فصل: (فَصْلٌ): فيما يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): فيما يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ:

(وَيَحْصُلُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ رَمْيٍ) لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (وَحَلْقٍ) أَوْ تَقْصِيرٍ (وَطَوَافِ) إفَاضَةٍ لِحَدِيثِ سَعِيدٍ عَنْ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَقِيسَ عَلَى الْحَلْقِ وَالرَّمْي الْبَاقِي فَلَوْ حَلَقَ وَطَافَ ثُمَّ وَاقَعَ أَهْلَهُ قَبْلَ الرَّمْي فَحَجُّهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ دَمٌ.
(وَ) يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ (الثَّانِي بِالثَّالِثِ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ الْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ مَعَ السَّعْيِ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا أَوْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا وَلَمْ يَسْعَ مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ (فَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (نُسُكٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} فَوَصَفَهُمْ وَامْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ فَدَلَّ أَنَّهُ مِنْ الْعِبَادَةِ لَا إطْلَاقَ مِنْ مَحْظُورٍ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَلْيُقَصِّرْ ثُمَّ لِيُحِلَّ» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ نُسُكًا لَمْ يَتَوَقَّفْ الْحِلُّ عَلَيْهِ وَدَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ وَفَاضَلَ بَيْنَهُمْ فَلَوْلَا أَنَّهُ نُسُكٌ لَمَا اسْتَحَقُّوا لِأَجْلِهِ الدُّعَاءَ وَلَمَا وَقَعَ التَّفَاضُلُ فِيهِ إذْ لَا مُفَاضَلَةَ فِي الْمُبَاحِ فَفِي تَرْكِهِمَا دَمٌ (وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ أَيَّامِ مِنًى فَلَا دَمَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ لَا آخِرَ لِوَقْتِهِ.
(وَإِنْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى الرَّمْيِ) أَوْ عَلَى (النَّحْرِ أَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ قَبْلَ رَمْيِهِ) أَوْ نَحَرَ قَبْلَ رَمْيِهِ (جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَالِمًا) لِحَدِيثِ عَطَاءٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَفَضْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ» وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ فَلَا حَرَجَ» رَوَاهُمَا سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ فَقَالَ آخَرُ ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ ارْمِ وَلَا حَرَجَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي لَفْظٍ قَالَ «فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فَمَا سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَمْرٍ مِمَّا يَنْسَى الْمَرْءُ أَوْ يَجْهَلُ مِنْ تَقْدِيمِ بَعْضِ الْأُمُورِ عَلَى بَعْضٍ وَأَشْبَاهِهَا إلَّا قَالَ افْعَلُوا وَلَا حَرَجَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (لَكِنْ يُكْرَهُ) ذَلِكَ لِلْعَالِمِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
(وَإِنْ قَدَّمَ) طَوَافَ (الْإِفَاضَةِ عَلَى الرَّمْيِ أَجْزَأَهُ طَوَافُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(ثُمَّ يَخْطُب الْإِمَامُ يَوْمَ النَّحْرِ بُكْرَةَ النَّهَارِ بِمِنًى خُطْبَةً مُفْتَتَحَةً بِالتَّكْبِيرِ يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا النَّحْرَ وَالْإِفَاضَةَ وَالرَّمْيَ) نَصَّ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ يَعْنِي بِمِنًى» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ يَوْمٌ تَكْثُرُ فِيهِ أَفْعَالُ الْحَجِّ مِنْ الْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَالدَّفْعِ مِنْهُ إلَى مِنًى وَالرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ وَالْإِفَاضَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى مِنًى لِيَبِيتَ بِهَا وَلَيْسَ فِي غَيْرِهِ مِثْلُهُ فَلِذَلِكَ يُسَمَّى يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَلِهَذَا «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ يَوْمِ النَّحْرِ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
(ثُمَّ يُفِيضُ إلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ مُتَمَتِّعٌ لِقُدُومِهِ) كَطَوَافِهِ ل (عُمْرَتِهِ) السَّابِقِ فِي دُخُولِ مَكَّةَ (نَصًّا) هَكَذَا فِي الْإِنْصَافِ وَبَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا: لِعُمْرَتِهِ وَالْمَعْنَى عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ (بِلَا رَمَلٍ) ثُمَّ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ وَاحْتَجَّ الْإِمَامُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَقُوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا فَحَمَلَ أَحْمَدُ قَوْلَ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ طَوَافَهُمْ لِحَجِّهِمْ هُوَ طَوَافُ الْقُدُومِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ طَوَافَ الْقُدُومِ مَشْرُوعٌ فَلَمْ يَكُنِ الطَّوَافُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ مُسْقِطًا لَهُ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ دُخُولِهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِالْفَرْضِ وَاخْتَارَ ذَلِكَ الْخِرَقِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ.
(وَكَذَا يَطُوفُهُ) أَيْ: طَوَافَ الْقُدُومِ (بِرَمَلٍ مُفْرِدٌ وَقَارِنٌ لَمْ يَكُونَا دَخَلَا مَكَّةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَا طَافَاهُ نَصًّا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَقِيلَ: لَا يَطُوفُ لِلْقُدُومِ أَحَدٌ مِنْهُمْ اخْتَارَهُ الشَّيْخُ وَالْمُوَفَّقُ وَرَدَّهُ) الْمُوَفَّقُ (الْأَوَّلُ وَقَالَ) الْمُوَفَّقُ (لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ) بَلْ الْمَشْرُوعُ طَوَافٌ وَاحِدٌ لِلزِّيَارَةِ كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى بِهَا عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ تَمَتَّعُوا مَعَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ دَلِيل عَلَى هَذَا فَإِنَّهَا قَالَتْ طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا بَعْد أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَهَذَا هُوَ طَوَاف الزِّيَارَة وَلَمْ تَذْكُر طَوَافًا آخَرَ وَلَوْ كَانَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَتْهُ طَوَاف الْقُدُوم لَكَانَتْ قَدْ أَخَلَّتْ بِذِكْرِ طَوَاف الزِّيَارَة الَّذِي هُوَ رُكْن الْحَجّ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ وَذَكَرَتْ مَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَعَلَى كُلّ حَالَ فَمَا ذَكَرَتْ إلَّا طَوَافًا وَاحِدًا فَمِنْ أَيْنَ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى طَوَافَيْنِ.
(قَالَ) أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ زَيْنُ الدِّينِ (ابْنُ رَجَبٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ ثُمَّ يَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي مِنْ مِنًى فَيَزُورُ الْبَيْتَ وَلَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ بَلْ يَرْجِعُ إلَى مِنًى (وَيُسَمَّى الْإِفَاضَةُ)؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ بَعْدَهَا (وَ) يُسَمَّى (الصَّدَرُ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ رُجُوعُ الْمُسَافِرِ مِنْ مَقْصِدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُ بَعْدَهُ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إنَّهُ يُسَمَّى طَوَافَ الصَّدَرِ قَالَهُ فِي الْمَطْلَعِ وَالرِّعَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَقَدَّمَهُ الزَّرْكَشِيّ وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّ طَوَافَ الصَّدَرِ هُوَ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى.
(وَيُعَيِّنُهُ) أَيْ: طَوَافَ الزِّيَارَةِ (بِنِيَّتِهِ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَكَالصَّلَاةِ وَيَكُونُ (بَعْد وُقُوفِهِ بِعَرَفَةَ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ كَذَلِكَ.
وَقَالَ «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (وَهُوَ الطَّوَافُ الْوَاجِبُ الَّذِي بِهِ تَمَامُ الْحَجِّ) فَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ إجْمَاعًا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا حَائِضٌ قَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ اُخْرُجُوا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ كَانَتْ حَابِسَتَهُمْ فَيَكُونُ الطَّوَافُ حَابِسًا لِمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ (فَإِنْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ قَبْلَهُ) أَيْ: قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ (رَجَعَ مِنْهَا) أَيْ: مِنْ بَلَدِهِ (مُحْرِمًا) أَيْ: بَاقِيًا عَلَى إحْرَامِهِ بِمَعْنَى بَقَاءِ تَحْرِيمِ النِّسَاءِ عَلَيْهِ لَا الطِّيبِ وَلُبْس الْمَخِيطِ وَنَحْوِهِ لِحُصُولِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ رَمَى وَحَلَقَ (فَطَافَهُ) أَيْ: طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَحَلَّ بَعْدَهُ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَا لَوْ وَطِئَ وَحَلَّ وَيُحْرِمُ بِعُمْرَةٍ إذَا وَصَلَ الْمِيقَاتَ فَإِذَا حَلّ مِنْهَا طَافَ لِلْإِفَاضَةِ (وَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ طَوَاف الْإِفَاضَةِ (غَيْرُهُ) مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى».
(وَأَوَّلُ وَقْتِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ (وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فَلَا بَأْسَ) بِذَلِكَ.
(وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ) أَيْ: عَنْ يَوْمِ النَّحْرِ (وَ) أَخَّرَهُ (عَنْ أَيَّامِ مِنًى جَازَ كَالسَّعْيِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِهِ مَحْدُودٌ.
(ثُمَّ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَلَا يَكْتَفِي بِسَعْيِ عُمْرَتِهِ)؛ لِأَنَّهَا نُسُكٌ آخَرُ بَلْ يَسْعَى لِحَجِّهِ (أَوْ) كَانَ (غَيْرَ مُتَمَتِّعٍ وَلَمْ يَكُنْ سَعَى مَعَ طَوَافِ الْقُدُومِ) مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا (فَإِنْ كَانَ قَدْ سَعَى) بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ (لَمْ يَسْعَ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّطَوُّعُ بِالسَّعْيِ كَسَائِرِ الْأَنْسَاكِ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا.
(وَالسَّعْيُ رُكْنٌ فِي الْحَجِّ فَلَا يَتَحَلَّلُ) التَّحَلُّلَ الثَّانِي (إلَّا بِفِعْلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ) لِحَدِيثِ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تُجْزَأَةَ قَالَتْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالنَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ وَرَاءَهُمْ وَهُوَ يَسْعَى حَتَّى أَرَى رُكْبَتَيْهِ مِنْ شِدَّةِ السَّعْي يَدُورُ بِهِ إزَارُهُ وَهُوَ يَقُولُ: اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَعَنْ عَائِشَةَ «مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلَا عُمْرَتَهُ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» مُتَّفَق عَلَيْهِ مُخْتَصَر.
(فَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ: السَّعْيَ (قَبْلَ الطَّوَافِ عَالِمًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَعَادَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ شَرْطَهُ وُقُوعُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ.
(ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ) حَتَّى النِّسَاءِ (وَيُسْتَحَبُّ التَّطَيُّبُ عِنْدَ الْإِحْلَالِ) الْأَوَّلِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ (ثُمَّ يَأْتِي زَمْزَمَ فَيَشْرَبُ مِنْهَا لِمَا أَحَبَّ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
وَعَنْ ابْن عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَيَتَضَلَّعُ) مِنْهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ آيَةَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ أَنْ لَا يَتَضَلَّعُونَ مِنْ زَمْزَمَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (زَادَهُ فِي التَّبْصِرَةِ: وَيَرُشُّ عَلَى بَدَنِهِ وَثَوْبِهِ وَيَقُولُ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَرَيًّا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَكَرِضًا.
(وَشِبَعًا) بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِهَا: مَصْدَرُ شَبِعَ (وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَاغْسِلْ بِهِ قَلْبِي وَامْلَأْهُ مِنْ خَشْيَتِكَ) زَادَ بَعْضُهُمْ وَحِكْمَتِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لَائِقٌ بِهَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ شَامِلٌ لِخَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إذَا شَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا وَاسِعًا وَشِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
(وَيُسَنُّ أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ وَالْحِجْرَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْبَيْتِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَتَقَدَّمَ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.
(وَيَكُونُ) حَالَ دُخُولِ الْبَيْتِ وَالْحِجْرِ (حَافِيًا بِلَا خُفٍّ وَلَا نَعْلٍ) لِمَا رَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنْ الْوَاقِدِيِّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَوَّلَ مَنْ خَلَعَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ فَلَمْ يَدْخُلْهَا أَيْ: الْكَعْبَةَ بِهِمَا الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ إعْظَامًا لَهَا فَجَرَى ذَلِكَ سُنَّةً (بِغَيْرِ سِلَاحٌ نَصًّا وَيُكَبِّرُ) فِي نَوَاحِيهِ (وَيَدْعُو فِي نَوَاحِيهِ وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ «دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقُلْتُ لِبِلَالٍ هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَيْنَ قَالَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ قَالَ وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيُكْثِرُ النَّظَرَ إلَيْهِ) أَيْ: الْبَيْتِ (الْبَيْتِ لِأَنَّهُ) أَيْ: النَّظَرَ إلَيْهِ (عِبَادَةُ فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ فَلَا بَأْسَ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا وَهُوَ مَسْرُورٌ ثُمَّ رَجَعَ وَهُوَ كَئِيبٌ فَقَالَ: إنِّي دَخَلْتُ الْكَعْبَةَ وَلَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا دَخَلْتُهَا إنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي» (وَيَتَصَدَّقُ بِثِيَابِ الْكَعْبَةِ إذَا نُزِعَتْ نَصًّا) لِفِعْلِ عُمَرَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْهُ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَرَوَى الثَّوْرِيُّ أَنَّ شَيْبَةَ كَانَ يَدْفَعُ خَلْقَانَ الْبَيْتِ إلَى الْمَسَاكِينِ وَقِيَاسًا عَلَى الْوَقْفِ الْمُنْقَطِعِ بِجَامِعِ انْقِطَاعِ الْمَصْرِفِ (وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْفِيَ بِشَيْءٍ مِنْ طِيبِهَا) أَيْ: الْكَعْبَةَ (فَلْيَأْتِ بِطِيبٍ مِنْ عِنْدِهِ فَلْيُرِقْهُ عَلَى الْبَيْتِ ثُمَّ يَأْخُذَهُ وَلَا يَأْخُذَ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ شَيْئًا) أَيْ: يَحْرُمُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ لِلْمَوْقُوفِ فِي غَيْرِ مَا وُقِفَ عَلَيْهِ.

.فَصْلٌ: فيما يفعله الحاج بَعْدَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ:

(ثُمَّ يَرْجِعُ) مَنْ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (إلَى مِنًى فَيَبِيتُ بِهَا) وُجُوبًا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «لَمْ يُرَخِّصْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَحَدٍ يَبِيتُ بِمَكَّةَ إلَّا لِلْعَبَّاسِ لِأَجْلِ سِقَايَتِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ (ثَلَاثَ لَيَالٍ) إنْ لَمْ يَتَعَجَّلْ فِي يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ إنْ تَعَجَّلَ.
(وَيُصَلِّي بِهَا ظُهْرَ يَوْمِ النَّحْرِ) نَصًّا نَقَلَهُ أَبُو طَالِبٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيَرْمِي الْجَمَرَاتِ بِهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) وَهِيَ أَيَّامُ مِنًى الثَّلَاثَةُ الَّتِي تَلِي يَوْمَ النَّحْرِ (كُلُّ يَوْمٍ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِقَوْلِ جَابِرٍ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ضُحَى يَوْمِ النَّحْرِ وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ».
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «كُنَّا نَتَحَيَّنُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ رَمَيْنَا» وَأَيّ وَقْتٍ رَمَى بَعْدَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا حِينَ الزَّوَالِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ (إلَّا السُّقَاةَ وَالرُّعَاةَ فَلَهُمْ الرَّمْيُ لَيْلًا وَنَهَارًا) لِلْعُذْرِ (وَلَوْ) كَانَ رَمْيُهُمْ (فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنْ رَمَى غَيْرُهُمْ) أَيْ: غَيْرُ السُّقَاةِ وَالرُّعَاةِ (قَبْلَ الزَّوَالِ) أَوْ لَيْلًا (لَمْ يُجْزِئْهُ) الرَّمْيُ (فَيُعِيدُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَآخِرُ وَقْتِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ الرَّمْيِ الْأَرْبَعَةِ (إلَى الْمَغْرِبِ)؛ لِأَنَّهُ آخِرُ النَّهَارِ.
(وَيُسْتَحَبُّ) الرَّمْيُ أَيَّامَ مِنًى (قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجِمَارَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ قَدْرَ مَا إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِهِ صَلَّى الظُّهْرَ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ لَا يَدَعَ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي مَسْجِدِ مِنًى وَهُوَ مَسْجِدُ الْخَيْفِ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ (فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ مَرْضِيٍّ) لِفِسْقٍ أَوْ نَحْوِهِ (صَلَّى الْمَرْءُ بِرُفْقَتِهِ) مُحَافَظَةً عَلَى الْجَمَاعَةِ.
(وَيَرْمِي كُلَّ جَمْرَةٍ) مِنْ الثَّلَاثِ (بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي رَمْي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (فَيَبْدَأُ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَبْعَدُهُنَّ مِنْ مَكَّةَ وَتَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَسَارِهِ وَيَرْمِيهَا) بِالسَّبْعِ حَصَيَاتٍ (ثُمَّ يَتَقَدَّمُ قَلِيلًا لِئَلَّا يُصِيبَهُ الْحَصَى فَيَقِفُ فَيَدْعُو اللَّهَ رَافِعًا يَدَيْهِ وَيُطِيلُ ثُمَّ يَأْتِي الْوُسْطَى فَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ) وَيَرْمِيهَا كَذَلِكَ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ وَيَقِفُ عِنْدَهَا أَيْ: بَعْدَ أَنْ يَتَقَدَّمَ قَلِيلًا لِئَلَّا يُصِيبَهُ الْحَصَى وَيَدْعُو اللَّهَ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيُطِيلُ ثُمَّ يَأْتِي لِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ كَذَلِكَ وَيَجْعَلُهَا عَنْ يَمِينِهِ (وَيَسْتَبْطِنهُ الْوَادِي) عِنْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي الْجَمَرَاتِ كُلِّهَا) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَفَاضَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَيَتَضَرَّعُ وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ «كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْأُولَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَسْهُلَ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ طَوِيلًا ثُمَّ يَدْعُو فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى، ثُمَّ يَأْخُذُ بِذَاتِ الشِّمَالِ، فَيَسْهُلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ يَدْفَعُ فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، وَيَقُومُ طَوِيلًا ثُمَّ يَرْمِي حَجَرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَدْعُو بِدُعَائِهِ الَّذِي دَعَا بِهِ بِعَرَفَةَ، وَيَزِيدُ: وَأَصْلِحْ، أَوْ أَتِمَّ لَنَا مَنَاسِكَنَا».
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ «كَانَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولَانِ عِنْدَ الرَّمْي: اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا وَذَنْبًا مَغْفُورًا».
(وَتَرْتِيبُهَا) أَيْ: الْجَمَرَاتِ (شَرْطُ بِأَنْ يَرْمِيَ أَوَّلًا) الْجَمْرَةَ (الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ ثُمَّ الْوُسْطَى ثُمَّ الْعَقَبَةِ فَإِنْ نَكَّسَهُ) أَيْ: الرَّمْيَ بِأَنْ قَدَّمَ عَلَى الْأُولَى غَيْرَهَا (لَمْ يُجْزِئْهُ) مَا قَدَّمَهُ عَلَى الْأُولَى نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَتَّبَهَا فِي الرَّمْيِ، وَقَالَ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ»؛ وَلِأَنَّهُ نُسُكٌ مُتَكَرِّرٌ، فَاشْتُرِطَ التَّرْتِيبُ فِيهِ كَالسَّعْيِ (وَإِنْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ مِنْ الْأُولَى لَمْ يَصِحّ رَمْيُ الثَّانِيَةِ) وَكَذَا لَوْ أَخَلَّ بِحَصَاةٍ مِنْ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحّ رَمْيُ الثَّالِثَةِ لِإِخْلَالِهِ بِالتَّرْتِيبِ.
(وَإِنْ جَهِلَ) الرَّامِي (مَحَلَّهَا) بِأَنْ جَهِلَ مِنْ أَيِّ جَمْرَةٍ تَرَكَ الْحَصَاةَ (بَنَى عَلَى الْيَقِينِ) فَإِنْ شَكَّ: أَمِنَ الْأُولَى أَوْ مَا بَعْدَهَا؟ جَعَلَهُ مِنْ الْأُولَى أَوْ شَكَّ فِي كَوْنِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ؟ جَعَلَهُ مِنْ الثَّانِيَةِ، لِتَبْرَأَ ذِمَّتُهُ بِيَقِينٍ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ تَرْكَ رُكْنٍ وَجَهِلَ مَحَلَّهُ (ثُمَّ يَرْمِي فِي الْيَوْمِ الثَّانِي) الثَّلَاثَ الْجَمَرَاتِ مُرَتَّبَةً عَلَى صِفَةِ مَا تَقَدَّمَ (وَ) يَرْمِي فِي الْيَوْمِ (الثَّالِثِ كَذَلِكَ) إنْ لَمْ يَكُنْ تَعَجَّلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي.
(وَعَدَدُ الْحَصَى) لِكُلِّ جَمْرَةٍ (سَبْعٌ) لِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا مَجْمُوعُ حَصَى الْجِمَارِ فَسَبْعُونَ يَرْمِي مِنْهَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بِسَبْعَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ وَبَاقِيهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلَّ يَوْمٍ إحْدَى وَعِشْرِينَ حَصَاةً فِي الْجَمَرَاتِ الثَّلَاثِ كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ مَعَ رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ) بِأَنْ أَخَّرَ رَمْيَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَرَمَى الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (فَرَمَاهُ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَجْزَأَهُ أَدَاؤُهُ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الرَّمْي كُلّهَا بِمَثَابَةِ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ)؛ لِأَنَّهَا كُلّهَا وَقْتٌ لِلرَّمْيِ فَإِذَا أَخَّرَهُ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهِ إلَى آخِرِهِ أَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ أَخَّرَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهِ.
(وَكَانَ) بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ إلَى آخِرِهَا (تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ) وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالرَّمْيِ فِي مَوَاضِعِهِ السَّابِقَةِ (وَيَجِبُ تَرْتِيبُهُ بِنِيَّةٍ) كَالْمَجْمُوعَتَيْنِ وَالْفَوَائِتِ مِنْ الصَّلَاةِ (وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ رَمْيَ يَوْمٍ) وَاحِدٍ (أَوْ) رَمْيَ (يَوْمَيْنِ) ثُمَّ رَمَاهُ فِيمَا بَعْدُ قَبْلَ مُضِيِّ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَدَاءً لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ أَخَّرَ الرَّمْيَ كُلَّهُ) عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (أَوْ) أَخَّرَ (جَمْرَةَ) الْعَقَبَةِ (عَنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، أَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ بِمِنًى لَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ تَرَكَ نُسُكًا أَوْ نَسِيَهُ فَإِنَّهُ يُهْرِيقُ دَمًا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ: لَوْ تَرَكَ دُونَ لَيْلَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ أَكْثَرَهَا (وَلَا يَأْتِي بِهِ) أَيْ: بِالرَّمْيِ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (كَالْبَيْتُوتَةِ) بِمِنًى لَيَالِيهَا إذَا تَرَكَهَا لَا يَأْتِي بِهَا لِفَوَاتِ وَقْتِهِ، وَاسْتِقْرَارِ الْفِدَاءِ الْوَاجِبِ فِيهِ.
(وَفِي تَرْكِ حَصَاةٍ) وَاحِدَةٍ (مَا فِي) حَلْقِ (شَعْرَةٍ وَفِي) تَرْكِ (حَصَاتَيْنِ مَا فِي) حَلْقِ (شَعْرَتَيْنِ) وَفِي أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ دَمٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ.
(وَلَيْسَ عَلَى أَهْلِ سِقَايَةِ الْحَاجِّ) وَهُمْ سُقَاةُ زَمْزَمَ، عَلَى مَا فِي الْمَطْلَعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُبْدِعِ (وَ) لَا عَلَى (الرُّعَاةِ مَبِيتٌ بِمِنًى وَلَا بِمُزْدَلِفَةَ) لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ «الْعَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَعَنْ عَاصِمٍ قَالَ «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرُعَاةِ الْإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ النَّحْرِ، فَيَرْمُونَهُ فِي أَحَدِهِمَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ وَقَالَ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ (فَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُمْ) أَيْ: أَهْلُ سِقَايَةِ الْحَجِّ وَالرُّعَاةِ (بِمِنًى لَزِمَ الرُّعَاةَ الْمَبِيتُ) لِانْقِضَاءِ وَقْتِ الرَّعْيِ، وَهُوَ النَّهَارُ (دُونَ أَهْلِ السِّقَايَةِ) فَلَا يَلْزَمُهُمْ الْمَبِيتُ وَلَوْ غَرَبَتْ وَهُمْ بِمِنًى؛ لِأَنَّهُمْ يَسْقُونَ بِاللَّيْلِ.
(وَقِيلَ: أَهْلُ الْأَعْذَارِ مِنْ غَيْرِ الرُّعَاةِ كَالْمَرْضَى، وَمَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ وَنَحْوَهُ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الرُّعَاةِ فِي تَرْكِ الْبَيْتُوتَةِ) جَزَمَ بِهِ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَابْنُ تَمِيمٍ.
(وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا أَوْ لَهُ عُذْرٌ جَازَ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَرْمِي عَنْهُ) كَالْمَعْضُوبِ يَسْتَنِيبُ فِي الْحَجِّ كُلِّهِ إذَا عَجَزَ عَنْهُ (وَالْأَوْلَى: أَنْ يَشْهَدَهُ إنْ قَدَرَ) عَلَى الْحُضُورِ لِيَتَحَقَّقَ الرَّمْيُ.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ) الْمَرِيضُ وَنَحْوُهُ (الْحَصَا فِي يَدِ النَّائِبِ لِيَكُونَ لَهُ عَمَلٌ فِي الرَّمْيِ وَلَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُسْتَنِيبِ لَمْ تَنْقَطِعْ النِّيَابَةُ) بِذَلِكَ كَمَا لَوْ نَامَ.
(وَيُسْتَحَبُّ خُطْبَةُ إمَامٍ) أَوْ نَائِبِهِ (فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ) خُطْبَةٌ (يُعَلِّمُهُمْ فِيهَا حُكْمَ التَّعْجِيلِ وَالتَّأْخِيرِ وَالتَّوْدِيعِ) لِحَدِيثِ سَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ قَالَتْ «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الرُّءُوسِ فَقَالَ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: أَلَيْسَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؟» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى تَعْلِيمِ مَا ذُكِرَ.
(وَلِكُلِّ حَاجٍّ، وَلَوْ أَرَادَ الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ: التَّعْجِيلُ إنْ أَحَبَّ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ} قَالَ عَطَاءٌ هِيَ لِلنَّاسِ عَامَّةٌ يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ وَغَيْرَهُمْ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (إلَّا الْإِمَامَ الْمُقِيمَ لِلْمَنَاسِكِ فَلَيْسَ لَهُ التَّعْجِيلُ لِأَجْلِ مَنْ يَتَأَخَّرُ) مِنْ النَّاسِ (فَإِنْ أَحَبَّ) غَيْرُ الْإِمَامِ (أَنْ يَتَعَجَّلَ فِي ثَانِي) أَيَّامِ (التَّشْرِيقِ وَهُوَ النَّفْرُ الْأَوَّلُ خَرَجَ) مِنْ مِنًى (قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ (لَا يَضُرُّهُ رُجُوعُهُ) إلَى مِنًى بَعْدَ ذَلِكَ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ.
(وَلَيْسَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمُتَعَجِّلِ (فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ رَمْيٌ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَيُدْفَنُ بَقِيَّةَ الْحَصَا) وَهُوَ حَصَا الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فِي الْأَشْهَرِ زَادَ بَعْضُهُمْ (فِي الْمَرْمَى) وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ الزَّاغُونِيِّ: أَوْ يَرْمِي بِهِنَّ كَفِعْلِهِ فِي اللَّوَاتِي قَبْلَهُنَّ (وَإِنْ غَرَبَتْ) الشَّمْسُ (وَهُوَ بِهَا) أَيْ: بِمِنًى (لَزِمَ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَدْرَكَهُ الْمَسَاءُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلْيَقُمْ إلَى الْغَدِ وَلْيَنْفِرْ مَعَ النَّاسِ (ثُمَّ يَنْفِرُ) الْإِمَامُ وَمَنْ لَمْ يَنْفِرْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي.
(وَهُوَ النَّفْرُ الثَّانِي) فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ.
(وَيُسَنُّ إذَا نَفَرَ مِنًى: نُزُولُهُ بِالْأَبْطُحِ وَهُوَ الْمُحَصَّبُ) وَالْخَيْفُ وَالْبَطْحَاءُ وَالْحَصْبَةُ (وَحْدَهُ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إلَى الْمَقْبَرَةِ فَيُصَلِّي بِهِ الظُّهْرَيْنِ وَالْعِشَاءَيْنِ، وَيَهْجَعُ يَسِيرًا ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ) قَالَ نَافِعٌ كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُثْمَانُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «التَّحْصِيبُ لَيْسَ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وَعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ نُزُولَ الْأَبْطُحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ أَسْمَحَ بِخُرُوجِهِ إذَا خَرَجَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.