فصل: (فَصْلٌ): فِيِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): فِيِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ:

(وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ نَجَاسَةٍ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهَا الطَّرْفُ):
أَيْ: الْبَصَرُ (كَاَلَّذِي يَعْلَقُ بِأَرْجُلِ ذُبَابٍ وَنَحْوِهِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ}.
وَقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ أُمِرْنَا أَنْ «نَغْسِلَ الْأَنْجَاسَ سَبْعًا» وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ (إلَّا يَسِيرَ دَمٍ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الدَّمِ (مِنْ قَيْحٍ وَغَيْرِهِ) كَصَدِيدٍ (وَمَاءِ قُرُوحٍ) فَيُعْفَى عَنْ ذَلِكَ (فِي غَيْرِ مَائِعٍ وَمَطْعُومٍ) أَيْ: يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ غَالِبًا لَا يَسْلَمُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهُ فَعُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ، كَأَثَرِ الِاسْتِجْمَارِ.
وَأَمَّا الْمَائِعُ وَالْمَطْعُومُ فَلَا يُعْفَى فِيهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (وَقَدْرِهِ) أَيْ: قَدْرِ الْيَسِيرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ هُوَ (الَّذِي لَمْ يَنْقُضْ) الْوُضُوءَ أَيْ: مَا لَا يَفْحُشُ فِي النَّفْسِ، وَالْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنْ الْقَيْحِ وَنَحْوِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُعْفَى عَنْ مِثْلِهِ مِنْ الدَّمِ، وَإِنَّمَا يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ (مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ مِنْ آدَمِيٍّ) سَوَاءٌ الْمُصَلِّي وَغَيْرُهُ (مِنْ غَيْرِ سَبِيلٍ) فَإِنْ كَانَ مِنْ سَبِيلٍ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْبَوْلِ أَوْ الْغَائِطِ (حَتَّى دَمِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَاسْتِحَاضَةٍ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا ثَوْبٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا، فَقَصَعَتْهُ بِظُفْرِهَا أَيْ: حَرَّكَتْهُ وَفَرَكَتْهُ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ.
(أَوْ مِنْ غَيْرِ دَمٍ آدَمِيٍّ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَيَوَانٍ (مَأْكُولِ اللَّحْمِ) كَإِبِلٍ وَبَقَرٍ (أَوْ لَا، كَهِرٍّ) بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ، كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ، فَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ دَمِهِ، وَكَذَا دَمُ الْحِمَارِ وَالْبَغْلِ (وَيُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ فِي ثَوْبٍ) مِنْ دَمٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ فَحُشَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَإِلَّا عُفِيَ عَنْهُ وَ(لَا) يُضَمُّ مُتَفَرِّقٌ بِ (أَكْثَرَ) مِنْ ثَوْبٍ بَلْ يُعْتَبَرُ مَا فِي كُلِّ ثَوْبٍ عَلَى حِدَتِهِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَتْبَعُ الْآخَرَ.
وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي شَيْءٍ صَفِيقٍ قَدْ نَفَذَتْ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَهِيَ نَجَاسَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَّصِلْ، بَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ لَمْ يُصِبْهُ الدَّمُ، فَهُمَا نَجَاسَتَانِ إذَا بَلَغَا لَوْ جُمِعَا قَدْرًا لَا يُعْفَى عَنْهُ لَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَجَانِبَيْ الثَّوْبِ (وَدَمُ عِرْقٍ مَأْكُولٍ بَعْدَ مَا يَخْرُجُ بِالذَّبْحِ، وَمَا فِي خِلَالِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ وَلَوْ ظَهَرَتْ حُمْرَتُهُ نَصًّا) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (كَدَمِ سَمَكٍ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَتَوَقَّفَتْ إبَاحَتُهُ عَلَى إرَاقَتِهِ بِالذَّبْحِ، كَحَيَوَانِ الْبَرِّ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ مَاءً.
(وَيُؤْكَلَانِ) أَيْ: دَمُ عِرْقِ الْمَأْكُولِ وَدَمُ السَّمَكِ كَالْكَبِدِ (وَكَدَمِ شَهِيدٍ عَلَيْهِ) فَهُوَ طَاهِرٌ (وَلَوْ كَثُرَ) فَإِنْ انْفَصَلَ عَنْهُ، فَنَجِسٌ، كَغَيْرِهِ (بَلْ يُسْتَحَبُّ بَقَاؤُهُ) أَيْ: بَقَاءُ دَمِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ، حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ فَيُعَايَا بِهَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ: يَجِبُ بَقَاءُ دَمِ شَهِيدٍ عَلَيْهِ (وَكَدَمِ بَقٍّ وَقُمَّلٍ وَبَرَاغِيثَ وَذُبَابٍ وَنَحْوِهَا) مِنْ كُلِّ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ، فَإِنَّهُ طَاهِرٌ (وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) مِنْ مَأْكُولٍ طَاهِرَانِ لِحَدِيثِ «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ» (وَدُودُ الْقَزِّ) وَبَزْرُهُ طَاهِرٌ (وَالْمِسْكُ وَفَأْرَتُهُ) وَهِيَ سُرَّةُ الْغَزَالِ طَاهِرَةٌ (وَالْعَنْبَرُ) طَاهِرٌ، ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْعَنْبَرُ شَيْءٌ دَسَرَهُ الْبَحْرُ أَيْ: دَفَعَهُ وَرَمَى بِهِ.
(وَمَا يَسِيلُ مِنْ فَمٍ وَقْتَ النَّوْمِ) طَاهِرٌ (وَالْبُخَارُ الْخَارِجُ مِنْ الْجَوْفِ) طَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا تَظْهَرُ لَهُ صِفَةٌ بِالْمَحَلِّ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (وَالْبَلْغَمُ) وَلَوْ أَزْرَقَ طَاهِرٌ، وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ الرَّأْسِ أَوْ الصَّدْرِ، أَوْ الْمَعِدَةِ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا- وَوَصَفَهُ الْقَاسِمُ- فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ» وَلَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمَا أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي ثَوْبِهِ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَحْتَ قَدَمِهِ (وَبَوْلُ سَمَكٍ) وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ (طَاهِرٌ).
قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ (لَا الْعَلَقَةُ الَّتِي يُخْلَقُ مِنْهَا الْآدَمِيُّ أَوْ) يُخْلَقُ مِنْهَا (حَيَوَانٌ طَاهِرٌ) فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ، لِأَنَّهَا دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الْفَرْجِ (وَلَا الْبَيْضَةُ الْمَذِرَةُ) أَيْ: الْفَاسِدَةُ (أَوْ) الْبَيْضَةُ (الَّتِي صَارَتْ دَمًا) فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ، أَمَّا الَّتِي صَارَتْ دَمًا فَلِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْعَلَقَةِ وَأَمَّا الْمَذِرَةُ فَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَقَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ الصَّحِيحُ طَهَارَتُهَا كَاللَّحْمِ إذَا أَنْتَنَ (وَأَثَرُ الِاسْتِجْمَارِ نَجِسٌ) لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلِ (يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ) بَعْدَ الْإِنْقَاءِ وَاسْتِيفَاءِ الْعَدَدِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، وَالْمُرَادُ فِي مَحَلِّهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي الْمُسْتَجْمِرِ يَعْرَقُ فِي سَرَاوِيلِهِ: لَا بَأْسَ بِهِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ (وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ (وَ) يُعْفَى (عَنْ يَسِيرِ طِينِ شَارِعٍ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ) لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ (وَ) يُعْفَى عَنْ (يَسِيرِ سَلَسِ بَوْلٍ، مَعَ كَمَالِ التَّحَفُّظِ) مِنْهُ لِلْمَشَقَّةِ (وَ) يُعْفَى عَنْ (يَسِيرِ دُخَانِ نَجَاسَةٍ وَغُبَارِهَا وَبُخَارِهَا مَا لَمْ تَظْهَرْ لَهُ صِفَةٌ) فِي الشَّيْءِ الطَّاهِرِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مَا لَمْ يَتَكَاثَفْ، لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ عَنْ ذَلِكَ (وَ) يُعْفَى عَنْ (يَسِيرِ مَاءٍ نَجِسٍ) بِمَاءٍ عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ كَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ كُلَّ نَجَاسَةٍ نَجَّسَتْ الْمَاءَ، فَحُكْمُ هَذَا الْمَاءِ الْمُتَنَجِّسِ بِهَا حُكْمُهَا لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ نَاشِئَةٌ عَنْ نَجَاسَةِ الْوَاقِعِ فِيهِ.
فَهِيَ فَرْعُهُ (وَ) يُعْفَى (عَمَّا فِي عَيْنٍ مِنْ نَجَاسَةٍ) أَيْ: نَجَاسَةٍ كَانَتْ لِلتَّضَرُّرِ بِغَسْلِهَا (تَقَدَّمَ) فِي بَابِ الْوُضُوءِ.
(وَعَنْ حَمْلِ نَجِسٍ كَثِيرٍ فِي صَلَاةِ خَوْفٍ وَيَأْتِي) فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ (وَمَا تَنَجَّسَ بِمَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ) كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ (عُفِيَ عَنْ أَثَرِ كَثِيرِهِ عَلَى جِسْمٍ صَقِيلٍ بَعْدَ الْمَسْحِ) لِأَنَّ الْبَاقِي بَعْدَ الْمَسْحِ يَسِيرٌ وَإِنْ كَثُرَ مَحَلُّهُ، فَعُفِيَ عَنْهُ كَيَسِيرِ غَيْرِهِ.
(وَالْمَذْي وَالْقَيْءُ) نَجِسٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ غَسَلَ فَمَهُ مِنْ قَيْءٍ بَالَغَ فِي الْغَسْلِ كَمَا هُوَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَهَلْ يُبَالِغُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ دُخُولَ الْمَاءِ أَوْ مَا لَمْ يَظُنّ أَوْ مَا لَمْ يَحْتَمِلْ؟ يَتَوَجَّه احْتِمَالَاتٌ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ غَالِبَ الْأَحْكَامِ مَنُوطَةٌ بِالظُّنُونِ.
(وَالْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ وَالْبَغْلُ مِنْهُ وَسِبَاعُ الْبَهَائِمِ وَجَوَارِحُ الطَّيْرِ) مِنْ كُلِّ مَا لَا يُؤْكَلُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ خِلْقَةً نَجِسَةٌ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْمَاءِ وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ السِّبَاعِ فَقَالَ: «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَنْجَسْ وَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً لَمْ يَحِدَّهُ بِالْقُلَّتَيْنِ» «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُمُرِ يَوْمَ خَيْبَرَ إنَّهَا رِجْسٌ».
قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي طَهَارَةُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَرْكَبهُمَا وَيُرْكَبَانِ فِي زَمَنِهِ، وَفِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ فَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَبَيَّنَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْحِمَارُ الْوَحْشِيُّ وَالْبَغْلُ مِنْهُ فَطَاهِرٌ مَأْكُولٌ، وَيَأْتِي (وَرِيقُهَا وَعَرَقُهَا) أَيْ: الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَجَوَارِحِ الطَّيْرِ نَجِسَانِ؛ لِتَوَلُّدِهِمَا مِنْ النَّجِسِ (فَدَخَلَ فِيهِ) أَيْ: فِي عَرَقِ السِّبَاعِ (الزَّبَادُ) بِوَزْنِ سَحَابٍ، فَهُوَ نَجِسٌ (لِأَنَّهُ مِنْ حَيَوَانٍ بَرِّيٍّ غَيْرِ مَأْكُولٍ أَكْبَرَ مِنْ الْهِرِّ) قَالَ ابْنُ الْبَيْطَارِ فِي مُفْرَدَاتِهِ.
قَالَ الشَّرِيفُ الْإِدْرِيسِيُّ: الزَّبَادُ نَوْعٌ مِنْ الطِّيبِ يُجْمَعُ مِنْ بَيْنِ أَفْخَاذِ حَيَوَانٍ مَعْرُوفٍ يَكُونُ بِالصَّحْرَاءِ يُصَادُ وَيُطْعَمُ اللَّحْمَ، ثُمَّ يَعْرَقُ فَيَكُونُ مِنْ عَرَقٍ بَيْنَ فَخِذَيْهِ حِينَئِذٍ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ الْهِرِّ الْأَهْلِيّ ا هـ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ طَهَارَتُهُ قَالَ: وَهَلْ الزَّبَادُ لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيّ أَوْ عَرَقِ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ؟ فِيهِ خِلَافٌ (وَأَبْوَالُهَا وَأَرْوَاثُهَا) أَيْ: الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ الْجَوَارِحِ: نَجِسَةٌ.
(وَبَوْلُ الْخُفَّاشِ وَالْخُطَّافِ، وَالْخَمْرُ وَالنَّبِيذُ الْمُحَرَّمُ) أَيْ: الْمُسْكِرُ أَوْ الَّذِي غَلَا وَقَذَفَ بِزَبَدِهِ، وَأَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا.
(وَ الْجَلَّالَةُ قَبْلَ حَبْسِهَا) ثَلَاثًا تُطْعَمُ فِيهَا الطَّاهِرُ نَجِسَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ أَكْلِهَا وَأَلْبَانِهَا (وَالْوَدْيُ) مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ (وَالْبَوْلُ وَالْغَائِطُ) مِنْ آدَمِيٍّ وَمَا لَا يُؤْكَلُ (نَجِسَةٌ) مِنْ غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ غَيْرِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فَالنَّجِسُ مِنَّا طَاهِرٌ مِنْهُمْ (وَلَا يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْمَذْيِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَعَنْهُ فِي الْمَذْيِ وَالْقَيْءِ وَرِيقِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَسِبَاعِ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ وَعَرَقِهَا وَبَوْل الْخُفَّاش وَالنَّبِيذِ أَنَّهُ كَالدَّمِ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ (وَيُغْسَلُ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَيَانِ مِنْ الْمَذْيِ) مَا أَصَابَهُ سَبْعًا كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَمَا لَمْ يُصِبْهُ مَرَّةً لِمَا رُوِيَ عَنْ «عَلِيٍّ قَالَ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ قَالَ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَطِينُ الشَّارِعِ وَتُرَابُهُ طَاهِرٌ) وَإِنْ ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ (مَا لَمْ تُعْلَم نَجَاسَتُهُ) فَيُعْفَى عَنْ يَسِيرِهِ وَتَقَدَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَوْ هَبَّتْ رِيحٌ فَأَصَابَ شَيْئًا رَطْبًا غُبَارٌ نَجِسٌ مِنْ طَرِيقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ النَّجَاسَةَ بِهِ وَأَطْلَقَ أَبُو الْمَعَالِي الْعَفْوَ عَنْهُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْيَسِيرِ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ.
(وَلَا يَنْجُسُ الْآدَمِيُّ وَلَا طَرَفُهُ، وَلَا أَجْزَاؤُهُ) كَلَحْمِهِ وَعَظْمِهِ وَعَصَبِهِ (وَلَا مَشِيمَتِهِ) بِوَزْنِ فَعِيلَةٍ- كِيسِ الْوَلَدِ (وَلَوْ كَافِرًا بِمَوْتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجَسُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُسْلِمُ لَا يَنْجَسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا (فَلَا يُنَجِّسُ مَا وَقَعَ فِيهِ) آدَمِيٌّ أَوْ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ (فَغَيْرُهُ، كَرِيقِهِ) أَيْ: الْآدَمِيِّ (وَعَرَقِهِ وَبُزَاقِهِ وَمُخَاطِهِ، وَكَذَا مَا لَا نَفْسَ) أَيْ: دَمَ (لَهُ سَائِلَةٌ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ، ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ شِفَاءً وَفِي الْآخَرِ دَاءً» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَالظَّاهِرُ مَوْتُهُ بِالْغَمْسِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الطَّعَامُ حَارًّا.
وَلَوْ نَجَّسَ الطَّعَامَ لَأَفْسَدَهُ فَيَكُونُ أَمْرًا بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ وَهُوَ خِلَافُ مَا قَصَدَهُ الشَّارِعُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِغَمْسِهِ إزَالَةَ ضَرَرِهِ وَلِأَنَّهُ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ أَشْبَهَ دُودَ الْخَلِّ إذَا مَاتَ فِيهِ وَاَلَّذِي لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ (كَذُبَابٍ وَبَقٍّ وَخَنَافِسَ) جَمْعُ خُنْفَسَاءَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ، وَيُقَالُ: خُنْفُسَةٌ ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَعَقَارِبَ وَصَرَاصِيرَ وَسَرَطَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ) أَيْ: مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ طَاهِرَانِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: فَبَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرٌ فِي قَوْلِهِمَا أَيْ: الشَّيْخَيْنِ قَالَهُ ابْنُ عُبَيْدَانَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ: وَجْهًا وَاحِدًا، ذَكَرَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَقَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: نَجَاسَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَأْكُولًا (وَلَا يُكْرَه مَا) أَيْ: طَعَامٌ أَوْ غَيْرُهُ (مَاتَ فِيهِ) مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَمَحَلُّ طَهَارَةِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ (إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَلِّدًا مِنْ نَجَاسَةٍ كَصَرَاصِيرِ الْحَشِّ) وَدُودِ الْجُرْحِ (فَإِنْ كَانَ مُتَوَلِّدًا مِنْهَا فَنَجِسٌ حَيًّا وَمَيِّتًا) لِأَنَّ الِاسْتِحَالَةَ غَيْرُ مُطَهِّرَةٍ (وَلِلْوَزَغِ نَفْسٌ سَائِلَةٌ نَصًّا، كَالْحَيَّةِ وَالضُّفْدَعِ وَالْفَأْرَةِ) فَتُنَجِّسُ بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْعَقْرَبِ (وَإِذَا مَاتَ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ حَيَوَانٌ وَشَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ أَلَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَمْ لَا؟ (لَمْ يُنَجِّسْ) الْمَاءَ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ فَيَبْقَى عَلَيْهَا، حَتَّى يَتَحَقَّقَ انْتِقَالُهُ عَنْهَا وَكَذَا إنْ شَرِبَ مِنْهُ حَيَوَانٌ يَشُكُّ فِي نَجَاسَةِ سُؤْرِهِ وَطَهَارَتِهِ.
(وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَرَوْثُهُ) طَاهِرَانِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْعُرَنِيِّينَ أَنْ يَلْحَقُوا بِإِبِلِ الصَّدَقَةِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا وَالنَّجِسُ لَا يُبَاحُ شُرْبُهُ، وَلَوْ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ لَأَمَرَهُمْ بِغَسْلِ أَثَرِهِ إذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضَ الْغَنَمِ وَأَمَرَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا، وَطَافَ عَلَى بَعِيرِهِ (وَرِيقُهُ) أَيْ: مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ (وَبُزَاقُهُ وَمُخَاطُهُ وَدَمْعُهُ وَمَنِيُّهُ طَاهِرٌ) كَبَوْلِهِ وَأَوْلَى (كَمَنِيِّ الْآدَمِيّ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ «كُنْتُ أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ الرَّسُولِ ثُمَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْهَبُ فَيُصَلِّي فِيهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ امْسَحْهُ عَنْكَ بِإِذْخِرَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مَرْفُوعًا وَفَارَقَ الْبَوْلَ وَالْمَذْيَ بِأَنَّهُ بَدْءُ خَلْقِ آدَمِيٍّ وَيُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ أَوْ فَرْكُهُ إنْ كَانَ مَنِيَّ رَجُلٍ لِمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا أَوْجَبَ غُسْلًا أَوْ لَا، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ (وَلَوْ خَرَجَ) الْمَنِيُّ (بَعْدَ اسْتِجْمَارٍ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: سَوَاءٌ كَانَ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لَا يَجِبُ فِيهِ فَرْكٌ وَلَا غَسْلٌ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ مَنِيُّ الْمُسْتَجْمِرِ نَجِسٌ دُونَ غَيْرِهِ (وَكَذَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ) طَاهِرَةٌ لِلْحُكْمِ بِطَهَارَةِ مَنِيِّهَا، فَلَوْ حَكَمْنَا بِنَجَاسَةِ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا لَزِمَ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ مَنِيِّهَا.
(وَلَبَنُ غَيْرُ مَأْكُولٍ) كَلَبَنِ الْهِرِّ وَالْحِمَارِ (وَبَيْضُهُ) أَيْ: بَيْضُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ، كَبَيْضِ الْبَازِ وَالْعُقَابِ وَالرَّخَمِ (وَمَنِيُّهُ مِنْ غَيْرِ آدَمِيٍّ: نَجِسٌ) كَبَوْلِهِ وَرَوْثِهِ (وَسُؤْرُ) بِضَمِّ السِّينِ وَبِالْهَمْزِ (الْهِرِّ) وَيُسَمَّى الضَّيْوَنَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَيَاءٍ وَنُونٍ وَالسِّنَّوْرِ وَالْقِطِّ (وَهُوَ) أَيْ: سُؤْرُهُ (فَضْلَةُ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ) طَاهِرٌ.
(وَ) سُؤْرُ (مِثْلِ خَلْقِهِ) أَيْ: مِثْلِ الْهِرِّ فِي الْخِلْقَةِ (وَ) سُؤْرُ (مَا دُونَهُ) أَيْ: الْهِرِّ فِي الْخِلْقَةِ (مِنْ طَيْرٍ وَغَيْرِهِ طَاهِرٌ) لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْهِرِّ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» شَبَّهَهَا بِالْخُدَّامِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ} وَلِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّرِ مِنْهَا، كَحَشَرَاتِ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ قَالَ الْقَاضِي فَطَهَارَتُهَا مِنْ النَّصِّ.
وَمِثْلُهَا وَمَا دُونَهَا مِنْ التَّعْلِيلِ (فَلَوْ أَكَلَ) هِرٌّ وَنَحْوُهُ (نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ فَطَهُورٌ وَلَوْ لَمْ يَغِبْ) الْهِرُّ وَنَحْوُهُ بَعْدَ أَكْلِهِ النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ عَفَى عَنْهَا مُطْلَقًا لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ (وَكَذَا فَمُ طِفْلٍ وَبَهِيمَةٍ) إذَا أَكَلَا نَجَاسَةً ثُمَّ شَرِبَا مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ قَالَ ابْنُ تَمِيمٍ فَيَكُونُ الرِّيقُ مُطَهِّرًا لَهَا وَدَلَّ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ نَجَاسَةٍ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا، نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا يُكْرَه سُؤْرُهُنَّ نَصًّا) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِرِّ، وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى بِنَقْرِ الْفَأْرِ وَغَيْرِهِ.
(وَفِي الْمُسْتَوْعَبِ وَغَيْرِهِ يُكْرَهُ سُؤْرُ الْفَأْرِ؛ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ النِّسْيَانَ وَيُكْرَهُ سُؤْرُ الدَّجَاجَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ مَضْبُوطَةً نَصًّا).
لِأَنَّ الظَّاهِرَ نَجَاسَتُهُ (وَسُؤْرُ الْحَيَوَانِ النَّجِسِ) كَالْكَلْبِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِمَا (نَجِسٌ) أَمَّا الشَّرَابُ فَلِأَنَّهُ مَائِعٌ لَاقَى النَّجَاسَةَ وَأَمَّا الطَّعَامُ فَلِنَجَاسَةِ رِيقِهَا الْمُلَاقِي لَهُ.

.(بَابُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَالنِّفَاسِ):

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ:
(الْحَيْضُ) لُغَةً السَّيَلَانُ، مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ حَاضَ الْوَادِي إذَا سَالَ وَحَاضَتْ الشَّجَرَةُ إذَا سَالَ مِنْهَا شِبْهُ الدَّمِ وَهُوَ الصَّمْغُ الْأَحْمَرُ يُقَالُ: حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا، فَهِيَ حَائِضٌ وَحَائِضَةٌ: إذَا جَرَى دَمُهَا، وَتَحَيَّضَتْ، أَيْ: قَعَدَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَيُسَمَّى أَيْضًا الطَّمْثُ وَالْعِرَاكُ، وَالضَّحِكُ وَالْإِعْصَارُ، وَالْإِكْبَارُ وَالنِّفَاسُ وَالْفِرَاكُ وَالدِّرَاسُ وَشَرْعًا (دَمُ طَبِيعَةٍ) أَيْ: جِبِلَّةً وَخِلْقَةً وَسَجِيَّةً (يَخْرُجُ مَعَ الصِّحَّةِ) بِخِلَافِ الِاسْتِحَاضَةِ (مِنْ غَيْرِ سَبَبِ وِلَادَةٍ) خَرَجَ النِّفَاسُ (مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ) أَيْ: بَيْتِ مَنْبَتِ الْوَلَدِ وَوِعَائِهِ (يَعْتَادُ أُنْثَى، إذَا بَلَغَتْ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ) وَلَيْسَ بِدَمِ فَسَادٍ، بَلْ خَلَقَهُ اللَّه لِحِكْمَةِ غِذَاءِ الْوَلَدِ وَتَرْبِيَتِهِ وَهُوَ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِمَا فَإِذَا حَمَلَتْ انْصَرَفَ ذَلِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ إلَى غِذَائِهِ وَلِذَلِكَ لَا تَحِيضُ الْحَامِلُ فَإِذَا وَضَعَتْ قَلَبَهُ اللَّهُ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ وَلِذَلِكَ قَلَّمَا تَحِيضُ الْمُرْضِعُ فَإِذَا خَلَتْ مِنْهُمَا بَقِيَ الدَّمُ لَا مَصْرِفَ لَهُ فَيَسْتَقِرّ فِي مَكَان، ثُمَّ يَخْرُجُ فِي الْغَالِبِ فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً وَقَدْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَيَقِلُّ وَيَطُولُ شَهْرُهَا وَيَقْصُرُ بِحَسَبِ مَا رَكَّبَهُ اللَّهُ فِي الطِّبَاعِ وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِرِّ الْأُمِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَبِبِرِّ الْأَبِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
وَالْأَصْلُ فِي الْحَيْضِ قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ} الْآيَةَ، وَالسُّنَّةُ قَالَ أَحْمَدُ الْحَيْضُ يَدُورُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ: حَدِيثِ فَاطِمَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَحَمْنَةَ وَفِي رِوَايَةٍ أُمِّ سَلَمَةَ مَكَانَ أُمِّ حَبِيبَةَ.
(وَالِاسْتِحَاضَةُ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ) الْمُعْتَادَةِ مِنْ (مَرَضٍ وَفَسَادٍ مِنْ عِرْقٍ فَمُهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى) ذَلِكَ الْعِرْقُ (الْعَاذِلُ) بِالْمُهْمَلَةِ، وَالْمُعْجَمَةِ، وَالْعَاذِرُ فِيهِ حَكَاهُمَا ابْنُ سِيدَهْ، يُقَالُ: اُسْتُحِيضَتْ الْمَرْأَةُ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ.
(وَالنِّفَاسُ الدَّمُ الْخَارِجُ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ) يُقَالُ: نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ فِيهِمَا إذَا وَلَدَتْ، وَيُقَالُ فِي الْحَيْضِ: نَفِسَتْ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الصِّحَاحِ: النِّفَاسُ وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ إذَا وَضَعَتْ، فَهِيَ نُفَسَاءُ وَنِسْوَةٌ نِفَاسٌ وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعَلَاءُ يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ غَيْرَ نَفْسَاءَ، وَعَسْرَاءَ، ا هـ.
(وَيَمْنَعُ الْحَيْضُ خَمْسَةَ عَشَرَ شَيْئًا) بِالِاسْتِقْرَاءِ أَحَدُهَا: (الطَّهَارَةُ) أَيْ: لِلْحَيْضِ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّهَارَةِ (لَهُ) وَتَقَدَّمَ، بِخِلَافِ الْغُسْلِ لِجَنَابَةٍ، أَوْ إحْرَامٍ وَنَحْوِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ.
(وَ) الثَّانِي (الْوُضُوءُ) لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهِ انْقِطَاعَ مَا يُوجِبُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) الثَّالِثُ (قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَقْرَأْ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ.
(وَ) الرَّابِعُ (مَسُّ الْمُصْحَفِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) الْخَامِسُ (الطَّوَافُ) «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ إذَا حِضْتِ افْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) السَّادِسُ (فِعْلُ الصَّلَاةِ وَ) السَّابِعُ (وُجُوبُهَا) أَيْ: الصَّلَاةِ (فَلَا تَقْضِيهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى إسْقَاطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَنْهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا، وَعَلَى أَنَّ قَضَاءَ مَا فَاتَ عَنْهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ» وَلِمَا رَوَتْ مُعَاذَةُ قَالَتْ: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ، وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ فَقُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ فَقَالَتْ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا،.
وَمَعْنَى قَوْلِهَا أَحَرُورِيَّةٌ الْإِنْكَارُ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِ حَرُورَاءَ وَهِيَ مَكَانٌ تُنْسَبُ إلَيْهِ الْخَوَارِجُ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءَ الصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ لِفَرْطِ تَعَمُّقِهِمْ فِي الدِّينِ حَتَّى مَرَقُوا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ لِتَكَرُّرِهِ وَطُولِ مُدَّتِهِ،
فَإِنْ أَحَبَّتْ الْقَضَاءَ فَظَاهِرُ نَقَلِ الْأَثْرَمِ التَّحْرِيمُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ يُكْرَهُ لَكِنَّهُ بِدْعَةٌ كَمَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ عِكْرِمَةَ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ، إلَّا رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لِأَنَّهَا نُسُكٌ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ فَيُعَايَى بِهَا ا هـ يَعْنِي إذَا طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فَإِنَّهَا تُصَلِّيهِمَا إذَا طَهُرَتْ؛ لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِمَا فَتَسْمِيَتهَا قَضَاءٍ تَجَوُّزٌ.
(وَ) الثَّامِنُ: (فِعْلُ الصِّيَامِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «أَلَيْسَ إحْدَاكُنَّ إذَا حَاضَتْ لَمْ تَصُمْ وَلَمْ تُصَلِّ؟ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَ(لَا) يَمْنَعُ الْحَيْضُ (وُجُوبَهُ) أَيْ: الصَّوْمِ (فَتَقْضِيهِ) إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ، لَكِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِالتَّمَكُّنِ، فَإِنْ لَمْ تَتَمَكَّنْ لَمْ تَكُنْ عَاصِيَةً وَتَقْضِيهِ هِيَ وَكُلُّ مَعْذُورٍ بِالْأَمْرِ السَّابِقِ، لَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ.
وَالتَّاسِعُ (الِاعْتِكَافُ وَ) الْعَاشِرُ (اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ) وَلَوْ بِوُضُوءٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ: (الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (إلَّا لِمَنْ بِهِ شَبَقٌ بِشَرْطِهِ) وَهُوَ أَنْ لَا تَنْدَفِعَ شَهْوَتُهُ بِدُونِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ وَيَخَافُ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ إنْ لَمْ يَطَأ، وَلَا يَجِدُ غَيْرَ الْحَائِضِ بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى مَهْرِ حُرَّةٍ وَلَا ثَمَنِ أَمَةٍ.
(وَ) الثَّانِي عَشَرَ: (سُنَّةُ الطَّلَاقِ) لِمَا رُوِيَ «عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ الْبُخَارِيُّ أَوْ حَامِلًا وَلِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِيهِ كَانَ مُحَرَّمًا، وَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَسَيَأْتِي (مَا لَمْ تَسْأَلْهُ طَلَاقًا بِعِوَضٍ أَوْ خُلْعٍ لِأَنَّهَا) إذْن قَدْ أَدْخَلَتْ الضَّرَرَ عَلَى نَفْسِهَا (فَإِنْ سَأَلَتْهُ) طَلَاقًا (بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يُبَحْ) قُلْت: وَلَعَلَّ اعْتِبَارَ الْعِوَضِ لِأَنَّهَا تُظْهِرُ خِلَافَ مَا تُبْطِنُ فَبَذْلُ الْعِوَضِ يَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهَا الْحَقِيقِيَّةِ.
(وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ: (الِاعْتِدَادُ بِالْأَشْهُرِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَحِيضُ لَا تَعْتَدّ بِالْأَشْهُرِ، بَلْ بِالْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} فَأَوْجَبَ الْعِدَّةَ بِالْقُرُوءِ، وَشَرَطَ فِي الْآيِسَةِ عَدَمَ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَللَّائِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ} الْآيَةَ (إلَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) فَتَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ} الْآيَةَ.
وَالرَّابِعَ عَشَرَ: (ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ إذَا طَلَّقَهَا فِي أَثْنَائِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَبَعْضُ الْقُرْءِ لَيْسَ بِقُرْءٍ.
(وَ) الْخَامِسَ عَشَرَ: (مُرُورُهَا فِي الْمَسْجِدِ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ) لِأَنَّ تَلْوِيثَهُ بِالنَّجَاسَةِ مُحَرَّمٌ وَالْوَسَائِلُ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ (وَلَا يَمْنَعُ) الْحَيْضُ (الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ وَالْإِحْرَامِ) وَدُخُولِ مَكَّةَ وَنَحْوِهِ وَتَقَدَّمَ (بَلْ يُسْتَحَبُّ) الْغُسْلُ لِذَلِكَ (وَلَا) يُمْنَعُ (مُرُورُهَا فِي الْمَسْجِدِ إنْ أَمِنَتْ تَلْوِيثَهُ) قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إبْرَاهِيمَ: تَمُرُّ وَلَا تَقْعُدُ.
(وَيُوجِبُ) الْحَيْضُ (خَمْسَةَ أَشْيَاءَ) بِالِاسْتِقْرَاءِ (الِاعْتِدَادَ بِهِ) لِغَيْرِ وَفَاةٍ لِمَا سَبَقَ (وَالْغُسْلَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَالْبُلُوغَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَتِرَ لِأَجْلِ الْحَيْضِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّكْلِيفَ حَصَلَ بِهِ (وَالْحُكْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي الِاعْتِدَادِ) بِهِ، إذْ الْعِلَّةُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْعِدَّةِ فِي الْأَصْلِ: الْعِلْمُ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ.
(وَ) الْحُكْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فِي (اسْتِبْرَاءِ الْإِمَاءِ) إذْ فَائِدَتُهُ ذَلِكَ.
(وَ) الْخَامِسَ (الْكَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِيهِ) أَيْ: فِي الْحَيْضِ قُلْتُ قَدْ يُقَالُ الْمُوجِبُ الْوَطْءُ، وَالْحَيْضُ شَرْطٌ كَمَا قَالُوا فِي الزِّنَا: أَنَّهُ مُوجِبٌ وَالْإِحْصَانُ فِي ذَلِكَ شَرْطٌ وَالْخَطْبُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ (وَنِفَاس مِثْله) أَيْ: الْحَيْضِ فِيمَا يَمْنَعُهُ وَيُوجِبُهُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ اُحْتُبِسَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ (حَتَّى فِي) وُجُوبِ (الْكَفَّارَةِ بِالْوَطْءِ فِيهِ) أَيْ: فِي النِّفَاسِ (نَصًّا) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: الِاعْتِدَادِ بِهِ) لِأَنَّ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ بِالْقُرُوءِ، وَالنِّفَاسُ لَيْسَ بِقُرْءٍ؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِوَضْعِ الْحَمْلِ (وَكَوْنِهِ) أَيْ: النِّفَاسِ (لَا يُوجِبُ الْبُلُوغَ لِحُصُولِهِ قَبْلَهُ بِالْحَمْلِ) لِأَنَّ الْوَلَدَ يَنْعَقِدُ مِنْ مَائِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ({خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}) (وَلَا يُحْتَسَبُ بِهِ) أَيْ: بِالنِّفَاسِ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْمَوْلَى (فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ بِخِلَافِ الْحَيْضِ.
(وَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ) أَيْ: الْحَيْضُ أَوْ النِّفَاسُ (أُبِيحَ فِعْلُ الصِّيَامِ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ لَا يَمْنَعُ فِعْلَهُ كَالْجُنُبِ (وَ) أُبِيحَ (الطَّلَاقُ) لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ بِالْحَيْضِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ (وَلَمْ يُبَحْ غَيْرُهُمَا حَتَّى تَغْتَسِلَ).
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ كَالْإِجْمَاعِ، وَحَكَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ إجْمَاعَ التَّابِعِينَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ لِحِلِّ الْوَطْءِ شَرْطَيْنِ: انْقِطَاعَ الدَّمِ، وَالْغُسْلَ، فَقَالَ {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} أَيْ: يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ أَيْ: اغْتَسَلْنَ بِالْمَاءِ فَأْتُوهُنَّ كَذَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا يُقَالُ: يَنْبَغِي عَلَى قِرَاءَةِ الْأَكْثَرِ بِتَخْفِيفِ يَطْهُرْنَ الْأُولَى أَنَّهُ يَنْتَهِي النَّهْيُ عَنْ الْقُرْبَانِ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، إذْ الْغَايَةُ تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا لِكَوْنِهَا بِحَرْفِ حَتَّى لِأَنَّهُ قَبْلَ: الِانْقِطَاعِ النَّهْي وَالْقُرْبَان مُطْلَقٌ فَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ، وَبَعْدَهُ يَزُولُ التَّحْرِيمُ الْمُطْلَقُ، وَتَصِيرُ إبَاحَةُ وَطْئِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْغُسْلِ وَظَهَرَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْأَكْثَرِ أَكْثَرُ فَائِدَةً.
تَنْبِيه تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ بِوُضُوءٍ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ، فَالْحَصْرُ إضَافِيٌّ (فَلَوْ أَرَادَ وَطْأَهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا حَائِضٌ وَأَمْكَنَ) بِأَنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ يَتَأَتَّى فِيهِ الْحَيْضُ، وَيَأْتِي بَيَانُهُ (قُبِلَ) قَوْلُهَا وُجُوبًا (نَصًّا) لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ، قَالَ ابْنُ حَزْمٍ اتَّفَقُوا عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْمَرْأَةِ تُزَفُّ الْعَرُوسُ إلَى زَوْجِهَا فَتَقُولُ: هَذِهِ زَوْجَتُكَ وَعَلَى اسْتِبَاحَةِ وَطْئِهَا بِذَلِكَ، وَعَلَى تَصْدِيقِهَا فِي قَوْلِهَا: أَنَا حَائِضٌ، وَفِي قَوْلِهَا: قَدْ طَهُرْتُ.
(وَيُبَاح أَنْ يَسْتَمْتِعَ مِنْهَا) أَيْ: الْحَائِضِ (بِغَيْرِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ) كَالْقُبْلَةِ وَاللَّمْسِ وَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ، زَادَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَالِاسْتِمْنَاءِ بِيَدِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاعْتَزِلُوا نِكَاحَ فُرُوجِهِنَّ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَلِأَنَّ الْمَحِيضَ اسْمٌ لِمَكَانِ الْحَيْضِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ كَالْمَقِيلِ وَالْمَبِيتِ، فَيَخْتَصُّ بِالتَّحْرِيمِ بِمَكَانِ الْحَيْضِ، وَهُوَ الْفَرْجُ وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ» رَوَاه مُسْلِمٌ.
وَفِي لَفْظِهَا إلَّا الْجِمَاعَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ وَطْءٌ مُنِعَ لِلْأَذَى فَاخْتَصَّ بِمَحَلِّهِ، كَالدُّبُرِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَحِلُّ مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَرَامِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَمِّهِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ سَلَّمْنَا صِحَّتَهُ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِالْمَفْهُومِ، وَالْمَنْطُوقُ رَاجِحٌ عَلَيْهِ.
وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُنِي أَنْ أَأْتَزِرَ، فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ» لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُبَاحِ تَقَذُّرًا كَتَرْكِهِ أَكْلَ الضَّبِّ.
(وَيُسْتَحَبُّ سَتْرُهُ) أَيْ: الْفَرْجِ (إذَنْ) أَيْ: عِنْدَ الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ الْحَائِضِ بِغَيْرِ الْفَرْجِ لِحَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ «إذَا أَرَادَ مِنْ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَجِبُ (وَوَطْؤُهَا) أَيْ: الْحَائِضِ (فِي الْفَرْجِ لَيْسَ بِكَبِيرَةٍ) لِعَدَمِ انْطِبَاقِ تَعْرِيفِهَا عَلَيْهِ وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ أَنَّهُ عِنْدَهُ مِنْ الْكَبَائِرِ (فَإِنْ وَطِئَهَا) أَيْ: الْحَائِضَ (مَنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ (وَلَوْ غَيْرَ بَالِغٍ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (فِي الْحَيْضِ، وَالدَّمِ يَجْرِي) أَيْ: يَسِيلُ سَوَاءٌ كَانَ الْوَطْءُ (فِي أَوَّلِهِ) أَيْ: الْحَيْضِ (أَوْ) فِي (آخِرِهِ) لِأَنَّهُ مَعْنًى تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ، فَاسْتَوَى الْحَالُ فِيهِ بَيْنَ إقْبَالِهِ وَإِدْبَارِهِ وَصِفَاتِهِ.
(وَلَوْ) كَانَ الْوَطْءُ (بِحَائِلٍ) لَفَّهُ عَلَى ذَكَرِهِ، أَوْ كِيسٍ أَدْخَلَهُ فِيهِ (أَوْ وَطِئَهَا وَهِيَ طَاهِرَةٌ فَحَاضَتْ فِي أَثْنَاءِ وَطْئِهِ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَدِمْ) الْوَطْءُ بَلْ نَزَعَ فِي الْحَالِ (لِأَنَّ النَّزْعَ جِمَاعٌ فَعَلَيْهِ دِينَارٌ زِنَتُهُ مِثْقَالٌ خَالِيًا مِنْ الْغِشِّ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبٍ) خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ (أَوْ نِصْفُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ كَفَّارَةٌ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَنْ الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد.
وَقَالَ: هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ لَا يُقَالُ: كَيْفَ يُخَيِّرُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَنِصْفِهِ؟ لِأَنَّهُ كَتَخْيِيرِ الْمُسَافِرِ بَيْنَ الْإِتْمَامِ وَالْقَصْرِ وَأَخَذَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ.
أَنَّ مَنْ كَرَّرَ الْوَطْءَ فِي حَيْضَةٍ أَوْ حَيْضَتَيْنِ: أَنَّهُ فِي تَكْرَارِ الْكَفَّارَةِ كَالصَّوْمِ (مَصْرِفُهَا) أَيْ: هَذِهِ الْكَفَّارَةِ (مَصْرِفُ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ) أَيْ: إلَى مَنْ لَهُ أَخْذُ زَكَاةٍ لِحَاجَتِهِ (وَتَجُوزُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ) أَيْ: كَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَتَقَيَّدْ بِمَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ (وَتَسْقُطُ) كَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ (بِعَجْزٍ).
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ: كَفَّارَةُ وَطْءِ الْحَائِضِ تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا أَوْ عَنْ بَعْضِهَا كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي رَمَضَانَ (وَكَذَا هِيَ) أَيْ: الْحَائِضُ (إنْ طَاوَعَتْهُ) عَلَى وَطْئِهَا فِي الْحَيْضِ فَتَجِبُ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ، كَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ، فَإِنْ كَانَتْ مُكْرَهَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهَا وَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ بِوَطْءِ الْحَائِضِ (حَتَّى) وَلَوْ كَانَ الْوَطْءُ (مِنْ نَاسٍ وَمُكْرَهٍ، وَجَاهِلِ الْحَيْضِ أَوْ التَّحْرِيمِ) أَيْ: جَاهِلِ الْحَيْضِ أَوْ التَّحْرِيمِ (أَوْ هُمَا) أَيْ: جَاهِلِ الْحَيْضِ وَالتَّحْرِيمِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ، وَقِيَاسًا عَلَى الْوَطْءِ فِي الْإِحْرَامِ (وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِوَطْئِهَا بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ فِي الْخَبَرِ وَهِيَ حَائِضٌ وَهَذِهِ لَيْسَتْ بِحَائِضٍ.
(وَلَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا (بِوَطْئِهَا) أَيْ: الْحَائِضِ (فِي الدُّبُرِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، وَلَا فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ (وَلَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ) عَنْ الدِّينَارِ أَوْ نِصْفِهِ، كَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ (إلَّا) إذَا أَخْرَجَ الْقِيمَةَ (مِنْ الْفِضَّةِ) كَإِجْزَاءِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الزَّكَاةِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ.
(وَبَدَنُ الْحَائِضِ وَعَرَقُهَا وَسُؤْرُهَا طَاهِرٌ وَ) لِذَا (لَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَعَجْنُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلَا وَضْعُ يَدَيْهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ) ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ إجْمَاعًا سَأَلَهُ حَرْبٌ تُدْخِلُ يَدَهَا فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَخَلٍّ وَتَعْجِنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ قَالَ: نَعَمْ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَا يَفْسُدُ مِنْ الْمَائِعَاتِ بِمُلَاقَاتِهِ بَدَنَهَا، وَإِلَّا تَوَجَّهَ الْمَنْعُ فِيهَا وَفِي الْمَرْأَةِ الْجُنُبِ.
(وَأَقَلُّ سِنٌّ تَحِيضُ لَهُ الْمَرْأَةُ: تَمَامُ تِسْعِ سِنِينَ) هِلَالِيَّةٍ، فَمَتَى رَأَتْ دَمًا قَبْلَ بُلُوغِ ذَلِكَ السِّنِّ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْوُجُودِ وَالْعَادَةِ لِأُنْثَى حَيْضٌ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، كَتِهَامَةَ، وَالْبَارِدَةِ كَالصِّينِ وَإِنْ رَأَتْ مِنْ الدَّمِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا، وَقَدْ بَلَغَتْ هَذَا السِّنَّ حُكِمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَثَبَتَتْ فِي حَقِّهَا أَحْكَامُ الْحَيْضِ كُلُّهَا.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ: قَالَتْ عَائِشَةُ «إذَا بَلَغَتْ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ» وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ أَيْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَرْأَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَأَيْتُ جَدَّةً لَهَا إحْدَى وَعِشْرُونَ سَنَةً وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّ نِسَاءَ تِهَامَةَ يَحِضْنَ لِتِسْعِ سِنِينَ.
(وَأَكْثَرُهُ) أَيْ: أَكْثَرُ سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ الْمَرْأَةُ (خَمْسُونَ سَنَةً) لِقَوْلِ عَائِشَةَ إذَا بَلَغَتْ الْمَرْأَةُ خَمْسِينَ سَنَةً خَرَجَتْ مِنْ حَدِّ الْحَيْضِ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ.
وَقَالَتْ أَيْضًا لَنْ تَرَى فِي بَطْنِهَا وَلَدًا بَعْدَ الْخَمْسِينَ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّالَنْجِيُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِنَّ، لِاسْتِوَائِهِنَّ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ (وَالْحَامِلُ لَا تَحِيضُ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكِ الْقَاضِي.
فَجُعِلَ عَلَمًا عَلَى بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ ابْنِ عُمَرَ لَمَّا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ لِيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا، أَوْ حَامِلًا» فَجُعِلَ الْحَمْلُ عَلَمًا عَلَى عَدَمِ الْحَيْضِ كَالطُّهْرِ احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ (فَلَا تَتْرُكُ) الْحَامِلُ (الصَّلَاةَ لِمَا تَرَاهُ) مِنْ الدَّمِ، لِأَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ، لَا حَيْضٍ وَكَذَا الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ وَالطَّوَافُ وَنَحْوُهَا وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعِبَادَةِ كَغَيْرِهِ، لَكَانَ أَعَمَّ (وَلَا يُمْنَعُ) زَوْجُهَا أَوْ سَيِّدُهَا (وَطْأَهَا) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حَائِضًا (إنْ خَافَ الْعَنَتَ) مِنْهُ أَوْ مِنْهَا وَإِلَّا مُنِعَ، كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْقَيْدَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالْمُبْدِعِ وَالْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِمَّنْ وَقَفْتُ عَلَى كَلَامِهِ، إلَّا أَنْ تَرَاهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَهُوَ نِفَاسٌ.
وَيَأْتِي (وَتَغْتَسِلُ) الْحَامِلُ إذَا رَأَتْ دَمًا زَمَنَ حَمْلِهَا (عِنْدَ انْقِطَاعِهِ اسْتِحْبَابًا، نَصًّا) احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْفُرُوعِ: أَنَّ الْإِمَامَ نَصَّ عَلَى أَنَّهَا تَغْتَسِلُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ نَصًّا عَلَى قَوْلِهِ اسْتِحْبَابًا.
(وَأَقَلُّ الْحَيْضِ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ عَلَى الْحَيْضِ أَحْكَامًا، وَلَمْ يُبَيِّنْهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ رَدَّهُ إلَى الْعُرْفِ، كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ وَقَدْ وُجِدَ حَيْضٌ مُعْتَادٌ يَوْمًا، وَلَمْ يُوجَدْ أَقَلُّ مِنْهُ قَالَ عَطَاءٌ رَأَيْتُ مَنْ تَحِيضُ يَوْمًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ،.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَأَيْتُ امْرَأَةً قَالَتْ: إنَّهَا لَمْ تَزَلْ تَحِيضُ يَوْمًا لَا تَزِيدُهُ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ كَانَ فِي نِسَائِنَا مَنْ تَحِيضُ يَوْمًا أَيْ: بِلَيْلَتِهِ، لِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ إطْلَاقِ الْيَوْمِ وَالْمُرَادُ: مِقْدَارُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، أَيْ: أَرْبَعٍ وَعِشْرُونَ سَاعَةً (فَلَوْ انْقَطَعَ) الدَّمُ (لِأَقَلَّ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْيَوْمِ بِلَيْلَتِهِ (فَلَيْسَ بِحَيْضٍ) (بَلْ) هُوَ (دَمُ فَسَادٍ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَأَكْثَرُهُ) أَيْ: الْحَيْضِ (خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) بِلَيَالِيِهِنَّ لِقَوْلِ عَلِيٍّ مَا زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ اسْتِحَاضَةٌ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٍ وَقَالَ عَطَاءٌ رَأَيْتُ مَنْ تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعَا «النِّسَاءُ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ قِيلَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِهِنَّ؟ قَالَ: تَمْكُثُ إحْدَاهُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ.
وَقَالَ ابْنُ مَنْدَهْ: لَا يَثْبُتُ هَذَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَذَكَرَ ابْنُ الْمُنَجَّا أَنَّهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ خَطَأٌ (وَغَالِبُهُ) أَيْ: الْحَيْضِ (سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ) «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ لَمَّا سَأَلَتْهُ تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِيكِ، وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ لِمِيقَاتِ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَاهُ، وَحَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْهُ- قَدْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا- فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَ حِيَضٍ فَقَالَ عَلِيٌّ لِشُرَيْحٍ قُلْ فِيهَا فَقَالَ شُرَيْحٌ إنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْجَى دِينُهُ وَأَمَانَتُهُ فَشَهِدَتْ بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَهِيَ كَاذِبَةٌ فَقَالَ عَلِيٌّ قالون أَيْ: جَيِّدٌ بِالرُّومِيَّةِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ إلَّا تَوْقِيفًا وَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ اُشْتُهِرَ، وَلَمْ يُعْلَمْ خِلَافُهُ، وَوُجُودُ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي شَهْرٍ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ طُهْرٌ صَحِيحٌ يَقِينًا، قَالَ أَحْمَدُ لَا نَخْتَلِفُ أَنَّ الْعِدَّةَ يَصِحُّ أَنْ تَنْقَضِيَ فِي شَهْرٍ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ (وَغَالِبُهُ) أَيْ: الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ (بَقِيَّةُ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ) فَإِذَا كَانَ الْحَيْضُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، فَالْغَالِبُ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، أَوْ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ حَمْنَةَ.
قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَغَالِبُ الطُّهْرِ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا، وَقِيلَ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ (وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ) أَيْ: أَكْثَرِ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا وَقَدْ تَحِيضُ فِي السَّنَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَحَكَى أَبُو الطَّيِّبِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ امْرَأَةً فِي زَمَنِهِ كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ زَمَنَ الْحَيْضِ خُلُوصُ النَّقَاءِ، بِأَنْ لَا تَتَغَيَّرَ مَعَهُ قُطْنَةٌ احْتَشَتْ بِهَا، وَلَا يُكْرَهُ وَطْؤُهَا زَمَنَهُ.