فصل: (بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ):

قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ: سَهَا عَنْ الشَّيْءِ سَهْوًا: ذَهِلَ وَغَفَلَ قَلْبُهُ عَنْهُ حَتَّى زَالَ عَنْهُ فَلَمْ يَتَذَكَّرْهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ السَّاهِي وَالنَّاسِي: أَنَّ النَّاسِيَ إذَا ذَكَّرْتَهُ تَذَكَّرَ بِخِلَافِ السَّاهِي ا هـ.
وَفِي النِّهَايَةِ: السَّهْوُ فِي الشَّيْءِ تَرْكُهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَالسَّهْوُ عَنْ الشَّيْءِ تَرْكُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ ا هـ وَبِهِ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّهْوِ فِي الصَّلَاةِ الَّذِي وَقَعَ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرِ مَا مَرَّةٍ وَالسَّهْوُ عَنْ الصَّلَاةِ الَّذِي ذُمَّ فَاعِلُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَلَا مِرْيَةَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ السَّهْوِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: نَحْفَظُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ: سَلَّمَ مِنْ اثْنَتَيْنِ فَسَجَدَ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ فَسَجَدَ وَفِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَقَامَ مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ.
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْخَمْسَةُ، يَعْنِي حَدِيثَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنُ بُحَيْنَةَ (لَا يُشْرَعُ) سُجُودُ السَّهْوِ (فِي الْعَمْدِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ» فَعَلَّقَ السُّجُودَ عَلَى السَّهْوِ وَلِأَنَّهُ يُشْرَعُ جُبْرَانًا وَالْعَامِدُ لَا يُعْذَرُ فَلَا يَنْجَبِرُ خَلَلُ صَلَاتِهِ بِسُجُودِهِ، بِخِلَافِ السَّاهِي وَلِذَلِكَ أُضِيفَ السُّجُودُ إلَى السَّهْوِ (بَلْ) يُشْرَعُ (لِلسَّهْوِ بِوُجُودِ) شَيْءٍ مِنْ (أَسْبَابِهِ، وَهِيَ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ وَشْكٌ) فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِهِ فِي ذَلِكَ (لِفَرْضٍ وَنَافِلَةٍ) أَيْ يُشْرَعُ سُجُودُ السَّهْوِ بِوُجُودِ أَسْبَابِهِ فِي فَرْضٍ وَنَفْلٍ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ ذَاتُ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ فَشُرِعَ لَهَا السُّجُودُ كَالْفَرِيضَةِ (سِوَى صَلَاةِ جِنَازَةٍ) لِأَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي صُلْبِهَا، فَفِي جَبْرِهَا أَوْلَى (وَ) سِوَى (سُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ) لِئَلَّا يَلْزَمَ زِيَادَةُ الْجَبْرِ عَلَى الْأَصْلِ.
(وَ) سِوَى (حَدِيثِ نَفْسٍ) لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ.
(وَ) سِوَى (نَظَرٍ إلَى شَيْءٍ) وَلَوْ طَالَ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ (وَ) سِوَى (سَهْوٍ فِي سَجْدَتَيْهِ) إجْمَاعًا حَكَاهُ إِسْحَاقُ (أَوْ بَعْدَهُمَا قَبْلَ سَلَامِهِ، سَوَاءً كَانَ سُجُودُهُ) لِلسَّهْوِ (بَعْدَ السَّلَامِ أَوْ قَبْلَهُ) لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى التَّسَلْسُلِ.
(وَ) سِوَى (كَثْرَةِ سَهْوٍ أَيْ شَكٌّ حَتَّى يَصِيرَ كَوَسْوَاسٍ، فَيَطْرَحهُ وَكَذَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْو مَا ذُكِرَ كَالتَّيَمُّمِ لِأَنَّ الْوَسْوَاسَ يَخْرُجُ بِهِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْمُكَابَرَةِ فَيُفْضِي إلَى زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ مَعَ تَيَقُّنِ إتْمَامِهَا فَوَجَبَ اطِّرَاحُهُ وَاللَّهْوُ عَنْهُ لِذَلِكَ (وَلَا) سُجُودَ لِلسَّهْوِ (فِي صَلَاةِ خَوْفٍ قَالَهُ فِي الْفَائِقِ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَيْ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَغَيْرِهَا، فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْفَائِقِ: وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِي الْخَوْفِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ قُلْتُ فَيُعَايَا بِهَا لَكِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْأَصْحَابِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَتَأْتِي أَحْكَامُ سُجُودِ السَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا لَمْ يَشْتَدَّ، فِي الْوَجْهِ الثَّانِي.

.القِسْمُ الْأَوَّلُ: الزِّيَادَةُ:

ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ تَفْصِيلِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَحُكْمِهَا، وَبَدَأَ بِالزِّيَادَةِ ثُمَّ هِيَ إمَّا زِيَادَةُ أَفْعَالٍ أَوْ أَقْوَالٍ وَزِيَادَةُ الْأَفْعَالِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (فَمَتَى زَادَ) الْمُصَلِّي فِعْلًا (مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ: قِيَامًا أَوْ قُعُودًا، أَوْ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) إجْمَاعًا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ لِأَنَّهُ بِهَا يُخِلُّ بِنَظْمِ الصَّلَاةِ وَيُغَيِّرُ هَيْئَتَهَا فَلَمْ تَكُنْ صَلَاةً، وَلَا فَاعِلَهَا مُصَلِّيًا.
(وَ) إنْ زَادَ ذَلِكَ سَهْوًا وَلَوْ كَانَ الْجُلُوسُ الَّذِي زَادَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ (قَدْرَ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ) عَقِبَ رَكْعَةٍ بِأَنْ جَلَسَ عَقِبَهَا لِلتَّشَهُّدِ، سَوَاءٌ قُلْنَا بِاسْتِحْبَابِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا بِجُلُوسِهِ إنَّمَا أَرَادَ التَّشَهُّدَ سَهْوًا (سَجَدَ) لَهُ وُجُوبًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «فَإِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ سَهْوٌ فَتَدْخُلُ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ سَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَجَدَ بَلْ هِيَ نَقْصٌ فِي الْمَعْنَى فَشُرِعَ لَهَا السُّجُودُ، لِيَنْجَبِرَ النَّقْصُ.
(وَمَتَى ذَكَرَ) مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ عَادَ إلَى تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ لِإِلْغَاءِ الزِّيَادَةِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ لِيَجْلِسَ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَكَانَ مَوْضِعُ جُلُوسِهِ لِلْفَصْلِ أَوْ التَّشَهُّدِ ثُمَّ ذَكَرَ أَتَى بِذَلِكَ وَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ وَلَوْ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَبْلَ السُّجُودِ سَجَدَ لِذَلِكَ وَإِنْ جَلَسَ لِلْفَصْلِ يَظُنُّهُ التَّشَهُّدَ وَطُولُهُ لَمْ يَجِبْ السُّجُودُ.
(وَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ) مَنْ يُبَاحُ لَهُ (فَأَتَمَّ سَهْوًا فَفَرْضُهُ الرَّكْعَتَانِ) قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ (وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) اسْتِحْبَابًا لِأَنَّ عَمْدَهُ لَا يُبْطِلُهَا.
(وَيَأْتِي) فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (وَإِنْ زَادَ رَكْعَةً) أَيْ قَامَ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ، كَثَالِثَةٍ فِي صُبْحٍ أَوْ رَابِعَةٍ فِي مَغْرِبٍ أَوْ خَامِسَةٍ فِي ظُهْرٍ أَوْ عَصْرٍ أَوْ عِشَاءٍ قَطَعَ تِلْكَ الرَّكْعَةَ بِأَنْ يَجْلِسَ فِي الْحَالِ (مَتَى ذَكَرَ) بِغَيْرِ تَكْبِيرٍ نَصَّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجْلِسْ لَزَادَ فِي الصَّلَاةِ عَمْدًا وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لَهَا (وَبَنَى عَلَى فِعْلِهِ قَبْلَهَا) أَيْ قَبْلَ الزِّيَادَةِ لِعَدَمِ مَا يُلْغِيه.
(وَلَا يَتَشَهَّدُ، إنْ كَانَ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَجَدَ) لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ تَشَهَّدَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ، ثُمَّ سَلَّمَ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ.
(وَلَا يَعْتَدُّ) أَيْ لَا يَحْتَسِبُ (بِهَا) أَيْ بِالرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ مِنْ صَلَاتِهِ مَسْبُوقٌ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ فِيهَا أَوْ قَبْلَهَا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ لَا يَعْتَدُّ بِهَا الْإِمَامُ وَلَا يَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ الْحَالَ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِلْمَأْمُومِ (وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْإِمَامِ الْقَائِمِ لِزَائِدَةٍ (فِيهَا مَنْ عَلِمَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ) لِأَنَّهَا سَهْوٌ وَغَلَطٌ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مَعَهُ فِيهَا مَسْبُوقٌ يَجْهَلُ أَنَّهَا زَائِدَةٌ أَنَّهُ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ مَتَى عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّهَا زَائِدَةٌ لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا زَائِدَةٌ بَعْدَ السَّلَامِ وَكَانَ الْفَصْلُ قَرِيبًا، وَلَمْ يَأْتِ بِمُنَافٍ تَمَّمَ صَلَاتَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ مِنْ أَوَّلِهَا وَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ السَّلَامِ فَكَتَرْكِ رَكْعَةٍ، عَلَى مَا يَأْتِي.
(وَإِنْ كَانَ) الَّذِي قَامَ إلَى زَائِدَةٍ (إمَامًا أَوْ مُنْفَرِدًا، فَنَبَّهَهُ ثِقَتَانِ فَأَكْثَرُ- وَيَلْزَمُهُمْ تَنْبِيهُ الْإِمَامِ عَلَى مَا يَجِبُ السُّجُودُ لِسَهْوِهِ) لِارْتِبَاطِ صَلَاتِهِمْ بِصَلَاتِهِ، بِحَيْثُ تَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا، وَظَاهِرُهُ لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمَأْمُومِينَ تَنْبِيهُهُ، وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَالْمُبْدِع وَغَيْرِهِمَا: وَيَلْزَمُهُمْ تَنْبِيهُهُ، فَلَمْ يُقَيِّدُوا بِالْإِمَامِ- (لَزِمَهُ الرُّجُوعُ) جَوَابُ الشَّرْطِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ (سَوَاءٌ نَبَّهُوهُ لِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ وَلَوْ ظَنَّ خَطَأَهُمَا) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَذْكِيرِهِ (مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ صَوَابَ نَفْسِهِ فَيَعْمَلُ بِيَقِينِهِ) وَلَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِمَا كَالْحَاكِمِ لَا يَعْمَلُ بِالْبَيِّنَةِ إذَا عَلِمَ كَذِبَهَا (أَوْ يَخْتَلِفُ عَلَيْهِ الْمُنَبِّهُونَ) لَهُ (فَيَسْقُطُ قَوْلُهُمْ) كَالْبَيِّنَتَيْنِ إذَا تَعَارَضَتَا (وَلَا يَلْزَمُهُ) أَيْ الْإِمَامُ (الرُّجُوعُ إلَى فِعْلِهِمْ) أَيْ الْمَأْمُومِينَ، كَقِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ (مِنْ غَيْرِ تَنْبِيهٍ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِالتَّنْبِيهِ.
(وَلَا) يَرْجِعُ (إلَى تَنْبِيهِ فَاسِقَيْنِ) لِعَدَمِ قَبُولِ خَبَرِهِمَا (وَلَا إذَا نَبَّهَهُ وَاحِدٌ) نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِع إلَى قَوْلِ ذِي الْيَدَيْنِ وَحْدَهُ (إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ صَوَابُهُ) فَيَعْمَلُ بِيَقِينِهِ لَا بِتَنْبِيهِهِ.
(وَالْمَرْأَةُ الْمُنَبِّهَةُ كَالرَّجُلِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي تَنْبِيهِ الْمَرْأَةِ فَائِدَةٌ، وَلَمَا كُرِهَ تَنْبِيهُهَا بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ وَفِي الْمُمَيِّزِ خِلَافٌ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إمَامٌ إلَى قَوْلِ الثِّقَتَيْنِ) الْمُنَبِّهَيْنِ لَهُ (فَإِنْ كَانَ) عَدَمُ رُجُوعِهِ (عَمْدًا) (وَكَانَ) رُجُوعُهُ (لِجُبْرَانِ نَقْصٍ) بِأَنْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ، وَنُبِّهَ فَلَمْ يَرْجِعْ (لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ «أَنَّهُ نَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحَ بِهِ مَنْ خَلْفَهُ: فَمَضَى، فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتَ» وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَمْدًا، وَكَانَ لِغَيْرِ جُبْرَانِ نَقْصٍ (بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا (وَ) بَطَلَتْ (صَلَاةُ الْمَأْمُومِ، قَوْلًا وَاحِدًا قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ).
لِتَعَمُّدِهِ إبْطَالَ صَلَاتِهِ (وَإِنْ كَانَ) عَدَمُ رُجُوعِ الْإِمَامِ إلَى قَوْلِ الثِّقَتَيْنِ لِغَيْرِ جُبْرَانِ نَقْصٍ (سَهْوًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ الْإِمَامِ لِتَرْكِهِ وَاجِبًا وَهُوَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ الثِّقَتَيْنِ (وَ) بَطَلَتْ (صَلَاةُ مَنْ اتَّبَعَهُ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ (عَالِمًا) بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ ذَاكِرًا، لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمَنْ يَعْلَمُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ، كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَعْلَمُ حَدَثَهُ وَ(لَا) تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ اتَّبَعَهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ تَابَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَامِسَةِ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمُوا أَوْ تَوَهَّمُوا النَّسْخَ، وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ (وَوَجَبَتْ مُفَارَقَتُهُ) أَيْ الْإِمَامَ الْقَائِمَ إلَى زَائِدَةٍ عَلَى مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ خَطَأَهُ (وَيُتِمُّ الْمُفَارِقُ صَلَاتَهُ) لِنَفْسِهِ لِلْعُذْرِ (وَظَاهِرُهُ هُنَا: وَلَوْ قُلْنَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إمَامِهِ) فَتَكُونُ هَذِهِ كَالْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ كَلَامِهِمْ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِكَثْرَةِ السَّهْوِ.
وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى، تَبَعًا لِلشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَبَاهُ إمَامٌ قَامَ لِزَائِدَةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَمُتْبِعِهِ عَالِمًا ذَاكِرًا (وَيَرْجِعُ طَائِفٌ) فِي عَدَدِ الْأَشْوَاطِ (إلَى قَوْلِ اثْنَيْنِ نَصًّا) قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ لَوْ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا طُفْنَا سَبْعًا، وَقَالَ الْآخَرُ سِتًّا فَقَالَ: لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَقَالَ اثْنَانِ طُفْنَا سَبْعًا وَقَالَ الْآخَرُ طُفْنَا سِتًّا قُبِلَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَ قَوْلَ الْقَوْمِ يَعْنِي فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَمِنْهُ أَخَذَ الْأَصْحَابُ وُجُوبَ الرُّجُوعِ إلَى تَنْبِيهِ الثِّقَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَعَهُ فِي الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا مُشَارَكَةَ فِيهِ.
(وَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا نَهَارًا، فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا، فَالْأَفْضَلُ إتْمَامُهَا أَرْبَعًا وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ) لِإِبَاحَةِ التَّطَوُّعِ بِأَرْبَعٍ نَهَارًا (وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَيَسْجُدَ) لِلسَّهْوِ (وَرُجُوعُهُ) إذَا نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا (لَيْلًا) وَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا (أَفْضَلُ) مِنْ إتْمَامِهَا أَرْبَعًا لِأَنَّ إتْمَامَهَا مُبْطِلٌ لَهَا كَمَا يَأْتِي وَعَدَمُ إبْطَالِ النَّفْلِ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إتْمَامُهُ (وَيَسْجُدُ) لِلسَّهْوِ (فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ) مَنْ نَوَى اثْنَيْنِ لَيْلًا وَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا (بَطَلَتْ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ أَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ وَلَيْلًا، فَكَقِيَامِهِ إلَى ثَالِثَةٍ بِفَجْرٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ: نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ فَإِنْ قِيلَ الزِّيَادَةُ عَلَى ثِنْتَيْنِ لَيْلًا مَكْرُوهَةٌ فَقَطْ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا؟ قُلْتُ هَذَا إذَا نَوَاهُ ابْتِدَاءً وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَنْوِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فَمُجَاوَزَتُهُ زِيَادَةٌ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ وَمِنْ هُنَا يُؤْخَذُ أَنَّ مَنْ نَوَى عَدَدًا نَفْلًا، ثُمَّ زَادَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ مُبْطِلًا لَهُ.
القسم الثاني:
ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ زِيَادَةِ الْأَفْعَالِ بِقَوْلِهِ: (وَعَمَلٌ مُتَوَالٍ مُسْتَكْثِرٌ فِي الْعَادَةِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ كَمَشْيٍ، وَفَتْحِ بَابٍ وَنَحْوِهِ) كَلَفِّ عِمَامَةٍ وَخِيَاطَةٍ وَكِتَابَةٍ (يُبْطِلهَا) أَيْ الصَّلَاةُ (عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَجَهْلُهُ) لِقَطْعِهِ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ الْأَرْكَانِ (إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةً) كَخَوْفٍ وَهَرَبٍ مِنْ عَدْوٍ أَوْ سَيْلٍ وَنَحْوِهِ، فَلَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ (وَتَقَدَّمَ) فِي الْبَابِ قَبْلَهُ.
(وَلَا يُبْطِلُ) الصَّلَاةَ عَمَلٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الصَّلَاةِ (يَسِيرٌ) عَادَةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فَتْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَابَ لِعَائِشَةَ وَحَمْلِهِ أُمَامَةَ وَوَضْعِهَا، وَكَذَا لَوْ كَثُرَ الْعَمَلُ وَتَفَرَّقَ (وَلَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ) وَلَوْ فَعَلَهُ سَهْوًا، لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ السُّجُودَ لَهُ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى مَا وَرَدَ السُّجُودُ لَهُ، لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُ (وَلَا بَأْسَ بِهِ) أَيْ بِالْعَمَلِ الْيَسِيرِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا (لِحَاجَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَيُكْرَهُ) الْعَمَلُ الْيَسِيرُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا (لِغَيْرِهَا) أَيْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْخُشُوعَ.
(وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ) فِي صَلَاةٍ (عَمْدًا فَإِنْ كَانَ) ذَلِكَ (فِي فَرْضٍ بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ (قَلَّ) الْأَكْلُ أَوْ الشُّرْبُ (أَوْ كَثُرَ) لِأَنَّهُ يُنَافِي الصَّلَاةَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَهُوَ إجْمَاعُ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ فِي الْفَرْضِ، إلَّا مَا حَكَاهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا: أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِيَسِيرِ شُرْبٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ.
(وَ) إنْ كَانَ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ (فِي) صَلَاةِ (نَفْلٍ) فَإِنَّهُ (يُبْطِلُ كَثِيرُهُ عُرْفًا) لِقَطْعِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْأَرْكَانِ (فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَا يُبْطِلُ النَّفَلُ كَغَيْرِهِمَا.
وَهَذِهِ رِوَايَةٌ وَعَنْهُ أَنَّ النَّفَلَ كَالْفَرْضِ قَدَّمَهُ جَمَاعَةٌ وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِأَنَّ مَا أَبْطَلَ الْفَرْضَ أَبْطَلَ النَّفَلَ، كَسَائِرِ الْمُبْطِلَاتِ وَعَنْهُ لَا يَبْطُلُ بِيَسِيرِ الشُّرْبِ فَقَطْ.
وَهِيَ مَفْهُومُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَالْمُصَنِّفُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُقْنِعِ وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ عَنْهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ بِالْأَكْلِ ا هـ أَيْ يَبْطُلُ النَّفَلُ بِيَسِيرِ الْأَكْلِ عَمْدًا، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ النَّفَلُ بِيَسِيرِ الشُّرْبِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ شَرِبَا فِي التَّطَوُّعِ، قَالَ الْخَلَّالُ سَهَّلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ.
وَفِي الْمُبْدِعِ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَذَلِكَ لِأَنَّ كَثْرَةَ النَّفْلِ وَإِطَالَتَهُ مُسْتَحَبَّةٌ مَطْلُوبَةٌ فَتَحْتَاجُ مَعَهُ كَثِيرًا إلَى أَخْذِ جَرْعَةِ مَاءٍ لِدَفْعِ الْعَطَشِ، كَمَا سُومِحَ بِهِ جَالِسًا وَعَلَى الرَّاحِلَةِ (وَإِنْ كَانَ) الْأَكْلُ أَوْ الشُّرْبُ (سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) وَلَمْ يُذَكِّرْهُ جَمَاعَةٌ (لَمْ يُبْطِلْ يَسِيرُهُ فَرْضًا كَانَ) مَا حَصَلَ ذَلِكَ فِيهِ (أَوْ نَفْلًا) لِأَنَّ تَرْكَهُمَا عِمَادُ الصَّوْمِ وَرُكْنُهُ الْأَصْلِيُّ فَإِذَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ حَالَةَ السَّهْوِ فَالصَّلَاةُ أَوْلَى وَكَالسَّلَامِ وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» قَالَ فِي الْكَافِي: فَعَلَى هَذَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ تَعَمُّدُهُ وَعُفِيَ عَنْ سَهْوِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ، كَجِنْسِ الصَّلَاةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَلَا بَأْسَ بِبَلْعِ مَا بَقِيَ فِي فِيهِ) مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ (أَوْ) بَقِيَ (بَيْنَ أَسْنَانِهِ مِنْ بَقَايَا الطَّعَامِ بِلَا مَضْغٍ مِمَّا يَجْرِي بِهِ رِيقُهُ وَهُوَ الْيَسِيرُ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى أَكْلًا (وَمَا لَا يَجْرِي بِهِ رِيقُهُ بَلْ يَجْرِي بِنَفْسِهِ وَهُوَ مَا لَهُ جِرْمٌ تَبْطُلُ) الصَّلَاةُ (بِهِ) أَيْ بِبَلْعِهِ هَذَا مَفْهُومُ مَا فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَالْمُبْدِعِ، وَصَرِيحِ كَلَامِ الْمَجْدِ، حَيْثُ قَالَ وَكَذَلِكَ إذَا اقْتَلَعَ مِنْ بَيْنَ أَسْنَانِهِ (مَا لَهُ جِرْمٌ) وَابْتَلَعَهُ (بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَعَلَّلَهُ بِعَدَمِ مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَلَا يَبْلَعُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ بِلَا مَضْغٍ وَلَوْ لَمْ يَجْرِ بِهِ رِيقٌ نَصًّا وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ الْعَسْكَرِيُّ فِي قِطْعَتِهِ وَتَبِعَ الْعَسْكَرِيَّ تِلْمِيذُهُ الشُّوَيْكِيُّ فِي التَّوْضِيحِ وَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى (وَبَلَعَ مَا ذَابَ بِفِيهِ مِنْ سُكَّرٍ وَنَحْوِهِ) كَحَلْوَى وشيرخشك وترنجبيل (كَأَكْلٍ) وَكَمَا لَوْ فَتَحَ فَاهُ فَنَزَلَ فِيهِ مَاءُ الْمَطَرِ فَابْتَلَعَهُ.
ثُمَّ شَرَعَ يَتَكَلَّمُ عَلَى زِيَادَةِ الْأَقْوَالِ، وَهِيَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ الصَّلَاةَ كَالسَّلَامِ وَكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ وَيَأْتِي: وَالثَّانِي: مَا لَا يُبْطِلُهَا مُطْلَقًا وَقَدْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَإِنْ أَتَى بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ غَيْرِ سَلَامٍ وَلَوْ) كَانَ إتْيَانُهُ بِالْقَوْلِ الْمَشْرُوعِ غَيْرِ السَّلَامِ (عَمْدًا كَالْقِرَاءَةِ فِي السُّجُودِ وَ) فِي (الْقُعُودِ، وَ) كـ (التَّشَهُّدِ فِي الْقِيَامِ، وَقِرَاءَة السُّورَةِ فِي) الرَّكْعَتَيْنِ (الْأُخْرَيَيْنِ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْو مَا ذُكِرَ كَالْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ (لَمْ تَبْطُلْ) الصَّلَاةُ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ فِي الْجُمْلَةِ (وَيُشْرَعُ) أَيْ يُسَنُّ (السُّجُودِ لِسَهْوِهِ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ فِيهَا كَقَوْلِ: آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَفِي التَّكْبِيرِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا: أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ لَهُ سُجُودٌ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْح وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالسُّجُودِ».
(وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ عَمْدًا أَبْطَلَهَا) لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهَا وَالْبَاقِي مِنْهَا إمَّا رُكْنٌ أَوْ وَاجِبٌ، وَكِلَاهُمَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ تَعَمُّدًا.
(وَإِنْ كَانَ) السَّلَامُ قَبْلَ إتْمَامِهَا (سَهْوًا) لَمْ تَبْطُلْ بِهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَبَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ وَلِأَنَّ جِنْسَهُ مَشْرُوعٌ فِيهَا أَشْبَهَ الزِّيَادَةَ فِيهَا مِنْ جِنْسِهَا (ثُمَّ) إنْ (ذَكَرَ قَرِيبًا عُرْفًا أَتَمَّهَا) أَيْ الصَّلَاةُ (وَسَجَدَ) لِلسَّهْوِ.
(وَلَوْ) انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ (خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ) لِمَا رَوَى ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ قَدْ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ لَكِنْ نَسِيتَ أَنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ إلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِد فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا، كَأَنَّهُ غَضْبَانُ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الْأَيْمَنِ عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجْتِ السَّرَعَانُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا قَصُرَتْ الصَّلَاةُ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ فِي يَدِهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ: ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسَيْتَ أَمْ قَصُرَتْ الصَّلَاةُ، فَقَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالُوا نَعَمْ فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى مَا تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ، فَيَقُولُ: أُنْبِئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ.
(فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ) مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِهَا (حَتَّى قَامَ) مِنْ مُصَلَّاهُ (فَعَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ لِيَنْهَضَ إلَى الْإِتْيَانِ بِمَا بَقِيَ) مِنْ صَلَاتِهِ (عَنْ جُلُوسٍ مَعَ النِّيَّةِ) لِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ لَهَا.
(وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ) مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ (حَتَّى شَرَعَ فِي صَلَاةِ غَيْرِهَا قَطَعَهَا) مَعَ قُرْبِ الْفَصْلِ وَعَادَ إلَى الْأُولَى فَأَتَمَّهَا لِتَحْصُلَ لَهُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ أَرْكَانِهَا ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ.
وَفِي الْفُصُولِ: فِيمَا إذَا كَانَتَا صَلَاتَيْ جَمْعٍ أَتَمَّهُمَا ثُمَّ سَجَدَ عَقِبَهُمَا لِلسَّهْوِ عَنْ الْأُولَى لِأَنَّهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوع.
(وَإِنْ كَانَ سَلَامُهُ) قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ (ظَنًّا أَنَّ صَلَاتَهُ قَدْ انْقَضَتْ فَكَذَلِكَ)، أَيْ يَعُودُ فَيُتِمُّهَا إذَا ذَكَرَ قَرِيبًا عُرْفًا لِمَا تَقَدَّمَ (لَا إنْ سَلَّمَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ) كَظُهْرٍ (يَظُنُّهَا جُمُعَةً أَوْ فَجْرًا فَائِتَةً أَوْ التَّرَاوِيحَ) فَيَبْطُلُ فَرْضُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ اسْتِصْحَابَ حُكْمِ النِّيَّةِ وَهُوَ وَاجِبٌ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي) بَابِ (النِّيَّةِ) (فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ) عُرْفًا بَطَلَتْ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَلَمْ يَجُزْ بِنَاءُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ طُولِ الْفَصْلِ لِتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ مَعَهُ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: وَالْمُقَارَبَةِ كَمَثَلِ حَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ إذْ لَمْ يَرِدْ بِتَحْدِيدِهِ نَصٌّ.
(أَوْ أَحْدَثَ) بَطَلَتْ لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ الطَّهَارَةِ شَرْطٌ وَقَدْ فَاتَ (أَوْ تَكَلَّمَ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا) أَيْ الصَّلَاةُ (كَقَوْلِهِ: يَا غُلَامُ اسْقِنِي وَنَحْوِهِ، بَطَلَتْ) لِمَا رَوَى مُعَاوِيَةُ عَنْ الْحَكَمِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ مَكَانٌ لَا يَصْلُحُ لَا يَحِلُّ.
(وَإِنْ تَكَلَّمَ) مَنْ سَلَّمَ قَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ سَهْوًا (يَسِيرًا) عُرْفًا (لِمَصْلَحَتِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ (لَمْ تَبْطُلْ) صَلَاتُهُ إمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ ` قَالَ الْمُوَفَّقُ: إنَّهُ الْأَوْلَى وَصَحَّحَهُ فِي الشَّرْحِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ مُفْلِحٍ فِي حَوَاشِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَذَا الْيَدَيْنِ تَكَلَّمُوا وَبَنَوْا عَلَى صَلَاتِهِمْ، فَعَلَى هَذَا: إنْ أَمْكَنَهُ اسْتِصْلَاحُ الصَّلَاةِ بِإِشَارَةٍ وَنَحْوِهَا فَتَكَلَّمَ فَذَكَرَ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَعَنْهُ إنْ تَكَلَّمَ لِمَصْلَحَتِهَا سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَتْ قَالَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ.
وَهُوَ أَصَحُّ عِنْدِي؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ وَإِنَّمَا وَرَدَ فِي حَالِ السَّهْوِ، فَيَخْتَصُّ بِهِ، وَيَبْقَى غَيْرُهُ عَلَى الْأَصْلِ (وَ) قَالَ الْقَاضِي عَلَاءُ الدِّينِ الْمِرْدَاوِيُّ، الْمَعْرُوفُ (بِالْمُنَقِّحِ: بَلَى) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَكَلَّمَ يَسِيرًا لِمَصْلَحَتِهَا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهِيَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْخَلَّالُ وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَالْقَاضِي وَأَبُو الْحُسَيْنِ قَالَ الْمَجْدُ: وَهِيَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِيضَاحِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَأَجَابَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَالَ إبَاحَةِ الْكَلَامِ وَضَعَّفَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ حُرِّمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ وَغَيْرِهِ أَوْ بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ، عِنْدَ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ (كَكَلَامِهِ فِي صُلْبِهَا) أَيْ الصَّلَاةِ، فَتَبْطُلُ بِهِ (وَلَوْ) كَانَ (مُكْرَهًا)؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ عَمْدًا، وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ نَادِرٌ (لَا إنْ تَكَلَّمَ مَغْلُوبًا عَلَى الْكَلَامِ) بِأَنْ خَرَجَتْ الْحُرُوفُ مِنْهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (مِثْلُ أَنْ سَلَّمَ سَهْوًا) فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهِ وَتَقَدَّمَ.
(أَوْ نَامَ فَتَكَلَّمَ) لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ وَلِعَدَمِ صِحَّةِ إقْرَارِهِ وَعِتْقِهِ وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْ الْجَوَابِ عَنْهُ.
(أَوْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ حَالَ قِرَاءَتِهِ كَلِمَةٌ لَا مِنْ الْقُرْآنِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
(أَوْ غَلَبَهُ سُعَالٌ أَوْ عُطَاسٌ أَوْ تَثَاؤُبٌ فَبَانَ حَرْفَانِ) فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، لِمَا مَرَّ.
(وَإِنْ قَهْقَهَ) فِي الصَّلَاةِ (بَطَلَتْ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا (وَلَوْ لَمْ يَبِنْ حَرْفَانِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْقَهْقَهَةُ تَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَلِأَنَّهُ تَعَمَّدَ فِيهَا مَا يُنَافِيهَا أَشْبَهَ خِطَابَ الْآدَمِيِّ.
(وَلَا) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ (إنْ تَبَسَّمَ) فِيهَا وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ.
(وَإِنْ نَفَخَ) فَبَانَ حَرْفَانِ فَكَكَلَامٍ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ فَقَدْ تَكَلَّمَ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَثْبُتُ عَنْهُمَا وَمَا رُوِيَ مِنْ عَدَمِ الْإِبْطَالِ بِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ مِنْهُ حَرْفَانِ.
(أَوْ انْتَحَبَ) أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالْبُكَاءِ (لَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) فَبَانَ حَرْفَانِ فَكَكَلَامٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْآدَمِيِّينَ وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا غَلَبَ صَاحِبَهُ وَمَا لَمْ يَغْلِبْهُ لَكِنْ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالنِّهَايَةِ: إنَّهُ إذَا غَلَبَ صَاحِبَهُ لَمْ يَضُرَّهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي وُسْعِهِ وَلَمْ يَحْكِيَا فِيهِ خِلَافًا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(أَوْ تَنَحْنَحَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فَبَانَ حَرْفَانِ فَكَكَلَامٍ)؛ لِأَنَّهُ إذَا أَبَانَهَا كَانَ مُتَكَلِّمًا أَشْبَهَ مَا لَوْ تَأَوَّهَ لِغَيْرِ خَشْيَةِ اللَّهِ: فَبَانَ حَرْفَانِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إنْ تَنَحْنَحَ لِحَاجَةٍ لَمْ تَبْطُلْ وَلَوْ بَانَ حَرْفَانِ نَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ وَمُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَحْنَحُ فِي صَلَاتِهِ، وَيُعَضِّدُهُ: مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ «كَانَ لِي مَدْخَلَانِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي يَتَنَحْنَحُ لِي» وَلِلنَّسَائِيِّ مَعْنَاهُ وَلِأَنَّهَا صَوْتٌ لَا يَدُلُّ بِنَفْسِهِ وَلَا مَعَ لَفْظٍ غَيْرِهِ عَلَى مَعْنَى لِكَوْنِهَا حُرُوفًا غَيْرَ مُحَقَّقَةٍ كَصَوْتٍ أُغْفِلَ وَلَا يُسَمَّى فَاعِلُهَا مُتَكَلِّمًا بِخِلَافِ النَّفْخِ وَالتَّأَوُّهِ.
تَنْبِيهٌ:
مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى وَمَنْ وَافَقَهُمَا: كَالْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّ الْإِمَامَ كَانَ يَتَنَحْنَحُ فِي صَلَاتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَصْحَابُ جَعَلُوا النَّحْنَحَةَ كَالنَّفْخِ وَالْقَهْقَهَةِ، وَحَمَلُوا مَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ عَلِيٍّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفَيْنِ وَرَدَّهُ الْمُوَفَّقُ بِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ،؛ لِأَنَّ الْحَاجَة تَدْعُو إلَيْهَا (وَيُكْرَهُ اسْتِدْعَاءُ الْبُكَاءِ كَ) مَا يُكْرَهُ اسْتِدْعَاءُ (الضَّحِكِ) لِئَلَّا يَظْهَرُ حَرْفَانِ فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُ (وَيَأْتِي إذَا لَحَنَ فِي الصَّلَاةِ فِي) بَابِ (صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ) مُفَصَّلًا تَتِمَّةٌ عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْكَلَامَ الْمُبْطِلَ لِلصَّلَاةِ: مَا انْتَظَمَ حَرْفَيْنِ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ الْحَرْفَيْنِ يَكُونَانِ كَلِمَةً، كَأَبٍ وَأَخٍ وَكَذَلِكَ الْأَفْعَالُ وَالْحُرُوفُ لَا تَنْتَظِمُ كَلِمَةً مِنْ أَقَلِّ مِنْ الْحَرْفَيْنِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ نَحْوُ: (قِ) وَ(عِ).