فصل: (فَصْلٌ): هل تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَغْصُوبِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): في تَلِفَ الْمَغْصُوبِ:

(وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ) بِأَنْ كَانَ حَيَوَانًا فَمَاتَ أَوْ مَتَاعًا فَاحْتَرَقَ وَنَحْوَهُ وَشَمِلَ كَلَامُهُ لَوْ غَصَبَهُ مَرِيضًا فَمَاتَ فِي يَدِهِ فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ ضَمِنَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ (أَوْ أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ أَوْ) أَتْلَفَهُ (غَيْرُهُ) بِأَنْ قَتَلَ الْحَيَوَانَ الْمَغْصُوبَ أَوْ أَحْرَقَ الْمَتَاعَ الْمَغْصُوبَ.
(وَلَوْ) كَانَ إتْلَافُ غَيْرِ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ (بِلَا غَصْبٍ) بِأَنْ أَتْلَفَهُ بِيَدِ الْغَاصِبِ أَوْ بَعْدَ أَنْ انْتَقَلَ إلَى يَدِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ (ضَمِنَهُ) الْغَاصِبُ أَوْ مَنْ تَلِفَ بِيَدِهِ (بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ) الْمَغْصُوبُ (مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا) لَا صِنَاعَةَ فِيهِ مُبَاحَةٌ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ (تَمَاثَلَتْ أَجْزَاؤُهُ أَوْ تَبَايَنَتْ كَالْأَثْمَانِ وَلَوْ نَقْرَةٍ أَوْ سَبِيكَةٍ وَ) كَ (الْحُبُوبِ) مِنْ بُرٍّ وَشَعِيرٍ وَأُرْزٍ وَدُخْنٍ وَذُرَةٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلَّاءٍ وَنَحْوِهَا.
(وَ) كَ (الْأَدْهَانِ) مِنْ سَمْنٍ وَشَيْرَجٍ وَزَيْتٍ وَكَذَا سَائِرُ الْمَائِعَاتِ وَالثِّمَارِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَبُنْدُقٍ وَلَوْزٍ وَنَحْوِهَا وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ فِي الرِّبَا مُفَصَّلَةً فَيَضْمَنُ ذَلِكَ بِمِثْلِهِ (إذَا كَانَ) حِينَ التَّلَفِ (بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ) أَيْ حَالِهِ حِينَ الْغَصْبِ.
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ: مَا كَانَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ أَوْ مَا يُكَالُ أَوْ مَا يُوزَنُ فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ انْتَهَى؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ أَقْرَبُ إلَى الْمُنْضَبِطِ مِنْ الْقِيمَةِ لِكَوْنِهِ مُمَاثِلًا لَهُ مِنْ طَرِيقِ الصُّورَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ الْقِيمَةِ فَإِنَّهَا مُمَاثِلَةٌ مِنْ طَرِيقِ الظَّنِّ وَالِاجْتِهَادِ فَقُدِّمَ مَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةَ كَالنَّصِّ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِدْرَاكَ بِالسَّمَاعِ كَانَ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ؛ لِأَنَّ طَرِيقَهُ الِاجْتِهَادُ.
(فَإِنْ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (كَرُطَبٍ صَارَ) وَقْتَ التَّلَفِ (تَمْرًا أَوْ سِمْسِمٍ صَارَ) بَعْدَ الْغَصْبِ (شَيْرَجًا ضَمَّنَهُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ (الْمَالِكُ) لِلْغَاصِبِ وَنَحْوه (بِمِثْلِ أَيِّهِمَا أَحَبَّ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمِثْلَيْنِ فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ رُطَبًا وَسِمْسِمًا اعْتِبَارًا بِحَالِ الْغَصْبِ أَوْ تَمْرًا وَشَيْرَجًا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ التَّلَفِ (وَالدَّرَاهِمُ الْمَغْشُوشَةُ الرَّائِجَةُ مِثْلِيَّةٌ) لِتَمَاثُلِهَا عُرْفًا وَلِأَنَّ أَخْلَاطَهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَكَذَا الْفُلُوسُ وَتَقَدَّمَ فِي الْقَرْضِ.
تَنْبِيهٌ:
يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ ضَمَانِ الْمِثْلِيّ بِمِثْلِهِ: الْمَاءُ فِي الْمَفَازَةِ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ فِي الْبَرِّيَّةِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَجَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ: وَيُيَمَّمُ رَبُّ مَاءٍ مَاتَ لِعَطَشِ رَفِيقِهِ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ مَكَانَهُ لِوَرَثَتِهِ.
(وَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلُ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فِي الْبَلَدِ أَوْ حَوْلِهِ (لِعَدَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ غَلَاءٍ فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ وَنَحْوِهِ (قِيمَةُ مِثْلِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ الْمِثْلِيِّ؛ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فَوَجَبَ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَصْلِهِ كَالْآخَرِ (يَوْمَ إعْوَازِهِ) أَيْ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ حِينَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ.
فَاعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ كَتَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ (فِي بَلَدِهِ) أَيْ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَكَانُ الْوُجُوبِ (فَلَوْ قَدَرَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ (عَلَى الْمِثْلِ) بَعْدَ تَعَذُّرِهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ لَا بَعْدَهُ لَزِمَهُ الْمِثْلُ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقَدْ قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ حَتَّى وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ كَالْمَأْمُورِ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَفَقْدِ الْمَاءِ إذَا قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الصَّلَاةِ.
(وَ) إنْ قَدَرَ عَلَى الْمِثْلِ بَعْدَ أَدَاءِ الْقِيمَةِ (لَمْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ) لِيَأْخُذَ الْمِثْلَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ الْبَدَلُ كَمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَوْزُونُ (مَصُوغًا مُبَاحًا) أَيْ فِيهِ صِنَاعَةٌ مُبَاحَةٌ (كَمَعْمُولِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ) مِنْ أَسَاوِرَ وَخَلَاخِيلَ وَدَمَالِجَ وَنَحْوِهَا.
