فصل: (فَصْلٌ: عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: مَن ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَأَقَرَّ:

(وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ فَأَقَرَّ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِهَا لِحَاضِرٍ مُكَلَّفٍ سُئِلَ الْمُقَرُّ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ صَدَّقَهُ) أَيْ صَدَّقَ الْمُقَرُّ لَهُ الْمُقِرَّ (صَارَ) الْمُقَرُّ لَهُ (الْخَصْمُ فِيهَا وَصَارَ صَاحِبُ الْيَدِ) وَتَحَوَّلَتْ إلَيْهِ الْخُصُومَةُ (لِأَنَّ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَدَهُ نَائِبَةٌ عَنْ يَدِهِ) وَإِقْرَارُ الْإِنْسَانِ بِمَا فِي يَدِهِ إقْرَارٌ صَحِيحٌ سَوَاءٌ قَالَ الْمُقِرُّ: إنَّهُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْهُ أَوْ مُسْتَعِيرٌ أَوْ لَا.
(فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ) أَنَّ الْعَيْنَ لَهُ (حُكِمَ لَهُ بِهَا) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ وَلِحَدِيثِ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ وَنَحْوُهُ (وَلِلْمُقَرِّ لَهُ قِيمَتُهَا عَلَى الْمُقِرِّ) قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَفِيهِ شَيْءٌ (وَإِلَّا) أَيْ.
وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ (فَقَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُقَرُّ لَهُ بِهَا مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ».
(فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعَى إحْلَافَ الَّذِي كَانَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا) أَيْ الْعَيْنَ (لِي) أَيْ لِلْمُدَّعَى (حَلَفَ لَهُ) أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْعَيْنَ لَهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهَا لَزِمَهُ غُرْمُهَا كَمَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْعَيْنُ لِزَيْدٍ ثُمَّ هِيَ لِعَمْرٍو فَإِنَّهَا تُدْفَعُ لِزَيْدٍ وَيَغْرَمُ لِعَمْرٍو قِيمَتِهَا وَمَنْ لَزِمَهُ الْغُرْمُ مَعَ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ الْيَمِينُ مَعَ الْإِنْكَارِ (فَإِنْ نَكَلَ) مَنْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ عَنْ الْيَمِينِ لِلْمُدَّعَى (لَزِمَهُ بَدَلُهَا) أَيْ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَقِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ) بِالْعَيْنِ (لَيْسَتْ لِي وَهِيَ لِلْمُدَّعِي حُكِمَ لَهُ بِهَا) لِأَنَّ الْيَدَ صَارَتْ لِلْمُقِرِّ لَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَاهَا شَخْصٌ فَأَقَرَّ بِهَا لَهُ (وَإِنْ قَالَ) الْمُقِرُّ (لَيْسَتْ لِي وَلَا أَعْلَمُ لِمَنْ هِيَ أَوْ قَالَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ حُكِمَ لَهُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَجَهِلَ لِمَنْ هِيَ سُلِّمَتْ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُدَّعِي (أَيْضًا بِلَا يَمِينٍ) لِأَنَّهُ لَا مُنَازِعَ لَهُ فِيهَا أَشْبَهَ الَّتِي فِي يَدِهِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْيَدِ لَوْ ادَّعَاهَا ثُمَّ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قَضَى بِهَا لِلْمُدَّعَى فَمَعَ عَدَمِ ادِّعَائِهِ أَوْلَى (فَإِنْ كَانَا) أَيْ الْمُدَّعِيَانِ (اثْنَيْنِ اقْتَرَعَا بِهَا) فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ أَخَذَهَا وَحَلَفَ لِصَاحِبِهِ (وَإِنْ قَالَ الْمُقَرُّ لَهُ هِيَ لِثَالِثٍ انْتَقَلَتْ الْخُصُومَةُ عَنْهُ إلَيْهِ) كَالْمُقَرِّ لَهُ أَوَّلًا.
(وَإِنْ أَقَرَّ) مَنْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ (بِهَا لِغَائِبٍ أَوْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ مُعَيَّنَيْنِ سَقَطَتْ الدَّعْوَى وَصَارَتْ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ) لِأَنَّ الْيَدَ صَارَتْ لَهُ وَيَصِيرُ الْغَائِبُ وَالْوَلِيُّ خَصْمَيْنِ إنْ صَدَّقَاهُ وَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ (ثُمَّ إنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ سُلِّمَتْ) الْعَيْنُ (إلَيْهِ) لِأَنَّ جَانِبَهُ قَدْ تَرَجَّحَ بِهَا (وَلَا يَحْلِفُ) لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ وَحْدَهَا كَافِيَةٌ لِلْخَبَرِ (وَكَانَ الْغَائِبُ عَلَى خُصُومَتِهِ) إذَا قَدِمَ وَنَازَعَ لَهُ لِعَدَمِ مَا يَقْطَعُ خُصُومَتَهُ (وَإِنْ كَانَ مَعَ الْمُقِرِّ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِهَا لِلْغَائِبِ سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَلَمْ يَقْضِ بِهَا) لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْغَائِبِ فِي الْحُكْمِ وَلَمْ يَطْلُبْهُ وَإِنَّمَا سُمِعَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهَا لِمَنْ سَمَّاهُ لِزَوَالِ التُّهْمَةِ (وَلَكِنْ تَسْقُطُ الْيَمِينُ وَالتُّهْمَةُ مِنْ الْمُقِرِّ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يَقْضِ لَهُ بِهَا وَيَقِفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ) فَإِمَّا أَنْ يُصَدِّقَ أَوْ يُكَذِّبَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ مَعَهُ الْخُصُومَةُ (وَ) حَتَّى (يُكَلِّفُ غَيْرَهُ لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ مَعَهُ) لِكَوْنِ الْيَدِ صَارَتْ لَهُ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (تَحْلِيفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ) أَقَرَّتْ الْعَيْنُ بِيَدِهِ لِأَنَّ الْمُدَّعِي انْدَفَعَتْ دَعْوَاهُ بِالْيَمِينِ (وَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ (غَرِمَ بَدَلَهَا) لِلْمُدَّعِي أَيْ مِثْلَهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَقِيمَتَهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً (فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي لِلْعَيْنِ اثْنَيْنِ) وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَهُمَا (فَبَدَلَانِ) لَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَلٌ.
(وَإِنْ عَادَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَأَقَرَّ بِهَا) أَيْ الْعَيْنِ (لِلْمُدَّعِي) بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا لِغَيْرِ الْغَائِبِ أَوْ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ (لَمْ تُسَلَّمْ إلَيْهِ) لِأَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ عَلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ (وَعَلَيْهِ) أَيْ الْمُقِرِّ (لَهُ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ ثَانِيًا (بَدَلَهَا) لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ (وَإِنْ) عَادَ (ادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا) فَلَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ عَنْهُ.
(وَإِنْ ادَّعَى) إنْسَانٌ عَلَى آخَرَ بِعَيْنٍ أَنَّهَا لَهُ فَادَّعَى (مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ) أَيْ الْعَيْنَ (أَنَّهَا مَعَهُ إجَارَةً أَوْ إعَارَةً) مِنْ فُلَانٍ الْغَائِبِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ لِلْغَائِبِ لَمْ يَقْضِ بِهَا لِلْغَائِبِ لِعَدَمِ دَعْوَاهُ وَسُؤَالِهِ الْحُكْمَ لَكِنْ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ لِتَسْقُطَ الْيَمِينُ وَالتُّهْمَةُ عَنْ الْمُقِرِّ.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا) أَيْ الْعَيْنِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ (لِمَجْهُولٍ قِيلَ) أَيْ قَالَ (لَهُ) الْحَاكِمُ (عَرِّفْهُ وَإِلَّا جَعَلْتُكَ نَاكِلًا وَقَضَيْتُ عَلَيْكَ) بِالنُّكُولِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَا لِمَجْهُولٍ عُدُولٌ عَنْ الْجَوَابِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الْخَصْمَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فَيُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تُعَيِّنَ الْمُقَرَّ لَهُ لِتَنْتَقِلَ الْخُصُومَةُ إلَيْهِ أَوْ تَدَّعِيَهَا لِنَفْسِك لِتَكُونَ الْخُصُومَةُ مَعَكَ أَوْ تُقِرُّ بِهَا لِلْمُدَّعَى لِتَنْدَفِعَ الْخُصُومَةُ عَنْكَ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمَجْهُولَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهَا بِهَا (وَإِنْ عَادَ) الْمُقِرُّ (فَادَّعَاهَا لِنَفْسِهِ لَمْ تُسْمَعْ) دَعْوَاهُ لِمُخَالَفَتِهَا لِإِقْرَارِهِ أَوْ لِأَنَّهَا لِغَيْرِهِ.

.فَصْلٌ: لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مُحَرَّرَة:

(وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إلَّا مُحَرَّرَة تَحْرِيرًا يُعْلَمُ بِهِ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمَّا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ أَلْزَمَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُلْزِمَهُ مَجْهُولًا (إلَّا فِيمَا نُصَحِّحُهُ مَجْهُولًا كَوَصِيَّةٍ وَإِقْرَارٍ وَ) عِوَضٍ (خُلْعٍ وَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ فِي مَهْرٍ) وَكَذَا فَرَسٍ مِنْ خَيْلِهِ وَثَوْبٍ مِنْ ثِيَابِهِ وَنَحْوِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فَيَجُوزُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ مَعَ جَهَالَتِهِ لِصِحَّتِهِ وَيُبْتَدَأُ مَنْ عَلَيْهِ (وَيُعْتَبَرُ التَّصْرِيحُ بِالدَّعْوَى فَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (لِي عِنْدَ فُلَانٍ كَذَا حَتَّى يَقُولَ وَأَنَا الْآنَ مُطَالِبٌ بِهِ) لِيُوجَدَ التَّصْرِيحُ (وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ يَكْفِي الظَّاهِرُ) لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ (وَ) يُعْتَبَرُ أَيْضًا (أَنْ تَكُونَ) الدَّعْوَى (مُتَعَلِّقَةً بِالْحَالِّ) أَيْ إذَا كَانَتْ بِدَيْنٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ حَالًّا.
وَ(لَا) تُسْمَعُ (بِالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ) لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطَّلَبُ بِهِ قَبْلَ حُلُولِهِ وَلَا يَجْلِسُ عَلَيْهِ (إلَّا فِي دَعْوَى تَدْبِيرٍ) وَكِتَابَةٍ وَإِيلَادٍ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ بِهِ إذَنْ وَإِنْ تَأَخَّرَ أَثَرُهُ.
(وَ) يُعْتَبَرُ أَيْضًا فِي الدَّعْوَى (أَنْ تَنْفَكَّ عَمَّا يُكَذِّبُهَا) (فَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ) أَوْ سَرَقَ مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَسَنَةً دُونَهَا وَنَحْوَهُ لَمْ تُسْمَعْ لِأَنَّ الْحِسَّ يَكْذِبُهَا، وَمِنْهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ اشْتَرَى مِنْهُ حِزْمَةَ بَقْلٍ وَحَمَلَهَا بِيَدِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ.
وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَ (أَبَاهُ) أَوْ ابْنَهُ وَنَحْوَهُ (مُنْفَرِدًا ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ الْمُشَارَكَةَ فِيهِ) أَيْ فِي قَتْلِ أَبِيهِ وَنَحْوِهِ (لَمْ تُسْمَعْ) الدَّعْوَى (الثَّانِيَةُ) لِأَنَّهُ كَذَّبَهَا بِدَعْوَاهُ الْأُولَى وَكَذَا لَوْ ادَّعَى الْآخَرُ الِانْفِرَادَ بِهِ فَلَا تُسْمَعُ (وَلَوْ أَقَرَّ الثَّانِي) لِتَكْذِيبِهِ لَهُ أَوْ لَا (إلَّا أَنْ يَقُولَ) الْمُدَّعِي (غَلِطْتُ أَوْ كَذَبْتُ فِي الْأُولَى فَتُقْبَلُ) الثَّانِيَةُ لِإِمْكَانِهِ وَالْحَقُّ لَا يَعْدُوهُمَا.
(وَمَنْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِشَيْءٍ) مِنْ دَارٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ ادَّعَاهُ) لِنَفْسِهِ (وَذَكَر تَلَقِّيهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ زَيْدٍ (سُمِعَ) مِنْهُ مَا ادَّعَاهُ وَطُولِبَ بِالْبَيَانِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ تَلَقِّيه مِنْ زَيْدٍ (فَلَا) تَصِحُّ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ التَّكْذِيبَ لِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ (وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ الْآنَ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ لَهُ أَمْسِ أَوْ) أَنَّهُ كَانَ (فِي يَدِهِ) أَمْسِ لِعَدَمِ التَّطَابُقِ.
(وَلَوْ قَالَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (كَانَ) الْمُدَّعَى بِهِ (بِيَدِك) أَمْسِ (أَوْ) كَانَ (لَك أَمْسِ وَهُوَ مِلْكِي الْآنَ لَزِمَهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بَيَانُ سَبَبِ زَوَالِ يَدِهِ) أَوْ مِلْكِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ أَوْ الْيَدِ.
(وَإِنْ ادَّعَى دَارًا بَيَّنَ حُدُودَهَا وَمَوْضِعَهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَشْهُورَةً) عِنْدَ الْقَاضِي وَالْخَصْمَيْنِ بِمَا يُغْنِي عَنْ الْبَيَانِ قَالَ الْغَزِّيِّ: إنْ كَانَتْ فِي عَقَارٍ ذَكَرَ الْبَلَدَ وَالْمَحِلَةَ وَالسِّكَّةَ وَهِيَ الزُّقَاقُ وَالْحُدُودُ، فَإِنَّ التَّحْدِيدَ شَرْطٌ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ (فَيَدَّعِي أَنَّ هَذِهِ الدَّارُ بِحُقُوقِهَا وَحُدُودِهَا لِي وَأَنَّهَا فِي يَدِهِ ظُلْمًا وَأَنَا أُطَالِبُهُ الْآنَ بِرَدِّهَا وَإِنْ ادَّعَى أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِي وَأَنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْهَا) وَأُطَالِبُهُ بِرَدِّهَا (صَحَّتْ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَنَّهَا فِي يَدِهِ) اكْتِفَاءً بِذِكْرِ أَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْهَا (وَتَكْفِي شُهْرَةُ الْمُدَّعَى بِهِ) مِنْ دَارٍ وَنَحْوِهِ (عِنْدَ الْخَصْمَيْنِ وَالْحَاكِمِ عَنْ تَحْدِيدِهِ) أَيْ بَيَانِ حُدُودِهِ لِأَنَّ الْقَصْدَ عِلْمُ الْمُدَّعَى بِهِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالشُّهْرَةِ.
(وَلَوْ أَحْضَرَ) الْمُدَّعِي (وَرَقَةً فِيهَا دَعْوَى مُحَرَّرَةً فَقَالَ أَدَّعِي بِمَا فِيهَا مَعَ حُضُورِ خَصْمِهِ لَمْ تُسْمَعْ) دَعْوَاهُ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا فِيهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ لَا يُعْتَبَرُ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ) بِالدَّيْنِ (قَوْلُهُ) أَيْ الشَّاهِدِ (إنَّ الدَّيْنَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْغَرِيم إلَى الْآن، بَلْ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِاسْتِصْحَابِهِ الْحَالَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ سَبَقَ الْحَقُّ إجْمَاعًا) اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ.
(وَتُسْمَعُ دَعْوَى اسْتِيلَادٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ) مِنْ الرَّقِيقِ عَلَى سَيِّدِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ بِهِ وَإِنْ تَأَخَّرَ أَثَرُهُ وَتَقَدَّمَ لِأَنَّ نَفْسَ الْمُدَّعَى بِهِ حَالٌّ وَإِنْ تَأَخَّرَ مُوجِبُهُ.
(وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى) بِهِ (عَيْنًا حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِس عَيَّنَهَا) أَيْ الْمُدَّعِي (بِالْإِشَارَةِ) إلَيْهَا لِيَنْتَفِيَ اللَّبْسُ (وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً) فِي الْبَلَدِ (لَكِنْ لَمْ تَحْضُرْ مَجْلِسَ الْحُكْمِ اُعْتُبِرَ إحْضَارُهَا لِتَعْيِينٍ) وَإِزَالَةِ اللَّبْسِ (وَيَجِبُ إحْضَارُهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَقَرَّ أَنَّ بِيَدِهِ مِثْلَهَا) فَيُوَكِّلُ بِهِ حَتَّى يُحْضِرَهَا فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ بِغَضَبِ عَبْدٍ وَأَقَرَّ أَنَّ بِيَدِهِ عَبْدًا أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِإِحْضَارِهِ لِتَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ.
(وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهَا) أَيْ الْعَيْنَ الْمُدَّعَى بِنَظِيرِهَا (بِيَدِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ أَوْ نُكُولٍ) عَنْ يَمِينٍ طُلِبَ مِنْهُ (حُبِسَ أَبَدًا حَتَّى يَحْضُرَهَا أَوْ يَدَّعِيَ تَلَفَهَا فَيُصَدَّقُ لِلضَّرُورَةِ وَتَكْفِي الْقِيمَةُ) حِينَئِذٍ عَنْ تَعْيِينِهَا لِتَعَذُّرِهِ بِتَلَفِهَا.
(وَإِنْ دُعِيَ) بِالْيَاءِ لِلْمَفْعُولِ (عَلَى أَبِيهِ دَيْنٌ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ حَتَّى يَثْبُت أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَتَرَك فِي يَدِهِ مَالًا فِيهِ وَفَاءٌ لِدَيْنِهِ) أَوْ حَرَّرَ التَّرِكَةَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْمُغْنِي وَذَكَر الْقَاضِي أَنَّهُ يُحَرِّرُ التَّرِكَةَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (فَإِنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (تَرَكَ) أَبُوهُ (مَا فِيهِ وَفَاءٌ لِبَعْضِ دَيْنِهِ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَذْكُرَ ذَلِكَ الْبَعْضَ لِيَعْلَمَ نِسْبَةَ الدَّيْنِ إلَيْهِ) فَيُلْزَمُ بِالْوَفَاءِ بِقَدْرِهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي نَفْيِ تَرِكَةِ الْأَبِ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ وَالْأَصْلُ الْعَدَمُ.
(وَكَذَا إنْ أَنْكَرَ) الْوَلَدُ (مَوْتَ أَبِيهِ) فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ (وَيَكْفِيهِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ لِلْأَبِ تَرِكَةً أَوْ لَا يَعْلَمُ مَوْتَهُ (وَيَكْفِيهِ) أَيْ الْوَلَدُ (أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ تَرِكَتِهِ شَيْءٌ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يَخْلُفْ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَخْلُفُ تَرِكَةً لَا تَصِلُ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيفَاءُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ (وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرَ مِمَّا وَصَلَ إلَيْهِ) إنْ وَصَلَ إلَيْهِ مَا بَقِيَ بِبَعْضِ الدَّيْنِ.
(وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى) بِهِ (عَيْنًا غَائِبَةً أَوْ تَالِفَةً) وَهِيَ (مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ أَوْ) كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا (فِي الذِّمَّةِ) كَمَبِيعٍ فِي الذِّمَّةِ وَمُسَلَّمٍ فِيهِ وَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَنَحْوِهَا (ذَكَرَ مِنْ صِفَتِهَا مَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ) مِنْ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَنْضَبِطُ بِهَا غَالِبًا لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ تَحْرِيرُ الدَّعْوَى بِهَا (وَالْأَوْلَى مَعَ ذَلِكَ ذِكْرُ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهَا أَضْبَطُ (وَإِنْ لَمْ تَنْضَبِطْ) الْعَيْنُ الْمُدَّعَى بِهَا (بِالصِّفَاتِ كَجَوْهَرَةٍ وَنَحْوِهَا) مِمَّا لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ مِنْ كُتُبِ عِلْمٍ وَمَا يَجْمَعُ أَخْلَاطًا غَيْرَ مُتَمَيِّزَةٍ وَنَحْوِهَا (تَعَيَّنَ ذِكْرُ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا بِذَلِكَ (لَكِنْ يَكْفِي ذِكْرُ قَدْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ) وَيَكُونُ مُغْنِيًا عَنْ وَصْفِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِالْبَلَدِ إلَّا نَقْدَ وَاحِدٍ لِتَعَيُّنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَبِيعِ وَغَيْرِهِ فَيَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ.
(وَإِنْ ادَّعَى نِكَاحًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ بِعَيْنِهَا إنْ كَانَتْ حَاضِرَةً) فِي الْمَجْلِسِ لِأَنَّ اللَّبْسَ يَنْتَفِي بِذَلِكَ (وَإِلَّا ذَكَرَ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا) لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ إلَّا بِذَلِكَ (وَاشْتُرِطَ ذِكْرُ شُرُوطِهِ) فِي الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ لِأَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي شُرُوطِهِ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهَا حَتَّى يُعْلَمَ الْحَالُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ أَيَعْرِفُ كَيْفَ يَحْكُمُ (فَيَقُولُ) الْمُدَّعِي لِلنِّكَاحِ (تَزَوَّجْتُهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَبِرِضَاهَا) لِأَنَّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا (وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ وَلَيْسَتْ مُرْتَدَّةً وَلَا مُعْتَدَّةً) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ (وَإِنْ كَانَتْ) الزَّوْجَةُ أَمَةً (وَهُوَ حُرٌّ ذَكَرَ عَدَمَ الطَّوْلِ وَخَوْفَ الْعَنَتِ) مَعَ الْوَلِيِّ وَشَاهِدَيْ الْعَدْلِ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُوطِ.
(وَإِنْ ادَّعَى اسْتِدَامَةَ الزَّوْجِيَّةِ وَلَمْ يَدَّعِ الْعَقْدَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِ شُرُوطِهِ) لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مَعَهَا إجْمَاعُ الشُّرُوطِ.
(وَإِنْ ادَّعَى زَوْجِيَّةَ امْرَأَةٍ فَأَقَرَّتْ) لَهُ بِهَا (صَحَّ إقْرَارُهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَالْغُرْبَةِ وَالْوَطَنِ) لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِحَقٍّ عَلَيْهَا فَقُبِلَ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
وَفِي الْمُغْنِي (إنْ كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ لَمْ يُسْمَعْ) إقْرَارُهَا لَهُمَا وَلَا لِأَحَدِهِمَا وَيَأْتِي مَا فِيهِ (وَإِنْ ادَّعَى عَقْدًا سِوَى النِّكَاحِ اُعْتُبِرَ ذِكْرُ شُرُوطِهِ أَيْضًا) كَالنِّكَاحِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا، وَقَدَّمَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وَذَكَرَ فِي الشَّرْح أَنَّهُ أَوْلَى وَأَصَحُّ.
(وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذِكْرِ السَّبَبِ) لِكَثْرَةِ سَبَبِهِ وَيَكْفِي أَنْ يَقُولَ أَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْعَيْنَ الَّتِي فِي يَدِهِ أَوْ أَسْتَحِقُّ كَذَا فِي ذِمَّتِهِ.
(وَكَذَا إنْ قَالَ) الْمُدَّعِي (اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ أَوْ بِعْتُهَا مِنْهُ بِأَلْفٍ لَمْ يُحْتَجْ أَنْ يَقُولَ وَهِيَ مِلْكُهُ) فِيمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ (أَوْ هِيَ مِلْكه) فِيمَا إذَا قَالَ اشْتَرَيْتُ (أَوْ وَهِيَ مِلْكِي) فِيمَا إذَا قَالَ بِعْتُهُ وَلَا أَنْ يَقُولَ (وَنَحْنُ جَائِزًا الْأَمْرُ أَوْ تَفَرَّقْنَا عَنْ تَرَاضٍ) اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَعَلَى الْأَوَّلِ أَيْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ شُرُوطُ الْعَقْدِ.
لَوْ ادَّعَى بَيْعًا لَازِمًا أَوْ هِبَةً مَقْبُوضَةً كَفَى فِي الْأَشْهَرِ وَفِي اعْتِبَارِ وَصْفِ الْبَيْعِ أَنَّهُ صَحِيحٌ وَجْهَانِ قَالَ: فَلَوْ ادَّعَى بَيْعًا أَوْ هِبَةً لَمْ تُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَقُولَ: وَيَلْزَمُ التَّسْلِيمُ إلَى الِاحْتِمَالِ كَوْنُهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ (وَمَا لَزِمَ ذَكَرَهُ فِي الدَّعْوَى فَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُدَّعِي يَسْأَلهُ الْحَاكِم عَنْهُ) لِتَصِيرَ الدَّعْوَى مَعْلُومَةً فَيُمْكِنُ الْحَاكِمُ الْحُكْمَ بِهَا.
(وَإِنْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ نِكَاحًا لِطَلَبِ نَفَقَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهَا) لِأَنَّ حَاصِلَهَا دَعْوَى الْحَقِّ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ مَهْرٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (فَإِنْ أَنْكَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَقَوْلُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ) إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةً لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَحْلِفْ الْمَرْأَةَ وَالْحَقَّ عَلَيْهَا فَلِئَلَّا يَسْتَحْلِفَ مَنْ الْحَقُّ لَهُ وَهُوَ يُنْكِرُهُ أَوْلَى قُلْتُ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّكَاحِ وَأَصَحَّ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ وَنَحْوِهَا فَلَا وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ إلَّا فِيمَا إذَا ادَّعَتْ نِكَاحًا فَقَطْ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
(وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّهَا امْرَأَتُهُ ثَبَتَ لَهَا مَا تَضَمَّنَهُ النِّكَاحُ مِنْ حُقُوقِهَا) كَالنَّفَقَةِ وَالْمَهْرِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا إبَاحَتِهَا لَهُ فَتَنْبَنِي عَلَى بَاطِنِ الْأَمْرِ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ حَلَّتْ لَهُ وَلَا يَكُونُ جُحُودُهُ طَلَاقًا وَلَوْ نَوَاهُ لِأَنَّ الْجُحُودَ هُنَا لِعَقْدِ النِّكَاحِ لَا لِكَوْنِهَا امْرَأَتَهُ فَلَيْسَ كَقَوْلِهِ: لَا امْرَأَةَ لِي.
وَفِي الْمُبْدِعِ: جُحُودُهُ النِّكَاحَ لَيْسَ بِطَلَاقٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ.
(وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ لِعَدَمِ عَقْدٍ أَوْ لِبَيْنُونَتِهَا مِنْهُ لَمْ تَحِلَّ لَهُ، وَلَا يُمَكَّنُ مِنْهَا ظَاهِرًا وَلَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ) لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُزِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ بَاطِنًا (وَحَيْثُ سَاغَ لَهَا دَعْوَى النِّكَاحِ فَكَزَوْجٍ فِي ذِكْرِ شُرُوطِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ ادَّعَتْ) الْمَرْأَةُ (النِّكَاحَ فَقَطْ) وَلَمْ تَدَّعِ مَعَهُ مَهْرًا وَلَا نَفَقَةً وَلَا غَيْرَهَا (لَمْ تُسْمَعْ) لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهَا فَدَعْوَاهَا لَهُ إقْرَارٌ لَا يُسْمَعُ مَعَ إنْكَارِ الْمُقِرِّ لَهُ.
(وَإِنْ ادَّعَى قَتْلَ مَوْرُوثِهِ ذَكَرَ) الْمُدَّعِي (الْقَاتِلَ وَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ أَوْ شَارَكَ غَيْرَهُ) فِيهِ (وَأَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ شَبَهَ عَمْدٍ وَيَذْكُرُ صِفَةَ الْعَمْدِ) لِأَنَّ الْحَالَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِهِ لِتَرَتُّبِ حُكْمِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَيَاةَ) أَيْ لَمْ يُعْتَبَرْ أَنْ يَقُولَ حَيًّا اكْتِفَاءً بِالظَّاهِرِ، وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى وَلَوْ قَالَ قَدَّهُ نِصْفَيْنِ وَكَانَ حَيًّا أَوْ ضَرَبَهُ وَهُوَ حَيٌّ صَحَّ ظَاهِرُهَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْحَيَاةِ.
(وَإِنْ ادَّعَى الْإِرْثَ ذَكَرَ سَبَبَهُ) لِاخْتِلَافِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقَدْرُهُ: وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ مَاتَ فُلَانٌ وَأَنَا وَارِثُهُ.
(وَإِنْ ادَّعَى شَيْئًا مُحَلَّى بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ حِلْيَتِهِ) لِئَلَّا يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا (فَإِنْ كَانَ مُحَلَّى بِهِمَا) أَيْ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ (قَوَّمَهُ) الْمُدَّعِي (بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا لِلْحَاجَةِ) إذْ التَّنْمِيَةُ مُنْحَصِرَةٌ فِيهِمَا.

.(فَصْلٌ: عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا:

يُعْتَبَرُ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَوْ لَمْ يُعَيِّنْ فِيهِ خَصْمَهُ) لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فَيَجِبُ الْعِلْمُ بِهَا كَالْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْلُهُ {إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} الْآيَةُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ وَلَا مَحْدُودٍ فِي الْإِسْلَامِ» (فَلَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِهَا) أَيْ الْعَدَالَةِ (وَلَوْ قِيلَ إنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْخُرُوجُ عَنْهَا) (وَقَالَ) الشَّيْخُ: (مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِنْسَانِ الْعَدَالَةُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَإِنَّمَا الْأَصْلُ الْجَهْلُ وَالظُّلْمُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}) (فَالْفِسْقُ وَالْعَدَالَةُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَطْرَأُ) عَلَى الْآخَرِ وَقَوْلُ عُمَرَ الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ مُعَارِضٌ لِمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَى بِشَاهِدَيْنِ فَقَالَ لَهُمَا: لَسْتُ أَعْرِفُكُمَا وَلَا يَضُرُّكُمَا أَنِّي لَا أَعْرِفُكُمَا وَالْأَعْرَابِيُّ الَّذِي قَبِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهَادَتَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِرَمَضَانَ صَارَ صَحَابِيًّا وَهُمْ عُدُولٌ وَعَنْهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ كُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبُ الرَّوْضَةِ فَإِنْ جَهِلَ إسْلَامَهُ رَجَعَ إلَى قَوْلِهِ وَالْعَمَلِ عَلَى الْأَوَّلِ.
(وَلَا تُشْتَرَطُ) الْعَدَالَةُ (بَاطِنًا فِي عَقْدِ نِكَاحٍ) فَلَا يَبْطُلُ لَوْ بَانَا فَاسِقَيْنِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ وَلِلْمَشَقَّةِ (وَتَقَدَّمَ) فِي شُرُوطِ النِّكَاحِ.
(وَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا) عَمَلًا بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْتَفِ بِذَلِكَ لَتَسَلْسَلَ لِأَنَّ الْمُزَكَّى يَحْتَاجُ إلَى تَعْدِيلِهِ فَإِذَا لَمْ يَعْمَلْ بِعِلْمِهِ احْتَاجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُزَكَّيْنِ إلَى مَنْ يُزَكِّيهِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُزَكِّيهِمَا إلَى مُزَكَّيْنِ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ.
(وَإِنْ عَلِمَ فِسْقَهُمَا لَمْ يَحْكُمْ) بِشَهَادَتِهِمَا لِعَدَمِ شَرْطِ الْحُكْمِ (فَلَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (الْعَمَلُ بِعِلْمِهِ فِي عَدَالَتِهِمْ وَجَرْحِهِمْ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (أَنْ يُرَتِّبَ شُهُودًا لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ) لِأَنَّ مِنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ وَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِ (وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَإِذَا عَرَفَ) الْحَاكِمُ (عَدَالَةَ الشُّهُودِ اُسْتُحِبَّ قَوْلُهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ قَدْ شَهِدَا عَلَيْك فَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ مَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمْ فَبَيِّنَةً عِنْدِي) لِدَفْعِ الرِّيبَةِ.
(فَإِنْ لَمْ يَقْدَحْ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فِي شَهَادَتِهِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ إذَا اتَّضَحَ لَهُ الْحُكْمُ وَاسْتَنَارَتْ الْحُجَّةُ) وَسَأَلَهُ الْمُدَّعِي ذَلِكَ فَوْرًا كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الْحُجَّةِ (لَبْسٌ أَمَرَهُمَا بِالصُّلْحِ فَإِنْ أَبَيَا) الصُّلْحَ (أَخَّرَهُمَا إلَى الْبَيَانِ) وَالِاتِّضَاحِ لِتَعَذُّرِ الْحُكْمِ إذَنْ (فَإِنْ عَجَّلَهَا) وَحَكَمَ (قَبْلَ الْبَيَانِ لَمْ يَصِحَّ حُكْمُهُ) وَلَمْ يُنَفَّذْ لِفَقْدِ شَرْطِهِ.
(وَإِذَا حَدَثَتْ حَادِثَةً نَظَرَ) الْحَاكِمُ (فِي كِتَابِ اللَّهِ) تَعَالَى (فَإِنْ وَجَدَهَا وَإِلَّا نُظِرَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا نُظِرَ فِي الْقِيَاسِ فَأَلْحَقَهَا بِأَشْبَهِ الْأُصُولِ بِهَا) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بَعَثَ مُعَاذًا قَاضِيًا وَقَالَ: بِمَ تَحْكُمُ قَالَ: بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ: فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ: أَجْتَهِدُ بِالرَّأْيِ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».
(وَإِنْ ارْتَابَ) الْحَاكِمُ (فِي الشُّهُودِ لَزِمَ سُؤَالُهُمْ وَالْبَحْثُ عَنْ صِفَةِ تَحَمُّلِهِمْ وَغَيْرِهِ فَيُفَرِّقُهُمْ وَيَسْأَلُ كُلَّ وَاحِدٍ كَيْفَ تَحَمَّلْتَ الشَّهَادَةَ وَمَتَى) أَيْ فِي أَيْ وَقْتٍ تَحَمَّلْتَ (وَفِي أَيْ مَوْضِعٍ) تَحَمَّلْتَ (وَهَلْ كُنْتَ وَحْدَكَ أَوْ أَنْتَ وَغَيْرَكَ وَنَحْوَهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ سَبْعَةً خَرَجُوا فَفُقِدَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَأَتَتْ زَوْجَتُهُ عَلِيًّا فَدَعَا السِّتَّةَ فَسَأَلَ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَأَنْكَرَهُ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَظَنَّ الْبَاقُونَ أَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ فَاسْتَدْعَاهُمْ فَاعْتَرَفُوا فَقَالَ لِلْأَوَّلِ: قَدْ شَهِدُوا عَلَيْكَ فَاعْتَرَفَ فَقَتَلَهُمْ.
(فَإِنْ اخْتَلَفُوا لَمْ يَقْبَلْهَا) أَيْ الشَّهَادَةَ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مَا يَمْنَعُ قَبُولُهَا وَفِي الشَّرْحِ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُمْ (وَإِنْ اتَّفَقُوا وَعَظَهُمْ وَخَوَّفَهُمْ) لِأَنَّ ذَلِكَ سَبَبُ تَوَقُّفِهِمْ إنْ كَانُوا شُهُودَ زُورٍ (فَإِنْ ثَبَتُوا) عَلَى شَهَادَتِهِمْ (حَكَمَ بِهِمْ إذَا سَأَلَهُ الْمُدَّعِي) لِأَنَّ الشَّرْطَ ثَبَاتُ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى شَهَادَتِهِمَا إلَى حِينِ الْحُكْمِ وَطَلَبِ الْمُدَّعِي الْحُكْمَ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ كُلُّهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لِلْمُنْكِرِ قَدْ قَبَلْتَهُمَا فَإِنْ جَرَحْتَهُمَا وَإِلَّا حَكَمْت عَلَيْك.
ذَكَرَ السَّامِرِيُّ وَرَوَى أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ فَجَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى عَلَى رَجُلٍ حَقًّا فَأَنْكَرَهُ فَأَحْضَرَ الْمُدَّعِي شَاهِدَيْنِ شَهِدَا لَهُ فَقَالَ: الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي تَقُومُ بِهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ لَقَدْ كَذَبَا عَلَيَّ الشَّهَادَةَ وَكَانَ مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ مُتَّكِئًا فَاسْتَوَى جَالِسًا.
وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «إنَّ الطَّيْرَ لَتَخْفِقُ بِأَجْنِحَتِهَا وَتَرْمِي مَا فِي حَوَاصِلِهَا مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَإِنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَا تَزُولُ قَدَمَاهُ حَتَّى يَتَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ فَإِنْ صَدَقْتُمَا فَاثْبُتَا وَإِنْ كَذَبْتُمَا فَغَطِّيَا رُءُوسَكُمَا وَانْصَرِفَا؛ فَغَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَانْصَرَفَا».
(وَإِنْ جَرَحَهُمَا الْخَصْمُ لَمْ يَقْبَلْ) الْحَاكِمُ (مِنْهُ) التَّجْرِيحَ بِمُجَرَّدِهِ (وَيُكَلَّفُ الْبَيِّنَةَ بِالْجَرْحِ) لِيَتَحَقَّقَ صِدْقُهُ أَوْ كَذِبُهُ.
(فَإِنْ سَأَلَ) الْمُجَرِّحُ (الْإِنْظَارَ) لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ (أُنْظِرَ ثَلَاثًا) أَيْ تَكْلِيفُهُ إقَامَتَهَا فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ وَيَعْسُرُ فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُمَا شَهِدَا بِذَلِكَ عِنْدَ قَاضٍ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا لِفِسْقِهِمَا بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الشَّهَادَة الْمَرْدُودَةَ لِفِسْقٍ لَا تُقْبَلُ بَعْدُ.
(وَكَذَا لَوْ أَرَادَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (جَرْحَهُمْ) أَيْ الشُّهُودِ فَيُنْظَرُ لِذَلِكَ ثَلَاثًا (وَلِلْمُدَّعِي مُلَازَمَتُهُ) لِأَنَّ حَقَّهُ قَدْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي مَا يُسْقِطُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ (فَإِنْ لَمْ يَأْتِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِبَيِّنَةٍ) بِالْجَرْحِ (حَكَمَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ وَضَحَ عَلَى وَجْهٍ لَا إشْكَالَ فِيهِ (وَلَا يُسْمَعُ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا بِمَا يَقْدَحُ فِي الْعَدَالَةِ عَنْ رُؤْيَةٍ فَيَقُولُ) الشَّاهِدُ بِالْجَرْحِ (أَشْهَد أَنِّي رَأَيْتُهُ يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ يَظْلِمُ النَّاسَ بِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ أَوْ ضَرَبِهِمْ أَوْ يُعَامِلُ بِالرِّبَا أَوْ) عَنْ سَمَاعٍ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ (سَمِعْتُهُ يَقْذِفُ أَوْ عَنْ اسْتِفَاضَةٍ) لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ كَاخْتِلَافِهِمْ فِي شَارِبِ يَسِيرِ النَّبِيذِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَقْبَلَ مُجَرَّدَ الْجَرْحِ لِئَلَّا يَجْرَحَهُ بِمَا لَا يَرَاهُ الْقَاضِي جَرْحًا (فَلَا يَكْفِي أَنَّهُ يَشْهَدُ أَنَّهُ فَاسِقٌ أَوْ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَلَا قَوْلُهُ بَلَغَنِي عَنْهُ كَذَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
(لَكِنْ يُعَرِّضُ لِجَارِحٍ بِزِنًا) لِئَلَّا يَجِبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ (فَإِنْ صَرَّحَ) بِالرَّمْيِ بِالزِّنَا (حُدَّ) لِلْقَذْفِ بِشَرْطِهِ (إنْ لَمْ يَأْتِ بِتَمَامِ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} الْآيَةُ-.
(وَلَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ وَالتَّعْدِيلُ مِنْ النِّسَاءِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ فِي الْقِصَاصِ (وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ وَجَرَحَهُ وَاحِدٌ قَدَّمَ التَّعْدِيلَ) لِتَمَامِ نِصَابِهِ (وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ وَجَرَّحَهُ اثْنَانِ قَدَّمَ الْجَرْحَ وُجُوبًا) لِأَنَّ مَعَ شَاهِدَيْهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ يُمْكِنُ خَفَاؤُهَا عَنْ شَاهِدَيْ التَّعْدِيلِ (وَإِنْ قَالَ الَّذِينَ عَدَّلُوا مَا جَرَّحَاهُ بِهِ قَدْ تَابَ مِنْهُ قَدَّمَ التَّعْدِيلَ) لِمَا مَعَ بَيِّنَتِهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ (فَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ (فَاسِقٌ يَعْرِفُ قَالَ لِلْمُدَّعِي زِدْنِي شُهُودًا) لِأَنَّ ذَلِكَ يُحَصِّلُ الْمَقْصُودَ مَعَ السِّتْرِ عَلَى الشَّاهِدِ.
(وَإِنْ جَهِلَ) الْحَاكِمُ () أَيْ الشَّاهِدِ (طَلَبَ مِنْهُ الْمُدَّعِي التَّزْكِيَةَ) لِقَوْلِ عُمَرَ لِلشَّاهِدَيْنِ جِيئَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فَالشَّكُّ فِي وُجُودِهَا كَعَدَمِهِمَا كَشَرْطِ الصَّلَاةِ (وَالتَّزْكِيَةُ حَقٌّ لِلشَّرْعِ يَطْلُبُهَا الْحَاكِمُ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا الْخَصْمُ) لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ حُكْمِهِ عَلَيْهَا حَيْثُ جَهِلَ حَالَ الْبَيِّنَةِ.
(وَيَكْفِي فِيهَا) أَيْ التَّزْكِيَةِ (عَدْلَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ رِضًا أَوْ عَدْلٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ أَوْ عَدْلٌ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَإِذَا شَهِدَا أَنَّهُ عَدْلٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ وَلَا يَحْتَاجُ فِي التَّزْكِيَةِ إلَى حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ وَلِي) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ وَلَهُ وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ وَفِي كُلِّ شَيْءٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ (وَيَكْفِي فِيهَا الظَّنُّ) فَلَهُ تَزْكِيَتُهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَالَتُهُ (بِخِلَافِ الْجَرْحِ) فَلَا يَجْرَحُهُ إلَّا بِمَا رَآهُ أَوْ سَمِعَهُ مِنْهُ أَوْ اُسْتُفِيضَ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَجِبُ فِيهَا) أَيْ التَّزْكِيَةِ (الْمُشَافَهَةُ حَيْثُ قُلْنَا هِيَ شَهَادَةٌ لَا إخْبَارٌ فَلَا يَكْفِي فِيهَا رُقْعَةُ الْمُزَكِّي لِأَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْتَمَدُ فِي الشَّهَادَةِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُزَكِّيَ الْحُضُورُ لِتَزْكِيَةٍ) ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ وَفِيهِ وَجْهٌ (وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُمَا) أَيْ الْمُزَكِّيَيْنِ (وَلَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عِلْمِ الشَّيْءِ انْتِفَاؤُهُ (وَيَشْتَرِطُ فِي قَبُولِ الْمُزَكِّيَيْنِ مَعْرِفَةُ الْحَاكِمِ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ بِصُحْبَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ يُحْتَمَل أَنْ يُرِيدَ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُعَدِّلَ لَا خِبْرَةَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِالتَّعْدِيلِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا لَا يَجُوزُ لِلْمُعَدِّلِ الشَّهَادَةُ بِالْعَدَالَةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ خِبْرَةً بَاطِنَةً فَأَمَّا الْحَاكِمُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الْعَدْلُ بِالتَّعْدِيلِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ وَإِنْ اسْتَكْشَفَ الْحَالَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ فَحَسَنٌ.
(وَلَا يَقْبَلُ التَّزْكِيَةَ إلَّا مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ بَاطِنَةٌ يَعْرِف الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِعَصَبِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا) لِأَنَّهَا كَالشَّهَادَةِ يُعْتَبَرُ لَهَا وَيُعْتَبَرُ فِيهَا (وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ) لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ عَدَالَتِهِ لِحَقِّ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِهَا وَلِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ (وَكَذَا تَصْدِيقِهِ) لِلشَّاهِدِ فَهُوَ تَعْدِيلٌ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدُونِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ (لَكِنْ لَا يَثْبُتُ تَعْدِيلُهُ) أَيْ الشَّاهِدِ (فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ عَدَالَتَهُ لَمْ تَثْبُتْ وَإِنَّمَا أَخَذَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ كَمَا سَبَقَ.
(وَلَوْ رَضِيَ) الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ (أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ لَمْ يَجُزْ الْحُكْمُ بِهَا) لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ حَقٌّ لِلَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي أَشْهَدُ أَنَّهُ عَدْلٌ فِي شَهَادَتِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَقَطْ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْعَدَالَةُ الْمُطْلَقَةُ وَلَمْ تُوجَدْ (وَإِنْ سَأَلَ الْمُدَّعِي حَبْسَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حَتَّى تُزَكَّى شُهُودُهُ أَجَابَهُ) الْحَاكِمُ (وَحَبَسَهُ ثَلَاثًا) لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْعَدَالَةُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ (وَمِثْلُهُ لَوْ سَأَلَهُ كَفِيلًا بِهِ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ إقَامَتِهِ الْبَيِّنَةَ حَتَّى تُزَكَّى (أَوْ) جَعَلَ (عَيْنَ مُدَّعَاهُ فِي يَدِ عَدْلٍ قَبْلَ التَّزْكِيَةِ) فَيُجَابُ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَسَأَلَ حَبْسَهُ حَتَّى يُقِيمَ الْآخَرَ لَمْ يُجِبْهُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي إثْبَاتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مَالًا (أَجَابَهُ) لِأَنَّ الشَّاهِدَ حُجَّةً فِيهِ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ إنَّمَا تَتَعَيَّنُ عِنْدَ تَعَذُّرِ شَاهِدٍ آخَرَ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلتَّعَذُّرِ.
(فَإِنْ ادَّعَى رَقِيقٌ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ لَمْ يَعْدِلَا فَسَأَلَ) الْمُدَّعِي (الْحَاكِمَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ الْحَاكِمُ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ فَعَلَ) أَيْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ (وَيُؤَجِّرُهُ) الْحَاكِمُ (مِنْ ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ) إلَى مُضِيِّ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ (فَإِنْ عُدِّلَ الشَّاهِدَانِ) حَكَمَ بِعِتْقِهِ لِتَمَامِ الشَّرَائِطِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْدِلَا (رَدَّهُ إلَى سَيِّدِهِ) لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَاسِقَ كَعَدَمِهَا (وَإِنْ أَقَامَ) الْمُدَّعِي الْعِتْقَ (شَاهِدًا وَاحِدًا وَسَأَلَهُ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ) لِأَنَّ الْعِتْقَ كَالْمَالِ يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ادَّعَى مَالًا.
(وَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ بِطَلَاقِهَا الْبَائِنِ وَلَمْ يَعْرِفْ) الْحَاكِمُ (عَدَالَةَ الشُّهُودِ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) احْتِيَاطًا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ الْعَدَالَةُ (وَإِنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا لَمْ يَحُلْ) بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَا يَثْبُتُ بِهِ طَلَاقٌ فَأَشْبَهَ عَدَمَهُ.
(وَإِنْ حَاكَمَ إلَيْهِ مَنْ لَا يَعْرِف) الْحَاكِمُ (لِسَانَهُ تَرْجَمَ إلَيْهِ مَنْ يَعْرِفُ لِسَانَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إلَّا بِذَلِكَ وَالتَّرْجَمَةُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْجِيمِ تَأْدِيَةُ الْكَلَامِ بِلُغَةٍ أُخْرَى وَاسْمُ الْفَاعِلِ تَرْجُمَانِ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمَّ الْجِيمِ وَهِيَ أَجْوَدُ لُغَاتِهِ وَبِضَمِّهِمَا وَفَتْحِهِمَا مَعًا وَالتَّاءُ وَالْمِيمُ أَصْلِيَّتَانِ فَوَزْنُ تَرْجَمَ فَعْلَلَ ذَكَرَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (وَلَا يَقْبَلُ فِي تَرْجَمَةٍ وَجَرْحٍ وَتَعْدِيلٍ وَرِسَالَةٍ) أَيْ بَعَثَ مَنْ يَتَعَرَّفَ أَحْوَالَ الشُّهُودِ أَوْ رِسَالَةَ الْقَاضِي فِي تَحْلِيفِ مَرِيضٍ أَوْ مُخَدَّرَةٍ وَنَحْوِهِ (وَتَعْرِيفٍ عِنْدَ حَاكِمٍ وَيَأْتِي التَّعْرِيفُ عِنْدَ الشَّاهِدِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ لَا قَوْلَ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فِي غَيْرِ مَالٍ وَزِنًا) كَنِكَاحٍ وَقَذْفٍ وَنَحْوِهِ.
(وَفِي الْمَالِ يُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِي الزِّنَا أَرْبَعَةُ) رِجَالٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إثْبَاتُ شَيْءٍ يَبْنِي الْحَاكِمُ حُكْمَهُ عَلَيْهِ فَافْتَقَرَ إلَى ذَلِكَ كَالشَّهَادَةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَالرِّسَالَةِ وَالتَّعْرِيفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ كَالتَّرْجَمَةِ كَمَا فِي الْمُنْتَهَى فَيَكْفِي فِيهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فِي الْمَالِ وَالزِّنَا أَرْبَعَةٌ (وَذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْ التَّرْجَمَةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَإِبْلَاغِ الرِّسَالَةِ بِتَعْرِيفِ حَالِ الشُّهُودِ وَالتَّعْرِيفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ (شَهَادَةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ) فَلَا يَكْفِي الْإِخْبَارُ بِهِ.
(وَ) يُعْتَبَرُ أَيْضًا نِيَّةٌ (يُعْتَبَرُ فِيهَا) أَيْ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَالَةِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ (وَتَجِبُ الْمُشَافَهَةُ) فَلَا يَكْفِي بِالرُّقْعَةِ مَعَ الرَّسُولِ كَالشَّهَادَةِ.
(وَتُعْتَبَرُ شُرُوطُ الشَّهَادَةِ فِيمَنْ رَتَّبَهُ الْحَاكِمُ يَسْأَلُهُ سِرًّا عَنْ الشُّهُودِ لِتَزْكِيَةٍ أَوْ جَرْحٍ) وَذَلِكَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَّخِذُ أَصْحَابَ مَسَائِلَ كَمَا سَبَقَ فَإِذَا شَهِدَ عِنْدَ مَنْ جَهِلَ عَدَالَتُهُ كَتَبَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ وَكُنْيَتَهُ وَحِلْيَتَهُ وَصَنْعَتَهُ وَسُوقَهُ وَمَسْكَنَهُ وَمَنْ يَشْهَدُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَمَا شَهِدَ بِهِ فِي رِقَاعٍ وَدَفَعَهَا إلَى أَصْحَابِ الْمَسَائِلِ وَيَجْتَهِدُ أَنْ لَا يَعْرِفَهُمْ الْمَشْهُودُ لَهُ وَلَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ وَلَا الشُّهُودُ وَيَدْفَعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ رُقْعَةً وَلَا يَعْلَمُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ لِيَسْأَلُوا عَنْهُ فَإِنْ رَجَعُوا بِتَعْدِيلِهِ قَبِلَهُ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ قَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَرَجَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَيَشْهَدَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ ذَكَرَ مَعْنَاهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَمَنْ سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ لَهُ أَخْبَرَهُ بِحَالِهِ) وُجُوبًا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْهُ عَنْ تَزْكِيَةِ مَنْ شَهِدَ لَهُ (لَمْ يَجِبْ) عَلَيْهِ إخْبَارُهُ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ (وَمِنْ نَصَبَ لِلْحُكْمِ بِجَرْحٍ وَتَعْدِيلٍ وَ) نَصَبَ لِ (سَمَاعِ بَيِّنَةٍ قَنَعَ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ وَحْدَهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ) لِأَنَّهُ حَاكِمٌ فَاكْتَفَى بِخَبَرِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ قُلْتُ هَذَا إذَا حَكَمَ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي سَمِعَهَا ظَاهِرًا وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ وَهُمَا بِعَمَلِهِمَا بِالثُّبُوتِ لِأَنَّهُ كَنَقْلِ الشَّهَادَةِ.
(وَمَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ مَرَّةً وَجَبَ تَجْدِيدُ الْبَحْثِ عَنْهَا مَرَّةً أُخْرَى مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ) لِأَنَّ الْأَحْوَالَ تَتَغَيَّرُ إذَنْ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَطُلْ الْمُدَّةُ (فَلَا) يَجِبُ تَجْدِيدُ الْبَحْثِ عَنْهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَالْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ فَلَا يَزُولُ حَتَّى يَثْبُتَ الْجَرْحُ.