فصل: (فَصْلٌ): مَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): مَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ:

وَمَنْ كَبَّرَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ)؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا، مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً، وَكَإِدْرَاكِ الْمُسَافِرِ صَلَاةَ الْمُقِيمِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَنْوِيَ الصِّفَةَ الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا، وَهُوَ كَوْنُهُ مَأْمُومًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُدْرِكَ فَضْلَ الْجَمَاعَةِ.
(وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مَعَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (قَبْلَ رَفْعِ رَأْسِهِ) مِنْ الرُّكُوعِ، بِحَيْثُ يَصِلُ الْمَأْمُومُ إلَى الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ الْإِمَامُ عَنْ قَدْرِ الْإِجْزَاءِ مِنْهُ (غَيْرَ شَاكٍّ فِي إدْرَاكِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (رَاكِعًا أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَهُ الطُّمَأْنِينَةَ إذَا اطْمَأَنَّ هُوَ) أَيْ الْمَسْبُوقُ ثُمَّ لَحِقَهُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا، وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ» رَوَاه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ مِنْ الْأَرْكَانِ غَيْرُ الْقِيَامِ وَهُوَ يَأْتِي بِهِ مَعَ التَّكْبِيرَةِ ثُمَّ يُدْرِكُ مَعَ الْإِمَامِ بَقِيَّةَ الرَّكْعَةِ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ: هَلْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا أَوْ لَا؟ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِهِ.
وَإِنْ كَبَّرَ وَالْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ، ثُمَّ لَمْ يَرْكَعْ حَتَّى رَفَعَ إمَامُهُ لَمْ يُدْرِكْهُ وَلَوْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْمَأْمُومِينَ وَإِنْ أَتَمَّ التَّكْبِيرَةَ فِي انْحِنَائِهِ انْقَلَبَتْ نَفْلًا وَتَقَدَّمَ (وَأَجْزَأَتْهُ) أَيْ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا (تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ عَنْ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ نَصًّا) وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ فِعْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَأَجْزَأَ الرُّكْنُ عَنْ الْوَاجِبِ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ قِيلَ لِلْقَاضِي: لَوْ كَانَتْ تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَاجِبَةً لَمْ تَسْقُطْ فَأَجَابَ: بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَوْجَبَ الْقِرَاءَةَ وَأَسْقَطَهَا إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ تُجْزِئُ فِي حَالَةِ قِيَامٍ، خِلَافُ مَا يَقُولُهُ الْمُتَأَخِّرُونَ.
(وَإِتْيَانُهُ) أَيْ الْمَسْبُوقِ (بِهَا) أَيْ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ (أَفْضَلُ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، كَابْنِ عَقِيلٍ وَابْنِ الْجَوْزِيِّ (فَإِنْ نَوَاهُمَا) أَيْ نَوَى الْمُدْرِكُ فِي الرُّكُوعِ الْإِحْرَامَ وَالرُّكُوعَ (بِالتَّكْبِيرَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ شَرَّكَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ فِي النِّيَّةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ، فَقَالَ: رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ عَنْهُمَا.
وَعَنْهُ بَلَى اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الرُّكُوعِ لَا تُنَافِي نِيَّةَ الِافْتِتَاحِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَةِ وَإِنْ نَوَى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهَا (وَإِنْ أَدْرَكَهُ) أَيْ الْمَسْبُوقُ (بَعْدَ الرُّكُوعِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَعَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ قَوْلًا وَفِعْلًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا» الْحَدِيثَ وَالْمُرَادُ بِمُتَابَعَتِهِ فِي الْأَقْوَالِ: أَنْ يَأْتِيَ بِتَكْبِيرِ الِانْتِقَالِ عَمَّا أَدْرَكَهُ فِيهِ وَمَا فِي السُّجُودِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَمَا بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَأَمَّا التَّشَهُّدُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِتَشَهُّدِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ) مِنْ الرُّكُوعِ (قَبْلَ إحْرَامِهِ) أَيْ الْمَسْبُوقِ (سُنَّ دُخُولُهُ مَعَهُ) فَيُسَنُّ كَيْفَ أَدْرَكَهُ لِلْخَبَرِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمَسْبُوقِ (أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرَةِ فِي حَالِ قِيَامِهِ) لِوُجُوبِ التَّكْبِيرِ لِكُلِّ انْتِقَالٍ يَعْتَدُّ بِهِ الْمُصَلِّي، (وَيَنْحَطُّ مَسْبُوقٌ) أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ (بِلَا تَكْبِيرٍ لَهُ) أَيْ لِانْحِطَاطِهِ (وَلَوْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَقَدْ فَاتَهُ مَحَلَّ التَّكْبِيرِ (وَيَقُومُ) مَسْبُوقٌ (لِلْقَضَاءِ بِتَكْبِيرٍ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ) الرَّكْعَةُ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا (ثَانِيَتَهُ) أَيْ الْمَسْبُوقِ؛ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ سَائِرَ الِانْتِقَالَاتِ (فَإِنْ قَامَ) مَسْبُوقٌ (قَبْلَ) أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ (التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ، بِلَا عُذْرٍ يُبِيحُ الْمُفَارَقَةَ) لِلْإِمَامِ (لَزِمَهُ) أَيْ الْمَسْبُوقَ (الْعَوْدُ، لِيَقُومَ بَعْدَهَا)؛ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الرُّكْنِ وَلَا يَجُوزُ مُفَارَقَتُهُ بِلَا عُذْرٍ (فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ) الْمَسْبُوقُ (انْقَلَبَتْ) صَلَاتُهُ (نَفْلًا) بِلَا إمَامٍ وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالذِّكْرِ وَضِدِّهِمَا وَهَذَا وَاضِحٌ إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرَى وُجُوبَ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَّا فَقَدْ خَرَجَ مِنْ صَلَاتِهِ بِالْأَوْلَى خُصُوصًا بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا لَا يُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ رَأْسًا فَكَيْفَ يَصْنَعُ الْمَسْبُوقُ؟ لَوْ قِيلَ لَا يُفَارِقُهُ قَبْلَهَا.
