فصل: فَصْلٌ: عِلْمُ الْمَدْعُوّ أَنَّ فِي الدَّعْوَة مُنْكَرًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: عِلْمُ الْمَدْعُوّ أَنَّ فِي الدَّعْوَة مُنْكَرًا:

وَإِنْ عَلِمَ الْمَدْعُوّ أَنَّ فِي الدَّعْوَة مُنْكَرًا (كَالزَّمْرِ وَالْخَمْر وَالْعُودِ وَالطَّبْلِ وَنَحْوِهِ) كَالْجِنْكِ وَالرَّبَابِ (أَوْ) عَلِمَ أَنَّ فِيهَا (آنِيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ فُرُشًا مُحَرَّمَةً وَأَمْكَنَهُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ وَالْإِنْكَارُ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِذَلِكَ فَرْضَيْنِ: إجَابَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَإِزَالَةُ الْمُنْكَرِ.
(وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى إزَالَةِ الْمُنْكَرِ (لَمْ يَحْضُرْ) وَحَرُمَتْ الْإِجَابَةُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ (فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) بِالْمُنْكَرِ (حَتَّى حَضَرَ وَشَاهَدَهُ أَزَالَهُ وَجَلَسَ) بَعْدَ ذَلِكَ إجَابَةً لِمَنْ دَعَاهُ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) عَلَى إزَالَتِهِ (انْصَرَفَ) لِمَا تَقَدَّمَ وَرَفَعَ «نَافِعٌ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَسَمِعَ زَمَّارَةَ رَاعٍ فَوَضَعَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ ثُمَّ عَدَلَ عَنْ الطَّرِيقِ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ: يَا نَافِعُ أَتَسْمَعُ؟ حَتَّى قُلْتُ: لَا فَأَخْرَجَ إصْبَعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْخَلَّالُ.
وَخَرَجَ أَحْمَدُ مِنْ وَلِيمَةٍ فِيهَا آنِيَةُ فِضَّةٍ فَقَالَ الدَّاعِي: نُحَوِّلُهَا فَأَبَى أَنْ يَرْجِعَ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَيُفَارِقُ مَنْ لَهُ جَارٌ مُقِيمٌ عَلَى الْمُنْكَرِ وَالزَّمْرِ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ الْمُقَامُ فَإِنَّ تِلْكَ حَالُ حَاجَةٍ لِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْمَنْزِلِ مِنْ الضَّرَرِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ (وَإِنْ عَلِمَ) الْمَدْعُوُّ (بِهِ) أَيْ بِالْمُنْكَرِ وَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ فَلَهُ الْجُلُوسُ وَالْأَكْلُ نَصًّا (لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ رُؤْيَةُ الْمُنْكَرِ أَوْ سَمَاعُهُ) وَلَمْ يُوجَدْ (وَلَهُ الِانْصِرَافُ) فَيُخَيَّرُ لِإِسْقَاطِ الدَّاعِي حُرْمَةَ نَفْسِهِ بِإِيجَادِ الْمُنْكَرِ.
(وَإِنْ شَاهَدَ سُتُورًا مُعَلَّقَةً فِيهَا صُوَرُ وَأَمْكَنَهُ حَطُّهَا أَوْ) أَمْكَنَهُ قَطْعُ رُءُوسِهَا؛ (فَعَلَ) لِمَا فِيهِ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ (وَجَلَسَ) إجَابَةً لِلدَّاعِي.
(وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ كُرِهَ الْجُلُوسُ إلَّا أَنْ تُزَال) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَالْمَذْهَبُ لَا يَحْرُمُ انْتَهَى لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَرَأَى فِيهَا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ يَسْتَقْسِمَانِ بِالْأَزْلَامِ فَقَالَ: قَاتَلَهُمْ اللَّهُ لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُمَا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ دُخُولَ الْكَنَائِس وَالْبِيَعِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَهِيَ لَا تَخْلُو مِنْهَا وَكَوْنُ الْمَلَائِكَةِ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ لَا يُوجِبُ تَحْرِيمَ دُخُولِهِ كَمَا لَوْ كَانَ فِيهِ كَلْبٌ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْنَا صُحْبَةُ رُفْقَةٍ فِيهَا جَرَسُ مَعَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَصْحَبُهُمْ وَيُبَاحُ تَرْكُ الْإِجَابَةِ إذَنْ عُقُوبَةً لِلْفَاعِلِ وَزَجْرًا لَهُ عَنْ فِعْلِهِ.
(وَ إنْ عَلِمَ بِهَا) أَيْ بِالصُّوَرِ الْمُعَلَّقَة قَبْلَ الدُّخُولِ كُرِهَ الدُّخُولُ، (وَإِنَّ كَانَتْ) السُّتُورُ الْمُصَوَّرَةُ (مَبْسُوطَةً أَوْ عَلَى وِسَادَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهَا) لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةً لَهَا وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ تَعْلِيقِهَا إنَّمَا كَانَ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ التَّعْظِيمِ وَالْإِغْرَاءِ وَالتَّشْبِيهِ بِالْأَصْنَامِ الَّتِي تُعْبَدُ.
وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْبَسْطِ وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا عَلَى نُمْرُقَةٍ فِيهَا تَصَاوِيرُ» رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَلِأَنَّ فِيهِ إهَانَةً كَالْبَسْطِ (وَيَحْرُمُ تَعْلِيقُ مَا فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ وَسَتْرُ الْجُدُرِ بِهِ وَتَصْوِيرِهِ) وَتَقَدَّمَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ (فَإِنْ قَطَعَ إنْسَانُ رَأْسَ الصُّورَةِ) فَلَا كَرَاهَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «الصُّورَةُ الرَّأْسُ فَإِذَا قُطِعَ فَلَيْسَ بِصُورَةٍ» (أَوْ قُطِعَ مِنْهَا) أَيْ الصُّورَةُ (مَا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ بَعْدَ ذَهَابِهِ فَهُوَ كَقَطْعِ الرَّأْسِ كَصَدْرِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَوَّرَهَا بِلَا رَأْسٍ أَوْ بِلَا صَدْرِ أَوْ بِلَا بَطْنٍ، أَوْ جَعَلَ لَهَا رَأْسًا مُنْفَصِلًا عَنْ بَدَنِهَا، أَوْ) صَوَّرَ (رَأْسًا بِلَا بَدَنٍ) فَلَا كَرَاهَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْي.
(وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ يَبْقَى الْحَيَوَانُ بَعْدَهُ كَالْعَيْنِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ) حُرِّمَ تَعْلِيقُ مَا هِيَ فِيهِ وَسَتْرُ الْجُدُرِ بِهِ وَتَصْوِيرُهُ، لِدُخُولِهِ تَحْتَ النَّهْي (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَيُكْرَهُ سَتْرُ حِيطَانٍ بِسُتُورٍ لَا صُوَرَ فِيهَا، أَوْ) بِسُتُورٍ (فِيهَا صُوَرُ غَيْرِ حَيَوَانٍ إنْ كَانَتْ غَيْرَ حَرِيرٍ نَصًّا) لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ، وَذَلِكَ لَا يَبْلُغُ بِهِ التَّحْرِيمَ وَهُوَ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَى الدَّعْوَةِ قَالَ أَحْمَدُ «قَدْ خَرَجَ أَبُو أَيُّوبَ حِينَ دَعَاهُ ابْنُ عُمَرَ فَرَأَى الْبَيْتَ قَدْ سُتِرَ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَابْنُ عُمَرَ أَقَرّ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ دُعِيَ حُذَيْفَةُ فَخَرَجَ وَإِنَّمَا رَأَى شَيْئًا مِنْ زِيّ الْأَعَاجِمِ (وَ) مَحِلُ الْكَرَاهَةِ (إنْ لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ) فَإِنْ كَانَتْ فَلَا بَأْسَ لِلْحَاجَةِ (كَالسِّتْرِ عَلَى الْبَابِ لِلْحَاجَةِ) إلَيْهِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِي جَوَازِ خُرُوجِهِ لِأَجَلِهِ وَجْهَانِ (وَيُحَرَّم سَتْرُ) الْحِيطَانِ (بِحَرِيرٍ) وَتَقَدَّمَ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ.
(وَ) يَحْرُمُ (الْجُلُوس مَعَهُ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمُنْكَرِ، (وَلَا) يَحْرُمُ الْجُلُوسُ (مَعَ) السَّتْرِ (بِغَيْرِهِ) أَيْ الْحَرِيرِ وَتَقَدَّمَ.
(وَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ بِغَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَلَوْ مِنْ بَيْتِ قَرِيبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ وَلَمْ يُحْرِزُهُ عَنْهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «مَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَج مُغِيرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مُخْتَصِرًا، وَلِأَنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ فَلَا يُبَاحُ أَكْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ (كَأَخْذِ الدَّرَاهِمِ).
وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى: يُبَاحُ الْأَكْلُ مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ مِنْ مَالٍ غَيْرِ مُحْرَزٍ عَنْهُ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ رِضَا صَاحِبِهِ بِذَلِكَ، نَظَرًا إلَى الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ هَذَا هُوَ الْمُتَوَجَّهُ وَمَا يُذْكَرُ مِنْ كَلَامِ أَحْمَدَ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ مَحْمُولٌ عَلَى الشَّكِّ فِي رِضَا صَاحِبِهِ أَوْ عَلَى الْوَرَعِ، وَتَابَعَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا وَهُوَ أَظْهَرُ (وَالدُّعَاءُ فِي الْوَلِيمَةِ أَوْ تَقْدِيمِ الطَّعَامِ إذْنُ فِيهِ) أَيْ الْأَكْلِ (إذَا أَكْمَلَ وَضْعَهُ وَلَمْ يُلْحَظْ انْتِظَارُ مَنْ يَأْتِي) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَجَاءَ مَعَ الرَّسُولِ فَذَلِكَ إذْنٌ لَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إذَا دُعِيتَ فَقَدْ أُذِنَ لَكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ.
وَ(لَا) يَكُونُ الدُّعَاءُ إلَى الْوَلِيمَةِ إذْنًا (فِي الدُّخُولِ إلَّا بِقَرِينَةٍ) تَدُلُّ عَلَيْهِ (فَلَا يُشْتَرَطُ) مَعَ الدُّعَاءِ إلَى الْوَلِيمَةِ أَوْ تَقْدِيمِ الطَّعَامِ (إذْنٌ ثَانٍ لِلْأَكْلِ، كَالْخَيَّاطِ إذَا دُعِيَ لِلتَّفْصِيلِ وَالطَّبِيبِ لِلْفَصْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصَّنَائِعِ فَيَكُونُ) الْعُرْفُ (إذْنًا فِي التَّصَرُّفِ) قَالَ فِي الْغُنْيَةِ: لَا يَحْتَاجُ بَعْدَ تَقْدِيمِ الطَّعَامِ إذْنًا إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ بِالْأَكْلِ فِي ذَلِكَ، فَيَكُونُ الْعُرْف إذْنًا (وَلَا يَمْلِكُ) مَنْ قُدِّمَ إلَيْهِ طَعَامُ (الطَّعَامَ الَّذِي قُدِّمَ إلَيْهِ بَلْ يَبْقَى عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ الْأَكْلَ وَهَذَا لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَلَا يَجُوزُ لِلضِّيفَانِ قَسْمُهُ وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَهُ فَأَضَافَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.

.فَصْلٌ: فِي آدَابِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا:

(يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ) مُتَقَدِّمًا بِهِ رَبّهُ.
(وَ) غَسْلُهَا (بَعْدَهُ) مُتَأَخِّرًا بِهِ رَبّهُ (وَلَوْ كَانَ) الْأَكْلُ (عَلَى وُضُوءٍ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكْثُرَ خَيْرُ بَيْتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ إذَا حَضَر غِذَاؤُهُ وَإِذَا رُفِعَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَتَوَضَّأَ الْجُنُبَ قَبْلَ الْأَكْلِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَتَقَدَّمَ فِي الْغُسْلِ، وَالشُّرْبِ مِثْلُهُ (وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاء الَّذِي أَكَلَ فِيهِ) نَصَّ عَلَيْهِ.
(وَيُكْرَهُ) غَسْلُ يَدَيْهِ (بِطَعَامٍ وَهُوَ الْقُوتُ وَلَوْ بِدَقِيقِ حِمَّصٍ وَعَدَسٍ وَبَاقِلَاءَ وَنَحْوِهِ قَالَ الشَّيْخُ الْمِلْحُ لَيْسَ، بِقُوتٍ وَإِنَّمَا يَصْلُحُ بِهِ الْقُوتُ) فَعَلَيْهِ لَا يُكْرَهُ الْغَسْلُ بِهِ (وَلَا بَأْسَ) بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ (بِنُخَالَةٍ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُوتًا (وَإِنْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى اسْتِعْمَالِ الْقُوتِ مِثْلَ الدَّبْغِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ وَالتَّطَبُّبِ لِلْجَرَبِ بِاللَّبَنِ وَالدَّقِيقِ وَنَحْوَ ذَلِكَ رَخَّصَ فِيهِ) لِلْحَاجَةِ وَتَقَدَّمَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ مَطْعُومٍ فِي إزَالَتِهَا.
(وَغَسْلُ الْفَمِ بَعْدَ الطَّعَامِ مُسْتَحَبُّ وَيُسَنُّ أَنْ يَتَمَضْمَض مِنْ شُرْبِ اللَّبَنِ) قَالَ فِي الْآدَابِ وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُسْتَحَبَّ الْمَضْمَضَةُ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ دَسَمٌ لِتَعْلِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُسَنُّ أَنْ يَلْعَقَ أَصَابِعَهُ قَبْلَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ أَوْ يَلْعَقَهَا غَيْرُهُ) لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعً وَلَا يَمْسَحُ يَدَيْهِ حَتَّى يَلْعَقَهَا» رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ.
(وَيَعْرُضُ رَبُّ الطَّعَامِ الْمَاءَ لِغَسْلِهِمَا وَيُقَدِّمُهُ بِقُرْبِ طَعَامِهِ) تَذْكِيرًا بِالسُّنَّةِ (وَلَا يَعْرِضُ الطَّعَامَ) بَلْ يُقَدِّمُهُ لَهُمْ لِئَلَّا يَسْتَحْيُوا فَلَا يَطْلُبُونَهُ.
(وَتُسَنُّ التَّسْمِيَةُ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «إذَا أَكَلَ أَحَدكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ» وَالشُّرْبُ مِثْلُهُ (وَيَجْهَرُ بِهَا) أَيْ التَّسْمِيَةُ نَدْبًا لِيُنَبِّهَ غَيْرَهُ عَلَيْهَا (فَيَقُولُ) الْآكِلُ أَوْ الشَّارِبُ (بِسْمِ اللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ وَلَوْ زَادَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَكَانَ حَسَنًا) فَإِنَّهُ أَكْمَلُ بِخِلَافِ الذَّبْحِ فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ لَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ.
(وَ) يُسَنُّ (أَنْ يَأْكُلَ بِيَمِينِهِ وَمِمَّا يَلِيهِ وَيُكْرَه تَرْكُهُمَا) أَيْ تَرْكُ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ وَمِمَّا يَلِيهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ «كُنْتُ يَتِيمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهِ وَكُلْ بِيَمِينِكِ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يُكْرَهُ (الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ، بِشِمَالِهِ إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعَا «إذَا أَكَلَ أَحَدكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ جَعَلَ بِيَمِينِهِ خُبْزًا وَبِشِمَالِهِ شَيْئًا) كَجُبْنٍ أَوْ خِيَارٍ (يَأْتَدِمَ بِهِ وَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا) الَّذِي جَعَلَهُ بِشِمَالِهِ (كُرِهَ لِأَنَّهُ أَكَلَ بِشِمَالِهِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرَهِ فَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ بِشِمَالِهِ أَكَلَ وَشَرِبَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ).
لِلْخَبَرِ (وَإِنْ نَسِيَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِهِ) أَيْ الْأَكْلَ أَوْ الشُّرْبَ.
