فصل: (فَصْلُ): حكم مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: تَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ:

(وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ) إسْلَامُهُ (وَ) تَوْبَةُ (كُلُّ كَافِرٍ مُوَحِّدًا كَانَ) أَيْ مُقِرًّا لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ (كَالْيَهُودِيِّ أَوْ غَيْرِ مُوَحِّدٍ كَالنَّصْرَانِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ إسْلَامُهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ:
«أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَهَذَا يَثْبُتُ بِهِ إسْلَامُ الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَكَذَا الْمُرْتَدُّ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي الطُّرُقِ الْحُكْمِيَّةِ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ: وَلَا يُفْتَقَرُ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ أَنْ يَقُولَ الدَّاخِلُ فِيهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ بَلْ لَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كَانَ مُسْلِمًا بِاتِّفَاقٍ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» فَإِذَا تَكَلَّمُوا بِقَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ الْعِصْمَةُ وَإِنْ لَمْ يَأْتُوا بِلَفْظِ أَشْهَدُ (وَلَا يَكْشِفُ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يَجْحَدُ الْوَحْدَانِيَّةَ أَوْ رِسَالَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُكَلَّفُ الْإِقْرَارَ بِمَا نُسِبَ إلَيْهِ) أَيْ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ مِنْ الرِّدَّةِ لِصِحَّةِ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ مُسْلِمٍ وَمُرْتَدٍّ بِخِلَافِ تَوْبَتِهِ مِنْ بِدْعَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِرَافِهِ بِالْبِدْعَةِ (وَلَا يُشْتَرَطُ إقْرَارُهُ بِمَا جَحَدَهُ) مِنْ الرِّدَّةِ بَعْدَ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ مَعَ ثُبُوتِ إسْلَامِهِ إلَى الْكَشْفِ عَنْ صِحَّةِ رِدَّتِهِ (وَيَكْفِي) فِي التَّوْبَةِ (جَحْدُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ إقْرَارِهِ بِهَا) كَرُجُوعِهِ عَنْ إقْرَارِ بِحَدٍّ وَ(لَا) يَكْفِي جُحُودُهُ لِرِدَّتِهِ (بَعْدَ بَيِّنَةٍ) شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِهَا (بَلْ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ) بِإِتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ جَحْدَ الرِّدَّةِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى.
(وَلَا يُعَزَّرُ) مَنْ جَحَدَ الرِّدَّةَ بَعْد أَنْ شَهِدَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَأَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وَتَرْغِيبًا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ (فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ يُجَدِّدُ إسْلَامَهُ (اُسْتُتِيبَ) ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَسَائِرِ الْمُرْتَدِّينَ (فَإِنْ تَابَ) تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ (قُتِلَ) لِرِدَّتِهِ.
(لَكِنْ إنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (بِإِنْكَارِ فَرْضٍ أَوْ إحْلَالِ مُحَرَّمٍ أَوْ جَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ) جَحْدِ (كِتَابٍ أَوْ) جَحْدِ (شَيْءٍ مِنْهُ أَوْ) كَانَتْ رِدَّتُهُ (إلَى دِينِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةٍ فَلَا يَصِحُّ إسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ) إذَا كَانَتْ رِدَّتُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةٍ فَلَا بُدَّ وَأَنْ (يَشْهَدَ بِأَنَّ مُحَمَّدًا) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بُعِثَ إلَى الْعَالَمِينَ) أَيْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْمَلَائِكَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ كَلِمَةَ الشَّهَادَتَيْنِ وَلَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ إقْرَارِهِ بِمَا جَحَدَهُ (أَوْ يَقُول: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) وَلَا يُكْتَفَى مِنْهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِمَا مَا يَعْتَقِدُهُ (وَلَا يُغْنِي قَوْلُهُ: مُحَمَّدُ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ) لِأَنَّهُ مَنْ جَحَدَ شَيْئَيْنِ لَا يَزُولُ جَحْدُهُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ بِهِمَا جَمِيعًا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّه احْتِمَالُ يَكْفِي التَّوْجِيهُ مِمَّنْ لَا يُقِرُّ بِهِ.
(وَإِنْ قَالَ الْكَافِرُ: أَشْهَد أَنَّ النَّبِيَّ رَسُولُ) اللَّهِ (لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ نَبِيِّنَا) مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَقَوْلُهُ) أَيْ الْكَافِرِ (أَنَا مُسْلِمٌ أَوْ) قَوْلُهُ (أَسْلَمْتُ أَوْ) قَوْلُهُ (أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ تَوْبَةً أَصْلِيًّا كَانَ) الْكَافِرُ (أَوْ مُرْتَدًّا) وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ (قَدْ عُلِمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالشَّهَادَتَيْنِ) لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ أَنَّهُ قَالَ:
«يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ لَقِيتُ كَالْكُفَّارِ يُقَاتِلُنِي فَضَرَبَ أَحَدٌ يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ قَالَهَا؟ قَالَ: لَا تَقْتُلْهُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ ذَلِكَ اسْمٌ لِشَيْءٍ مَعْلُومٍ وَهُوَ الشَّهَادَتَانِ فَإِذَا أَخْبَرَ بِهِ فَقَدْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ: احْتِمَالًا لِأَنَّ هَذَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ أَوْ جَاحِدِ الْوَحْدَانِيَّةِ أَمَّا مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ أَوْ فَرِيضَةٍ وَنَحْوِهِ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِهَذَا لِأَنَّهُ اعْتَقَدَ الْإِسْلَامَ مَا هُوَ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كُلَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ كَافِرٌ.
(وَقَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ) فِي مُفْرَدَاتِهِ (لَا خِلَافَ أَنَّ الْكَافِرَ لَوْ قَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ وَلَا أَنْطِقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ).
وَفِي الِانْتِصَارِ (لَوْ كَتَبَ الشَّهَادَةَ) أَيْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (صَارَ مُسْلِمًا) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْخَطَّ كَاللَّفْظِ فَإِنْ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ صَارَ مُرْتَدًّا وَمُجْبَرًا عَلَى الْإِسْلَامِ نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ أُكْرِهَ ذِمِّيٌّ أَوْ) أُكْرِهَ (مُسْتَأْمَنٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ (لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ ظُلْمٌ) فَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (حَتَّى يُوجَدَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِسْلَامِ بِهِ طَوْعًا مِثْلَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ) فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ مِنْ حِينِ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ وَثُبُوتِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ (فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْكُفَّارِ) فِي أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَرِثهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ (وَإِنْ رَجَعَ) الذِّمِّيُّ أَوْ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ إكْرَاهِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ (إلَى الْكُفْرِ لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ وَلَا إكْرَاهُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً (بِخِلَافِ حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إكْرَاهُهُمَا عَلَيْهِ) أَيْ الْإِسْلَامِ (وَيَصِحُّ) إسْلَامُهُ (ظَاهِرًا) لِحَدِيثِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ» خَصَّ مِنْهُ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ وَالْمَجُوس إذَا أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ وَالْمُسْتَأْمَنُ لِأَدِلَّةٍ خَاصَّةٍ وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ (فَإِنْ مَاتَ) الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ (قَبْلَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ) عَنْهُ (فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْلِمِينَ) لِصِحَّةِ إسْلَامِهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ (وَفِي الْبَاطِنِ إنْ لَمْ يَعْتَقِدْ) الْحَرْبِيُّ أَوْ الْمُرْتَدُّ (الْإِسْلَامَ بِقَلْبِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ بَاطِنًا وَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ) لِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ بِمَا عُلِمَ مَجِيءٌ الرَّسُولِ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ.
(وَإِنْ أَتَى الْكَافِرُ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ صَارَ مُرْتَدًّا وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ نَصًّا) لِأَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ كَمَا لَوْ طَالَتْ مُدَّتُهُ.
(وَإِذَا صَلَّى) الْكَافِرُ (أَوْ أَذَّنَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ أَصْلِيًّا كَانَ أَوْ مُرْتَدًّا) وَسَوَاءٌ صَلَّى (جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ وَلَا يَثْبُتُ) الْإِسْلَامُ (بِالصَّلَاةِ حَتَّى تَأْتِيَ بِصَلَاةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا عَنْ صَلَاةِ الْكُفَّارِ مِنْ اسْتِقْبَالِ قِبْلَتِنَا وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَا تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ) لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ فِي صَلَاتِهِمْ وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ مُوَضَّحًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ.
(وَإِنْ صَامَ) كَافِرٌ (أَوْ زَكَّى أَوْ حَجَّ لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَحُجُّونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَنَعَهُمْ وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ وَهُمْ يَتَصَدَّقُونَ وَلِكُلِّ أَهْلِ دِينٍ صِيَامٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا أَفْعَالٌ تَتَمَيَّزُ عَنْ أَفْعَالِ الْكُفَّارِ وَيَخْتَصُّ بِهَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ (فَلَوْ مَاتَ الْمُرْتَدُّ فَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْد رِدَّتِهِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَوَرِثَهُ الْمُسْلِمُ) مِنْ وَرَثَتِهِ لِلْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ بِصَلَاتِهِ (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَ صَلَاتِهِ أَوْ تَكُونُ رِدَّتُهُ بِجَحْدِ فَرِيضَةٍ أَوْ كِتَابٍ أَوْ نَبِيٍّ أَوْ مَلَكٍ) مِنْ الْمَلَائِكَةِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ فَلَا يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ) لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَيَفْعَلُهَا مَعَ كُفْرِهِ.
(وَلَا يَبْطُلُ إحْصَانُ مُرْتَدٍّ بِرِدَّةٍ) أَيْ إذَا كَانَ مُحْصَنًا وَارْتَدَّ لَمْ يَزُلْ إحْصَانُهُ بِرِدَّتِهِ (فَإِنْ أَتَى بِهِمَا) بِأَنْ زَنَى وَقَذَفَ (بَعْدَ إسْلَامِهِ حُدَّ) لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ وَكَذَا لَوْ قُذِفَ بَعْدَ إسْلَامِهِ حُدَّ قَاذِفُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْإِحْصَانِ وَالْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ (وَيُؤَاخَذُ بِحَدٍّ فَعَلَهُ فِي رِدَّتِهِ نَصًّا) كَمَا لَوْ زَنَى فِي رِدَّتِهِ ثُمَّ تَابَ فَإِنَّهُ يُحَدُّ لِلزِّنَا كَمَا يُؤَاخَذُ بِحَدٍّ فَعَلَهُ (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ رِدَّتِهِ (فَمَتَى زَنَى) وَهُوَ مُحْصِنٌ (رُجِمَ وَلَا تَبْطُلُ عِبَادَاتُهُ الَّتِي فَعَلَهَا فِي إسْلَامِهِ مِنْ صَلَاةٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِهِمَا إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ فَعَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْهَا فَلَا تَعُدْ إلَى ذِمَّتِهِ كَدَيْنِ الْآدَمِيِّ.

.فَصْلٌ:

(وَمَنْ ارْتَدَّ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ) لِأَنَّ الرِّدَّةَ سَبَبٌ يُبِيحُ دَمَهُ فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بِهَا كَزِنَا الْمُحْصَنِ وَلِأَنَّ زَوَالَ الْعِصْمَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ زَوَالُ الْمِلْكِ كَالْقَاتِلِ فِي الْمُحَارِبَةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ (وَيَمْلِكُ) الْمُرْتَدُّ (بِأَسْبَابِ التَّمْلِيكِ كَالصَّيْدِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاتِّهَابِ وَالشِّرَاءِ وَإِيجَارِ نَفْسِهِ إجَارَةً خَاصَّةً) بِأَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ شَهْرًا أَوْ سَنَةً وَنَحْوَهَا (أَوْ) إجَارَةً (مُشْتَرَكَةً) بِأَنْ يُؤَجَّرَ لِخَيَّاطَةٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ عَدَمَ عِصْمَتِهِ لَا يُنَافِي صِحَّةَ ذَلِكَ كَالْحَرْبِيِّ (وَلَا يَرِث) الْمُرْتَدُّ أَحَدًا بِقَرَابَةٍ وَلَا غَيْرِهَا لِمُبَايِنَتِهِ لِدِينِ مُوَرِّثِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ (وَلَا يُورَثُ) عَنْهُ شَيْءٌ مِمَّا اكْتَسَبَهُ حَالَ الْإِسْلَامِ أَوْ الرِّدَّةِ بَلْ يَكُونُ فَيْئًا (وَيَكُون مِلْكُهُ مَوْقُوفًا) فَإِنْ أَسْلَمَ ثَبَتَ مِلْكُهُ وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ كَانَ مَالُهُ فَيْئًا (وَيُمْنَعُ) الْمُرْتَدُّ (مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ) أَيْ فِي مَالِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ كَمَالِ الْمُفْلِسِ وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ أَنَّهُ يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ.
(وَ) يُمْنَعُ أَيْضًا (مِنْ وَطْءِ إمَائِهِ إلَى أَنْ يُسْلِمَ) فَيُمَكَّنُ مِنْ التَّصَرُّف فِي مَالِهِ وَوَطْءِ إمَائِهِ (فَإِذَا أَسْلَمَ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالَهُ) لِحَدِيثِ «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ» (وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ) أَيْ بِإِسْلَامِهِ (حَاكِمٌ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ (وَيُنْفَقُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ مَالِ الْمُرْتَدِّ (عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَةً) لِأَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ أَشْبَهَ الدَّيْنَ (وَتُقْضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ مَا كَانَ مِنْهَا بَعْدَ الرِّدَّةِ كَمَا قَبْلِهَا) لِأَنَّ هَذِهِ الْحُقُوقَ لَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهَا (فَإِنْ أَسْلَمَ) الْمُرْتَدُّ (أَخَذَهُ) أَيْ مَالَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا (أَوْ) أَخَذَ (بَقِيَّتَهُ) أَيْ مَا فَضَلَ بَعْدَ النَّفَقَاتِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ (وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ) الَّذِي كَانَ يُصَرِّفُهُ فِي رِدَّتِهِ فِي مَالِهِ.
(وَيَضْمَنُ) الْمُرْتَدُّ (مَا أَتْلَفَهُ لِغَيْرِهِ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ (وَلَوْ فِي دَارِ حَرْبٍ) لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَى الْمُسْلِمِ فَلَأَنْ يُوجِبَهُ الْمُرْتَدُّ أَوْلَى (وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُتْلِفُ وَاحِدًا) مُرْتَدًّا (أَوْ جَمَاعَةً) مُرْتَدِّينَ وَسَوَاءٌ (صَارَ لَهُمْ مَنَعَةً أَوْلَى) أَوْ لَمْ يَصِرْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَقُوَّةٌ لِأَنَّهُمْ أَتْلَفُوهُ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ فَأَشْبَهُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ) الْمُرْتَدُّ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَقْفِهِ النِّكَاحَ كَنِكَاحِ الْكَافِرِ مُسْلِمَةً (أَوْ زَوَّجَ مُوَلِّيَتَهُ) مِنْ نَسَبٍ وَوَلَاءٍ (أَوْ) زَوَّجَ (أَمَتَهُ لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ مَوْقُوفًا وَلِزَوَالِ وِلَايَتِهِ بِالرِّدَّةِ.
(وَإِنْ مَاتَ) الْمُرْتَدُّ (أَوْ قُتِلَ مُرْتَدًّا) لِلرِّدَّةِ أَوْ غَيْرِهَا (صَارَ مَالُهُ فَيْئًا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ) لِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ (وَبَطَلَ تَصَرُّفُهُ) الَّذِي كَانَ تَصَرُّفُهُ فِي رِدَّتِهِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ بِقَطْعِ ثَوَابِهِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ.
(وَإِنْ لَحِقَ) الْمُرْتَدُّ (بِدَارِ حَرْبٍ فَهُوَ وَمَا مَعَهُ كَحَرْبِيٍّ لِكُلِّ أَحَدٍ قَتْلُهُ بِغَيْرِ اسْتِتَابَةٍ وَأَخْذُ مَا مَعَهُ) مِنْ مَالٍ لِأَنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا (وَمَا بِدَارِنَا مِنْ أَمْلَاكِهِ فَمُلْكُهُ ثَابِتٌ فِيهِ يَصِيرُ فَيْئًا مِنْ حِينِ مَوْتِهِ) لِكَوْنِهِ لَا وَارِثَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ لَحِقَ) الْمُرْتَدُّ (بِدَارِ حَرْبٍ أَوْ تَعَذَّرَ قَتْلُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً فَعَلَ الْحَاكِمُ) فِي مَالِهِ (مَا يَرَى فِيهِ الْأَحَظَّ مِنْ بَيْعِ حَيَوَانِهِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى نَفَقَتِهِ وَإِجَارَةِ مَا يَرَى إبْقَاءَهُ) مِنْ مَالِهِ لِوِلَايَتِهِ الْعَامَّةِ (وَمُكَاتِبُهُ يُؤَدِّي إلَى الْحَاكِمِ وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ) كَمَا لَوْ أَدَّى إلَيْهِ قَبْلَ رِدَّتِهِ.
(وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمَا لَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُمَا) لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُقَرُّ عَلَى الرِّدَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ الَّذِينَ سَبَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ كَانُوا أَسْلَمُوا وَلَا تَثْبُتُ لَهُمْ حُكْمُ الرِّدَّةِ وَقَوْلُ عَلِيٍّ بِسَبْيِ الْمُرْتَدِّ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ (وَلَا اسْتِرْقَاقُ أَوْلَادِهِمَا الَّذِينَ وُلِدُوا) أَيْ حُمِلَ بِهِمْ (فِي الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِمْ قَبْلَ الرِّدَّةِ يَتْبَعُونَهُمْ فِيهَا لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَقَدْ تَبِعُوهُمْ فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يَتْبَعُوهُمْ فِي الرِّدَّةِ (وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَوْلَادِهِمَا الَّذِينَ وُلِدُوا أَوْ حُمِلَ بِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ (قُتِلَ) بَعْدَ بُلُوغِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ لِخَبَرِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ».
(وَلَوْ ارْتَدَّ أَهْلُ بَلَدٍ وَجَرَى فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ (حُكْمُهُمْ) أَيْ الْمُرْتَدِّينَ (فَدَارُ حَرْبٍ) أَيْ صَارُوا حَرْبِيِّينَ (يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُمْ وَيُغْنَمُ مَالُهُمْ وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ) حَدَثَ الْحَمْلُ بِهِ (وَوُلِدَ بَعْدَ الرِّدَّةِ وَإِقْرَارِهِ بِجِزْيَةٍ) فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ بِجَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ وَهَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِالْقِتَالِ مِنْ الْكُفَّارِ الْأَصْلِيِّينَ وَإِذَا قَاتَلَهُمْ جَازَ قَتْلُ مَنْ يُقْدَرُ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَاتِّبَاعُ مُدْبِرِهِمْ وَالْإِجْهَازُ عَلَى جَرِيحِهِمْ قُلْتُ إقْرَارُ مَنْ حَدَثَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ بَعْدَ الرِّدَّةِ عَلَى جِزْيَةٍ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَ عَلَى دِينِ مَنْ يُقِرَّ بِهَا كَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوس وَإِلَّا لَمْ يُقَرَّ كَمَا فِي الدُّرُوزِ وَالتَّيَامِنَةِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ.
(وَلَا يَجْرِي عَلَى الْمُرْتَدِّ رِقٌّ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَقَامَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ) لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى الرِّدَّةِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَمَنْ وُلِدَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَدِّينَ قَبْلَ الرِّدَّةِ أَوْ كَانَ حَمْلًا وَقْتُهَا) أَيْ الرِّدَّةِ (فَمَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ يَتْبَعُ أَبَوَيْهِ فِي الْإِسْلَامِ لَا فِي الرِّدَّةِ (وَلَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ صِغَارًا) لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ (وَلَا كِبَارًا) لِأَنَّهُمْ إنْ ثَبَتُوا عَلَى إسْلَامِهِمْ بَعْدَ كِبَرِهِمْ فَهُمْ مُسْلِمُونَ وَإِنْ كَفَرُوا فَهُمْ مُرْتَدُّونَ (وَبَعْدَ الْبُلُوغِ) إذَا ثَبَتُوا عَلَى الْكُفْرِ (فَيُسْتَتَابُونَ كَآبَائِهِمْ) فَإِنْ تَابُوا وَإِلَّا قُتِلُوا (وَلَا يُقَرُّ مُرْتَدٌّ بِجِزْيَةٍ) لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَتْلُهُ لِخَبَرِ «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ».
(وَإِذَا مَاتَ أَبُو الطِّفْلِ أَوْ الْحَمْلِ أَوْ الْمُمَيِّزِ أَوْ) مَاتَ (أَحَدُهُمَا فِي دَارِنَا عَلَى كُفْرِهِ لَا) إنْ مَاتَ (جَدُّهُ وَجَدَّتُهُ فَمُسْلِمٌ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إلَّا عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهِمَا مِنْ جَدْعَاءَ؟ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَبِمَوْتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا انْقَطَعَتْ التَّبَعِيَّةُ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِلدَّارِ (وَيُقْسَمُ لَهُ) أَيْ الطِّفْلِ الْمُمَيِّزِ (الْمِيرَاثُ) مِنْ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ أَوْ أُمِّهِ لِأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا وَقْتَ الْمَوْتِ وَأَمَّا الْحَمْلُ فَلَا يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ الْكَافِرِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي مِيرَاثِ الْحَمْلِ (وَكَذَا لَوْ عُدِمَ الْأَبَوَانِ أَوْ) عُدِمَ (أَحَدُهُمَا بِلَا مَوْتٍ كَزِنَا ذِمِّيَّةٍ وَلَوْ بِكَافِرٍ) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (أَوْ اشْتِبَاهُ وَلَدٍ مُسْلِمٍ بِوَلَدٍ كَافِرٍ نَصًّا) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ.
(قَالَ الْقَاضِي أَوْ وُجِدَ بِدَارِ حَرْبٍ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ إذَا سُبِيَ الطِّفْلُ) يَتْبَعُ سَابِيهِ لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لِأَبَوَيْهِ حَيْثُ سُبِيَ مُنْفَرِدًا عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا.
(وَأَطْفَالُ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ نَصًّا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَكْلِيفَهُمْ فِي الْقِيَامَةِ) فَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يُمْتَحَنُونَ فِي عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَمَنْ أَطَاعَ مِنْهُمْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ عَصَى دَخَلَ النَّارَ وَقَالَ أَيْضًا أَصَحُّ الْأَجْوِبَةِ فِيهِمْ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» فَلَا يُحْكَمُ عَلَى مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ لَا بِجَنَّةٍ وَلَا نَارٍ (وَمِثْلُهُمْ) أَيْ مِثْلُ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ (مَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ مَجْنُونًا) فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَبِمَوْتِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا بِدَارِنَا بِخِلَافِ مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ (وَمَنْ وُلِدَ أَعْمَى أَبْكَمُ أَصَمُّ وَصَارَ رَجُلًا هُوَ مَعَ أَبَوَيْهِ نَصًّا، وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ ثُمَّ أَسْلَمَا بَعْدَ مَا صَارَ رَجُلًا قَالَ هُوَ مَعَهُمَا) وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ مِثْلَهُمَا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ.
(وَإِنْ تَصَرَّفَ الْمُرْتَدُّ لِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ صَحَّ) تَصَرُّفُهُ فَلَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِالرِّدَّةِ إلَّا فِيمَا يُنَافِيهَا كَالنِّكَاحِ وَإِقَامَةِ الْحَدِّ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُرْتَدَّ (قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي رِدَّتِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وَكَالْحَرْبِيِّ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَأْمُرْ الْمُرْتَدِّينَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُمْ (وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَنَحْوِهِمَا (قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الرِّدَّةِ لِاسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ حَالَ إسْلَامِهِ.
(وَإِنْ قَتَلَ) الْمُرْتَدُّ (مَنْ يُكَافِئُهُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ) كَالْمُسْلِمِ وَأَوْلَى (وَالْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ عَنْهُ) كَالْمُسْلِمِ (فَإِنْ اخْتَارَ) الْوَلِيُّ (الْقِصَاصَ قُدِّمَ) الْقِصَاصُ (عَلَى قَتْلِ الرِّدَّةِ تَقَدَّمَتْ الرِّدَّةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ) لِأَنَّهُ حَقٌّ آدَمِيٍّ جَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ (وَإِنْ عَفَا) الْوَلِيُّ (عَلَى مَالٍ وَجَبَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ) أَيْ الْمُرْتَدِّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ (وَإِنْ كَانَ) الْقَتْلُ (خَطَأً وَجَبَتْ) الدِّيَةُ (أَيْضًا فِي مَالِهِ) وَكَذَا شِبْهُ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ.
(قَالَ الْقَاضِي تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) كَمَا كَانَتْ تُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَتِهِ (فَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ) مِنْ غَيْرِ تَأْجِيلٍ قُلْتُ فَظَاهِرُ مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُقْتَلْ أَوْ يَمُتْ.
(وَتَثْبُتُ الرِّدَّةُ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْبَيِّنَةِ) وَهِيَ رَجُلَانِ عَدْلَانِ كَقَتْلِ الْقِصَاصِ.

.(فَصْلُ): حكم مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ:

(وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْكُفْرِ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَصْبِرَ) عَلَى مَا أُكْرِهَ بِهِ، وَلَا يُجِيبُ (وَلَوْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ) بِأَنْ كَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى مَوْتِهِ (وَإِنْ لَمْ يَصْبِرْ وَأَجَابَ) بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ (ظَاهِرًا لَمْ يَصِرْ كَافِرًا إذَا كَانَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} (وَمَتَى زَالَ الْإِكْرَاهُ أُمِرَ بِإِظْهَارِ إسْلَامِهِ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ (فَإِنْ أَظْهَرَهُ) فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إسْلَامِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ (حُكِمَ بِأَنَّهُ كَافِرٌ مِنْ حِينِ نَطَقَ بِهِ) أَيْ بِالْكُفْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ، بَلْ اخْتِيَارًا (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ وَكَانَ مَحْبُوسًا أَوْ مُقَيَّدًا عِنْدَ الْكُفَّارِ فِي حَالَةِ خَوْفٍ لَمْ يُحْكَمْ بِرِدَّتِهِ) لِعَدَمِ طَوَاعِيَتِهِ.
(وَإِنْ شَهِدَتْ) الْبَيِّنَةُ (أَنَّهُ كَانَ آمِنًا فِي حَالِ نُطْقِهِ) بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ (حُكِمَ بِرِدَّتِهِ) لِإِتْيَانِهِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ مُخْتَارًا،.
وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَفَرَ فَادَّعَى الْإِكْرَاهَ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ قَرِينَتِهِ فَقَطْ، وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ فَادَّعَى الْإِكْرَاهَ قُبِلَ مُطْلَقًا لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ.
(وَإِنْ ادَّعَى وَرَثَتُهُ) أَيْ الْمُرْتَدِّ (رُجُوعَهُ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) لِتَشْهَدَ بِرُجُوعِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمه.
(وَإِنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ) بَيِّنَةٌ (بِأَكْلِ لَحْمِ خِنْزِيرٍ لَمْ يُحْكَمْ بِرِدَّتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَكْلِهِ اسْتِحْلَالُهُ (فَإِنْ قَالَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَكَلَهُ مُسْتَحِلًّا لَهُ أَوْ أَقَرَّ) بَعْضُ وَرَثَتِهِ (بِرِدَّتِهِ حَرُمَ مِيرَاثُهُ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ (وَيُدْفَعُ إلَى مَنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ) مِنْ وَرَثَتِهِ (قَدْرُ مِيرَاثِهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْهُ وَ) يُدْفَعُ (الْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَالِ الضَّائِعِ لِعَدَمِ مَنْ يَدَّعِيهِ (فَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونُ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ وَنَصِيبُ الْمُقِرِّ بِرِدَّةِ الْمُوَرِّثِ) لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ رِدَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.

.(فَصْلُ): حكم تَعَلَّمِ السِّحْرِ وَتَعْلِيمُهُ وَفِعْلُهُ:

(وَيَحْرُمُ تَعَلَّمُ السِّحْرِ وَتَعْلِيمُهُ وَفِعْلُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَذَى (وَهُوَ) أَيْ السِّحْرُ (عُقَدٌ وَرُقًى وَكَلَامٌ يَتَكَلَّمُ بِهِ أَوْ يَكْتُبُهُ أَوْ يَعْمَلُ شَيْئًا يُؤَثِّرُ فِي بَدَنِ الْمَسْحُورِ أَوْ قَلْبِهِ أَوْ عَقْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَهُ، وَلَهُ حَقِيقَةٌ، فَمِنْهُ مَا يَقْتُلُ وَ) مِنْهُ (مَا يُمْرِضُ وَ) مِنْهُ (مَا يَأْخُذُ الرَّجُلَ عَنْ زَوْجَتِهِ فَيَمْنَعُهُ وَطْأَهَا أَوْ يَعْقِدُ الْمُتَزَوِّجَ فَلَا يُطِيقُ وَطْأَهَا وَمَا كَانَ مِثْلُ فِعْلِ لَبِيدِ بْنِ الْأَعْصَمِ حِينَ سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُشْطٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَمِيمٌ تَكْسِرُهَا (وَمُشَاطَةٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ مَا يَسْقُطُ مِنْ الشَّعْرِ عِنْد مَشْطِهِ رَوَتْ عَائِشَةُ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُحِرَ حَتَّى إنَّهُ لَيُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا يَفْعَلُهُ» (أَوْ يَسْحَرُهُ حَتَّى يَهِيمَ مَعَ الْوَحْشِ وَمِنْهُ) أَيْ السِّحْرِ (مَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا يُبَغِّضُ أَحَدَهُمَا إلَى الْآخَرِ وَيُحَبِّبُ بَيْنَ اثْنَيْنِ) زَوْجَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ لِقَوْلِهِ {يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} وَجَوَابُهُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ}- إلَى قَوْله-
{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} أَيْ السَّوَاحِرِ اللَّاتِي يَعْقِدْنَ فِي سِحْرِهِنَّ، وَلَوْلَا أَنَّ لَهُ حَقِيقَةً لَمَا أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ (وَيَكْفُرُ) السَّاحِرُ (بِتَعَلُّمِهِ وَفِعْلِهِ، سَوَاءٌ اعْتَقَدَ تَحْرِيمُهُ أَوْ إبَاحَتَهُ كَاَلَّذِي يَرْكَبُ الْحِمَارَ مِنْ مِكْنَسَةٍ وَغَيْرِهَا فَتَسِيرُ) بِهِ (فِي الْهَوَاءِ أَوْ يَدَّعِي أَنَّ الْكَوَاكِبَ تُخَاطِبُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (وَيُقْتَلُ) السَّاحِرُ (إنْ كَانَ مُسْلِمًا) بِالسَّيْفِ لِمَا رَوَى جُنْدُبُ مَرْفُوعًا قَالَ «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَقَالَ الصَّحِيحُ عَنْ جُنْدُبٍ مَوْقُوفٌ.
وَعَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدٍ قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِلْجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، فَأَتَانَا كِتَابُ مُعَاوِيَةَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ أَنْ اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَسَعِيدٌ.
وَفِي رِوَايَةِ «فَقَتَلْنَا ثَلَاثَ سَوَاحِرَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَقَتَلَتْ حَفْصَةُ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا» رَوَاهُ مَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ (وَكَذَا مَنْ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ) أَيْ السِّحْرِ (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) فَيُقْتَلُ كُفْرًا لِأَنَّهُ أَحَلَّ حَرَامًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ.
(وَلَا يُقْتَلُ سَاحِرٌ ذِمِّيٌّ) لِأَنَّ لَبِيدَ بْنَ الْأَعْصَمِ سَحَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ، وَلِأَنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ مِنْ سِحْرِهِ وَلَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَالْأَخْبَارُ وَرَدَتْ فِي سَاحِرِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ يَكْفُرُ بِسِحْرِهِ وَهَذَا كَافِرٌ أَصْلِيٌّ (إلَّا أَنْ يَقْتُلَ) السَّاحِرُ الذِّمِّيُّ (بِهِ) أَيْ بِسِحْرِهِ (وَيَكُونُ) سِحْرُهُ (مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا فَيُقْتَصُّ مِنْهُ) إذَا قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ كَمَا لَوْ قَتَلَ بِغَيْرِهِ.
(فَأَمَّا الَّذِي يَسْحَرُ بِأَدْوِيَةٍ وَتَدْخِينٍ وَسَقْيِ شَيْءٍ لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُ لَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ السَّاحِرِينَ الْكَافِرِينَ بِأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ فَيَخْتَصُّ الْكُفْرُ بِهِمْ وَيَبْقَى مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ السَّحَرَةِ عَلَى أَصْلِ الْعِصْمَةِ (وَيُعَزَّرُ تَعْزِيرًا بَلِيغًا دُونَ الْقَتْلِ) لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً (إلَّا أَنْ يَقْتُلَ بِفِعْلِهِ) ذَلِكَ وَيَكُونُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا (فَيُقْتَصُّ مِنْهُ) إذَا قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا (فَ) اللَّازِمُ (الدِّيَةُ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ):.
(وَأَمَّا الَّذِي يُعَزِّمُ عَلَى الْجِنِّ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يَجْمَعُهَا فَتُطِيعهُ فَلَا يَكْفُرُ) بِذَلِكَ (وَلَا يُقْتَلُ) بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَى قَتْلِهِ بِالسِّحْرِ (وَيُعَزَّرُ تَعْزِيرًا بَلِيغًا دُونَ الْقَتْلِ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً (وَكَذَا الْكَاهِنُ وَالْعَرَّافُ، وَالْكَاهِنُ الَّذِي لَهُ رَئِيٌّ مِنْ الْجِنِّ يَأْتِيهِ بِأَخْبَارِ وَالْعَرَّافُ الَّذِي يَحْدُسُ وَيَتَخَرَّصُ كَالْمُنَجِّمِ) وَهُوَ الَّذِي يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى الْحَوَادِثِ.
(وَلَوْ أَوْهَمَ قَوْمًا طَرِيقَتُهُ أَنَّهُ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ لِسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ وَقَالَ الشَّيْخُ: التَّنْجِيمُ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ عَلَى الْحَوَادِثِ الْأَرْضِيَّةِ مِنْ السِّحْرِ قَالَ) الشَّيْخُ (وَيَحْرُمُ إجْمَاعًا) وَأَقَرَّ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ أَنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالدُّعَاءِ بِبَرَكَتِهِ مَا زَعَمُوا أَنَّ الْأَفْلَاكَ تُوجِبُهُ، وَأَنَّ لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ الدَّارَيْنِ مَا لَا تَقْوَى الْأَفْلَاكُ أَنْ تَجْلِبَهُ (وَالْمُتَعَبِّدُ وَالْقَائِلُ بِزَجْرِ طَيْرٍ وَالضَّارِبِ بِحَصًى وَشَعِيرٍ وَقِدَاحٍ) أَيْ سِهَامٍ (زَادَ فِي الرِّعَايَةِ وَالنَّظَرِ فِي أَلْوَاحِ الْأَكْتَافِ إذَا لَمْ يَعْتَقِدْ إبَاحَتَهُ وَ) اعْتَقَدَ (أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ) الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ (عُزِّرَ وَيُكَفُّ عَنْهُ وَإِلَّا) بِأَنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتُهُ وَأَنَّهُ يَعْلَمُ بِهِ الْأُمُورَ الْمُغَيَّبَةَ (كَفَرَ) فَيُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
(وَتَحْرُمُ رُقْيَةُ وَحِرْزٌ وَتَعَوُّذٌ بِطَلْسَمٍ) بِغَيْرِ عَرَبِيٍّ.
(وَ) تَحْرُمُ (عَزِيمَةٌ بِغَيْرِ عَرَبِيٍّ وَبِاسْمِ كَوْكَبٍ، وَمَا وُضِعَ عَلَى نَجْمٍ مِنْ صُورَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَلَا بَأْسَ بِحَلِّ السِّحْرِ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالْأَقْسَامِ وَالْكَلَامِ الْمُبَاحِ وَإِنْ كَانَ) حَلُّ السِّحْرِ (بِشَيْءٍ مِنْ السِّحْرِ فَقَدْ تَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحَلِّ وَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَمْيَلُ.
وَسَأَلَهُ مُهَنَّا عَمَّنْ تَأْتِيهِ مَسْحُورَةٌ فَيُطْلِقُهُ عَنْهَا قَالَ: لَا بَأْسَ قَالَ الْخَلَّالُ: إنَّمَا كَرِهَ فِعَالَهُ وَلَا يَرَى بِهِ بَأْسًا كَمَا بَيَّنَهُ مُهَنَّا وَهَذَا مِنْ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُبِيحُ فِعْلَهَا (وَالْمَذْهَبُ جَوَازُهُ ضَرُورَةً قَالَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَمِنْ السِّحْرِ السَّعْي بِالنَّمِيمَةِ وَالْإِفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ وَهُوَ غَرِيبٌ) وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْأَذَى بِكَلَامِهِ وَعَمَلِهِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْحِيلَةِ أَشْبَهَ السِّحْرَ وَلِهَذَا يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ وَالْعُرْفِ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ وَيُنْتَجُ مَا يَعْمَلُهُ السِّحْرُ أَوْ أَكْثَرُ فَيُعْطِي حُكْمُهُ تَسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ أَوْ الْمُتَقَارِبَيْنِ لَا سِيَّمَا إنْ قُلْنَا: يُقْتَلُ الْآمِرُ بِالْقَتْلِ عَلَى رِوَايَةٍ فَهُنَا أَوْلَى.