(وَ) كَمَعْمُولِ (نُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَمَغْزُولٍ صُوفٍ وَشَعْرٍ وَنَحْوِهِ) كَمَغْزُولِ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ (أَوْ) كَانَ (تِبْرًا تُخَالِفُ قِيمَتُهُ وَزْنَهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ) ضُمِنَ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ تُؤَثِّرُ فِي الْقِيمَةِ.
وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ وَالْقِيمَةُ فِيهِ حَصْرٌ وَكَذَا مَا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ مِنْ جَوْهَرٍ وَنَحْوِهِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَصُوغُ (مِنْ) أَحَدِ (النَّقْدَيْنِ) قُوِّمَ بِالْآخَرِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الرِّبَا فَيُقَوَّمُ حُلِيُّ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَحُلِيُّ الْفِضَّةِ بِالذَّهَبِ (أَوْ) كَانَ الْمَغْصُوبُ (مُحَلًّى بِأَحَدِهِمَا) أَيْ النَّقْدَيْنِ (قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) فَيُقَوَّمُ الْمُحَلَّى بِذَهَبٍ بِالْفِضَّةِ وَالْمُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِالذَّهَبِ فِرَارًا مِنْ الرِّبَا.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَغْصُوبُ (مُحَلًّى بِهِمَا) أَيْ بِالنَّقْدَيْنِ مَعًا (قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِلْحَاجَةِ) إلَى التَّقْوِيمِ بِأَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا قِيَمٌ لِلْمُتْلِفَاتِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَكَانَتْ الْخِيَرَةُ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ يُخْبِرُ التَّقْوِيمَ.
(وَأَعْطَاهُ) أَيْ أَعْطَى الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ مَالِكَ الْمُحَلَّى بِهِمَا (بِقِيمَتِهِ عَرَضًا)؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ يُفْضِي إلَى الرِّبَا وَكَذَا لَوْ كَانَ مَصُوغًا مِنْهُمَا (وَإِنْ كَانَ) الْمَغْصُوبُ (مُحَرَّمَ الصِّنَاعَةِ كَأَوَانِي ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَحُلِيٍّ مُحَرَّمٍ) كَسَرْجٍ وَرِكَابٍ (ضَمِنَهُ) الْغَاصِبُ وَنَحْوِهِ (بِوَزْنِهِ فَقَطْ)؛ لِأَنَّ الصِّنَاعَةَ الْمُحَرَّمَةَ لَا قِيمَةَ لَهَا شَرْعًا.
(وَفِي الِانْتِصَارِ وَالْمُفْرَدَاتِ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِغَيْرِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيّ وَبِغَيْرِ الْقِيمَةِ فِي الْمُتَقَوِّمِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَلَمْ يَلْزَمْ قَبُولُهُ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) الْمَغْصُوبُ (مِثْلِيًّا) كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ وَالدَّابَّةِ وَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ)؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْعَدْلِ» مُتَّفَق عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِالتَّقْوِيمِ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّهَا مُتْلَفَةٌ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْمِثْلِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَتَسَاوَى أَجْزَاؤُهَا وَتَخْتَلِفُ صِفَاتُهَا فَالْقِيمَةُ فِيهَا أَعْدَلُ وَأَقْرَبُ إلَيْهَا فَكَانَتْ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَخْضَرَ قُوِّمَ عَلَى رَجَاءِ السَّلَامَةِ وَخَوْفِ الْعَطَبِ كَالْمَرِيضِ وَالْجَانِي وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ (يَوْمَ تَلَفِهِ فِي بَلَدِ غَصْبِهِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زَمَنُ الضَّمَانِ وَمَوْضِعُهُ (مِنْ نَقْدِهِ) أَيْ نَقْدِ بَلَدِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الضَّمَانِ (فَإِنْ كَانَ بِهِ نُقُودٌ فَمِنْ غَالِبِهَا)؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَنْصَرِفُ إلَيْهِ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا لَوْ بَاعَ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ.
(وَكَذَا مُتْلَفٌ بِلَا غَصْبٍ وَمَقْبُوضٌ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) إذَا تَلِفَ أَوْ تُلِّفَ (وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ) أَيْ مَجْرَى الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فِي الضَّمَانِ (مِمَّا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ) أَيْ الْقَابِضِ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ فَإِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً ضُمِنَتْ بِمِثْلِهَا أَوْ مُتَقَوِّمَةً فَبِقِيمَتِهَا لَكِنْ لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةَ شَجَرَةٍ شِرَاءً فَاسِدًا وَخَلَّى الْبَائِعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَلَى شَجَرَةٍ لَمْ يُضَمِّنْهُ بِذَلِكَ لِعَدَمِ ثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مَحَلَّ وِفَاقٍ قَالَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ.
(فَإِنْ دَخَلَ) التَّالِفُ (فِي مِلْكِهِ) أَيْ مِلْكِ مُتْلِفِهِ (بِأَنْ أَخَذَ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ) أَخَذَ (حَوَائِجَ مِنْ بَقَّالٍ وَنَحْوِهِ) كَجَزَّارٍ وَزَيَّاتٍ (فِي أَيَّامِ) وَلَمْ يَقْطَعْ سِعْرَهَا (ثَمَّ يُحَاسِبُهُ بَعْدَ) ذَلِكَ (فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ بِسِعْرِ يَوْمِ أَخْذِهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَتْ قِيمَتُهُ) فِي ذِمَّتِهِ (يَوْمَ أَخْذِهِ) لِتَرَاضِيهِمَا عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَرُدُّ الْمِثْلَ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: فَإِنْ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ أَنَّ الْعَقْدَ فِي ذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِلَّا لَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمِلْكُ وَلِذَلِكَ أَخَذَ مِنْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَعَلَى هَذَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ وَهَذَا الْعَقْدُ جَارٍ مَجْرَى الْفَاسِدِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ الثَّمَنَ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ إقَامَةً لِلْعُرْفِ مَقَامَ النُّطْقِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ إلَّا مَعَ مَعْرِفَةِ الثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمِلْكُ؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَثَرٍ بَلْ يَدَّعِي أَنَّ الثَّمَنَ فِي هَذِهِ مَعْلُومٌ بِحُكْمِ الْعُرْفِ فَيَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِهِ (وَلَا قِصَاصَ فِي الْمَالِ مِثْلُ شَقِّ ثَوْبِهِ وَنَحْوِهِ) بَلْ الضَّمَان بِالْبَدَلِ أَوْ الْأَرْشِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
(وَلَوْ غَصَبَ جَمَاعَةٌ مُشَاعًا) بَيْنَ جَمَاعَةٍ كَعَقَارٍ (فَرَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) أَيْ الْغَاصِبِينَ (سَهْمَ وَاحِدٍ) مِنْ الْمَالِكِينَ (إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ) أَيْ لَمْ يَطِبْ لَهُ الِانْفِرَادُ بِالْمَرْدُودِ عَلَيْهِ (حَتَّى يُعْطِيَ شُرَكَاءَهُ) أَيْ إلَى أَنْ يَرُدَّ إلَى شُرَكَائِهِ مِثْلَ مَا رُدَّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ شَائِعٌ فَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْدُودِ.
(وَكَذَا لَوْ صَالَحُوهُ عَنْهُ بِمَالٍ) نَقَلَهُ حَرْبٌ أَيْ فَلَا يَطِيبُ لَهُ الِانْفِرَادُ بِهِ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ بَيْعُ الْمُشَاعِ انْتَهَى أَيْ فَيَصِحُّ وَيَطِيبُ لَهُ الْمَالُ قُلْتُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَعَلَّ رِوَايَةَ حَرْبٍ جَرَتْ فِيمَا إذَا صَالَحُوهُ عَنْ سَهْمٍ مُعَيَّنٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْغَاصِبُ لِحِصَصِهِمْ وَاحِدًا.
وَيَصِحُّ غَصْبُ الْمُشَاعِ فَلَوْ كَانَتْ أَرْضٌ أَوْ دَارٌ لِاثْنَيْنِ فِي يَدِهِمَا فَنَزَلَ الْغَاصِبُ فِي الْأَرْضِ أَوْ الدَّارِ فَأَخْرَجَ أَحَدَهُمَا وَبَقِيَ الْآخَرُ مَعَهُ عَلَى مَا كَانَ مَعَ الْمُخْرَجِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ غَاصِبًا إلَّا نَصِيبَ الْمُخْرَجِ حَتَّى لَوْ اسْتَغَلَّا الْمِلْكَ وَانْتَفَعَا بِهِ لَمْ يَلْزَمْ الْبَاقِي مِنْهُمَا لِشَرِيكِهِ الْمُخْرَجِ شَيْءٌ قَالَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ.
(وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ فَنَقَصَتْ قِيمَةُ بَاقِيهِ) بِذَلِكَ (كَزَوْجَيْ خُفٍّ وَمِصْرَاعَيْ بَابٍ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (رَدُّ الْبَاقِي وَقِيمَةُ التَّالِفِ وَأَرْشُ النَّقْصِ) فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ سِتَّةَ دَرَاهِمَ فَصَارَتْ قِيمَةُ الْبَاقِي مِنْهُمَا دِرْهَمَيْنِ رَدَّهُ وَأَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ دِرْهَمَانِ قِيمَةُ التَّالِفِ وَدِرْهَمَانِ أَرْشُ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ بِخِلَافِ نَقْصِ السِّعْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ بِهِ مِنْ الْمَغْصُوبِ عَيْنٌ وَلَا مَعْنًى وَهَا هُنَا فُوِّتَ مَعْنًى وَهُوَ إمْكَانُ الِانْتِفَاعِ بِهِ.
(وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ فَلَبِسَهُ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (فَأَبْلَاهُ فَنَقَصَ) الثَّوْبُ (نِصْفَ قِيمَتِهِ) وَكَذَا لَوْ نَقَصَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالٍ (ثَمَّ غَلَتْ الثِّيَابُ فَعَادَتْ قِيمَتُهُ) أَيْ الثَّوْبِ الْمَغْصُوبِ إلَى عَشَرَةٍ (كَمَا كَانَتْ) قَبْلَ الْبِلَى (رَدَّهُ) الْغَاصِبُ.
(وَ) رَدَّ (أَرْشَ نَقْصِهِ)؛ لِأَنَّ مَا تَلِفَ قَبْلَ غَلَاءِ الثَّوْبِ يَثْبُتُ قِيمَتُهُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ بِغَلَاءِ الثَّوْبِ وَلَا رُخْصِهِ (وَإِنْ رَخُصَتْ الثِّيَابُ فَعَادَتْ قِيمَتُهُ إلَى ثَلَاثَةٍ لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إلَّا خَمْسَةٌ) أَرْشُ النَّقْصِ (مَعَ رَدِّ الثَّوْبِ) لِمَالِكِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبِقَ أَوْ) غَصَبَ (فَرَسًا فَشَرَدَ أَوْ) غَصَبَ (شَيْئًا فَتَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَائِهِ ضَمِنَ) الْغَاصِبُ (قِيمَتَهُ) لِلْحَيْلُولَةِ (فَإِذَا أَخَذَهَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ مَلَكَهَا) بِقَبْضِهَا فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ مِنْ أَجْلِ الْحَيْلُولَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْعِوَضِ.
(وَ) لِهَذَا (لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ الْعَيْنَ الْمَغْصُوبَةَ بِدَفْعِ الْقِيمَةِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالْبَيْعِ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ بِالتَّضْمِينِ كَالتَّالِفِ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَلَا يُجْبَرُ الْمَالِكُ عَلَى أَخْذِهَا وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْهَا وَلَا يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالْبَدَلِ فَلَا يَنْتَقِلُ إلَى الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ جَوَازُ الْأَخْذِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ فَتُوقَفُ عَلَى خِيَرَتِهِ.
(وَلَا) يَمْلِكُ الْغَاصِبُ أَيْضًا (إكْسَابَهَا) أَيْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ مِلْكِهَا (وَلَا يَعْتِقُ) الْعَبْدُ الْآبِقُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ بِبَذْلِ قِيمَتِهِ لِلْمَالِكِ (إنْ كَانَ) الْآبِقُ (قَرِيبَهُ) أَيْ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ (فَإِنْ قَدَرَ) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (بَعْدَ) عَجْزِهِ عَنْ (رَدِّهِ رَدَّهُ) لِمَالِكِهِ (بِنَمَائِهِ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ)؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْأَصْلِ (وَأَخَذَ) الْغَاصِبُ (الْقِيمَةَ بِزَوَائِدِهَا الْمُتَّصِلَةِ فَقَطْ) مِنْ سِمَنٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ دَفْعُهَا مِنْ أَجْلِ الْحَيْلُولَةِ وَقَدْ زَالَتْ.
وَلَا يَرُدُّ الْمُنْفَصِلَةَ بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ قَالَ الْمَجْدُ وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا لَا يُتَصَوَّرُ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ أَوْ الْحَيَوَانَ لَا يَكُونُ أَبَدًا نَفْسَ الْقِيمَةِ الْوَاجِبَةِ بَلْ بَدَلٌ عَنْهَا وَإِذَا رَجَعَ الْمَغْصُوبُ رَدَّ الْقِيمَةَ لَا بَدَلَهَا وَلَا ثَمَرَاتِهِ كَمَنْ بَاعَ سِلْعَةٌ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْهَا ذَهَبًا أَوْ سِلْعَةً ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِدَرَاهِمَ لَا بِبَدَلِهَا انْتَهَى قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَهُوَ كَمَا قَالَ قُلْتُ: وَفِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ مَنْ بَاعَ بِدَرَاهِمَ قَدْ اسْتَقَرَّتْ بِذِمَّتِهِ فَيَتَأَتَّى التَّعْوِيضُ عَنْهَا وَهُنَا لَمْ تَثْبُتْ الْقِيمَةُ بِذِمَّتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ فَافْتَرَقَا (إنْ كَانَتْ) الْقِيمَةُ (بَاقِيَةً وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ بَاقِيَةً أَخَذَ (بَدَلَهَا) وَهُوَ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً أَوْ قِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً (وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْعَيْنِ) الْمَغْصُوبَةِ إذَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ أَدَاءِ قِيمَتِهَا لِلْحَيْلُولَةِ (لِاسْتِرْدَادِ الْقِيمَةِ كَمَنْ اشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا) وَقَبَضَ الْمَبِيعَ وَسَلَّمَ الثَّمَنَ فَإِنَّهُ (لَيْسَ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ عَلَى رَدِّ الثَّمَنِ بَلْ يُدْفَعَانِ) أَيْ الْمَغْصُوبُ وَقِيمَتُهُ أَوْ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا وَثَمَنُهُ (إلَى عَدْلٍ) يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ (يُسَلِّمُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَالَهُ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ.
(وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ) عِنْدَهُ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (مِثْلُهُ) أَمَّا ضَمَانُهُ فَلِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ التَّالِفِ لِذَهَابِ مَالِيَّتِهِ بِتَخَمُّرِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ بِالْمِثْلِ فَلِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ (وَإِنْ انْقَلَبَ) الْخَمْرُ (خَلًّا رَدَّهُ) الْغَاصِبُ (وَ) رَدَّ (مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَصِيرِ أَوْ) نَقَصَ (مِنْهُ ب) سَبَبِ (غَلَيَانِهِ)؛ لِأَنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ بِيَدِهِ.
وَمَنْ غَصَبَ صَاعًا مِنْ عَصِيرٍ وَغَلَاهُ حَتَّى ذَهَبَ نِصْفُهُ فَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ فَنَقَلَ الْمَجْدُ عَنْ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ: لَا يَضْمَنُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الذَّاهِبَ مِنْهُ أَجْزَاءٌ مَائِيَّةٌ وَرُطُوبَاتٌ لَا قِيمَةَ لَهَا وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ عَلَيْهِ: مِثْلُ نَقْصِهِ وَحَكَاهُ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَكَمَا لَوْ كَانَ زَيْتًا وَنَحْوَهُ.
(وَإِنْ غَصَبَ أَثْمَانًا) لَا مُؤْنَةَ لِحَمْلِهَا (فَطَالَبَهُ مَالِكُهَا بِهَا فِي بَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ (وَجَبَ) عَلَى الْغَاصِبِ (رَدُّهَا إلَيْهِ) أَيْ الْمَالِكِ لِعَدَمِ الضَّرَرِ.
(وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمُتَقَوِّمَاتِ) كَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَطَالَبَ بِهِ مَالِكُهُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْغَصْبِ (لَزِمَ) الْغَاصِبَ (دَفْعُ قِيمَتِهِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ) لِلْحَيْلُولَةِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَغْصُوبُ (مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ) وَلِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ (وَقِيمَتُهُ فِي الْبَلَدَيْنِ) أَيْ بَلَدِ الْغَصْبِ وَبَلَدِ الطَّلَبِ (وَاحِدَةٌ أَوْ هِيَ) أَيْ الْقِيمَةُ (أَقَلُّ فِي الْبَلَدِ الَّذِي لَقِيَهُ) الْمَالِكُ وَطَلَبَهُ مِنْهُ (فِيهِ فَلَهُ) أَيْ الْمَالِكِ (مُطَالَبَتُهُ بِمِثْلِهِ) لِلْحَيْلُولَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ كَانَتْ) قِيمَتُهُ بِبَلَدِ الطَّلَبِ (أَكْثَرَ) مِنْ قِيمَتِهِ بِبَلَدِ الْغَصْبِ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمَالِكِ (الْمِثْلُ) لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْغَاصِبِ (وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَتِهِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ)؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهَا عَلَى الْغَاصِبِ (وَفِي جَمِيعِ ذَلِكَ مَتَى قَدَرَ) الْغَاصِبُ (عَلَى الْمَغْصُوبِ أَوْ) قَدَرَ (عَلَى الْمِثْلِ فِي بَلَدِ الْغَصْبِ رَدَّهُ) لِلْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ.
(وَأَخَذَ) الْغَاصِبُ (الْقِيمَةَ)؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا وَجَبَتْ لِلْحَيْلُولَةِ وَقَدْ زَالَتْ.

.(فَصْلٌ): هل تَصِحُّ إجَارَةُ الْمَغْصُوبِ:

(وَإِنْ كَانَ لِلْمَغْصُوبِ مَنْفَعَةٌ تَصِحُّ إجَارَتُهَا) يَعْنِي إنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِمَّا يُؤَجَّرُ عَادَةً (فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ فِي يَدِهِ) سَوَاءٌ (اسْتَوْفَى) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ)؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ضُمِنَ بِالْإِتْلَافِ جَازَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ كَالْأَعْيَانِ وَحَدِيثُ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ وَارِدٌ فِي الْبَيْعِ فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ الْغَاصِبُ وَالْقَابِضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ سَوْمٍ (وَإِنْ ذَهَبَ بَعْضُ أَجْزَائِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (فِي الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةِ الْغَصْب بِاسْتِعْمَالٍ أَوْ لَا (كَخَمْلِ الْمِنْشَفَةِ لَزِمَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (مَعَ الْأُجْرَةِ أَرْشُ نَقْصِهِ)؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْفَرِدُ بِالْإِيجَابِ فَإِذَا اجْتَمَعَا وَجَبَا وَالْأُجْرَةُ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَفُوتُ مِنْ الْمَنَافِعِ لَا فِي مُقَابَلَةِ الْأَجْزَاءِ (وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (أُجْرَتُهُ إلَى) حِينِ (تَلَفِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ حِينِ التَّلَفِ لَمْ تَبْقَ لَهُ مَنْفَعَةٌ حَتَّى تُوجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا.
(وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ) أَوْ الْقَابِضِ: إنَّهُ تَلِفَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ (فَيُطَالَبُ بِالْبَدَلِ) أَيْ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي وَقْتِ التَّلَفِ بِيَمِينِهِ لِتَسْقُطَ عَنْهُ الْأُجْرَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (وَمَا لَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ) أَيْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِجَارَتِهِ (كَغَنَمٍ وَشَجَرٍ وَطَيْرٍ) وَنَحْوِهِ (مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ لَهُ) تُؤَجَّرُ عَادَةً (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (لَهُ أُجْرَةٌ)؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمَةٍ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ صِحَّةُ اسْتِئْجَارِ الْغَنَمِ لِدِيَاسِ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لِنَشْرِ الثِّيَابِ لِنُدْرَةِ ذَلِكَ.
(وَإِنْ غَصَبَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ) كَعَبْدٍ أَبِقَ وَجَمَلٍ شَرَدَ (فَأَدَّى قِيمَتَهُ) لِلْحَيْلُولَةِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الْغَاصِبِ (أُجْرَتُهُ إلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ) فَقَطْ (فَإِنْ قَدَرَ) الْغَاصِبُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (بَعْدَ) أَنْ كَانَ عَجَزَ عَنْهُ (لَزِمَهُ رَدُّهُ) لِمَالِكِهِ (كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا وَلَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ مِنْ حِينِ دَفَعَ) الْغَاصِبُ (بَدَلَهُ إلَى رَدِّهِ)؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ بِقَبْضِ قِيمَتِهِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ بِبَدَلِهِ الَّذِي هُوَ قِيمَتُهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَبِبَدَلِهِ الَّذِي قَامَ مَقَامَهُ.
(وَمَنَافِعُ الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ) يَجِبُ الضَّمَانُ فِي صَحِيحِهِ كَبَيْعٍ وَإِجَارَةٍ (كَمَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ تُضْمَنُ بِالْفَوَاتِ وَالتَّفْوِيتِ) أَيْ يَضْمَنُهَا الْقَابِضُ سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ أَوْ تَرَكَهَا تَذْهَبُ لِمَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ عُقُودِ الْأَمَانَاتِ كَالْوَكَالَةِ الْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَعُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ فَلَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهَا وَلِهَذَا يَرْجِعُ مَنْ غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَيْئًا عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا غَرِمَهُ.
(وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ ذَا صَنَائِعَ لَزِمَهُ) أَيْ الْغَاصِبَ (أُجْرَةُ أَعْلَاهَا) صَنْعَةً (فَقَطْ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي صَنْعَتَيْنِ مَعًا فِي آنٍ وَاحِدٍ وَلِأَنَّ غَايَةَ مَا يَحْصُلُ لِسَيِّدِهِ بِهِ مِنْ النَّفْعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي أَعْلَى مَا يُحْسِنُهُ مِنْ الصَّنَائِعِ (وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ لَوْ حَبَسَ حُرًّا أَوْ اسْتَعْمَلَهُ كَرْهًا) فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ ذَا صَنَائِعَ وَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ أَعْلَاهَا.

.(فَصْلٌ): تَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ:

(وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةِ) وَكَذَا غَيْرُ الْغَاصِبِ (وَهِيَ) أَيْ التَّصَرُّفَاتُ الْحُكْمِيَّةُ (مَا لَهَا حُكْمٌ مِنْ صِحَّةٍ أَوْ فَسَادٍ) أَيْ مَا تُوصَفُ تَارَةً بِالصِّحَّةِ وَتَارَةً بِالْفَسَادِ (كَالْحَجِّ مِنْ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ) الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَغْصُوبِ إذَا فَعَلَهَا عَالِمًا ذَاكِرًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ كَالصَّلَاةِ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ فِي مَكَان مَغْصُوبٍ وَالْوُضُوءِ مِنْ مَاءٍ مَغْصُوبٍ وَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ بِخِلَافِ عِبَادَةٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا كَالصَّوْمِ وَالذِّكْرِ وَالِاعْتِقَادِ.
(وَالْعُقُودِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ) لِلْمَغْصُوبِ (وَالْإِنْكَاحِ كَأَنْ أَنْكَحَ) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ وَنَحْوَهَا) أَيْ نَحْوَ الْمَذْكُورَاتِ كَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ (تَحْرُمُ وَلَا تَصِحُّ) خَبَرُ قَوْلِهِ: وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ لِحَدِيثِ «: مَنْ عَمَلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أَيْ مَرْدُودٌ (وَتَحْرُمُ) التَّصَرُّفَاتُ (غَيْرُ الْحُكْمِيَّةِ) فِي الْمَغْصُوبِ (كَإِتْلَافِ) الْمَغْصُوبِ (وَاسْتَعَمَّا لِ) هـ (كَأَكْلِ) الْمَغْصُوبِ (وَلُبْسِ) هـ (وَنَحْوِهِمَا) كَرُكُوبِهِ وَحَمْلٍ عَلَيْهِ وَسُكْنَى الْعَقَارِ لِحَدِيثِ «: إنَّ أَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ».
(وَإِنْ اتَّجَرَ) الْغَاصِبُ (بِعَيْنِ الْمَالِ) الْمَغْصُوبِ بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ فَاتَّجَرَ بِهَا (أَوْ) اتَّجَرَ بِثَمَنِ (عَيْنِ الْمَغْصُوبِ) بِأَنْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهِ وَحَصَلَ رِبْحٌ (فَالرِّبْحُ وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَالِكِ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ وَاحْتُجَّ بِخَبَرِ عُرْوَةَ بْنِ الْجَعْدِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ أَوْ بُطْلَانِهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُشْكِلَةٌ جِدًّا عَلَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْغَاصِبِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَكَيْفَ يَمْلِكُ الْمَالِكُ الرِّبْحَ وَالسِّلَعَ؟ لَكِنَّ نُصُوصَ أَحْمَدَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لِلْمَالِكِ فَخَرَّجَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ عَلَى وُجُوهٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ فَبَنَاهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْغَاصِبِ وَتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُغْنِي وَبَنَاهُ فِي التَّلْخِيصِ عَلَى أَنَّهَا صَحِيحَةٌ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْغَصْبِ يَطُولُ بِطُولِ الزَّمَانِ فَيَشُقُّ اعْتِبَارُهُ وَخَصَّ ذَلِكَ بِمَا طَالَ زَمَنُهُ، وَحَمَلَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَلَى أَنَّ الْغَاصِبَ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ ثَمَّ نَقَدَ فِيهِ دَرَاهِمَ الْغَصْبِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُ كَلَامِهِ عَلَى مُقَيَّدِهِ وَحَمَلَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي فَوَائِدِ الْقَوَاعِدِ عَلَى أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ وَحَمَلَهُ فِي الْمُبْدِعِ عَلَى مَا إذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْمَغْصُوبِ إلَى مَالِكِهِ وَرَدُّ الثَّمَنِ إلَى الْمُشْتَرِي.
(وَإِنْ اشْتَرَى) الْغَاصِبُ أَوْ غَيْرُهُ (فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا) أَيْ عَيْنَ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَوْ ثَمَنَهَا.
(وَلَوْ مِنْ وَدِيعَةِ عَبْدِهِ أَوْ قَارَضَ بِهِمَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ وَالْغَصْبِ (وَلَوْ) كَانَ الشِّرَاءُ (بِغَيْرِ نِيَّةِ نَقْدِهِ) أَيْ الثَّمَنِ مِنْ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ (فَالْعَقْدُ) أَيْ الشِّرَاءُ (صَحِيحٌ)؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لَهُ (وَالْإِقْبَاضُ فَاسِدٌ أَيْ غَيْرُ مُبَرِّئٍ) لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فِيهِ (وَالرِّبْحُ وَالسِّلَعُ) فِي الْمُضَارَبَةِ وَغَيْرِهَا (الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَالِكِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ ادْفَعْ إلَيْهِ دَرَاهِمَهُ بِنِتَاجِهَا وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ عَنْ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يَسْتَلْزِمُ سَلَامَةَ الْعَقْدِ لِلْمَالِكِ وَفِيهِ بَحْثٌ؛ فَإِنَّ الْعَقْدَ إذَا صَحَّ لِكَوْنِهِ وَاقِعًا فِي ذِمَّةِ الْعَاقِدِ فَكَيْفَ يَحْصُلُ لِمَنْ لَمْ يَقَعْ فِي ذِمَّتِهِ؟ وَمَأْخَذُ الصِّحَّةِ فِي أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ نَتِيجَةُ مِلْكِهِ فَكَانَ كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ عَيْنِهِ وَهَذَا قَضَاءٌ بِالدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ قَهْرًا كَدُخُولِ الْمِيرَاثِ بِالْإِرْثِ لَا فِي الْعَامِلِ وَلَا فِي غَيْرِهِ فِيهَا وَلَيْسَ عَلَى الْمَالِكِ شَيْءٌ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ ثَمَّ إنْ كَانَ الْمُضَارِبُ عَالِمًا بِالْغَصْبِ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ لِتَعَدِّيهِ بِالْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فَلَزِمَتْهُ أُجْرَتُهُ كَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ.
(وَإِنْ لَمْ يَبْقَ دِرْهَمٌ مُبَاحٌ) أَيْ وَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مُبَاحٍ (أَكَلَ عَادَتَهُ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ (لَا مَا لَهُ عَنْهُ غِنًى كَحَلْوَى وَفَاكِهَةٍ قَالَهُ فِي النَّوَادِرِ) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ إذْ لَا مُبِيحَ لِلزِّيَادَةِ عَلَى مَا تَنْدَفِعُ بِهِ الْحَاجَةُ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْغَاصِبُ وَالْمَالِكُ (فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ) بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَقَالَ الْمَالِكُ: اثْنَا عَشَرَ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي زِيَادَةِ قِيمَتِهِ: هَلْ زَادَتْ قَبْلَ تَلَفِهِ أَوْ بَعْدَهُ؟ أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِهِ) أَيْ الْمَغْصُوبِ (أَوْ) اخْتَلَفَا (فِي صِنَاعَةٍ فِيهِ وَلَا بَيِّنَةَ) لِأَحَدِهِمَا (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِمَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ عَلَيْهِ مِنْ الزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ عُمِلَ بِهَا.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ) فَقَالَ الْغَاصِبُ: رَدَدْتُهُ وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ فَقَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي عَيْبٍ (فِيهِ بَعْدَ تَلَفِهِ) بِأَنْ قَالَ الْغَاصِبُ: كَانَ الْعَبْدُ أَعْمَى مَثَلًا وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ (فَقَوْلُ الْمَالِكِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ (لَكِنْ لَوْ شَاهَدَتْ الْبَيِّنَةُ الْعَبْدَ مَعِيبًا عِنْدَ الْغَاصِبِ فَقَالَ الْمَالِكُ حَدَثَ) الْعَيْبُ (عِنْدَ الْغَاصِبِ وَقَالَ الْغَاصِبُ: بَلْ كَانَ) الْعَيْبُ (فِيهِ قَبْلَ غَصْبِهِ فَقَوْلُ الْغَاصِبِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صِفَةَ الْعَبْدِ لَمْ تَتَغَيَّرْ.
(وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يُعْرَفُ أَرْبَابَهَا فَسَلَّمَهَا إلَى الْحَاكِمِ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ الْحَاكِمَ (قَبُولُهَا بَرِئَ مِنْ عُهْدَتِهَا)؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْحَاكِمِ لَهَا قَائِمٌ مَقَامَ قَبْضِ أَرْبَابِهَا لَهَا لِقِيَامِهِ مَقَامَهُمْ (وَلَهُ) أَيْ الَّذِي بِيَدِهِ الْمَغْصُوبُ (الصَّدَقَةُ بِهَا عَنْهُمْ) أَيْ أَرْبَابِهَا؛ لِأَنَّ الْمَالَ يُرَادُ لِمَصْلَحَةِ الْمَعَاشِ أَوْ الْمَعَادِ وَمَصْلَحَةُ الْمَعَادِ أَوْلَى الْمَصْلَحَتَيْنِ.
وَقَدْ تَعَيَّنَتْ هَهُنَا لِتَعَذُّرِ الْأُخْرَى (بِشَرْطِ ضَمَانِهَا) لِأَرْبَابِهَا إذَا عَرَفَهُمْ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ بِدُونِ الضَّمَانِ إضَاعَةٌ لِمَالِ الْمَالِكِ لَا عَلَى وَجْهِ بَدَلٍ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ نَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ عَلَى فُقَرَاءِ مَكَانِهِ أَيْ مَكَانِ الْغَاصِبِ إنْ عَرَفَهُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى وُصُولِ الْمَالِ إلَيْهِ إنْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ وَيُرَاعَى الْفُقَرَاءُ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَنَقَلَ صَالِحٌ أَوْ بِالْقِيمَةِ وَلَهُ شِرَاءُ عَرَضٍ بِنَقْدٍ وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ مُحَابَاةُ قَرِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ نَصًّا (كَلُقَطَةٍ) حُرِّمَ الْتِقَاطُهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا فَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ أَوْ يَدْفَعُهَا لِلْحَاكِمِ.
وَإِذَا أُنْفِقَتْ كَانَتْ لِمَنْ يَأْخُذُ بِالْحَقِّ مُبَاحَةً كَمَا أَنَّهَا مَنْ يَأْكُلُهَا بِالْبَاطِلِ مُحَرَّمَةٌ وَبِكُلِّ حَالٍ تَرْكُ الْأَخْذِ أَجْوَدُ مِنْ الْقَبُولِ، وَإِذَا صَحَّ الْأَخْذُ كَانَ أَفْضَلَ أَعْنِي الْأَخْذَ وَالصَّرْفَ إلَى النَّاسِ الْمُحْتَاجِينَ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْمَفَاسِدِ فَهُنَاكَ التَّرْكُ أَوْلَى وَمِنْ الصَّدَقَةِ بِمَا ذُكِرَ: وَقْفُهُ أَوْ شِرَاءُ عَيْنٍ بِهِ يَقِفُهَا كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نَصًّا (وَيَسْقُطُ عَنْهُ) أَيْ الْغَاصِبِ (إثْمُ الْغَصْبِ) بِدَفْعِهَا لِلْحَاكِمِ أَوْ الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ عَنْ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ لِجَهْلِهِ بِهِ.
وَإِذَا تَصَدَّقَ بِهَا فَالثَّوَابُ لِأَرْبَابِهَا (وَكَذَا رُهُونٌ وَوَدَائِعُ وَسَائِرُ الْأَمَانَاتِ وَالْأَمْوَالِ الْمُحَرَّمَةِ) كَالسَّرِقَةِ وَالنَّهْبِ إذَا جُهِلَ رَبُّهَا دَفَعَهَا لِلْحَاكِمِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَنْ رَبِّهَا بِشَرْطِ ضَمَانِهَا لَهُ؛ لِأَنَّ فِي الصَّدَقَةِ بِهَا عَنْهُمْ جَمْعًا بَيْنَ مَصْلَحَةِ الْقَابِضِ بِتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ وَمَصْلَحَةِ الْمَالِكِ بِتَحْصِيلِ الثَّوَابِ لَهُ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَوَاعِدِ: وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَتَخَرَّجُ جَوَازُ أَخْذِ الْفُقَرَاءِ مِنْ الصَّدَقَةِ مِنْ يَدِ مَنْ مَالُهُ حَرَامٌ كَقُطَّاعِ طَرِيقٍ وَأَفْتَى الْقَاضِي بِجَوَازِهِ.
(وَلَيْسَ لِمَنْ هِيَ) أَيْ: الْغُصُوبُ وَالْأَمَانَاتُ الْمَجْهُولَةُ أَرْبَابُهَا (عِنْدَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا) وَلَوْ كَانَ (فَقِيرًا) مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: الدُّيُونُ الْمُسْتَحَقَّةُ كَالْأَعْيَانِ يَتَصَدَّقُ بِهَا عَنْ مُسْتَحِقِّهَا نَصَّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَرِيمِهِ: تَصَدَّقْ عَنِّي بِدَيْنِي الَّذِي لِي عَلَيْك لَمْ يَبْرَأْ بِالصَّدَقَةِ وَنَصَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِلنَّاسِ يَقْضِي عَنْهُ دَيْنَهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَبْرَأُ بَاطِنًا، وَإِذَا أَرَادَ مَنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ جَهِلَ مَالِكَهَا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا عَنْ مَالِكِهَا.
فَنَقَلَ صَالِحٌ عَنْ أَبِيهِ الْجَوَازُ فِيمَنْ اشْتَرَى آجُرًّا وَعَلِمَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَهُ مَا لَا يَمْلِكُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَرْبَابٌ: أَرْجُو إنْ أُخْرِجَ قِيمَةَ الْآجُرِّ فَتَصَدَّقَ بِهِ أَنْ يَنْجُوَ مِنْ إثْمِهِ وَقَدْ يَتَخَرَّجُ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ جَوَازِ شِرَاءِ الْوَكِيلِ مِنْ نَفْسِهِ.
(وَإِذَا تَصَدَّقَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ (بِالْمَالِ) الْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ الْمَجْهُولِ رَبُّهُ (ثُمَّ حَضَرَ الْمَالِكُ خُيِّرَ بَيْنَ الْآجُرِّ وَبَيْنَ الْأَخْذِ) لِلْبَدَلِ (مِنْ الْمُتَصَدِّقِ فَإِنْ) اخْتَارَ الْآجُرَّ فَذَاكَ.
(وَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ مِنْ) الْمُتَصَدِّقِ (فَلَهُ ذَلِكَ وَالْآجُرُّ لِلْمُتَصَدِّقِ) عَمَّا تَصَدَّقَ بِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِهِ إذَا عَرَفَ رَدُّ مَا فَعَلَهُ مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لَهُ شَرْعًا لِلْحَاجَةِ كَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلِيَّ لَهُ وَلَا حَاكِمَ.
(وَلَوْ نَوَى) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ (جَحْدَ مَا بِيَدِهِ مِنْ ذَلِكَ) الْغَصْبِ أَوْ الْأَمَانَةِ وَنَحْوِهَا فِي حَيَاةِ رَبِّهِ (أَوْ) نَوَى جَحْدَ (حَقٍّ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ فَثَوَابُهُ لَهُ) أَيْ: لِرَبِّهِ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ جَحْدِهِ قَائِمَةٌ مَقَامَ إتْلَافِهِ إذَنْ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِلْ لِوَرَثَةِ رَبِّهِ بِمَوْتِهِ فَكَانَ ثَوَابُهُ لَهُ (وَإِلَّا) يَنْوِي جَحْدَ مَا ذُكِرَ فِي حَيَاةِ رَبِّهِ بَلْ بَعْدَ مَوْتِهِ (فَ) ثَوَابُهُ (لِوَرَثَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عُدِمَ عَلَيْهِمْ وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَى مَا فَاتَ عَلَيْهِ قَهْرًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ.
(وَلَوْ نَدِمَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ عَلَى تَعَدِّيهِ (وَرَدَّ مَا غَصَبَهُ) أَوْ سَرَقَهُ وَنَحْوَهُ (عَلَى الْوَرَثَةِ بَرِئَ) الْغَاصِبُ وَنَحْوُهُ مِنْ (إثْمِهِ) أَيْ: الْمَالِ الْمَغْصُوبِ أَوْ الْمَسْرُوقِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى مُسْتَحِقِّهِ (لَا مِنْ إثْمِ الْغَصْبِ) فَلَا يَبْرَأُ مِنْهُ بَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ مَا أَدْخَلَ عَلَى قَلْبِ مَالِكِهِ مِنْ أَلَمِ الْغَصْبِ وَمَضَرَّةِ الْمَنْعِ مِنْ مِلْكِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَلَا يَزُولُ إثْمُ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّوْبَةِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ عَقِيلٍ وَذَكَرَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ: أَنَّ بِالضَّمَانِ وَالْقَضَاءِ بِلَا تَوْبَةٍ يَزُولُ حَقُّ الْآدَمِيِّ وَيَبْقَى مُجَرَّدُ حَقِّ اللَّهِ وَذَكَر الْمَجْدُ فِيمَنْ ادَّانَ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَهُ فَعَجَزَ: لَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ.
وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِير: بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَحِلُّ وِفَاقٍ (وَلَوْ رَدَّهُ) أَيْ: الْمَالَ الْمَغْصُوبَ وَنَحْوَهُ (وَارِثُ الْغَاصِبِ) أَوْ السَّارِقِ وَنَحْوُهُ (فَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ) أَوْ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ (مُطَالَبَتُهُ) أَيْ: الْغَاصِبِ أَوْ السَّارِقِ وَنَحْوِهِ (فِي الْآخِرَةِ نَصًّا)؛ لِأَنَّ الْمَظَالِمَ لَوْ انْتَقَلَتْ لَمَا اسْتَقَرَّ لِمَظْلُومٍ حَقٌّ فِي الْآخِرَةِ.