(قَالَ إذَا ذَكَرَ: بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الْأَكْلِ (فَإِنْ كَانُوا) أَيْ الْآكِلُونَ (جَمَاعَةً سَمَّوْا كُلُّهُمْ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ (وَيُسَمَّى الْمُمَيَّزَ) لِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ (وَيُسَمَّى عَمَّنْ لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا تَمْيِيزَ) لِتَعَذُّرِهَا مِنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُشِيرَ بِهَا أَخْرَسُ وَنَحْوِهِ كَالْوُضُوءِ (وَيَحْمَدُ اللَّهَ) الْآكِلُ وَالشَّارِبُ (جَهْرًا إذَا فَرَغَ) مِنْ أَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَيَقُولُ) إذَا فَرَغَ مِنْ أَكْلِهِ (مَا وَرَدَ وَمِنْهُ) مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ» وَمِنْهُ أَيْضًا مَا رَوَى مُعَاذُ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ) وَمِنْهُ («أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ» ) لِلْخَبَرِ.
(وَيُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ الْأَكْلِ أَنْ لَا يُطِيلَ الْجُلُوسَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ بَلْ يَسْتَأْذِنُ رَبَّ الْمَنْزِلِ وَيَنْصَرِفُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} (1) (وَيُسَمِّي الشَّارِبُ عِنْدَ كُلِّ ابْتِدَاءٍ وَيَحْمَدُ عِنْدَ كُلِّ قَطْعٍ) وَقَدْ يُقَالُ مِثْلُهُ فِي أَكْلِ كُلِّ لُقْمَةٍ فَعَلَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ أَكْلٌ وَحَمْدٌ خَيْرٌ مِنْ أَكْلٍ وَصَمْتٍ.
(وَيُكْرَه الْأَكْل مِنْ ذُرْوَةِ الطَّعَامِ) أَيْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ (وَمِنْ وَسَطِهِ بَلْ) يَأْكُلُ (مِنْ أَسْفَلِهِ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «إذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلَا يَأْكُلْ مِنْ أَعْلَى الصَّحْفَةِ وَلَكِنْ لِيَأْكُلْ مِنْ أَسْفَلِهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ أَعْلَاهَا».
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَدَعُوا ذُرْوَتَهَا يُبَارَكْ فِيهَا» رَوَاهُمَا ابْنُ مَاجَهْ (وَكَذَلِكَ الْكَيْلُ) لِلْعِلَّةِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَيُكْرَه نَفْخٌ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) لِيَبْرُدَ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ النَّفْخُ فِي الطَّعَام وَالشَّرَابِ وَالْكِتَابِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ.
وَقَالَ الْآمِدِيُّ لَا يُكْرَه النَّفْخُ وَالطَّعَامُ حَارٌّ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةً إلَى الْأَكْلِ حِينَئِذٍ.
(وَ) يُكْرَه (التَّنَفُّسُ فِي إنَاءَيْهِمَا) لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَادَ إلَيْهِ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ (وَأَكْلُهُ حَارًّا) لِأَنَّهُ لَا بَرَكَةَ فِيهِ كَمَا فِي الْخَبَرِ (إنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ) إلَى أَكْلِهِ حَارًّا فَيُبَاحُ.
(وَ) يُكْرَه أَيْضًا أَكْلُهُ (مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ إنْ كَانَ الطَّعَامُ نَوْعًا وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ أَنْوَاعًا) أَيْ نَوْعَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَا بَأْس (أَوْ) كَانَ الطَّعَامُ (فَاكِهَةً) فَلَا بَأْسَ لِحَدِيثِ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ قَالَ «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَفْنَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَدَكِ فَأَقْبَلْنَا نَأْكُلُ فَخَبَطَتْ يَدِي فِي نَوَاحِيهَا فَقَالَ: يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ فِيهِ أَلْوَانٌ مِنْ الرُّطَبِ فَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّبَقِ، وَقَالَ يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(قَالَ الْآمِدِيُّ أَوْ كَانَ يَأْكُل وَحْدَهُ فَلَا بَأْسَ) بِأَكْلِهِ مِمَّا لَايِلِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْذِي بِذَلِكَ قُلْتُ وَكَذَا لَوْ كَانَ يَأْكُلُ مَعَ مَنْ لَا يُسْتَقْذَرُ مِنْهُ، بَلْ يُسْتَشْفَى بِهِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ تَتَبُّعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلدُّبَّاءِ مِنْ حَوَالِي الصَّحْفَةِ فِي حَدِيثٍ أَنَسٍ.
(وَكَرِهَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْقَوْمُ حِين وَضْعِ الطَّعَامِ فَيَفْجَأُهُمْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ} الْآيَة (وَكَذَا) الضَّيْفُ الَّذِي يَتْبَع الضَّيْفَ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَى وَهُوَ الطُّفَيْلِيُّ.
وَفِي الشَّرْحِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ فَجَأَهُمْ بِلَا تَعَمُّدٍ أَكَلَ نَصًّا) وَأَطْلَقَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ الْكَرَاهَةُ إلَّا مَنْ عَادَتُهُ السَّمَاحَةُ (وَكَرِهَ) أَحْمَدُ (الْخُبْزَ الْكِبَارَ وَقَالَ لَيْسَ فِيهِ بَرَكَةٌ) وَذَكَرَ مَعْمَرُ أَنَّ أَبَا أُسَامَةَ قَدَّمَ لَهُمْ طَعَامًا فَكَسَّرَ الْخُبْزَ قَالَ أَحْمَدُ لِئَلَّا يَعْرِفُوا كَمْ يَأْكُلُونَ (وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَبْذِلَهُ) أَيْ الْخُبْزَ لِقَوْلِهِ أَكْرِمُوا الْخُبْزَ (فَلَا يَمْسَحُ يَدَهُ وَلَا السِّكِّينَ بِهِ) أَيْ بِالْخَبْزِ.
(وَلَا يَضَعَهُ تَحْتِ الْقَصْعَةِ وَلَا تَحْتَ الْمَمْلَحَةِ) أَيْ آنِيَةِ الْمِلْحِ لِأَنَّهُ اسْتِبْذَالٌ لَهُ (بَلْ يُوضَعُ الْمِلْحُ وَحْدَهُ عَلَى الْخُبْزِ) لِأَنَّهُ لَا اسْتِبْذَالَ فِيهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَغِّرَ اللُّقْمَةَ وَيُجِيدَ الْمَضْغَ وَيُطِيلَ الْبَلْعَ) لِأَنَّهُ أَجْوَدُ هَضْمًا.
(قَالَ الشَّيْخُ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ الْإِطَالَةِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْأَصْحَابِ تَصْغِيرَ الْكَسْرِ) يَعْنِي اللُّقَمَ (وَيَنْوِي) نَدْبًا (بِأَكْلِهِ وَشُرْبِهِ التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ) لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
(وَيَبْدَأُ الْأَكْبَرُ وَالْأَعْلَمُ وَصَاحِبُ الْبَيْت) بِالْأَكْلِ لِحَدِيثِ «كَبِّرْ كَبِّرْ» (وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِمَا السَّبْقُ إلَى الْأَكْلِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالشَّرَهِ.
(وَإِذَا أَكَلَ مَعَهُ ضَرِيرٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ) مِنْ الطَّعَامِ لِيَتَنَاوَلَ مَا يَشْتَهِيهِ (وَيُسَنُّ مَسْحُ الصَّحْفَةِ) الَّتِي يَأْكُلُ فِيهَا لِلْخَبَرِ (وَأَكْل مَا تَنَاثَرَ مِنْهُ) أَوْ يَسْقُطُ مِنْهُ مِنْ اللُّقَمِ بَعْدَ إزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ أَذَى لِلْخَبَرِ.
(وَالْأَكْلُ عِنْدَ حُضُورِ رَبِّ الطَّعَامِ وَإِذْنِهِ وَالْأَكْلُ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ) لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَتَقَدَّمَ.
(وَيُكْرَهُ بِمَا دُونَهَا) لِأَنَّهُ كِبْرٌ (وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (بِمَا فَوْقَهَا) لِأَنَّهُ شَرَهٌ (مَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ) قَالَ مُهَنَّا سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْأَكْلِ بِالْأَصَابِعِ كُلِّهَا فَذَهَبَ إلَى ثَلَاثِ أَصَابِعَ فَذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ بِكَفِّهِ كُلِّهَا» فَلَمْ يُصَحِّحْهُ وَلَمْ يَرَ إلَّا ثَلَاثَ أَصَابِعَ.
(وَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ بِالْمِلْعَقَةِ) وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً لِأَنَّهَا تَعْتَرِيهَا الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ قُلْتُ رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ أَكْرَهُ كُلَّ مُحْدَثٍ كَرَاهَتُهَا.

.فَصْلٌ: في الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ:

وَيُكْرَهُ الْقِرَانُ فِي التَّمْرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَنَاوُلِهِ أَفْرَادًا لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّرَه.
(وَ) يُكْرَه لَهُ (فِعْلُ مَا يُسْتَقْذَرُ مِنْ بُصَاقٍ وَمُخَاطٍ وَغَيْرِهِ وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَنْفُضَ يَدَهُ فِي الْقَصْعَةِ) لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِقْذَارِ.
(وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يُقَدِّمَ إلَيْهَا) أَيْ الْقَصْعَةِ (رَأْسَهُ عِنْدَ وَضْعِ اللُّقْمَةِ فِي فِيهِ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا سَقَطَ مِنْ فَمِهِ شَيْءٌ فِيهَا فَقَذَّرَهَا.
(وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَغْمِسَ اللُّقْمَةَ الدَّسِمَةَ فِي الْخَلِّ أَوْ) يَغْمِسَ (الْخَلَّ فِي الدَّسَمِ فَقَدْ يَكْرَهُهُ غَيْرُهُ) قُلْتُ فَإِنْ أَحَبَّهُ الْكُلُّ فَلَا بَأْسَ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ.
(وَلَا بَأْسَ بِوَضْعِ الْخَلِّ وَالْبُقُولِ عَلَى الْمَائِدَةِ غَيْرِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَمَا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ) فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ نِيئًا كَمَا يَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ (وَيَكُونُ) عِنْدَ الْمَائِدَةِ (مَا يَدْفَعُ بِهِ الْغُصَّةَ) خَشْيَةَ أَنْ تُوجَدَ.
(وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَوِّلَ وَجْهَهُ عِنْدَ السُّعَالِ وَالْعُطَاسِ عَنْ الطَّعَامِ أَوْ يُبْعِدَهُ عَنْهُ أَوْ يَجْعَلَ عَلَى فِيهِ شَيْئًا لِئَلَّا يَخْرُج مِنْهُ بُصَاقٌ فَيَقَعُ فِي الطَّعَامِ) فَيُقْذِرُهُ.
(وَإِنْ خَرَجَ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ) مِنْ عَظْمٍ أَوْ ثِقَلٍ أَوْ نُخَامَةٍ (لِيَرْمِيَ بِهِ صَرَفَ وَجْهِهِ عَنْ الطَّعَامِ) لِئَلَّا يَقَعَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ فِيهِ (وَأَخَذَهُ بِيَسَارِهِ) فَرَمَى بِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ (يُكْرَه رَدُّهُ) أَيْ مَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ (إلَى الْقَصْعَةِ وَأَنْ يَغْسِلَ بَقِيَّةَ اللُّقْمَةِ الَّتِي أَكَلَ مِنْهَا فِي الْمَرَقَةِ وَكَذَا هَنْدَسَةُ اللُّقْمَةِ وَهُوَ أَنْ يَقْضِمَ بِأَسْنَانِهِ) لَا بِيَدِهِ (بَعْضَ أَطْرَافِهَا ثُمَّ يَضَعُهَا فِي الْأُدْمِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَقْذَرٌ وَتَعَافُهُ النَّفْسُ.
(وَ) يُكْرَهُ لِمَنْ يَأْكُلُ مَعَ غَيْرِهِ (أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يُسْتَقْذَرُ أَوْ بِمَا يُضْحِكُهُمْ أَوْ يُخْزِيهِمْ) قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِرِ.
(وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُنْبَطِحًا.
وَفِي الْغُنْيَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ عَلَى الطَّرِيقِ وَ) يُكْرَهُ أَيْضًا (أَنْ يَعِيبَ الطَّعَامَ وَأَنْ يَحْتَقِرَهُ بَلْ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ) لِمَا وَرَدَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَابَ طَعَامًا قَطُّ بَلْ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ» (وَلَا بَأْسَ بِمَدْحِهِ) أَيْ الطَّعَامَ لَكِنْ يُكْرَهُ لِرَبِّ الطَّعَامِ مَدْحُهُ وَتَقْوِيمُهُ كَمَا يَأْتِي.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِلْآكِلِ (أَنْ يَجْلِسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى أَوْ يَتَرَبَّعَ) وَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الِاتِّكَاءِ (قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَا يَشْرَبُ الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ) أَيْ عَدَمُ الشُّرْبِ فِي أَثْنَائِهِ (أَجْوَدُ فِي الطِّبِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ عَادَةٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَفِي أَثْنَاءِ طَعَامٍ بِلَا عَادَةٍ انْتَهَى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَّا إذَا صَدَقَ عَطَشُهُ فَيُنْفَى مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ يُقَالُ إنَّهُ دِبَاغُ الْمَعِدَة.
(وَلَا يَعُبُّ الْمَاءَ عَبًّا) لِلْخَبَرِ (وَأَنْ يَأْخُذَ إنَاءَ الْمَاءِ بِيَمِينِهِ) مَعَ الْقُدْرَةِ (وَيُسَمِّي) وَتَقَدَّمَ (وَيَنْظُر فِيهِ) خَشْيَة أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَا يَكْرَهُ أَوْ يُؤْذِيهِ (ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْهُ مَصًّا مُقَطِّعًا ثَلَاثًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مُصُّوا الْمَاءَ مَصًّا فَإِنَّ الْكُبَادَ مِنْ الْعَبِّ» وَالْكُبَادُ بِضَمِّ الْكَافِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قِيلَ وَجَعُ الْكَبِدِ وَيُعَبُّ اللَّبَنُ لِأَنَّهُ طَعَامٌ، (وَيَتَنَفَّسُ) كُلّ مَرَّةٍ (خَارِجَ الْإِنَاءِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَفَّسَ فِيهِ) وَتَقَدَّمَ.
(وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يَشْرَب مِنْ فَمِ السِّقَاءِ) لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ مِنْ دَاخِلِ الْقِرْبَةِ مَا يُنَغِّصُ الشُّرْبَ أَوْ يُؤْذِي الشَّارِبَ (وَ) مِنْ (ثُلْمَةِ الْإِنَاءِ أَوْ مُحَاذِيًا لِلْعُرْوَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِرَأْسِ الْإِنَاءِ) وَكَذَا اخْتِنَاثُ الْأَسْقِيَةِ وَهُوَ قَلْبُهَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: خَنَثَ الْإِنَاءُ وَأَخْنَثْتُهُ إذَا ثَنَّيْتُهُ إلَى خَارِجٍ فَشَرِبْتُ مِنْهُ، فَإِنْ كَسَرْتَهُ إلَى دَاخِلٍ فَقَدْ قَبَعْتَهُ بِالْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ.
(وَلَا يُكْرَهُ الشُّرْبُ قَائِمًا و) شُرْبُهُ (قَاعِدًا أَكْمَلُ وَأَمَّا مَاءُ آبَارِ ثَمُودَ فَلَا يُبَاح شُرْبُهُ وَلَا الطَّبْخ بِهِ وَلَا اسْتِعْمَالُهُ فَإِنْ طَبَخَ مِنْهُ أَوْ عَجَنَ أَكْفَأَ الْقُدُورَ وَعَلَفَ الْعَجِينَ النَّوَاضِحَ) جَمْعُ نَاضِحَةٍ أَوْ نَاضِحٍ وَهُوَ الْبَعِيرُ يُسْتَقَى عَلَيْهِ قُلْتُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْبَهَائِمِ.
(وَيُبَاحُ مِنْهَا بِئْرُ النَّاقَةِ فِي) كِتَابِ (الطَّهَارَةِ وَدِيَارِ قَوْمِ لُوطٍ مَسْخُوطٌ عَلَيْهَا فَيُكْرَهُ شُرْبُ مَائِهَا وَاسْتِعْمَالُهُ) وَكَذَا بِئْرُ بَرَهُوتَ وَذَرْوَانَ بِئْرٌ بِمَقْبَرَةٍ وَتَقَدَّمَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُكْرَهُ أَكْلُهُ قَائِمًا) وَيَتَوَجَّهُ كَشُرْبٍ قَالَهُ شَيْخُنَا.
(وَإِذَا شَرِبَ) لَبَنًا أَوْ غَيْرَهُ (سِنَّ أَنْ يُنَاوِلَهُ الْأَيْمَنُ) وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ مَفْضُولًا وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ فِي مُنَاوَلَتِهِ الْأَكْبَر فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ نَاوَلَهُ لَهُ لِلْخَبَرِ (وَكَذَا فِي غَسْلِ يَدِهِ) يَكُونُ لِلْأَيْمَنِ فَالْأَيْمَنِ (وَرَشٌّ لِمَاءِ وَرْدٍ وَنَحْوِهِ) مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَكَذَا التَّجْمِيرُ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ (وَيَبْدَأُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي الشُّرْبِ وَغَسْلِ الْأَيْدِي وَرَشِّ مَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ (بِأَفْضَلِهِمْ ثُمَّ بِمَنْ عَلَى الْيَمِينِ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشُّرْبِ وَقِيسَ الْبَاقِي (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغُضَّ طَرْفَهُ عَنْ جَلِيسِهِ) لِئَلَّا يُخْجِلَهُ.
(وَ) أَنْ (يُؤْثِرَ عَلَى نَفْسِهِ الْمُحْتَاجَ) لِمَدْحِهِ تَعَالَى فَاعِلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
(1) (وَيُخَلِّلُ أَسْنَانَهُ إنْ عَلِقَ بِهَا شَيْءٌ) مِنْ الطَّعَامِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «تَرْكُ الْخِلَالِ يُوهِنُ الْأَسْنَانَ» ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا وَرُوِيَ:
«تَخَلَّلُوا مِنْ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَى الْمَلَكِ الَّذِي عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَجِدَ مِنْ أَحَدِكُمْ رِيحَ الطَّعَامِ» قَالَ الْأَطِبَّاءُ: وَهُوَ نَافِعٌ أَيْضًا لِلَّثَةِ وَمِنْ تَغَيُّرِ النَّكْهَةِ وَ(لَا) يُخَلِّلُ أَسْنَانَهُ (فِي أَثْنَاءِ الطَّعَامِ) بَلْ إذَا فَرَغَ وَ(لَا) يَتَخَلَّلُ (بِعُودٍ يَضُرُّهُ) كَرُمَّانٍ وَآسٍ وَلَا بِمَا يَجْهَلُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ وَكَذَا مَا يَجْرَحُهُ (وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَيُلْقِي مَا أَخْرَجَهُ الْخِلَالُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْتَلِعَهُ) قَالَ النَّاظِمُ لِلْخَبَرِ (وَإِنْ لَعِقَهُ بِلِسَانِهِ لَمْ يُكْرَهْ ابْتِلَاعُهُ) كَسَائِرِ مَا بِفِيهِ.
(وَلَا يَأْكُلُ مِمَّا شُرِبَ عَلَيْهِ الْخَمْرُ) لِأَنَّ شِرَاءَهُ لِذَلِكَ فَاسِدٌ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ مَعْصِيَةٍ (وَلَا) يَأْكُلُ (مُخْتَلِطًا بِحَرَامٍ وَلَا يَلْقُمُ جَلِيسَهُ) إلَّا بِإِذْنِ رَبّ الطَّعَامِ.
(وَلَا يَفْسَحُ لِغَيْرِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ رَبُّ الطَّعَامِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ تَقْدِيمُ بَعْضِ الضَّيْفَانِ مَا لَدَيْهِ وَنَقْلِهِ إلَى الْبَعْضِ الْآخَرِ) فَلَا يَفْعَلُهُ بِلَا إذْنِ رَبِّ الطَّعَامِ.
(قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ كَإِطْعَامِ سَائِلٍ وَسِنَّوْرٍ وَنَحْوِهِ وَتَلْقِيمٍ) غَيْرِهِ (وَتَقْدِيمِ) بَعْضِ الضَّيْفَانِ إلَى بَعْضٍ (يَحْتَمِلُ كَلَامُهُمْ وَجْهَيْنِ وَجَوَازُهُ أَظْهَرُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي الدُّبَّاء) قَالَ أَنَسٌ «دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَجِيءَ بِمَرَقَةٍ فِيهِ دُبَّاءُ، فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْ ذَلِكَ الدُّبَّاءِ وَيُعْجِبُهُ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ جَعَلْتُ أُلْقِيهِ وَلَا أَطْعَمُهُ قَالَ أَنَسٌ فَمَا زِلْتُ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا أَطْعَمُهُ وَفِي لَفْظٍ قَالَ أَنَسٌ «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْبَعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيْ الصَّحْفَةِ فَلَمْ أَزَل أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ فَجَعَلْت أَجْمَعُ الدُّبَّاءَ بَيْنَ يَدَيْهِ».
(وَلَا يَخْلِطُ طَعَامًا بِطَعَامٍ) لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَقْذِرُهُ غَيْرُهُ (وَلَا يُكْرَه قَطْعُ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ لَا يَصِحُّ) قَالَهُ أَحْمَدُ (وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَادِرَ إلَى تَقْطِيعِ اللَّحْمِ الَّذِي يُقَدَّمُ لَلضَّيْفَانِ حَتَّى يَأْذَنُوا لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِالنِّهْدِ) بِكَسْرِ النُّون وَيُقَالُ الْمُنَاهَدَةُ بِأَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْ رُفْقَتِهِ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ وَيَدْفَعُونَهُ إلَى مَنْ يُنْفَقُ عَلَيْهِمْ مِنْهُ وَيَأْكُلُونَ جَمِيعًا (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي) بَابِ (مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ وَإِنْ تَصَدَّقَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ قَالَ أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ مَا لَمْ يَزَلْ النَّاسَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ) قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: فَلَوْ أَكَلَ بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ أَوْ تَصَدَّقَ فَلَا بَأْسَ قَالَهُ فِي الْآدَابِ (وَعَلَى هَذَا يَتَوَجَّهُ صَدَقَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِمَا يُسَامَحُ بِهِ عَادَةً وَعُرْفًا وَكَذَا الْمُضَارِبُ وَالضَّيْف وَنَحْوِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَكِنَّ الْأَدَبَ وَالْأَوْلَى الْكَفُّ عَنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إسَاءَةِ الْأَدَبِ عَلَى صَاحِبِهِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى طَعَامِهِ بِبَعْضِ التَّصَرُّفِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ صَرِيحٍ.
(وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ الْبَطْنُ أَثْلَاثًا ثُلُثًا لِلطَّعَامِ وَثُلُثًا لِلشَّرَابِ وَثُلُثًا لِلنَّفَسِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ».
(وَيَجُوز أَكْلُهُ أَكْثَرَ) مِنْ ثُلُثِهِ (بِحَيْثُ لَا يُؤْذِيه وَ) أَكْلُهُ كَثِيرًا (مَعَ خَوْفِ أَذًى وَتُخَمَةٍ يَحْرُمُ) نَقَله فِي الْفُرُوعِ عَنْ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْهُ يُكْرَهُ.
وَفِي الْمُنْتَهَى وَكُرِهَ أَكْلُهُ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤْذِيهِ (وَيُكْرَهُ إدْمَانُ أَكْلِ اللَّحْمِ) وَيَأْتِي فِي الْأَطْعِمَةِ.
(وَ) يُكْرَهُ (تَقْلِيلُ الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَضُرّهُ وَلَيْسَ مِنْ السُّنَّةِ تَرْكُ أَكْلِ الطَّيِّبَاتِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ}.
(وَلَا بَأْسَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ طَعَامَيْنِ) مِنْ غَيْرِ خَلْطٍ لِحَدِيثٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ» (وَمِنْ السَّرَفِ أَنْ تَأْكُلَ كُلَّ مَا اشْتَهَيْتَ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا قَالَ فِي الْآدَابِ وَفِيهِ ضَعْفٌ (وَمَنْ أَذْهَب طَيِّبَاتِهِ فِي حَيَاتِهِ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعَ بِهَا نَقَصَتْ دَرَجَاتُهُ فِي الْآخِرَةِ) لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ.
(وَقَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يُؤْجَرُ فِي تَرْكِ الشَّهَوَاتِ وَمُرَادُهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ مَنْ امْتَنَعَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ بِلَا سَبَبٍ شَرْعِيٍّ فَمُبْتَدِعٌ (وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ مَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا بِالْأَدَبِ وَالْمُرُوءَةِ) بِوَزْنِ سُهُولَةِ (وَيَأْكُلُ مَعَ الْفُقَرَاءِ بِالْإِيثَارِ وَ) يَأْكُلُ مَعَ الْإِخْوَانِ (بِالِانْبِسَاطِ وَ) يَأْكُلُ (مَعَ الْعُلَمَاءِ بِالتَّعَلُّمِ وَلَا يَتَصَنَّعُ بِالِانْقِبَاضِ) لِأَنَّهُ يُؤْذِي الْحَاضِرِينَ مَعَهُ وَيَتَكَلَّفُ الِانْبِسَاطَ (وَلَا يُكْثِرُ النَّظَرَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الطَّعَامُ) لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ.
(وَيُسْتَحَبُّ الْأَكْلُ مَعَ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ وَلَوْ طِفْلًا وَالْمَمْلُوكِ وَأَنْ تَكْثُرَ الْأَيْدِي عَلَى الطَّعَامِ وَلَوْ مِنْ أَهْلِهِ وَوَلَدهِ) لِتَكْثِيرِ الْبَرَكَةِ وَلَعَلَّهُ يُصَادِفُ صَالِحًا يَأْكُلُ مَعَهُ فَيُغْفَرَ لَهُ بِسَبَبِهِ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يُجْلِسَ غُلَامَهُ مَعَهُ عَلَى الطَّعَامِ وَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ أَطْعَمَهُ مِنْهُ) وَيَأْتِي فِي نَفَقَةِ الْمَمَالِيكِ.
(وَ) يُسَنُّ (لِمَنْ أَكَلَ مِنْ الْجَمَاعَةِ أَنْ لَا يَرْفَع يَدَهُ قَبْلَهُمْ حَتَّى يَكْتَفُوا) لِئَلَّا يُخْجِلَهُمْ قَالَ فِي الْآدَابِ بِلَا قَرِينَةٍ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَادِر إلَّا وَأَنْ يُعْلَمَ مِنْهُمْ الْإِنْصَاتُ إلَيْهِ (وَيُكْرَهُ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ مَدْحٌ طَعَامِهِ وَتَقْوِيمِهِ لِأَنَّهُ دَنَاءَةٌ).