فصل: (فَصْلٌ): فيمن يجب عليه الصوم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): فيمن يجب عليه الصوم:

(وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ) أَيْ صَوْمُ رَمَضَانَ (إلَّا عَلَى مُسْلِمٍ عَاقِلٍ بَالِغٍ قَادِرٍ عَلَيْهِ) أَيْ: الصَّوْمِ؛ لِمَا يَأْتِي (فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا)؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ الْإِسْلَامُ كَالصَّلَاةِ (وَالرِّدَّةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الصَّوْمِ، فَلَوْ ارْتَدَّ فِي يَوْمٍ) وَهُوَ صَائِمٌ فِيهِ بَطَلَ صَوْمُهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} (ثُمَّ) إنْ (أَسْلَمَ فِيهِ، أَوْ) أَسْلَمَ (بَعْدَهُ، أَوْ ارْتَدَّ فِي لَيْلَتِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) أَيْ: قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ إنْ كَانَ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْهُ مُسْلِمًا كَالصَّلَاةِ يُدْرِكُ جُزْءًا مِنْ وَقْتِهَا.
(وَلَا يَجِبُ) الصَّوْمُ (عَلَى مَجْنُونٍ) لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ) لِعَدَمِ إمْكَانِ النِّيَّةِ مِنْهُ.
(وَلَا) يَجِبُ (عَلَى صَغِيرٍ) وَلَوْ مُرَاهِقًا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ.
(وَيَصِحُّ) الصَّوْمُ (مِنْ مُمَيِّزٍ) كَصَلَاتِهِ (وَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ) أَيْ الْمُمَيِّزِ (أَمْرُهُ بِهِ إذَا أَطَاقَهُ وَضَرْبُهُ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ) أَيْ: الصَّوْمِ (إذَا تَرَكَهُ لِيَعْتَادَهُ) كَالصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الصَّوْمَ أَشَقُّ فَاعْتُبِرَتْ لَهُ الطَّاقَةُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُطِيقُ الصَّلَاةَ مَنْ لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ.
(وَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالرُّؤْيَةِ) أَيْ: رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ (فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ) مُتَعَلِّقٌ بِ (قَامَتْ) (لَزِمَهُمْ) أَيْ: أَهْلَ وُجُوبِ الصَّوْمِ (الْإِمْسَاكُ وَلَوْ بَعْدَ فِطْرِهِمْ) لِتَعَذُّرِ إمْسَاكِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ أَنْ يَأْتُوا بِمَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ»، وَكَذَا لَوْ تَعَمَّدُوا الْأَكْلَ فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْهُ (وَ) لَزِمَهُمْ (الْقَضَاءُ) لِثُبُوتِهِ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَأْتُوا فِيهِ بِصَوْمٍ صَحِيحٍ فَلَزِمَهُمْ قَضَاؤُهُ لِلنَّصِّ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ أَوْ بَلَغَ صَغِيرٌ) مُفْطِرًا (فَكَذَلِكَ) أَيْ: مَنْ صَارَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ لَزِمَهُ إمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَضَاؤُهُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ فِيهِ بِالرُّؤْيَةِ؛ وَلِإِدْرَاكِهِ جُزْءًا مِنْ وَقْتِهِ كَالصَّلَاةِ.
(وَ) كَذَا (كُلُّ مَنْ أَفْطَرَ وَالصَّوْمُ يَجِبُ عَلَيْهِ) فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ (كَالْفِطْرِ لِغَيْرِ عُذْرٍ).
(وَمَنْ أَفْطَرَ يَظُنَّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ وَقَدْ كَانَ طَلَعَ أَوْ) يَظُنُّ (الشَّمْسَ قَدْ غَابَتْ وَلَمْ تَغِبْ أَوْ النَّاسِي النِّيَّةَ أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أَوْ تَعَمَّدَتْ) مُكَلَّفَةٌ (الْفِطْرَ ثُمَّ حَاضَتْ) أَوْ نُفِسَتْ (أَوْ تَعَمَّدَهُ) أَيْ: الْفِطْرَ (مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ) فَكُلُّهُمْ يَلْزَمُهُمْ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ لِمَا سَبَقَ، (أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ) أَوْ أَقَامَ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ (أَوْ بَرِئَ مَرِيضٌ مُفْطِرِينَ فَعَلَيْهِمْ الْقَضَاءُ وَالْإِمْسَاكُ) لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ بَلَغَ الصَّغِيرُ) ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ رَمَضَانَ (بِسِنٍّ) أَيْ: تَمَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (أَوْ احْتِلَامٍ) أَيْ: إنْزَالِ مَنِيٍّ بِسَبَبِ حُلُمٍ (صَائِمًا أَتَمَّ صَوْمَهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ (وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إنْ) كَانَ (نَوَى مِنْ اللَّيْلِ)؛ لِأَنَّهُ نَوَاهُ مِنْ اللَّيْلِ فَأَجْزَأَهُ كَالْبَالِغِ، وَلَا يُمْتَنَعُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ نَفْلًا وَبَاقِيهِ فَرْضًا (كَنَذْرِ إتْمَامِ) نَفْلٍ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
(وَلَا يَلْزَمُ مَنْ أَفْطَرَ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ غَيْرَ رَمَضَانَ الْإِمْسَاكُ) لِعَدَمِ حُرْمَةِ الْوَقْتِ.
(وَإِنْ عَلِمَ مُسَافِرٌ أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ نَصًّا) نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ وَأَبُو دَاوُد كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، وَعَلِمَ قُدُومَهُ فِي غَدٍ فَيَنْوِيهِ مِنْ اللَّيْلِ (بِخِلَافِ صَبِيٍّ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُ غَدًا) فَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ (لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ) قَبْلَ دُخُولِ الْغَدِ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ.
(وَمَنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ) وَهُوَ الْهَرِمُ وَالْهَرِمَةُ (أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَفْطَرَ) أَيْ: لَهُ ذَلِكَ إجْمَاعًا (لِعَدَمِ وُجُوبِهِ) أَيْ الصَّوْمِ (عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ فَلَا يُكَلَّفُ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا}.
(وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مَا يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ) مُدًّا مِنْ بُرٍّ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ أَقِطٍ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ وَلَمْ يُدْرِكْهُ، رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَلَا يُجْزِئُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ الْكَبِيرِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ (غَيْرُهُ) رَمَضَانَ وَلَا قَضَاؤُهُ وَلَا كَفَّارَةَ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَجَبَتْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَلَمْ تَدْخُلْهَا النِّيَابَةُ كَالصَّلَاةِ.
(وَإِنْ سَافَرَ) الْكَبِيرُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ (أَوْ مَرِضَ فَلَا فِدْيَةَ) عَلَيْهِ؛ (لِأَنَّهُ أَفْطَرَ بِعُذْرٍ مُعْتَادٍ وَلَا قَضَاءَ) لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَيُعَايَى بِهَا.
(وَإِنْ) أَطْعَمَ ثُمَّ (قَدِرَ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَمَعْضُوبٍ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ وَيَأْتِي (أَحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ عُوفِيَ) ذَكَرَهُ الْمَجْدُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْإِطْعَامُ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عُوفِيَ قَبْلَ الْإِطْعَامِ تَعَيَّنَ الْقَضَاءُ كَالْمَعْضُوبِ إذَا عُوفِيَ قَبْلَ إحْرَامِ نَائِبِهِ.
(وَلَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ) عَنْ الْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ يُرْجَى بُرْؤُهُ (بِالْعَجْزِ) عَنْهُ كَفِدْيَةِ الْحَجِّ فَمَتَى قَدِرَ عَلَيْهِ أَطْعَمَ (وَيَأْتِي قَرِيبًا).
(وَالْمَرِيضُ) غَيْرُ الْمَيْئُوسِ مِنْ بُرْئِهِ (إذَا خَافَ) بِصَوْمِهِ (ضَرَرًا بِزِيَادَةِ مَرَضِهِ أَوْ طُولِهِ) أَيْ: الْمَرَضِ (وَلَوْ بِقَوْلِ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ أَوْ كَانَ صَحِيحًا فَمَرِضَ فِي يَوْمِهِ أَوْ خَافَ مَرَضًا لِأَجْلِ عَطَشٍ أَوْ غَيْرِهِ سُنَّ فِطْرُهُ وَكُرِهَ صَوْمُهُ وَإِتْمَامُهُ) أَيْ: الصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} أَيْ فَلْيُفْطِرْ وَلْيَقْضِ عَدَدَ مَا أَفْطَرَهُ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ قَبُولَ الرُّخْصَةِ مَعَ التَّلَبُّسِ بِالْأَخَفِّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: مَا خُيِّرْتُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَرْتُ أَيْسَرَهُمَا» قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: فَلَوْ خَافَ تَلَفًا بِصَوْمِهِ كُرِهَ وَجَزَمَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَمْ يَذْكُرُوا خِلَافًا فِي الْإِجْزَاءِ (فَإِنْ صَامَ) الْمَرِيضُ مَعَ مَا سَبَقَ (أَجْزَأَهُ) صَوْمُهُ، نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ كَمَا لَوْ أَتَمَّ الْمُسَافِرُ.
(وَلَا يُفْطِرُ مَرِيضٌ لَا يَتَضَرَّرُ بِالصَّوْمِ كَمَنْ بِهِ جَرَبٌ أَوْ وَجَعُ ضِرْسٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ دُمَّلٍ وَنَحْوِهِ) قِيلَ لِأَحْمَدَ مَتَى يُفْطِرُ الْمَرِيضُ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ قِيلَ: مِثْلَ الْحُمَّى؟ قَالَ: وَأَيُّ مَرَضٍ أَشَدُّ مِنْ الْحُمَّى.
(وَقَالَ) أَبُو بَكْرٍ (الْآجُرِّيُّ مَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ فَإِنْ خَافَ) بِالصَّوْمِ (تَلَفًا أَفْطَرَ وَقَضَى) إنْ ضَرَّهُ تَرْكُ الصَّنْعَةِ، (فَإِنْ لَمْ يَضُرَّهُ تَرْكُهَا أَثِمَ) بِالْفِطْرِ وَيَتْرُكُهَا (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَنْتِفْ التَّضَرُّرُ بِتَرْكِهَا (فَلَا) إثْمَ عَلَيْهِ بِالْفِطْرِ لِلْعُذْرِ.
(وَمَنْ قَاتَلَ عَدُوًّا أَوْ أَحَاطَ الْعَدُوُّ بِبَلَدِهِ وَالصَّوْمُ يُضْعِفُهُ) عَنْ الْقِتَالِ (سَاغَ لَهُ الْفِطْرُ بِدُونِ سَفَرٍ نَصًّا) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَمَنْ بِهِ شَبَقٌ يَخَافُ أَنْ يَنْشَقَّ ذَكَرُهُ) أَوْ أُنْثَيَاهُ أَوْ مَثَانَتُهُ (جَامَعَ وَقَضَى وَلَا يُكَفِّرُ نَصًّا) نَقَلَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّالَنْجِيُّ قَالَ أَحْمَدُ: يُجَامِعُ وَلَا يُكَفِّرُ وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الرَّجُلُ هَذَا وَلَمْ يُجَامِعْ خِيفَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْشَقَّ فَرْجُهُ.
(وَإِنْ انْدَفَعَتْ شَهْوَتُهُ بِغَيْرِهِ) أَيْ: غَيْرِ الْجِمَاعِ (كَالِاسْتِمْنَاءِ بِيَدِهِ أَوْ يَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ) يَدِ (جَارِيَتِهِ وَنَحْوِهِ) كَالْمُفَاخَذَةِ (لَمْ يَجُزْ) لَهُ الْوَطْءُ كَالصَّائِلِ يَنْدَفِعُ بِالْأَسْهَلِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ.
(وَكَذَا إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ لَا يُفْسِدَ صَوْمَ زَوْجَتِهِ) أَوْ أَمَتِهِ (الْمُسْلِمَةِ الْبَالِغَةِ بِأَنْ يَطَأَ زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الْكِتَابِيَّتَيْنِ أَوْ) يَطَأَ (زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ الصَّغِيرَتَيْنِ) أَوْ الْمَجْنُونَتَيْنِ (أَوْ) انْدَفَعْت شَهْوَتَهُ بِالْوَطْءِ (دُونَ الْفَرْجِ) فَلَا يُبَاحُ لَهُ إفْسَادُ صَوْمِهَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ، قُلْتُ: وَلَعَلَّ قِيَاسَ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَهُ وَطْءُ مَنْ لَزِمَهَا الْإِمْسَاكُ كَمَنْ طَهُرَتْ وَنَحْوِهَا فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ؛ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ دُونَ الصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ خُصُوصًا فِيمَا فِيهِ خِلَافٌ فِي وُجُوبِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عَدَمُ إفْسَادِ صَوْمِ الزَّوْجَةِ أَوْ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ الْبَالِغَةِ (جَازَ) لَهُ إفْسَادُ صَوْمِهَا (لِلضَّرُورَةِ) كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ.
(وَمَعَ الضَّرُورَةِ إلَى وَطْءِ حَائِضٍ وَصَائِمَةٍ بَالِغٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُمَا (فَوَطْءُ الصَّائِمَةِ أَوْلَى) مِنْ وَطْءِ الْحَائِضِ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ وَطْءِ الْحَائِضِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ) الزَّوْجَةُ أَوْ الْأَمَةُ الصَّائِمَةُ (بَالِغًا وَجَبَ اجْتِنَابُ الْحَائِضِ) لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ بِلَا مَحْذُورٍ، فَيَطَأُ الصَّغِيرَةَ وَكَذَا الْمَجْنُونَةَ.
(وَإِنْ تَعَذَّرَ قَضَاؤُهُ) أَيْ: ذِي الشَّبَقِ (لِدَوَامِ شَبَقِهِ فَكَكَبِيرٍ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَلَا قَضَاءَ إلَّا مَعَ عُذْرٍ مُعْتَادٍ كَمَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَلَا إطْعَامَ وَلَا قَضَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَبِيرِ، وَلَعَلَّ حُكْمَ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ الَّتِي لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا كَذَلِكَ.
(وَحُكْمُ الْمَرِيضِ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِالْجِمَاعِ) فِي مَرَضِهِ (حُكْمُ مَنْ خَافَ تَشَقُّقَ فَرْجِهِ) فِي جَوَازِ الْوَطْءِ مَعَ الْكَفَّارَةِ وَإِفْسَادِ صَوْمِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَعَدَمِهِ.
(وَالْمُسَافِرُ سَفَرَ قَصْرٍ يُسَنُّ لَهُ الْفِطْرُ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ) الْعَامِرَةِ (كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَصْرِ) مُوَضِّحًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
(وَيُكْرَهُ صَوْمُهُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَشَقَّةً) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا».
وَصَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمَّا «أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ وَبَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا صَامُوا قَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ» قَالَ الْمَجْدُ: وَعِنْدِي لَا يُكْرَهُ لِمَنْ قَوِيَ وَاخْتَارَهُ الْآجُرِّيُّ (وَيُجْزِئُهُ) أَيْ: يُجْزِئُ الْمُسَافِرَ الصَّوْمُ بِرَمَضَانَ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُعْجِبُنِي، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ» وَعُمَرُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرَانِهِ بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَهُ الظَّاهِرِيَّةُ وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَالْمُبْدِعِ: وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّ هَذَا الْقَوْلَ (لَكِنْ لَوْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ حَرُمَا) أَيْ السَّفَرُ وَالْفِطْرُ (عَلَيْهِ) حَيْثُ لَا عِلَّةَ لِسَفَرِهِ إلَّا الْفِطْرُ أَمَّا حُرْمَةُ الْفِطْرِ فَلِعَدَمِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ لَهُ وَأَمَّا حُرْمَةُ السَّفَرِ فَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْفِطْرِ الْمُحَرَّمِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِمَرِيضٍ وَمُسَافِرٍ أُبِيحَ لَهُمَا الْفِطْرُ أَنْ يَصُومَا فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ) مِنْ قَضَاءٍ وَنَذْرٍ وَغَيْرِهِمَا (كَمُقِيمٍ صَحِيحٍ)؛ لِأَنَّ الْفِطْرَ أُبِيحَ تَخْفِيفًا وَرُخْصَةً فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّهِ، لَزِمَهُ الْإِتْيَانُ بِالْأَصْلِ، كَالْجُمُعَةِ وَكَالْمُقِيمِ الصَّحِيحِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَبِلَ صَوْمًا مِنْ الْمَعْذُورِ لَقَبِلَهُ مِنْ غَيْرِهِ، كَسَائِرِ الزَّمَانِ الْمُتَضَيِّقِ لِلْعِبَادَةِ (فَيَلْغُو صَوْمُهُ) إذَا صَامَ فِي رَمَضَانَ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ لِعَدَمِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ لَهُ.
(وَلَوْ قَلَبَ صَوْمَ رَمَضَانَ إلَى نَفْلٍ، لَمْ يَصِحَّ لَهُ النَّفَلُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَبَطَلَ فَرْضُهُ) لِقَطْعِ نِيَّتِهِ.
(وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرٍ فَلَهُ الْفِطْرُ بِمَا شَاءَ مِنْ جِمَاعٍ وَغَيْرِهِ) كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ؛ (لِأَنَّ مَنْ) أُبِيحَ (لَهُ الْأَكْلُ) أُبِيحَ (لَهُ الْجِمَاعُ) كَمَنْ لَمْ يَنْوِ.
(وَلَا كَفَّارَةَ) عَلَيْهِ بِالْوَطْءِ (لِحُصُولِ الْفِطْرِ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ الْفِعْلِ) أَيْ: الْجِمَاعِ، فَيَقَعُ الْجِمَاعُ بَعْدَهُ.
(وَكَذَا مَرِيضٌ يُبَاحُ لَهُ الْفِطْرُ) إذَا نَوَى الصَّوْمَ، لَهُ الْفِطْرُ بِمَا شَاءَ مِنْ جِمَاعٍ وَغَيْرِهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ نَوَى الْحَاضِرُ صَوْمَ يَوْمٍ ثُمَّ سَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ) سَفَرًا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ (طَوْعًا أَوْ كُرْهًا فَلَهُ الْفِطْرُ بَعْدَ خُرُوجِهِ) وَمُفَارَقَتِهِ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ، لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ الصَّرِيحَةِ مِنْهَا: مَا رَوَى عُبَيْدُ بْنُ جَبْرٍ قَالَ: رَكِبْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ مِنْ الْفُسْطَاطِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ فَقَالَ: اقْتَرِبْ قُلْتُ: أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ؟ قَالَ: أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَكَلَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ مُبِيحٌ لِلْفِطْرِ فَأَبَاحَهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ كَالْمَرَضِ الطَّارِئِ، وَلَوْ بِفِعْلِهِ، وَالصَّلَاةُ لَا يَشُقُّ إتْمَامُهَا وَهِيَ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ مَتَى وَجَبَ إتْمَامُهَا لَمْ تُقْصَرْ بِحَالٍ و(لَا) يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ (قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ خُرُوجِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ (وَالْأَفْضَلُ لَهُ) أَيْ لِمَنْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ نَوَى صَوْمَهُ (الصَّوْمُ) أَيْ: إتْمَامُ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ لَمْ يُبِحْ لَهُ الْفِطْرَ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحَضَرِ كَالصَّلَاةِ.
(وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا الضَّرَرَ عَلَى أَنْفُسِهِمَا) أُبِيحَ لَهُمَا الْفِطْرُ كَالْمَرِيضِ (أَوْ) خَافَتَا الضَّرَرَ عَلَى (وَلَدَيْهِمَا أُبِيحَ لَهُمَا الْفِطْرُ)؛ لِأَنَّ خَوْفَهُمَا خَوْفٌ عَلَى آدَمِيٍّ، أَشْبَهَ خَوْفَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا.
(وَكُرِهَ صَوْمُهُمَا) كَالْمَرِيضِ، (وَيُجْزِئُ) صَوْمُهُمَا (إنْ فَعَلَتَا) أَيْ: صَامَتَا كَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ، (وَإِنْ أَفْطَرَتَا قَضَتَا) مَا أَفْطَرَتَاهُ كَالْمَرِيضِ (وَلَا إطْعَامَ) عَلَى أَحَدٍ (إنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا كَمَرِيضٍ) يَضُرُّهُ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَقْضِي مِنْ غَيْرِ إطْعَامٍ.
(بَلْ إنْ خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا) فَقَطْ (أَطْعَمَتَا مَعَ الْقَضَاءِ)؛ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ (عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَّارَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ، وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ؛ وَلِأَنَّهُ فِطْرٌ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ فَوَجَبَ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ.
(وَهُوَ) أَيْ: الْإِطْعَامُ (عَلَى مَنْ يُمَوِّنُ الْوَلَدَ)؛ لِأَنَّ الْإِرْفَاقَ لِلْوَلَدِ وَيَجِبُ الْإِطْعَامُ (عَلَى الْفَوْرِ)؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الْأَمْرِ، وَكَسَائِرِ الْكَفَّارَاتِ.
وَذَكَرَ الْمَجْدُ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ وَهَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا (وَإِنْ قَبِلَ وَلَدُ الْمُرْضِعَةِ ثَدْيَ غَيْرِهَا وَقَدِرَتْ تَسْتَأْجِرُ لَهُ أَوْ لَهَا) مِنْ الْمَالِ (مَا يُسْتَأْجَرُ مِنْهُ فَعَلَتْ) أَيْ: اسْتَأْجَرَتْ لَهُ (وَلَمْ تُفْطِرْ) لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَلَهُ صَرْفُ الْإِطْعَامِ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جُمْلَةً وَاحِدَةً) لِظَاهِرِ الْآيَةِ.
(وَحُكْمُ الظِّئْرِ) أَيْ: الْمُرْضِعَةُ لِوَلَدِ غَيْرِهَا (كَمُرْضِعٍ) لِوَلَدِهَا (فِيمَا تَقَدَّمَ) مِنْ الْفِطْرِ وَعَدَمِهِ، وَالْفِدْيَةِ وَعَدَمِهَا، (فَإِنْ لَمْ تُفْطِرْ) الظِّئْرُ (فَتَغَيَّرَ لَبَنُهَا) بِالصَّوْمِ (أَوْ نَقَصَ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ) بَيْنَ فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَإِمْضَائِهَا، (وَ إنْ قَصَدَتْ) الظِّئْرُ (الْإِضْرَارَ) بِالرَّضِيعِ بِصَوْمِهَا (أَثِمَتْ وَكَانَ لِلْحَاكِمِ إلْزَامُهَا بِالْفِطْرِ بِطَلَبِ الْمُسْتَأْجِرِ) ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إنْ تَأَذَّى الصَّبِيُّ بِنَقْصِهِ أَوْ تَغْيِيرِهِ لَزِمَهَا الْفِطْرُ، فَإِنْ أَبَتْ فَلِأَهْلِهِ الْفَسْخُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ إلْزَامُهَا بِمَا يَلْزَمُهَا، وَإِنْ لَمْ تَقْصِدْ الضَّرَرَ، بِلَا طَلَبٍ قُبِلَ الْفَسْخُ وَهَذَا مُتَّجَهٌ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِمَعْنَاهُ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَلَا يَسْقُطُ الْإِطْعَامُ بِالْعَجْزِ) كَالدَّيْنِ.
(وَكَذَا) الْإِطْعَامُ (عَنْ الْكَبِيرِ، و) الْمَرِيضِ (الْمَيْئُوسِ) مِنْهُ وَتَقَدَّمَ.
(وَلَا) يَسْقُطُ (إطْعَامُ مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ) حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ (و) لَا إطْعَامَ (غَيْرِهِ) مِمَّا وَجَبَ بِنَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ بِالْعَجْزِ (غَيْرَ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ) فِي الْحَيْضِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِهِ وَغَيْرَ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ (وَيَأْتِي) فِي الْبَابِ بَعْدَهُ.
(وَلَوْ وَجَدَ آدَمِيًّا مَعْصُومًا فِي هَلَكَةٍ كَغَرِيقٍ لَزِمَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ إنْقَاذُهُ) مِنْ الْهَلَكَةِ (وَإِنْ دَخَلَ الْمَاءُ) فِي (حَلْقِهِ لَمْ يُفْطِرْ) كَمَنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارٌ بِلَا قَصْدٍ.
(وَإِنْ حَصَلَ لَهُ) أَيْ: لِلْمُنْقِذِ (بِسَبَبِ إنْقَاذِهِ ضَعْفٌ فِي نَفْسِهِ، فَأَفْطَرَ فَلَا فِدْيَةَ) عَلَى الْمُنْقِذِ، وَلَا عَلَى الْمُنْقَذِ (كَالْمَرِيضِ)، وَإِنْ احْتَاجَ فِي إنْقَاذِهِ إلَى الْفِطْرِ وَجَبَ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
(وَمَنْ نَوَى الصَّوْمَ لَيْلًا ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ)؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ الْإِمْسَاكِ مَعَ النِّيَّةِ وَلَمْ يُوجَدْ الْإِمْسَاكُ الْمُضَافُ إلَيْهِ النِّيَّةُ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «إنَّهُ تَرَكَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي» فَلَمْ تُعْتَبَرْ النِّيَّةُ مُنْفَرِدَةً عَنْهُ، (وَإِنْ أَفَاقَ) الْمَجْنُونُ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ (جُزْءًا مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْيَوْمِ الَّذِي بَيَّتَ النِّيَّةَ لَهُ (صَحَّ) صَوْمُهُ لِقَصْدِ الْإِمْسَاكِ فِي جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ كَمَا لَوْ نَامَ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ جُزْءُ الْإِدْرَاكِ وَلَا يُفْسِدُ الْإِغْمَاءُ بَعْضَ الْيَوْمِ الصَّوْمَ، وَكَذَا الْجُنُونُ وَقِيلَ: يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَالْحَيْضِ وَأَوْلَى لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَأُجِيبَ: بِأَنَّهُ زَوَالُ عَقْلٍ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهُ كَالْإِغْمَاءِ وَيُفَارِقُ الْحَيْضَ؛ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ وَيُحَرِّمُ فِعْلَهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ، (وَمَنْ جُنَّ فِي صَوْمِ قَضَاءٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَنَذْرٍ (قَضَاهُ) إذَا أَفَاقَ (بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ) كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ لَا بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، (وَإِنْ نَامَ) مَنْ نَوَى الصَّوْمَ (جَمِيعَ النَّهَارِ صَحَّ صَوْمُهُ)؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَلَا يُزِيلُ الْإِحْسَاسَ بِالْكُلِّيَّةِ.
(وَلَا يَلْزَمُ الْمَجْنُونَ قَضَاءُ زَمَنِ جُنُونِهِ)، سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ (وَيَلْزَمُ) الْقَضَاءُ (الْمُغْمَى عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ مَرَضٌ، وَهُوَ مُغَطٍّ عَلَى الْعَقْلِ غَيْرُ رَافِعٍ لِلتَّكْلِيفِ، وَلَا تَطُولُ مُدَّتُهُ وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَيَدْخُلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

.(فَصْلٌ): في تبييت النية:

(وَلَا يَصِحُّ صَوْمٌ) إلَّا بِنِيَّةٍ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ إجْمَاعًا كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلَا صَوْمٌ.
(وَاجِبٌ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ لَمْ يَجْمَعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ: رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَفْصَةَ وَهُوَ مِنْ الثِّقَاتِ، وَوَافَقَهُ عَلَى رَفْعِهِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَمْ يُثْبِتْ أَحْمَدُ رَفْعَهُ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ.
وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «: مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ: إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
وَفِي لَفْظٍ لِلزُّهْرِيِّ «مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ» لَا يُقَالُ: فِي صِيَامِ عَاشُورَاءَ قَدْ وَرَدَ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَقَدْ كَانَ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ كَانَ نَهَارًا كَمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَذَرَهُ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً ذَكَرُوا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ؛ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ اللَّيْلِ نَوَى أَجْزَأَهُ؛ لِإِطْلَاقِ الْخَبَرِ.
(لِكُلِّ يَوْمٍ) مِنْ رَمَضَانَ (نِيَّةٌ مُفْرَدَةٌ؛ لِأَنَّهَا) أَيْ: أَيَّامَ رَمَضَانَ (عِبَادَاتٌ) فَكُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ فَيَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، (وَ) الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ: أَنَّهُ (لَا يَفْسُدُ) صَوْمُ (يَوْمٍ بِفَسَادِ) صَوْمِ يَوْمٍ (آخَرَ كَالْقَضَاءِ) أَيْ: قَضَاءِ رَمَضَانَ، وَعَنْهُ يُجْزِئُ فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ نِيَّةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّهِ.
(وَلَوْ نَوَتْ حَائِضٌ) أَوْ نُفَسَاءُ (صَوْمَ غَدٍ وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ لَيْلًا صَحَّ) لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ.
(وَلَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) مِنْ الْغُرُوبِ (حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ) لَمْ يَصِحَّ صَوْمُهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ.
(أَوْ نَوَى نَهَارًا صَوْمَ الْغَدِ لَمْ يَصِحَّ) صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ كَمَا لَوْ نَوَى مِنْ اللَّيْلِ صَوْمَ بَعْدَ غَدٍ.
(وَلَوْ نَوَى) الصَّوْمَ (مِنْ اللَّيْلِ ثُمَّ أَتَى بَعْدَ النِّيَّةِ فِيهِ) أَيْ: اللَّيْلِ (بِمَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ) كَالْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ (لَمْ تَبْطُلْ) النِّيَّةُ، نَصَّ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ خِلَافًا لِابْنِ حَامِدٍ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ الْأَكْلَ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ فَلَوْ بَطَلَتْ فِيهِ فَاتَ مَحِلُّهَا.
(وَمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى)؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ.
(وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ نِيَّةٌ) قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَمَعْنَاهُ لِغَيْرِهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ؛ وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ.
(وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةَ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ) غَدًا (مِنْ رَمَضَانَ أَوْ مِنْ قَضَائِهِ أَوْ) مِنْ (نَذْرِهِ أَوْ كَفَّارَتِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»؛ وَلِأَنَّ التَّعْيِينَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ.
(وَلَا يَجِبُ مَعَهُ) أَيْ: التَّعْيِينِ (نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ) وَفِي نُسْخَةٍ: الْفَرْضِيَّةِ (فِي فَرْضِهِ وَلَا الْوُجُوبُ فِي وَاجِبِهِ)؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يُجْزِئُ عَنْ ذَلِكَ، (فَلَوْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ) أَيْ: الصَّوْمُ (عَنْهُ وَإِلَّا فَعَنْ وَاجِبٍ غَيْرِهِ وَعَيَّنَهُ بِنِيَّتِهِ) كَأَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ (لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا، (وَإِنْ قَالَ:) إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَهُوَ فَرْضِي (وَإِلَّا فَهُوَ نَفْلٌ أَوْ فَأَنَا مُفْطِرٌ لَمْ يَصِحَّ) صَوْمُهُ إنْ ظَهَرَ مِنْهُ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ، (وَإِنْ قَالَهُ) أَيْ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَفَرْضِي وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ (لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَحَّ) صَوْمُهُ إنْ بَانَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ وَلَا يَقْدَحُ تَرَدُّدُهُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ صَوْمَهُ مَعَ الْجَزْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ مَعَهُ يُبْنَى عَلَيْهِ، بَلْ الْأَصْلُ بَقَاءُ شَعْبَانَ.
(وَمَنْ قَالَ: أَنَا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ وَالْقَصْدِ، فَسَدَتْ نِيَّتُهُ) لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِهَا.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ فِي الصَّوْمِ وَعَدَمِهِ بَلْ نَوَى التَّبَرُّكَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا (لَمْ تَفْسُدْ) نِيَّتُهُ؛ (إذْ قَصْدُهُ أَنَّ فِعْلَهُ لِلصَّوْمِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِيمَانُ بِقَوْلِهِ: أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ) قَالَ الْقَاضِي: (وَكَذَا) نَقُولُ فِي (سَائِرِ الْعِبَادَاتِ) لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي نِيَّتِهَا ا هـ.
وَفِي نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ لِابْنِ حَمْدَانَ يَحْرُمُ قَوْلُهُ: أَنَا مُسْلِمٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(وَإِنْ لَمْ يُرَدِّدْ نِيَّتَهُ بَلْ نَوَى لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ) مِنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ غَيْمٍ وَنَحْوِهِ (أَوْ بِمُسْتَنَدٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ كَحِسَابٍ وَنَحْوِهِ) كَتَنْجِيمٍ وَلَوْ كَثُرَتْ إصَابَتُهُ (لَمْ يُجْزِئْهُ) صَوْمُهُ (وَإِنْ بَانَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ قَصْدٌ يَتْبَعُ الْعِلْمَ وَمَا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَى وُجُودِهِ لَا يَصِحُّ قَصْدُهُ.
(وَلَا أَثَرَ لِشَكٍّ مَعَ غَيْمٍ وَقَتَرٍ) وَنَحْوِهِمَا فَإِذَا نَوَى صَوْمَ يَوْمِ الثَّلَاثِينَ لِذَلِكَ أَجْزَأَهُ إنْ بَانَ مِنْهُ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ قَضَاءً وَنَفْلًا أَوْ نَوَى الْإِفْطَارَ مِنْ الْقَضَاءِ ثُمَّ نَوَى نَفْلًا أَوْ قَلَبَ نِيَّةَ الْقَضَاءِ إلَى النَّفْلِ بَطَلَ الْقَضَاءُ) لِتَرَدُّدِهِ فِي نِيَّتِهِ أَوْ قَطْعِهَا (وَلَمْ يَصِحَّ النَّفَلُ لِعَدَمِ صِحَّةِ نَفْلِ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ).
وَفِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى: يَصِحُّ نَفْلًا وَقَدْ ذَكَرْتُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ فِي ذَلِكَ فِي الْحَاشِيَةِ وَمَا يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِهِ عَنْهُ.
(وَإِنْ نَوَى) خَارِجَ رَمَضَانَ (قَضَاءً وَكَفَّارَةَ ظِهَارٍ وَنَحْوِهِ) كَكَفَّارَةِ قَتْلٍ (لَمْ يَصِحَّا) أَيْ: لَا الصَّوْمُ الْوَاجِبُ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لَهُ، وَلَا النَّفَلُ (لِمَا تَقَدَّمَ) مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ نَفْلِ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ قَبْلَ الْقَضَاءِ.
(وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ أَفْطَرَ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَطَعَ نِيَّةَ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ الْإِفْطَارِ، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَا ابْتِدَاءً (فَصَارَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ) الصَّوْمَ (لَا كَمَنْ أَكَلَ) وَنَحْوِهِ، (فَلَوْ كَانَ) نَوَى الْإِفْطَارَ (فِي نَفْلٍ ثُمَّ عَاد نَوَاهُ) نَفْلًا (صَحَّ) نَصَّ عَلَيْهِ (، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ، فَقَطَعَ نِيَّتَهُ ثُمَّ نَوَى نَفْلًا) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِ.
(وَلَوْ قَلَبَ نِيَّةَ نَذْرٍ) أَوْ كَفَّارَةٍ (إلَى النَّفْلِ) فَكَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضِ صَلَاةٍ إلَى نَفْلِهَا فَيَصِحُّ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ.
(وَلَوْ تَرَدَّدَ فِي الْفِطْرِ أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى أَوْ إنْ وَجَدْتُ طَعَامًا أَكَلْتُ وَإِلَّا أَتْمَمْتُ وَنَحْوه بَطَل) صَوْمه لِتَرَدُّدِهِ فِي النِّيَّة (كَصَلَاةِ) أَيْ: كَمَا تَبْطُل الصَّلَاة بِتَرَدُّدِهِ فِي فَسْخ نِيَّتهَا إذْ اسْتِصْحَاب حُكْم النِّيَّة شَرْط فِي صِحَّة الصَّلَاة وَالصَّوْم وَالْوُضُوء وَنَحْوهَا.
(وَيَصِحّ صَوْم نَفْل بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَار قَبْلَ الزَّوَال وَبَعْدَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ فَقُلْنَا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ؛ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خُفِّفَ نَفْلُهَا عَنْ فَرْضِهَا، فَكَذَا الصَّوْمُ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِهِ لِكَوْنِهِ يَعِنُّ لَهُ فَعُفِيَ عَنْهُ وَيَدُلُّ لِصِحَّتِهِ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ: أَنَّهُ قَوْلُ مُعَاذٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُهُ صَرِيحًا؛ وَلِأَنَّ النِّيَّةَ وُجِدَتْ فِي جُزْءِ النَّهَارِ فَأَشْبَهَ وُجُودَهَا قَبْلَ الزَّوَالِ بِلَحْظَةٍ، وَبِهِ يَبْطُلُ التَّعْلِيلُ بِالْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ قَدْ خَلَا عَنْ النِّيَّةِ فِي الْأَصْلِ، فَإِنَّ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ يَزِيدُ عَلَى مَا بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ بِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ، وَأَيْضًا جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَكَذَا النَّهَارُ، وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ مَا يُفَطِّرُهُ قَبْلَ النِّيَّةِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، لَكِنْ خَالَفَ فِيهِ أَبُو زَيْدٍ الشَّافِعِيُّ.
(وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابُ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ)؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ فَلَا يَقَعُ عِبَادَةٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ» (فَيَصِحُّ تَطَوُّعُ حَائِضٍ) أَوْ نُفَسَاءَ (طَهُرَتْ) فِي يَوْمٍ بِصَوْمِ بَقِيَّتِهِ (و) تَطَوُّعُ (كَافِرٍ أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ وَلَمْ يَأْكُلَا) أَيْ الْحَائِضُ وَالْكَافِرُ، وَلَوْ قَالَ كَالْمُنْتَهَى: لَمْ يَأْتِيَا فِيهِ بِمُفْسِدٍ لَكَانَ أَشْمَلَ (بِصَوْمِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ) مُتَعَلِّقٌ بِتَطَوُّعٍ.
وَفِي الْفُرُوعِ: يَتَوَجَّهُ يُحْتَمَل أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا صَوْمٌ.