فصل: (فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ أَرْكَانُ الْحَجِّ):

أَرْبَعَةٌ: (الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ) لِحَدِيثِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جُمُعَةٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، (وَطَوَافُ الزِّيَارَةِ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مِنْ فَرَائِضَ الْحَجِّ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (وَالسَّعْيُ) بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي مَوْضُوعِهِ، (وَالْإِحْرَامُ وَهُوَ النِّيَّةُ) أَيْ: نِيَّةُ النُّسُكِ، وَإِنْ لَمْ يَتَجَرَّدْ مِنْ ثِيَابِهِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَى الْمُحْرِمِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».

.(فَصْلٌ: وَاجِبَاتُ الْحَجِّ):

(وَوَاجِبَاتُهُ) أَيْ: الْحَجِّ (سَبْعَةٌ):
(الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ):
الْمُعْتَبَرُ لَهُ، إنْشَاءً وَدَوَامًا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ: وَالْإِنْشَاءُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ذَكَرَ الْمَوَاقِيتَ وَقَالَ هُنَّ لَهُنَّ، وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ» (وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إلَى اللَّيْلِ) عَلَى مَنْ وَقَفَ نَهَارًا لِمَا تَقَدَّمَ (وَالْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ إلَى) مَا (بَعْدَ نِصْفِهِ) أَيْ: اللَّيْلِ إنْ وَافَاهَا قَبْلَهُ (وَالْمَبِيتُ بِمِنًى) لَيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ (وَالرَّمْيُ) لِلْجِمَارِ (مُرَتَّبًا) عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْبَابِ (وَالْحِلَاقُ أَوْ التَّقْصِيرُ وَطَوَافُ الْوَدَاعِ) قَالَ الشَّيْخُ: وَطَوَافُ الْوَدَاعِ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ وَإِنَّمَا هُوَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ (وَمَا عَدَاهُنَّ) أَيْ: الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالْوَاجِبَاتِ، كَالْمَبِيتِ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ، وَطَوَافِ الْقُدُومِ وَالرَّمَلِ، وَالِاضْطِبَاعِ وَنَحْوِهَا.
(سُنَنٌ) لِلْحَجِّ (وَأَرْكَانُ الْعُمْرَةِ) ثَلَاثَةٌ (الْإِحْرَامُ، وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ.
(وَوَاجِبَاتُهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ شَيْئَانِ (الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلِّ، وَالْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ) فَمَنْ أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ أَتَى بِالْوَاجِبِ.
(فَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا، أَوْ) تَرَكَ (النِّيَّةَ لَهُ) إنْ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إلَّا بِهِ) أَيْ: بِذَلِكَ الرُّكْنِ بِنِيَّتِهِ (لَكِنْ لَا يَنْعَقِدُ نُسُكٌ بِلَا إحْرَامٍ) حَجًّا كَانَ أَوْ عُمْرَةً لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (وَيَأْتِي) فِي الْبَابِ بَعْدَهُ (إذَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ) بِعَرَفَةَ.
(وَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا) لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ (وَلَوْ سَهْوًا فَعَلَيْهِ دَمٌ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (فَإِنْ عَدِمَهُ فَكَصَوْمِ مُتْعَةٍ) وَتَقَدَّمَ (وَالْإِطْعَامُ عَنْهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَا إطْعَامَ.
(وَمَنْ تَرَكَ سُنَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) قَالَ فِي الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ: وَلَمْ يُشْرَعْ الدَّمُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ جُبْرَانَ الصَّلَاةِ أَدْخَلُ فَيَتَعَدَّى إلَى صَلَاتِهِ مِنْ صَلَاةِ غَيْرِهِ.
وَمَنْ تَرَكَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ رَجَعَ إلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فَأَتَى بِهِ،؛ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ إحْرَامِهِ وَتَقَدَّمَ فَإِنْ وَطِئَ أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَلَيْهِ دَمٌ.
(قَالَ) أَبُو الْوَفَاءِ عَلِيٌّ (ابْنُ عَقِيلٍ وَتُكْرَهُ تَسْمِيَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا صَرُورَةً فِي الْإِسْلَامِ» وَ(؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ جَاهِلِيٌّ).
(وَ) يُكْرَهُ (أَنْ يُقَالَ: حِجَّةُ الْوَدَاعِ؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ) قَالَ: وَأَنْ يُقَالَ: شَوْطٌ بَلْ طَوْفَةٌ وَطَوْفَتَانِ.
(وَيُعْتَبَرُ، فِي وِلَايَةِ تَسْيِيرِ الْحَاجِّ) أَيْ: فِي أَمِيرِ الْحَاجِّ (كَوْنُهُ مُطَاعًا ذَا رَأْيٍ، وَشَجَاعَةٍ، وَهِدَايَةٍ وَعَلَيْهِ جَمْعُهُمْ وَتَرْتِيبُهُمْ، وَحِرَاسَتُهُمْ فِي الْمَسِيرِ وَالنُّزُولِ، وَالرِّفْقُ، بِهِمْ وَالنُّصْحُ) لَهُمْ (وَيَلْزَمُهُمْ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَلَا يَحْكُمُ إلَّا أَنْ يُفَوَّضَ إلَيْهِ) الْحُكْمُ (فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ).
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَلْزَمُهُ عِلْمُ خُطَبِ الْحَجِّ وَالْعَمَلُ بِهَا قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ جُرِّدَ مَعَهُمْ وَجُمِعَ لَهُ مِنْ الْجُنْدِ الْمُنْقَطِعِينَ مَا يُعِينَهُ عَلَى كُلْفَةِ الطَّرِيقِ أُبِيحَ لَهُ وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ وَلَهُ أُجْرَةُ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَهَذَا كَأَخْذِ بَعْضِ الْإِقْطَاعِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْمَصَالِحِ وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ وَيَلْزَمُ الْمُعْطِيَ بَذْلُ مَا أُمِرَ بِهِ.
(وَشَهْرُ السِّلَاحِ عِنْدَ قُدُومِ) الْحَاجِّ الشَّامِيِّ (تَبُوكَ: بِدْعَةٌ زَادَ الشَّيْخُ: مُحَرَّمَةٌ) وَمِثْلُهُ: مَا يَفْعَلهُ الْحَاجُّ الْمِصْرِيُّ لَيْلَةَ بَدْرٍ فِي الْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ بِجَبَلِ الزِّينَةِ قَالَ: وَمَا يَذْكُرهُ الْجُهَّالُ مِنْ حِصَارِ تَبُوكَ كَذِبٌ فَلَمْ يَكُنْ بِهَا حِصْنٌ، وَلَا مُقَاتَلَةٌ فَإِنَّ مَغَازِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَتْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ، لَمْ يُقَاتِلْ فِيهَا إلَّا فِي تِسْعٍ: بَدْرٍ، وَأُحُدٍ، وَالْخَنْدَقِ، وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَالْغَابَةِ، وَفَتْحِ خَيْبَرَ، وَفَتْحِ مَكَّةَ، وَفَتْحِ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ.
(وَقَالَ: وَمَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ إنْ كَانَ جَاهِلًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْآدَمِيِّ مِنْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ أَوْ دَمٍ بِالْحَجِّ إجْمَاعًا) ا هـ.
وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ: فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً، دُونَ الْعِبَادِ وَلَا يُسْقِطُ الْحُقُوقَ أَنْفُسُهَا فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ وَنَحْوُهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَسْقُطُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ لَا ذُنُوبٌ إنَّمَا الذَّنَبُ تَأْخِيرُهَا فَنَفْسُ التَّأْخِيرِ يَسْقُطُ بِالْحَجِّ لَا هِيَ نَفْسُهَا فَلَوْ أَخَّرَهَا بَعْدَهُ تَجَدَّدَ إثْمٌ آخَرُ، فَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ يُسْقِطُ إثْمَ الْمُخَالَفَةِ لَا الْحُقُوقِ قَالَهُ فِي الْمَوَاهِبِ.

