فصل: (كِتَابُ النِّكَاحِ وَخَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): في الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ:

(وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ كَمَا إذَا كَانَ الْعِوَضُ) فِيهَا (حَرَامًا كَخَمْرٍ وَنَحْوِهِ) كَخِنْزِيرٍ (أَوْ) كَانَ (مَجْهُولًا كَثَوْبٍ) وَحِمَارٍ (وَدَارٍ تَكُونُ جَائِزَةً مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا) لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ صِفَةٌ كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمُعَاوَضَةُ فَصَارَتْ الصِّفَةُ مَبْنِيَّةً عَلَيْهَا بِخِلَافِ الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ قَالَهُ فِي الْكَافِي وَلَا يَحْتَاجُ الْفَسْخُ لِحَاكِمٍ.
(وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ كِتَابَةٌ فَاسِدَةٌ إذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ وَعَتَقَ (قِيمَةُ نَفْسِهِ) وَلَمْ يَرْجِعْ بِمَا أَدَّاهُ لِأَنَّهُ عَقْدُ كِتَابَةٍ حَصَلَ الْعِتْقُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ تَرَاجُعٌ كَمَا لَوْ كَانَ صَحِيحًا وَلِأَنَّ الْعَبْدَ عَتَقَ بِالصِّفَةِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ عَلَى صِفَةٍ وُجِدَتْ وَمَا أَخَذَهُ السَّيِّدُ فَهُوَ مِنْ كَسْبِ عَبْدِهِ الَّذِي يَمْلِكُ كَسْبَهُ فَلَمْ يَجِبْ رَدُّهُ (وَيَغْلِبُ فِيهَا) أَيْ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ (حُكْمُ الصِّفَةِ فِي أَنَّهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ (إذَا أَدَّى) مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ (عَتَقَ) لِأَنَّ مُقْتَضَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ مَتَى أَدَّى عَتَقَ فَيَصِيرُ كَالْمُصَرَّحِ بِهِ فَيُعْتَقُ بِوُجُودِهِ كَالْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ.
وَ(لَا) يُعْتَقُ بِالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ (إنْ أُبْرِئَ) مِمَّا كُتِبَ عَلَيْهِ أَوْ أَدَّاهُ لِغَيْرِ السَّيِّدِ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمْ تُوجَدْ وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لَا أَثَرَ لَهُ فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الذِّمَّةِ شَيْءٌ تَقَعُ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ.
(وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي عَقْدِ الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ (صِفَةُ) تَعْلِيقٍ (كَقَوْلِهِ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ وَلَمْ يَكُنْ) فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُقْتَضَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَتَنْفَسِخُ) الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ (بِمَوْتِ السَّيِّدِ وَجُنُونِهِ وَالْحَجْرِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ) لِأَنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ لَا يُؤَوَّلُ إلَى اللُّزُومِ (وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ أَخْذَ مَا فِي يَدِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً فَاسِدَةً (قَبْلَ الْأَدَاءِ وَ) يَمْلِكُ أَيْضًا أَخْذَ (مَا فَضَلَ) بِيَدِهِ (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ الْأَدَاءِ (لِأَنَّ كَسْبَهُ هُنَا لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا بِالصِّفَةِ.
(وَيَتْبَعُ الْمُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا فِيهَا) أَيْ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ (مَنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا) كَالصَّحِيحَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لَا يَتْبَعُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتْبَعُ فِي الصَّحِيحَةِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَهُوَ أَقْيَسُ وَأَصَحُّ.
(وَلَا يَجِبُ) عَلَى السَّيِّدِ فِي الْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ (الْإِيتَاءُ) أَيْ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْمُكَاتَبِ رُبْعَ مَالِ الْكِتَابَةِ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ هُنَا بِالصِّفَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ إنْ أَدَّيْت إلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ.
(وَإِذَا شَرَطَ) الْمُكَاتَبُ (فِي كِتَابَتِهِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ وَالْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

.(بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ):

الْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْقَضَاءُ وَالْحِكْمَةُ وَاصْطِلَاحًا خِطَابُ اللَّهِ الْمُفِيدُ فَائِدَةً شَرْعِيَّةً وَأَحْكَامُهُنَّ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِنَّ وَتَزْوِيجُهُنَّ وَتَحْرِيمُ بَيْعِهِنَّ وَنَحْوُهُ مِمَّا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَأُمَّهَاتٌ جَمْعُ أُمٍّ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَيُقَالُ أُمَّاتٌ بِاعْتِبَارِ اللَّفْظِ وَقِيلَ الْأُمَّهَاتُ لِلنَّاسِ وَالْأُمَّاتُ لِلْبَهَائِمِ وَالْهَاءُ فِي أُمَّهَةٍ زَائِدَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَدْ أَشْعَرَ كَلَامُهُ بِجَوَازِ التَّسَرِّي وَهُوَ إجْمَاعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} وَاشْتَهَرَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَدَ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ» وَعَمِلَتْ الصَّحَابَةُ عَلَى ذَلِكَ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ.
(أُمُّ الْوَلَدِ مَنْ وَلَدَتْ مَا فِيهِ صُورَةٌ وَلَوْ) كَانَتْ الصُّورَةُ (خَفِيَّةٌ وَلَوْ) كَانَ مَا وَلَدَتْهُ (مَيِّتًا مِنْ مَالِكٍ) مُتَعَلِّقٍ بِوَلَدَتْ (وَلَوْ) كَانَ مَالِكًا (بَعْضَهَا) وَلَوْ جُزْءًا يَسِيرًا (وَلَوْ) كَانَ مَالِكُهَا الَّذِي وَلَدَتْ مِنْهُ (مُكَاتَبًا) لِصِحَّةِ مِلْكِهِ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يُعْتَقَ الْمُكَاتَبُ وَمَتَى عَجَزَ وَعَادَ إلَى الرِّقِّ فَهِيَ أَمَةُ قِنٍّ وَلَا يَمْلِكُ الْمُكَاتَبُ بَيْعَهَا (أَوْ) كَانَتْ الْمُسْتَوْلَدَةُ (مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى سَيِّدِهَا الَّذِي أَوْلَدَهَا كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَعَمَّتِهِ مِنْهُ وَنَحْوِهَا (أَوْ) وَلَدَتْ مِنْ (أَبِي مَالِكِهَا) لِأَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْهُ بِحُرٍّ لِأَجْلِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ فَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (إنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا) نَصًّا قَالَ الْقَاضِي فَظَاهِرُهُ إنْ كَانَ الِابْنُ قَدْ وَطِئَهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ بِاسْتِيلَادِهَا لِأَنَّهَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا بِوَطْءِ ابْنِهِ لَهَا وَلَا تَحِلُّ لَهُ بِحَالٍ فَأَشْبَهَ وَطْءَ الْأَجْنَبِيِّ فَعَلَى هَذَا لَا يَمْلِكُهَا وَلَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَيُعْتَقُ عَلَى أَخِيهِ لِأَنَّهُ ذُو رَحِمِهِ لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ يُدْرَأُ فِيهِ الْحَدُّ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ فَلَحِقَ فِيهِ النَّسَبَ.
(وَتُعْتَقُ) أُمُّ الْوَلَدِ (بِمَوْتِهِ) أَيْ مَوْتِ سَيِّدِهَا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً عَفِيفَةً أَوْ فَاجِرَةً وَكَذَا حُكْمُ السَّيِّدِ لِأَنَّ عِتْقَهَا بِسَبَبِ اخْتِلَاطِ دَمِهَا بِدَمِهِ وَلَحْمِهَا بِلَحْمِهِ فَإِذَا اسْتَوَيَا فِي السَّبَبِ اسْتَوَيَا فِي حُكْمِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ «ذُكِرَتْ أُمُّ إبْرَاهِيمَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ إتْلَافٌ حَصَلَ بِسَبَبِ حَاجَةٍ أَصْلِيَّةٍ وَهِيَ الْوَطْءُ فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا (فَإِنْ وَضَعَتْ جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ كَمُضْغَةٍ وَنَحْوِهَا) كَعَلَقَةٍ (لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدٍ وَعِتْقُهَا مَشْرُوطٌ بِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ شَهِدَ ثِقَاتٌ مِنْ النِّسَاءِ بِأَنَّ فِي، هَذَا الْجِسْمِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ تَعَلَّقَتْ بِهَا الْأَحْكَامُ لِأَنَّهُنَّ اطَّلَعْنَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَى غَيْرِهِنَّ.
(وَإِنْ مَلَكَ حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ) حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (ف) إنْ (وَطْئِهَا حَرُمَ) عَلَيْهِ (بَيْعُ الْوَلَدِ وَ) لَا يَلْحَقُ بِهِ بَلْ (يُعْتِقُهُ) لِأَنَّهُ قَدْ شَرِكَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ نَقَلَهُ صَالِحٌ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ يُعْتَقُ وَأَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ وَهُوَ يَسْرِي كَالْعِتْقِ أَيْ لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً حَامِلًا مِنْ كَافِرٍ وَطِئَهَا مُسْلِمٌ حُكِمَ بِإِسْلَامِ الْحَمْلِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ أَشْرَكَ فِيهِ فَيَسْرِي إلَى بَاقِيه.
(وَإِنْ أَصَابَهَا) أَيْ أَصَابَ أَمَةً (فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ) بِأَنْ تَزَوَّجَهَا (أَوْ) أَصَابَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِ (شُبْهَةٍ) بِزَوْجَتِهِ الرَّقِيقَةِ الَّتِي لَمْ يَشْتَرِطْ حُرِّيَّةَ وَلَدِهَا ثُمَّ مَلَكَهَا (عَتَقَ الْحَمْلُ) لِأَنَّهُ وَلَدُهُ وَ(لَا) يُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ (بِزِنًا) ثُمَّ مَلَكَهَا لِأَنَّ نَسَبَهُ غَيْرُ لَاحِقٍ بِهِ، فَلَيْسَ رَحِمَهُ بَلْ هُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ وَهَذَا الْحَمْلُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ وَطْئِهِ حَالَ كَوْنِهَا أَمَتَهُ.
(وَإِنْ وَطِئَ) السَّيِّدُ (أَمَتَهَ الْمُزَوَّجَةَ أُدِّبَ) لِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ (وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِأَنَّهَا مِلْكُهُ (وَإِنْ أَوْلَدَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ) لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ (وَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ أَمَتِهِ (وَمَا وَلَدَتْ) الْأَمَةُ الْمُتَزَوِّجَةُ (بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الزَّوْجِ فَلَهُ حُكْمُ أُمِّهِ) قَالَ أَحْمَدُ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا وَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا.
(وَكَذَا لَوْ مَلَك أُخْتَهُ) مِنْ الرَّضَاعِ (أَوْ) مَلَكَ بِنْتَه وَنَحْوَهَا (مِنْ الرَّضَاعِ) أَوْ مَوْطُوءَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أُمَّ زَوْجَتِهِ أَوْ بِنْتَهَا وَقَدْ دَخَلَ بِأُمِّهَا (فَوَطِئَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا) كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ) مَلَكَ (أَمَةً مَجُوسِيَّةً أَوْ وَثَنِيَّةً) وَنَحْوَهَا (أَوْ مَلَكَ الْكَافِرُ أَمَةً مُسْلِمَةً فَاسْتَوْلَدَهَا) صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ (أَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ الْمَرْهُونَةَ) بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَحَمَلَتْ مِنْهُ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ (أَوْ وَطِئَ رَبُّ الْمَالِ أَمَةً مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ) سَوَاءٌ ظَهَرَ فِيهِ رِبْحٌ أَوْ لَا أَوْ وَطِئَ الْمُضَارِبُ أَمَةً مِنْ الْمَالِ وَقَدْ ظَهَرَ رِبْحٌ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَقَدَّمَ لِمَا سَبَقَ.
(وَأَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ أَحْكَامُ الْأَمَةِ مِنْ وَطْءٍ وَخِدْمَةٍ وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهَا) كَالتَّزْوِيجِ وَالْعِتْقِ وَمِلْكِ كَسْبِهَا وَحْدَهَا وَعَوْرَتِهَا وَغَيْرِهِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِمَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَنْ «وَطِئَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ لَهُ فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ» أَوْ قَالَ مِنْ بَعْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى الرِّقِّ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَكَسْبُهَا لَهُ (إلَّا فِي التَّدْبِيرِ) فَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُهَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَتَقَدَّمَ.
(وَ) إلَّا (فِيمَا يَنْقُلُ الْمِلْكُ فِي رَقَبَتِهَا كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَوَقْفٍ أَوْ إيرَادٍ لَهُ كَرَهْنٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ، وَقَالَ: لَا يُبَعْنَ وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ يَسْتَمْتِعُ بِهِنَّ السَّيِّدُ مَا دَامَ حَيًّا، فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا قَالَ الْمَجْدُ وَهُوَ أَصَحُّ.
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَتَقَدَّمَ وَرَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْمُغِيرَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُبَيْدَةَ قَالَ خَطَبَ عَلِيٌّ النَّاسَ فَقَالَ: شَاوَرَنِي عُمَرُ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَرَأَيْت أَنَا وَعُمَرُ عِتْقَهُنَّ فَقَضَى بِهِ عُمَرُ حَيَاتَهُ وَعُثْمَانُ حَيَاتَهُ فَلَمَّا وُلِّيت رَأَيْت فِيهِنَّ رَأْيًا قَالَ عُبَيْدَةُ فَرَأْيُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِ عَلِيٍّ وَحْدَهُ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَهَلْ الِاخْتِلَافُ فِي جَوَازِ بَيْعِهَا شُبْهَةٌ فِيهِ نِزَاعٌ وَالْأَقْوَى أَنَّهُ شُبْهَةٌ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ لَوْ وَطِئَ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ هَلْ يَلْحَقُهُ النَّسَبُ أَوْ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ أَمَّا التَّعْزِيرُ فَوَاجِبٌ (وَتَصِحُّ كِتَابَتُهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ) أَيْ الْكِتَابَةُ (بَيْعٌ) لِكَوْنِهَا تُرَادُ لِلْعِتْقِ.
(وَلَا تُورَثُ) أُمُّ الْوَلَدِ وَلَا يُوصِي بِهَا لِأَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِهِ (وَوَلَدُهَا الْحَادِثُ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ حُكْمُهَا فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا سَوَاءٌ عَتَقَتْ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعِتْقِ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهَا) أَيْ بِإِعْتَاقِ السَّيِّدِ لِأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِغَيْرِ السَّبَبِ الَّذِي يَتْبَعُهَا فِيهِ وَيَبْقَى عِتْقُهُ مَوْقُوفًا عَلَى مَوْتِ السَّيِّدِ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ (وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ) وَفِي نُسَخٍ وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ (بَعْدَ تَدْبِيرِهَا كَهِيَ) أَيْ فَيَتْبَعُهَا فِي التَّدْبِيرِ وَتَقَدَّمَ (لَكِنْ إذَا مَاتَتْ) الْمُكَاتَبَةُ (يَعُودُ) وَلَدُهَا (رَقِيقًا) لِبُطْلَانِ الْكِتَابَةِ الَّتِي هِيَ السَّبَبُ الَّذِي يَتْبَعُهَا فِيهِ وَعِبَارَتُهُ مُوهِمَةٌ وَإِصْلَاحُهَا كَمَا قَرَّرْتُهُ لَك.
(وَإِذَا أُعْتِقَتْ أُمُّ الْوَلَدِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا فَمَا فِي يَدِهَا لِوَرَثَتِهِ) لِأَنَّهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ لَوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ (إلَّا ثِيَابَ اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ) فَإِنَّهَا لَهَا لِأَنَّهَا تَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ (وَكَذَا لَوْ عَتَقَتْ) الْأَمَةُ (بِتَدْبِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَوُجُودِ صِفَةٍ عُلِّقَ الْعِتْقُ عَلَيْهَا فَمَا بِيَدِهَا لِسَيِّدِهَا وَثِيَابُ اللُّبْسِ الْمُعْتَادِ لَهَا لِأَنَّهَا تَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْعِتْقِ.
(وَإِنْ مَاتَ) سَيِّدُ أُمِّ الْوَلَدِ (وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ لِمُدَّةِ حَمْلِهَا مِنْ مَالِ حَمْلِهَا) لِأَنَّ الْحَمْلَ لَهُ نَصِيبٌ فِي الْمِيرَاثِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ فِي نَصِيبِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَخْلُفْ السَّيِّدُ شَيْئًا يَرِثُ مِنْهُ الْحَمْلُ (ف) نَفَقَةُ الْحَمْلِ (عَلَى وَارِثِهِ) الْمُوسِرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}.
(وَإِذَا جَنَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ (تَعَلَّقَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا بِرَقَبَتِهَا) كَالْقِنِّ إنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ سَيِّدِهَا (وَعَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَفْدِيَهَا) لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ كَالْقِنِّ (بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْفِدَاءِ) لِأَنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ جَمِيعُهَا لَسَقَطَ الْفِدَاءُ فَيَجِبُ أَنْ يَسْقُطَ بَعْضُهُ بِتَلَفِ بَعْضِهَا وَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا زَادَ فِدَاؤُهَا لِأَنَّ الْمُتْلَفَ زَادَ فَزَادَ الْفِدَاءُ بِزِيَادَتِهِ كَالْقِنِّ (مَعِيبَةً بِعَيْبِ الِاسْتِيلَادِ) لِأَنَّهُ يَنْقُصُهَا فَاعْتُبِرَ كَالْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ وَإِنْ كَسَبَتْ شَيْئًا فَهُوَ لِسَيِّدِهَا دُونَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ وَلَدُهَا لِأَنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهَا.
وَإِنْ فَدَاهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا حَامِلًا لِأَنَّ الْوَلَدَ مُتَّصِلٌ بِهَا أَشْبَهَ سَمْنَهَا (أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهَا) وَلَا يُسَلِّمُهَا وَلَا يَبِيعُهَا لِمَا تَقَدَّمَ (وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْجِنَايَةُ) مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ (عَلَى بَدَنٍ أَوْ مَالٍ أَوْ بِإِتْلَافِ) مَالٍ (أَوْ إفْسَادِ نِكَاحٍ بِرَضَاعٍ كَمَا يَأْتِي فِي الرَّضَاعِ) وَسَوَاءٌ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عَمْدًا وَعَفَا الْوَلِيُّ عَنْ الْقِصَاصِ إنْ وَجَبَ (وَكُلَّمَا جَنَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ (فَدَاهَا) بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَوْ بِأَلْفِ مَرَّةٍ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ جَانِيَةٍ فَلَزِمَهُ فِدَاؤُهَا كَالْأَوَّلِ (فَإِنْ كَانَتْ) أَيْ وُجِدَتْ (الْجِنَايَاتُ كُلُّهَا) مِنْ أُمِّ الْوَلَدِ (قَبْلَ فِدَاءِ شَيْءٍ مِنْهَا تَعَلَّقَ أَرْشُ الْجَمِيعِ بِرَقَبَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ) أَيْ السَّيِّدِ (فِيهَا) أَيْ فِي جِنَايَاتِ أُمِّ وَلَدِهِ (كُلِّهَا إلَّا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ أَرْشُ جَمِيعِهَا) كَالْقِنِّ (وَيَشْتَرِكُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِمْ فِي الْوَاجِبِ لَهُمْ كَالْغُرَمَاءِ) يَتَوَزَّعُونَ الْمَالَ بِالْمُحَاصَّةِ إذَا ضَاقَ عَنْ وَفَائِهِمْ وَإِنْ أَبْرَأَ بَعْضَهُمْ مِنْ حَقِّهِ تَوَفَّرَ الْوَاجِبُ عَلَى الْبَاقِينَ إنْ كَانَ قَبْلَ الْفِدَاءِ وَإِلَّا تَوَفَّرَ أَرْشُهَا عَلَى سَيِّدِهَا.
(وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ فِدَائِهِ) أُمَّ وَلَدِهِ (عَنْ) الْجِنَايَةِ (الْأُولَى فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهَا مِنْ الَّتِي بَعْدَهَا) الْجِنَايَاتِ (ك) مَا يَفْدِيهَا مِنْ (الْأُولَى) بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَكُلَّمَا جَنَتْ أُمُّ وَلَدٍ فَدَاهَا.
(وَإِنْ مَاتَتْ) أُمُّ الْوَلَدِ الْجَانِيَةُ (قَبْلَ فِدَائِهَا فَلَا شَيْءَ عَلَى سَيِّدِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ شَيْءٌ) وَإِنَّمَا الْأَرْشُ تَعَلَّقَ بِرَقَبَتِهَا وَقَدْ فَاقَتْ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) السَّيِّدُ (هُوَ الَّذِي أَتْلَفَهَا) بِأَنْ قَتَلَهَا (فَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا) إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ يُسَلِّمُهَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَهَا وَإِنْ نَقَصَهَا فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهَا.
(وَلَهُ) أَيْ لِسَيِّدِ أُمِّ الْوَلَدِ (تَزْوِيجُهَا وَإِنْ كَرِهَتْ) كَالْقِنِّ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لَهَا وَلِمَنَافِعِهَا.
(وَإِنْ قَتَلَتْهُ وَلَوْ عَمْدًا عَتَقَتْ) لِأَنَّ الْمُقْتَضَى لِعِتْقِهَا زَوَالُ مِلْكِ سَيِّدِهَا عَنْهَا وَقَدْ زَالَ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُعْتَقَ كَمَا لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ وَكَالْمُدَبَّرِ أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُعْتَقْ بِذَلِكَ لَزِمَ جَوَازُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لِلَّهِ وَالِاسْتِيلَادُ أَقْوَى مِنْ التَّدْبِيرِ.
(وَلِوَلِيِّهِ) أَيْ وَلِيِّ السَّيِّدِ (مَعَ فَقَدْ وَلَدِهَا مِنْ سَيِّدِهَا) الْوَارِثِ لَهُ (الْقِصَاصُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وَكَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ أُمَّ وَلَدِهِ فَإِنْ وَرِثَ وَلَدُهَا شَيْئًا مِنْ دَمِ سَيِّدِهِ فَلَا قِصَاصَ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِنَايَاتِ.
(وَإِنْ عَفَوْا) أَيْ أَوْلِيَاءُ السَّيِّدِ (عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً) أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ (فَعَلَيْهَا الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ دِيَتِهِ) لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ مِنْ أُمِّ وَلَدٍ فَلَمْ يَجِبْ بِهَا أَكْثَرُ مِمَّا ذُكِرَ اعْتِبَارًا بِحَالِ الْجِنَايَةِ، وَكَمَا لَوْ جَنَى عَبْدٌ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ وَهِيَ حَالَ الْجِنَايَةِ أَمَةٌ وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ مُوجِبُ الْجِنَايَةِ بِهَا لِأَنَّهَا فَوَّتَتْ رِقَّهَا بِقَتْلِهَا لِسَيِّدِهَا فَأَشْبَهَ مَا لَوْ فَوَّتَ الْمُكَاتَبُ الْجَانِي رِقَّهُ بِأَدَائِهِ وَإِنَّمَا عَتَقَتْ بِالْمَوْتِ.
(وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا) كَالْمُدَبَّرَةِ لِأَنَّهَا أَمَةٌ حُكْمُهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْإِمَاءِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ فَفِي الْحَدِّ أَوْلَى، لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ وَيُحْتَاطُ لِإِسْقَاطِهِ (وَيُعَزَّرُ) قَاذِفُهَا لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ.

.(فَصْلٌ): إِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ:

(وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ) لَمْ تُعْتَقْ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِي عِتْقِهَا مَجَّانًا إضْرَارًا بِالسَّيِّدِ وَبِالسِّعَايَةِ إضْرَارٌ بِهَا وَ(حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) فَلَا يَخْلُو بِهَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ}- الْآيَةُ وَتُسَلَّمُ لِامْرَأَةٍ ثِقَةٍ تَكُونُ عِنْدَهَا لِتَحْفَظَهَا وَإِنْ احْتَاجَتْ لِأَجْرٍ فَعَلَى سَيِّدِهَا (مَا لَمْ يُسْلِمْ) فَيُمَكَّنُ مِنْهَا (وَأُلْزِمَ بِنَفَقَتِهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ) لِأَنَّهُ مَالِكُهَا وَنَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنْ كَانَ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا فِيهِ لِئَلَّا يَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا وِلَايَةٌ بِأَخْذِ كَسْبِهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَمَتَى فَضَلَ مِنْ كَسْبِهَا شَيْءٌ عَنْ نَفَقَتِهَا كَانَ لِسَيِّدِهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ.
وَقَالَ الْمُوَفَّقُ: إنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى سَيِّدِهَا وَالْكَسْبُ لَهُ يَصْنَعُ بِهِ مَا شَاءَ وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا عَلَى التَّمَامِ سَوَاءٌ كَانَ لَهَا كَسْبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَلَوْ فَضَلَ مِنْ كَسْبِهَا شَيْءٌ عَنْ نَفَقَتِهَا كَانَ لِسَيِّدِهَا (إلَّا أَنْ يَمُوتَ) وَلَوْ كَافِرًا (فَتُعْتَقُ) بِمَوْتِهِ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَشَأْنُ أُمِّ الْوَلَدِ الْعِتْقُ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا (وَإِنْ كَانَ كَسْبُهَا لَا يَفِي بِنَفَقَتِهَا لَزِمَهُ إتْمَامُهَا) أَيْ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ.
(وَمَنْ وَطِئَ أَمَةً) مُشْتَرَكَةً (بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَلَمْ تَحْبَلْ مِنْهُ لَزِمَهُ نِصْفُ مَهْرِهَا لِشَرِيكِهِ) طَاوَعَتْهُ أَوْ لَا، لِأَنَّ الْمَهْرَ لِسَيِّدِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي إتْلَافِ بَعْضِ أَعْضَائِهَا وَيُؤَدَّبُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَتَقْدَحُ فِي عَدَالَتِهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَحْبَلَهَا) أَيْ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (صَارَتْ أُمَّ وَلَدِ لَهُ) إذَا وَضَعَتْ مَا يَبِينُ فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ إنْسَانٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ خَالِصَةً لَهُ، وَتَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ مِلْكِ الشَّرِيكِ مُوسِرًا كَانَ الْوَاطِئُ أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْإِعْتَاقِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَلَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ الْوَاطِئَ (لِشَرِيكِهِ سِوَى نِصْفِ قِيمَتِهَا) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ نَصِيبَهُ مِنْهَا عَلَيْهِ فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ) كَمَا لَوْ أَتْلَفَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ فِي الْمَهْرِ وَالْوَلَدِ لِأَنَّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْعُلُوقِ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ مَهْرِ مَمْلُوكَتِهِ وَالْوَلَدُ قَدْ انْعَقَدَ حُرًّا وَالْحُرُّ لَا قِيمَةَ لَهُ.
(فَإِنْ وَطِئَهَا الشَّرِيكُ) الثَّانِي (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ أَوْلَدَهَا الْأَوَّلُ (وَأَحْبَلَهَا) الثَّانِي (لَزِمَهُ) لِلْأَوَّلِ (مَهْرُهَا) كَامِلًا لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ أَمَةً أَجْنَبِيَّة.
(وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَالِكًا لَهَا وَلَا لِشَيْءٍ مِنْهَا (وَإِنْ جَهِلَ) الْوَاطِئُ الثَّانِي (إيلَادَ) الشَّرِيكِ (الْأَوَّلِ أَوْ) عَلِمَهُ وَجَهِلَ (أَنَّهَا مُسْتَوْلَدَةٌ) أَيْ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِشَرِيكِهِ (فَوَلَدُهُ حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ.
(وَعَلَيْهِ) أَيْ الْوَاطِئِ الثَّانِي (فِدَاؤُهُ) أَيْ فِدَاءُ وَلَدِهِ الَّذِي أَتَتْ بِهِ مِنْ وَطْئِهِ لِكَوْنِهِ فَوَّتَ رِقَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَيَفْدِيه بِقِيمَتِهِ (يَوْمَ الْوِلَادَةِ) لِأَنَّهُ قَبْلَهَا لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَجْهَلْ الْوَاطِئُ الثَّانِي ذَلِكَ بَلْ عَلِمَهُ (فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ) تَبَعًا لِأُمِّهِ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ.
(سَوَاءٌ كَانَ) الْوَاطِئُ (الْأَوَّلُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا) بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِيلَادَ أَقْوَى مِنْ الْإِعْتَاقِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ كَوْنِ الْأَمَةِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا جُزْءٌ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ وَالْبَقِيَّةُ لِلْآخَرِ.
تتمة:
إذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا فَدَخَلَ بِهَا فَإِذَا هِيَ حُبْلَى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحْلَلْت مِنْهَا وَالْوَلَدُ عَبْدٌ لَك، وَإِذَا وَلَدَتْ فَاجْلِدُوهَا وَلَهَا الصَّدَاقُ وَلَا حَدَّ لَعَلَّهَا اُسْتُكْرِهَتْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهِ وَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِي التَّهْذِيبِ قِيلَ: لَمَّا كَانَ وَلَدَ زِنًا وَقَدْ غَرَّتْهُ مِنْ نَفْسِهَا وَغُرِّمَ صَدَاقَهَا أَخْدَمَهُ وَلَدُهَا وَجَعَلَهُ لَهُ كَالْعَبْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَقَّهُ عُقُوبَةً لِأُمِّهِ عَلَى زِنَاهَا وَغُرُورِهَا وَيَكُونُ خَاصًّا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْتَمَلَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَقِيلَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ يُسْتَرَقُّ الْحُرُّ فِي الدَّيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

.(كِتَابُ النِّكَاحِ وَخَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ):

وَذُكِرَتْ هُنَا لِأَنَّهَا فِي النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ (وَهُوَ) أَيْ النِّكَاحُ لُغَةً الضَّمُّ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَنَاكَحَتْ الْأَشْجَارُ، أَيْ انْضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَقَوْلُهُ: أَيُّهَا الْمُنْكِحُ الثُّرَيَّا سُهَيْلًا عَمْرُكَ اللَّهُ كَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَعَنْ الزَّجَّاجِ: النِّكَاحُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ جَمِيعًا قَالَ ابْنُ جِنِّي عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ فَرَّقَتْ الْعَرَبُ فَرْقًا لَطِيفًا يُعْرَفُ بِهِ مَوْضِعُ الْعَقْدِ مِنْ الْوَطْءِ فَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ فُلَانَةَ أَوْ بِنْتَ فُلَانٍ أَرَادُوا تَزْوِيجَهَا وَالْعَقْدَ عَلَيْهَا وَإِذَا قَالُوا: نَكَحَ امْرَأَتَهُ لَمْ يُرِيدُوا إلَّا الْمُجَامَعَةَ لِأَنَّ بِذِكْرِ امْرَأَتِهِ وَزَوْجَتِهِ يُسْتَغْنَى عَنْ الْعَقْدِ.
وَشَرْعًا (عَقْدُ التَّزْوِيجِ) أَيُّ عَقْدٍ يُعْتَبَرُ فِيهِ لَفْظُ نِكَاحٍ أَوْ تَزْوِيجٍ أَوْ تَرْجَمَتِهِ (وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ، مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ) لِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَخْبَارِ وَقَدْ يُقَالُ لَيْسَ فِي الْكِتَابِ لَفْظُ النِّكَاحِ بِمَعْنَى الْوَطْءِ إلَّا قَوْله تَعَالَى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} لِخَبَرِ «حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» وَلِصِحَّةِ نَفْيِهِ عَنْ الْوَطْءِ فَيُقَالُ هَذَا نِكَاحٌ وَلَيْسَ بِسِفَاحٍ وَصِحَّةُ النَّفْيِ دَلِيلُ الْمَجَازِ وَلِأَنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَا يَتَبَادَرُ الذِّهْنُ إلَّا إلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا نَقَلَهُ الْعُرْفُ وَقِيلَ إنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ عَكْسُ مَا تَقَدَّمَ لِمَا سَبَقَ.
وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْلِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَالْأَشْهَر أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَالَ ابْنُ رَزِينٍ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدٍ بِاعْتِبَارِ مُطْلَقِ الضَّمِّ، لِأَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّوَاطُؤِ خَيْرٌ مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّهُمَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ (وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ) أَيْ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ النِّكَاحِ وَيَقَعُ عَلَيْهِ (مَنْفَعَةُ الِاسْتِمْتَاعِ لَا مِلْكُهَا) أَيْ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ: الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْحِلُّ لَا مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يَقَعُ الِاسْتِمْتَاعُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهَا وَقِيلَ بَلْ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الِازْدِوَاجُ كَالْمُشَارَكَةِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} وقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ فِي النِّكَاحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ (يُسَنُّ لِمَنْ لَهُ شُهْرَةٌ وَلَا يَخَافُ الزِّنَا) لِلْحَدِيثِ السَّابِق، عَلَّلَ أَمْرَهُ بِهِ بِأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَخَاطَبَ الشَّبَابَ لِأَنَّهُمْ أَغْلَبُ شَهْوَةً وَذَكَرَهُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى لِلْأَمْنِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورِ النَّظَرِ وَالزِّنَا مَنْ تَرَكَهُ (وَلَوْ) كَانَ (فَقِيرًا) عَاجِزًا عَنْ الْإِنْفَاقِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُصْبِحُ وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَيُمْسِي وَمَا عِنْدَهُمْ شَيْءٌ» وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ رَجُلًا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خَاتَمٍ مِنْ حَدِيدٍ وَلَا وَجَدَ إلَّا إزَارَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِدَاءٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ قَلِيلِ الْكَسْبِ يَضْعُفُ قَلْبُهُ عَنْ التَّزَوُّجِ اللَّهُ يَرْزُقهُمْ التَّزَوُّجُ أَحْصَنُ لَهُ.
قَالَ فِي الشَّرْحِ: هَذَا فِي حَقِّ مَنْ يُمْكِنُهُ التَّزَوُّجُ فَأَمَّا مَنْ لَا يُمْكِنُهُ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} انْتَهَى وَنَقَلَ صَالِحُ يَقْتَرِضُ وَيَتَزَوَّجُ (وَاشْتِغَالُهُ) أَيْ ذِي الشَّهْوَةِ (بِهِ) أَيْ النِّكَاحِ (أَفْضَلُ) مِنْ نَوَافِلِ الْعِبَادَةِ قَالَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَمِنْ (التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ) قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْ أَجَلِي إلَّا عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَعْلَمُ أَنِّي أَمُوتُ فِي آخِرِهَا يَوْمًا، وَلِي طَوْلُ النِّكَاحِ فِيهِنَّ لَتَزَوَّجْتُ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ تَزَوَّجْ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ: لَيْسَتْ الْعُزُوبَةُ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ فِي شَيْءٍ وَمَنْ دَعَاكَ إلَى غَيْرِ التَّزَوُّجِ فَقَدْ دَعَاكَ إلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ بِشْرٌ كَانَ قَدْ تَمَّ أَمْرُهُ وَلِأَنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ أَكْثَرُ مِنْ مَصَالِحِ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ، لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْصِينِ فَرْجِ نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ وَحِفْظِهَا وَالْقِيَامِ بِهَا وَإِيجَادِ النَّسْلِ وَتَكْثِيرِ الْأُمَّةِ وَتَحْقِيقِ مُبَاهَاة النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الرَّاجِحِ أَحَدُهَا عَلَى نَفْلِ الْعِبَادَةِ الْقِسْمُ الثَّانِي: ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (وَيُبَاحُ) النِّكَاحُ (لِمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ) كَالْعِنِّينِ وَالْمَرِيضِ وَالْكَبِيرِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي لَهَا يَجِبُ النِّكَاحُ أَوْ يُسْتَحَبُّ- وَهُوَ خَوْفُ الزِّنَا أَوْ وُجُودُ الشَّهْوَةِ- مَفْقُودَةٌ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ الْوَلَدُ وَهُوَ فِيمَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ الْخِطَابُ بِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي حَقِّهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ لِعَدَمِ مَنْعِ الشَّرْعِ مِنْهُ وَتَخَلِّيهِ إذَنْ لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ أَفْضَلُ لِمَنْعِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا مِنْ التَّحْصِينِ بِغَيْرِهِ وَيَضُرُّهَا بِحَبْسِهَا عَلَى نَفْسِهِ وَيُعَرِّضُ نَفْسَهُ لِوَاجِبَاتٍ وَحُقُوقٍ لَعَلَّهُ لَا يَقُومُ بِهَا، وَيَشْتَغِلُ عَنْ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَخَافُ الزِّنَا) بِتَرْكِ النِّكَاحِ (مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ) سَوَاءٌ كَانَ خَوْفُهُ ذَلِكَ (عِلْمًا أَوْ ظَنًّا) لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعْفَافُ نَفْسِهِ وَصَرْفِهَا عَنْ الْحَرَامِ وَطَرِيقُهُ النِّكَاحُ (وَيُقَدَّمُ حِينَئِذٍ) وَجَبَ (عَلَى حَجٍّ وَاجِبٍ نَصًّا) لِخَشْيَةِ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ بِتَأْخِيرِهِ بِخِلَافِ الْحَجِّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَإِنْ كَانَتْ الْعِبَادَاتُ فَرْضَ كِفَايَةٍ كَالْعِلْمِ وَالْجِهَادِ قُدِّمَتْ عَلَى النِّكَاحِ إذَا لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَمَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ظَاهِرٌ إنْ قُلْنَا أَنَّ النِّكَاحَ سُنَّةٌ، فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا فَرْضَ كِفَايَةٍ كَمَا قَالَ أَبُو يَعْلَى الصَّغِير وَابْنُ الْمُثَنَّى فِي تَعْلِيقِهِمَا فَقَدْ تَعَارَضَ فَرْضَا كِفَايَةٍ فَفِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّ النِّكَاحَ وَاجِبٌ قَدَّمَهُ لِأَنَّ فُرُوضَ الْأَعْيَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ (وَلَا يَكْتَفِي فِي) الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ (الْوُجُوبِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ بَلْ يَكُونُ) التَّزْوِيجُ (فِي مَجْمُوعِ الْعُمْرِ) لِتَنْدَفِعَ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ (وَلَا يُكْتَفَى) فِي الِامْتِثَالِ (بِالْعَقْدِ فَقَطْ، بَلْ يَجِبُ الِاسْتِمْتَاعُ) لِأَنَّ خَشْيَةَ الْمَحْظُورِ لَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِهِ.
(وَيُجْزِئُ تَسَرٍّ عَنْهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
(وَمَنْ أَمَرَهُ بِهِ وَالِدَاهُ أَوْ) أَمَرَهُ بِهِ (أَحَدُهُمَا قَالَ أَحْمَدُ أَمَرْتُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ) لِوُجُوبِ بِرِّ وَالِدَيْهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَاَلَّذِي يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ لَا يَتَزَوَّجُ أَبَدًا إنْ أَمَرَهُ بِهِ أَبُوهُ تَزَوَّجَ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَلَيْسَ لَهُمَا) أَيْ لِأَبَوَيْهِ (إلْزَامُهُ بِنِكَاحِ مَنْ لَا يُرِيدُ) نِكَاحَهَا لَهُ لِعَدَمِ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهَا (فَلَا يَكُونُ عَاقًّا) بِمُخَالَفَتِهِمَا فِي ذَلِكَ (كَأَكْلِ مَا لَا يُرِيدُ) أَكْلَهُ.
(وَيَجِبُ) النِّكَاحُ (بِالنَّذْرِ) مِنْ ذِي الشَّهْوَةِ لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَأَمَّا نَحْو الْعِنِّينِ فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَفَّارَةِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ إذَا نَذَرَهَا عَلَى مَا يَأْتِي فِي النَّذْرِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِمُسْلِمٍ دَخَلَ دَارَ كُفَّارٍ بِأَمَانٍ كَتَاجِرٍ (أَنْ يَتَزَوَّجَ) بِدَارِ حَرْبٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ (وَلَا يَتَسَرَّى) بِدَارِ حَرْبٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ (وَلَا يَطَأُ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَتْ مَعَهُ) وَلَا أَمَتَهُ وَلَا أَمَةً اشْتَرَاهَا مِنْهُمْ (بِدَارِ حَرْبٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ) وَلَوْ مُسْلِمَةً نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَعَلَى مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ لَهُ نِكَاحُ آيِسَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ فَإِنَّهُ عَلَّلَ وَقَالَ مِنْ أَجْلِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يُسْتَعْبَدَ قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ قُلْتُ وَعَلَّلَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَا يَنْكِحُ حَتَّى الصَّغِيرَةَ وَالْآيِسَةَ وَأَمَّا إنْ كَانَ فِي جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ أَبَا بَكْرٍ وَهُمْ تَحْتَ الرَّايَاتِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَدُلُّهُمْ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَنْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي آخِرِ الْجِهَادِ وَأَمَّا لِلْأَسِيرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّزْوِيجُ مَادَامَ أَسِيرًا لِأَنَّهُ مَنَعَهُ مَنْ وَطْءِ امْرَأَتِهِ إذَا أُسِرَتْ مَعَهُ مَعَ صِحَّةِ نِكَاحِهِمَا انْتَهَى فَظَاهِرُهُ: وَلَوْ لِضَرُورَةٍ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُنْتَهِي.
(وَيَصِحُّ النِّكَاحُ) بِدَارِ الْحَرْبِ (وَلَوْ فِي غَيْرِ الضَّرُورَةِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ (وَيَجِبُ عَزْلُهُ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ حُرِّمَ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ أَوْ جَازَ فَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّهْوَةُ أُبِيحَ لَهُ نِكَاحُ مُسْلِمَةٍ وَلْيَعْزِلْ عَنْهَا.
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: حَيْثُ حُرِّمَ نِكَاحُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ وَفِعْلٍ وَجَبَ عَزْلُهُ، وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ عَزْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ قُلْتُ فَيُعَايَى بِهَا (وَلَا يَتَزَوَّجُ) بِدَارِ الْحَرْبِ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ الْكُفَّارِ بَلْ حَيْثُ احْتَاجَ يَتَزَوَّجُ الْمُسْلِمَةَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِسَلَامَةِ الْوَلَدِ مِنْهَا أَنْ يُسْتَعْبَدَ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِمَنْ أَرَادَ النِّكَاحَ أَنْ يَتَخَيَّرَ (نِكَاحَ دَيِّنَةٍ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَيُسْتَحَبُّ نِكَاحُ (وَلُودٍ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَيُعْرَفُ كَوْنُ الْبِكْرِ وَلُودًا بِكَوْنِهَا مِنْ نِسَاءٍ يُعْرَفْنَ بِكَثْرَةِ الْأَوْلَادِ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ نِكَاحُ (بِكْرٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ «فَهَلَّا بِكْرًا تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ؟» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (إلَّا أَنْ تَكُونَ مَصْلَحَتُهُ فِي نِكَاحِ الثَّيِّبِ أَرْجَحَ) فَيُقَدِّمُهَا عَلَى الْبِكْرِ وَأَنْ تَكُونَ (مِنْ بَيْتٍ مَعْرُوفٍ بِالدِّينِ وَالْقَنَاعَةِ) لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ دِينِهَا وَقَنَاعَتِهَا وَأَنْ تَكُونَ (حَسِيبَةً وَهِيَ النَّسِيبَةُ أَيْ طَيِّبَةُ الْأَصْلِ) لِيَكُونَ وَلَدُهَا نَجِيبًا فَإِنَّهُ رُبَّمَا أَشْبَهَ أَهْلَهَا وَنَزَعَ إلَيْهِمْ.
وَ(لَا) يَنْبَغِي تَزَوُّجُ (بِنْتِ زِنًا وَلَقِيطَةٍ وَمَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهَا وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ تَكُونَ جَمِيلَةً) لِأَنَّهُ أَسْكَنُ لِنَفْسِهِ وَأَغَضُّ لِبَصَرِهِ وَأَكْمَلُ لِمَوَدَّتِهِ وَلِذَلِكَ جَازَ النَّظَرُ قَبْلَ النِّكَاحِ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ الَّتِي تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَلَا فِي مَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.
وَقَدْ قِيلَ إنَّ الْغَرَائِبَ أَنْجَبُ وَبَنَاتُ الْعَمِّ أَصْبَرُ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «خَيْرُ فَائِدَةٍ أَفَادَهَا الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَعْدَ إسْلَامِهِ: امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ إلَيْهَا وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَهَا وَتَحْفَظُهُ فِي غَيْبَتِهِ فِي مَالِهَا وَنَفْسِهَا» رَوَاهُ سَعِيدٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ (أَجْنَبِيَّةً) لِأَنَّ وَلَدَهَا يَكُونُ أَنْجَبَ وَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ الطَّلَاقَ فَيُفْضِي مَعَ الْقَرَابَةِ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ الْمَأْمُورِ بِصِلَتِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ يُرَادُ لِلْعِشْرَةِ وَلَا تَصْلُحُ الْعِشْرَةُ مَعَ الْحَمْقَاءِ وَلَا يَطِيبُ الْعَيْشُ مَعَهَا، وَرُبَّمَا تَعَدَّى ذَلِكَ إلَى وَلَدِهَا وَقَدْ قِيلَ اجْتَنِبُوا الْحَمْقَاءَ فَإِنَّ وَلَدَهَا ضَيَاعٌ وَصِحَّتَهَا بَلَاءٌ (وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى وَاحِدَةٍ إنْ حَصَلَ بِهَا الْإِعْفَافُ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْمُحَرَّمِ قَالَ تَعَالَى:
{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إلَى إحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ.
وَأَرَادَ أَحْمَدُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ يَتَسَرَّى، فَقَالَ: يَكُونُ لَهُمَا لَحْمٌ يُرِيدُ كَوْنَهُمَا سَمِينَتَيْنِ وَكَانَ يُقَالُ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلْيَسْتَجْدِ شَعْرَهَا فَإِنَّ الشَّعْرَ وَجْهٌ فَتَخَيَّرُوا أَحَدَ الْوَجْهَيْنِ.
وَأَحْسَنُ النِّسَاءِ التُّرْكِيَّاتُ وَأَصْلَحُهُنَّ الْجَلَبُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفْ أَحَدًا، وَلِيَعْزِلَ عَنْ الْمَمْلُوكَةِ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ جَوْدَةَ دِينِهَا وَقُوَّةَ مَيَلَانِهَا إلَيْهِ وَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ إطْلَاقَ الْبَصَرِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ تَرَى غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْعِشْقُ فَيَهْلَكُ الْبَدَنُ وَالدِّينُ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهَا حَتَّى يُحْمَدَ لَهُ جَمَالُهَا.
(وَيُسَنُّ) لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ: النَّظَرُ جَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَجَعَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مُسْتَحَبًّا وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (وَقَالَ الْأَكْثَرُ يُبَاحُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ (لِوُرُودِهِ) أَيْ الْأَمْرِ بِالنَّظَرِ (بَعْدَ الْحَظْرِ) أَيْ الْمَنْعِ.
رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اُنْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُقَالُ أَدَم اللَّهُ بَيْنَكُمَا يَأْدِمُ أَدْمًا بِالسُّكُونِ أَيْ أَلَّفَ وَوَفَّقَ (لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ النَّظَرُ وَيُكَرِّرُهُ) أَيْ النَّظَرَ (وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) إنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ مِنْ الْمَرْأَةِ (وَلَعَلَّهُ) أَيْ عَدَمُ الْإِذْنِ (أَوْلَى) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ فَخَطَبْتُ جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (إنْ أَمِنَ) الَّذِي أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ (الشَّهْوَةَ) أَيْ ثَوَرَانَهَا مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ (إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (غَالِبًا كَوَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَذِنَ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا عُلِمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّظَرِ إلَى جَمِيع مَا يَظْهَرُ غَالِبًا إذْ لَا يُمْكِنُ إفْرَادَ الْوَجْهِ بِالنَّظَرِ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي الظُّهُورِ، وَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ غَالِبًا أَشْبَهَ الْوَجْهَ.
(فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ النَّظَرُ أَوْ كَرِهَهُ) أَيْ النَّظَرَ (بَعَثَ إلَيْهَا امْرَأَةً) ثِقَةً (تَتَأَمَّلُهَا ثُمَّ تَصِفُهَا لَهُ) لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ.
(وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى الرَّجُلِ إذَا عَزَمَتْ عَلَى نِكَاحِهِ لِأَنَّهُ يُعْجِبُهَا مِنْهُ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا) وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى الرَّجُلِ وَالْمَذْهَبُ كَمَا يَأْتِي أَنَّهَا تَنْظُرُ إلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَنُّ فَهُوَ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْأَكْثَرِ.
(قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ النِّسَاءِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ أَنْ يَنْظُرَ لَهَا شَابًّا مُسْتَحْسَنَ الصُّورَةِ وَلَا يُزَوِّجُهَا دَمِيمًا) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ الْقَبِيحُ وَيَأْتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ.
(وَعَلَى مَنْ اُسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ أَوْ مَخْطُوبَةٍ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ مَسَاوِئَ) أَيْ عُيُوبٍ (وَغَيْرِهَا وَلَا يَكُون غِيبَةً مُحَرَّمَةً إذَا قُصِدَ بِهِ النَّصِيحَةُ) لِحَدِيثِ «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ» وَحَدِيثِ «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا.
(وَإِنْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ بَيَّنَهُ كَقَوْلِهِ عِنْدِي شُحٌّ، وَخُلُقِي شَدِيدٌ وَنَحْوِهِمَا) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.
(وَلَا يَصْلُحُ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ قَدْ طَالَ لُبْثُهَا مَعَ رَجُلٍ وَمِنْ التَّغْفِيلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الشَّيْخُ صَبِيَّةً) أَيْ شَابَّةً.
(وَيَمْنَعُ) الزَّوْجُ (الْمَرْأَةَ مِنْ مُخَالَطَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ يُفْسِدْنَهَا عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْكُنَ) الزَّوْجُ (بِهَا عِنْدَ أَهْلِهَا) لِسُقُوطِ حُرْمَتِهِ عِنْدَهَا بِذَلِكَ (وَأَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتَهُ مُرَاهِقٌ وَلَا يَأْذَنُ لَهَا فِي الْخُرُوجِ) مِنْ بَيْتِهِ لِأَنَّهَا إذَا اعْتَادَتْهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مَنْعِهَا بَعْدُ.
(وَلِرَجُلٍ نَظَرُ ذَلِكَ) أَيْ الْوَجْهِ وَالرَّقَبَةِ وَالْيَدِ وَالْقَدَمِ (وَ) نَظَرُ (رَأْسٍ وَسَاقٍ مِنْ الْأَمَةِ الْمُسْتَامَةِ وَهِيَ الْمَطْلُوبُ شِرَاؤُهَا) لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ كَالْمَخْطُوبَةِ وَأَوْلَى، لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلِاسْتِمْتَاعِ وَغَيْرِهِ مِنْ التِّجَارَةِ وَحُسْنُهَا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا وَالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِرُؤْيَةِ ذَلِكَ فَاكْتَفَى بِهِ (وَكَذَا الْأَمَةُ غَيْرُ الْمُسْتَامَةِ) يَنْظُرُ مِنْهَا إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى أَمَةً مُتَلَمْلِمَةً فَضَرَبَهَا بِالدِّرَّةِ، وَقَالَ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ يَا لَكَاعِ وَرَوَى أَنَسٌ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ قَالَ النَّاسُ لَا نَدْرِي أَجَعَلَهَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَمْ أُمَّ وَلَدِهِ؟ فَقَالُوا إنْ حَجَبَهَا فَهِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ فَلَمَّا رَكِبَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ، وَمَدَّ الْحِجَابَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ- النَّاسِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَدَمَ حَجْبِ الْإِمَاءِ كَانَ مُسْتَفِيضًا عِنْدَهُمْ (وَهُوَ) أَيْ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْأَمَةِ غَيْرِ الْمُسْتَامَةِ كَالْمُسْتَامَةِ (أَصْوَبُ مِمَّا فِي التَّنْقِيحِ) حَيْثُ قَالَ وَمِنْ أَمَةٍ غَيْرِ مُسْتَامَةِ إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ صَلَاةٍ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْقِيحِ مُخَالِفٌ لِلْمَعْنَى الَّذِي أُبِيحَ النَّظَرُ مِنْ أَجْلِهِ وَقَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا.
(وَ) لِرَجُلٍ أَيْضًا نَظَرُ وَجْهِ وَرَقَبَةِ وَيَدِ وَقَدَمِ وَرَأْسِ وَسَاقِ (ذَاتِ مَحَارِمِهِ) قَالَ الْقَاضِي عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُبَاحُ مَا يَظْهَرُ غَالِبًا كَالرَّأْسِ وَالْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ (وَهُنَّ مَنْ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِنَسَبٍ) كَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ وَخَالَتِهِ (أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ) كَأُخْتِهِ مِنْ رَضَاعٍ وَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَرَبِيبَةٍ دَخَلَ بِأُمِّهَا وَحَلِيلَةِ أَبٍ أَوْ ابْنٍ (لِحُرْمَتِهَا) احْتِرَازًا عَنْ الْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ (إلَّا نِسَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا) يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْله تَعَالَى:
{لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ} الْآيَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي الْحَجِّ) مُفَصَّلًا.
(فَيُحَرَّمُ) عَلَى زَانٍ (النَّظَرُ إلَى أُمِّ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَ) إلَى (بِنْتِهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهُمَا (لِأَنَّ تَحْرِيمَهُنَّ بِسَبَبِ مَحْرَمٍ وَكَذَا الْمُحَرَّمَةُ بِاللِّعَانِ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ النَّظَرُ إلَيْهَا (وَ) كَذَا (بِنْتِ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّهَا) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهُنَّ.
(وَلَا تُسَافِرُ الْمُسْلِمَةُ مَعَ أَبِيهَا الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا لَهَا فِي السَّفَرِ نَصًّا) وَإِنْ كَانَ مَحْرَمًا فِي النَّظَرِ.
(وَإِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ جَمِيلَةً وَخِيفَتْ الْفِتْنَةُ بِهَا حُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهَا كَالْغُلَامِ الْأَمْرَدِ الَّذِي يُخْشَى الْفِتْنَةُ بِنَظَرِهِ) لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ وَهُوَ الْخَوْفُ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالْفِتْنَةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (وَنَصَّ) أَحْمَدُ (أَنَّ) الْأَمَةَ (الْجَمِيلَةَ تَنْتَقِبُ) وَلَا يُنْظَرُ إلَى الْمَمْلُوكَةِ فَكَمْ نَظْرَةٌ أَلْقَتْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا الْبَلَاءَ.
(وَلِعَبْدِهِ لَا مُبَعَّضٍ وَمُشْتَرَكٍ، وَأَفْتَى الْمُوَفَّقُ بَلَى) فِي الْمُشْتَرَكِ أَنَّهُ كَالْعَبْدِ (نَظَر ذَلِكَ) أَيْ الْوَجْهَ وَالرَّقَبَةَ وَالْيَدَ وَالْقَدَمَ وَالرَّأْسَ وَالسَّاقَ (مِنْ مَوْلَاتِهِ) وقَوْله تَعَالَى:
{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} الْآيَةَ إلَى قَوْلِهِ:
{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى رَبَّةِ الْعَبْدِ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
(وَكَذَا) أَيْ كَالْعَبْدِ وَالْمَحْرَمِ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ، أَيْ غَيْرِ أُولِي الْحَاجَةِ مِنْ النِّسَاءِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَنْهُ هُوَ الْمُخَنَّثُ الَّذِي لَا يَقُومُ عَلَيْهِ آلَةٌ وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ الَّذِي لَا أَرَبَ لَهُ فِي النِّسَاءِ (وَهُوَ مَنْ لَا شَهْوَةَ لَهُ كَعِنِّينٍ وَكَبِيرٍ وَمُخَنَّثٍ) أَيْ شَدِيدِ التَّأْنِيثِ فِي الْخِلْقَةِ حَتَّى يُشْبِهَ الْمَرْأَةَ فِي اللِّينِ وَالْكَلَامِ وَالنَّغَمَةِ وَالنَّظَرِ وَالْفِعْلِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي النِّسَاءِ أَرَبٌ (وَمَنْ ذَهَبَتْ شَهْوَتُهُ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ) وقَوْله تَعَالَى:
{أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ}.
(وَيَنْظُرُ مِمَّنْ لَا تُشْتَهَى كَعَجُوزٍ وَبَرْزَةٍ) لَا تُشْتَهَى (وَقَبِيحَةٍ) وَمَرِيضَةٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا (إلَى غَيْرِ عَوْرَةِ صَلَاةٍ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
وَقَالَ فِي الْكَافِي يُبَاحُ النَّظَرُ مِنْهَا إلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا} الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ اسْتَثْنَاهُنَّ اللَّهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى:
{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} وَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ النَّظَرُ لِأَجْلِهِ مَعْدُومٌ فِي جِهَتِهَا فَأَشْبَهَتْ ذَوَاتَ الْمَحَارِمِ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ.
(وَيَحْرُمُ نَظَرُ خَصِيٍّ وَمَجْبُوبٍ) وَمَمْسُوحٍ (إلَى) امْرَأَةٍ (أَجْنَبِيَّةٍ نَصًّا) قَالَ الْأَثْرَمُ اسْتَعْظَمَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إدْخَالَ الْخُصْيَانِ عَلَى النِّسَاءِ لِأَنَّ الْعُضْوَ وَإِنْ تَعَطَّلَ أَوْ عُدِمَ فَشَهْوَةُ الرِّجَالِ لَا تُزَالُ مِنْ قُلُوبِهِمْ وَلَا يُؤْمَنُ التَّمَتُّعُ بِالْقُبْلَةِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ (كَفَحْلٍ) وَلِذَلِكَ لَا تُبَاحُ خَلْوَةُ الْفَحْلِ بِالرَّتْقَاءِ مِنْ النِّسَاءِ.
(وَلِشَاهِدٍ نَظَرُ وَجْهِ مَشْهُودٍ عَلَيْهَا تَحَمُّلًا وَأَدَاءً عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ مِنْهُ لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ وَاقِعَةً عَلَى عَيْنِهَا) قَالَ أَحْمَدُ لَا يَشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا (وَنَصُّهُ وَكَفَّيْهَا مَعَ الْحَاجَةِ) عِبَارَةُ الْإِنْصَافِ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا إذَا كَانَتْ تُعَامِلُهُ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرْتُ كَلَامَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ فِي نَقْلِي الرِّوَايَاتِ عَنْ الْإِمَامِ مِنْ الْحَاشِيَةِ وَأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَنْظُرُ سِوَى الْوَجْهِ إذْ الشَّهَادَةُ لَا دَخْلَ لَهَا فِي نَظَرِ الْكَفَّيْنِ.
(وَكَذَا) يَنْظُرُ (لِمَنْ يُعَامِلُهَا فِي بَيْعٍ وَإِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ ذَلِكَ) كَقَرْضٍ وَغَيْرِهِ فَيَنْظُرُ لِوَجْهِهَا لِيَعْرِفَهَا بِعَيْنِهَا فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالدَّرَكِ، وَإِلَى كَفَّيْهَا لِحَاجَةٍ.
(وَلِطَبِيبٍ نَظَرُ وَلَمْسُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَظَرِهِ وَلَمْسِهِ حَتَّى ذَلِكَ فَرْجِهَا وَبَاطِنِهِ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَمِثْلُهُ الْمُغْنِي (وَلْيَكُنْ ذَلِكَ مَعَ حُضُورِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ) لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مَعَ الْخَلْوَةِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيَسْتُرُ مِنْهَا مَا عَدَا مَوْضِعَ الْحَاجَةِ) لِأَنَّهَا عَلَى الْأَصْلِ فِي التَّحْرِيمِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ الطَّبِيبُ (مَنْ يَلِي خِدْمَةَ مَرِيضٍ أَوْ مَرِيضَةٍ فِي وُضُوءٍ وَاسْتِنْجَاءٍ وَغَيْرِهِمَا وَكَتَخْلِيصِهَا مِنْ غَرَقٍ وَحَرْقٍ وَنَحْوِهِمَا وَكَذَا لَوْ حَلَقَ عَانَةَ مَنْ لَا يُحْسِنُ حَلْقَ عَانَتِهِ نَصًّا) وَظَاهِرُهُ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَكَذَا لِمَعْرِفَةِ بَكَارَةٍ وَثُيُوبَةٍ وَبُلُوغٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَمَّا حَكَّمَ سَعْدًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ كَانَ يَكْشِفُ عَنْ مُؤْتَزَرِهِمْ» وَعَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أُتِيَ بِغُلَامٍ قَدْ سَرَقَ فَقَالَ اُنْظُرُوا إلَى مُؤْتَزَرِهِ فَلَمْ يَجِدُوهُ أَنْبَتَ الشَّعْرَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ.
(وَلِصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ غَيْرِ ذِي شَهْوَةٍ نَظَرُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ) لِأَنَّهُ لَا شَهْوَةَ لَهُ أَشْبَهَ الطِّفْلَ وَلِأَنَّ الْمُحَرِّمَ لِلرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ كَوْنُهُ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ وَهُوَ مَعْدُومٌ هُنَا.
(وَ) الْمُمَيِّزُ (ذُو الشَّهْوَةِ) كَذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْبَالِغِ وَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ:
{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ النَّظَرُ لَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ.
(وَبِنْتِ تِسْعٍ) مَعَ رَجُلٍ (كَذِي رَحِمٍ) مَحْرَمٍ لِأَنَّ عَوْرَتهَا مُخَالِفَةٌ لِعَوْرَةِ الْبَالِغَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ حَائِضٍ إلَّا بِخِمَارٍ» يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ تَحِضْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَكَقَوْلِنَا فِي الْغُلَامِ الْمُرَاهِقِ مَعَ النِّسَاءِ.
(وَمَنْ لَهُ النَّظَرُ) مِمَّنْ تَقَدَّمَ (لَا يُحَرَّمُ الْبُرُوزُ لَهُ) أَيْ عَدَمُ الِاسْتِتَارِ مِنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِمَا رَوَى أَنَسٌ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ وَهَبَهُ لَهَا قَالَ وَعَلَى فَاطِمَةَ ثَوْبٌ إذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَهَا وَإِذَا غَطَّتْ رِجْلَهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلَامُكِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
(وَلَا يُحَرَّمُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ الطِّفْلِ وَالطِّفْلَةِ قَبْلَ السَّبْعِ وَلَا لَمْسَهَا نَصًّا وَلَا يَجِبُ سَتْرُهَا) أَيْ عَوْرَةُ الطِّفْلِ وَالطِّفْلَةِ (مَعَ أَمْنِ الشَّهْوَةِ) لِأَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسَّلَهُ النِّسَاءُ (وَلَا يَجِبُ الِاسْتِتَارُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ دُونِ سَبْعٍ (فِي شَيْءٍ) مِنْ الْأُمُورِ.
(وَلِلْمَرْأَةِ مَعَ الرَّجُلِ) نَظَرُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ «اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ فَلَا يَرَاكِ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُطْبَةِ الْعِيدِ مَضَى إلَى النِّسَاءِ فَذَكَّرَهُنَّ وَمَعَهُ بِلَالٌ فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ وَلِأَنَّهُنَّ لَوْ مُنِعْنَ مِنْ النَّظَرِ لَوَجَبَ عَلَى الرِّجَالِ الْحِجَابُ كَمَا وَجَبَ عَلَى النِّسَاءِ لِئَلَّا يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ فَأَمَّا حَدِيثُ نَبْهَانَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ «كُنْتُ قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَحَفْصَةُ فَاسْتَأْذَنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجِبَا مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ ضَرِيرٌ لَا يُبْصِرُ فَقَالَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا لَا تُبْصِرَانِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَقَالَ أَحْمَدُ نَبْهَانُ رَوَى حَدِيثَيْنِ عَجِيبَيْنِ هَذَا الْحَدِيثَ وَالْآخَرَ «إذَا كَانَ لِإِحْدَاكُنَّ مُكَاتَبٌ فَلْتَحْتَجِبْ مِنْهُ» كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ضَعْفِ حَدِيثِهِ إذْ لَمْ يَرْوِ إلَّا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخَالِفَيْنِ لِلْأُصُولِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: نَبْهَانُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ فَاطِمَةَ صَحِيحٌ فَالْحُجَّةُ بِهِ لَازِمَةٌ ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّ حَدِيثَ نَبْهَانَ خَاصٌّ بِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ قَالَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد قُلْتُ لَكِنْ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ.
(وَ) لِلْمَرْأَةِ (مَعَ الْمَرْأَةِ وَلَوْ كَافِرَةٌ) مَعَ مُسْلِمَةٍ نَظَرُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ لِأَنَّ النِّسَاءَ الْكَوَافِرَ كُنَّ يَدْخُلْنَ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَكُنَّ يَحْتَجِبْنَ وَلَا أُمِرْنَ بِحِجَابٍ.
(وَلِلرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ وَلَوْ أَمْرَدَ نَظَرُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ «احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» (وَخُنْثَى مُشْكِلٌ فِي النَّظَرِ إلَيْهِ كَامْرَأَةٍ) تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْخَطَرِ (وَنَظَرُهُ) أَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ (إلَى رَجُلٍ كَنَظَرِ امْرَأَةٍ إلَيْهِ وَ) نَظَرُهُ (إلَى امْرَأَةٍ كَنَظَرِ رَجُلٍ إلَيْهَا) قَالَهُ الْمُنَقِّحُ: تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْخَطَرِ.
(وَيَجُوزُ النَّظَرُ إلَى الْغُلَامِ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ) لِأَنَّهُ ذَكَرٌ أَشْبَهَ الْمُلْتَحِيَ (مَا لَمْ يَخَفْ ثَوَرَانَهَا) أَيْ الشَّهْوَةِ (فَيُحَرَّمُ) النَّظَرُ إلَى الْغُلَامِ (إذَا كَانَ مُمَيِّزًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ (وَيَحْرُمُ النَّظَرُ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَسَرِيَّتِهِ (بِشَهْوَةٍ أَوْ) مَعَ (خَوْفِ) ثَوَرَانِهَا (نَصًّا) لِمَا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ إلَى الْفِتْنَةِ (وَلَمْسٌ كَنَظَرٍ) فَيُحَرَّمُ حَيْثُ يُحَرَّمُ النَّظَرُ (وَأَوْلَى) أَيْ بَلْ اللَّمْسُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْ النَّظَرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّ النَّظَرِ حِلُّ اللَّمْسِ كَالشَّاهِدِ وَنَحْوِهِ (وَمَعْنَى الشَّهْوَةِ التَّلَذُّذُ بِالنَّظَرِ) إلَى الشَّيْءِ.
(وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى) شَيْءٍ مِنْ (الْحُرَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ قَصْدًا) فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ وَأَمَّا النَّظَرُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«الْأُولَى لَكَ» أَيْ مَا كَانَ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (وَيَحْرُمُ نَظَرُ شَعْرِهَا) أَيْ شَعْرِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا وَ(لَا) يَحْرُمُ نَظَرُهُ وَلَا مَسُّ الشَّعْرِ (الْبَائِنِ) أَيْ الْمُنْفَصِلِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِزَوَالِ حُرْمَتِهِ بِالِانْفِصَالِ (وَتَقَدَّمَ فِي) بَابِ (السِّوَاكِ وَصَوْتُهَا) أَيْ الْأَجْنَبِيَّةِ (لَيْسَ بِعَوْرَةٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَيُحَرَّمُ التَّلَذُّذُ بِسَمَاعِهِ وَلَوْ) كَانَ (بِقِرَاءَةٍ) خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ وَتَقَدَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَتُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ إنْ كَانَ يَسْمَعُهَا أَجْنَبِيٌّ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْفِضَ مِنْ صَوْتِهَا فِي قِرَاءَتِهَا إذَا قَرَأَتْ بِاللَّيْلِ.
(وَيَحْرُمُ النَّظَرُ مَعَ شَهْوَةِ تَخْنِيثٍ وَسِحَاقٍ وَدَابَّةٍ يَشْتَهِيهَا وَلَا يُعِفُّ عَنْهَا) قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِهِ (وَكَذَا الْخَلْوَةُ بِهَا) أَيْ بِدَابَّةٍ يَشْتَهِيهَا وَلَا يُعِفُّ عَنْهَا لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ.
(وَتُحَرَّمُ الْخَلْوَةُ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ عَلَى الْكُلِّ) أَيْ مَنْ تَقَدَّمَ (مُطْلَقًا) أَيْ مَعَ شَهْوَةٍ أَوْ بِدُونِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (كَخَلْوَتِهِ) أَيْ الرَّجُلِ (بِأَجْنَبِيَّةٍ وَلَوْ) كَانَتْ (رَتْقَاءَ فَأَكْثَرَ) فَيُحَرَّمُ خَلْوَةُ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ بِعَدَدٍ مِنْ النِّسَاءِ (وَخَلْوَةُ) رِجَالٍ (أَجَانِبَ بِهَا) أَيْ بِامْرَأَةٍ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَتَحْرُمُ) الْخَلْوَةُ (بِحَيَوَانٍ يَشْتَهِي الْمَرْأَةَ أَوْ تَشْتَهِيهِ كَالْقِرْدِ) ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ الْخَلْوَةُ بِأَمْرَدَ حَسَنٍ وَمُضَاجَعَتُهُ كَامْرَأَةٍ) أَيْ فَتُحَرَّمُ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ (وَلَوْ لِمَصْلَحَةِ تَعْلِيمٍ وَتَأْدِيبٍ وَالْمُقِرُّ مُوَلَّاهُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْوَاو وَتَشْدِيدِ اللَّامِ) (عِنْدَ مَنْ يُعَاشِرُهُ كَذَلِكَ) أَيْ مَعَ الْخَلْوَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ (مَلْعُونٌ دَيُّوثٌ وَمَنْ عُرِفَ بِمَحَبَّتِهِمْ وَمُعَاشَرَةٍ بَيْنَهُمْ يُمْنَعُ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ) سَدًّا لِلْبَابِ (وَقَالَ أَحْمَدُ لِرَجُلٍ مَعَهُ غُلَامٌ جَمِيلٌ- هُوَ ابْنُ أُخْتِهِ الَّذِي أَرَى لَكَ أَنْ لَا يَمْشِيَ مَعَكَ فِي طَرِيقٍ).
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ كَانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ فِي الْأَمْرَدِ هُوَ أَشَدُّ فِتْنَةٍ مِنْ الْعَذَارَى فَإِطْلَاقُ الْبَصَرِ مِنْ أَعْظَمِ الْفِتَنِ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَكَانَ عَاقِلًا مِنْ أَشْيَاخِ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ مَنْ أُعْطَى أَسْبَابَ الْفِتْنَةِ مِنْ نَفْسِهِ أَوَّلًا: لَمْ يَنْجُ مِنْهَا آخِرًا: وَإِنْ كَانَ جَاهِدًا قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْأَمْرَدُ يُنْفِقُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَهُوَ شَبَكَةُ الشَّيَاطِينِ فِي حَقِّ النَّوْعَيْنِ (وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ مُصَافَحَتَهُ النِّسَاءَ وَشَدَّدَ أَيْضًا حَتَّى لِمَحْرَمٍ وَجَوَّزَهُ لِوَالِدٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ وَمَحْرَمٍ.
(وَجَوَّزَ أَخْذَ يَدِ عَجُوزٍ) وَفِي الرِّعَايَةِ وَشَعْرِهَا.
(وَلَا بَأْسَ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ بِتَقْبِيلِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَذَكَرَ حَدِيثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مِنْ غَزْوٍ فَقَبَّلَ فَاطِمَةَ» (لَكِنْ لَا يَفْعَلُهُ عَلَى الْفَمِ بَلْ الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ).
وَنَقَلَ حَرْبٌ فِيمَنْ تَضَعُ يَدَهَا عَلَى بَطْنِ رَجُلٍ لَا يَحِلُّ لَهَا قَالَ لَا يَنْبَغِي إلَّا لِضَرُورَةٍ وَنَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ تَضَعُ يَدَهَا عَلَى صَدْرِهِ قَالَ ضَرُورَةٌ.
(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ نَظَرُ جَمِيعِ بَدَنِ الْآخَرِ وَلَمْسُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ حَتَّى الْفَرْجِ) لِمَا رَوَى بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلِأَنَّ الْفَرْجَ مَحَلُّ الِاسْتِمْتَاعِ فَجَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ كَبَقِيَّةِ الْبَدَنِ وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَنْظُرَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى فَرْجِ الْآخَرِ قَالَتْ عَائِشَةُ «مَا رَأَيْتُ فَرْجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَفِي لَفْظٍ قَالَتْ «مَا رَأَيْتُهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَآهُ مِنِّي».
(قَالَ الْقَاضِي يَجُوزُ تَقْبِيلُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْجِمَاعِ وَيُكْرَهُ) تَقْبِيلُهُ (بَعْدَهُ) وَذَكَرَهُ عَنْ عَطَاءٍ وَيُكْرَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ حَالَ الطَّمْثِ (وَكَذَا سَيِّدٌ مَعَ أَمَتِهِ الْمُبَاحَةِ) لَهُ لِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ الْمُبَاحَةِ عَنْ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّنْ لَا تَحِلُّ لَهُ.
(وَلَا يَنْظُرُ) السَّيِّدُ مِنْ الْأَمَةِ (الْمُشْتَرَكَةِ عَوْرَتَهَا) فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُبَاحُ نَظَرُ مَا عَدَاهَا كَالْمُزَوَّجَةِ.
(وَيَحْرُمُ أَنْ تَتَزَيَّنَ) امْرَأَةٌ (لِمَحْرَمٍ غَيْرِهِمَا) أَيْ غَيْرِ زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ.
(وَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (النَّظَرُ مِنْ أَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمَجُوسِيَّةِ إلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ جَارِيَتَهُ عَبْدَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرُ إلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ فَإِنَّهُ عَوْرَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمَفْهُومُهُ إبَاحَةُ النَّظَرِ إلَى مَا عَدَا ذَلِكَ.
(قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ وَيُكْرَهُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ) بِلَا حَاجَةٍ قُلْتُ لَعَلَّ الْمُرَادَ حَيْثُ أُبِيحَ كَشْفُهَا وَإِلَّا حُرِّمَ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلْكَشْفِ الْمُحَرَّمِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
(وَيُكْرَهُ) (نَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ) وَفِي الرِّعَايَةِ مُمَيِّزَيْنِ (مُتَجَرِّدَيْنِ تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ) (أَوْ) تَحْتَ (لِحَافٍ وَاحِدٍ) قَالَ فِي الْآدَابِ: ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعَبِ وَالرِّعَايَةِ وَقَدْ «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ».
(قَالَ فِي الْمُسْتَوْعَبِ مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا ثَوْبٌ) فَلَا يُكْرَهُ نَوْمُهُمَا تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ أَوْ لِحَافٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فِيمَا سَبَقَ مُتَجَرِّدَيْنِ.
(وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا غَيْرَ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ) وَالْآخَر أُنْثَى (أَوْ) كَانَ رَجُلٌ (مَعَ أَمْرَدَ حُرِّمَ) نَوْمُهُمَا تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَلِحَافٍ وَاحِدٍ لِمَا يَأْتِي فِي الْإِخْوَةِ.
(وَإِذَا بَلَغَ الْإِخْوَةُ عَشْرَ سِنِينَ ذُكُورًا كَانُوا أَوْ إنَاثًا، أَوْ إنَاثًا وَذُكُورًا فَرَّقَ وَلِيُّهُمْ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ فَيَجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِرَاشًا وَحْدَهُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» أَيْ حَيْثُ كَانُوا يَنَامُونَ مُتَجَرِّدِينَ كَمَا فِي الْمُسْتَوْعَبِ وَالرِّعَايَةِ قَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ عَلَى رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْمَنْصُوصُ- وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا- وُجُوبُ التَّفْرِيقِ فِي ابْنِ سَبْعٍ فَأَكْثَرَ، وَأَنَّ لَهُ عَوْرَةٌ يَجِبُ حِفْظُهَا.
(فَصْلٌ فِي الْخِطْبَةِ وَيُحَرَّمُ التَّصْرِيحُ وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ النِّكَاحِ بِخِطْبَةِ مُعْتَدَّةٍ بَائِنٍ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى:
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَحْمِلَهَا الْحِرْصُ عَلَى النِّكَاحِ عَلَى الْإِخْبَارِ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا وَالتَّعْرِيضُ بِخِلَافِهِ (إلَّا لِزَوْجٍ تَحِلُّ لَهُ) كَالْمُخْتَلِعَةِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُهَا فِي عِدَّتِهَا أَشْبَهَتْ غَيْرَ الْمُعْتَدَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَالْمَزْنِيِّ بِهَا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْأَجْنَبِيِّ، وَالْمُسْتَبْرَأَةُ كَأُمِّ الْوَلَدِ إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا أَوْ أَعْتَقَهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا قَالَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ.
(وَيَحْرُمُ) أَيْضًا (تَعْرِيضٌ وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ النِّكَاحُ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ النِّكَاحِ (بِخِطْبَةِ) مُطَلَّقَةٍ (رَجْعِيَّةٍ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ.
(وَيَجُوزُ) التَّعْرِيضُ (فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ وَالْبَائِنِ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ وَ) الْبَائِنِ (بِغَيْرِ) الطَّلَاقِ (الثَّلَاثِ) كَالْمُخْتَلِعَةِ وَالْمُطَلَّقَةِ عَلَى عِوَضٍ.
(وَ) الْبَائِنِ (بِفَسْخِ لَعْنَةٍ وعَيْبٍ وَرَضَاعٍ) وَنَحْوِهِ وقَوْله تَعَالَى:
{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} (هِيَ) أَيْ الْمَرْأَةُ (فِي الْجَوَابِ) لِلْخَاطِبِ (كَهُوَ فِيمَا يَحِلُّ وَيُحَرَّمُ) فَيَجُوزُ لِلْبَائِنِ التَّعْرِيضُ فِي الْإِجَابَةِ وَيُحَرَّمُ عَلَيْهَا التَّصْرِيحُ وَعَلَى الرَّجْعِيَّةِ التَّعْرِيضُ وَالتَّصْرِيحُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّ الْخِطْبَةَ لِلْعَقْدِ فَلَا يَخْتَلِفَانِ فِي حِلِّهِ وَحُرْمَتِهِ.
(وَالتَّعْرِيضُ) مِنْ الْخَاطِبِ (نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي فِي مِثْلِكِ لَرَاغِبٌ وَلَا تُفَوِّتِينِي بِنَفْسِكِ وَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُكِ فَأَعْلِمِينِي وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّهَا عَلَى رَغْبَتِهِ فِيهَا) نَحْوُ مَا أَحْوَجَنِي إلَى مِثْلِكِ (وَتُجِيبُهُ) تَعْرِيضًا نَحْوَ (مَا يُرْغَبُ عَنْكَ وَإِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ وَنَحْوَ ذَلِكَ) نَحْو إنْ يَكُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ.
(فَإِنْ صَرَّحَ) الْخَاطِبُ (بِالْخِطْبَةِ أَوْ عَرَّضَ) بِالْخِطْبَةِ (فِي مَوْضِعٍ يَحْرُمَانِ فِيهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ حِلِّهَا) وَانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا (صَحَّ نِكَاحُهُ) لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي ذَلِكَ تَقْدِيمٌ حُظِرَ عَلَى الْعَقْدِ.
(وَلَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَخْطُبَ) امْرَأَةً عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:
«لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَنَّ فِي خِطْبَةِ الثَّانِي إفْسَادًا عَلَى الْأَوَّلِ وَإِيقَاعٌ لِلْعَدَاوَةِ وَ(لَا) تَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ (كَافِرٍ) لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ «عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ» (كَمَا لَا) يَجِبُ أَنْ (يَنْصَحَهُ نَصًّا) لِحَدِيثِ:
«الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِالْمُسْلِمِ وَإِلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مِثْلُهُ وَلَيْسَ الذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ وَلَا حُرْمَتُهُ كَحُرْمَتِهِ (إنْ أُجِيبَ) الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ (تَصْرِيحًا أَوْ تَعْرِيضًا إنْ عَلِمَ) الثَّانِي بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ وَإِجَابَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَانَ مَعْذُورًا بِالْجَهْلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِجَابَةِ.
(فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ وَعَقَدَ عَلَيْهَا (صَحَّ الْعَقْدُ كَالْخِطْبَةِ) أَيْ كَمَا لَوْ خَطَبَهَا (فِي الْعِدَّةِ) لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ لَا يُقَارِنُ الْعَقْدَ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ (بِخِلَافِ الْبَيْعِ) عَلَى بَيْعِ الْمُسْلِمِ.
(فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) الثَّانِي (أُجِيبَ) الْأَوَّلُ (أَمْ لَا) جَازَ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ (أَوْ رُدَّ) الْأَوَّلُ جَازَ لِمَا رَوَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ «أَنَّهَا أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَاهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ الْعَصَا عَنْ عَاتِقِهِ انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَلَوْ) كَانَ رَدَّهُ (بَعْدَ الْإِجَابَةِ) فَيَجُوزُ لِلثَّانِي الْخِطْبَةُ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْأَوَّلِ لَيْسَ مِنْ قِبَلِهِ (أَوْ لَمْ يُرْكَنْ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ بِمَعْنَى عَدَمِ الْإِجَابَةِ (أَوْ أَذِنَ) الْأَوَّلُ (لَهُ) أَيْ لِلثَّانِي فِي الْخِطْبَةِ جَازَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ (أَوْ سَكَتَ) الْأَوَّلُ (عَنْهُ) بِأَنْ اسْتَأْذَنَ الثَّانِي الْأَوَّلَ فَسَكَتَ عَنْهُ جَازَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّرْكِ (لَوْ كَانَ) الْأَوَّلُ (قَدْ عَرَّضَ لَهَا فِي الْعِدَّةِ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَمَنْ خَطَبَ تَعْرِيضًا فِي الْعِدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا فَلَا يُنْهِي غَيْرَهُ عَنْ الْخِطْبَةِ (أَوْ تَرَكَ) الْأَوَّلُ (الْخِطْبَةَ جَازَ) لِلثَّانِي أَنْ يَخْطُبَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«حَتَّى يَنْكِحَ أَوْ يَتْرُكَ» وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعُدْ الْخَاطِبُ حَتَّى طَالَتْ الْمُدَّةُ وَتَضَرَّرَتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ أَوْ زَالَتْ وِلَايَةُ الْوَلِيِّ الْمُجِيبِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ كَانَتْ الْإِجَابَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ ثُمَّ جُنَّتْ ذَكَرَهُ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ.
(وَلَا يُكْرَهُ لِلْوَلِيِّ) الْمُجْبَرِ الرُّجُوعُ عَنْ الْإِجَابَةِ لِغَرَضٍ (وَلَا) يُكْرَهُ (لِلْمَرْأَةِ) غَيْرِ الْمُجْبَرَةِ (الرُّجُوعُ عَنْ الْإِجَابَةِ لِغَرَضٍ) صَحِيحٍ لِأَنَّهُ عَقْدُ عُمْرٍ يَدُومُ الضَّرَرُ فِيهِ فَكَانَ لَهَا الِاحْتِيَاطُ لِنَفْسِهَا وَالنَّظَرُ فِي حَظِّهَا وَالْوَلِيُّ قَائِمٌ مَقَامَهَا فِي ذَلِكَ (وَبِلَا غَرَضٍ) صَحِيحٍ (يُكْرَهُ) الرُّجُوعُ مِنْهُ وَمِنْهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إخْلَافِ الْوَعْدِ وَالرُّجُوعِ عَنْ الْقَوْلِ وَلَمْ يُحَرَّمْ لِأَنَّ الْحَقَّ بَعْدُ لَمْ يَلْزَمْ كَمَنْ سَاوَمَ لِسِلْعَةٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَبِيعَهَا.
(وَأَشَدُّ مِنْهُ) أَيْ مِنْ تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ (تَحْرِيمًا مَنْ فَرَضَ لَهُ وَلِيُّ الْأَمْرِ عَلَى الصَّدَقَاتِ أَوْ غَيْرِهَا) كَالْجَوَالِي (مَا يَسْتَحِقّهُ فَيَجِيءُ مَنْ زَاحَمَهُ) فِيهِ (أَوْ) مَنْ (يَنْزِعُهُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ أَشَدُّ إيذَاءً لَهُ مِنْ خِطْبَةٍ عَلَيْهِ.
(وَالتَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ عَلَيْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً) لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَلَوْ أَجَابَتْ الْوَلِيَّ وَرَغِبَتْ هِيَ عَنْ النِّكَاحِ كَانَ الْأَمْرُ أَمْرَهَا (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً (فَ) التَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالْإِجَابَةِ (عَلَى الْوَلِيِّ) لِأَنَّهُ مَلَكَ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ بِهِ لَا بِهَا (لَكِنْ لَوْ كَرِهَتْ) الْمُجْبَرَةُ (الْمُجَابَ وَاخْتَارَتْ) كُفُؤًا (غَيْرَهُ وَعَيَّنَتْهُ سَقَطَ حُكْمُ إجَابَةِ وَلِيِّهَا لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا) إذَا تَمَّ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ (يُقَدَّمُ عَلَى اخْتِيَارِهِ).
(قَالَ الشَّيْخُ وَلَوْ خَطَبَتْ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا الرَّجُلَ ابْتِدَاءً فَأَجَابَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لِرَجُلٍ آخَرَ خِطْبَتُهَا) لِأَنَّهُ إيذَاءٌ لَهُ (إلَّا أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْخَاطِبَ) لِأَنَّهُ دُونَهُ فِي الْإِيذَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّيْخُ مَسْأَلَةً وَقَعَ فِيهَا فِي كَلَامِهِ سَقْطُ كَلِمَةٍ فَتَرَكَهَا الْمُصَنِّفُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ (وَنَظِيرُ الْأُولَى) وَهِيَ الَّتِي ذَكَرْتُ لَكَ فِي الْمَتْنِ (أَنْ تَخْطُبَهُ امْرَأَةٌ أَوْ) يَخْطُبَهُ (وَلِيُّهَا بَعْدَ أَنْ خَطَبَ هُوَ امْرَأَةً فَإِنَّ هَذَا إيذَاءٌ لِلْمَخْطُوبِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ كَمَا أَنَّ ذَلِكَ إيذَاءٌ لِلْخَاطِبِ وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ قَبْلَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ) أَيْ لُزُومِهِ (وَذَلِكَ كُلُّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا انْتَهَى) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نَقِيضُ جَوَازِ خِطْبَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى خِطْبَةِ أُخْتِهَا وَصَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ بِالْمَنْعِ وَلَعَلَّ الْعِلَّةَ تُسَاعِدُهُ.
(وَالسَّعْيُ مِنْ الْأَبِ لِلْأَيِّمِ فِي التَّزْوِيجِ وَاخْتِيَارُ الْأَكْفَاءِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ) بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ (لِفِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) حَيْثُ عَرَضَ حَفْصَةَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.
(وَلَوْ أَذِنَتْ) امْرَأَةٌ (لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَهَلْ يُحَرَّمُ عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ خِطْبَتُهَا أَمْ لَا) يُحَرَّمُ فِيهِ (احْتِمَالَانِ) أَحَدُهُمَا يُحَرَّمُ كَمَا لَوْ خُطِبَتْ فَأَجَابَتْ قَالَ التَّقِيُّ الْفَتُوحِيُّ الْأَظْهَرُ التَّحْرِيمُ وَالثَّانِي لَا يُحَرَّمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْطُبْهَا أَحَدٌ وَهُمَا لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَهَذَا دَلِيلٌ مِنْ الْقَاضِي أَنَّ سُكُوتَ الْمَرْأَةِ عِنْدَ الْخِطْبَةِ لَيْسَ بِخِطْبَةٍ بِحَالٍ.
(وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَسَاءً) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَمْسُوا بِالْمَلَاكِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِمَقْصُودِهِ وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ شَرِيفٌ وَيَوْمُ عِيدٍ وَالْبَرَكَةُ فِي النِّكَاحِ مَطْلُوبَةٌ فَاسْتُحِبَّ لَهُ أَشْرَفُ الْأَيَّامِ طَلَبًا لِلْبَرَكَةِ وَالْإِمْسَاءُ بِهِ لِأَنَّ فِي آخِرِ النَّهَارِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ.
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ (بَعْدَ خُطْبَةِ) عَبْدِ اللَّهِ (بْنِ مَسْعُودٍ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَخْطُبُهَا الْعَاقِدُ) أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْحَاضِرِينَ (قَبْلَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ).
وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَإِنْ أَخَّرَ الْخُطْبَةَ عَنْ الْعَقْدِ جَازَ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ يَنْبَغِي أَنْ تُقَالَ مَعَ النِّسْيَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ (وَكَانَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ إذَا حَضَرَ عَقْدَ نِكَاحٍ وَلَمْ يَخْطُبْ فِيهِ بِهَا قَامَ وَتَرَكَهُمْ) وَهَذَا مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحْبَابهَا (وَلَيْسَتْ وَاجِبَةٌ) لِأَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ خُطْبَةً وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ «رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ خَطَبْتُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ» وَلِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ خُطْبَةٌ كَالْبَيْعِ.
(وَهِيَ) أَنَّ خُطْبَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ «عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدَ فِي الْحَاجَةِ» (إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَفَتْحِهَا عَلَى أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ (نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ) فَفَسَّرَهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ({اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} الْآيَةَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَاقْتَصَرَ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُنْتَهَى عَلَى خُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ زَادَ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ (وَبَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالنِّكَاحِ وَنَهَى عَنْ السِّفَاحِ فَقَالَ مُخْبِرًا وَآمِرًا {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} الْآيَةَ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا (وَيُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا دُعِيَ لِيُزَوِّجَ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ إنَّ فُلَانًا يَخْطُبُ إلَيْكُمْ فُلَانَةَ فَإِنْ أَنْكَحْتُمُوهُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَإِنْ رَدَدْتُمُوهُ فَسُبْحَانَ اللَّهِ».
(وَالْمُسْتَحَبُّ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (لَا) خُطْبَتَانِ (اثْنَتَانِ إحْدَاهُمَا) مِنْ الْعَاقِدِ وَالْأُخْرَى (مِنْ الزَّوْجِ قَبْلَ قَبُولِهِ) لِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ السَّلَفِ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَوْلَى مَا اُتُّبِعَ.
(وَيُسْتَحَبُّ ضَرْبُ الدُّفِّ) الَّذِي لَا حَلْقَ فِيهِ وَلَا صُنُوجَ (وَالصَّوْتُ فِي الْإِمْلَاكِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ التَّزْوِيجِ (حَتَّى يَشْتَهِرَ وَيُعْرَفَ نَصًّا قِيلَ لِأَحْمَدَ مَا الصَّوْتُ قَالَ يَتَكَلَّمُ وَيَتَحَدَّثُ وَيَظْهَرُ وَيُسَنُّ إظْهَارُهُ النِّكَاحُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الصَّوْتُ وَالدُّفُّ فِي النِّكَاحِ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ (وَيَأْتِي آخِرَ الْوَلِيمَةِ).
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يُقَالَ لِلْمُتَزَوِّجِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَعَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا رَفَّأَ إنْسَانًا تَزَوَّجَ قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ «بَارَكَ اللَّهُ لَكَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ».
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَقُولَ) الزَّوْجُ (إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ) الْمَرْأَةُ (اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلَكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «إذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا أَخَذَ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ وَلْيَقُلْ مِثْلَ ذَلِكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أَسِيدٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ فَحَضَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَحُذَيْفَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا لَهُ: «إذَا دَخَلْتَ عَلَى أَهْلِكَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خُذْ بِرَأْسِ أَهْلِكَ ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي أَهْلِي وَبَارِكْ لِأَهْلِي فِي وَارْزُقْنِي مِنْهُمْ ثُمَّ شَأْنَكَ وَشَأْنَ أَهْلِكَ» رَوَاهُ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ فِي مَسَائِلِهِ عَنْ أَبِيهِ بِإِسْنَادِهِ.