فصل: (فَصْلٌ): في حكم إبراء الغريم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): في حكم إبراء الغريم:

(وَإِنْ أَبْرَأَ غَرِيمٌ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ صَحَّ أَوْ تَصَدَّقَ) بِهِ عَلَيْهِ صَحَّ (أَوْ وَهَبَهُ لَهُ) صَحَّ (أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ) صَحَّ (أَوْ أَسْقَطَهُ عَنْهُ) صَحَّ (أَوْ تَرَكَهُ لَهُ) صَحَّ (أَوْ مَلَّكَهُ لَهُ) صَحَّ (أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ) صَحَّ (أَوْ عَفَا عَنْهُ صَحَّ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ) وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْطَيْتُكَهُ وَنَحْوَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ إبْرَاءً وَإِسْقَاطًا وَلَفْظُ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَطِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى مَعْنَى الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُ لَا عَيْنَ مَوْجُودَةٌ يَتَنَاوَلُهَا اللَّفْظُ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ دَيْنَهُ هِبَةً حَقِيقِيَّةً لَمْ يَصِحَّ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْإِسْقَاطِ وَانْتِفَاءِ شَرْطِ الْهِبَةِ وَمِنْ هُنَا امْتَنَعَ هِبَتُهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَامْتَنَعَ إجْزَاؤُهُ عَنْ الزَّكَاةِ لِانْتِفَاءِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ انْتَهَى وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ بِالْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ.
(وَلَوْ كَانَ) الدَّيْنُ (الْمُبْرَأُ مِنْهُ مَجْهُولًا لَهُمَا) أَيْ: لِرَبِّ الدَّيْنِ وَالْمَدِينِ (أَوْ) كَانَ مَجْهُولًا (لِأَحَدِهِمَا وَسَوَاءٌ جَهِلَا قَدْرَهُ أَوْ) جَهِلَا (وَصْفَهُ أَوْ) جَهِلَا (هُمَا) أَيْ: الْقَدْرَ وَالْوَصْفَ، وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَجْهُولِ (وَلَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ عِلْمُهُ) لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ فَيَنْفُذُ مَعَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَالْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ.
(أَوْ) أَيْ: وَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ وَلَوْ (لَمْ يَقْبَلْهُ الْمَدِينُ) لِأَنَّهُ إسْقَاطُ حَقٍّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولٍ كَإِسْقَاطِ الْقِصَاصِ وَالشُّفْعَةِ (أَوْ رَدَّهُ) أَيْ: يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ وَلَوْ رَدَّهُ الْمَدِينُ لِأَنَّهُ لَوْ ارْتَدَّ بِالرَّدِّ لَلَزِمَ وُجُوبُ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ إبْقَاءُ الْحَقِّ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ (أَوْ كَانَ) الْإِبْرَاءُ (قَبْلَ حُلُولِ الدَّيْنِ) لِأَنَّ تَأْجِيلَهُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَهُ فِي الذِّمَّةِ.
(وَإِنْ أَبْرَأَهُ وَنَحْوَهُ) بِأَنْ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ تَرَكَهُ لَهُ (وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ) كَقَوْلِهِ أَبْرَأْتُكَ مِنْ مِائَةٍ يَعْتَقِدُ عَدَمَهَا (ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ) كَانَ لَهُ (عَلَيْهِ) صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ لِمُصَادِفَتِهَا الْحَقَّ (كَمَا تَصِحُّ) الْبَرَاءَةُ (مِنْ الْمَعْلُومِ) وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَ مِنْ دَيْنِ أَبِيهِ مَعَ ظَنِّ أَنَّهُ حَيٌّ فَبَانَ مَيِّتًا، كَبَيْعِ مَالِ مُوَرِّثِهِ الْمَيِّتِ مَعَ ظَنِّ الْحَيَاةِ (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (عُمُومُهُ) أَيْ: عُمُومُ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ (فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ الْمَجْهُولَةِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ آخِرَ الْقَذْفِ، لَكِنْ لَوْ جَهِلَهُ رَبُّهُ) أَيْ: الدَّيْنَ.
(وَعَلِمَهُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَكَتَمَهُ) الْمَدِينُ عَنْ رَبِّ الدَّيْنِ (خَوْفًا مِنْ أَنَّهُ) أَيْ: رَبَّ الدَّيْنِ (لَوْ عَلِمَهُ) أَيْ: الدَّيْنَ (لَمْ يُبْرِئْهُ) أَيْ: رَبُّ الدَّيْنِ مِنْهُ (لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ) لِأَنَّ فِيهِ تَغْرِيرًا لِلْمُبْرِئِ وَقَدْ أَمْكَنَ التَّحَرُّزُ مِنْهُ (وَإِنْ أَبْرَأهُ) أَيْ: أَبْرَأَ رَبُّ الدَّيْنِ مَدِينًا (مِنْ دِرْهَمٍ إلَى أَلْفٍ صَحَّ) الْإِبْرَاءُ (فِيهِ) أَيْ: الْأَلْفِ.
(وَفِيمَا دُونَهُ) أَيْ: دُونَ الْأَلْفِ.
(وَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ وُجُوبِهِ) لِقَوْلِهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا طَلَاقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا عِتْقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ» وَالْإِبْرَاءُ فِي مَعْنَاهُمَا.
(وَمِنْ صُوَرِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَجْهُولِ) لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى إنْسَانٍ دَيْنَانِ، وَ(أَبْرَأَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا) لَا بِعَيْنِهِ (أَوْ) كَانَ لَهُ دَيْنَانِ عَلَى شَخْصَيْنِ، وَ(أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا) لَا بِعَيْنِهِ (وَيُؤْخَذُ) أَيْ: يُرْجَعُ إلَى الْمُبْرِئِ (بِالْبَيَانِ) قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَالْحَارِثِيُّ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ (وَ) الْمَذْهَبُ (لَا يَصِحُّ) الْإِبْرَاءِ (مَعَ إبْهَامِ الْمَحَلِّ، كَأَبْرَأْتُ أَحَدَ غَرِيمَيَّ) أَوْ مِنْ أَحَدِ دَيْنَيَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: وَهَبْتُكَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعَبْدَيْنِ، أَوْ ضَمِنْتُ لَكَ أَحَدَ الدَّيْنَيْنِ.
(وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْهِبَةَ تَقْتَضِي وُجُودَ مُعَيَّنٍ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا (وَتَقَدَّمَ آخِرَ السَّلَمِ).
(وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ مَنْقُولًا كَانَ) كَجُزْءٍ مِنْ نَحْوِ فَرَسٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَجُزْءٍ مِنْ عَقَارٍ (يَنْقَسِمُ) كَالثَّوْبِ (أَوْ لَا) كَالْعَبْدِ لِمَا فِي الصَّحِيحِ «أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ لَمَّا جَاءُوا يَطْلُبُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَا غَنِمَ مِنْهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ».
(وَإِنْ وَهَبَ) أَرْضًا (أَوْ تَصَدَّقَ) بِأَرْضٍ (أَوْ وَقَفَ) أَرْضًا (أَوْ وَصَّى بِأَرْضٍ) يَعْنِي بِجُزْءٍ مِنْهَا (أَوْ بَاعَهَا احْتَاجَ أَنْ يَحُدَّهَا مَالِكُهَا) بِأَنْ يَقُولَ كَذَا سَهْمًا مِنْ كَذَا سَهْمًا لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَة صَالِحٍ: وَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمٍ بَيْتٌ مُشَاعٌ غَيْرُ مَقْسُومٍ فَتَصَدَّقَ أَحَدُهُمْ عَلَى بَعْضِهِمْ بِحِصَّتِهِ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ قَالَ إذَا كَانَ سَهْمٌ مِنْ كَذَا وَكَذَا سَهْمًا فَهُوَ جَائِزٌ فَإِنْ قَالَ ثُلُثُهَا أَوْ نَحْوُهُ صَحَّ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَسُئِلَ عَمَّنْ يَهَبُ لِرَجُلٍ رُبُعَ دَارِهِ قَالَ: هُوَ جَائِزٌ وَأَيْضًا قِيلَ لَهُ: وَهَبْتُ مِنْكَ نَصِيبِي مِنْ الدَّارِ قَالَ إنْ كَانَ يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبَهُ فَهُوَ جَائِزٌ.
(وَيُعْتَبَرُ لِقَبْضِهِ) أَيْ: الْمُشَاعِ إنْ كَانَ مَنْقُولًا (إذْنُ الشَّرِيكِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَبْضُهُ إلَّا بِقَبْضِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ الْقَبْضِ لَا لِلُزُومِ الْهِبَةِ فَتَلْزَمُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ شَرِيكُهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (وَتَقَدَّمَ آخِرَ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ) مُفَصَّلًا.
(وَيَكُونُ نِصْفُهُ) أَيْ: الْقَابِضِ (مَقْبُوضًا تَمَلُّكًا وَنِصْفُ الشَّرِيكِ) مَقْبُوضًا (أَمَانَةً) هَذَا إذَا كَانَتْ الْهِبَةُ فِي نِصْفِهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِنَصِيبِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ فَإِنْ أَبَى الشَّرِيكُ أَنْ يُسَلِّمَ نَصِيبَهُ قِيلَ لِلْمُتَّهَبِ: وَكِّلْ الشَّرِيكَ فِي قَبْضِهِ لَكَ وَنَقْلِهِ فَإِنْ أَبَى نَصَّبَ الْحَاكِمُ مَنْ يَكُونُ فِي يَدِهِ لَهُمَا فَيَنْقُلُهُ فَيَحْصُلُ الْقَبْضُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ أَذِنَ) شَرِيكُهُ (لَهُ فِي التَّصَرُّفِ) أَيْ: الِانْتِفَاعِ (مَجَّانًا فَكَعَارِيَّةٍ) فِي ضَمَانِهِ إذَا تَلِفَ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ (وَإِنْ كَانَ) أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ (بِأُجْرَةٍ فَ) إنَّ شِقْصَهُ يَكُونُ فِي يَدِ الْقَابِضِ أَمَانَةً (كَمَأْجُورٍ) فَلَا ضَمَانَ فِيهِ إنْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ وَلَوْ كَانَتْ الْأُجْرَةُ مَجْهُولَةً كَأَنْ اسْتَعْمَلَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مَثَلًا بِقَصْدِ الْمُعَاوَضَةِ لِأَنَّ فَاسِدَ الْعُقُودِ كَصَحِيحِهَا فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ تَصَرَّفَ) الشَّرِيكُ (بِلَا إذْنِ) شَرِيكِهِ (وَالْإِجَارَةُ) فَكَغَاصِبٍ (أَوْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ فَكَغَاصِبٍ) لِأَنَّ يَدَهُ عَادِيَةٌ.