.(بَابُ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ الْفَوَاتُ):

مَصْدَرُ فَاتَهُ يَفُوتُهُ فَوَاتًا، وَفَوْتًا وَهُوَ (سَبَقٌ لَا يُدْرَكْ وَالْإِحْصَارُ) مَصْدَرُ أَحْصَرَهُ أَيْ: حَبَسَهُ فَهُوَ (الْحَبْسُ) أَيْ: الْمَنْعُ (مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ، وَلَوْ لِعُذْرٍ فَاتَهُ الْحَجُّ) فِي ذَلِكَ الْعَامِ، لِانْقِضَاءِ زَمَنِ الْوُقُوفِ لِقَوْلِ جَابِرٍ «لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ فَقُلْتُ لَهُ: أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَلِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى فَوَاتِ الْحَجِّ بِخُرُوجِ لَيْلَةِ جَمْعٍ.
(وَسَقَطَ عَنْهُ تَوَابِعُ الْوُقُوفِ، كَمَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى، وَرَمْيِ جِمَارٍ) كَفَوَاتِ مَتْبُوعِهَا كَمَنْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ بِالْجَبْهَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِغَيْرِهَا (وَانْقَلَبَ إحْرَامُهُ عُمْرَةً نَصًّا فَيَطُوفُ وَيَسْعَى، وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ) لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي أَيُّوبَ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ ثُمَّ قَدْ حَلَلْتَ، فَإِنْ أَدْرَكْتَ الْحَجَّ قَابِلًا فَحُجَّ، وَاهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ؛ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ فَوَاتٍ، فَمَعَ الْفَوَاتِ أَوْلَى (وَسَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ غَيْرَهُ)؛ لِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ لَا يَلْزَمُهُ أَفْعَالُهَا وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمْرَةٍ إذَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا.
وَمَحَلُّ انْقِلَابِ إحْرَامِهِ عُمْرَةً (إنْ لَمْ يَخْتَرْ الْبَقَاءَ عَلَى إحْرَامِهِ لِيَحُجَّ مِنْ قَابِلٍ) مِنْ غَيْرِ إحْرَامٍ مُتَجَدِّدٍ، فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ فَلَهُ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمَشَقَّةِ عَلَى نَفْسِهِ (وَلَا تُجْزِئُ) هَذِهِ الْعُمْرَةُ الَّتِي انْقَلَبَ إحْرَامُهُ إلَيْهَا (عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) نَصًّا لِوُجُوبِهَا كَمَنْذُورَةٍ (وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَوْ) كَانَ الْحَجُّ الْفَائِتُ (نَفْلًا) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ، وَلْيَتَحَلَّلْ بِعُمْرَةٍ وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَعُمُومُهُ شَامِلٌ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَكَذَا مَا سَبَقَ عَنْ عُمَرَ؛ وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، فَيَصِيرُ كَالْمَنْذُورِ، بِخِلَافِ سَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَجُّ مَرَّةٌ» فَالْمُرَادُ بِهِ: الْوَاجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَهَذَا إنَّمَا وَجَبَ بِإِيجَابِهِ لَهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، كَالْمَنْذُورِ.
وَأَمَّا الْمُحْصَرُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَمَحَلُّهُ: إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ: أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي فَإِنْ اشْتَرَطَ فَلَا قَضَاءَ (وَيَلْزَمَهُ) أَيْضًا (إنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ أَوَّلًا) أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي (هَدْيُ شَاةٍ أَوْ سُبُعُ بَدَنَةٍ) أَوْ سُبُعُ بَقَرَةٍ (مِنْ حِينَ الْفَوَاتِ سَاقُهُ) أَيْ: الْهَدْيَ (أَوَّلًا) نَصَّ عَلَيْهِ (يُؤَخِّرَهُ إلَى الْقَضَاءِ يَذْبَحَهُ فِيهِ)؛ لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَزِمَهُ كَالْمُحْصَرِ.
(فَإِنْ كَانَ الَّذِي فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا قَضَى قَارِنًا) أَيْ: لَزِمَهُ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِثْلُ مَا أَهَلَّ بِهِ أَوَّلًا نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ عَلَى حَسَبِ الْأَدَاءِ فِي صُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ قُلْتُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ النُّسُكَيْنِ لَا أَنْ يَكُونَ قَارِنًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي الْإِحْرَامِ قَالَ فِي الشَّرْحِ:: وَيَلْزَمُهُ دَمَانِ، لِقِرَانِهِ وَفَوَاتِهِ.
(فَإِنْ عَدِمَ الْهَدْيَ زَمَنَ الْوُجُوبِ) وَهُوَ وَقْتُ الْفَوَاتِ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ: ثَلَاثَةٌ فِي الْحَجِّ) أَيْ حَجِّ الْقَضَاءِ (وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ) أَيْ: فَرَغَ مِنْ حَجَّةِ الْقَضَاءِ كَتَمَتُّعٍ لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حَجَّ مِنْ الشَّامِ فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ حَسِبْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى الْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ سَبْعًا وَإِنْ كَانَ مَعَكَ هَدِيَّةٌ فَانْحَرْهَا ثُمَّ إذَا كَانَ قَابِلٌ فَاحْجُجْ فَإِنْ وَجَدْتَ سَعَةً فَاهْدِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْتَ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَالْمَكِّيُّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (ثُمَّ حَلَّ).
(وَالْعَبْدُ لَا يُهْدِي وَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ،؛ لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ وَلَوْ مَلَكَ غَيْرَ الْمُكَاتَبِ (وَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ بَدَلَ الْهَدْي وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا: كُلُّ دَمٍ لَزِمَهُ فِي الْإِحْرَامِ) لِفِعْلِ مَحْظُورٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَا يُجْزِئهُ عَنْهُ إلَّا الصِّيَامُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَإِذَا صَامَ) الْعَبْدُ (فَإِنَّهُ يَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ مِنْ قِيمَةِ الشَّاةِ يَوْمًا، حَيْثُ يَصُومُ الْحُرُّ ثُمَّ حَلَّ) ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: أَنَّهُ يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثَلَاثَةً فِي حَجَّةِ الْقَضَاءِ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ كَمَا قَدَّمَهُ فِي قَوْلِهِ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ بَدَلَ الْهَدْي وَقَوْلُهُ هُنَا وَفِيمَا تَقَدَّمَ: ثُمَّ حَلَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَصُومَ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْمُحْصَرِ بَلْ يَحْصُلُ التَّحَلُّلُ بِنَفْسِ إتْمَامِ النُّسُكِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الْحَجِّ، إذْ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ: ثُمَّ حَلَّ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ فِيمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ بَلْ فِي الْمُحْصَرِ.
(وَإِنْ أَخْطَأَ النَّاسُ فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) بِأَنْ وَقَفُوا الثَّامِنَ أَوْ الْعَاشِرَ (ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُمْ) نَصًّا لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَابِرِ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسُ فِيهِ».
وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهَلْ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا؟ فِيهِ خِلَافٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْهِلَالَ اسْمٌ لِمَا يَطْلُعُ فِي السَّمَاءِ أَوْ لِمَا يَرَاهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُونَهُ وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ قَالَ وَالثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ.
وَقَالَ نَعْلَمُ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا يُوَضِّحهُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَا خَطَأٌ وَصَوَابٌ لَاسْتُحِبَّ الْوُقُوفُ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا خَطَأَ وَقَالَ: فَلَوْ رَآهُ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَمْ يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ بَلْ الْوُقُوفُ مَعَ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ: وُقُوفُ مَرَّتَيْنِ إنْ وَقَفَ بَعْضُهُمْ، لَا سِيَّمَا مَنْ رَآهُ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ إنْ أَخْطَأَ أَوْ غَلَطَ فِي الْعَدَدِ أَوْ فِي الرُّؤْيَةِ أَوْ فِي الِاجْتِهَادِ مَعَ الْغَيْمِ أَجْزَأَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ (وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَاتَهُ الْحَجُّ) هَذِهِ عِبَارَةُ غَالِبِ الْأَصْحَابِ.
وَفِي الِانْتِصَارِ: وَإِنْ أَخْطَأَ عَدَدٌ يَسِيرٌ.
وَفِي الْكَافِي وَالْمُجَرَّدِ: إنْ أَخْطَأَ نَفَرٌ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقَالُ: إنَّ النَّفَرَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَإِنْ وَقَفَ النَّاسُ، أَوْ إلَّا يَسِيرًا الثَّامِنَ أَوْ الْعَاشِرَ خَطَأً أَجْزَأَهُمْ.
(وَمَنْ أَحَرَمَ فَحَصَرَهُ عَدُوٌّ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ عَنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ) أَيْ: الْحَرَمِ (بِالْبَلَدِ) مُتَعَلِّقٌ بِحَصَرَهُ (أَوْ الطَّرِيقِ، قَبْلَ الْوُقُوفِ، أَوْ بَعْدَهُ، أَوْ مُنِعَ) مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ (ظُلْمًا أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آمِنٌ إلَى الْحَجِّ) وَلَوْ بَعُدَتْ (وَفَاتَ) أَيْ: خَشِيَ فَوَاتَ (الْحَجِّ ذَبَحَ هَدْيًا شَاةً أَوْ سُبُعَ بَدَنَةٍ) أَوْ سُبُعَ بَقَرَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ أُحْصِرُوا فِي الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَنْحَرُوا وَيُحِلُّوا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَصْرِ الْحُدَيْبِيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ إتْمَامِ نُسُكِهِ، فَوَجَبَ الْهَدْيُ فِي صُورَةِ مَا لَوْ حُصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ، كَمَا لَوْ أُحْصِرَ قَبْلَهُ.
تَنْبِيهٌ إنَّمَا قَدَّرْتُ: وَلَوْ بَعُدَتْ، وَأَوَّلْتُ: فَاتَ بِخَشْيَةِ الْفَوَاتِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ إذْ فَوْتُ الْحَجِّ لَيْسَ شَرْطًا لِتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ كَمَا تَدُلَّ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَالْخَبَرُ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ وَيَكُونُ مَحَلُّ ذَبْحِ الْهَدْي (فِي مَوْضِعِ حَصْرِهِ حِلًّا، كَانَ أَوْ حَرَمًا) لِذَبْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَتَقَدَّمَ (وَيَنْوِي) الْمُحْصَرُ (بِهِ) أَيْ: بِذِبْحِ الْهَدْي (التَّحَلُّلَ وُجُوبًا) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ».
(وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ) وُجُوبًا قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ: عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ وَالْمُنْتَهَى لِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْآيَةِ؛ وَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَيْسَ بِنُسُكٍ خَارِجَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْوُقُوفِ كَالرَّمْيِ (ثُمَّ حَلَّ) مِنْ إحْرَامِهِ.
(فَإِنْ أَمْكَنَ الْمُحْصَرَ الْوُصُولُ) إلَى الْحَرَمِ (مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى) غَيْرَ الَّتِي أُحْصِرَ فِيهَا (لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّحَلُّلُ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَرَمِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ (وَلَزِمَهُ سُلُوكُهَا) لِيُتِمَّ نُسُكَهُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (بَعُدَتْ) الطَّرِيقُ (أَوْ قَرُبَتْ، خَشِيَ الْفَوَاتَ) أَيْ: فَوَاتَ الْحَجِّ (أَوْ لَمْ يَخْشَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) الْمُحْصَرُ هَدْيًا (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِالنِّيَّةِ) أَيْ: بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ (كَمُبْدَلِهِ) أَيْ: الصَّوْمِ وَهُوَ ذَبْحُ الْهَدْي فَإِنَّهُ يَذْبَحَهُ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ حَلَّ، وَلَا إطْعَامَ فِيهِ) أَيْ: الْإِحْصَارِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ.
وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَ إحْصَارِهِ قَوَّمَهُ طَعَامًا وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، وَحَلَّ، وَأَوْجَبَ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَصُومَ إنْ قَدَرَ فَإِنْ صَعُبَ عَلَيْهِ حَلَّ ثُمَّ صَامَ (بَلْ يَجِبُ مَعَ الْهَدْيِ) عَلَى الْمُحْصَرِ (حَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ) وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
(وَلَا فَرْقَ) فِيمَا تَقَدَّمَ (بَيْنَ الْحَصْرِ الْعَامِّ فِي كُلِّ الْحَاجِّ وَبَيْنَ) الْحَصْرِ (الْخَاصِّ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ مِثْلَ أَنْ يُحْبَسَ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ يَأْخُذَهُ اللُّصُوصُ) لِعُمُومِ النَّصِّ، وَوُجُودِ الْمَعْنَى فِي الْكُلِّ.
(وَمَنْ حُبِسَ بِحَقٍّ أَوْ دَيْنٍ حَالٍّ) وَهُوَ (قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ فَلَيْسَ لَهُ التَّحَلُّلُ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْذُورٍ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ أَدَائِهِ فَحُبِسَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُ التَّحَلُّلُ لِمَا مَرَّ.
(وَإِذَا كَانَ الْعَدُوّ الَّذِي حَصَرَ الْحَاجَّ مُسْلِمِينَ، جَازَ قِتَالُهُمْ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ.
(وَإِنْ أَمْكَنَ الِانْصِرَافُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ فَهُوَ أَوْلَى) لِصَوْنِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ (وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ لَمْ يَجِبْ قِتَالُهُمْ إلَّا إذَا بَدَءُوا بِالْقِتَالِ، أَوْ وَقَعَ النَّفِيرُ) مِمَّنْ لَهُ الِاسْتِنْفَارُ، فَيَتَعَيَّنُ إذَنْ لِمَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ (فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ الظَّفْرُ) بِالْمُشْرِكِينَ (اُسْتُحِبَّ قِتَالُهُمْ) حَيْثُ لَمْ يَجِبْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الدِّينِ.
(وَلَهُمْ) أَيْ: الْحَاجِّ (لُبْسُ مَا تَجِبُ فِيهِ الْفِدْيَةُ إنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ) فِي الْقِتَالِ (وَيَفْدُونَ) لِلُبْسِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَغْطِيَتِهِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَقْوَ عَلَى ظَنِّ الْمُسْلِمِينَ الظَّفْرُ (فَتَرْكُهُ) أَيْ: الْقِتَالِ (أَوْلَى) لِئَلَّا يَغُرُّوا بِالْمُسْلِمِينَ (فَإِنْ أَذِنَ الْعَدُوُّ لَهُمْ) أَيْ: لِلْحَاجِّ (فِي الْعُبُورِ فَلَمْ يَثِقُوا بِهِمْ فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ) وَالتَّحَلُّلُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنْ وَثَقُوا بِهِمْ، لَزِمَهُمْ الْمُضِيِّ عَلَى الْإِحْرَامِ) لِإِتْمَامِ النُّسُكِ إذْ لَا عُذْرَ لَهُمْ إذَنْ.
(وَإِنْ طَلَبَ الْعَدُوُّ خَفَارَةً عَلَى تَخْلِيَةِ الطَّرِيقِ) لِلْحَاجِّ وَكَانَ الْعَدُوُّ (مِمَّنْ لَا يُوثَقُ بِأَمَانِهِ) لِعَادَتِهِ بِالْغَدْرِ (لَمْ يَلْزَمْ بَذْلُهُ) أَيْ: الْمَالِ الْمَطْلُوبِ خَفَارَةً؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ مِنْ غَيْرِ وُصُولٍ لِلْمَقْصُودِ.
(وَإِنْ وَثَقَ) بِأَمَانِهِ (وَالْخَفَارَةُ كَثِيرَةٌ فَكَذَلِكَ) لَا يَجِبُ بَذْلُهَا لِلضَّرَرِ (بَلْ يُكْرَهُ بَذْلُهَا) أَيْ: الْخَفَارَةِ (إنْ كَانَ الْعَدُوُّ كَافِرًا) لِمَا فِيهِ مِنْ الذُّلِّ وَالْهَوَانِ، وَتَقْوِيَةِ الْكُفَّارِ.
(وَإِنْ كَانَتْ) الْخَفَارَةُ (يَسِيرَةً فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُ بَذْلِهِ) أَيْ: مَالِ الْخَفَارَةِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ يَسِيرٌ، كَمَاءِ الْوُضُوءِ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَجِبُ بَذْلُ خَفَارَةٍ بِحَالٍ، كَمَا فِي ابْتِدَاءِ الْحَجِّ لَا يَلْزَمُهُ إذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا آمِنًا مِنْ غَيْرِ خَفَارَةٍ وَفِي الْمُنْتَهَى، يُبَاحُ تَحَلُّلٌ لِحَاجَةِ قِتَالٍ أَوْ بَذْلِ مَالٍ لَا يَسِيرُ لِمُسْلِمٍ.
(وَلَوْ نَوَى) الْمُحْصَرُ (التَّحَلُّلَ قَبْلَ ذَبْحِ هَدْيٍ) إنْ وَجَدَهُ (أَوْ) قَبْلَ (صَوْمٍ) إنْ عَدِمَ الْهَدْيَ (وَرَفَضَ إحْرَامَهُ لَمْ يَحِلّ وَلَزِمَهُ دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ وَلِكُلِّ مَحْظُورٍ فِعْلُهُ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَهَكَذَا فِي الْمُقْنِعِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ دَمٌ لِذَلِكَ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ ا هـ وَسَبَقَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَأَيْضًا فِي بَابِ الْإِحْرَامِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِرَفْضِ إحْرَامِهِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ فَانْظُرْ هَلْ هُمَا مَسْأَلَتَانِ فَيُحْمَل التَّحَلُّلُ عَلَى لُبْسِ الْمَخِيطِ مَثَلًا، أَوْ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، تَنَاقَضَ التَّصْحِيحُ فِيهَا؟.
(وَلَا قَضَاءَ عَلَى مُحْصَرٍ إنْ كَانَ) حَجُّهُ (نَفْلًا) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَذَكَر فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ وَقَيَّدَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُنْتَهَى بِمَا إذَا تَحَلَّلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْحَجِّ وَمَفْهُومِهَا: أَنَّهُ لَوْ تَحَلَّلَ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَجِّ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ، وَهُوَ إحْدَى رِوَايَتَيْنِ أَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنْ زَالَ الْحَصْرُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ وَأَمْكَنَهُ فِعْلُ الْحَجِّ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَزِمَهُ فِعْلُهُ.
(وَمَنْ أُحْصِرَ عَنْ وَاجِبٍ) كَرَمْيِ الْجِمَارِ (لَمْ يَتَحَلَّلْ وَعَلَيْهِ لَهُ) أَيْ: لِتَرْكِهِ ذَلِكَ الْوَاجِبَ (دَمٌ) كَمَا لَوْ تَرَكَهُ اخْتِيَارًا (وَحَجُّهُ صَحِيحٌ) لِتَمَامِ أَرْكَانِهِ.
(وَإِنْ صُدَّ) الْمُحْرِمُ (عَنْ عَرَفَةَ دُونَ الْبَيْتِ) أَيْ: الْحَرَمِ (تَحَلَّلَ بِ) أَفْعَالِ (عُمْرَةٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ قَلْبَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مُبَاحٌ بِلَا حَصْرٍ فَمَعَهُ أَوْلَى فَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ وَسَعَى لِلْقُدُومِ، ثُمَّ أُحْصِرَ، أَوْ مَرِضَ، أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ آخَرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يُقْصَدْ بِهِمَا طَوَافُ الْعُمْرَةِ وَلَا سَعْيِهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَمَنْ أُحْصِرَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ، وَقَدْ رَمَى وَحَلَقَ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى يَطُوفَ.
(وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ) أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ (لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ، وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ، حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِالْإِحْلَالِ الِانْتِقَالَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ خَيْرٍ مِنْهَا، وَلَا التَّخَلُّصَ مِنْ الْأَذَى الَّذِي بِهِ بِخِلَافِ حَصْرِ الْعَدُوِّ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ: إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ فَقَالَ: حُجِّي وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» فَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ مَا احْتَاجَتْ إلَى شَرْطٍ لِحَدِيثِ «مَنْ كَسَرَ أَوْ عَرَجَ فَقَدْ حَلَّ» مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْكَسْرَ وَالْعَرَجَ لَا يَصِيرُ بِهِ حَلَالًا فَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ يُبِيحُ لَهُ التَّحَلُّلَ؛ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَ الْحِلَّ عَلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ: ابْنُ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ وَمَذْهَبُهُ بِخِلَافِهِ.
(وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ وُقُوفِهِ (تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ (كَغَيْرِ الْمَرَضِ) أَيْ: كَمَا لَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ لِغَيْرِ مَرَضٍ.
(وَلَا يَنْحَرُ) مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ (هَدْيًا مَعَهُ إلَّا بِالْحَرَمِ فَيَبْعَثَ بِهِ) أَيْ: الْهَدْيَ (لِيُذْبَحَ فِيهِ) أَيْ: الْحَرَمِ بِخِلَافِ مَنْ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا وَمِثْلُ الْمَرِيضِ: مَنْ ضَلَّ الطَّرِيقَ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَمِثْلَهُ أَيْضًا: حَائِضٌ تَعَذَّرَ مُقَامُهَا، أَوْ رَجَعَتْ وَلَمْ تَطُفْ، لِجَهْلِهَا بِوُجُوبِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ، أَوْ لِعَجْزِهَا عَنْهُ، أَوْ لِذَهَابِ الرُّفْقَةِ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (وَالْحُكْمُ فِي الْقَضَاءِ وَالْهَدْيِ كَمَا تَقَدَّمَ) تَفْصِيلُهُ.
(وَيَقْضِي عَبْدٌ) مُكَلَّفٌ حَيْثُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ بِأَنْ كَانَ نَذْرًا أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ (فِي رِقِّهِ كَحُرٍّ)؛ لِأَنَّهُ أَهْلٌ لِأَدَاءِ الْوَاجِبِ (وَصَغِيرٌ) فِي فَوَاتٍ وَإِحْصَارٍ (كَبَالِغٍ وَلَا يَصِحُّ) قَضَاؤُهُ حَيْثُ وَجَبَ (إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ) كَمَا لَوْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ بِالْوَطْءِ.
(وَلَوْ أُحْصِرَ فِي حَجٍّ فَاسِدٍ فَلَهُ التَّحَلُّلُ) مِنْهُ بِذَبْحِ الْهَدْيِ إنْ وَجَدَهُ أَوْ الصَّوْمُ إنْ عَدِمَهُ كَالصَّحِيحِ (فَإِنْ حَلَّ) مِنْ الْحَجِّ الْفَاسِدِ (ثُمَّ زَالَ الْحَصْرُ وَفِي الْوَقْتِ سَعَةٌ) لِلْقَضَاءِ (فَلَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي ذَلِكَ الْعَامِ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: يَجِبُ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَإِنَّمَا قَالُوهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْعِ وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الَّذِي أَفْسَدَ فِيهِ الْحَجَّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَجَمَاعَةٌ وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحَلَقَ فِي نِصْفِ اللَّيْلِ الثَّانِي أَنْ يُحْرِمَ بِحَجَّةٍ أُخْرَى وَيَقِفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ لِأَنَّ رَمْيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَمَلٌ وَاجِبٌ بِالْإِحْرَامِ السَّابِقِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ بَقَائِهِ أَنْ يُحْرِمَ بِغَيْرِهِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ الْقَاضِي وَسَلِمَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حِجَّتَيْنِ فِي عَامٍ.
(وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ أَنْ يَحِلَّ مَتَى مَرِضَ، أَوْ ضَاعَتْ نَفَقَتُهُ، أَوْ نَفِدَتْ وَنَحْوه) كَمَتَى ضَلَّ الطَّرِيقَ (أَوْ قَالَ: إنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ) لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ السَّابِقِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّ لَكِ عَلَى رَبِّكِ مَا اشْتَرَطْتِ»؛ وَلِأَنَّ لِلشَّرْطِ تَأْثِيرًا فِي الْعِبَادَاتِ بِدَلِيلِ: إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي صُمْتُ شَهْرًا وَنَحْوَهُ.
(وَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَا صَوْمٌ وَلَا قَضَاءٌ وَلَا غَيْرُهُ) لِظَاهِرِ حَدِيثِ ضُبَاعَةَ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا شَرَطَ شَرْطًا كَانَ إحْرَامُهُ الَّذِي فَعَلَهُ إلَى حِينِ وُجُودِ الشَّرْطِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكْمَلَ أَفْعَالَ الْحَجِّ (وَلَهُ الْبَقَاءُ عَلَى إحْرَامِهِ) حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ وَيُتِمَّ نُسُكَهُ (فَإِنْ قَالَ إنْ مَرِضْتُ وَنَحْوَهُ، فَأَنَا حَلَالٌ فَمَتَى وُجِدَ الشَّرْطُ حَلَّ بِوُجُودِهِ)؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ صَحِيحٌ فَكَانَ عَلَى مَا شَرَطَ.