فصل: (فَصْلٌ): حكم اجتماع الحدود على واحد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): حكم اجتماع الحدود على واحد:

(وَإِنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودُ اللَّهِ) تَعَالَى (وَفِيهَا قَتْل مِثْلَ أَنْ سَرَقَ وَزَنَا وَهُوَ مُحْصَنٌ وَشَرِبَ) الْخَمْرَ (وَقُتِلَ فِي الْمُحَارَبَةِ اسْتَوْفِي الْقَتْلَ وَسَقَطَ سَائِرُهَا) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ أَحَدُهُمَا الْقَتْلُ أَحَاطَ الْقَتْلُ ذَلِكَ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحُدُودُ تُرَادُ لِمُجَرَّدِ الزَّجْرِ وَمَعَ الْقَتْلِ لَا حَاجَةَ إلَى زَجْرِهِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَيُفَارِقُ الْقِصَاصَ فَإِنَّ فِيهِ غَرَضَ التَّشَفِّي وَالِانْتِقَامِ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مُجَرَّدُ الزَّجْرِ (لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ لِلْمُحَارِبَةِ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ) وَإِنَّمَا أُثِرَتْ الْمُحَارَبَةُ مُحَتَّمَةً وَحَقُّ الْآدَمِيِّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ (وَيَسْقُطُ الرَّجْمُ) كَمَا لَوْ مَاتَ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا) أَيْ حُدُودِ اللَّهِ (قَتْلٌ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مِثْل أَنْ زَنَى) مِرَارًا (أَوْ سَرَقَ) مِرَارًا (أَوْ شَرِبَ) الْخَمْرَ (مِرَارًا قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ فَتَتَدَاخَلُ السَّرِقَةُ كَغَيْرِهَا) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِر أَجْمَع عَلَى هَذَا كُلِّهِ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ عَنْ إتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْحَدِّ الْوَاحِدِ.
(وَلَوْ طَالَبُوا) أَيْ الْمَسْرُوقِينَ مِنْهُمْ (مُتَفَرِّقِينَ) فَيَكْفِي الْقَطْعُ لِلْكُلِّ (فَإِنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) لِمَعْصِيَةٍ (ثُمَّ حَدَثَتْ جِنَايَةٌ أُخْرَى) تُوجِبُ الْحَدَّ (فَفِيهَا حَدُّهَا) كَمَا لَوْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ وَكَفَّرَ ثُمَّ حَلَفَ أُخْرَى وَحَنِثَ فِيهَا (وَإِنْ كَانَتْ) الْحُدُودُ (مِنْ أَجْنَاسٍ) كَمَا لَوْ زَنَى وَشَرِبَ الْخَمْرَ وَسَرَقَ وَلَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا (اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ لِأَنَّ التَّدَاخُلَ إنَّمَا هُوَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، فَلَوْ سَرَقَ وَأَخَذَ الْمَالَ فِي الْمُحَارَبَةِ قُطِعَ لِذَلِكَ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّ مَحَلّ الْقَطْعَيْنِ وَاحِدٌ (وَيَجِبُ الِابْتِدَاءُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفّ فَإِذَا شَرِبَ) الْخَمْرَ (وَزَنَا) وَهُوَ غَيْرُ مُحْصَنٍ (وَسَرَقَ حُدَّ لِلشُّرْبِ) لِأَنَّهُ أَخَفٌّ (ثُمَّ لِلزِّنَا ثُمَّ قُطِعَ) لِلسَّرِقَةِ وَلَا يُوَالِي بَيْنَ هَذِهِ الْحُدُودِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُفْضِي إلَى التَّلَفِ.
(وَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْأَخَفِّ وَقَعَ الْمُوَقَّعُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الزَّجْرُ (وَتُسْتَوْفَى حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ كُلِّهَا) سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ (وَيَبْدَأُ بِغَيْرِ قَتْلٍ) لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِهِ تَفُوتُ اسْتِيفَاءَ بَاقِي الْحُقُوقِ فَيَبْدَأُ (بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ مِنْهَا وُجُوبًا) لِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى (فَيَحُدُّ لِلْقَذْفِ ثُمَّ يَقْطَعُ لِغَيْرِ السَّرِقَةِ) لِأَنَّ الْقَطْعَ لِلسَّرِقَةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى (ثُمَّ يُقْتَلُ فَإِنْ اجْتَمَعَتْ).
أَيْ حُدُودُ الْآدَمِيِّ (مَعَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَتَّفِقَا) أَيْ الْحَدَّانِ (فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ بَدَأَ بِهَا) أَيْ بِحُدُودِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الشُّحِّ وَالضِّيقِ.
(وَ) يَبْدَأُ (بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ وُجُوبًا) كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ اُسْتُوْفِيَتْ كُلُّهَا، وَلَا يَتَدَاخَلُ الْقَذْفُ وَالشُّرْبُ) لِاخْتِلَافِ جِنْسَيْهِمَا (فَإِذَا زَنَا) غَيْرَ مُحْصَنٍ (وَشَرِبَ) الْخَمْرَ (وَقَذَفَ) مُحْصَنًا (وَقَطَعَ يَدًا) عَمْدًا عُدْوَانًا مِنْ مُكَافِئٍ (قُطِعَتْ يَدُهُ) قِصَاصًا (أَوَّلًا) لِأَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ حَقِّ آدَمِيٍّ فَقُدِّمَ بِخِلَافِ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ (ثُمَّ حُدَّ لَلْقَذْفِ) لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ (ثُمَّ) حُدَّ (لَلشُّرْبِ) لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الزِّنَا (ثُمَّ) حُدَّ (لَلزِّنَا فَقَدَّمُوا أَيْ الْأَصْحَابُ هُنَا الْقَطْعَ عَلَى حَدِّ الْقَذْف وَهُوَ أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ أَخَفُّ مِنْ الْقَطْعِ) لِأَنَّ الْقَطْعَ مَحْضُ حَقِّ آدَمِيٍّ بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ.
(وَإِنْ كَانَ فِيهَا) أَيْ الْحُدُودِ (قَتْلٌ فَإِنَّ حُدُودَ اللَّهِ) تَعَالَى (تَدْخُلُ فِي الْقَتْلِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) تَعَالَى (كَالرَّجْمِ فِي الزِّنَا وَالْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ وَ) الْقَتْلِ (لِلرِّدَّةِ أَوْ حَقُّ آدَمِيٍّ) مَحْض (كَالْقِصَاصِ) فَإِنَّهُ مَحْضُ حَقِّ آدَمِيٍّ بِخِلَافِ الْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لِلْآدَمِيِّ لِأَنَّ تَحَتُّمَهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُرَادُهُ فِيمَا مَرَّ وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّينَ فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا (ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَتْلُ حَقًّا لِلَّهِ) تَعَالَى (اُسْتُوْفِيَتْ الْحُقُوقُ كُلُّهَا مُتَوَالِيَةً مِنْ غَيْرِ انْتِظَارِ بُرْءٍ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّل لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ فَوَاتِ نَفْسِهِ) أَيْ الْمَحْدُودِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الِانْتِظَارِ (وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ حَقًّا لِآدَمِيٍّ) كَالْقِصَاصِ (انْتَظَرَ بِاسْتِيفَاءِ) الْحَدِّ (الثَّانِي بُرْؤُهُ مِنْ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ فَوَاتَ نَفْسِهِ لَيْسَ مُحَقَّقًا لِأَنَّهُ قَدْ يَعْفُو وَلِيُّ الْقِصَاصِ عَنْهُ.
(وَإِنْ اتَّفَقَ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ كَالْقَتْلِ وَالْقَطْعِ قِصَاصًا وَاحِدًا مِثْلَ: أَنْ قَتَلَ) عَمْدًا مُكَافِئًا (وَإِنْ عَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ) عَنْ الْقِصَاصِ (اسْتَوْفَى الْحَدَّ) كَمَا لَوْ لَمْ يَعْفُ (وَذَكَرَ ابْنُ الْبَنَّاءِ مَنْ قَتَلَ بِسِحْرٍ قُتِلَ حَدًّا وَلِلْمَسْحُورِ مِنْ مَالِهِ) أَيْ السَّاحِرِ (دِيَتُهُ فَيُقَدَّمُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى) وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ فِي الْجِنَايَاتِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ (فَإِنْ سَرَقَ وَقَتَلَ فِي الْمُحَارَبَة وَلَمْ يَأْخُذ الْمَال قُتِلَ حَتْمًا) لِلْقَتْلِ (وَلَمْ يُصْلَبْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَالًا (وَلَمْ تُقْطَعْ يَدُهُ) لِلسَّرِقَةِ لِأَنَّهُ حَدٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَدْخُلُ فِي الْقَتْلِ (وَإِنْ قَتَلَ مَعَ الْمُحَارَبَةِ جَمَاعَةً قُتِلَ بِالْأَوَّلِ وَلِأَوْلِيَاءِ الْبَاقِينَ) مِنْ الْقَتْلِ (دِيَاتُهُمْ) فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَمَا لَوْ مَاتَ لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ.
(فَصْلٌ وَمَنْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ حَرَمِ مَكَّةَ ثُمَّ لَجَأَ إلَيْهِ أَوْ لَجَأَ إلَيْهِ) أَيْ حَرَمِ مَكَّةَ (حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ لَمْ يَسْتَوْفِ) الْحَدَّ (مِنْهُ) وَلَمْ يُقْتَلْ (فِيهِ) أَيْ فِي حَرَمِ مَكَّةَ فَيَحْرُم اسْتِيفَاؤُهُ مِنْهُ حَتَّى بِدُونِ قَتْلٍ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} أَيْ فَأَمِّنُوهُ فَهُوَ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْر، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ سَفْكَ الدَّمِ بِمَكَّةَ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ» وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«إنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ ابْنِ شُرَيْحٍ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «لَوْ وَجَدْتُ قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَم مَا سَجَنْتُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
(وَلَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ (وَلَا يُطْعَمُ وَلَا يُسْقَى وَلَا يُوكَلُ وَلَا يُشَارَبُ) لِأَنَّهُ لَوْ أُطْعِمَ أَوْ أُوِيَ لَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِقَامَةِ دَائِمًا فَيَضِيعَ الْحَقُّ (وَلَا يُجَالَسُ وَلَا يُؤْوَى) لِمَا سَبَقَ (وَيُهْجَرُ فَلَا يُكَلِّمُهُ أَحَدٌ حَتَّى يَخْرُجَ) مِنْ الْحَرَم لِيُسْتَوْفَى مِنْهُ الْحَقُّ (لَكِنْ يُقَالُ لَهُ: اتَّقِ اللَّهِ وَاخْرُجْ إلَى الْحِلّ لِيُسْتَوْفَى مِنْكَ الْحَقُّ الَّذِي قِبَلَكَ، فَإِذَا خَرَجَ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ) خَارِج الْحَرَمِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ (فَإِنْ اُسْتُوْفِيَ ذَلِكَ) الْحَدُّ وَنَحْوُهُ (مِنْهُ) أَيْ مِمَّنْ لَجَأَ إلَى الْحَرَمِ (فِي الْحَرَمِ فَقَدْ أَسَاءَ) لِهَتْكِهِ حُرْمَةَ الْحَرَمِ (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَجَاوَزْ مَا وَجَبَ لَهُ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ قَتَلَ أَوْ قَطَعَ طَرَفًا أَوْ أَتَى حَدًّا أَوْ ارْتَدَّ (فِي الْحَرَمِ اُسْتُوْفِيَ مِنْهُ) مَا وَجَبَ بِذَلِكَ (فِيهِ) أَيْ الْحَرَمِ قَالَ فِي الْمُبْدِع بِغَيْرِ خِلَاف نَعْلَمُهُ.
رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الْآيَةَ فَأَبَاحَ قَتْلَهُمْ عِنْد قِتَالِهِمْ فِي الْحَرَمِ، وَلِأَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ يَحْتَاجُونَ إلَى الزَّجْرِ عَنْ الْمَعَاصِي حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْحَدُّ فِيهِ لَتَعَطَّلَتْ الْحُدُودُ فِي حَقِّهِمْ وَفَاتَتْ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا (وَلَوْ قُوتِلُوا فِي الْحَرَمِ دَفَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَقَطْ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} قُرِئَ بِهِمَا ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مُجَاهِدًا وَغَيْرَهُ قَالُوا: الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ.
وَفِي التَّمْهِيدِ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِقَوْلِهِ:
{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}.
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ تُقَاتَلُ الْبُغَاةُ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بَعْضُهُمْ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحِفْظُهَا فِي حَرَمِهِ أَوْلَى مِنْ إضَاعَتِهَا وَذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَحَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى مَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ كَالْمَنْجَنِيقِ إذَا أَمْكَنَ إصْلَاحٌ بِدُونِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ لَمْ تَغْلِبْ فِيهَا كُفَّارٌ أَوْ بُغَاةٌ وَجَبَ قِتَالُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ تَعَدَّى أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى الرَّكْبِ دَفَعَ الرَّكْبُ كَمَا يَدْفَعُ الصَّائِلُ، وَلِلْإِنْسَانِ أَنْ يَدْفَعَ مَعَ الرَّكْبِ بَلْ يَجِبُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ (وَفِي الْهَدْيِ الطَّائِفَةُ الْمُمْتَنِعَةُ بِالْحَرَمِ مِنْ مُبَايَعَة الْإِمَامِ، لَا تُقَاتَلُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ وَأَمَّا حَرَمُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرِ الْبِقَاعِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَغَيْرِهَا) كَرَمَضَانَ (فَلَا تَمْنَعُ إقَامَةَ حَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى:
{يَسْأَلُونَك عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} الْآيَةَ فَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهَا أَوْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَمَنْ أَتَى حَدًّا فِي الْغَزْو أَوْ) أَتَى (مَا يُوجِبُ قِصَاصًا) فِي الْغَزْوِ (لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوَّ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ) لِخَبَرِ بَشِيرِ بْنِ أَرْطَاةَ، أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ فِي الْغَزَاةِ قَدْ سَرَقَ بُخْتِيّه فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزَاةِ لَقَطَعْتُكَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ فِي الْمُبْدِع وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ إذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ (يُقَامُ عَلَيْهِ) لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِعَارِضٍ وَقَدْ زَالَ.
(وَإِنْ أَتَى بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ (فِي الثُّغُورِ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهَا) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ لِأَنَّهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى زَجْرِ أَهْلِهَا كَالْحَاجَةِ إلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ (وَإِنْ أَتَى حَدًّا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ أُسِرَ أُقِيمَ عَلَيْهِ إذَا خَرَجَ) مِنْ دَار الْحَرْبِ لِمَا سَبَقَ (تَتِمَّةٌ) الْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ نَصَّ عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ.

.(بَابُ حَدِّ الزِّنَا):

(وَهُوَ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ الْعِظَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} وَلِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ:
«سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ حَدُّهُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ الْحَبْسَ فِي الْبَيْتِ وَالْأَذَى بِالْكَلَامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} الْآيَةَ ثُمَّ نُسِخَ بِمَا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيث عُبَادَةَ مَرْفُوعًا «خُذُوا عَنِّي الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» وَنَسْخُ الْقُرْآنِ بِالسُّنَّةِ جَائِزٌ لِأَنَّ الْكُلَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ اخْتَلَفَ طَرِيقُهُ وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قَالَ لَيْسَ هَذَا نَسْخًا إنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ وَتَبْيِينٌ لَهُ وَلَكِنْ أَنْ يُقَالَ نَسْخُهُ حَصَلَ بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْجَلْدَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّجْمُ كَانَ فِيهِ فَنُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحُ (إذَا زَنَا مُحْصَنٌ وَجَبَ رَجْمُهُ بِالْحِجَارَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى يَمُوتَ) حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ إجْمَاعًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ بِقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ فِي أَخْبَارٍ تُشْبِهُ التَّوَاتُرَ وَقَدْ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ثُمَّ نُسِخَ رَسْمُهُ وَبَقِيَ حُكْمُهُ لِقَوْلِ عُمَرَ كَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الرَّجْمِ الْخَبَرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ لَهُ لَوْ كَانَتْ فِي الْمُصْحَفِ لَاجْتَمَعَ الْعَمَلُ بِحُكْمِهَا وَثَوَابِ تِلَاوَتِهَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَجَابَ ابْنُ عَقِيلٍ فَقَالَ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِيُظْهِر بِهِ مِقْدَارَ طَاعَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمُسَارَعَةِ إلَى بَذْلِ النُّفُوسِ بِطَرِيقِ الظَّنِّ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْصَاءٍ لِطَلَبِ طَرِيقٍ مَقْطُوعٍ بِهِ كَمَا سَارَعَ الْخَلِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى ذَبْحِ وَلَدِهِ بِمَنَامٍ وَهُوَ أَدْنَى طَرِيقٍ إلَى الْوَحْي وَأَقَلَّهَا (وَيَتَّقِي) الرَّاجِمُ (الْوَجْهَ) لِشَرَفِهِ.
(وَلَا يَجْلِدُ) الْمَرْجُومَ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الرَّجْمِ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا وَقَالَ:
«وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» وَلَمْ يَأْمُرْ بِجِلْدِهَا وَكَانَ هَذَا آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ رِوَايَةُ الْأَثْرَمِ عَنْ أَحْمَدَ وَلِأَنَّهُ حُدَّ فِيهِ قَتْلٌ فَلَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهُ الْجَلْدُ كَالرِّدَّةِ (وَلَا يَنْفِي) الْمَرْجُومُ قَبْلَ رَجْمِهِ (وَتَكُونُ الْحِجَارَةُ) فِي الرَّجْمِ (مُتَوَسِّطَةً كَالْكَفِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُثْخِنَ الْمَرْجُومَ بِصَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ وَلَا أَنْ يُطَوِّلَ عَلَيْهِ بِحَصَيَاتٍ خَفِيفَةٍ) لِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ لَهُ.
(وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ وَلَوْ) كَانَتْ (كِتَابِيَّةً فِي قُبُلهَا وَطْئًا حَصَلَ بِهِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ أَوْ قَدْرِهَا) مِنْ مَقْطُوعهَا (فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَهُمَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (بَالِغَانِ عَاقِلَانِ حُرَّانِ مُلْتَزِمَانِ فَهُمَا مُحْصَنَانِ) يُرْجَمُ مَنْ زَنَى مِنْهُمَا بِشُرُوطِهِ وَدَخَلَ فِي الْمُلْتَزِمِينَ الذِّمِّيَّانِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي لُزُوم الْحَدِّ لَا فِي حُصُولِ الْإِحْصَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَغَيْرِهِ وَيَثْبُتُ لِمُسْتَأْمَنِينَ (فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذُكِرَتْ لِلْإِحْصَانِ (وَلَوْ فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ (فَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا) لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُحْصِنْ أَحَدَ الْمَوْطُوءَيْنِ فَلَمْ يُحْصِنْ الْآخَرَ كَالتَّسَرِّي (فَإِنْ عَتَقَا وَعَقِلَا وَبَلَغَا) أَيْ الزَّوْجَانِ (بَعْدَ النِّكَاحِ ثُمَّ وَطِئَهَا صَارَا مُحْصَنَيْنِ) بِالْوَطْءِ بَعْد الْعِتْقِ وَالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمهُ وَطْءٌ آخَرُ.
(وَلَا يَحْصُلُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِين) وَهُوَ التَّسَرِّي لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُهُ (وَلَا) بِوَطْءٍ (فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ) لِمَا سَبَقَ (وَلَا فِي نِكَاحٍ خَالٍ عَنْ الْوَطْء) فِي الْقُبُلِ (سَوَاء حَصَلَتْ فِيهِ) الشَّهْوَةُ (أَوْ وَطِئَ فِيمَا دُون الْفَرْجِ أَوْ فِي الدُّبُرِ أَوْ لَا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ» فَاعْتَبَرَ الثُّيُوبَةَ وَلَا تَحْصُلُ بِالْعَقْدِ.
(وَيَثْبُتُ) الْإِحْصَانُ (لِمُسْتَأْمَنَيْنِ كَذِمِّيَّيْنِ وَلَوْ مَجُوسِيَّيْنِ لَكِنْ لَا يَصِيرُ الْمَجُوسِيُّ مُحْصَنًا بِنِكَاحِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ) كَأُخْتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ لَوْ تَرَافَعَا إلَيْنَا فَهُوَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكَذَا الْيَهُودِيُّ إذَا نَكَحَ بِنْتَ أَخِيهِ أَوْ أُخْتَهُ (فَلَوْ زَنَى أَحَدٌ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَجَبَ الْجَلْدُ)
«لِأَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَلْزَمُ الْإِمَامُ إقَامَةَ حَدِّ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ) لِالْتِزَامِهِمْ حُكْمِنَا (وَمِثْلُهُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (وَلَا يَسْقُطُ) حَدٌّ عَنْ ذِمِّيٍّ (بِإِسْلَامِهِ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ (لَكِنْ لَا يُقَامُ حَدُّ الزِّنَا عَلَى مُسْتَأْمَنٍ نَصًّا) قُلْتُ وَكَذَا حَدُّ سَرِقَةٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِحُكْمِنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ.
(قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ فِي بَابِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ) أَيْ الزِّنَا (يَجِبُ بِهِ الْقَتْلُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَلَا يَجِبُ مَعَ الْقَتْلِ حَدٌّ سِوَاهُ انْتَهَى وَهَذَا إذَا زَنَى بِمُسْلِمَةٍ وَأَمَّا إنْ زَنَى) الْمُسْتَأْمَنُ (بِغَيْرِ مُسْلِمَةٍ فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ كَالْحَرْبِيِّ) لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ (وَكَحَدِّ الْخَمْرِ) فَلَا يُقَامُ عَلَى كَافِرٍ وَلَوْ ذِمِّيًّا لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ حِلَّهُ (وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَلَدٌ مِنْ امْرَأَتِهِ فَقَالَ مَا وَطِئَهَا لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهُ) وَلَا يُرْجَمُ إذَا زَنَى لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ وَاحْتِمَالِهِ وَالْإِحْصَانُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ (وَلَوْ كَانَ لَهَا) أَيْ لِلْمَرْأَةِ (وَلَدٌ مِنْ زَوْجٍ فَأَنْكَرَتْ) الْمَرْأَةُ (أَنْ يَكُونَ) زَوْجُهَا (وَطِئَهَا لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهَا) لِمَا ذَكَرْنَا.
(وَيَثْبُتُ) إحْصَانُهُ (بِقَوْلِهِ وَطِئْتُهَا أَوْ جَامَعْتُهَا أَوْ بَاضَعْتُهَا وَيَثْبُتُ إحْصَانُهَا بِقَوْلِهَا إنَّهُ جَامَعَهَا أَوْ بَاضَعَهَا أَوْ وَطِئَهَا وَإِنْ قَالَتْ) الزَّوْجَةُ أَنَّهُ (بَاشَرَهَا أَوْ أَصَابَهَا أَوْ أَتَاهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا أَوْ قَالَهُ هُوَ) أَيْ قَالَ الزَّوْجُ أَنَّهُ بَاشَرَهَا أَوْ أَصَابَهَا أَوْ أَتَاهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا (فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ الْإِحْصَانُ) لِأَنَّ هَذَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْجِمَاعِ فِيهِمَا دُون الْفَرْجِ كَثِيرًا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ الَّذِي يُدْرَأُ بِالِاحْتِمَالِ وَقَالَ فِي الْمُبْدِع وَالْأَشْهَرُ أَوْ دَخَلْتُ بِهَا أَيْ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْإِحْصَانُ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (وَإِذَا جُلِدَ الزَّانِي عَلَى أَنَّهُ بِكْرٌ فَبَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ) إلَى أَنْ يَمُوتَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لِأَنَّهُ حَدُّهُ وَالْجَلْدُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا.
(وَإِذَا رُجِمَ الزَّانِيَانِ الْمُسْلِمَانِ غُسِّلَا وَكُفِّنَا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمَا وَدُفِنَا) مَعًا، كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، لِحَدِيثِ الْغَامِدِيَّةِ وَفِيهِ:
«فَرُجِمَتْ وَصَلَّى عَلَيْهَا» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَإِذَا زَنَى الْحُرُّ غَيْرَ الْمُحْصَنِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ جُلِدَ مِائَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} (وَغُرِّبَ عَامًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ» وَلِأَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ بِالْحُرِّ غَيْرِ الْمُحْصَنِ وَانْتَشَرَ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (إلَى مَسَافَةٍ الْقَصْرِ) لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الْحَضَرِ (فِي بَلَدٍ مُعَيَّنٍ) لِأَنَّ التَّغْرِيبَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ (وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ التَّغْرِيبَ إلَى فَوْقِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَعَلَ) لِتَنَاوُلِ الْحَبَرِ لَهُ.
(وَالْبَدْوِيُّ يُغَرَّبُ عَنْ حِلَّتِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ (وَقَوْمِهِ) إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ (وَلَا يُمَكَّنُ) الْبَدْوِيُّ (مِنْ الْإِقَامَةِ بَيْنَهُمْ) أَيْ بَيْنَ قَوْمِهِ حَتَّى يَمْضِيَ الْعَامُ لِيَحْصُلَ التَّغْرِيبُ (وَلَوْ عَيَّنَ السُّلْطَانُ جِهَةً لِتَغْرِيبِهِ وَطَلَبَ الزَّانِي جِهَةً غَيْرَهَا تَعَيَّنَ مَا عَيَّنَهُ السُّلْطَانُ) لِأَنَّ إقَامَتَهُ لِلسُّلْطَانِ لَا لِلزَّانِي (وَلَوْ أَرَادَ الْحَاكِمُ تَغْرِيبَهُ فَخَرَجَ بِنَفْسِهِ وَغَابَ سَنَةً ثُمَّ عَادَ لَمْ يَكْفِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الزَّجْرُ كَمَا لَوْ جَلَدَ نَفْسَهُ (وَلَا يُحْبَسُ) الْمُغَرَّبُ (فِي الْبَلَدِ الَّذِي نُفِيَ إلَيْهِ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (فَإِنْ عَادَ) الْمُغَرَّبُ (مِنْ تَغْرِيبِهِ قَبْلَ مُضِيِّ الْحَوْلِ أُعِيدَ تَغْرِيبُهُ حَتَّى يُكْمِلَ الْحَوْلَ مُسَافِرًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَتَغْرِيبُ عَامٍ» (وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى) قَبْلَ عَوْدِهِ، فَلَا يَلْزَمهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لِزِيَادَتِهِ إذَنْ عَنْ الْعَامِ.
(وَتُغَرَّبُ امْرَأَةٌ مَعَ مَحْرَمٍ وُجُوبًا إنْ تَيَسَّرَ) لِأَنَّهُ سَفَرٌ وَاجِبٌ أَشْبَهَ سَفَرَ الْحَجِّ (فَيَخْرُجُ) الْمَحْرَمُ (مَعَهَا حَتَّى يُسْكِنَهَا فِي مَوْضِعٍ ثُمَّ إنْ شَاءَ رَجَعَ) الْمَحْرَمُ (إذَا أَمِنَ عَلَيْهَا) لِانْقِضَاءِ السَّفَرِ (وَإِنْ شَاءَ أَقَامَ) الْمَحْرَم (مَعَهَا) حَتَّى يَنْقَضِيَ الْعَامُ (وَإِنْ أَبَى) الْمَحْرَمُ (الْخُرُوجَ مَعَهَا) إلَّا بِأُجْرَةٍ (بَذَلَتْ لَهُ الْأُجْرَةَ مِنْ مَالِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَعُونَةِ سَفَرِهَا أَشْبَهَ الْمَرْكُوبُ وَالنَّفَقَةَ (فَإِنْ تَعَذَّرَ) أَخْذَ الْأُجْرَةِ مِنْهَا (فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَشْبَهَ نَفَقَةَ نَفْسِهَا إنْ أَمْكَنَ (فَإِنْ أَبَى) الْمَحْرَمُ (الْخُرُوجَ مَعَهَا نُفِيَتْ وَحْدَهَا) قَالَ فِي التَّرْغِيب وَغَيْرِهِ مَعَ الْأَمْنِ (كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ) الْمَحْرَمُ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَأْخِيرِهِ (كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ وَسَفَرِ الْحَجِّ إذَا مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ) وَتَقَدَّمَ (وَقِيلَ تَسْتَأْجِرُ امْرَأَةً ثِقَةً اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَخْصٍ يَكُونُ مَعَهَا لِأَجْلِ حِفْظِهَا وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحِفْظِ.
(وَإِذَا زَنَى الْغَرِيبُ غُرِّبَ إلَى بَلَدٍ غَيْرُ وَطَنِهِ) لِيَكُونَ تَغْرِيبًا (وَإِنْ زَنَى) الْمُغَرَّبُ (فِي الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ إلَيْهِ غُرِّبَ إلَى غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي غُرِّبَ مِنْهُ، وَتَدْخُلُ بَقِيَّةُ مُدَّةِ) التَّغْرِيبِ (الْأَوَّلِ فِي) التَّغْرِيبِ (الثَّانِي لِأَنَّ الْحَدَّيْنِ مِنْ جِنْسٍ فَتَدَاخَلَا) كَمَا سَبَقَ انْتَهَى.