(وَتَصِحُّ هِبَةُ مُصْحَفٍ) وَإِنْ قِيلَ بِمَنْعِ بَيْعِهِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
(وَ) هِبَةُ (كُلِّ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَقَطْ) لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ فَصَحَّتْ فِيمَا صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ.
(وَاخْتَارَ جَمْعٌ وَكَلْبٌ) أَيْ: تَصِحُّ هِبَتُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي (وَنَجَاسَةٌ مُبَاحٌ نَفْعُهُمَا) أَيْ: الْكَلْبِ وَالنَّجَاسَةِ جَزَمَ بِهِ الْحَارِثِيُّ وَالشَّارِحُ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ أَشْبَهَ الْوَصِيَّةَ بِهِ قَالَ فِي الْقَاعِدَة السَّابِعَةِ وَالثَّمَانِينَ وَلَيْسَ بَيْنَ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْمُغْنِي خِلَافٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ نَقْلَ الْيَدِ فِي هَذِهِ الْأَعْيَانِ جَائِزٌ كَالْوَصِيَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ.
(وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ مَجْهُولٍ لَا يَتَعَذَّرُ عِلْمُهُ كَالْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ، وَالصُّوفِ عَلَى الظَّهْرِ) لِلْجَهَالَةِ وَتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ (وَمَتَى أَذِنَ) رَبُّ شَاةٍ (لَهُ) أَيْ: لِإِنْسَانٍ (فِي جَزِّ الصُّوفِ وَحَلْبِ الشَّاةِ كَانَ إبَاحَةً) لِصُوفِهَا وَلَبَنِهَا لَا هِبَةً.
(وَإِنْ وَهَبَ دُهْنَ سِمْسِمِهِ) وَهُوَ الشَّيْرَجَ قَبْلَ عَصْرِهِ (أَوْ زَيْتَ زَيْتُونِهِ أَوْ جِفْتِهِ قَبْلَ عَصْرِهِمَا) أَيْ: الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ (لَمْ يَصِحَّ) كَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَأَوْلَى لِكُلْفَةِ الِاعْتِصَارِ وَلَوْ قَالَ خُذْ مِنْ هَذَا الْكِيسِ مَا شِئْتَ كَانَ لَهُ أَخْذُ مَا بِهِ جَمِيعًا.
(وَلَوْ قَالَ خُذْ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ مَا شِئْتَ لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَهَا كُلَّهَا) إذْ الْكِيسُ ظَرْفٌ فَإِذَا أَخَذَ الظَّرْفَ حَسُنَ أَنْ يُقَالَ أَخَذَ مِنْ الْكِيسِ مَا فِيهِ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ كُلِّهَا قَالَهُ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي النَّوَادِرِ (وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَعْدُومِ كَاَلَّذِي تَحْمِلُ أَمَتُهُ أَوْ شَجَرَتُهُ) لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَلَا يُقْبَلُ الْعَقْدُ (فَإِنْ تَعَذَّرَ عِلْمُ الْمَجْهُولِ) كَزَيْتٍ اخْتَلَطَ بِزَيْتٍ أَوْ شَيْرَجٍ (صَحَّتْ هِبَةٌ كَصُلْحٍ) عَنْهُ لِلْحَاجَةِ.
(وَلَا) تَصِحُّ (هِبَةُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ) كَآبِقٍ، وَشَارِدٍ، وَطَيْرٍ فِي الْهَوَاءِ، وَسَمَكٍ بِمَاءٍ، وَمَرْهُونٍ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَهَّلُ لِلْقَبْضِ، وَالْقَبْضُ مِنْ مَاهِيَّةِ الْعَقْدِ فَلَا يَقَعُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَالْمَرْهُونُ يَتَعَذَّرُ تَسْلِيمُهُ شَرْعًا.
(وَ) لَا يَصِحُّ (تَعْلِيقُهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ) كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ أَوْ قَدِمَ فُلَانٌ فَقَدْ وَهَبْتُكَ كَذَا قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي الْحُلَّةِ الْمُهْدَاةِ إلَى النَّجَاشِيِّ «إنْ رَجَعَتْ إلَيْنَا فَهِيَ لَكِ» قَالَ الْمُوَفَّقُ عَلَى مَعْنَى الْعِدَةِ وَخَرَجَ بِالْمُسْتَقْبَلِ الْمَاضِي وَالْحَالِ فَلَا يَمْنَعُ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ الصِّحَّةَ كَأَنْ كَانَتْ مِلْكِي وَنَحْوَهُ فَقَدْ وَهَبْتُكَهَا فَتَصِحُّ (غَيْرِ الْمَوْتِ) فَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعَطِيَّةِ بِهِ وَتَكُونُ وَصِيَّةً، وَكَالْهِبَةِ الْإِبْرَاءُ فَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ غَيْرِ الْمَوْتِ (نَحْوِ إنْ مِتَّ بِفَتْحِ التَّاءِ فَأَنْتَ فِي حِلٍّ) فَلَا يَبْرَأُ (فَإِنْ ضَمَّ التَّاءَ صَحَّ) الْإِبْرَاءُ عِنْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ.
(وَكَانَ) الْإِبْرَاءُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (وَصِيَّةً) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ حَقِيقَةُ الْوَصِيَّةِ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا (شَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (نَحْوَ) اشْتِرَاطِ الْوَاهِبِ عَلَى الْمُتَّهَبِ (أَنْ لَا يَبِيعَهَا) أَيْ: الْعَيْنَ الْمَوْهُوبَةَ (وَلَا يَهَبَهَا) وَأَنْ لَا يَنْتَفِعَ بِهَا (أَوْ) وَهَبَهُ عَيْنًا، وَ(يَشْرِطُ أَنْ يَبِيعَهَا أَوْ يَهَبَهَا) فَلَا يَصِحُّ الشَّرْطُ إذْ مُقْتَضَى الْمِلْكِ التَّصَرُّفُ الْمُطْلَقُ فَالْحَجْرُ فِيهِ مُنَافٍ لِمُقْتَضَاهُ وَقَوْلُهُ (أَوْ) يَهَبُهُ شَيْئًا بِشَرْطِ (أَنْ يَهَبَ فُلَانًا شَيْئًا) تَبِعَ فِيهِ الْمُبْدِعَ وَغَيْرَهُ قُلْتُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ بُطْلَانُ الْهِبَةِ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ (وَتَصِحُّ هِيَ) أَيْ: الْهِبَةُ الْمَشْرُوطُ فِيهَا مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا كَالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الْبَيْعِ.
(وَلَا يَصِحُّ تَوْقِيتُهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (كَقَوْلِهِ: وَهَبْتُكَ هَذَا سَنَةً) أَوْ شَهْرًا فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا تَمْلِيكُ عَيْنٍ فَلَا تُوَقَّتَ كَالْبَيْعِ (إلَّا الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى) فَيَصِحَّانِ.
(وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِبَةِ يَفْتَقِرَانِ إلَى مَا تَفْتَقِرُ إلَيْهِ سَائِرُ الْهِبَاتِ) مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَيَصِحُّ تَوْقِيتُهَا سُمِّيَتْ عُمْرَى لِتَقْيِيدِهَا بِالْعُمُرِ وَسُمِّيَتْ رُقْبَى لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: يُقَالُ: أَعَمَرْتُهُ وَعَمَّرْتُهُ مُشَدَّدًا إذَا جَعَلْتُ لَهُ الدَّارَ مُدَّةَ عُمُرِهِ أَوْ عُمُرِكَ (كَقَوْلِهِ أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ) أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ (الْفَرَسَ أَوْ) أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ (الْجَارِيَةَ أَوْ أَرْقَبْتُكَهَا) قَالَ ابْنُ الْقَطَّاعِ: أَرْقَبْتُكَ أَعْطَيْتُكَ وَهِيَ هِبَةٌ تَرْجِعُ إلَى الْمُرْقِبِ إنْ مَاتَ الْمَرْقَبُ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ (أَوْ جَعَلْتُهَا) أَيْ: الدَّارَ أَوْ الْفَرَسَ أَوْ الْجَارِيَةَ (لَكَ عُمُرَكَ أَوْ) جَعَلْتُهَا لَكَ (عُمُرِي أَوْ) جَعَلْتُهَا لَكَ (رُقْبَى أَوْ) جَعَلْتُهَا لَكَ (مَا بَقِيتُ أَوْ أَعْطَيْتُكَهَا عُمُرَكَ وَيَقْبَلُهَا) الْمَوْهُوبُ لَهُ (فَتَصِحُّ) الْهِبَةُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَهِيَ أَمْثِلَةُ الْعُمْرَى (وَتَكُونُ) الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ (لِلْمُعْمَرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ) وَلِلْمُرْقَبِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ (إنْ كَانُوا) كَتَصْرِيحِهِ بِأَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ مِنْ بَعْدِكَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ: الْمَوْهُوبِ لَهُ.
(وَرَثَةٌ فَلِبَيْتِ الْمَالِ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ الْمُتَخَلِّفَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ عَنْ جَابِرٍ («قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ لَهُ» ) وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ.
وَخَرَّجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا فَمَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَعَقِبِهِ» إنَّمَا وَرَدَ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْلَامِ لَهُمْ بِنُفُوذِهَا بِدَلِيلِ السِّيَاقِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أُرِيدَ بِهِ حَقِيقَةُ النَّهْيِ لَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِيهَا عَلَى فَاعِلِهَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ النَّهْيُ عَنْهُ لَا يَقْتَضِي فَسَادًا كَالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ.
(وَإِنْ أَضَافَهَا) أَيْ: الْهِبَةَ (إلَى عُمُرِ غَيْرِهِ) بِأَنْ قَالَ وَهَبْتُكَ الدَّارَ وَنَحْوَهَا عُمُرَ زَيْدٍ (لَمْ تَصِحَّ) الْهِبَةُ لِأَنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ وَلَيْسَتْ مِنْ الْعُمْرَى وَلَا الرُّقْبَى.
(وَنَصُّهُ لَا يَطَأُ) الْمَوْهُوبَ لَهُ (الْجَارِيَةَ الْمُعْمَرَةَ) نَقَلَ يَعْقُوبُ وَابْنُ هَانِئٍ مَنْ يَعْمُرُ الْجَارِيَةَ أَنْ يَطَأَ قَالَ لَا أَرَاهُ (وَحَمَلَ) الْقَاضِي النَّصَّ الْمَذْكُورَ (عَلَى الْوَرَعِ) لِأَنَّ الْوَطْءَ اسْتِبَاحَةُ فَرْجٍ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ الْعُمْرَى وَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ تَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَلَمْ يَرَ الْإِمَامُ لَهُ وَطْأَهَا لَهَذَا وَبَعَّدَ ابْنُ رَجَبٍ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي ثُمَّ قَالَ وَالصَّوَابُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ بِالْعُمْرَى، قَاصِرٌ وَلِهَذَا نَقُولُ عَلَى رِوَايَةٍ إذَا شَرَطَ عَوْدَهَا إلَيْهِ بَعْدَهُ صَحَّ فَيَكُونُ تَمْلِيكًا مُؤَقَّتًا.
(وَإِنْ شَرَطَ) وَاهِبٌ (رُجُوعَهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (بِلَفْظِ الْأَقَارِبِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى الْمُعْمِرِ بِكَسْرِ الْمِيمِ) أَيْ: الْوَاهِبِ (عِنْدَ مَوْتِهِ) أَيْ: الْمَوْهُوبِ لَهُ (أَوْ) شَرَطَ الْوَاهِبُ رُجُوعَ الْهِبَةِ إلَيْهِ (إنْ مَاتَ) الْمَوْهُوبُ لَهُ (قَبْلَهُ أَوْ) شَرَطَ الْوَاهِبُ رُجُوعَهَا (إلَى غَيْرِهِ) إنْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ قَبْلَهُ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ وَهَبْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ أَوْ هِيَ لَكَ عُمُرَكَ عَلَى أَنَّكَ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَتْ إلَى وَلَدِي فُلَانٍ وَإِنْ مِتُّ أَوْ مَاتَ قَبْلَكَ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْكَ (فَهِيَ الرُّقْبَى) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ صَاحِبِهِ (أَوْ) شَرَطَ الْوَاهِبُ (رُجُوعَهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (مُطْلَقًا) أَيْ: مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَى الْوَاهِبِ (أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ أَوْ قَالَ) الْوَاهِبُ (هِيَ) أَيْ: هَذِهِ الدَّارُ أَوْ الْأَمَةُ وَنَحْوُهَا (لِآخِرِنَا مَوْتًا صَحَّ الْعَقْدُ دُونَ الشَّرْطِ، وَ) مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَيْنَ (تَكُونُ لِلْمُعْمَرِ بِفَتْحِ الْمِيم وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ).
فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِبَيْتِ الْمَالِ (كَالْأَوَّلِ) أَيْ: كَالْمَذْكُورِ أَوَّلًا مِنْ صُوَرِ الْعُمْرَى (وَلَا تَرْجِعُ) الْعَيْنُ (إلَى الْمُعْمِرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (وَ) لَا إلَى (الْمُرْقِبِ) بِكَسْرِ الْقَافِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: لَا تُرْقِبُوا وَلَا تُعْمِرُوا فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» قَالَ الْحَارِثِيُّ: وَالسَّنَدُ صَحِيحٌ بِلَا إشْكَالٍ وَخَرَّجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَرَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ فَهَذِهِ نُصُوصٌ تَدُلُّ عَلَى مِلْكِ الْمُعْمَرِ وَالْمَرْقَبِ مَعَ بُطْلَانِ شَرْطِ الْعَوْدِ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْعَيْنَ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ بِالشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَصَحَّ وَبَطَلَ الشَّرْطُ كَشَرْطِهِ فِي الْبَيْعِ أَنْ لَا يَبِيعَ وَلَوْ جَعَلَ اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا دَارِهِ لِلْآخَرِ عَلَى أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَهُ عَادَتْ إلَيْهِ فَرُقْبَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
(وَلَا يَصِحُّ إعْمَارُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا إرْقَابُهُمَا فَلَوْ قَالَ) رَبُّ دَارٍ (سُكْنَى هَذِهِ الدَّارِ لَكَ عُمُرَكَ أَوْ) قَالَ (غَلَّةُ هَذَا الْبُسْتَانِ) لَكَ عُمُرَكَ (أَوْ) قَالَ (خِدْمَةُ هَذَا الْعَبْدِ) لَكَ عُمُرَكَ (أَوْ) قَالَ (مَنَحْتُكَ) أَيْ: مَا ذَكَرَ مِنْ الدَّارِ أَوْ الْبُسْتَانِ أَوْ الْعَبْدِ وَنَحْوِهِ (عُمُرَكَ فَعَارِيَّةٌ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ فِي حَيَاتِهِ) أَيْ: الْمَمْنُوحِ (وَبَعْدَ مَوْتِهِ) لِأَنَّهَا هِبَةُ مَنْفَعَةٍ (وَيَصِحُّ إعْمَارُ مَنْقُولٍ، وَ) يَصِحُّ أَيْضًا (إرْقَابُهُ مِنْ حَيَوَانٍ كَعَبْدٍ وَجَارِيَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَبَعِيرٍ وَشَاةٍ.
(وَ) مِنْ (غَيْرِ حَيَوَانٍ) كَثَوْبٍ وَكِتَابٍ لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ».

.(فَصْلٌ فِي التَّعْدِيلِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فِي الْهِبَةِ):

(وَيَجِبُ عَلَى الْأَبِ، وَ) عَلَى (الْأُمِّ وَعَلَى غَيْرِهِمَا) مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ (التَّعْدِيلُ بَيْنَ مَنْ يَرِثُ بِقَرَابَةٍ مِنْ وَلَدٍ وَغَيْرِهِ) كَأَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٍ وَابْنِهِ وَعَمٍّ وَابْنِهِ (فِي عَطِيَّتِهِمْ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ «قَالَتْ امْرَأَةُ بَشِيرٍ لِبَشِيرٍ أُعْطِ ابْنِي غُلَامًا وَأَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ ابْنَةَ فُلَانٍ سَأَلَتْنِي أَنْ أَنْحَلَ ابْنَهَا غُلَامِي قَالَ: لَهُ إخْوَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: كُلُّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إلَّا عَلَى حَقٍّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَقَالَ فِيهِ «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ إنَّ لِبَنِيكَ عَلَيْكَ مِنْ الْحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ».
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ «اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ فَرَجَعَ أَبِي فِي تِلْكَ الصَّدَقَةِ» وَلِلْبُخَارِيِّ مِثْلُهُ لَكِنْ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْعَطِيَّةِ فَأَمَرَ بِالْعَدْلِ بَيْنَهُمْ وَسَمَّى تَخْصِيصَ أَحَدِهِمْ دُونَ الْبَاقِينَ جَوْرًا وَالْجَوْرُ حَرَامٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالْعَدْلِ لِلْوُجُوبِ وَقِيسَ عَلَى الْأَوْلَادِ بَاقِي الْأَقَارِبِ بِجَامِعِ الْقَرَابَةِ وَخَرَجَ مِنْهُ الزَّوْجَاتُ وَالْمَوَالِي فَلَا يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ فِي الْهِبَةِ، وَ(لَا) يَجِبُ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمْ (فِي شَيْءٍ تَافِهٍ) لِأَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِهِ فَلَا يَحْصُلُ التَّأَثُّرُ، وَالتَّعْدِيلُ الْوَاجِبُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ (بِقَدْرِ إرْثِهِمْ مِنْهُ) اقْتِدَاءً بِقِسْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيَاسًا لِحَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى حَالِ الْمَوْتِ قَالَ عَطَاءٌ: «فَمَا كَانُوا يَقْسِمُونَ إلَّا عَلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى».
فَائِدَةٌ.
نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ وَحَنْبَلٍ فِيمَنْ لَهُ أَوْلَادٌ زَوَّجَ بَعْضَ بَنَاتِهِ فَجَهَّزَهَا وَأَعْطَاهَا قَالَ يُعْطِي جَمِيعَ وَلَدِهِ مِثْلَ مَا أَعْطَاهَا وَعَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ عَنْ رَجُلٍ لَهُ وَلَدٌ يُزَوِّجُ الْكَبِيرَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَيُعْطِيهِ قَالَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ كُلَّهُمْ مِثْلَ مَا أَعْطَاهُ أَوْ يَمْنَحَهُمْ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَوَى عَنْهُ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَى ذَلِكَ أَيْضًا وَقَدْ اسْتَوْعَبَهَا الْحَارِثِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (إلَّا فِي نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ فَتَجِبُ الْكِفَايَةُ) دُونَ التَّعْدِيلِ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَضِّلَ أَحَدًا مِنْ وَلَدِهِ فِي طَعَامٍ وَغَيْرِهِ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ حَتَّى فِي الْقُبَلِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَدَخَلَ فِيهِ نَظَرُ وَقْفٍ.
(قَالَ الشَّيْخُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ أَوْلَادِ الذِّمَّةِ) أَيْ: الذِّمِّيِّينَ (انْتَهَى) وَكَلَامُ غَيْرِهِ لَا يُخَالِفُهُ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ وَارِثِينَ مِنْهُ (وَلَهُ) أَيْ: لِمَنْ ذَكَرَ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَغَيْرِهِمَا (التَّخْصِيصُ) لِبَعْضِ أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَرِثُونَهُ (بِإِذْنِ الْبَاقِي) مِنْهُمْ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِ التَّخْصِيصِ كَوْنُهُ يُوَرِّثُ الْعَدَاوَةَ وَقَطِيعَةَ الرَّحِمِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ مَعَ الْإِذْنِ (فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ) بِالْعَطِيَّةِ (أَوْ فَضَّلَهُ) فِي الْإِعْطَاءِ (بِلَا إذْنِ) الْبَاقِي (أَثِمَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَعَلَيْهِ الرُّجُوعُ) فِيمَا خَصَّ أَوْ فَضَلَ بِهِ حَيْثُ أَمْكَنَ (أَوْ إعْطَاءُ الْآخَرِ وَلَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ) الْمَخُوفِ (حَتَّى يَسْتَوُوا) بِمَنْ خَصَّهُ أَوْ فَضَّلَهُ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفَوْرِ (كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَحَدَ بَنِيهِ فِي صِحَّتِهِ وَأَدَّى عَنْهُ الصَّدَاقَ ثُمَّ مَرِضَ الْأَبُ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (فَإِنَّهُ يُعْطِي ابْنَهُ الْآخَرَ كَمَا أَعْطَى الْأَوَّلَ) لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ بَيْنَهُمَا وَلَا يُمْكِنُ الرُّجُوعُ هُنَا لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مَلَكَتْ الصَّدَاقَ بِالْعَقْدِ.
(وَلَا يُحْسَبُ) مَا يُعْطِيهِ الْأَبُ لِابْنِهِ الثَّانِي (مِنْ الثُّلُثِ) مَعَ أَنَّهُ عَطِيَّةٌ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ (لِأَنَّهُ تَدَارُكٌ لِلْوَاجِبِ أَشْبَهَ قَضَاءَ الدَّيْنِ) وَيَجُوزُ لِلْأَبِ تَمَلُّكُ مَا يُعْطِيهِ لِلتَّسْوِيَةِ بِلَا حِيلَةٍ قَدَّمَهُ الْحَارِثِيُّ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ.
وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا (وَإِنْ مَاتَ) الْمُخَصِّصُ أَوْ الْمُفَضِّلُ (قَبْلَ التَّسْوِيَةِ) بَيْنَ وَرَثَتِهِ (ثَبَتَ) أَيْ: اسْتَقَرَّ الْمِلْكُ (لِلْمُعْطَى) فَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ لِذِي رَحِمٍ فَلَزِمَتْ بِالْمَوْتِ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ (مَا لَمْ تَكُنْ الْعَطِيَّةُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ) الْمَخُوفِ، فَحُكْمُهَا كَالْوَصِيَّةِ وَيَأْتِي (وَالتَّسْوِيَةُ هُنَا) بَيْنَ الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ لِغَيْرِ أُمٍّ وَنَحْوِهِمْ (الْقِسْمَةُ لِلذِّكْرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) وَتَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ بِقَدْرِ إرْثِهِمْ وَهُوَ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا (وَالرُّجُوعُ الْمَذْكُورُ) أَيْ: رُجُوعُ الْمُخَصِّصِ أَوْ الْمُفَضِّلِ بَعْدَ الْقَبْضِ (يَخْتَصُّ بِالْأَبِ دُونَ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا) كَالْجَدِّ وَالِابْنِ وَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ.
(وَتَحْرُمُ الشَّهَادَةُ عَلَى التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً وَلَوْ) كَانَ الْأَدَاءُ (بَعْدَ مَوْتِ الْمُخَصِّصِ وَالْمُفَضِّلِ إذَا عَلِمَ) الشَّاهِدُ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ التَّفْضِيلِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ «لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ» فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي وَهُوَ أَمْرٌ، وَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ الِاسْتِحْبَابُ فَكَيْفَ تَحْرُمُ الشَّهَادَةُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ تَهْدِيدٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} وَلَوْ لَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْمَعْنَى بَشِيرٌ لَبَادَرَ إلَى الِامْتِثَالِ وَلَمْ يَرُدَّ الْعَطِيَّةَ.
(وَكَذَا كُلُّ عَقْدٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَاسِدٌ عِنْدَ الشَّاهِدِ) كَنِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَبَيْعِ غَيْرِ مَلِيءٍ وَلَا مَوْصُوفٍ وَنَحْوِهِ إنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ مَنْ يَرَاهُ حَرُمَ عَلَى الْحَنْبَلِيِّ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ تَحَمُّلًا وَأَدَاءً قِيَاسًا عَلَى مَا سَبَقَ.
(وَتُكْرَهُ) الشَّهَادَةُ (عَلَى عَقْدِ نِكَاحٍ) مِنْ (مُحْرِمٍ بِنُسُكٍ) حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا بِأَنْ كَانَ الزَّوْجَانِ وَالْوَلِيُّ حَلَالًا وَإِلَّا حُرِّمَتْ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ (وَتَقَدَّمَ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ) بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا وَلَا فَرْقَ فِي امْتِنَاعِ التَّخْصِيصِ وَالتَّفْضِيلِ بَيْنَ كَوْنِ الْبَعْضِ ذَا حَاجَةٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمَى أَوْ عِيَالٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ لَا، وَلَا بَيْنَ كَوْنِ الْبَعْضِ الْآخَرِ فَاسِقًا، أَوْ مُبْتَدِعًا، أَوْ مُبَذِّرًا أَوْ لَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى.
فِي الرَّجُلِ لَهُ الْوَلَدُ الْبَارُّ الصَّالِحُ وَآخَرُ غَيْرُ بَارٍّ لَا يُنِيلُ الْبَارَّ دُونَ الْآخَرِ (وَقِيلَ إنْ أَعْطَاهُ لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ حَاجَةٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ كَثْرَةِ عَائِلَةٍ أَوْ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ) كَصَلَاحِهِ (أَوْ مَنَعَ بَعْضَ وَلَدِهِ لِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ يَعْصِي اللَّهَ بِمَا يَأْخُذُهُ وَنَحْوِهِ جَازَ التَّخْصِيصُ) وَالتَّفْضِيلُ بِالْأَوْلَى (اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ) اسْتِدْلَالًا بِتَخْصِيصِ الصِّدِّيقِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلَيْسَ إلَّا لِامْتِيَازِهَا بِالْفَضْلِ وَلَنَا عُمُومُ الْأَمْرِ بِالتَّسْوِيَةِ وَفِعْلُ الصِّدِّيقِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَحَلَ مَعَهَا غَيْرَهَا، أَوْ أَنَّهُ نَحَلَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَنْحَلَ غَيْرَهَا فَأَدْرَكَهُ الْمَرَضُ وَنَحْوُهُ.
(وَلَا يُكْرَهُ) لِلْإِنْسَانِ (قَسْمُ مَالِهِ بَيْنَ وُرَّاثِهِ) عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَوْ أَمْكَنَ أَنْ يُولَدَ لَهُ) لِأَنَّهَا قِسْمَةٌ لَيْسَ فِيهَا جَوْرٌ فَجَازَتْ فِي جَمِيعِ مَالِهِ كَبَعْضِهِ (فَإِنْ حَدَثَ لَهُ وَارِثٌ) بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ (سَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ) بِمَا تَقَدَّمَ (وُجُوبًا) لِيَحْصُلَ التَّعْدِيلُ.
(وَإِنْ وُلِدَ لَهُ) أَيْ: لِمَنْ قَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ وُرَّاثِهِ فِي حَيَاتِهِ (وَلَدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ اُسْتُحِبَّ لِلْمُعْطِي أَنْ يُسَاوِيَ الْمَوْلُودَ الْحَادِثَ بَعْدَ أَبِيهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ وَإِزَالَةِ الشَّحْنَاءِ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ شَيْئًا عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ مِنْ أَقَارِبِهِ (التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ فِي الْوَقْفِ) بِأَنْ لَا يُفَضِّلَ ذَكَرًا عَلَى أُنْثَى (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي بَابِ الْوَقْفِ) مُوَضَّحًا.
(وَإِنْ وَقَفَ) شَخْصٌ (ثُلُثَهُ) فَأَقَلَّ (فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ (عَلَى بَعْضِ وُرَّاثِهِ) جَازَ (أَوْ وَصَّى بِوَقْفِهِ) أَيْ: الثُّلُثِ (عَلَيْهِمْ) أَيْ: عَلَى بَعْضِ وُرَّاثِهِ (جَازَ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ الْمَيْمُونِيُّ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقِفَ فِي مَرَضِهِ عَلَى وَرَثَتِهِ فَقِيلَ لَهُ أَلَيْسَ تَذْهَبُ أَنَّهُ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ فَقَالَ نَعَمْ وَالْوَقْفُ غَيْرُ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُورَثُ وَلَا يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ أَيْ: مِلْكًا طَلْقًا.
وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ بِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ عَبْدُ اللَّهِ عُمَرُ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ إنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ أَنَّ تَمْغًا صَدَقَةٌ وَالْعَبْدَ الَّذِي فِيهِ، وَالسَّهْمُ الَّذِي بِخَيْبَرَ، رَقِيقَهُ، وَالْمِائَةُ وَسْقٍ الَّذِي أَطْعَمَنِي مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلِيهِ حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا لَا يُبَاعَ وَلَا يُشْتَرَى، تُنْفِقُهُ حَيْثُ تَرَى مِنْ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ وَذَوِي الْقُرْبَى، وَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ إنْ أَكَلَ أَوْ اشْتَرَى رَقِيقًا مِنْهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا (وَيَجْرِي) الْوَقْفُ عَلَى وَرَثَتِهِ (مَجْرَى الْوَصِيَّةِ) فِي أَنَّهُ يَنْفُذُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ كَالْوَصِيَّةِ بِهِ لَا فِي تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِجَازَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا يَصِحُّ وَقْفُ مَرِيضٍ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (عَلَى أَجْنَبِيٍّ) بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ (أَوْ) عَلَى (وَارِثٍ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ) أَيْ: ثُلُثِ مَالِهِ كَالْعَطِيَّةِ فِي الْمَرَضِ، وَالْوَصِيَّةِ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَلَوْ حِيلَةً كَعَلَيَّ نَفْسُهُ ثُمَّ عَلَيْهِ انْتَهَى لِأَنَّ الْحِيَلَ غَيْرُ جَائِزَةٍ إذَا كَانَتْ وَسِيلَةَ الْمُحَرَّمِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ، وَلَوْ صَدَقَةً وَهَدِيَّةً وَنِحْلَةً، أَوْ نُقُوطًا وَحُمُولَةً فِي عُرْسٍ وَنَحْوِهِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَقِيءُ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَالَ قَتَادَةَ: وَلَا أَعْلَمُ الْقَيْءَ إلَّا حَرَامًا وَسَوَاءٌ عَوَّضَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُعَوِّضْ لِأَنَّ الْهِبَةَ الْمُطْلَقَةَ لَا تَقْتَضِي الثَّوَابَ، وَتَقَدَّمَ (أَوْ) أَيْ: وَلَوْ (تَعَلَّقَ بِالْمَوْهُوبِ رَغْبَةُ الْغَيْرِ بِأَنْ نَاكَحَ) إنْسَانٌ (الْوَلَدَ) الْمَوْهُوبِ لِوُجُودِ ذَلِكَ الَّذِي وَهَبَهُ لَهُ وَالِدُهُ، بِأَنْ زَوَّجَهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ تَزَوَّجَهُ إنْ كَانَ أُنْثَى لِذَلِكَ (أَوْ دَايَنَهُ) أَيْ: بَاعَهُ أَوْ أَقْرَضَهُ، أَوْ أَجَرَهُ وَنَحْوُهُ (لِوُجُودِ ذَلِكَ) الَّذِي وَهَبَهُ أَبُوهُ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ رُجُوعَ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ، وَلَوْ أَخَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ إلَّا الْأَبُ الْأَقْرَبُ لَكَانَ أَوْضَحَ.
وَقَوْلُهُ (بَعْدَ لُزُومِهَا) أَيْ: الْهِبَةِ بِأَنْوَاعِهَا، بِالْقَبْضِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ لِوَاهِبٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ وَأَمَّا الرُّجُوعُ قَبْلَ لُزُومِهَا فَجَائِزٌ مُطْلَقًا (كَالْقِيمَةِ) أَيْ: كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِي قِيمَةِ الْعَيْنِ الْمَوْهُوبَةِ وَلَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ (إلَّا الْأَبَ الْأَقْرَبَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ يَرْفَعَانِهِ قَالَ «لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً وَيَرْجِعَ فِيهَا، إلَّا الْوَالِدُ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ بَشِيرٍ الْمُتَقَدِّمِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَشِيرٍ: فَارْدُدْهُ وَرُوِيَ فَارْجِعْهُ رَوَاهُ مَالِكٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَبٍ يَقْصِدُ بِرُجُوعِهِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ، وَبَيْنَ غَيْرِهِ،.
وَلَوْ وَهَبَ كَافِرٌ لِوَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا ثُمَّ أَسْلَمَ الْوَلَدُ، فَلِأَبِيهِ الرُّجُوعُ فِي هِبَتِهِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ.
(وَلَوْ أَسْقَطَ) الْأَبُ (حَقَّهُ مِنْ الرُّجُوعِ) فَلَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ بِالشَّرْعِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِإِسْقَاطِهِ، كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الْوَلِيُّ حَقَّهُ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَقَالَ فِي الْمُنْتَهَى: يَسْقُطُ رُجُوعُهُ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ حَقِّهِ، وَقَدْ أَسْقَطَهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وِلَايَةِ النِّكَاحِ أَنَّ وِلَايَةَ النِّكَاحِ حَقٌّ عَلَيْهِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَلِلْمَرْأَةِ بِدَلِيلِ إثْمِهِ بِالْعَضْلِ بِخِلَافِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ حَقٌّ لِلْأَبِ.
(وَلَوْ ادَّعَى اثْنَانِ مَوْلُودًا) مَجْهُولَ النَّسَبِ، كُلٌّ يَقُولُ: هُوَ ابْنِي (فَوَهَبَاهُ أَوْ وَهَبَهُ أَحَدُهُمَا شَيْئًا فَلَا رُجُوعَ) لِانْتِفَاءِ ثُبُوتِ الدَّعْوَى (وَإِنْ ثَبَتَ اللِّحَاقُ بِأَحَدِهِمَا، ثَبَتَ) لَهُ (الرُّجُوعُ) لِثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ.
(وَيُشْتَرَطُ لِرُجُوعِ الْأَبِ) أَيْ: لِجَوَازِهِ وَصِحَّتِهِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ (شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ) الْهِبَةُ (عَيْنًا بَاقِيَةً فِي مِلْكِ الِابْنِ) إلَى رُجُوعِ أَبِيهِ (فَلَا رُجُوعَ) لِلْأَبِ (فِي دَيْنِهِ عَلَى الْوَلَدِ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ) لَا تَمْلِيكٌ (وَلَا فِي مَنْفَعَةٍ أَبَاحَهَا لَهُ) أَبُوهُ (بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ كَسُكْنَى دَارٍ وَنَحْوِهَا) لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ، وَاسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ إتْلَافِهَا.
(فَإِنْ خَرَجَتْ الْعَيْنُ) الْمَوْهُوبَةُ (عَنْ مِلْكِهِ) أَيْ: الِابْنِ (بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ غَيْرِهِ خُصُوصًا إذَا قُلْنَا يَنْتَقِلُ فِي الْحَالِ لِمَنْ بَعْدَهُ (أَوْ) خَرَجَتْ (بِغَيْرِ ذَلِكَ) بِأَنْ جَعَلَهَا صَدَاقًا لِامْرَأَةِ أَوْ عِوَضًا عَلَى صُلْحٍ وَنَحْوِهِ (ثُمَّ عَادَتْ) الْعَيْنُ (إلَيْهِ) أَيْ: الِابْنِ (بِسَبَبٍ جَدِيدٍ كَبَيْعٍ) وَلَوْ مَعَ خِيَارٍ (أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ نَحْوِهِ) كَأَنْ أَخَذَهَا عِوَضًا عَنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ، أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ (لَمْ يَمْلِكْ) الْأَبُ (الرُّجُوعَ) فِيهَا لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى الْوَلَدِ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَمْ يَسْتَفِدْهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، فَلَمْ يَمْلِكْ إزَالَتَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَوْهُوبَةً.
(وَإِنْ عَادَتْ) الْعَيْنُ لِلْوَلَدِ بَعْدَ بَيْعِهَا (بِفَسْخِ الْبَيْعِ بِعَيْبٍ) فِيهَا، أَوْ فِي الثَّمَنِ (أَوْ) عَادَتْ بِ (إقَالَةٍ، أَوْ) عَادَتْ بِفَسْخٍ (لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي) بِالثَّمَنِ (أَوْ بِفَسْخِ خِيَارِ الشَّرْطِ، أَوْ الْمَجْلِسِ) مَلَكَ الْأَبُ الرُّجُوعَ فِيهَا، لِعَوْدِ الْمِلْكِ بِالسَّبَبِ الْأَوَّلِ، فَكَأَنَّهُ مَا انْتَقَلَ.
وَبِهِ فَارَقَ الْعَوْدَ بَيْعٌ أَوْ هِبَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا (أَوْ دَبَّرَ) الْوَلَدُ (الْعَبْدَ) الْمَوْهُوبَ لَهُ مِنْ وَالِدِهِ (أَوْ كَاتَبَهُ مَلَكَ) الْأَبُ (الرُّجُوعَ) فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَالْكِتَابَةَ لَا يَمْنَعَانِ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَمْنَعَا الرُّجُوعَ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ أَوْ أَجَرَهُ.
(وَهُوَ) أَيْ: الْعَبْدُ الَّذِي كَاتَبَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُوهُ فِيهِ (مُكَاتَبٌ) أَيْ: بَاقٍ عَلَى كِتَابَتِهِ لِلُزُومِهَا، فَإِذَا أَدَّى إلَى الْأَبِ بَاقِي مَالِ الْكِتَابَةِ عَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ رُقَّ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ الِابْنُ وَمَا أَخَذَهُ الِابْنُ مِنْ دَيْنِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ رُجُوعِ الْأَبِ (لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ أَبُوهُ) لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ بَاقِيَةً فِي تَصَرُّفِ الْوَلَدِ، فَإِنْ تَلِفَتْ) الْعَيْنُ (فَلَا رُجُوعَ) لِلْأَبِ (فِي قِيمَتِهَا) وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ اسْتَوْلَدَ) الِابْنُ (الْأَمَةَ) الَّتِي وَهَبَهَا لَهُ أَبُوهُ لَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ لِامْتِنَاعِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِي أُمِّ الْوَلَدِ (أَوْ كَانَ) الْأَبُ (وَهَبَهَا لَهُ لِلِاسْتِعْفَافِ لَمْ يَمْلِكْ) الْأَبُ (الرُّجُوعَ) فِيهَا، وَإِنْ اسْتَغْنَى أَوْ لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا لِأَنَّ إعْفَافَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ رَهَنَ) الِابْنُ (الْعَيْنَ) الَّتِي وَهَبَهَا لَهُ أَبُوهُ وَأَقْبَضَهَا فَكَذَلِكَ (أَوْ أَفْلَسَ) الِابْنُ (وَحُجِرَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ) أَيْ: فَلَا رُجُوعَ لِأَبِيهِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَالْغُرَمَاءِ بِالْعَيْنِ، وَفِي الرُّجُوعِ إبْطَالٌ لِذَلِكَ.
تَنْبِيهٌ:
مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ مَانِعٍ مِنْ الرُّجُوعِ قَالَ الْحَارِثِيُّ: إنَّهُ الصَّوَابُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَنَحْوِهِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُغْنِي، وَصَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى.
وَمُقْتَضَى مَا قَدَّرَهُ فِي الْمُقْنِعِ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُ فِي التَّنْقِيحِ فَإِنْ أَفْلَسَ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، فَإِنْ حُمِلَ كَلَامُ الْمُقْنِعِ وَالْمُنْتَهَى عَلَى فَلَسٍ لَا حَجْرَ مَعَهُ وَافَقَ مَا ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ وَالشَّارِحُ (فَإِنْ زَالَ الْمَانِعُ) بِأَنْ انْفَكَّ الْحَجْرُ وَالرَّهْنُ (مَلَكَ) الْأَبُ (الرُّجُوعَ) لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ لَمْ يُزَلْ، وَإِنَّمَا طَرَأَ مَعْنًى قَطَعَ التَّصَرُّفَ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ فَمَنَعَ الرُّجُوعَ، فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ.
(وَكُلُّ تَصَرُّفٍ لَا يَمْنَعُ الِابْنَ التَّصَرُّفَ فِي الرَّقَبَةِ، كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَالرَّهْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَالْوَطْءِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْإِحْبَالِ وَالتَّزْوِيجِ) لِلرَّقِيقِ (وَالْإِجَارَةِ وَالْمُزَارَعَةِ عَلَيْهَا وَجَعْلِهَا مُضَارَبَةً فِي عَقْدِ شَرِكَةٍ لَا يَمْنَعُ) الْأَبَ (الرُّجُوعَ) لِبَقَاءِ مِلْكِ الِابْنِ وَسَلْطَنَةُ تَصَرُّفِهِ.
(وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ) عَلَى صِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ (وَإِذَا رَجَعَ) الْأَبُ فِي الْعَيْنِ (وَكَانَ التَّصَرُّفُ لَازِمًا، كَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْكِتَابَةِ، فَهُوَ) أَيْ: التَّصَرُّفُ (بَاقٍ بِحَالِهِ) كَاسْتِمْرَارِهِ مَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَلَدِ لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلْأَبِ فِعْلًا فِي الْإِجَارَةِ، لِأَنَّ تَمْلِيكَهُ لِوَلَدِهِ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَلَا كَذَلِكَ الشَّفِيعُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَإِنْ كَانَ) التَّصَرُّفُ (جَائِزًا، كَالْوَصِيَّةِ وَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ) وَالْمُزَارَعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ (بَطَلَ) ذَلِكَ التَّصَرُّفُ، لِأَنَّ اسْتِمْرَارَ حُكْمِهِ مُقَيَّدٌ بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَاتَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ (وَالتَّدْبِيرُ وَالْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِصِفَةٍ، لَا يَبْقَى حُكْمُهُمَا فِي حَقِّ الْأَبِ) لِأَنَّهُمَا لَمْ يَصْدُرَا مِنْهُ.
(وَمَتَى عَادَ) الْمُدَبَّرُ أَوْ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ (إلَى) مِلْكِ (الِابْنِ عَادَ حُكْمُهُمَا) لِعَوْدِ الصِّفَةِ (وَإِنْ وَهَبَهُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ لَمْ يَمْلِكْ) الْوَاهِبُ الْأَوَّلُ (الرُّجُوعَ) لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالًا لِمِلْكِ غَيْرِ ابْنِهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ (إلَّا أَنْ يَرْجِعَ هُوَ) أَيْ: الْوَاهِبُ الثَّانِي فِي هِبَتِهِ لِابْنِهِ فَيَمْلِكُ الْأَوَّلُ الرُّجُوعَ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ فَسْخٌ فِي هِبَتِهِ بِرُجُوعِهِ فَعَادَ إلَيْهِ الْمِلْكُ بِسَبَبِهِ الْأَوَّلِ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ: أَنْ لَا تَزِيدَ) الْعَيْنُ الْمَوْهُوبَةُ عِنْدَ الْوَلَدِ (زِيَادَةً مُتَّصِلَةً تَزِيدُ قِيمَتُهَا كَالسِّمَنِ وَالْكِبَرِ وَالْحَمْلِ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ أَوْ) تَعَلُّمِ (كِتَابَةٍ أَوْ قُرْآنٍ) لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ لِكَوْنِهَا نَمَاءً مَلَكَهُ وَلَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ فِيهَا كَالْمُنْفَصِلَةِ وَإِذَا امْتَنَعَ الرُّجُوعُ فِيهَا امْتَنَعَ فِي الْأَصْلِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَضَرَرِ التَّشْقِيصِ وَلِأَنَّهُ اسْتِرْجَاعٌ لِلْمَالِ بِفَسْخِ عَقْدٍ لِغَيْرِ عَيْبٍ فِي عِوَضِهِ فَمَنَعَهُ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَاسْتِرْجَاعِ الصَّدَاقِ بِفَسْخِ النِّكَاحِ أَوْ نِصْفِهِ بِالطَّلَاقِ أَوْ رُجُوعِ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ لِفَلَسِ الْمُشْتَرِي وَقَدْ يُفَارِقُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الرَّدَّ مِنْ الْمُشْتَرِي وَقَدْ رَضِيَ بِبَذْلِ الزِّيَادَةِ (وَإِنْ زَادَ) الْمَوْهُوبُ (بِبُرْئِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ صَمَمٍ مُنِعَ الرُّجُوعُ) كَسَائِرِ الزِّيَادَاتِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَوَلَدُهُ فِي حُدُوثِ زِيَادَةٍ) بِأَنْ قَالَ الْوَلَدُ حَدَثَ فِيهِ زِيَادَةٌ فَمَنَعَتْ الرُّجُوعَ وَأَنْكَرَ الْأَبُ (فَقَوْلُ الْأَبِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الزِّيَادَةِ (وَلَا تَمْنَعُ) الزِّيَادَةُ (الْمُنْفَصِلَةُ) الرُّجُوعَ (كَوَلَدِ الْبَهِيمَةِ وَثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ وَكَسْبِ الْعَبْدِ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي الْأَصْلِ دُونَ النَّمَاءِ.
(وَالزِّيَادَةِ) الْمُنْفَصِلَةِ (لِلْوَلَدِ) لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ فِي مِلْكِهِ وَلَا تُتَّبَعُ فِي الْفُسُوخِ فَكَذَا هُنَا (فَإِنْ كَانَتْ) الزِّيَادَةُ (وَلَدَ أَمَةٍ) بِأَنْ حَمَلَتْ الْأَمَةُ وَوَلَدَتْ عِنْدَ الْوَلَدِ (امْتَنَعَ الرُّجُوعُ) فِي الْأُمِّ (لِتَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ) بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا (وَإِنْ وَهَبَهُ) أَيْ: وَهَبَ الْأَبُ وَلَدَهُ أَمَةً أَوْ بَهِيمَةً (حَامِلًا فَوَلَدَتْ فِي يَدِ الِابْنِ فَالْوَلَدُ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ) أَيْ: بِاعْتِبَارِ الْكِبَرِ.
(وَإِنْ وَهَبَهُ) أَمَةً أَوْ بَهِيمَةً (حَائِلًا ثُمَّ رَجَعَ) الْأَبُ (فِيهَا حَامِلًا فَإِنْ زَادَتْ قِيمَتُهَا) بِالْحَمْلِ (فَزِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ) تَمْنَعُ الرُّجُوعَ (وَإِنْ وَهَبَهُ نَخْلًا فَحَمَلَتْ فَقَبْلَ التَّأْبِيرِ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ) تَمْنَعُ الرُّجُوعَ (وَبَعْدَهُ) أَيْ: التَّأْبِيرِ، وَالْمُرَادُ التَّشَقُّقُ (مُنْفَصِلَةٌ) لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ نَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ الْمُوَفَّقِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْعَيْنِ) لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ فِي الْبَاقِي مِنْهَا (أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا) لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ (أَوْ أَبِقَ الْعَبْدُ) الْمَوْهُوبُ لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ (أَوْ ارْتَدَّ الْوَلَدُ) الْمَوْهُوبُ لَهُ (لَمْ يَمْنَعْ الرُّجُوعَ) لِبَقَاءِ الْمِلْكِ.
(وَلَا ضَمَانَ عَلَى الِابْنِ فِيمَا تَلِفَ مِنْهَا وَلَوْ) كَانَ التَّلَفُ (بِفِعْلِهِ) لِأَنَّهُ فِي مِلْكِهِ (وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ) الْمَوْهُوبُ لِلْوَلَدِ (جِنَايَةً يَتَعَلَّقُ أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ فَلِلْأَبِ الرُّجُوعُ فِيهِ) لِبَقَاءِ مِلْكِ وَلَدِهِ عَلَيْهِ.
(وَيَضْمَنُ) الْأَبُ (أَرْشَ الْجِنَايَةِ) لِتَعَلُّقِهِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَيَفْدِيهِ أَوْ يُسْلِمُهُ أَوْ يَبِيعُهُ فِيهَا.
(فَإِنْ جُنِيَ عَلَى الْعَبْدِ) الْمَوْهُوبِ لِلْوَلَدِ (فَرَجَعَ الْأَبُ فِيهِ فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِلِابْنِ) لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ.
(وَصِفَةُ الرُّجُوعِ) مِنْ الْأَبِ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ (أَنْ يَقُولَ قَدْ رَجَعْتُ فِيهَا) أَيْ: الْهِبَةِ (أَوْ) يَقُولَ (ارْتَجَعْتُهَا أَوْ رَدَدْتُهَا وَنَحْوَهُ) كَعُدْتُ فِيهَا أَوْ أَعَدْتُهَا إلَى مِلْكِي وَنَحْوَ ذَلِكَ (مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى الرُّجُوعِ) قَالَ الْحَارِثِيُّ وَالْأَكْمَلُ رَجَعْتُ فِيمَا وَهَبْتُهُ لَكَ مِنْ كَذَا وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَسَّمَهُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ وَلَا بَأْس بِهِ، وَسَوَاءٌ (عَلِمَ الْوَلَدُ) بِرُجُوعِ أَبِيهِ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ) بِهِ.
(وَلَا يَحْتَاجُ) الرُّجُوعَ (إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ) لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ كَفَسْخِ مُعْتَقَةٍ تَحْتَ عَبْدٍ (وَإِنْ تَصَرَّفَ الْأَبُ فِيهِ) أَيْ: فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ (بَعْدَ قَبْضِ الِابْنِ) لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا بِغَيْرِ قَوْلٍ (أَوْ وَطِئَ) الْأَبُ (الْجَارِيَةَ) الَّتِي وَهَبَهَا لِوَلَدِهِ وَأَقْبَضَهَا لَهُ (وَلَوْ نَوَى) الْأَبُ (بِهِ) أَيْ: بِالتَّصَرُّفِ أَوْ الْوَطْءِ (الرُّجُوعَ لَمْ يَكُنْ) ذَلِكَ (رُجُوعًا بِغَيْرِ قَوْلٍ) لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْهُوبِ لَهُ ثَابِتٌ يَقِينًا فَلَا يَزُولُ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ صَرِيحُ الْقَوْلِ.
(وَإِنْ سَأَلَ) زَوْجٌ (امْرَأَتَهُ هِبَةَ مَهْرِهَا فَوَهَبَتْهُ) لَهُ ثُمَّ ضَرَّهَا فَلَهَا الرُّجُوعُ (أَوْ قَالَ) زَوْجٌ لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تُبْرِئِينِي فَأَبْرَأَتْهُ) مِنْ مَهْرِهَا (ثُمَّ ضَرَّهَا بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهَا الرُّجُوعُ) فِيمَا وَهَبَتْهُ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ لِأَنَّ شَاهِدَ الْحَالِ يَدُلُّ أَنَّهَا لَمْ تَطِبْ بِهِ نَفْسًا وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ اللَّهُ عَنْ طِيبِ نَفْسِهَا بِقَوْلِهِ {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} وَغَيْرُ الصَّدَاقِ كَالصَّدَاقِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ عُمَرَ: إنَّ النِّسَاءَ يُعْطِينَ أَزْوَاجَهُنَّ رَغْبَةً وَرَهْبَةً فَأَيُّمَا امْرَأَةٍ أَعْطَتْ زَوْجَهَا شَيْئًا ثُمَّ أَرَادَتْ أَنْ تَعْتَصِرَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِهِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: الْمَشْهُورُ عَنْهُ أَيْ: عَنْ الْإِمَامِ أَنْ لَا رُجُوعَ لِوَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا وَهَبَ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ تَهَبَ الْمَرْأَةُ مَهْرَهَا لِسُؤَالٍ مِنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَتَرْجِعُ (إلَّا إنْ تَبَرَّعَتْ بِهِ) أَيْ بِمَهْرِهَا (مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةِ) الزَّوْجِ فَلَا رُجُوعَ لَهَا نَصًّا وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْكُوفِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا}.
(فَصْلٌ وَلِأَبٍ فَقَطْ إذَا كَانَ) الْأَبُ (حُرًّا أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ مَا شَاءَ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ كَالرَّهْنِ وَالْفَلَسِ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ رَغْبَةٌ كَالْمُدَايَنَةِ وَالْمُنَاكَحَةِ وَقُلْنَا: يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ فَفِي التَّمَلُّكِ نَظَرٌ (مَعَ حَاجَةِ الْأَبِ) إلَى تَمَلُّكِ مَالِ وَلَدِهِ.
(وَ) مَعَ (عَدَمِهَا فِي صِغَرِ الْوَلَدِ وَكِبَرِهِ وَسَخَطِهِ وَرِضَاهُ وَبِعِلْمِهِ وَبِغَيْرِهِ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
«جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إنَّ أَبِي احْتَاجَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ».
وَلِأَنَّ الْوَلَدَ مَوْهُوبٌ لِأَبِيهِ بِالنَّصِّ الْقَاطِعِ وَمَا كَانَ مَوْهُوبًا لَهُ كَانَ لَهُ أَخْذُ مَالِهِ كَعَبْدِهِ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ} الْآيَةُ ذَكَرَ الْأَقَارِبُ دُونَ الْأَوْلَادِ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْلِهِ {مِنْ بُيُوتِكُمْ} لِأَنَّ بُيُوتَ أَوْلَادِهِمْ كَبُيُوتِهِمْ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ يَلِي مَالَ وَلَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةِ كَمَالِ نَفْسِهِ (دُونَ أُمٍّ وَجَدٍّ وَغَيْرِهِمَا) مِنْ سَائِرِ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْمَنْعُ خُولِفَ فِي الْأَبِ لِدَلَالَةِ النَّصِّ وَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ (بِشُرُوطٍ) سِتَّةٍ مُتَعَلِّقٌ بِ يَتَمَلَّكُ.
(أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ) مَا يَتَمَلَّكُهُ الْأَبُ (فَاضِلًا عَنْ حَاجَةِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يَضُرَّهُ) بِتَمَلُّكِهِ وَهُوَ مَنْفِيٌّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: الْأَبِ (أَنْ يَتَمَلَّكَ سُرِّيَّتَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ) سُرِّيَّتُهُ (أُمَّ وَلَدٍ) لِلِابْنِ (لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوْجَاتِ وَلَا) يَتَمَلَّكُ أَيْضًا (مَا تَعَلَّقَتْ حَاجَتُهُ بِهِ) كَآلَةِ حِرْفَةٍ يَتَكَسَّبُ بِهَا وَرَأْسِ مَالِ تِجَارَةٍ لِأَنَّ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَيْنِهِ فَلَأَنْ تُقَدَّمَ عَلَى أَبِيهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى الشَّرْطُ (الثَّانِي أَنْ لَا يُعْطِيَهُ) الْأَبُ (لِوَلَدٍ آخَرَ) فَلَا يَتَمَلَّكُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ زَيْدٍ لِيُعْطِيَهُ لِوَلَدِهِ عَمْرٍو لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ وَلَدِهِ بِالْعَطِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَأَنْ يُمْنَعُ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِمَا أَخَذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْآخَرِ أَوْلَى.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ أَنْ لَا يَكُونَ) التَّمَلُّكُ (فِي مَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ: الْأَبِ أَوْ الْوَلَدِ لِأَنَّهُ بِالْمَرَضِ قَدْ انْعَقَدَ السَّبَبُ الْقَاطِعُ لِلتَّمَلُّكِ الشَّرْطُ (الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ الْأَبُ كَافِرًا وَالِابْنُ مُسْلِمًا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الِابْنُ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَهُ الشَّيْخُ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا عَيْنُ الصَّوَابِ انْتَهَى لِحَدِيثِ «الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى» (وَقَالَ) الشَّيْخُ أَيْضًا (الْأَشْبَهُ أَنَّ الْأَبَ الْمُسْلِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ الْكَافِرِ شَيْئًا) لِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ وَالتَّوَارُثِ.
الشَّرْطُ (الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ) مَا يَتَمَلَّكُهُ الْأَبُ (عَيْنًا مَوْجُودَةً) فَلَا يَتَمَلَّكَ دَيْنَ ابْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَيَحْصُلُ تَمَلُّكُهُ) أَيْ: الْأَبِ لِمَالِ وَلَدِهِ (بِقَبْضِ) مَا يَتَمَلَّكُهُ (مَعَ قَوْلٍ) تَمَلَّكْتُهُ أَوْ نَحْوِهِ (أَوْ نِيَّةٍ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ أَوْ قَرِينَةٍ لِأَنَّ الْقَبْضَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلتَّمَلُّكِ أَوْ غَيْرِهِ فَاعْتُبِرَ الْقَوْلُ أَوْ النِّيَّةُ لِيَتَعَيَّنَ وَجْهُ الْقَبْضِ.
(وَهُوَ) أَيْ: الْقَبْضُ مَعَ مَا ذُكِرَ الشَّرْطُ (السَّادِسُ: وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) أَيْ: الْأَبِ (فِيهِ) أَيْ: فِي مَالِ وَلَدِهِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ الْقَبْضِ مَعَ الْقَوْلِ أَوْ النِّيَّةِ (وَلَوْ عِتْقًا) لِأَنَّ مِلْكَ الِابْنِ تَامٌّ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْءُ جَوَارِيهِ.
وَلَوْ كَانَ الْمِلْكُ مُشْتَرَكًا لَمْ يَحِلَّ الْوَطْءُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَإِنَّمَا لِلْأَبِ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ كَالْعَيْنِ الَّتِي وَهَبَهَا إيَّاهُ (وَلَا يَمْلِكُ أَبٌ إبْرَاءَ نَفْسِهِ) مِنْ دَيْنِ وَلَدِهِ (وَلَا) يَمْلِكُ الْأَبُ أَيْضًا (إبْرَاءَ غَرِيمِ وَلَدِهِ وَلَا) يَمْلِكُ الْأَبُ (تَمَلُّكَ مَا فِي ذِمَّةِ نَفْسِهِ، وَلَا) تَمَلُّكَ مَا فِي (ذِمَّةِ غَرِيمِ وَلَدِهِ، وَلَا) يَمْلِكُ (قَبْضَهُ) أَيْ: الدَّيْنِ (مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ نَفْسِهِ وَغَرِيمِ وَلَدِهِ (لِأَنَّ الْوَلَدَ لَمْ يَمْلِكْهُ) قَبْلَ قَبْضِهِ.
(وَلَوْ أَقَرَّ) الْأَبُ (بِقَبْضِ دَيْنِ وَلَدِهِ) مِنْ غَرِيمِهِ (فَأَنْكَرَ الْوَلَدُ) أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ قَبَضَ (أَوْ أَقَرَّ) بِالْقَبْضِ (رَجَعَ) الْوَلَدُ (عَلَى غَرِيمِهِ) بِدَيْنِهِ لِعَدَمِ بَرَاءَتِهِ بِالدَّفْعِ إلَى أَبِيهِ (وَرَجَعَ الْغَرِيمُ عَلَى الْأَبِ) بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَبِبَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا لِأَنَّهُ قَبَضَ مَا لَيْسَ لَهُ قَبْضُهُ لَا بِوِلَايَةٍ وَلَا بِوَكَالَةٍ.
فَقَوْلُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا: وَلَوْ أَقَرَّ بِقَبْضِ دَيْنِ ابْنِهِ فَأَنْكَرَ رَجَعَ عَلَى غَرِيمِهِ وَهُوَ عَلَى الْأَبِ: لَا يُعَوَّلُ عَلَى مَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ سَائِلٍ فَلَا يُحْتَجُّ بِمَفْهُومِهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ لَوْ أَخَذَ) الْأَبُ (مِنْ مَالِ وَلَدِهِ شَيْئًا ثُمَّ انْفَسَخَ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ) أَيْ: الشَّيْءِ الْمَأْخُوذِ (بِحَيْثُ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى الَّذِي كَانَ مَالِكَهُ، مِثْلُ أَنْ يَأْخُذَ) الْأَبُ (صَدَاقَ ابْنَتِهِ ثُمَّ يُطَلِّقُ الزَّوْجُ) قَبْلَ الدُّخُولِ، أَوْ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُ الصَّدَاقَ (أَوْ يَأْخُذُ) الْأَبُ (ثَمَنَ السِّلْعَةِ الَّتِي بَاعَهَا الْوَلَدُ ثُمَّ تُرَدُّ السِّلْعَةُ أَوْ يَأْخُذُ) الْأَبُ (الْمَبِيعَ الَّذِي اشْتَرَاهُ الْوَلَدُ ثُمَّ يُفْلِسُ) الْوَلَدُ (بِالثَّمَنِ) وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ وَيَفْسَخُ الْبَائِع.
(وَنَحْوُ ذَلِكَ) كَمَا لَوْ فَسَخَ الْبَائِعُ لِعَيْبِ الثَّمَنِ بَعْدَ أَخْذِ الْأَبِ الْمَبِيعَ مِنْ وَلَدِهِ (فَالْأَقْوَى فِي جَمِيعِ) هَذِهِ (الصُّوَرِ: أَنَّ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعَ عَلَى الْأَبِ) لِسَبْقِ حَقِّهِ عَلَى تَمَلُّكِ الْأَبِ (وَيَأْتِي فِي الصَّدَاقِ لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا) أَنَّ ذَلِكَ يَصِحُّ، وَأَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ مَعَ نِيَّةِ: التَّمَلُّكِ وَأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ انْفَسَخَ النِّكَاحُ قَبْلَ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهٍ يُسْقِطُهُ رَجَعَ عَلَيْهَا لَا عَلَى أَبِيهَا، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ.
(وَإِنْ وَطِئَ) أَبٌ (جَارِيَةَ وَلَدِهِ) قَبْلَ تَمَلُّكِهَا (فَأَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) أَيْ: لِلْأَبِ لِأَنَّ إحْبَالَهُ لَهَا يُوجِبُ نَقْلَ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْوَطْءُ مُصَادِفًا لِلْمِلْكِ، فَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْوَلَدِ.
(وَوَلَدُهُ) أَيْ: الْأَبِ مِنْ جَارِيَةِ وَلَدِهِ (حُرٌّ) لِأَنَّهُ مِنْ وَطْءٍ انْتَفَى فِيهِ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ (لَا يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ) لِوَلَدِهِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهُ مِلْكُ الْجَارِيَةِ لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ وَدُخُولِهَا فِي مِلْكِهِ بِالْإِحْبَالِ فَلَمْ تَأْتِ بِالْوَلَدِ إلَّا فِي مِلْكِ الْأَبِ (وَلَا) يَلْزَمُهُ (مَهْرٌ) لِأَنَّ الْوَطْءَ سَبَبُ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهَا، وَإِيجَابُ الْقِيمَةِ لِلْوَلَدِ، وَالْوَطْءُ الْمُوجِبُ لِلْقِيمَةِ كَالْإِتْلَافِ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ الْمَهْرُ.
(وَلَا حَدَّ) لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ (وَيُعَزَّرُ) لِأَنَّهُ وَطِئَ وَطْئًا مُحَرَّمًا أَشْبَهَ وَطْءَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْأَبَ (قِيمَتُهَا) أَيْ: قِيمَةُ الْأَمَةِ الَّتِي أَوْلَدَهَا لِوَلَدِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا عَلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِهَا وَمَحَلُّ انْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهَا لِلْأَبِ (إنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ وَطِئَهَا) لِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ تَصِيرُ كَحَلَائِلِ الْأَبْنَاءِ فَتَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ.
(وَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا إنْ كَانَ الِابْنُ اسْتَوْلَدَهَا فَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ) إذْ أُمُّ الْوَلَدِ لَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا.
(وَإِنْ كَانَ الِابْنُ وَطِئَهَا وَلَوْ لَمْ يَسْتَوْلِدْهَا لَمْ يَمْلِكْهَا الْأَبُ) بِالْإِحْبَالِ (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) لِأَنَّهَا بِالْوَطْءِ صَارَتْ مُلْحَقَةً بِالزَّوْجَةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِالْقَوْلِ كَمَا تَقَدَّمَ.
فَلَا يَمْلِكُهَا بِالْإِحْبَالِ (وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمَا) أَيْ: عَلَى الْأَبِ لِأَنَّهَا مِنْ مَوْطُوآتِ ابْنِهِ، وَعَلَى الِابْنِ لِأَنَّهَا مَوْطُوءَةُ أَبِيهِ (وَلَا يُحَدُّ) الْأَبُ بِوَطْئِهِ لِلْأَمَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِشُبْهَةِ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» (وَإِنْ وَطِئَ) الِابْنُ (أَمَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ إنْ حَمَلَتْ مِنْهُ (وَوَلَدُهُ قِنٌّ وَيُحَدُّ) إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لِأَنَّ الِابْنَ لَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَبَوَيْهِ فَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْوَطْءِ.
(وَلَيْسَ لِوَلَدٍ وَلَا لِوَرَثَتِهِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنِ قَرْضٍ وَلَا ثَمَنِ مَبِيعٍ وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ وَلَا أَرْشِ جِنَايَةٍ وَلَا) بِأُجْرَةِ (مَا انْتَفَعَ بِهِ مِنْ مَالِهِ) لِمَا رَوَى الْخَلَّالُ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِيهِ يَقْتَضِيهِ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» وَلِأَنَّ الْمَالَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْحُقُوقِ فَلَمْ يَمْلِكْ مُطَالَبَةَ أَبِيهِ بِهِ كَحُقُوقِ الْأَبْدَانِ (وَلَا) لِلِابْنِ (أَنْ يُحِيلَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْأَبِ (بِدَيْنِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ طَلَبَهُ بِهِ فَلَا يَمْلِكُ الْحَوَالَةَ عَلَيْهِ.
(وَلَا) مُطَالَبَةَ لِلْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ (بِغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا بِنَفَقَةٍ) أَيْ: الْوَلَدِ (الْوَاجِبَةِ) عَلَى الْأَبِ لِفَقْرِ الِابْنِ وَعَجْزِهِ عَنْ التَّكَسُّبِ، فَلَهُ الطَّلَبُ بِهَا (زَادَ فِي الْوَجِيزِ وَحَبْسُهُ عَلَيْهَا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» (وَلَهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (مُطَالَبَتُهُ) أَيْ: الْأَبِ (بِعَيْنِ مَالٍ لَهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (فِي يَدِهِ) أَيْ: الْأَبِ.
(وَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ لِتَمَامِ مِلْكِ الْوَلَدِ عَلَى مَالِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ، وَوُجُوبِ زَكَاتِهِ عَلَيْهِ وَحِلِّ الْوَطْءِ وَتَوْرِيثِ وَرَثَتِهِ.
وَحَدِيثُ «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» عَلَى مَعْنَى سُلْطَةِ التَّمَلُّكِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إضَافَةُ الْمَالِ لِلْوَلَدِ (وَيَثْبُتُ لَهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (فِي ذِمَّتِهِ) أَيْ: الْوَالِدِ (الدَّيْنُ) مِنْ بَدَلِ قَرْضٍ وَثَمَنِ مَبِيعٍ وَأُجْرَةٍ وَنَحْوِهَا (وَنَحْوُهُ) كَأَرْشِ الْجِنَايَاتِ وَقِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ إعْمَالًا لِلسَّبَبِ فَإِنَّ مِلْكَ الْوَلَدِ تَامٌّ.
وَالسَّبَبُ إمَّا إتْلَافٌ لِمَالِ الْغَيْرِ وَإِمَّا قَرْضٌ وَنَحْوُهُ فَعَقْدٌ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى:
{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.
(قَالَ فِي الْمُوجَزِ: لَا يَمْلِكُ) الْوَلَدُ (إحْضَارَهُ) أَيْ:
الْأَبِ (فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ: فَإِنْ أَحْضَرَهُ فَادَّعَى) الْوَلَدُ عَلَيْهِ (فَأَقَرَّ) الْأَبُ بِالدَّيْنِ (أَوْ قَامَتْ) بِهِ (بَيِّنَةٌ لَمْ يُحْبَسْ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ الْخَلَّالِ.
(وَإِنْ وَجَدَ) الْوَلَدُ (عَيْنَ مَالِهِ الَّذِي أَقْرَضَهُ) لِأَبِيهِ (أَوْ بَاعَهُ) لَهُ (وَنَحْوَهُ) كَعَيْنِ مَا غَصَبَهُ مِنْهُ (بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَهُ) أَيْ: الْوَلَدِ (أَخْذُهُ) أَيْ: مَا وَجَدَهُ مِنْ عَيْنِ مَالِهِ (إنْ لَمْ يَكُنْ اُنْتُقِدَ ثَمَنُهُ) لِتَعَذُّرِ الْعِوَضِ قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْأَبِ لِوَلَدِهِ، فَلَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعِوَضُ رَجَعَ بِعَيْنِ الْمَالِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَثْبُتُ فَيُطَالَبُ بِالْعِوَضِ (وَلَا يَكُونُ) مَا وَجَدَ مِنْ عَيْنِ مَالِ الْوَلَدِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ (مِيرَاثًا) لِوَرَثَةِ الْأَبِ (بَلْ) هُوَ (لَهُ) أَيْ: لِلْوَلَدِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ (دُونَ سَائِرِ الْوَرَثَةِ) قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: هَذَا إذَا صَارَ إلَى الْأَبِ بِغَيْرِ تَمْلِيكٍ وَلَا عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَأَمَّا إنْ صَارَ إلَيْهِ بِنَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ قَوْلًا وَاحِدًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى قُلْتُ: فَكَيْفَ تُصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ حِينَئِذٍ مَعَ قَوْلِهِمْ عَيْنُ مَا أَقْرَضَهُ أَوْ بَاعَهُ وَمَا قَدَّمْتُهُ أَوْلَى.
(وَلَا يَسْقُطُ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ) أَيْ: الْأَبِ (بِمَوْتِهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ) كَسَائِرِ الدُّيُونِ.
(وَتَسْقُطُ جِنَايَتُهُ) أَيْ: أَرْشُهَا بِمَوْتِ الْأَبِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ الْقَرْضِ وَثَمَنِ الْمَبِيعِ وَنَحْوِهِمَا: كَوْنُ الْأَبِ أَخَذَ عَنْ هَذَا عِوَضًا بِخِلَافِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ أَيْضًا دَيْنُ الضَّمَانِ إذَا ضَمِنَ غَرِيمٌ وَلَدَهُ.
(وَلَوْ قَضَى الْأَبُ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ فِي مَرَضِهِ أَوْ وَصَّى بِقَضَائِهِ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ عَلَيْهِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ فَكَانَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالدَّيْنِ الْأَجْنَبِيِّ.
(وَلِوَلَدِ الْوَلَدِ مُطَالَبَةُ جَدِّهِ بِمَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ) مِنْ دَيْنٍ وَأَرْشِ جِنَايَةٍ وَغَيْرِهِمَا كَسَائِرِ الْأَقَارِبِ، إنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْ أَبِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ لِوَرَثَةِ الْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنِهِ (وَكَذَا الْأُمُّ) تُطَالَبُ بِدَيْنِ وَلَدِهَا.
(وَلَا اعْتِرَاضَ لِلْأَبِ عَلَى تَصَرُّفِ الْوَلَدِ فِي مَالِ نَفْسِهِ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ وَغَيْرِهَا) لِتَمَامِ مِلْكِ الْوَلَدِ.
(وَالْهَدِيَّةُ تُذْهِبُ الْحِقْدَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدَايَا تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ» وَالْوَحَرُ- بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ- الْحِقْدُ وَالْغَيْظُ.
(وَ) الْهَدِيَّةُ (تَجْلِبُ الْمَحَبَّةَ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» (وَلَا تُرَدُّ) أَيْ: يُكْرَهُ رَدُّ الْهَدِيَّةِ.
(وَإِنْ قَلَّتْ، كَذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ) بِضَمِّ الْكَافُ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ مِنْ الرِّجْلِ، وَمِنْ حَدِّ الرُّسْغِ فِي الْيَدِ وَهُوَ مِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِمَنْزِلَةِ الْوَظِيفِ مِنْ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ، وَوَظِيفُ الْبَعِيرِ: خُفُّهُ، وَهُوَ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْ أُهْدِيَ إلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ» (خُصُوصًا الطِّيبُ) لِحَدِيثِ «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ» فَعَدَّ مِنْهَا الطِّيبَ وَقَوْلُهُ: (مَعَ انْتِفَاءِ مَانِعِ الْقَبُولِ) مُتَعَلِّقٌ بِلَا تُرَدُّ.
(وَيُسَنُّ) لِمَنْ أُهْدِيَتْ إلَيْهِ (أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا (فَلْيَذْكُرْهَا، وَ) ل (يُثْنِ عَلَى صَاحِبِهَا) الَّذِي أَهْدَاهَا.
(وَيَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا) لِحَدِيثِ جَابِرٍ «مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيُجْزِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ، فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ، وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَلِحَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مَرْفُوعًا «مَنْ صُنِعَ إلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(وَيُقَدَّمُ فِي الْهَدِيَّةِ الْجَارُ الْقَرِيبُ بَابُهُ عَلَى) الْجَارِ (الْبَعِيدِ) بَابُهُ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ إلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا».
(وَيَجُوزُ رَدُّهَا) أَيْ: الْهَدِيَّةِ (لِأُمُورٍ مِثْلِ أَنْ يُرِيدَ أَخْذَهَا بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ لِحَدِيثِ «جَابِرٍ فِي جَمَلِهِ) قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْنِي جَمَلَكَ هَذَا قَالَ قُلْتُ لَا، بَلْ هُوَ لَكَ قَالَ لَا، بَلْ بِعْنِيهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ (أَوْ يَكُونُ الْمُعْطَى لَا يَقْنَعُ بِالثَّوَابِ الْمُعْتَادِ) لِمَا فِي الْقَبُولِ مِنْ الْمَشَقَّةِ حِينَئِذٍ (أَوْ تَكُونُ) الْهَدِيَّةُ (بَعْدَ السُّؤَالِ وَاسْتِشْرَافِ النَّفْسِ لَهَا) لِحَدِيثِ عُمَرَ «إذَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ وَأَنْتَ غَيْرُ مُسْتَشْرِفٌ وَلَا سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ» وَإِشْرَافُ النَّفْسِ فَسَّرَهُ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ بِأَنَّهُ تَطَلُّبٌ لِلشَّيْءِ وَارْتِفَاعٌ لَهُ وَتَعَرُّضٌ إلَيْهِ (أَوْ لِقَطْعِ الْمِنَّةِ) إذَا كَانَ عَلَى الْآخِذِ فِيهِ مِنَّةٌ.
(وَقَدْ يَجِبُ الرَّدُّ كَهَدِيَّةِ صَيْدٍ لِمُحْرِمٍ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «رَدَّ عَلَى الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ هَدِيَّةَ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَقَالَ: إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إلَّا أَنَّا حُرُمٌ» وَكَذَا إنْ عُلِمَ أَنَّهُ أَهْدَى حَيًّا حَرُمَ الْقَبُولُ نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ عَنْ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى.