فصل: (فَصْلٌ): في فَرَائِضِ التَّيَمُّمِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): في فَرَائِضِ التَّيَمُّمِ:

(وَفَرَائِضُهُ) أَيْ: التَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ (أَرْبَعَةُ) أَشْيَاءَ:

.(مَسْحُ جَمِيعِ وَجْهِهِ وَلِحْيَتِهِ):

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ} وَاللِّحْيَةُ مِنْ الْوَجْهِ، لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي حُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ (سِوَى مَا تَحْتَ شَعْرِهِ وَلَوْ خَفِيفًا وَ) سِوَى (مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ) فَلَا يُدْخِلُ التُّرَابَ فَمَهُ وَأَنْفَهُ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ قَطْعًا (بَلْ يُكْرَهَانِ) لِمَا فِيهِمَا مِنْ التَّقْذِيرِ (فَإِنْ بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ شَيْءٌ لَمْ يَصِلْهُ التُّرَابُ أَمَرَّ يَدَهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَفْصِلْ رَاحَتَهُ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَعْمِيمُ الْمَسْحِ لَا تَعْمِيمُ التُّرَابِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَامْسَحُوا} (فَإِنْ فَصَلَهَا) أَيْ: الرَّاحَة (وَقَدْ كَانَ بَقِيَ عَلَيْهَا غُبَارٌ جَازَ أَنْ يَمْسَحَ بِهَا) مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ غُبَارٌ طَهُورٌ (وَإِنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهَا شَيْءٌ) مِنْ الْغُبَارِ (ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى) لِيَحْصُلَ مَسْحُ بَاقِي مَحَلِّ الْفَرْضِ بِالتُّرَابِ.
(وَإِنْ نَوَى) اسْتِبَاحَةَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ (وَأَمَرَّ وَجْهَهُ عَلَى التُّرَابِ) أَوْ مَسَحَهُ بِهِ صَحَّ (أَوْ) نَوَى ثُمَّ (صَمَدَهُ) أَيْ: وَجْهَهُ (لِلرِّيحِ فَعَمّ التُّرَابُ) الْوَجْهَ (وَمَسَحَهُ بِهِ صَحَّ) التَّيَمُّمُ إذَا أَتَمَّهُ لِوُجُودِ الْمَسْحِ بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ بَعْدَ النِّيَّةِ، كَمَا لَوْ صَمَدَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ بَعْدَ نِيَّتِهِ لِمَطَرٍ أَوْ مِيزَابٍ، حَتَّى جَرَى الْمَاءُ عَلَيْهَا.
وَ(لَا) يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ (إنْ سَفَّتْهُ) أَيْ: التُّرَابَ (رِيحٌ) (قَبْلَ النِّيَّةِ، فَمَسَحَ بِهِ) مَا يَجِبْ مَسْحُهُ، لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ، (وَ):

.الْفَرْضُ الثَّانِي (مَسْحَ يَدَيْهِ إلَى كُوعَيْهِ):

لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَيْدِيكُمْ} إذَا عُلِّقَ حُكْمٌ بِمُطْلَقِ الْيَدَيْنِ لَمْ يُدْخِلْ فِيهِ الذِّرَاعَ، كَقَطْعِ السَّارِقِ وَمَسِّ الْفَرْجِ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ «بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَتَمَرَّغُ الدَّابَّةُ، ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ، وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَوَاهَا سَلَمَةُ، وَشَكَّ فِيهَا ذَكَرَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ ` فَلَا تَثْبُتُ مَعَ، الشَّكِّ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ، وَخَالَفَ بِهِ سَائِرَ الرُّوَاةِ الثِّقَاتِ.
(فَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ لَا مِنْ فَوْقِهِ وَجَبَ مَسْحُ مَوْضِعِ الْقَطْعِ) لِبَقَاءِ بَعْضِ مَحَلِّ الْفَرْضِ، كَمَا لَوْ قُطِعَتْ، مِنْ دُونِ الْكُوعِ (وَتَجِبُ التَّسْمِيَةُ) فِي تَيَمُّمٍ، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ عَنْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ (كَوُضُوءٍ وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ الْوُضُوءِ، (وَ):

.الْفَرْضُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ (تَرْتِيبٌ وَمُوَالَاةٌ فِي غَيْرِ حَدَثٍ أَكْبَرَ):

يَعْنِي فِي حَدَثٍ أَصْغَرَ لِأَنَّ التَّيَمُّم مَبْنِيٌّ عَلَى الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ فَرْضَانِ فِي الْوُضُوءِ، فَكَذَا فِي التَّيَمُّمِ الْقَائِمِ مَقَامَهُ، وَخَرَجَ التَّيَمُّمُ لِحَدَثٍ أَكْبَرَ وَنَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ (وَهِيَ) أَيْ: الْمُوَالَاةُ (هُنَا) أَيْ: فِي التَّيَمُّمِ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ مَسْحُ عُضْوٍ عَمَّا قَبْلَهُ (زَمَنًا بِقَدْرِهَا فِي الْوُضُوءِ) أَيْ: بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَ مَغْسُولًا لَجَفَّ بِزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ.
(وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا تَيَمَّمَ لَهُ) كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ (مِنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، أَوْ نَجَاسَةٍ عَلَى بَدَنِهِ) لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ، وَإِنَّمَا يُبِيحُ الصَّلَاةَ، فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّعْيِينِ تَقْوِيَةً لِضَعْفِهِ، وَصِفَةُ التَّعْيِينِ: أَنْ يَنْوِي اسْتِبَاحَةَ صَلَاةِ الظُّهْرِ مَثَلًا مِنْ الْجَنَابَةِ إنْ كَانَ جُنُبًا، أَوْ مِنْ الْحَدَثِ إنْ كَانَ مُحْدِثًا، أَوْ مِنْهُمَا إنْ كَانَ جُنُبًا مُحْدِثًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(وَإِنْ كَانَ) التَّيَمُّمُ (عَنْ جُرْحٍ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ نَوَى التَّيَمُّمَ عَنْ غُسْلِ ذَلِكَ الْعُضْوِ) الْجَرِيحِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَسْحُهُ بِالْمَاءِ ضَرَرًا، وَإِنْ كَانَ الْجَرِيحُ جُنُبًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَدَّمَ التَّيَمُّمَ عَلَى الْغُسْلِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِ مَا يَكْفِيهِ لِجَمِيعِ أَعْضَائِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ أَوَّلًا كَمَا تَقَدَّمَ.
(فَإِنْ نَوَى جَمِيعهَا) أَيْ: نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاة مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، وَالنَّجَاسَةُ بِبَدَنِهِ (صَحَّ) تَيَمُّمُهُ (وَأَجْزَاهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ فَيَكُونُ مَنْوِيًّا (وَإِنْ نَوَى أَحَدَهَا) أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ (لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْآخَرِ) أَيْ: عَنْ الَّذِي لَمْ يَنْوِهِ لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
(فَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ) وَنَحْوِهَا (دُونَ الْحَدَثِ) الْأَصْغَرِ (أُبِيحَ لَهُ مَا يُبَاحُ لِلْمُحْدِثِ، مِنْ قِرَاءَةٍ وَلُبْثٍ فِي مَسْجِدٍ وَلَمْ تُبَحْ لَهُ صَلَاةٌ وَ) لَا (طَوَافٌ وَ) لَا (مَسُّ مُصْحَفٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ مِنْ الِاسْتِبَاحَةِ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ.
(وَإِنْ أَحْدَثَ) مَنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَنَحْوِهَا (لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي تَيَمُّمِهِ) لِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ مُبْدَلِهِ، وَهُوَ الْغُسْلُ (وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ، ثُمَّ أَحْدَثَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ وَبَقِيَ تَيَمُّمُ الْجَنَابَةِ) حَتَّى يَخْرُجَ الْوَقْتُ، أَوْ يُوجَدَ مُوجِبُ الْغُسْلِ وَكَذَا لَوْ تَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بِبَدَنِهِ، وَأَحْدَثَ، بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِلْحَدَثِ، وَبَقِيَ تَيَمُّمُهُ لِلْخَبَثِ.
(وَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ حَيْضِهَا) أَوْ نِفَاسِهَا (لِحَدَثِ الْحَيْضِ) أَوْ النِّفَاسِ (ثُمَّ أَجْنَبَتْ) أَوْ أَحْدَثَتْ (لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا) لِبَقَاءِ حُكْمِ تَيَمُّمِهَا (وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْبَابُ أَحَدِ الْحَدَثَيْنِ وَنَوَى) الِاسْتِبَاحَةَ مِنْ (أَحَدِهَا أَجْزَأَ) التَّيَمُّمُ (عَنْ الْجَمِيعِ) لِأَنَّ حُكْمَهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ إمَّا إيجَابُ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ وَكَطَهَارَةِ الْمَاءِ، لَكِنْ لَوْ نَوَى الِاسْتِبَاحَةَ مِنْ أَحَدِهَا عَلَى أَنْ لَا يَسْتَبِيحَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى قِيَاسِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ، وَأَوْلَى.
(وَمَنْ نَوَى) بِتَيَمُّمِهِ (شَيْئًا) أَيْ: (اسْتِبَاحَةَ) شَيْءٍ تُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ اسْتَبَاحَهُ لِأَنَّهُ مَنْوِيٌّ.
(وَ) اسْتَبَاحَ (مِثْلَهُ) فَمَنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ مَثَلًا، فَلَهُ فِعْلُهَا وَفِعْلُ مِثْلِهَا، كَفَائِتَةٍ؛ لِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ.
(وَ) اسْتَبَاحَ (دُونَهُ) أَيْ: دُونَ مَا نَوَاهُ، كَالنَّفْلِ فِي الْمِثَالِ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ وَنِيَّةُ الْفَرْضِ تَتَضَمَّنهُ وَ(لَا) يَسْتَبِيحُ مَنْ نَوَى شَيْئًا (أَعْلَى مِنْهُ) فَمَنْ نَوَى النَّفَلَ لَا يَسْتَبِيحَ الْفَرْضَ.
لِأَنَّهُ لَيْسَ سَوِيًّا لَا صَرِيحًا وَلَا ضِمْنًا (فَإِنْ نَوَى نَفْلًا) لَمْ يُصَلِّ إلَّا نَفْلًا، لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ لِلصَّلَاةِ) بِأَنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَنْوِ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا (لَمْ يُصَلِّ إلَّا نَفْلًا) لِأَنَّ التَّعْيِينَ شَرْطٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْفَرْضِ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ النَّفَلُ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ وَالطَّوَافُ كَالصَّلَاةِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ نَوَى) بِتَيَمُّمِهِ (فَرْضًا) كَظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ (فَعَلَهُ، وَ) فَعَلَ (مِثْلَهُ، كَمَجْمُوعَةٍ وَفَائِتَةٍ، وَ) فَعَلَ مَا (دُونَهُ) كَمَنْذُورَةٍ وَنَافِلَةٍ، لِمَا تَقَدَّمَ (فَأَعْلَاهُ) أَيْ: أَعْلَى مَا يُبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ (فَرْضٌ عَيْنٌ) كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (فَنَذْرُ) صَلَاةٍ (فَـ) فَرْضُ (كِفَايَةٍ) (فَنَافِلَةٌ فَطَوَافُ نَفْلٍ).
قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَإِنْ نَوَى نَافِلَةً أُبِيحَ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ؛ لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، لِكَوْنِ الطَّهَارَةِ مُشْتَرَطَةً لَهَا بِالْإِجْمَاعِ قَالَ وَإِنْ نَوَى فَرْضَ الطَّوَافِ اسْتَبَاحَ نَفْلَهُ وَلَا يَسْتَبِيح الْفَرْضَ مِنْهُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ، كَالصَّلَاةِ.
وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيُبَاحُ الطَّوَافُ بِنِيَّةِ النَّافِلَةِ فِي الْأَشْهَرِ، كَمَسِّ الْمُصْحَفِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ كَانَ الطَّوَافُ فَرْضًا، خِلَافًا لِأَبِي الْمَعَالِي (فَمَسُّ الْمُصْحَفِ، فَقِرَاءَةٌ فَلُبْثٌ) وَسُكُوتُهُمْ عَنْ الْوَطْءِ يُعْلِمُ أَنَّهُ دُونَ الْكُلِّ (وَلَوْ تَيَمَّمَ صَبِيٌّ لِصَلَاةِ فَرْضٍ ثُمَّ بَلَغَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرْضًا؛ لِأَنَّ مَا نَوَاهُ كَانَ نَفْلًا) وَهُوَ دُون الْفَرْضِ.

.(فَصْلٌ) فِي مُبْطِلَاتِ التَّيَمُّمِ:

(يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَتَقَيَّدَ بِالْوَقْتِ، كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ (حَتَّى) التَّيَمُّمِ (مِنْ جُنُبٍ لِقُرْآنٍ وَلُبْثٍ فِي مَسْجِدٍ وَ) حَتَّى التَّيَمُّمِ مِنْ (حَيْضٍ لِوَطْءٍ وَ) حَتَّى التَّيَمُّمِ (لِطَوَافٍ، وَ) حَتَّى التَّيَمُّمِ مِنْ (نَجَاسَةٍ) بِبَدَنٍ.
(وَ) لِصَلَاةِ (جِنَازَةٍ وَنَافِلَةٍ وَنَحْوِهَا) كَالتَّيَمُّمِ مِنْ نُفَسَاءَ لِوَطْءٍ، فَيَبْطُلُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ لِلْمَكْتُوبَةِ (مَا لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةِ جُمُعَةٍ) وَيَخْرُجُ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا، فَلَا يَبْطُلُ مَا دَامَ فِيهَا وَيُتِمّهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى (فَيَلْزَمُ مَنْ تَيَمَّمَ لِقِرَاءَةٍ وَوَطْءٍ وَنَحْوِهِ) كَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ (التَّرْكُ) حَتَّى يُعِيدَ التَّيَمُّمَ (لَكِنْ لَوْ نَوَى الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَة ثُمَّ تَيَمَّمَ لَهَا) أَيْ: لِلْمَجْمُوعَةِ (أَوْ) تَيَمَّمَ (لِفَائِتَةٍ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَمْ يَبْطُلْ) التَّيَمُّمُ (بِخُرُوجِهِ) أَيْ: خُرُوجِ وَقْتِ الْأُولَى لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمْعِ صَيَّرَتْ الْوَقْتَيْنِ كَالْوَقْتِ الْوَاحِدِ.
(وَيَبْطُلُ) التَّيَمُّمُ (بِوُجُودِ الْمَاءِ لِعَادِمِهِ) إذَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِلَا ضَرَرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَضُوءٍ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ.
(وَ) يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ (بِزَوَالِ عُذْرٍ مُبِيحٍ لَهُ) أَيْ: لِلتَّيَمُّمِ، كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ فَعُوفِيَ، أَوْ لِبَرْدٍ فَزَالَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا (ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ) أَيْ: الْمَاءَ (بَعْدَ صَلَاتِهِ أَوْ طَوَافِهِ لَمْ تَجِبْ إعَادَتُهُ) لِمَا رَوَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ قَالَ «خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيِّبًا، فَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ، فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ، وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ ثُمَّ أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ أَجْزَأَتْكَ صَلَاتُكَ وَقَالَ لِلَّذِي أَعَادَ: لَكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد قُلْتُ: فَتُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ لِلْخَبَرِ.
(وَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ: الْمَاءَ (فِيهَا) أَيْ: فِي الصَّلَاةِ أَوْ الطَّوَافِ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ وَطَوَافُهُ وَلَوْ انْدَفَقَ الْمَاءُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ؛ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ انْتَهَتْ بِانْتِهَاءِ وَقْتِهَا فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَطَوَافُهُ كَمَا لَوْ انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ (وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ) إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ أَوْ الطَّوَافُ فَرْضًا.
(وَ) يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ (بِمُبْطِلَاتِ وُضُوءٍ) كَخُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ سَبِيلٍ، وَزَوَالِ عَقْلٍ وَمَسِّ فَرْجٍ (إذَا كَانَ تَيَمُّمُهُ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ) لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ.
(وَ) يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ (عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ بِمَا يُوجِبُهُ) كَالْجِمَاعِ، وَخُرُوجِ الْمَنِيِّ بِلَذَّةٍ (إلَّا غُسْلَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ، إذَا تَيَمَّمَتْ لَهُ فَلَا يَبْطُلُ بِمُبْطِلَاتِ غُسْلٍ، وَوُضُوءٍ، بَلْ بِوُجُودِ حَيْضٍ).
أَوْ نِفَاسٍ فَلَوْ تَيَمَّمَتْ بَعْدَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ لَهُ، ثُمَّ أَجْنَبَتْ، فَلَهُ الْوَطْء، لِبَقَاءِ حُكْمِ تَيَمُّمِ الْحَيْضِ وَالْوَطْءُ إنَّمَا يُوجِبُ حَدَثَ الْجَنَابَةِ (وَإِنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ مَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ) كَعِمَامَةٍ أَوْ جَبِيرَةٍ أَوْ خُفٍّ لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ (ثُمَّ خَلَعَهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ نَصًّا) فِي رِوَايَة عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
وَفِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ عَلَيْهِمَا وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَسَحَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ أَوْ لَا وَكَذَا إذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ الْمَسْحِ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَهُوَ وَإِنْ اخْتَصَّ صُورَة بِعُضْوَيْنِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْأَرْبَعَةِ حُكْمًا.
(وَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ) بِحَيْثُ يُدْرِكُ الصَّلَاةَ كُلَّهَا قَبْلَ خُرُوجِهِ (لِمَنْ يَعْلَمُ) وُجُودَ الْمَاءِ (أَوْ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ) فِي الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ فَرِيضَةٌ، وَالصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَضِيلَةٌ، وَانْتِظَارُ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى (فَإِنْ اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ) أَيْ: احْتِمَالُ وُجُودِ الْمَاءِ وَاحْتِمَالُ عَدَمِهِ (فَالتَّأْخِيرُ) أَيْ: تَأْخِيرُ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ (أَفْضَلُ) مِنْهُ أَوَّل الْوَقْتِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي الْجُنُبِ يَتَلَوَّمُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ الْوَقْتِ، فَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ وَإِلَّا تَيَمَّمَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِمُتَحَقِّقِ الْعَدَمِ أَوْ ظَانّه، أَفْضَلُ.
(وَإِنْ تَيَمَّمَ) مَنْ يَعْلَمُ أَوْ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ أَوْ اسْتَوَى عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ (وَصَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ أَجْزَأَهُ) ذَلِكَ وَلَا تَلْزَمهُ الْإِعَادَةُ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ، لِمَا تَقَدَّمَ.

.فصل: في صِفَةِ التَّيَمُّمِ:

(وَصِفَةُ التَّيَمُّمِ: أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا يَتَيَمَّمُ لَهُ) كَفَرْضِ الصَّلَاةِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، أَوْ الْأَكْبَرِ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ يُسَمِّيَ) فَيَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ، لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا وَتَسْقُطُ سَهَوْا (وَيَضْرِبَ يَدَيْهِ مُفَرَّجَتَيْ الْأَصَابِعِ) لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَا بَيْنهَا (عَلَى التُّرَابِ أَوْ) عَلَى (غَيْرِهِ مِمَّا لَهُ غُبَارٌ طَهُورٌ، كَلَبَدٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ بَرْذَعَةِ حِمَارٍ وَنَحْوِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً) وَتَقَدَّمَ لَوْ صَمَدَ مَحَلَّ الْفَرْضِ لِرِيحٍ وَنَحْوِهِ فَعَمّهُ وَمَسَحَهُ بِهِ أَجْزَأَهُ (بَعْد نَزْعِ خَاتَمٍ وَنَحْوِهِ) لِيَصِلَ التُّرَابُ إلَى مَا تَحْتَهُ.
(فَإِنْ عَلِقَ بِيَدَيْهِ تُرَابٌ كَثِيرٌ نَفَخَهُ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ) التُّرَابُ (خَفِيفًا) (كُرِهَ نَفْخُهُ) لِئَلَّا يَذْهَب فَيَحْتَاجَ إلَى إعَادَةِ الضَّرْبِ (فَإِنْ ذَهَبَ مَا عَلَيْهِمَا) أَيْ: الْيَدَيْنِ (بِالنَّفْخِ أَعَادَ الضَّرْبَ) لِيَحْصُلَ الْمَسْحُ بِتُرَابٍ (فَيَمْسَح وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ، ثُمَّ كَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ) لِحَدِيثِ عَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِهِ أَيْضًا وَأَيْضًا: الْيَدُ إذَا أُطْلِقَتْ لَا يَدْخُلُ فِيهَا الذِّرَاعُ بِدَلِيلِ السَّرِقَةِ وَالْمَسِّ لَا يُقَالُ: هِيَ مُطْلَقَةٌ فِي التَّيَمُّمِ مُقَيَّدَةٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الطَّهَارَةِ لِأَنَّ الْحَمْلَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ كَالْعِتْقِ فِي الظِّهَارِ عَلَى الْعِتْقِ فِي الْخَطَأِ.
وَالتُّرَابُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ وَهُوَ يُشْرَعُ فِيهِ التَّثْلِيثُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ هُنَا وَالْوُضُوءُ يُغْسَلُ فِيهِ بَاطِنُ الْفَمِ وَالْأَنْفِ بِخِلَافِهِ هُنَا (وَإِنْ مَسَحَ بِضَرْبَتَيْنِ) مَسَحَ (بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَ) مَسَحَ (بِالْأُخْرَى يَدَيْهِ أَوْ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ) جَازَ لِأَنَّ الْغَرَضَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ وَقَدْ حَصَلَ.
وَقَالَ الْقَاضِي وَالشَّرِيفُ وَابْنُ الزَّاغُونِيِّ: الْمَسْنُونُ ضَرْبَتَانِ يَمْسَحُ بِإِحْدَاهُمَا وَجْهَهُ وَبِالْأُخْرَى يَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ مَنْ قَالَ ضَرْبَتَيْنِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ زَادَهُ يَعْنِي لَا يَصِحُّ.
وَقَالَ الْخَلَّالُ: الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ ضِعَافٌ جِدًّا وَلَمْ يَرْوِ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْهَا إلَّا حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَهُوَ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَرْوِيه مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ (أَوْ).
مَسَحَ (بِبَعْضِ يَدِهِ، أَوْ بِخِرْقَةٍ، أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ كَانَ التُّرَابُ نَاعِمًا فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِ وَضْعًا جَازَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَحَلِّ الْفَرْضِ فَكَيْفَمَا حَصَلَ جَازَ كَالْوُضُوءِ.
(وَفِي الرِّعَايَةِ: لَوْ مَسَحَ وَجْهَهُ بِيَمِينِهِ وَيَمِينَهُ بِيَسَارِهِ، أَوْ عَكَسَ) فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِيَسَارِهِ وَيَسَارَهُ بِيَمِينِهِ (وَخَلَّلَ أَصَابِعَهُمَا فِيهِمَا، صَحَّ، انْتَهَى) يَعْنِي حَيْثُ اسْتَوْعَبَ مَحَلَّ الْفَرْضِ بِالْمَسْحِ (وَإِنْ مَسَحَ بِأَكْثَرَ مِنْ ضَرْبَتَيْنِ، مَعَ الِاكْتِفَاءِ بِمَا دُونَهُ، كُرِهَ).
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا تُسَنُّ الزِّيَادَةُ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ، إذَا حَصَلَ الِاسْتِيعَابُ بِهِمَا (وَمَنْ حُبِسَ فِي الْمِصْرِ، أَوْ قُطِعَ الْمَاءُ مِنْ) عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ بَلَدِهِ (صَلَّى، بِالتَّيَمُّمِ) لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ (بِلَا إعَادَةٍ) لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ بِالْبَدَلِ، فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ كَالْمُسَافِرِ.
(وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ) مِنْ وَاجِدِ الْمَاءِ الْقَادِرِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِلَا ضَرَرِ (خَوْفِ فَوْتِ جِنَازَةٍ وَلَا عِيدٍ وَلَا مَكْتُوبَةٍ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَبَاحَهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَهَذَا وَاجِبٌ لَهُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ (إلَّا إذَا وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ) بِنَحْوِ بِئْرٍ (وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ، أَوْ عُلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ، أَشْبَهَ الْعَادِمَ لَهُ (أَوْ عَلِمَهُ) أَيْ: عَلِمَ الْمُسَافِرُ الْعَادِمُ لِلْمَاءِ، الْمَاءَ (قَرِيبًا) عُرْفًا (أَوْ دَلَّهُ) عَلَيْهِ (ثِقَةٌ) قَرِيبًا عُرْفًا (وَخَافَ) بِطَلَبِهِ (فَوْتَ الْوَقْتِ، أَوْ دُخُولَ وَقْتِ الضَّرُورَةِ، أَوْ فَوْتَ عَدُوٍّ أَوْ فَوْتَ غَرَضِهِ الْمُبَاحِ) كَمَالِهِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ.
(وَإِنْ اجْتَمَعَ جُنُبٌ وَمَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهَا غُسْلُ حَيْضٍ فَبُذِلَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ أَوْ نَذْرٌ، أَوْ وَصِيٌّ بِهِ لِأَوْلَاهُمْ بِهِ، أَوْ وُقِفَ عَلَيْهِ، فَلِمَيِّتٍ) أَيْ: فَيُقَدَّمُ الْمَيِّتُ يُغَسَّلُ بِهِ، لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ تَنْظِيفُهُ، وَلَا يَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ، وَالْحَيُّ يُقْصَدُ بِغُسْلِهِ إبَاحَةُ الصَّلَاةِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِالتُّرَابِ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَعَلَى هَذَا إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ كَانَ لِوَرَثَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا، فَلِلْحَيِّ أَخْذُهُ لِطَهَارَتِهِ بِثَمَنِهِ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ إتْلَافُهُ، أَمَّا إذَا احْتَاجَ الْحَيُّ إلَيْهِ لِعَطَشٍ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ فِي الْأَصَحِّ ا هـ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: أَنَّ مَا فَضَلَ مِنْهُ يَكُونُ لِمَنْ بَعْدَهُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ، دُونَ وَرَثَتِهِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَبْذُولُ أَوْ الْمَنْذُورُ، أَوْ الْمُوصَى بِهِ، أَوْ الْمَوْقُوفُ لَلْأَوْلَى مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ (ثَوْبًا، صَلَّى فِيهِ حَيٌّ) فَرْضَهُ (ثُمَّ كُفِّنَ بِهِ مَيِّتٌ) لِيَحْصُلَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (وَحَائِضٌ أَوْلَى) بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَاءِ (مِنْ جُنُبٍ) لِأَنَّهَا تَقْضِي حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ زَوْجِهَا فِي إبَاحَةِ وَطْئِهَا (وَهُوَ) أَيْ: الْجُنُبُ (أَوْلَى) بِالْمَاءِ مِنْ مُحْدِثٍ حَدَثًا أَصْغَرَ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ مَا لَا يَسْتَفِيدُ بِهِ الْمُحْدِثُ بِهِ.
(وَمَنْ كَفَاهُ) الْمَاءُ (وَحْدَهُ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ (فَهُوَ أَوْلَى بِهِ) لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ أَوْلَى مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي بَعْضِ طَهَارَةٍ وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ بُقْعَتِهِ أَوْلَى مِنْ الْجَمِيعِ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الثَّوْبِ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا، وَنَجَاسَةُ الْبَدَنِ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لَهَا، بِخِلَافِ الْحَدَثِ.
(وَيُقَدَّمُ) غُسْلُ نَجَاسَةِ (ثَوْبٍ) وَبُقْعَةٍ (عَلَى) غُسْلِ نَجَاسَةِ (بَدَنٍ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَيُقَدَّمُ ثَوْبٌ عَلَى بُقْعَةٍ لِأَنَّ إعَادَةَ الصَّلَاةِ الَّتِي تُصَلَّى فِي الثَّوْبِ النَّجِسِ وَاجِبَةٌ، بِخِلَافِهَا فِي الْبُقْعَةِ الَّتِي تَعَذَّرَ غَيْرُهَا، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَتُقَدَّمُ نَجَاسَةُ بَدَنِهِ عَلَى نَجَاسَةِ السَّبِيلَيْنِ، أَيْ: إذَا كَانَ الِاسْتِجْمَارُ يَكْفِي فِيهِمَا (وَيُقَدَّمُ عَلَى غُسْلِهَا) أَيْ: النَّجَاسَةِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَتْ مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ (غَسْلُ طِيبِ مُحْرِمٍ) لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَنْ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ بِتَأْخِيرِ غَسْلِ الطِّيبِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُقَدَّمُ غَسْلُ طِيبِ مُحْرِمٍ، فَنَجَاسَةُ ثَوْبٍ فَبُقْعَةٌ، فَبَدَنٌ، فَمَيِّتٌ، فَحَائِضٌ، فَجُنُبٌ فَمُحْدِثٌ إلَّا إنْ كَفَاهُ وَحْدَهُ فَيُقَدَّمُ عَلَى جُنُبٍ (وَيُقْرَعُ مَعَ التَّسَاوِي) كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ حَائِضَيْنِ أَوْ مُحْدِثَانِ وَالْمَاءُ لَا يَكْفِي إلَّا أَحَدَهُمَا فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ قُدِّمَ بِهِ لِأَنَّهُ صَارَ أَوْلَى بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ (وَإِنْ تَطَهَّرَ بِهِ غَيْرُ الْأَوْلَى) كَمَا لَوْ تَطَهَّرَ بِهِ حَيٌّ مَعَ وُجُودِ مَيِّتٍ يَحْتَاجهُ (أَسَاءَ، وَصَحَّتْ) طَهَارَتُهُ لِأَنَّ الْأَوْلَى لَمْ يَمْلِكْهُ بِكَوْنِهِ أَوْلَى، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِ.
(وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِأَحَدِهِمْ) أَيْ: الْمُحْتَاجِينَ إلَيْهِ (لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ) لِقُدْرَتِهِ عَلَيْهِ وَتَمْكِينِهِ مِنْهُ (وَلَمْ يُؤْثِرْ بِهِ) أَحَدًا (وَلَوْ لِأَبَوَيْهِ) لِتَعَيُّنِهِ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ وَتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهِ (وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ) لَعَلَّهُ فِي مُسْوَدَّتِهِ، وَإِلَّا فَلَمْ نَرَهُ فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ.
(وَلَوْ احْتَاجَ حَيٌّ إلَى كَفَنِ مَيِّتٍ لِبَرْدٍ) وَنَحْوِهِ، زَادَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ (يُخْشَى مِنْهُ التَّلَفُ، قُدِّمَ) الْحَيُّ (عَلَى الْمَيِّتِ) لِأَنَّ حُرْمَتَهُ آكَدُ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ: يُصَلِّي عَلَيْهِ عَادِمُ السُّتْرَةِ فِي إحْدَى لِفَافَتَيْهِ يُقَالُ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ عُرْيَانًا كَلِفَافَةٍ وَاحِدَةٍ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ بِهَا، ذَكَرَهُ فِي التَّكْفِينِ.