(وَإِنْ أَدْرَكَهُ) الْمَسْبُوقُ (فِي سُجُودِ سَهْوٍ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ)؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهَا بِهِ، حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ فِيهِ لَمْ تَبْطُلْ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ دَخَلَ مَعَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ (لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ) لِمَا مَرَّ.
(وَمَا أَدْرَكَ) الْمَسْبُوقُ (مَعَ الْإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِيمَا بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى) كَالثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ (لَمْ يَسْتَفْتِحْ وَلَمْ يَسْتَعِذْ وَمَا يَقْضِيهِ) الْمَسْبُوقُ (أَوَّلَهَا) أَيْ أَوَّلَ صَلَاتِهِ (يَسْتَفْتِحُ لَهُ، وَيَتَعَوَّذُ، وَيَقْرَأُ السُّورَةَ) وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ مَثَلًا أَطَالَ قِرَاءَتَهَا أَيْ أَدْرَكَهَا، وَرَاعَى تَرْتِيبَ السُّوَرِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ رَجَبٍ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا» وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ مُسْلِمٌ أَخْطَأَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فَاقْضُوا وَلَا أَعْلَمُ رَوَاهَا عَنْ الزُّهْرِيِّ غَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ رَوَاهَا أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ رُوِيَتْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «وَاقْضِ مَا سَبَقَك» وَالْمَقْضِيُّ هُوَ الْفَائِتُ فَيَكُونُ عَلَى صِفَتِهِ.
(لَكِنْ لَوْ أَدْرَكَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ مَغْرِبٍ رَكْعَةً تَشَهَّدَ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (عَقِبَ قَضَاءِ) رَكْعَةٍ (أُخْرَى نَصًّا كَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى) أَنَّ مَا أَدْرَكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَمَا يَقْضِيهِ آخِرَهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُجِيبَ: بِأَنَّ الْمَعْنَى: فَأَتِمُّوا قَضَاءً، لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا قُلْنَا: يَتَشَهَّدُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً عَقِبَ أُخْرَى لِئَلَّا يَلْزَمَ تَغْيِيرُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَشَهَّدَ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ، لَزِمَ عَلَيْهِ قَطْعُ الرُّبَاعِيَّةِ عَلَى وَتْرٍ وَالثُّلَاثِيَّةِ شَفْعًا وَمُرَاعَاةُ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ مُمْكِنَةٌ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَرْكِهَا فَلَزِمَ الْإِتْيَانُ بِهَا (وَيُخَيَّرُ) الْمَسْبُوقُ إذَا قَضَى مَا فَاتَهُ (فِي الْجَهْرِ) بِالْقِرَاءَةِ (فِي صَلَاةِ الْجَهْرِ) غَيْرَ الْجُمُعَةِ (بَعْدَ مُفَارَقَةِ إمَامِهِ وَتَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ) وَعَلَى هَذَا أَيْضًا: يَتَخَرَّجُ تَكْبِيرُ الْعِيدِ وَالْقُنُوتِ فَلَا يَقْنُتُ مَنْ قَنَتَ مَعَ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ.
(وَيَتَوَرَّكُ) الْمَسْبُوقُ (مَعَ إمَامِهِ) فِي مَوْضِعِ تَوَرُّكِهِ؛ لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَلَمْ يُعْتَدَّ لَهُ قُلْت: جُلُوسُهُ وَاجِبٌ مِنْ حَيْثُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ.
وَفِي كَلَامِ الْفُرُوعِ هُنَا تَأَمُّلٌ (كَمَا يَتَوَرَّكُ) الْمَسْبُوقُ (فِيمَا يَقْضِيه) لِلتَّشَهُّدِ الثَّانِي فَعَلَى هَذَا: لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ مُتَوَرِّكًا مُتَابَعَةً لَهُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَجَلَسَ بَعْدَ قَضَاءِ الرَّكْعَتَيْنِ أَيْضًا مُتَوَرِّكًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُهُ سَلَامُهُ (وَيُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ نَصًّا، حَتَّى يُسَلِّمَ إمَامُهُ) التَّسْلِيمَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ وَاقِعٌ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَلَمْ تُشْرَعْ فِيهِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَوَّلِ قُلْت: وَهَذَا عَلَى وَجْهِ النَّدْبِ فَإِنْ كَانَ مَحَلًّا لِتَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ فَالْوَاجِبُ مِنْهُ الْمَرَّةُ الْأُولَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (فَإِنْ سَلَّمَ) الْإِمَامُ (قَبْلَ إتْمَامِهِ) أَيْ الْمَسْبُوقِ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ (قَامَ) الْمَسْبُوقُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ (وَلَمْ يُتِمَّهُ) إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ (وَتَقَدَّمَ) فِي صِفَة الصَّلَاة.
(وَإِنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّي فِي جَمَاعَة أُخْرَى فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) جَمَاعَة أُخْرَى (اُسْتُحِبَّ لِبَعْضِهِمْ أَنْ يُصَلِّي مَعَهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ» وَتَقَدَّمَ.
(وَلَا يَجِبُ فِعْلُ قِرَاءَةِ عَلَى مَأْمُومٍ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَلَوْلَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ بِالْكُلِّيَّةِ، لَمَا أَمَرَ بِتَرْكِهَا مِنْ أَجْلِ سُنَّةِ الِاسْتِمَاعِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ مَرْفُوعًا «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» رَوَاه سَعِيدٌ وَأَحْمَدُ فِي مَسَائِلِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ قَدْ رَوَى مُسْنَدًا مِنْ طُرُقٍ ضِعَافٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَهُوَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا أَعْلَمُ فِي السُّنَّةِ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قِرَاءَتَهُ تَكْفِيك وَقَالَ عَلِيٌّ لَيْسَ عَلَى الْفِطْرَةِ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَدِدْتُ مَنْ قَرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَنْ أَمْلَأَ فَاهُ تُرَابًا رَوَى ذَلِكَ سَعِيدٌ وَالْمُرَادُ بِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ عَنْهُ وَإِلَّا فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَلِذَلِكَ قَالَ (فَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ إمَامُهُ ثَمَانِيَةَ أَشْيَاءَ: الْفَاتِحَةَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَسُجُودَ السَّهْوِ) إذَا كَانَ دَخَلَ مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ (وَالسُّتْرَةَ قُدَّامَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ: سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ (وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ إذَا سَبَقَهُ بِرَكْعَةٍ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ لِوُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ (وَسُجُودَ تِلَاوَةٍ أَتَى بِهَا) الْمَأْمُومُ (فِي الصَّلَاةِ خَلْفَهُ وَ) فِيمَا إذَا (سَجَدَ الْإِمَامُ لِتِلَاوَةِ سَجْدَةٍ قَرَأَهَا) الْإِمَامُ (فِي صَلَاةِ سِرٍّ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ إنْ شَاءَ لَمْ يَسْجُدْ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ) لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: الْمَأْمُومُ لَيْسَ بِتَالٍ، وَلَا مُسْتَمِعٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فَلَمْ تُشْرَعْ السَّجْدَةُ فِي حَقِّهِ ابْتِدَاءً حَتَّى يَتَحَمَّلَهَا عَنْهُ الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: تَوَجَّهَ إلَيْهِ الطَّلَبُ بِاعْتِبَارِ الْمُتَابَعَةِ، فَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ (وَقَوْلَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَقَوْلَ: مِلْءَ السَّمَوَاتِ) إلَى آخِرِهِ (بَعْدَ التَّحْمِيدِ وَدُعَاءَ الْقُنُوتِ) إنْ كَانَ يَسْمَعُ الْإِمَامَ فَيُؤَمِّنُ فَقَطْ، وَإِلَّا قَنَتَ، وَتَقَدَّمَ.
(وَتُسَنُّ قِرَاءَتُهُ) أَيْ الْمَأْمُومِ (الْفَاتِحَةَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ وَلَوْ) كَانَ سُكُوتُهُ (لِتَنَفُّسٍ) نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ (وَلَا يَضُرُّ تَفْرِيقُهَا) أَيْ الْفَاتِحَةِ.
(وَ) تُسَنُّ قِرَاءَتُهُ (فِيمَا لَا يَجْهَرُ) الْإِمَامُ (فِيهِ) لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ عَلِيٍّ اقْرَءُوا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ، وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، لَكِنْ تَرَكْنَاهُ إذَا جَهَرَ الْإِمَامُ لِلْأَدِلَّةِ فَبَقِيَ حَالَ تَعَذُّرِ اسْتِمَاعِهِ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ.
(أَوْ لَا يَسْمَعُهُ) أَيْ يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقْرَأَ إذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ (لِبُعْدِهِ)؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ سَامِعٍ لِقِرَاءَتِهِ أَشْبَهَ حَالَ سَكَتَاتِهِ وَالصَّلَاةَ السِّرِّيَّةَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ سَكَتَاتٌ يَتَمَكَّنْ) الْمَأْمُومُ (فِيهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ نَصًّا) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَ) يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ نَدْبًا (مَعَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً فِي أُولَتَيْ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ جَابِرٍ وَعَلِيٍّ (فَإِنْ سَمِعَ) الْمَأْمُومُ (قِرَاءَةَ الْإِمَامِ كُرِهَتْ لَهُ الْقِرَاءَةُ) لِلْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ لِمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ تَكْرَارٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْأَخِيرُ عَلَى السِّرِّيَّةِ، وَمَا تَقَدَّمَ عَلَى الْجَهْرِيَّةِ (فَلَوْ سَمِعَ) الْمَأْمُومُ (هَمْهَمَتَهُ وَلَمْ يَفْهَمْ مَا يَقُولُ) الْإِمَامُ (لَمْ يَقْرَأْ)؛ لِأَنَّهُ سَامِعٌ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ.
(وَمَوَاضِعُ سَكَتَاتِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (ثَلَاثَةٌ) إحْدَاهَا: (بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ) لِيَسْتَفْتِحَ وَيَتَعَوَّذَ وَعُلِمَ مِنْهُ اخْتِصَاصُهَا بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى.
(وَ) الثَّانِيَةُ (بَعْدَ فَرَاغِ الْقِرَاءَةِ) لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(وَ) الثَّالِثَةُ: بَعْدَ (فَرَاغِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَتُسْتَحَبُّ هُنَا سَكْتَةٌ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ) لِيَقْرَأَهَا الْمَأْمُومُ فِيهَا.
(وَيَقْرَأُ أَطْرَشُ إنْ لَمْ يُشْغِلْ مَنْ إلَى جَنْبِهِ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُ اسْتِمَاعِ الْقِرَاءَةِ أَشْبَهَ الْبَعِيدَ فَإِنْ أَشْغَلَ مَنْ إلَى جَنْبِهِ عَنْ اسْتِمَاعِهِ أَوْ قِرَاءَتِهِ لَمْ يَقْرَأْ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِلْمَأْمُومِ (أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَيَسْتَعِيذَ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ) لِبُعْدِهِ أَوْ سُكُوتِهِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ لَا يَحْصُلُ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ لِعَدَمِ جَهْرِهِ بِهِ، بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ، وَكَالسِّرِّيَّةِ.

.(فَصْلٌ): الْأَوْلَى لِلْمَأْمُومِ فِي الصَّلَاةِ:

(الْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ الْمَأْمُومُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ شُرُوعِ إمَامِهِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ) قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمُذْهِبِ وَغَيْرُهُمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَعَ الْمَأْمُومُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِمَّا كَانَ فِيهِ ا هـ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» إذْ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ (فَلَوْ سَبَقَ الْإِمَامُ) الْمَأْمُومَ (بِالْقِرَاءَةِ وَرَكَعَ الْإِمَامُ تَبِعَهُ) الْمَأْمُومُ، لِمَا تَقَدَّمَ (وَقَطَعَهَا) أَيْ الْقِرَاءَةَ؛ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْمُتَابَعَةُ وَاجِبَةٌ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ وَاجِبٍ وَمُسْتَحَبٍّ (بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ) إذَا سَبَقَ بِهِ الْإِمَامُ وَسَلَّمَ (فَـ) لَا يُتَابِعُهُ الْمَأْمُومُ بَلْ يُتِمُّهُ (إذَا سَلَّمَ) إمَامُهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ لِعُمُومِ الْأَوَامِرِ بِالتَّشَهُّدِ.
(وَإِنْ وَافَقَهُ) أَيْ وَافَقَ الْمَأْمُومُ الْإِمَامَ فِي الْأَفْعَالِ (كُرِهَ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ (وَلَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَالَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
(وَ) أَمَّا مُوَافَقَةُ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ (فِي أَقْوَالِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، فَ (إنْ كَبَّرَ) الْمَأْمُومُ (لَلْإِحْرَامِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ إمَامِهِ (أَوْ) كَبَّرَ الْمَأْمُومُ (قَبْلَ تَمَامِهِ) أَيْ تَمَامِ إحْرَامِ إمَامِهِ (لَمْ تَنْعَقِدْ) صَلَاتُهُ، عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا؛ لِأَنَّهُ ائْتَمَّ بِمَنْ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ.
(وَإِنْ سَلَّمَ) الْمَأْمُومُ (مَعَهُ كُرِهَ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ (وَصَحَّتْ) صَلَاتُهُ،؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الرُّكْنِ.
(وَ) إنْ سَلَّمَ (قَبْلَهُ عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ تَبْطُلُ)؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ مُتَعَمِّدًا وَ(لَا) تَبْطُلُ إنْ سَلَّمَ قَبْلَ إمَامِهِ (سَهْوًا، فَيُعِيدُهُ) أَيْ السَّلَامَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ إمَامِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَهُ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ أَيْضًا (وَالْأَوْلَى: أَنْ يُسَلِّمَ الْمَأْمُومُ عَقِبَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ فَإِنْ سَلَّمَ) الْمَأْمُومُ (الْأُولَى بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الْأُولَى) وَقَبْلَ سَلَامِهِ الثَّانِيَةَ.
(وَ) سَلَّمَ الْمَأْمُومُ (الثَّانِيَةَ بَعْدَ سَلَامِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (الثَّانِيَةُ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُج بِذَلِكَ عَنْ مُتَابَعَةِ إمَامِهِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَبْلَغُ فِي الْمُتَابَعَةِ (لَا إنْ سَلَّمَ) الْمَأْمُومُ (الثَّانِيَةَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ الثَّانِيَةَ، حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِهَا) فَلَا يَجُوزُ لَهُ لِتَرْكِهِ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ كَالْأُولَى.
(وَلَا يُكْرَهُ) لِلْمَأْمُومِ (سَبْقُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (وَلَا مُوَافَقَتُهُ) أَيْ الْإِمَامِ (بِقَوْلٍ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ، كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ، وَسُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ وَالتَّشَهُّدِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وِفَاقًا (وَيَحْرُمُ سَبْقُهُ) أَيْ سَبْقُ الْمَأْمُومِ الْإِمَامَ (بِشَيْءٍ مِنْ أَفْعَالِهَا فَإِنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ، وَنَحْوُهُ) كَأَنْ رَفَعَ مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ (قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا حَرُمَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا» وَقَالَ الْبَرَاءُ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ» «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِنَّ (وَلَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ (إنْ رَفَعَ لِيَأْتِيَ بِهِ) أَيْ بِمَا سَبَقَ بِهِ إمَامَهُ (مَعَهُ، وَيُدْرِكُهُ فِيهِ) أَيْ فِيمَا سَبَقَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبْقٌ يَسِيرٌ وَقَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الرُّكْنِ بَعْدُ فَحَصَلَتْ الْمُتَابَعَةُ وَالْمُرَادُ مِنْ إتْيَانِهِ بِهِ مَعَهُ: أَيْ عَقِبَهُ، وَإِلَّا فَتَقَدَّمَ: تُكْرَهُ مُوَافَقَتُهُ فِي الْأَفْعَالِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ يَرْجِعْ لِيَأْتِيَ بِهِ مَعَ إمَامِهِ (عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ)؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا.
(وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ، وَنَحْوُهُ قَبْلَ إمَامِهِ (جَهْلًا أَوْ سَهْوًا، ثُمَّ ذَكَرَهُ لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ سَبْقٌ يَسِيرٌ وَلِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ» (وَعَلَيْهِ أَنْ يَرْفَعَ) يَعْنِي يَرْجِعَ (لِيَأْتِيَ بِهِ) مُؤْتَمًّا بِمَا سَبَقَ بِهِ إمَامَهُ مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَنَحْوِهِ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ إمَامِهِ، أَيْ عَقِبَهُ لِيَكُونَ مُؤْتَمًّا بِإِمَامِهِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَمْدًا حَتَّى أَدْرَكَهُ إمَامُهُ فِيهِ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ بِأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِ إمَامِهِ عَالِمًا عَامِدًا بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (نَصًّا)؛ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ كَامِلٍ هُوَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَبَقَهُ بِالسَّلَامِ لِلنَّهْيِ (وَإِنْ كَانَ) رُكُوعُهُ وَرَفْعُهُ قَبْلَ إمَامِهِ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَتْ تِلْكَ الرَّكْعَةُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِمَا فَاتَهُ مَعَ إمَامِهِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِي الرُّكُوعِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ وَعُلِمَ مِنْهُ صِحَّةُ صَلَاتِهِ لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ».
(وَإِنْ سَبَقَهُ) الْمَأْمُومُ (بِرُكْنَيْنِ، بِأَنْ رَكَعَ) الْمَأْمُومُ (وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ) أَيْ الْإِمَامِ (وَهَوَى إلَى السُّجُودِ قَبْلَ رَفْعِهِ، عَالِمًا عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِإِمَامِهِ فِي أَكْثَرِ الرَّكْعَةِ (وَصَحَّتْ صَلَاةُ جَاهِلٍ وَنَاسٍ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَبَطَلَتْ) تِلْكَ (الرَّكْعَةُ) لِمَا سَبَقَ (قَالَ جَمْعٌ) مِنْهُمْ ابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ: (مَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ مَعَ إمَامِهِ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَلَا يُعَدُّ سَابِقًا بِرُكْنٍ مَنْ يَتَخَلَّصُ مِنْهُ فَإِذَا رَكَعَ وَرَفَعَ فَقَدْ سَبَقَ بِالرُّكُوعِ؛ لِأَنَّهُ تَخَلَّصَ مِنْهُ بِالرَّفْعِ وَلَا يَكُونُ سَابِقًا بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْهُ فَإِذَا هَوَى إلَى السُّجُودِ فَقَدْ تَخَلَّصَ مِنْ الْقِيَامِ، وَحَصَلَ السَّبْقُ بِرُكْنَيْنِ وَلَا تَبْطُلُ بِسَبْقٍ بِرُكْنٍ غَيْرِ رُكُوعٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَهَى؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُدْرِكُ بِهِ الْمَأْمُومُ الرَّكْعَةَ فَتَفُوتُ بِفَوَاتِهِ وَظَاهِرُهُ: أَنَّ السَّبْقَ بِرُكْنَيْنِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَعَ الْعَمْدِ مُطْلَقًا.
(وَإِنْ تَخَلَّفَ) الْمَأْمُومُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ إمَامِهِ (بِرُكْنٍ بِلَا عُذْرٍ) مِنْ نَوْمٍ أَوْ زِحَامٍ أَوْ غَفْلَةٍ وَنَحْوِهِ (فَكَالسَّبْقِ بِهِ) بِرُكْنٍ، عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ.
(وَ) إنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنٍ (لِعُذْرٍ) مِنْ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ أَوْ عَجَلَةِ إمَامٍ وَنَحْوِهِ (يَفْعَلُهُ وَيَلْحَقُهُ) وُجُوبًا؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ غَيْرِ مَحْذُورٍ فَلَزِمَهُ (وَتَصِحُّ الرَّكْعَةُ) فَيُعْتَدُّ بِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا فَاتَهُ مَعَ إمَامِهِ وَيَلْحَقُهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ (فَلَا) تَصِحُّ الرَّكْعَةُ بَلْ تُلْغَى لِفَوَاتِ رُكْنِهَا.
(وَإِنْ تَخَلَّفَ) الْمَأْمُومَ (عَنْهُ بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ، لِعُذْرٍ مِنْ نَوْمٍ أَوْ غَفْلَةٍ وَنَحْوِهِ) كَزِحَامٍ (تَابَعَهُ) فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ (وَقَضَى) الْمَأْمُومُ مَا تَخَلَّفَ بِهِ (بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ جُمُعَةً) كَانَتْ (أَوْ غَيْرَهَا، كَمَسْبُوقٍ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ نَعَسَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ كَأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى رَكْعَتَيْنِ قُلْت وَالْمَقْضِيُّ هُنَا لَيْسَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ دَائِمًا، بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا فَاتَهُ مِنْ صَلَاتِهِ مَعَهُ.
(وَإِنْ تَخَلَّفَ) الْمَأْمُومُ (بِرُكْنَيْنِ) لِغَيْرِ عُذْرٍ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ بِلَا عُذْرٍ.
(وَ) إنْ كَانَ تَخَلُّفُهُ بِالرُّكْنَيْنِ فَأَكْثَرَ (لِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ إنْ أَمِنَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ وَتَبِعَهُ) لِتَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِدْرَاكِهِ بِلَا مَحْذُورٍ (وَصَحَّتْ رَكْعَتُهُ) فَيُتِمُّ عَلَيْهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَأْمَنْ فَوْتَ الثَّانِيَةِ إنْ أَتَى بِمَا تَرَكَهُ (تَبِعَهُ)؛ لِأَنَّ اسْتِدْرَاكَهُ الْفَائِتَةَ إذَنْ يُؤَدِّي إلَى فَوْتِ رَكْعَةٍ غَيْرِهَا فَيَتْرُكُهُ مُحَافَظَةً عَلَى مُتَابَعَةِ إمَامِهِ (وَلَغَتْ رَكْعَتُهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا عِوَضُهَا) فَيَبْنِيَ عَلَيْهَا.
(وَلَوْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْأُولَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ فِي السُّجُودِ فَتَتِمُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ، يُدْرِكُ بِهَا الْجُمُعَةَ) فَيَأْتِي بَعْدَهَا بِرَكْعَةٍ فَتَتِمُّ جُمُعَتُهُ وَلَمْ نَقُلْ بِالتَّلْفِيقِ فِيمَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ، لِتَحْصُلَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُعْتَبَرٍ وَإِنْ ظَنَّ تَحْرِيمَ مُتَابَعَتِهِ فَسَجَدَ جَهْلًا اُعْتُدَّ بِهِ.
وَلَوْ أَتَى بِمَا تَخَلَّفَ بِهِ وَأَدْرَكَ إمَامَهُ فِي رُكُوعِ الثَّانِيَةِ تَبِعَهُ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَبَعْدَ رَفْعَهُ مِنْهُ تَبِعَهُ وَقَضَى كَمَسْبُوقٍ.
(وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ تَخْفِيفُ الصَّلَاةِ مَعَ إتْمَامِهَا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ» رَوَاه الْجَمَاعَةُ.
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَا «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إنِّي لَأَتَأَخَّرُ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فُلَانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا قَالَ فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضِبَ فِي مَوْعِظَةٍ قَطُّ أَشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئِذٍ، فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فَأَيُّكُمْ أَمَّ بِالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ: فَإِنَّ فِيهِمْ الضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَذَا الْحَاجَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَدْنَى الْكَمَالِ مِنْ التَّسْبِيحِ وَسَائِرِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ (إذَا لَمْ يُؤْثِرْ مَأْمُومٌ التَّطْوِيلَ فَإِنْ آثَرُوا) هـ (كُلُّهُمْ اُسْتُحِبَّ) لِزَوَالِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ التَّنْفِيرُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَعَدَدُهُمْ مُنْحَصِرٌ، وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ، مَعَ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ.
(وَ) يُسَنُّ، لِلْإِمَامِ (أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّشَهُّدَ، بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ مِمَّنْ يَثْقُلُ لِسَانُهُ قَدْ أَتَى بِهِ وَأَنْ يَتَمَكَّنَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالثَّقِيلَ قَدْ أَتَى عَلَيْهِ) لِيَتَمَكَّنَ كُلٌّ مِنْ الْمَأْمُومِينَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ مِنْ غَيْرِ إخْلَالٍ بِسُنَّةٍ (وَيُسَنُّ لَهُ) أَيْ لِلْإِمَامِ (إذَا عَرَضَ فِي الصَّلَاةِ عَارِضٌ لِبَعْضِ الْمَأْمُومِينَ يَقْتَضِي خُرُوجَهُ) مِنْ الصَّلَاةِ (أَنْ يُخَفِّفَ، كَمَا إذَا سَمِعَ بُكَاءَ صَبِيٍّ وَنَحْوَ ذَلِكَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِيهَا مَخَافَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.
(وَتُكْرَهُ) لِلْإِمَامِ (سُرْعَةٌ تَمْنَعُ مَأْمُومًا فِعْلِ مَا يُسَنُّ) لَهُ كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ مِنْ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَرَبِّ اغْفِرْ لِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وَإِتْمَامِ مَا يُسَنُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَفْوِيتِ الْمَأْمُومِ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ فِعْلُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِ إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ آخِرَهُ وَنَحْوُهُ وَقَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ غَالِبًا مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ غَالِبًا وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُزِيدُ وَيُنْقِصُ أَحْيَانًا.
(وَيُسَنُّ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَكْثَرَ مِنْ) قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ (الثَّانِيَةِ) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ «كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْبَقِيعَ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَأْتِي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِمَّا يُطَوِّلُهَا» رَوَاه مُسْلِمٌ وَلِيَلْحَقَهُ الْقَاصِدُ إلَيْهَا لِئَلَّا يَفُوتُهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ شَيْءٌ (فَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ طَوَّلَ الثَّانِيَةَ عَنْ الْأُولَى (فَنَصُّهُ: يُجْزِئُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَفْعَلَ) لِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ (وَذَلِكَ) أَيْ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى عَنْ الثَّانِيَةِ (فِي كُلِّ صَلَاةٍ) ثُنَائِيَّةً كَانَتْ أَوْ ثُلَاثِيَّةً أَوْ رُبَاعِيَّةً (إلَّا فِي صَلَاةِ خَوْفٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، كَمَا يَأْتِي) فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ (فَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ) مِنْ الْأُولَى لِتُتِمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى صَلَاتَهَا ثُمَّ تَذْهَبَ لِتَحْرُسَ، ثُمَّ تَأْتِيَ الْأُخْرَى فَتَدْخُلُ مَعَهُ (وَ) إلَّا فِي (صَلَاةِ جُمُعَةٍ إذَا قَرَأَ بِسَبِّحِ وَالْغَاشِيَةِ) لِوُرُودِهِ (وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: لَا أَثَرَ لِتَفَاوُتٍ يَسِيرٍ) قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ أَيْ إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَطْوَلُ بِيَسِيرٍ، لَا كَرَاهَةَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ.
(وَإِنْ أَحَسَّ) الْإِمَامُ (بِدَاخِلٍ وَهُوَ) أَيْ الْإِمَامُ (فِي، رُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ) كَانَ الدَّاخِلُ (مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ، وَكَانَتْ الْجَمَاعَةُ كَثِيرَةٌ كُرِهَ) لِلْإِمَامِ (انْتِظَارُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْحَالَ وَالشَّأْنَ (يَبْعُدُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ) ذَلِكَ زَادَ جَمَاعَةٌ أَوْ طَالَ ذَلِكَ.
(وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ يَسِيرَةً وَالِانْتِظَارُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ) فَيُكْرَهُ،؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَأْمُومِ الَّذِي مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ مَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ، فَلَا يَشُقَّ عَلَى مَنْ مَعَهُ لِنَفْعِ الدَّاخِلِ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ) بِأَنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ يَسِيرَةً وَلَا يَشُقُّ الِانْتِظَارُ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى بَعْضِهِمْ (اُسْتُحِبَّ انْتِظَارُهُ) لِلدَّاخِلِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هُنَا وَلِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى الْمُتَقَدِّمِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةٍ بِلَا مَضَرَّةٍ فَكَانَ مُسْتَحَبًّا، كَرَفْعِ الصَّوْتِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.
(وَإِنْ اسْتَأْذَنَتْ امْرَأَةٌ إلَى الْمَسْجِدَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، كُرِهَ لِزَوْجٍ وَسَيِّدٍ مَنْعُهَا إذَا خَرَجَتْ تَفِلَةً، غَيْرَ مُزَيَّنَةٍ وَلَا مُطَيَّبَةٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (إلَّا أَنْ يَخْشَى) زَوْجُهَا إلَى الْمَسْجِدَ (فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا) فَيَمْنَعُهَا عَنْهُ دَرْءًا لِلْمَفْسَدَةِ.
(وَكَذَا أَبٌ مَعَ ابْنَتِهِ) إذَا اسْتَأْذَنَتْهُ فِي الْخُرُوجِ لِلْمَسْجِدِ كُرِهَ لَهُ مَنْعُهَا إلَّا أَنْ يَخْشَى فِتْنَةً أَوْ ضَرَرًا (وَلَهُ) أَيْ الْأَبِ (مَنْعُهَا مِنْ الِانْفِرَادِ) عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ دُخُولٍ يُفْسِدُهَا وَيُلْحِقُ الْعَارَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ وَالزَّوْجُ أَمْلَكُ مِنْ الْأَبِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ فَأَوْلِيَاؤُهَا الْمَحَارِمُ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ اسْتِصْحَابًا لِلْحَضَانَةِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَلَى هَذَا فِي رِجَالِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، كَالْخَالِ أَوْ الْحَاكِمِ: الْخِلَافُ فِي الْحَضَانَةِ وَيَتَوَجَّهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ وَلَا ضَرَرَ حَرُمَ الْمَنْعُ عَلَى وَلِيٍّ أَوْ لِغَيْرِ أَبٍ (وَيَأْتِي فِي الْحَضَانَةِ).
(وَتُنْهَى الْمَرْأَةُ عَنْ تَطَيُّبِهَا لِحُضُورِ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ» وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ نَهْيٌ عَنْ ضِدِّهِ (فَإِنْ فَعَلَتْ) أَيْ تَطَيَّبَتْ لِلْخُرُوجِ (كُرِهَ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ).
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ تَطَيُّبُهَا لِحُضُورِ مَسْجِدٍ وَغَيْرِهِ وَتَحْرِيمُهُ أَظْهَرُ ا هـ فَقَدْ جُمِعَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ (وَلَا تُبْدِي زِينَتَهَا) أَيْ تُظْهِرُهَا (إلَّا لِمَنْ فِي الْآيَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} الْآيَةَ.
(قَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ (ظُفْرُهَا عَوْرَةٌ) كَسَائِرِ بَدَنِهَا (فَلَا تَخْرُجْ، فَإِذَا خَرَجَتْ فَلَا تُبَيِّنْ شَيْئًا وَلَا خُفَّهَا فَإِنَّهُ يَصِفُ الْقَدَمَ) أَيْ حَجْمَهُ.
(وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ تَجْعَلَ لِكُمِّهَا زِرًّا عِنْدَ يَدِهَا) وَاخْتَارَ الْقَاضِي قَوْلَ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ الزِّينَةِ مِنْ الثِّيَابِ، لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ لَا قَوْلَ مَنْ فَسَّرَ بِبَعْضِ الْحُلِيِّ أَوْ بِبَعْضِهَا فَإِنَّهَا الْخَفِيَّةُ، وَنَصُّ أَحْمَدَ: الزِّينَةُ الظَّاهِرَةُ الثِّيَابُ، وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا عَوْرَةٌ حَتَّى الظُّفْرُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا: الْوَجْهُ وَبَاطِنُ الْكَفِّ».
(وَصَلَاتُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ) لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ وَظَاهِرُهُ: حَتَّى مِنْ مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ وَحَسَّنَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ امْرَأَةُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ «أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَك قَالَ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي قَالَ فَأَمَرَتْ فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى بَيْتٍ مِنْ بَيْتِهَا، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ، حَتَّى لَقِيَتْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ».
(وَالْجِنُّ مُكَلَّفُونَ) فِي الْجُمْلَةِ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لَيَعْبُدُونِ} (يَدْخُلُ كَافِرُهُمْ النَّارَ) إجْمَاعًا.
(وَ) يَدْخُلُ (مُؤْمِنُهُمْ الْجَنَّةَ) خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ تُرَابًا وَإِنَّ ثَوَابَهُ النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ كَالْبَهَائِمِ وَهُمْ فِيهَا عَلَى قَدْرِ ثَوَابِهِمْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ فِيهَا، أَوْ إنَّهُمْ فِي رَبَضَ الْجَنَّةِ، أَيْ مَا حَوْلَهَا.
قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ: وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْجُمُعَةَ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَنَرَاهُمْ) أَيْ الْجِنَّ (فِيهَا) أَيْ الْجَنَّةِ (وَلَا يَرَوْنَا) فِيهَا عَكْسُ مَا فِي الدُّنْيَا (وَلَيْسَ مِنْهُمْ رَسُولٌ) وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} فَهِيَ كَقَوْلِهِ {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانِ} وَإِنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَكَقَوْلِهِ {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} وَإِنَّمَا هُوَ فِي سَمَاءٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ ابْنُ حَامِدٍ الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَاتِ قَالَ وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ إخْرَاجُ الْمَلَائِكَةِ مِنْ التَّكْلِيفِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَيْسَ الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ فَلَا يَكُونُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَمَا نُهُوا عَنْهُ مُسَاوِيًا لِمَا عَلَى الْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ لَكِنَّهُمْ شَارَكُوهُمْ فِي جِنْسِ التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ا هـ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ أَنَّ مَا بِيَدِهِمْ مِلْكُهُمْ مَعَ إسْلَامِهِمْ فَتَصِحُّ مُعَامَلَتُهُمْ وَلَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ وَيَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمْ، وَكَافِرُهُمْ كَالْحَرْبِيِّ يَجُوزُ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ظُلْمُ الْآدَمِيِّينَ وَظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَتَحِلَّ ذَبِيحَتُهُمْ، وَبَوْلُهُمْ وَقَيْئُهُمْ طَاهِرَانِ وَأَمَّا مَا يَذْبَحُهُ الْآدَمِيُّ لِئَلَّا يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ الْجِنِّ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ لِلْجِنِّ قُدْرَةً عَلَى النُّفُوذِ فِي بَوَاطِنِ الْبَشَرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ» وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إذَا أَتَى بِالْمَصْرُوعِ وَعَظَ مَنْ صَرَعَهُ، وَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَإِنْ انْتَهَى وَفَارَقَ الْمَصْرُوعَ أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يَعُودَ وَإِنْ لَمْ يَأْتَمِرْ وَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ ضَرَبَهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ وَالضَّرْبُ يَقَعُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الْمَصْرُوعِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَنْ صَرَعَهُ وَلِهَذَا يَتَأَلَّمُ مَنْ صَرَعَهُ بِهِ وَيَصِيحُ وَيُخْبِرُ الْمَصْرُوعُ إذَا أَفَاقَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَأَظُنُّ أَنِّي رَأَيْتُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِثْلَ فِعْلِ شَيْخِنَا وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى مَنْ صَرَعَهُ فَفَارَقَهُ، وَأَنَّهُ عَاوَدَ بَعْدَ مَوْتِ أَحْمَدَ فَذَهَبَ أَبُو بَكْرٍ الْمَرُّوذِيُّ بِنَعْلِ أَحْمَدَ وَقَالَ لَهُ: فَلَمْ يُفَارِقْهُ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الْمَرُّوذِيَّ ضَرَبَهُ فَامْتِنَاعُهُ لَا يَدُلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِهِ.