) أَيْ أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لِتَتَّعِظَ بِهِ اللُّصُوصُ (وَلَا يُقْطَعُ) السَّارِقُ (فِي شِدَّةِ حَرٍّ وَلَا) فِي شِدَّةِ (بَرْدٍ وَلَا مَرِيضُ فِي مَرَضِهِ وَلَا حَامِلٌ حَالَ حَمْلِهَا، وَلَا بَعْدَ وَضْعِهَا حَتَّى يَنْقَضِي نِفَاسُهَا) لِئَلَّا يَحِيفَ وَيَتَعَدَّى إلَى فَوَاتِ النَّفْسِ.
(وَإِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ سَرَقَ قَبْلَ انْدِمَالِهَا لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَنْدَمِل الْقَطْعُ الْأَوَّلُ) خَوْفًا مِنْ أَنْ يُفْضِي إلَى هَلَاكِهِ (وَكَذَا لَوْ قُطِعَتْ رَجُلُهُ قِصَاصًا لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ فِي السَّرِقَةِ حَتَّى تَبْرَأ الرِّجْلُ) لِمَا مَرَّ وَأَمَّا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَإِنَّ قَطْعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ حَدُّ وَاحِدُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ (فَإِنْ عَادَ) لِلسَّرِقَةِ (ثَالِثًا بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ حَرُمَ قَطْعُهُ) رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ، وَلِأَنَّ قَطْعَ الْكُلِّ يُفَوِّتُ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ فَلَمْ يُشْرَعْ كَالْقَتْلِ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ عَلِيٍّ (وَحُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ) كَالْمَرَّةِ الْخَامِسَةِ وَفِي الْبُلْغَةِ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَتُوبَ (وَلَوْ سَرَقَ وَيَدُهُ الْيُمْنَى) ذَاهِبَةٌ (أَوْ) سَرَقَ وَ(رِجْلُهُ الْيُسْرَى ذَاهِبَةٌ قُطِعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا) وَتُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ كَوْنِهَا مَحِلًّا لِلْقَطْعِ انْتَقَلَ الْقَطْعُ إلَى مَا يَلِي ذَلِكَ وَهُوَ الرِّجْلُ الْيُسْرَى وَتُقْطَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا الْآلَةُ وَمَحِلُّ النَّصِّ (وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ الذَّاهِبُ يَدَيْهِ أَوْ يُسْرَاهُمَا) وَسَرَقَ (لَمْ تُقْطَعْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى) لِذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ (وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ رِجْلَيْهِ أَوْ يُمْنَاهُمَا وَيَدَاهُ صَحِيحَتَانِ قُطِعَتْ يُمْنَى يَدَيْهِ) لِأَنَّهَا الْآلَةُ وَمَحِلُّ النَّصِّ.
(وَإِنْ سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى فَذَهَبَتْ فِي قِصَاصٍ أَوْ) ذَهَبَتْ (بِأَكْلَةٍ أَوْ) ذَهَبَتْ ب (تَعَدٍّ سَقَطَ الْقَطْعُ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ لِتَلَفِ مَحِلِّهِ كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ (وَعَلَى الْعَادِي) بِقَطْعِ الْيَدِ (الْأَدَبُ فَقَطْ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ قَطْعَهَا مُسْتَحَقٌّ أَشْبَهَ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ (سَوَاءٌ قَطَعَهَا بَعْدَ ثُبُوتِ السَّرِقَةِ وَالْحُكْمِ بِالْقَطْعِ أَوْ قَبْلَهُ إذَا كَانَ) قَطْعُهُ لَهَا (بَعْدَ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ قَطَعَ عُضْوًا غَيْرَ مَعْصُومٍ) أَشْبَهَ قَتْلَ الزَّانِي الْمُحْصَنِ (وَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ) شَاهِدَانِ (فَحَبَسَهُ الْحَاكِمُ لِتَعْدِلَ الشُّهُودُ فَقَطَعَهُ قَاطِعٌ ثُمَّ عَدَلُوا فَكَذَلِكَ) لَا ضَمَانَ عَلَى قَاطِعِهِ لِمَا مَرَّ (وَإِنْ لَمْ يَعْدِلُوا) أَيْ الشُّهُودُ (وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ) لِأَنَّهُ قَطَعَ عُضْوًا مِنْ مَعْصُومٍ مُكَافِئٍ لَهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي قَطْعِهِ وَلَا شُبْهَةَ حَقٍّ (وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى) وَحْدَهَا (أَوْ) ذَهَبَتْ (مَعَ رِجْلَيْهِ أَوْ مَعَ إحْدَاهُمَا فَلَا قَطْعَ) لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ بِقَطْعِ يُمْنَاهُ (وَإِنْ ذَهَبَتْ بَعْدَ سَرِقَتِهِ رِجْلَاهُ أَوْ يُمْنَاهُمَا قُطِعَ) إنْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِأَنَّهَا الْآلَةُ وَمَحِلُّ النَّصِّ (ك) مَا تُقْطَعُ مَعَ (ذَهَابِ يُسْرَاهُمَا) أَيْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ (نَصًّا وَمِثْلًا) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ.
(وَلَوْ أَمِنَ تَلَفَهُ بِقَطْعِهَا) كَمَعْدُومَةٍ (وَمَا ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ (كَمَعْدُومَةٍ) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَقْصُودُ الْقَطْع وَالشَّلَّاءُ لَا نَفْعَ فِيهَا وَلَا جَمَالَ فَتُشْبِهُ كَفًّا لَا أَصَابِعَ عَلَيْهِ (لَا مَا ذَهَبَ مِنْهَا خِنْصَرٌ أَوْ بِنْصِرٌ أَوْ أُصْبُعُ سِوَاهُمَا وَلَوْ الْإِبْهَام) فَلَيْسَتْ كَمَعْدُومَةٍ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ نَفْعِهَا (وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يُمْنَاهُ فَقَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ بَدَلًا عَنْ يَمِينِهِ أَجْزَأَتْ، وَلَا تُقْطَعُ يُمْنَاهُ) لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ، وَتُقْطَعُ يَدَاهُ بِسَرِقَةٍ وَاحِدَةٍ وَ(أَمَّا الْقَاطِعُ فَإِنْ كَانَ قَطَعَهَا مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْ السَّارِقِ، أَوْ كَانَ أَخْرَجَهَا السَّارِقُ دَهْشَةً أَوْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهَا تُجْزِئُ فَقَطَعَهَا الْقَاطِعُ عَالِمًا بِأَنَّهَا يُسْرَاهُ، وَإِنَّهَا لَا تُجْزِئُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) لِأَنَّهُ قَطَعَ طَرَفًا مَعْصُومًا عَمْدًا، فَأُقِيدَ بِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِبْ قَطْعُ يُمْنَاهُ.
(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الْقَاطِعُ (أَنَّهَا يُسْرَاهُ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا تُجْزِئُهُ فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا) لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ عَمْدُهُ الْقَوَدُ أَوْجَبَ خَطَؤُهُ الدِّيَةَ كَالْقَتْلِ (وَإِنْ كَانَ السَّارِقُ أَخْرَجَهَا اخْتِيَارًا عَالِمًا بِالْأَمْرَيْنِ) أَيْ بِأَنَّهَا الْيَسَارُ وَبِأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ (فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ) لِإِذْنِ الْمَقْطُوعِ فِيهِ (وَلَا تُقْطَعُ يُمْنَى السَّارِقُ) لِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ جَزَمَ بِهِ فِي التَّصْحِيحِ وَالنَّظْمِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي تُقْطَعُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالتَّنْقِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ (وَيَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ) عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ يَجِبَانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالْجَزَاءِ وَالْقِيمَةِ فِي الصَّيْدِ الْحَرَمِيِّ الْمَمْلُوكِ (فَيَرُدُّ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ إلَى مَالِكِهَا) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً (وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً وَهِيَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ فَعَلَيْهِ مِثْلُهَا وَإِلَّا) تَكُنْ مِثْلِيَّةً (فَقِيمَتُهَا قَطَعَ أَوْ لَمْ يَقْطَعْ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا).
وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَرْفُوعًا:
«إذَا أَقَمْتُمْ الْحَدَّ عَلَى السَّارِقِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ» قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهِ سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَوْ سَلَّمَ صِحَّتَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي أُجْرَةِ الْقَطْعِ (وَإِنْ فَعَلَ) السَّارِقُ (فِي الْعَيْنِ فِعْلًا نَقَصَهَا بِهِ كَقَطْعِ الثَّوْبِ) الْمَسْرُوقِ (وَنَحْوِهِ وَجَبَ رَدُّهُ وَرَدُّ) أَرْشِ (نَقْصِهِ) كَالْمَغْصُوبِ (وَالزَّيْتِ الَّذِي يُحْسَم بِهِ وَأُجْرَةُ الْقَطْع مِنْ مَالِ السَّارِقِ) أَمَّا الزَّيْتُ فَلِأَنَّهُ يَلْزَمهُ حِفْظُ نَفْسِهِ وَهَذَا مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْسَمْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى نَفْسِهِ التَّلَفَ فَوَجَبَ لِذَلِكَ.
وَأَمَّا أُجْرَةُ الْقَطْعِ فَلِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ وَقِيلَ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ.