فصل: (فَصْل): حكم من حَرَّمَ أَمَتَهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: شروطُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ:

(وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُنْعَقِدَةً) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُنْعَقِدَةِ إمَّا غَمُوسٌ أَوْ نَحْوَهَا وَإِمَّا لَغْوٌ وَلَا كَفَّارَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَهِيَ) أَيْ الْمُنْعَقِدَةُ (الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا الْبِرُّ وَالْحِنْثُ) لِأَنَّ الْيَمِينَ لِلْحِنْثِ وَالْمَنْعِ (بِأَنْ يَقْصِدَ عَقْدَهَا عَلَى مُسْتَقْبَلٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ}.
فَأَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي الْأَيْمَانِ الْمُنْعَقِدَةِ، فَظَاهِرُهُ إرَادَةُ الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ الزَّمَانِ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي (فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ النَّائِمِ وَ) لَا يَمِينُ (الصَّغِيرِ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَ) لَا يَمِينُ (الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِمْ) كَزَائِلِ الْعَقْلِ بِشُرْبِ دَوَاءٍ أَوْ مُحَرَّمٍ مُكْرَهًا لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ».
(وَ) لَا يَنْعَقِدُ (مَا عُدَّ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (فَأَمَّا الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي فَلَيْسَتْ مُنْعَقِدَةً) لِأَنَّ شَرْطَ الِانْعِقَادِ إمْكَانُ الْبِرِّ وَالْحِنْثِ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فِي الْمَاضِي (وَهِيَ) أَيْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَاضِي (نَوْعَانِ غَمُوسٌ وَهِيَ الَّتِي يَحْلِفُ بِهَا) عَلَى الْمَاضِي (كَاذِبًا عَالِمًا) سُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا (تَغْمِسُهُ) أَيْ الْحَالِف بِهَا (فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كُنَّا نَعُدّ مِنْ الْيَمِينِ الَّتِي لَا كَفَّارَةَ فِيهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ.
وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ (وَيُكَفِّرُ كَاذِبٌ فِي لِعَانِهِ ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ كَمَا فِي الْمُبْدِعِ فَكَانَ الْأَوْلَى حَذْفَهُ (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلٍ مُسْتَحِيلٍ لِذَاتِهِ أَوْ) مُسْتَحِيلٍ لِ (غَيْرِهِ كَأَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لِأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ إنْ لَمْ أَصْعَدْ أَوْ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ إنْ فِيهِ مَاءٌ أَوْ إنْ لَمْ أَشْرَبْهُ أَوْ) قَالَ وَاَللَّهِ (لَأَقْتُلَنَّهُ) أَيْ زَيْدًا مَثَلًا (فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ عَلِمَهُ) مَيِّتًا (أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ) لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ (وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْحَالِ) لِأَنَّهُ مَأْيُوسٌ مِنْهُ (وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ إنْ طِرْتُ أَوْ) وَاَللَّهِ (لَا طِرْتُ أَوْ) وَاَللَّهِ إنْ أَوْ لَا (صَعِدْت السَّمَاءَ أَوْ) وَاَللَّهِ إنْ أَوْ لَا (شَاءَ الْمَيِّتُ أَوْ) وَاَللَّهِ إنْ أَوْ لَا (قَلَبْتَ الْحَجَرَ ذَهَبًا أَوْ) وَاَللَّهِ إنْ أَوْ لَا (جَمَعْتَ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ أَوْ) النَّقِيضِينَ (أَوْ) وَاَللَّهِ إنْ أَوْ لَا (رَدَدْتَ أَمْس أَوْ) وَاَللَّهِ إنْ أَوْ لَا (شَرِبْت مَاءَ الْكُوزِ وَلَا مَاءَ فِيهِ وَنَحْوَهُ) مِنْ الْمُسْتَحِيلَاتِ (فَهَذَا لَغْوٌ) وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
(وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي) بَابِ (الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ) وَإِنَّ الْعِتْقَ وَالظِّهَارَ وَنَحْوِهَا كَذَلِكَ (وَإِنْ قَالَ وَاَللَّهِ لَيَفْعَلَنَّ فُلَانٌ كَذَا أَوْ) وَاَللَّهِ (لَا يَفْعَلَنَّ) فُلَانٌ كَذَا فَلَمْ يُطِعْهُ (أَوْ حَلَفَ عَلَى حَاضِرٍ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ) يَا فُلَانُ (كَذَا أَوْ لَا تَفْعَلَنَّ كَذَا فَلَمْ يُطِعْهُ حَنِثَ الْحَالِفُ) لِعَدَمِ وُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ) أَيْ الْحَالِفِ فِي قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَالْأَكْثَرِ وَ(لَا) تَجِبُ الْكَفَّارَةُ (عَلَى مَنْ أَحْنَثَهُ) لِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ} (وَإِنْ قَالَ أَسْأَلُكَ بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ وَأَرَادَ الْيَمِينَ فَكَالَّتِي قَبْلَهَا) يَحْنَثُ إنْ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ (وَإِنْ أَرَادَ الشَّفَاعَةَ إلَيْهِ بِاَللَّهِ) تَعَالَى (فَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ) لِعَدَمِ الْإِقْسَامِ (وَيُسَنُّ إبْرَارُ الْقَسَمِ) لِقَوْلِ الْعَبَّاسِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُبَايِعَنَّهُ فَبَايَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَبْرَرْتُ قَسَمَ عَمِّي» وَلَا يَجِبُ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَقْسَمْتُ عَلَيْك لَتُخْبِرَنِّي بِمَا أَصَبْتُ مِمَّا أَخْطَأْت فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقْسِمْ يَا أَبَا بَكْرٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (ك) مَا يُسَنُّ (إجَابَةُ سُؤَالٍ بِاَللَّهِ) قِيَاسًا عَلَى الْقَسَمِ بِهِ (وَلَا يَلْزَمُ) ذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مُعَيَّنٍ إجَابَةُ سَائِلٍ يُقْسِمُ عَلَى النَّاسِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا قَالَ «وَأُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَسْأَلُ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطَى بِهِ» فَدَلَّ عَلَى إجَابَةِ مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ (وَإِنْ أَجَابَهُ إلَى صُورَة مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ دُون مَعْنَاهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَعْنَى) أَيْ الْمَقْصُودِ (فَحَسَنٌ) لِأَنَّ فِيهِ صُورَةَ إجَابَةٍ.
(وَ) النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ نَوْعَيْ الْحَلِفِ عَلَى الْمَاضِي (لَغْوُ الْيَمِينِ وَهُوَ سَبْقُهَا عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَقَوْلِهِ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي عَرْضِ حَدِيثِهِ) لِحَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ وَرَوَاهُ الزُّهْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمَالِكٌ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَعَرَضَ الشَّيْء بِضَمِّ الْعَيْن وَبِفَتْحِهَا خِلَاف الطُّول (وَظَاهِرُهُ وَلَوْ) كَانَ قَوْلُهُ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي عُرْضِ حَدِيثِهِ عَلَى الشَّيْءِ يُفْعَلُ (فِي) الزَّمَنِ (الْمُسْتَقْبَلِ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} (وَإِنْ عَقَدَهَا عَلَى زَمَنٍ خَاصٍّ مَاضٍ يَظُنُّ صِدْقَ نَفْسِهِ) كَأَنْ حَلَفَ مَا فَعَلَ كَذَا يَظُنُّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ (فَبَانَ بِخِلَافِهِ حَنِثَ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ فَقَطْ وَتَقَدَّمَ آخِرَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ) بِخِلَافِ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ أَوْ بِنَذْرٍ أَوْ ظِهَارٍ لِأَنَّهُ مِنْ لَغْوِ الْأَيْمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ (وَقَالَ الشَّيْخُ: وَكَذَا عَقْدُهَا عَلَى زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ ظَانًّا صِدْقَهُ فَلَمْ يَكُنْ) صَدْقُهُ (كَمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهُ يُطِيعُهُ فَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ ظَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ خِلَافَ نِيَّةِ الْحَالِفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَظَنِّهِ خِلَافَ سَبَبِ الْيَمِينِ.
(الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ مُخْتَارًا فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ مُكْرَهٍ) وَتَقَدَّمَ الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: الْحِنْثُ فِي يَمِينِهِ) لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَحْنَثْ لَمْ يَهْتِكْ حُرْمَةَ الْقَسَمِ (بِأَنْ يَفْعَلَ مَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِهِ أَوْ يَتْرُكَ مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ وَلَوْ مَعْصِيَةٍ) لِأَنَّ الْحِنْثَ الْإِثْمُ، وَلَا وُجُودَ لَهُ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ (مُخْتَارًا ذَاكِرًا فَإِنْ فَعَلَهُ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا كَفَّارَةَ) لِحَدِيثِ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» (وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ) إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِهِمَا (نَاسِيًا وَتَقَدَّمَ) فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ (وَجَاهِلٌ كَنَاسٍ) فَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ فَدَخَلَهَا جَاهِلًا أَنَّهَا دَارُهُ حَنِثَ فِي طَلَاقٍ وَعَتَاقٍ فَقَطْ بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَهُ مَجْنُونًا فَلَا يَحْنَثُ مُطْلَقًا.

.فَصْلٌ: في حكم الِاسْتِثْنَاءِ فِي اليَمِينِ:

وَيَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فِي كُلِّ يَمِينٍ مُكَفَّرَةٍ أَيْ تَدْخُلُهَا الْكَفَّارَةُ (كَالْيَمِينِ) بِاَللَّهِ تَعَالَى (وَالظِّهَارِ وَالنَّذْرِ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَحَسَّنَهُ وَقَالَ: رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ (فَإِذَا حَلَفَ) بِاَللَّهِ أَوْ بِالظِّهَارِ أَوْ النَّذْرِ (فَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ إنْ أَرَادَ اللَّهَ وَقَصَدَ بِهَا) أَيْ الْإِرَادَةِ الْمَشِيئَةَ لَا مَنْ أَرَادَ بِإِرَادَتِهِ (مَحَبَّتَهُ) تَعَالَى (أَوْ أَمْرَهُ أَوْ أَرَادَ) بِإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ أَرَادَ اللَّهُ (التَّحْقِيقَ لَا التَّعْلِيقَ لَمْ يَحْنَثْ فَعَلَ) مَا حَلَفَ عَلَى فِعْلِهِ أَوْ تَرَكَهُ (أَوْ تَرَكَ) مَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ أَوْ لَا يَفْعَلُهُ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّهُ مَتَى قَالَ لَأَفْعَلَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَتَى شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ (قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ) كَإِنْ شَاءَ اللَّهُ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا (أَوْ أَخَّرَهُ) كَلَا أَفْعَلُ كَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ (إذَا كَانَ) الِاسْتِثْنَاءُ (مُتَّصِلًا لَفْظًا أَوْ حُكْمًا كَانْقِطَاعِهِ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ أَوْ قَيْءٍ وَنَحْوِهِ) كَتَثَاؤُبٍ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ اُعْتُبِرَ اتِّصَالُهُ كَالشَّرْطِ وَجَوَابِهِ وَخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ (وَيُعْتَبَرُ نُطْقُهُ) أَيْ الْحَالِفِ (بِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ يَتَلَفَّظَ بِهِ (وَلَا يَنْفَعُهُ) مَرَّة الِاسْتِثْنَاء (بِالْقَلْبِ إلَّا مِنْ مَظْلُومٍ خَائِفٍ) وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: خَائِف لِأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ أَوْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوِّلِ.
(وَ) يُعْتَبَرُ (قَصْرُ الِاسْتِثْنَاءِ قَبْلَ تَمَامِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَلَوْ حَلَفَ غَيْرَ قَاصِدٍ الِاسْتِثْنَاءَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ) الِاسْتِثْنَاءُ (بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْيَمِينِ فَاسْتَثْنَى لَمْ يَنْفَعْهُ) الِاسْتِثْنَاءُ لِعَدَمِ قَصْدِهِ لَهُ أَوَّلًا.
(وَلَوْ أَرَادَ الْجَزْمَ) بِيَمِينِهِ (فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ جَارِيَةً بِهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لَمْ يَصِحَّ) اسْتِثْنَاؤُهُ لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَإِنْ شَكَّ فِيهِ) أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ (فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ).
(وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبَنَّ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَشَاءَ زَيْدٌ) انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
(وَ) مَتَى (لَمْ يَشْرَبْ حَتَّى مَضَى الْيَوْمُ حَنِثَ) لِفَوَاتِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَشَأْ زَيْدٌ لَمْ يَلْزَمْهُ يَمِينٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ كَالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ عَلَى شَرْطٍ (فَإِنْ لِمَ يَعْلَمْ) الْحَالِفُ (مَشِيئَتَهُ) أَيْ زَيْدٍ (لِغَيْبَةٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَوْتٍ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ) أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهَا وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا أَشْرَبُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَإِنْ شَاءَ فَلَهُ الشُّرْبُ) وَلَا حِنْثَ لِعَدَمِ شَرْطِهِ (وَإِنْ لَمْ يَشَأْ) زَيْدٌ (لَمْ يَشْرَبْ) الْحَالِفُ وَيَحْنَثُ بِهِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الشُّرْبُ بِغَيْرِ إذْنِ زَيْدٍ (فَإِنْ خَفِيَتْ مَشِيئَتُهُ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ لَمْ يَشْرَبْ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا (وَإِنْ شَرِبَ حَنِثَ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ.
(وَ) إنْ قَالَ (لَأَشْرَبَنَّ إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ فَإِنْ شَرِبَ قَبْلَ مَشِيئَةِ زَيْدٍ بَرَّ) لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ (وَإِنْ قَالَ زَيْدٌ: قَدْ شِئْتُ أَنْ لَا تَشْرَبَ انْحَلَّتْ، يَمِينُهُ) فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ بَعْدُ لِأَنَّهُ شَرِبَ بِغَيْرِ إذْنِ زَيْدٍ (وَإِنْ قَالَ) زَيْدٌ (قَدْ شِئْتُ أَنْ تَشْرَبَ أَوْ) قَالَ زَيْدٌ (مَا شِئْتُ أَنْ لَا تَشْرَبَ لَمْ تَنْحَلَّ) يَمِينُهُ فَيَحْنَثُ إنْ شَرِبَ لِأَنَّهُ شَرِبَ بِإِذْنِ زَيْدٍ (فَإِنْ خَفِيَتْ مَشِيئَتُهُ لَزِمَهُ الشُّرْبُ) لِأَنَّ الْأَصْلِ عَدَمُهَا وَمَعْنَى لُزُومِهِ لَهُ أَنَّهُ إنْ فَعَلَهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ فَلَا كَفَّارَةَ وَإِنْ تَرَكَهُ كَفَّرَ.
(وَ) لَوْ حَلَفَ (لَا أَشْرَبُ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَقَالَ زَيْدٌ: قَدْ شِئْتُ أَنْ لَا تَشْرَبَ فَشَرِبَ حَنِثَ) لِمُخَالَفَتِهِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ (وَإِنْ شَرِبَ) الْحَالِفُ قَبْل مَشِيئَتِهِ (لَمْ يَحْنَثْ) لِعَدَمِ انْعِقَادِ يَمِينِهِ (قَبْلَ مَشِيئَةِ) زَيْدٍ لِكَوْنِهَا مُعَلَّقَةً عَلَيْهَا وَالْمُعَلَّقُ عَلَى شَيْءٍ لَا يُوجَدُ قَبْلَهُ (وَإِنْ خَفِيَتْ مَشِيئَتُهُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهَا (وَالْمَشِيئَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ) وَشِبْهِهَا (أَيْ يَقُولُ بِلِسَانِهِ قَدْ شِئْتُ) وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْمَشِيئَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَمَتَى قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ شَاءَ وَلَوْ كَانَ كَارِهًا كَمَا سَبَقَ فِي الطَّلَاقِ.
(وَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا وَنَوَى وَقْتًا بِعَيْنِهِ) كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ (تَقَيَّدَ بِهِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ تَصْرِفُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ إلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ فَلَا تَصْرِفُهُ إلَى وَقْتٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ) وَقْتًا بِعَيْنِهِ (لَمْ يَحْنَثْ) الْحَالِفُ (حَتَّى يَيْأَس مِنْ فِعْلِهِ إمَّا بِتَلَفِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ مَوْتِ الْحَالِفِ وَنَحْوِهِ) لِقَوْلِ عُمَرَ «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تُخْبِرْنَا أَنَّا سَنَأْتِي فِي الْبَيْتِ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ لَا فَإِنَّكَ آتِيهِ وَتَطُوفُ بِهِ» وَلِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلِهِ لَمْ يَتَوَقَّتُ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَفِعْلُهُ مُمْكِنٌ، فَلَمْ تَحْصُلْ مُخَالَفَةُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ يُوجِبُ عَدَمَ الْحِنْثِ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَحْنَثْ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ فِعْلِهِ) هَذَا تَكْرَار.
(وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا سُنَّ لَهُ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ) لِأَخْبَارٍ مِنْهَا خَبَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي مُوسَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَسَبَقَ تَقْسِيمُهُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْحَلِفِ، فَإِنْ أَفْرَطَ كُرِهَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} وَهَذَا ذَمٌّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْ الْكَذِبِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الْحَلِفِ مَعَ عَدَمِ الْإِفْرَاطِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَلَفَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ.
(وَإِنْ دُعِيَ إلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَهُوَ مُحِقٌّ اُسْتُحِبَّ لَهُ ابْتِدَاءُ يَمِينِهِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ عُثْمَانَ وَالْمِقْدَادَ تَحَاكَمَا إلَى عُمَرَ فِي مَالٍ اسْتَقْرَضَهُ الْمِقْدَادُ فَجَعَلَ عُمَرُ الْيَمِينَ عَلَى الْمِقْدَادِ، فَرَدَّهَا عَلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُمَرُ لَقَدْ أَنْصَفَك فَأَخَذَ عُثْمَانُ مَا أَعْطَاهُ الْمِقْدَادُ وَلَمْ يَحْلِفْ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: خِفْتُ أَنْ تُوَافِقَ قَدَرَ بَلَاءٍ فَيُقَالُ بِيَمِينِ عُثْمَانَ» (فَإِنْ حَلَفَ) مَنْ دُعِيَ إلَى الْحَلِفِ عِنْدَ الْحَاكِمِ مُحِقًّا (فَلَا بَأْسَ) لِأَنَّهُ حَلِفُ صِدْقٍ عَلَى حَقٍّ أَشْبَهَ الْحَلِفَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ.
تتمة:
ذُكِرَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ: أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الْيَمِينَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَالْمَشْرُوعُ أَنْ يَقُولَ: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ وَاَلَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

.(فَصْل): حكم من حَرَّمَ أَمَتَهُ:

(وَإِنْ حَرَّمَ أَمَتَهُ أَوْ) حَرَّمَ (شَيْئًا مِنْ الْحَلَالِ غَيْرَ زَوْجَتِهِ كَقَوْلِهِ: مَا أَحَلَّ اللَّهُ عَلَيَّ حَرَامٌ وَلَا زَوْجَةَ لَهُ أَوْ) قَوْلُهُ (هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ طَعَامِي عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِ) كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ (أَوْ عَلَّقَهُ) أَيْ التَّحْرِيمَ (بِشَرْطٍ مِثْلَ إنْ أَكَلْتُهُ) أَيْ هَذَا الطَّعَامَ (فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ) قَالَ (حَرَامٌ عَلَيَّ إنْ فَعَلْتُ كَذَا وَنَحْوِهِ لَمْ يَحْرُمْ) لِأَنَّهُ تَعَالَى سَمَّاهُ يَمِينًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}- إلَى قَوْلِهِ-
{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وَالْيَمِينُ عَلَى الشَّيْءِ لَا تُحَرِّمهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لَتَقَدَّمَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ كَالظِّهَارِ وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِعْلِهِ وَسَمَّاهُ خَيْرًا (وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إنْ فَعَلَهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينًا».
(وَإِنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ يَكْفُرُ بِاَللَّهِ أَوْ يَعْبُدُ الصَّلِيبَ أَوْ غَيْرَ اللَّهِ أَوْ) هُوَ (بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ) هُوَ بَرِيءٌ (مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ) مِنْ (الْقُرْآنِ أَوْ) مِنْ (النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا يَرَاهُ اللَّهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ قَالَ أَنَا أَسْتَحِلُّ الزِّنَا أَوْ شُرْبَ الْخَمْرِ أَوْ أَكْلَ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ أَوْ تَرْكَ الصَّلَاةِ أَوْ) تَرْكَ (الزَّكَاةِ) وَنَحْوَهُ (أَوْ) تَرْكَ (الصِّيَامِ وَنَحْوَهُ) كَتَرْكِ الْحَجِّ (إنْ فَعَلْتُ) كَذَا (لَمْ يَكْفُرْ وَفَعَلَ مُحَرَّمًا) لِحَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ مَرْفُوعًا «مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا قَالَ «مَنْ قَالَ إنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (تَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ مِنْهُ) كَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ (وَعَلَيْهِ إنْ فَعَلَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فِي الْيَمِينِ يَحْلِفُ بِهَا فَيَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؟ فَقَالَ: عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ وَلِأَنَّ قَوْلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ فَكَانَ يَمِينًا كَالْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ هُوَ فَاسِقٌ وَنَحْوِهِ.
(وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَالنَّاظِمُ لَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي ذَلِكَ نَصٌّ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ قَالَ عَصَيْتُ اللَّهَ أَوْ أَنَا أَعْصِي اللَّهَ فِي كُلِّ مَا أَمَرَنِي بِهِ أَوْ مَحَوْتُ الْمُصْحَفَ إنْ فَعَلْتُ) كَذَا (وَحَنِثَ فَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا نَصَّ فِيهَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى مَا سَبَقَ فَيَبْقَى الْحَالِفُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ.
(وَإِنْ قَالَ أَخْزَاهُ اللَّهُ أَوْ قَطَعَ) اللَّهُ (يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ وَأَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ أَوْ لَعَنَهُ اللَّهُ إنْ فَعَلَ أَوْ) قَالَ (لَأَفْعَلَنَّ أَوْ) قَالَ (عَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ لَأَفْعَلَنَّ أَوْ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَمَالُ فُلَانٍ صَدَقَةٌ أَوْ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ) إنْ فَعَلْتُ فَ (مَالُ فُلَانٍ حَرَامٌ عَلَيْهِ أَوْ فُلَانٌ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِ) كَإِنْ فَعَلْتُ فَفُلَانٌ يَهُودِيٌّ (فَلَغْوٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ هَتْكَ الْحُرْمَةِ فَلَمْ تَكُنْ يَمِينًا.
(وَإِنْ قَالَ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ تَلْزَمُنِي فَهِيَ يَمِينٌ رَتَّبَهَا الْحَجَّاجُ) بْنُ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ عَقِيلٍ الثَّقَفِيِّ (وَالْخَلِيفَةُ الْمُعْتَمِدُ) عَلَى اللَّهِ الْعَبَّاسِيُّ لِأَخِيهِ الْمُوَفَّقِ لَمَّا جَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ (تَشْتَمِلُ عَلَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ) تعي (وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَصَدَقَةِ الْمَالِ) زَادَ بَعْضُهُمْ وَالْحَجِّ (فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يَعْرِفُهَا وَنَوَاهَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ لِمَا فِيهَا) مِنْ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ أَوْ نَوَاهَا وَلَمْ يَعْرِفهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ (وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا) الْحَالِفُ بِهَا (أَوْ عَرَفَهَا وَلَمْ يَنْوِهَا أَوْ نَوَاهَا وَلَمْ يَعْرِفْهَا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ وَالْمَعْرِفَةِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ شَيْئًا لَمْ يَتَأَتَّ أَنْ يَنْوِيهِ.
(وَلَوْ قَالَ أَيْمَانُ الْمُسْلِمِينَ تَلْزَمنِي إنْ فَعَلْتُ كَذَا وَفَعَلَهُ لَزِمَتْهُ يَمِينُ الظِّهَارِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ إذَا نَوَى بِهَا ذَلِكَ) لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ وَاعْتُبِرَتْ فِيهَا النِّيَّةُ كَسَائِرِ الْكِنَايَاتِ (وَلَوْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَقَالَ لَهُ آخَرُ: يَمِينِي مَعَ يَمِينِكَ أَوْ) قَالَ (أَنَا عَلَى مِثْلِ يَمِينِكَ يُرِيدُ الْتِزَامَ مِثْلِ يَمِينِهِ) كَبَاقِي الْكِنَايَاتِ (إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ) فَقَالَ لِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي تَحْرِيرُ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَيْمَانِ الْبَيْعَةِ وَأَيْمَانِ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ فِيهَا بِالْكِنَايَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ) لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ.
(وَإِنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ يَمِينٌ) إنْ فَعَلْتُ كَذَا (أَوْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ مِيثَاقُهُ إنْ فَعَلْتُ كَذَا وَفَعَلَهُ كَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عُقْبَةَ مَرْفُوعًا قَالَ:
«كَفَّارَةُ النَّذْرِ إذَا لَمْ يُسَمِّ كَفَّارَةَ يَمِينٍ» (وَكَذَا عَلَيَّ نَذْرٌ وَيَمِينٌ فَقَطْ) فَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِحَلِفٍ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَكُنْ حَلَفَ فَهِيَ كَذِبَةٌ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) وَإِنْ قَالَ مَالِي لِلْمَسَاكِينِ وَأَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ فَكَفَّارَةُ يَمِينٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ.

.(فَصْل): (فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ):

(وَفِيهَا تَخْيِيرٌ وَتَرْتِيبٌ) فَالتَّخْيِيرُ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ وَالْعِتْقِ وَالتَّرْتِيبُ فِيهَا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الصِّيَامِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} الْآيَة (فَيُخَيَّرُ مَنْ لَزِمَتْهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ إطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ مُسْلِمِينَ أَحْرَارًا وَلَوْ صِغَارًا) كَالزَّكَاةِ (جِنْسًا) وَاحِدًا (كَانَ الْمَطْعَمُ) كَأَنْ يُطْعِمَهُمْ بُرًّا (أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ جِنْسٍ كَأَنْ أَطْعَمَ الْبَعْضَ بُرًّا وَالْبَعْضَ شَعِيرًا وَالْبَعْضَ تَمْرًا وَالْبَعْضَ زَبِيبًا (أَوْ كُسْوَتُهُمْ) أَيْ الْعَشَرَةِ مَسَاكِينَ (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) مُؤْمِنَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الظِّهَارِ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ (فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) لِلْآيَةِ (وَالْكُسْوَةُ مَا تُجْزِئُ صَلَاةُ) الْمِسْكِينِ (الْآخِذِ الْفَرْضَ فِيهِ لِلرَّجُلِ ثَوْبٌ وَلَوْ عَتِيقًا إذَا لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ) فَإِنْ بَلِيَ وَذَهَبَتْ مَنْفَعَتُهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ مَعِيبٌ.
(أَوْ قَمِيصٌ يُجْزِئُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ الْفَرْضَ نَصًّا) نَقَلَهُ حَرْبٌ (بِأَنْ يَجْعَلَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْئًا) بَعْدَ سَتْرِ عَوْرَتِهِ (أَوْ ثَوْبَانِ يَأْتَزِرُ بِأَحَدِهِمَا وَيَرْتَدِي بِالْآخَرِ وَلَا يُجْزِئُهُ مِئْزَرٌ وَحْدَهُ وَلَا سَرَاوِيل) وَحْدَهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ لَا يُجْزِئُ فِيهِ (وَلِلْمَرْأَةِ دِرْعٌ) أَيْ قَمِيصٌ (وَخِمَارٌ يُجْزِئُهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ) لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ لَابِسَهُ فِي الصَّلَاةِ وَيُسَمَّى عُرْيَانًا (وَإِنْ أَعْطَاهَا) الْمُكَفِّرُ (ثَوْبًا وَاسِعًا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتُرَ) الثَّوْبُ (بَدَنَهَا وَرَأْسَهَا أَجْزَأَهُ) إنَاطَةً بِسَتْرِ عَوْرَتِهَا (وَيَجُوزُ أَنْ يَكْسُوَهُمْ مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الْكِسْوَةِ مِمَّا يَجُوزُ لِلْآخِذِ لُبْسُهُ مِنْ قُطْنٍ وَكَتَّانٍ وَصُوفٍ وَشَعْرٍ وَوَبَرٍ وَخَزْوٍ حَرِيرٍ وَسَوَاءٌ كَانَ مَصْبُوغًا أَوْ لَا أَوْ خَامًا أَوْ مَقْصُورًا) لِعُمُومِ الْآيَة.
(وَيَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ) الْمُكَفِّرُ (بَعْضًا) مِنْ الْعَشَرَةِ (وَيَكْسُوَ بَعْضًا) مِنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَالْكُسْوَةِ فَكَانَ مَرْجِعُهُمَا إلَى اخْتِيَاره فِي الْعَشَرَةِ وَفِي بَعْضِهِمْ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُخَيِّرْهُ فِيهِ (فَإِنْ أَطْعَمَ الْمِسْكِينَ بَعْضَ الطَّعَامِ وَكَسَاهُ بَعْضَ الْكُسْوَةِ) لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُطْعِمْهُ وَلَمْ يَكْسُهُ (أَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ وَأَطْعَمَ خَمْسَةً أَوْ كَسَاهُمْ) لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَرِّرْ رَقَبَةً وَلَمْ يُطْعِم أَوْ يَكْسُو عَشْرَة (أَوْ أَطْعَمَ) بَعْض الْعَشَرَة (وَصَامَ) دُون الثَّلَاثَة.
(لَمْ يُجْزِئْهُ) وَكَذَا لَوْ كَسَا الْبَعْضَ وَصَامَ أَوْ أَعْتَقَ نِصْفَ رَقَبَةٍ وَصَامَ الْبَاقِي لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ رَقَبَةً وَلَمْ يُطْعِمْ عَشَرَةً وَلَمْ يَكْسُهُمْ وَلَمْ يَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ (كَبَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ وَلَا يَنْتَقِلُ) الْمُكَفِّرُ بِيَمِينِهِ (إلَى الصَّوْمِ إلَّا إذَا عَجِزَ كَعَجْزِهِ عَنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا اسْتَدَانَ) مَا يُطْعِمُهُ أَوْ يَكْسُوهُ أَوْ يُعْتِقُ بِهِ (إنْ قَدَرَ) عَلَى ذَلِكَ (وَإِلَّا صَامَ) كَمَنْ لَا مَال لَهُ (وَالْكَفَّارَةُ بِغَيْرِ الصَّوْمِ) مِنْ إطْعَامٍ أَوْ كُسْوَةٍ أَوْ عِتْقِ رَقَبَةٍ (إنَّمَا تَجِبُ فِي الْفَاضِلِ عَنْ حَاجَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ الصَّالِحَةِ لِمِثْلِهِ كَدَارٍ يَحْتَاجُ إلَى سُكْنَاهَا وَدَابَّةٍ يَحْتَاجُ إلَى رُكُوبِهَا وَخَادِمٍ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُ ذَلِكَ) لِيُكَفِّرَ مِنْهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ فَوْقَ مَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ أَوْ الْخَادِمُ كَذَلِكَ وَأَمْكَنَ بَيْعُ ذَلِكَ وَشِرَاءُ مَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ وَالتَّكْفِيرِ بِالْبَاقِي لَزِمَهُ.
(فَإِنْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ يَحْتَاج إلَى أُجْرَتِهِ لِمُؤْنَتِهِ أَوْ) ل (حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ) مِنْ كُسْوَةٍ وَمَسْكَنٍ وَنَحْوِهِمَا (أَوْ) كَانَ لَهُ (بِضَاعَةٌ يَحْتَلُّ رِبْحُهَا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ بِالتَّكْفِيرِ مِنْهَا أَوْ) كَانَ لَهُ (سَائِمَةٌ يَحْتَاجُ إلَى نَمَائِهَا حَاجَةً أَصْلِيَّةً أَوْ) لَهُ (أَثَاثٌ يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ كُتُبُ عِلْمٍ يَحْتَاجُهَا) لِنَظَرٍ أَوْ حِفْظٍ (أَوْ ثِيَابِ جَمَالٍ وَنَحْوَ ذَلِكَ) كَحُلِيِّ امْرَأَةٍ تَحْتَاجُهُ (أَوْ تَعَذَّرَ بَيْعُ شَيْءٍ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ انْتَقَلَ إلَى الصَّوْمِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ غَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرّهُ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي الظِّهَارِ وَيَجِبُ التَّتَابُعُ فِي الصَّوْمِ) لِقِرَاءَةِ أُبَيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ «فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ» حَكَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَكَصَوْمِ الظِّهَارِ (إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ) فَيَسْقُطُ بِهِ وُجُوبُ التَّتَابُعِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الظِّهَارِ (وَتَجِبُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَنَذْرٍ عَلَى الْفَوْرِ إذَا حَنِثَ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ.
(وَإِنْ شَاءَ) الْحَالِفُ (كَفَّرَ قَبْلَ الْحِنْثِ فَتَكُونُ) الْكَفَّارَةُ (مُحَلِّلَةً لِلْيَمِينِ وَإِنْ شَاءَ) كَفَّرَ (بَعْدَهُ) أَيْ الْحِنْثِ (فَتَكُونُ مُكَفِّرَةً) وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ: عُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَلْمَانُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ إذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
وَلِأَنَّهُ كَفَّرَ بَعْد سَبَبِهِ فَجَازَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ بَعْدَ الْجِرَاحِ وَالْحِنْثُ شَرْطٌ وَلَيْسَ بِسَبَبٍ (فَهُمَا) أَيْ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَبَعْدَهُ (فِي الْفَضِيلَةِ سَوَاءٌ) نَصّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِيهَا التَّقْدِيمُ مَرَّة وَالتَّأْخِيرُ أُخْرَى وَهَذَا دَلِيلُ التَّسْوِيَةِ (هُوَ مَا كَانَتْ الْكَفَّارَةُ غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ صَوْمٍ لِظَاهِرِ مَا سَبَقَ (وَلَوْ كَانَ الْحِنْثُ حَرَامًا) كَأَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ أَوْ لَيُصَلِّي الظُّهْرَ خِلَافًا لِمَا فِي الْمُبْدِعِ حَيْثُ قَالَ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ كَفَّرَ بَعْدَهُ مُطْلَقًا (وَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا) أَيْ الْكَفَّارَةِ (عَلَى الْيَمِينِ) لِأَنَّهُ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ قَبْلَ سَبَبِهِ كَتَقْدِيمِ الزَّكَاةِ قَبْلَ مِلْكِ النِّصَابِ.
(وَإِذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ قَبْلَ الْحِنْثِ لِفَقْرِهِ) إذْ (ثَمَّ حِنْثٌ وَهُوَ مُوسِرٌ لَمْ يُجْزِئْهُ) الصَّوْمُ قَالَ فِي الْمُغْنِي: لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَهُوَ هُنَا وَقْتُ الْحِنْثِ وَقَدْ صَارَ مُوسِرًا فَلَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ كَمَا لَوْ صَامَ إذَنْ.
وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي الْقَاعِدَة الْخَامِسَةِ: وَإِطْلَاقُ الْأَكْثَرِينَ يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فَرَضَهُ فِي الظَّاهِرِ فَبَرِئَ مِنْ الْوَاجِبِ فَلَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْحِنْثُ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَلَّتْهُ.
(وَمَنْ كَرَّرَ يَمِينًا مُوجِبُهَا وَاحِدٌ عَلَى فِعْلِ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت وَاَللَّه لَا أَكَلْت) فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ سَبَبَهَا وَاحِدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّأْكِيدَ (أَوْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَفَّارَتُهَا وَاحِدَة كَقَوْلِهِ وَاَللَّه وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَكَلَامِهِ) لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ (أَوْ كَرَّرَهَا) أَيْ الْأَيْمَانَ (عَلَى أَفْعَالٍ مُخْتَلِفَةٍ قَبْلَ التَّكْفِيرِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلْتُ وَاَللَّهِ لَا شَرِبْتُ وَاَللَّهِ لَا لَبِسْتُ) (فَ) عَلَيْهِ (كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ فَتَدَاخَلَتْ كَالْحُدُودِ (وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ) فَتُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَلَوْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَكَلَتْ وَلَا شَرِبْتُ وَلَا لَبِسْتُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ (حَنِثَ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِي وَاحِدٍ وَتَنْحَلُّ الْبَقِيَّةُ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ وَالْحِنْثُ وَاحِدٌ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْأَيْمَانُ مُخْتَلِفَةَ الْكَفَّارَةِ كَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا) لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ كَالْحُدُودِ مِنْ أَجْنَاسٍ.
(وَلَيْسَ لِرَقِيقٍ أَنْ يُكَفِّرَ بِغَيْرِ صَوْمٍ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ) فَلَا يَصِحَّانِ (لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ) وَلَوْ مَلَكَ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ (وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْ الصَّوْمِ وَلَوْ أَضَرَّ) الصَّوْمُ (بِهِ) كَصِيَامِ رَمَضَانَ وَقَضَائِهِ (وَلَوْ كَانَ الْحَلِفُ وَالْحِنْثُ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ السَّيِّدِ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّوْمِ (وَلَا مَنْعُهُ) أَيْ وَلَيْسَ لِسَيِّدٍ مَنْعُ رَقِيقِهِ (مِنْ نَذْرٍ) لِلصَّوْمِ.
(وَيُكَفِّرُ كَافِرٌ وَلَوْ مُرْتَدًّا بِغَيْرِ صَوْمٍ) لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ وَلَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ وَإِذَا أَعْتَقَ فَلَا يُجْزِئُهُ إلَّا رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ.
(وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ فَحُكْمُهُ فِي الْكَفَّارَةِ حُكْمُ الْأَحْرَارِ) لِأَنَّهُ يَمْلِكُ مِلْكًا تَامًّا أَشْبَهَ الْحُرَّ الْكَامِلَ (وَتَقَدَّمَ فِي) كِتَابِ (الظِّهَارِ وَبَعْضِ أَحْكَامِ الْكَفَّارَةِ فَلْيُعَاوَدْ) لِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ.