فصل: (فَصْلٌ: فِي التَّلْفِيقِ) وَشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ: فِي التَّلْفِيقِ) وَشَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَنَحْوِهَا:

(وَمَعْنَاهُ): أَيْ: التَّلْفِيقِ (ضَمُّ الدِّمَاءِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ) وَجَعْلُهَا حَيْضَةً وَاحِدَةً (إنْ تَخَلَّلَهَا طُهْرٌ) لَا يَبْلُغُ أَقَلَّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ (وَصَلُحَ زَمَانُهُ) أَيْ: الدَّمِ لِلْمُتَفَرِّقِ (أَنْ يَكُونَ حَيْضًا) بِأَنْ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَ مُدَّةِ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (فَمَنْ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ دَمًا يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ أَقَلَّ الْحَيْضِ) يَوْمًا وَلَيْلَةً (فَأَكْثَرَ وَ) تَرَى (طُهْرًا مُتَخَلِّلًا) لِذَلِكَ الدَّمِ، سَوَاءٌ كَانَ زَمَنُهُ كَزَمَنِ الطُّهْرِ، أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ (فَالدَّمُ حَيْضٌ مُلَفَّقٌ) فَتَجْلِسُهُ.
لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ حَيْضَةً، ضَرُورَةَ نَقْصِهِ عَنْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، أَوْ كَوْنُ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَعَيَّنَ الضَّمُّ لِأَنَّهُ دَمٌ فِي زَمَنٍ يَصْلُحُ كَوْنُهُ حَيْضًا أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا طُهْرٌ (وَالْبَاقِي) أَيْ: النَّقَاءُ (طُهْرٌ) لِمَا تَقَدَّمَ، مِنْ أَنَّ الطُّهْرَ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضَةِ صَحِيحٌ (فَتَغْتَسِلُ فِيهِ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي) لِأَنَّهُ طُهْرٌ حَقِيقَةً.
(وَيُكْرَهُ وَطْؤُهَا) زَمَنَ طُهْرٍ، عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ يُبَاحُ (إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ زَمَنُ الدَّمِ، وَ) زَمَنُ (النَّقَاءِ أَكْثَرَهُ) أَيْ: أَكْثَرَ الْحَيْضِ كَأَنْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً، إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَثَلًا (فَتَكُونُ مُسْتَحَاضَةً) لِقَوْلِ عَلِيٍّ (وَتَجْلِسُ الْمُبْتَدَأَةُ مِنْ هَذَا الدَّمِ) الَّذِي تَخَلَّلَهُ طُهْرٌ وَصَلُحَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا (أَقَلَّ الْحَيْضِ) ثُمَّ تَغْتَسِلُ (وَالْبَاقِي) مِنْ الدَّمِ (إنْ تَكَرَّرَ) ثَلَاثًا (فَهُوَ حَيْضٌ بِشَرْطِهِ) بِأَنْ لَا يُجَاوِزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، أَوْ جَاوَزَ أَكْثَرَهُ (فَاسْتِحَاضَةٌ) لَا تَجْلِسُهُ وَالْمُعْتَادَةُ تَجْلِسُ مَا تَرَاهُ فِي زَمَنِ عَادَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا بِتَلْفِيقٍ جَلَسَتْ عَلَى حَسَبِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ، وَلَهَا تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ جَلَسَتْ زَمَنَهُ.
فَإِنْ لَمْ يَكُونَا وَقُلْنَا تَجْلِسُ الْغَالِبَ فَهَلْ تَلْفِقُ ذَلِكَ مِنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ، أَوْ تَجْلِسُ أَيَّامَ الدَّمِ مِنْ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ؟ وَجْهَانِ جُزِمَ بِالثَّانِي فِي الْكَافِي.
(وَإِذَا أَرَادَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ الطَّهَارَةَ فَ) إنَّهَا (تَغْسِلُ فَرْجَهَا) لِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّمِ (وَتَحْتَشِي بِقُطْنٍ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ) مِنْ خِرَقٍ وَنَحْوِهَا طَاهِرَةٍ، لِيَمْتَنِعَ الدَّمُ (فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ) الْحَشْوُ (الدَّمَ، عَصَبَتْهُ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ يَمْنَعُ الدَّمَ حَسَبَ الْإِمْكَانِ، بِخِرْقَةٍ عَرِيضَةٍ مَشْقُوقَةِ الطَّرَفَيْنِ، تَتَلَجَّمُ بِهَا، وَتُوثِقُ طَرَفَيْهَا فِي شَيْءٍ آخَرَ قَدْ شَدَّتْهُ عَلَى وَسَطِهَا) «لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ حِينَ شَكَتْ إلَيْهِ كَثْرَةَ الدَّمِ أَنْعَتُ لَك الْكُرْسُفَ- يَعْنِي- الْقُطْنَ تَحْشِينَ بِهِ الْمَكَانَ قَالَتْ: إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ تَلَجَّمِي».
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَتْ صَائِمَةً، لَكِنْ يَتَوَجَّهُ أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى التَّعْصِيبِ فَقَطْ (فَإِنْ غَلَبَ) الدَّمُ (وَقَطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهَا) لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ (وَلَا يَلْزَمُهَا إذَنْ إعَادَةُ شَدِّهِ، وَ) لَا إعَادَةُ (غَسْلِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ إنْ لَمْ تُفْرِطْ) فِي الشَّدِّ لِلْحَرَجِ فَإِنْ فَرَّطَتْ فِي الشَّدِّ وَخَرَجَ الدَّمُ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَعَادَتْهُ لِأَنَّهُ حَدَثٌ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (وَتَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إنْ خَرَجَ شَيْءٌ) «لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ.
وَفِي لَفْظٍ قَالَ لَهَا تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا يُقَالُ: فِيهِ وَفِي غَالِبِ الرِّوَايَاتِ وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِهِ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ، فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ (فَلَا) تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ وَقْتِ صَلَاةٍ (وَتُصَلِّي) الْمُسْتَحَاضَةُ بِوُضُوئِهَا (مَا شَاءَتْ) مَا دَامَ الْوَقْتُ (حَتَّى جَمْعًا بَيْنَ فَرْضَيْنِ) لِبَقَاءِ وُضُوئِهَا إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَكَالْمُتَيَمِّمِ وَأَوْلَى (وَلَهَا) أَيْ الْمُسْتَحَاضَةِ (الطَّوَافُ) فَرْضًا وَنَفْلًا (وَلَوْ لَمْ تَطُلْ اسْتِحَاضَتُهَا) كَالصَّلَاةِ وَأَوْلَى (وَتُصَلِّي عَقِبَ طُهْرِهَا نَدْبًا) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (فَإِنْ أَخَّرَتْ) الصَّلَاةَ عَنْ طُهْرِهَا (وَلَوْ) كَانَ التَّأْخِيرُ (لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ يَضُرَّ) مَا دَامَ الْوَقْتُ لِأَنَّهَا مُتَطَهِّرَةٌ كَالْمُتَيَمِّمِ (وَإِنْ كَانَ لَهَا) أَيْ: الْمُسْتَحَاضَةِ (عَادَةٌ بِانْقِطَاعِهِ) أَيْ: الدَّمِ (زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، تَعَيَّنَ فِعْلُهُمَا فِيهِ) لِأَنَّهُ قَدْ أَمْكَنَ الْإِتْيَانُ بِالْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا عُذْرَ مَعَهُ وَلَا ضَرُورَةَ، فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُمَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَتْ زَمَنَ انْقِطَاعِهِ ثُمَّ عَادَ بَطَلَ.
(وَإِنْ عَرَضَ هَذَا الِانْقِطَاعُ) لِلدَّمِ فِي زَمَنٍ يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ (بَعْدَ طَهَارَتِهَا لِمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ) أَيْ: اتِّصَالُ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ (بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا وَلَزِمَهَا اسْتِئْنَافُهَا) لِأَنَّهَا صَارَتْ بِهَذَا الِانْقِطَاعِ فِي حُكْمِ مَنْ حَدَثُهَا غَيْرُ دَائِمٍ.
(فَإِنْ وُجِدَ) هَذَا الِانْقِطَاعُ (قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ الشُّرُوعُ فِيهَا) حَتَّى تَتَوَضَّأَ، لِبُطْلَانِ وُضُوئِهَا بِالِانْقِطَاعِ (فَإِنْ خَالَفَتْ وَشَرَعَتْ) فِي الصَّلَاةِ (وَاسْتَمَرَّ الِانْقِطَاعُ زَمَنًا يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ، فَصَلَاتُهَا بَاطِلَةٌ) لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِ الطَّهَارَةِ بِانْقِطَاعِهِ.
(وَإِنْ عَادَ) دَمُهَا (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ (فَطَهَارَتُهَا صَحِيحَةٌ) لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا الِانْقِطَاعِ (وَتَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ) لِأَنَّهَا صَلَّتْ بِطَهَارَةٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهَا فَلَمْ تَصِحَّ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ وَصَلَّى ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُتَطَهِّرًا.
(وَإِنْ عَرَضَ) الِانْقِطَاعُ (فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا مَعَ الْوُضُوءِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهَا بِالِانْقِطَاعِ تَصِيرُ كَمَنْ لَا عُذْرَ لَهَا (وَمُجَرَّدُ الِانْقِطَاعِ يُوجِبُ الِانْصِرَافَ) مِنْ الصَّلَاةِ، لِبُطْلَانِ الْوُضُوءِ فَتَبْطُلُ هِيَ (إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ يَسِيرٍ) فَلَا يَلْزَمُهَا الِانْصِرَافُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ مِنْ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ حَمْلُهُ عَلَى الْمُعْتَادِ لَهَا وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ (وَلَوْ تَوَضَّأَتْ مَنْ لَهَا عَادَةٌ بِانْقِطَاعٍ يَسِيرٍ فَ) انْقَطَعَ دَمُهَا.
وَ(اتَّصَلَ الِانْقِطَاعُ حَتَّى اتَّسَعَ) لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ (أَوْ بَرِئَتْ) مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ (بَطَلَ وُضُوءُهَا إنْ وُجِدَ) أَيْ: خَرَجَ (مِنْهَا دَمٌ) بَعْدَ الْوُضُوءِ، كَالْمُتَيَمِّمِ لِلْمَرَضِ، فَيُعَافَى فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ بَعْدَ الْوُضُوءِ لَمْ يَبْطُلْ (وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ) الَّذِي انْقَطَعَ فِيهِ الدَّمُ (لَا يَتَّسِعُ لَهُمَا) أَيْ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ (لَمْ يُؤَثِّرْ) فِي بُطْلَانِ الْوُضُوءِ وَلَا الصَّلَاةِ.
(وَلَوْ كَثُرَ الِانْقِطَاعُ) وَاتَّسَعَ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ (وَ) لَكِنْ (اخْتَلَفَتْ بِتَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرٍ وَقِلَّةٍ وَكَثْرَةٍ، وَوُجِدَ مَرَّةً وَعُدِمَ) مَرَّةً (أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ بِاتِّصَالٍ وَلَا بِانْقِطَاعٍ فَهَذِهِ كَمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ) فِي الدَّمِ (فِي بُطْلَانِ الْوُضُوءِ بِالِانْقِطَاعِ الْمُتَّسِعِ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، دُونَ مَا) أَيْ: انْقِطَاعٍ (دُونَهُ) أَيْ دُونَ مَا يَتَّسِعُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، لِمَا تَقَدَّمَ وَحُكْمُهَا كَمَنْ عَادَتُهَا الِاتِّصَالُ (فِي سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ، إلَّا أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ، وَ) لَا مِنْ (الْمُضِيِّ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ تَبَيُّنِ اتِّسَاعِهِ) لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ لِعَدَمِ انْضِبَاطِ هَذَا الِانْقِطَاعِ فَيَقْضِي لُزُومُ اعْتِبَارِهِ إلَى الْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ.
(وَلَا يَكْفِيهَا) أَيْ: الْمُسْتَحَاضَةَ (نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَكْفِي (وَتَكْفِي نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ) أَيْ: تَتَعَيَّنُ، وَلَوْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهَا بِطُرُوءِ حَدَثٍ غَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ قُلْنَا إنَّ طَهَارَتَهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ.
قُلْتُ لِأَنَّهَا لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ السَّابِقَ دُونَ الْمُقَارَنِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُؤَثِّرْ كَالْمُتَأَخِّرِ لِلضَّرُورَةِ وَلِهَذَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ (فَأَمَّا تَعْيِينُ النِّيَّةِ لِلْفَرْضِ فَلَا تُعْتَبَرُ) هُنَا، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ بِخِلَافِهِ (وَتَبْطُلُ طَهَارَتُهَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَيْضًا) أَيْ: كَمَا تَبْطُلُ بِدُخُولِهِ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْكَافِي وَالشَّرْحِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، كَالتَّيَمُّمِ.
وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ تَبْطُلُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ، دُونَ خُرُوجِهِ وَقَالَ أَبُو يَعْلَى تَبْطُلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهِيَ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ وَالصَّحِيحُ فِيهِ: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْمَجْدُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ا هـ وَكَذَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي نَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ، قَالَ وَبِدُخُولِ الْوَقْتِ طُهْرٌ يَبْطُلُ لِمَنْ بِهَا اسْتِحَاضَةٌ قَدْ نَقَلُوا لَا بِالْخُرُوجِ مِنْهُ لَوْ تَطَهَّرَتْ لِلْفَجْرِ لَمْ يَبْطُلْ بِشَمْسٍ ظَهَرَتْ.
(وَلَا يَصِحُّ وُضُوءُهَا لِفَرْضٍ) كَظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ أَوْ جُمُعَةٍ (قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِهِ) لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ (وَمِثْلُ الْمُسْتَحَاضَةِ) فِيمَا تَقَدَّمَ (لَا فِي الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ) فَإِنَّ، اسْتِحْبَابَهُ يَخْتَصُّ الْمُسْتَحَاضَةَ، لِمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ (مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ) أَوْ الْمَذْيُ (وَالرِّيحُ وَالْجَرِيحُ الَّذِي لَا يَرْقَى دَمُهُ، وَ) ذُو (الرُّعَافِ الدَّائِمِ) يَعْنِي أَنَّ حُكْمَ هَؤُلَاءِ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ، غَيْرُ مَا اسْتَثْنَى، لِتَسَاوِيهِمْ مَعْنًى، وَهُوَ عَدَمُ التَّحَرُّزِ مِنْ ذَلِكَ.
فَوَجَبَ الْمُسَاوَاةُ حُكْمًا، قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: كَانَ يَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ، وَكَانَ يُدَاوِيهِ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا غَلَبَهُ صَلَّى وَلَا يُبَالِي مَا أَصَابَ ثَوْبَهُ (لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَحْتَشِيَ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ فِيمَنْ بِهِ رُعَافٌ دَائِمٌ أَنَّهُ يَحْتَشِي، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ خِلَافَهُ قُلْتُ وَمَنْ بِهِ دُودُ قِرَاحٍ يَعْصِبُ الْمَحَلَّ بَعْدَ حَشْوِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَإِنْ كَانَ صَائِمًا عَصَبَهُ فَقَطْ، وَإِنْ مَنَعَهُ الْعَصْبَ اكْتَفَى بِهِ أَيْضًا غَيْرُ الصَّائِمِ.
(وَإِنْ كَانَ) مَحَلُّ الْحَدَثِ (مِمَّا لَا يُمْكِنُ عَصْبُهُ كَالْجُرْحِ الَّذِي لَا) يَرْقَأُ دَمُهُ، وَلَا (يُمْكِنُ شَدُّهُ أَوْ مَنْ بِهِ بَاسُورٌ أَوْ نَاصُورٌ وَلَا يُمْكِنُ عَصْبُهُ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) لِفِعْلِ عُمَرَ حَيْثُ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى حَبْسِهِ) أَيْ: الْحَدَثِ (حَالَ الْقِيَامِ) وَحْدَهُ (لَا حَالَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَزِمَهُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ نَصًّا، وَلَا يُومِئُ) بِهِمَا وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ (كَالْمَكَانِ النَّجِسِ) الْيَابِسِ إذَا حُبِسَ بِهِ، وَيَأْتِي.
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: يُومِئُ لِأَنَّ فَوَاتَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ لَهُ (وَلَوْ امْتَنَعَتْ الْقِرَاءَةُ) إنْ صَلَّى قَائِمًا، صَلَّى قَاعِدًا (أَوْ لَحِقَهُ السَّلَسُ إنْ صَلَّى قَائِمًا، صَلَّى قَاعِدًا) لِأَنَّ لِلْقِيَامِ بَدَلًا، وَهُوَ الْقُعُودُ، بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَالطَّهَارَةِ (وَلَوْ كَانَ) مَنْ بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ وَنَحْوُهُ (لَوْ قَامَ وَقَعَدَ لَمْ يَحْبِسْهُ، وَلَوْ اسْتَلْقَى حَبَسَهُ، صَلَّى قَائِمًا) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ (أَوْ قَاعِدًا) إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ، لِأَنَّ الْمُسْتَلْقِيَ لَا نَظِيرَ لَهُ اخْتِيَارًا.
(قَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ (فَإِنْ كَانَتْ الرِّيحُ تَتَمَاسَكُ جَالِسًا لَا سَاجِدًا لَزِمَهُ، السُّجُودُ بِالْأَرْضِ نَصًّا) وَقِيَاسُ قَوْلِ أَبِي الْمَعَالِي يُومِئُ لِأَنَّ فَوَاتَ الشَّرْطِ لَا بُدَّ لَهُ، وَالسُّجُودُ لَهُ بَدَلٌ.
(وَلَا يُبَاحُ وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفِ الْعَنَتِ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا) لِقَوْلِ عَائِشَةَ: الْمُسْتَحَاضَةُ لَا يَغْشَاهَا زَوْجُهَا وَلِأَنَّ بِهَا أَذًى فَحَرُمَ وَطْؤُهَا كَالْحَائِضِ، وَعَنْهُ يُبَاحُ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّ حَمْنَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُجَامِعُهَا، وَأُمُّ حَبِيبَةَ كَانَتْ تُسْتَحَاضُ، وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَغْشَاهَا، رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَقَدْ قِيلَ: إنَّ وَطْءَ الْحَائِضِ يَتَعَدَّى إلَى الْوَلَدِ فَيَكُونُ مَجْذُومًا.
(فَإِنْ كَانَ) أَيْ: وُجِدَ خَوْفُ الْعَنَتِ مِنْهُ أَوْ خَافَتْهُ هِيَ وَطَلَبَتْهُ مِنْهُ (أُبِيحَ) لَهُ وَطْؤُهَا (وَلَوْ لِوَاجِدِ الطُّولِ لِنِكَاحِ غَيْرِهَا) خِلَافًا لِابْنِ عَقِيلٍ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَخَفُّ مِنْ حُكْمِ الْحَيْضِ وَمُدَّتُهُ تَطُولُ (وَالشَّبَقُ الشَّدِيدُ كَخَوْفِ الْعَنَتِ) فَيُبِيحُ وَطْأَهَا وَلَوْ لَمْ يَصِلْ إلَى حَالٍ تُبِيحُ وَطْءَ الْحَائِضِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ لِقَطْعِ الْحَيْضِ مَعَ أَمْنِ الضَّرَرِ نَصًّا) كَالْعَزْلِ وَ(قَالَ الْقَاضِي لَا يُبَاحُ إلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ) أَيْ: لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْوَلَدِ (وَفِعْلُ الرَّجُلِ ذَلِكَ بِهَا) أَيْ: إسْقَاؤُهُ إيَّاهَا دَوَاءً مُبَاحًا يَقْطَعُ الْحَيْضَ (مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا يَتَوَجَّهُ تَحْرِيمُهُ) قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقُطِعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لِإِسْقَاطِ حَقِّهَا مِنْ النَّسْلِ الْمَقْصُودِ.
(وَمِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ شُرْبِهَا دَوَاءً مُبَاحًا لِقَطْعِ الْحَيْضِ (شَرْبَةُ كَافُورٍ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَلِلرَّجُلِ شُرْبُ دَوَاءٍ مُبَاحٍ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ قَالَهُ فِي الْفَائِقِ (وَلَا يَجُوزُ مَا يَقْطَعُ الْحَمْلَ) ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ جَوَازُهُ كَإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ بَلْ أَوْلَى وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ لِأَنَّ فِيهِ قَطْعَ النَّسْلِ وَقَدْ يَتَوَجَّهُ جَوَازُهُ مِمَّا سَبَقَ فِي الْكَافُورِ فَإِنَّ شُرْبَهُ يَقْطَعُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَقَطْعِ الْحَيْضِ (وَيَجُوزُ) لِأُنْثَى (شُرْبُ دَوَاءٍ) مُبَاحٍ (لِحُصُولِ الْحَيْضِ، لَا قُرْبَ رَمَضَانَ لِتُفْطِرَهُ) كَالسَّفَرِ لِلْفِطْرِ.

.فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ:

وَهُوَ بَقِيَّةُ الدَّمِ الَّذِي احْتَبَسَ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ لِأَجْلِهِ وَأَصْلُهُ لُغَةً مِنْ التَّنَفُّسِ وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ الْجَوْفِ أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ: نَفَّسَ اللَّهُ كُرْبَتَهُ، أَيْ: فَرَّجَهَا، وَهُوَ دَمٌ تُرْخِيهِ الرَّحِمُ مَعَ وِلَادَةٍ وَقَبْلَهَا بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مَعَ أَمَارَةٍ وَبَعْدَهَا إلَى تَمَامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا.
(وَأَكْثَرُ مُدَّةِ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا مِنْ ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ) حَكَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَأُمِّ سَلَمَةَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَنَّ النُّفَسَاءَ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَعَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ: وَهُوَ السُّنَّةُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا (فَإِنْ رَأَتْهُ) أَيْ: الدَّمَ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ خُرُوجِ بَعْضِ الْوَلَدِ (بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ بِأَمَارَةٍ) كَتَوَجُّعٍ (فَـ) هُوَ (نِفَاسٌ) كَالْخَارِجِ مَعَ الْوِلَادَةِ (وَلَا يُحْسَبُ) مَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ (مِنْ مُدَّتِهِ) أَيْ: النِّفَاسِ.
(وَإِنْ جَاوَزَ) دَمُ النِّفَاسِ (الْأَرْبَعِينَ) يَوْمًا (وَصَادَفَ عَادَةَ حَيْضِهَا) وَلَمْ يَزِدْ عَنْ الْعَادَةِ (فَـ) الْمُجَاوِزُ (حَيْضٌ) لِأَنَّهُ دَمٌ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ يَتَّصِلُ بِزَمَنِ النِّفَاسِ.
(فَإِنْ زَادَ) الْمُجَاوِزُ (عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ) فَحَيْضٌ إنْ تَكَرَّرَ (أَوْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةَ) حَيْضِهَا (وَلَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَهُ) أَيْ: أَكْثَرَ الْحَيْضِ (أَيْضًا فَحَيْضٌ إنْ تَكَرَّرَ) ثَلَاثًا كَدَمِ الْمُبْتَدَأَةِ الْمُجَاوِزِ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ (وَإِلَّا) بِأَنْ زَادَ عَلَى الْعَادَةِ، وَجَاوَزَ أَكْثَرَ الْحَيْضِ، أَوْ لَمْ يُصَادِفْ عَادَةً وَجَاوَزَ أَكْثَرَهُ (فَاسْتِحَاضَةٌ) وَلَوْ تَكَرَّرَ، لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا.
(وَلَا تَدْخُلُ اسْتِحَاضَةٌ فِي مُدَّةِ نِفَاسٍ) كَمَا لَا تَدْخُلُ فِي مُدَّةِ حَيْضٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَقْوَى (وَيَثْبُتُ حُكْمُ النِّفَاسِ وَلَوْ بِتَعَدِّيهَا) عَلَى نَفْسِهَا بِضَرْبٍ أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِأَنَّ وُجُودَ الدَّمِ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ جِهَتِهَا وَلَا يُمْكِنُهَا قَطْعُهُ بِخِلَافِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ، قَالَ الْقَاضِي: وَالسُّكْرُ جُعِلَ شَرْعًا كَمَعْصِيَةٍ مُسْتَدَانَةٍ يَفْعَلُهَا شَيْئًا فَشَيْئًا، بِدَلِيلِ جَرَيَانِ الْإِثْمِ وَالتَّكْلِيفِ (بِوَضْعِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ نَصًّا).
فَلَوْ وَضَعَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً لَا تَخْطِيطَ فِيهَا لَمْ يَثْبُتْ لَهَا بِذَلِكَ حُكْمُ النِّفَاسِ، وَيَأْتِي أَنَّ أَقَلَّ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ خَلْقُ الْإِنْسَانِ أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا وَغَالِبُهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَابْنُ تَمِيمٍ وَابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُمْ: ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ قَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: فَمَتَى رَأَتْ دَمًا عَلَى طَلْقٍ قَبْلَهَا لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَبَعْدَهَا تُمْسِكُ عَنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثُمَّ إنْ انْكَشَفَ الْأَمْرُ بَعْدَ الْوَضْعِ عَلَى الظَّاهِرِ، رَجَعَتْ فَاسْتَدْرَكَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ، بِأَنْ دُفِنَ وَلَمْ تَتَفَقَّدْ أَمْرَهُ اسْتَمَرَّ حُكْمُ الظَّاهِرِ إذْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيهِ خَطَأٌ.
(وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ) أَيْ النِّفَاسِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الشَّرْعِ تَحْدِيدُهُ، فَيُرْجَعَ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ وَقَدْ وُجِدَ قَلِيلًا عَقِبَ سَبَبِهِ فَكَانَ نِفَاسًا، كَالْكَثِيرِ (فَيَثْبُتُ حُكْمُهُ) أَيْ النِّفَاسِ مِنْ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ (وَلَوْ بِقَطْرَةٍ) وَعَنْهُ: أَقَلُّهُ يَوْمٌ، وَقَدَّمَ فِي التَّلْخِيصِ لَحْظَةً (فَإِنْ انْقَطَعَ) الدَّمُ (فِي مُدَّتِهِ) أَيْ: فِي الْأَرْبَعِينَ (فَـ) هِيَ (طَاهِرٌ) لِانْقِطَاعِ دَمِ النِّفَاسِ كَمَا لَوْ انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ فِي عَادَتِهَا يُؤَيِّدهُ «مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمْ تَجْلِسُ الْمَرْأَةُ إذَا وَلَدَتْ؟ قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، إلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ» ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
وَحَكَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ بِمَكَّةَ فَلَمْ تَرَ دَمًا فَلَقِيَتْ، عَائِشَةَ فَقَالَتْ أَنْتِ امْرَأَةٌ طَهَّرَكِ اللَّهُ (تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي) وَتَصُومُ وَنَحْوُهُ (لِأَنَّهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُكْرَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ بَعْدَ التَّطْهِيرِ) قَالَ أَحْمَدُ مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْتِيَهَا زَوْجُهَا عَلَى حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهَا أَتَتْهُ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ فَقَالَ لَا تَقْرَبِينِي وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ عَوْدَ الدَّمِ فِي زَمَنِ الْوَطْءِ.
(فَإِنْ عَادَ) الدَّمُ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ (فِيهَا) أَيْ: فِي الْأَرْبَعِينَ (فَمَشْكُوكٌ فِيهِ) أَيْ: فِي كَوْنِهِ دَمَ نِفَاسٍ أَوْ فَسَادٍ، لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ الْأَمَارَتَانِ (كَمَا لَمْ تَرَهُ) أَيْ: الدَّمَ مَعَ الْوِلَادَةِ (ثُمَّ رَأَتْهُ فِي الْمُدَّةِ) أَيْ: فِي الْأَرْبَعِينَ فَمَشْكُوكٌ فِيهِ (فَتَصُومُ وَتُصَلِّي) أَيْ: تَتَعَبَّدُ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي ذِمَّتِهَا بِيَقِينٍ، وَسُقُوطُهَا بِهَذَا الدَّمِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَفِي غُسْلِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ رِوَايَتَانِ.
قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: الصَّوَابُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَعَدَمِهِ، فَعَلَى هَذَا يَقْوَى عَدَمُ الِاسْتِحْبَابِ أَيْضًا ا هـ مُلَخَّصًا قُلْتُ: إنَّ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِحْبَابِ قَوَّى الِاسْتِحْبَابَ، كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَأَوْلَى (وَتَقْضِي صَوْمَ الْفَرْضِ) وَنَحْوِهِ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ احْتِيَاطًا، وَلِوُجُوبِهِ يَقِينًا لَا يُقَالُ: إنَّهَا لَا تَقْضِي الصَّوْمَ قِيَاسًا عَلَى النَّاسِيَةِ إذَا صَامَتْ فِي الدَّمِ الزَّائِدِ عَلَى غَالِبِ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ فَيَشُقُّ الْقَضَاءُ بِخِلَافِ النِّفَاسِ (وَلَا يَأْتِيهَا فِي الْفَرْجِ) زَمَنَ هَذَا الدَّمِ، كَالْمُبْتَدَأَةِ فِي الدَّمِ الزَّائِدِ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَبْلَ تَكَرُّرِهِ.
(وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ) فَأَكْثَرَ (فَأَوَّلُ النِّفَاسِ وَآخِرُهُ) (مِنْ) ابْتِدَاءِ خُرُوجِ بَعْضِ (الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ دَمٌ خَرَجَ عَقِبَ الْوِلَادَةِ، فَكَانَ نِفَاسًا وَاحِدًا كَحَمْلٍ وَاحِدٍ وَوَضْعِهِ (فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا) أَيْ: التَّوْأَمَيْنِ (أَرْبَعُونَ) فَأَكْثَرُ (فَلَا نِفَاسَ لِلثَّانِي نَصًّا) لِأَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ تَبَعٌ لِلْأَوَّلِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي آخِرِ النِّفَاسِ كَأَوَّلِهِ (بَلْ هُوَ) أَيْ: مَا خَرَجَ مَعَ الْوَلَدِ الثَّانِي بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْأَوَّلِ (دَمُ فَسَادٍ) لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ حَيْضًا وَلَا نِفَاسًا (وَيَجُوزُ شُرْبُ دَوَاءٍ لِإِلْقَاءِ نُطْفَةٍ).
وَفِي أَحْكَامِ النِّسَاءِ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ: يَحْرُمُ وَفِي الْفُرُوعِ عَنْ الْفُنُونِ: إنَّمَا الْمَوْءُودَةُ بَعْدَ التَّارَاتِ السَّبْعِ وَتَلَا {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ}- إلَى- {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} قَالَ وَهَذَا حَلَّتْهُ الرُّوحُ لِأَنَّ مَا لَمْ تَحِلَّهُ لَا يُبْعَثُ فَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ لَا يَحْرُمُ إسْقَاطُهُ وَلَهُ وَجْهٌ وَمَنْ اسْتَمَرَّ دَمُهَا يَخْرُجُ مِنْ فَمِهَا بِقَدْرِ الْعَادَةِ فِي وَقْتِهَا، وَوَلَدَتْ فَخَرَجَتْ الْمَشِيمَةُ وَدَمُ النِّفَاسِ مِنْ فَمِهَا: فَغَايَتُهُ نَقْضُ الْوُضُوءِ لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُهُ حَيْضًا كَزَائِدٍ عَلَى الْعَادَةِ، كَمَنِيٍّ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ.