فصل: فَصْلٌ: تعيين الهدي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: تعيين الهدي:

(وَيَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ بِقَوْلِهِ: هَذَا هَدْيٌ)؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ يَقْتَضِي الْإِيجَابَ، لِوَضْعِهِ لَهُ شَرْعًا فَوَجَبَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ (أَوْ بِتَقْلِيدِهِ) أَيْ: وَيَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ أَيْضًا بِتَقْلِيدِهِ مَعَ النِّيَّةِ (أَوْ إشْعَارِهِ مَعَ النِّيَّةِ) أَيْ: نِيَّةِ الْهَدْيِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مَعَ النِّيَّةِ يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ إذَا كَانَ الْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ، كَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ وَ(لَا) يَتَعَيَّنُ الْهَدْيُ (بِشِرَائِهِ وَلَا بِسَوْقِهِ مَعَ النِّيَّةِ فِيهِمَا)؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَالسَّوْقَ لَا يَخْتَصَّانِ بِالْهَدْيِ وَالتَّعْيِينُ إزَالَةُ مِلْكٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ النِّيَّةُ الْمُقَارِنَةُ لَهُمَا كَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ، لَا يُحَصَّلَانِ بِالنِّيَّةِ حَالَ الشِّرَاءِ، وَكَإِخْرَاجِهِ مَالًا لِلصَّدَقَةِ بِهِ.
(وَ) تَتَعَيَّنُ (الْأُضْحِيَّةُ بِقَوْلِهِ: هَذِهِ أُضْحِيَّةٌ) فَتَصِيرُ وَاجِبَةً بِذَلِكَ، كَمَا يُعْتَقُ الْعَبْدُ بِقَوْلِ سَيِّدِهِ: هَذَا حُرٌّ لِوَضْعِ هَذِهِ الصِّيغَةِ لِذَلِكَ شَرْعًا (أَوْ لِلَّهِ، فِيهِمَا) أَيْ: يَتَعَيَّنُ كُلٌّ مِنْ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ بِقَوْلِهِ: هَذِهِ لِلَّهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيَغَ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْإِنْشَاءُ كَصِيَغِ الْعُقُودِ (وَنَحْوِهِ) أَيْ: نَحْوِ: هَذِهِ لِلَّهِ (مِنْ أَلْفَاظِ النَّذْرِ) كَقَوْلِهِ: هَذِهِ صَدَقَةٌ قَالَ فِي الْمُوجَزِ وَالتَّبْصِرَةِ: إذَا أَوْجَبَهَا بِلَفْظِ الذَّبْحِ نَحْوُ: لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُهَا لَزِمَهُ تَفْرِيقُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ ذَبْحُ هَذِهِ الشَّاةِ ثُمَّ أَتْلَفَهَا ضَمِنَهَا لِبَقَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا.
(وَلَوْ أَوْجَبَهَا نَاقِصَةً نَقْصًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ) كَالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءِ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا (لَزِمَهُ ذَبْحُهَا) كَمَا لَوْ نَذَرَهُ (وَلَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ.
(وَلَكِنْ يُثَابُ عَلَى مَا يَتَصَدَّقُ بِهِ مِنْهَا) لَحْمًا مَنْذُورًا، لَا أُضْحِيَّةً قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَإِنْ حَدَثَ بِهَا- أَيْ: بِالْمُعَيَّنَةِ أُضْحِيَّةً عَيْبٌ كَالْعَمَى وَالْعَرَجِ وَنَحْوِهِ أَجْزَأَهُ ذَبْحُهَا، وَكَانَتْ أُضْحِيَّةً (فَإِنْ زَالَ عَيْبُهَا الْمَانِعُ مِنْ الْإِجْزَاءِ كَبُرْءِ الْمَرِيضَةِ، وَ) بُرْءِ (الْعَرْجَاءِ وَزَوَالِ الْهُزَالِ أَجْزَأَتْ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ (وَإِذَا تَعَيَّنَا) أَيْ: الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ (لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ) عَنْهُمَا كَالْعَبْدِ الْمَنْذُورِ عِتْقُهُ، وَالْمَالِ الْمَنْذُورِ الصَّدَقَةُ بِهِ.
(وَجَازَ لَهُ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِمَا) أَيْ: فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَيْنِ (بِإِبْدَالٍ وَغَيْرِهِ وَشِرَاءِ خَيْرٍ مِنْهُمَا) بِأَنْ يَبِيعَهُمَا بِخَيْرٍ مِنْهُمَا، أَوْ بِنَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ خَيْرًا مِنْهُمَا نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مَعَ نَفْعِ الْفُقَرَاءِ بِالزِّيَادَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاقَ فِي حَجَّتِهِ مِائَةَ بَدَنَةٍ وَقَدِمَ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ فَأَشْرَكَهُ فِي بُدْنِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشْرَكَ عَلِيًّا فِيهَا قَبْلَ إيجَابِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَشْرَكَهُ فِيهَا، بِمَعْنَى أَنَّ عَلِيًّا جَاءَ بِبُدْنٍ، فَاشْتَرَكَا فِي الْجَمِيعِ، فَكَانَ بِمَعْنَى الْإِبْدَالِ لَا بِمَعْنَى الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَشْرَكَهُ فِي ثَوَابِهَا وَأَجْرِهَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَ) جَازَ (إبْدَالُ لَحْمِ) مَا تَعَيَّنَ مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ (بِخَيْرٍ مِنْهُ) لِنَفْعِ الْفُقَرَاءِ، وَ(لَا) يَجُوزُ إبْدَالُ مَا تَعَيَّنَ مِنْ هَدْيٍ أَوْ ضَحِيَّةٍ أَوْ لَحْمِهَا (بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَلَا) بِمَا (دُونَهُ) إذْ لَا حَظَّ فِي ذَلِكَ لِلْفُقَرَاءِ.
(وَإِنْ) اشْتَرَى أُضْحِيَّةً أَوْ هَدْيًا وَعَيَّنَهَا لِذَلِكَ، ثُمَّ (عَلِمَ عَيْبَهَا بَعْدَ التَّعْيِين مَلَكَ الرَّدَّ) وَاسْتِرْجَاعَ الثَّمَنِ قُلْت: وَيَشْتَرِي بِهِ بَدَلَهَا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي.
(وَإِنْ أَخَذَ الْأَرْشَ فَكَفَاضِلٍ عَنْ الْقِيمَةِ عَلَى مَا يَأْتِي)، فَيَشْتَرِي بِهِ شَاةً أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ، أَوْ بِلَحْمٍ يُشْتَرَى بِهِ.
(وَإِنْ) اشْتَرَى أُضْحِيَّةً أَوْ هَدْيًا وَعَيَّنَهَا ثُمَّ (بَانَتْ مُسْتَحَقَّةً بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ التَّعْيِينِ (لَزِمَهُ بَدَلُهَا) نَصًّا نَقَلَهُ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ كَأَرْشٍ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ بَانَتْ مُسْتَحَقَّةً قَبْلَ التَّعْيِينِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْيِينِ إذَنْ.
(وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ تَعْيِينِهَا) أَيْ: الْأُضْحِيَّةِ أَوْ الْهَدْيِ (لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا فِي دَيْنِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) وَفَاءٌ (إلَّا مِنْهَا) لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِهَا وَتَعَيَّنَ ذَبْحُهَا، وَكَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا (وَلَزِمَ الْوَرَثَةَ ذَبْحُهَا، وَيَقُومُونَ مَقَامَهُ فِي الْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ) كَسَائِرِ الْحُقُوقِ لَهُ وَعَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَتْلَفَهَا مُتْلِفٌ) رَبُّهَا أَوْ غَيْرُهُ (وَأُخِذَتْ مِنْهُ الْقِيمَةُ، أَوْ بَاعَهَا مَنْ أَوْجَبَهَا ثُمَّ اشْتَرَى بِالْقِيمَةِ) فِي الْأُولَى (أَوْ) اشْتَرَى (بِالثَّمَنِ) فِي الثَّانِيَةِ (مِثْلَهَا صَارَتْ) الْمُشْتَرَاةُ (مُعَيَّنَةً بِنَفْسِ الشِّرَاءِ) كَبَدَلِ رَهْنٍ أَوْ وَقْفٍ أُتْلِفَ وَنَحْوِهِ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ مُبْدَلِهِ.
(وَلَهُ) أَيْ: لِمَنْ عَيَّنَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً (الرُّكُوبُ لِحَاجَةٍ فَقَطْ بِلَا ضَرَرٍ) قَالَ أَحْمَدُ لَا يَرْكَبُهَا إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ، إذَا أُلْجِئْت إلَيْهَا، حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَسَاكِينِ فَلَمْ يَجُزْ رُكُوبُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَمِلْكِهِمْ فَإِنْ تَضَرَّرَتْ بِرُكُوبِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ (وَيَضْمَنُ نَقْصَهَا) الْحَاصِلَ بِرُكُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ غَيْرِهِ.
(وَإِنْ وَلَدَتْ) الَّتِي عُيِّنَتْ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً ابْتِدَاءً أَوْ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ (ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا) سَوَاءٌ (عَيَّنَهَا حَامِلًا أَوْ حَدَثَ) الْحَمْلُ (بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَسَاكِينِ الْوَلَدَ حُكْمٌ ثَبَتَ بِطَرِيقِ السِّرَايَةِ مِنْ الْأُمِّ، فَيَثْبُتُ لِلْوَلَدِ مَا يَثْبُتُ لِأُمِّهِ كَوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ (إنْ أَمْكَنَ حَمْلُهُ) أَيْ: الْوَلَدِ عَلَى ظَهْرِهَا، أَوْ ظَهْرِ غَيْرِهَا (أَوْ) أَمْكَنَ (سَوْقُهُ إلَى مَحِلِّهِ) أَيْ: مَحِلِّ ذَبْحِ الْهَدْيِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْفِدْيَةِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُ الْوَلَدِ وَلَا سَوْقُهُ إلَى مَحِلِّهِ (فَكَهَدْيٍ عَطِبَ) عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ وَكَذَا وَلَدُ مُعَيَّنَةٍ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا.
(وَلَا يُشْرَبُ مِنْ لَبَنِهَا) أَيْ: لَبَنِ الْمُعَيَّنَةِ أُضْحِيَّةً أَوْ هَدْيًا (إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا)، فَيَجُوزُ شُرْبُهُ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ «لَا يَحْلُبُهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ تَيْسِيرِ وَلَدِهَا»؛ وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ لَا يَضُرُّ بِهَا وَلَا بِوَلَدِهَا، وَالصَّدَقَةُ بِهِ أَفْضَلُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (فَإِنْ خَالَفَ) وَشَرِبَ مَا يَضُرُّ بِوَلَدِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَلْبُ يَضُرُّ بِهَا أَوْ يُنْقِصُ لَحْمَهَا (وَضَمِنَهُ) أَيْ: اللَّبَنَ الْمَأْخُوذَ إذَنْ لِتَعَدِّيهِ بِأَخْذِهِ.
(وَيُجَزُّ صُوفُهَا وَوَبَرُهَا وَشَعْرُهَا لِمَصْلَحَةٍ) كَمَا لَوْ كَانَتْ تُسَمَّنُ بِهِ (وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، كَلَبَنِهَا أَوْ يَتَصَدَّقَ بِهِ) قَالَ الْقَاضِي لَهُ الصَّدَقَةُ بِالشَّعْرِ، وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَذَكَرَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ أَنَّ اللَّبَنَ وَالصُّوفَ لَا يَدْخُلَانِ فِي الْإِيجَابِ وَلَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِمَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِالْهَدْيِ، وَكَذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي اللَّبَنِ.
(وَإِنْ كَانَ بَقَاؤُهُ) أَيْ: الصُّوفِ أَوْ الْوَبَرِ أَوْ الشَّعْرِ (أَنْفَعَ لَهَا، لِكَوْنِهِ يَقِيهَا الْحَرَّ وَالْبَرْدَ لَمْ يَجُزْ جَزُّهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ بَعْضِ أَعْضَائِهَا) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهَا (وَلَا يُعْطِي الْجَزَّارَ شَيْئًا مِنْهَا أُجْرَةً) لِلْخَبَرِ؛ وَلِأَنَّهُ بَيْعٌ لِبَعْضِ لَحْمِهَا وَلَا يَصِحُّ (بَلْ) يُعْطِيهِ مِنْهَا (هَدِيَّةً وَصَدَقَةً)؛ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِ، بَلْ هُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَهَا وَتَاقَتْ نَفْسُهُ إلَيْهَا.
(وَلَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِلْدِهَا وَجِلِّهَا) قَالَ فِي الشَّرْحِ: لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِجُلُودِهَا وَجِلَالِهَا؛ لِأَنَّ الْجِلْدَ جُزْءٌ مِنْهَا فَجَازَ لِلْمُضَحِّي الِانْتِفَاعُ كَاللَّحْمِ وَكَانَ عَلْقَمَةُ وَمَسْرُوقٌ يَدْبُغَانِ جِلْدَ أُضْحِيَّتِهِمَا وَيُصَلِّيَانِ عَلَيْهِ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ كَانُوا يَنْتَفِعُونَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ يَجْمُلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ، وَيَتَّخِذُونَ مِنْهَا الْأَسْقِيَةَ، قَالَ وَمَا ذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَهَيْت عَنْ إمْسَاكِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ: إنَّمَا نَهَيْتُكُمْ لِلدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَتَزَوَّدُوا وَتَصَدَّقُوا» حَدِيثٌ صَحِيحٌ؛ وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِهِ فَجَازَ كَلَحْمِهَا (أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِمَا) أَيْ: بِالْجِلْدِ وَالْجِلِّ.
(وَيَحْرُمُ بَيْعُهُمَا) أَيْ: بَيْعِ الْجِلْدِ وَالْجِلِّ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ «أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أَقْسِمَ جُلُودَهَا وَجِلِّهَا، وَأَنْ لَا أُعْطِيَ الْجَازِرَ مِنْهَا شَيْئًا وَقَالَ: نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدَنَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَ) يَحْرُمُ (بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا) أَيْ: الذَّبِيحَةِ، هَدْيًا كَانَتْ أَوْ أُضْحِيَّةً (وَلَوْ كَانَتْ تَطَوُّعًا؛ لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ بِالذَّبْحِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ «وَلَا تَبِيعُوا لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ وَالْهَدْيِ، وَتَصَدَّقُوا وَاسْتَمْتِعُوا بِجُلُودِهَا» قَالَ الْمَيْمُونِيُّ: قَالُوا لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَجُلُودُ الْأُضْحِيَّةِ نُعْطِيهَا السَّلَّاخَ؟ قَالَ: لَا، وَحَكَى قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا تُعْطِ فِي جِزَارَتِهَا شَيْئًا مِنْهَا» قَالَ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
(وَإِنْ عَيَّنَ أُضْحِيَّةً أَوْ هَدْيًا فَسُرِقَ بَعْدَ الذَّبْحِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ عَيَّنَهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ، وَلَوْ) كَانَ وُجُوبُهُ فِي الذِّمَّةِ (بِالنَّذْرِ) بِأَنَّهُ نَذَرَ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً ثُمَّ عَيَّنَ عَنْهُ مَا يُجْزِئُ، ثُمَّ ذَبَحَهُ فَسُرِقَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَتَعَدَّ، وَلَمْ يُفَرِّطْ فَلَمْ يَضْمَنْ كَالْوَدِيعَةِ.
(وَإِنْ تَلِفَتْ) الْمُعَيَّنَةُ هَدْيًا كَانَتْ أَوْ أُضْحِيَّةً (أُضْحِيَّةً وَلَوْ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ سُرِقَتْ أَوْ ضَلَّتْ قَبْلَهُ) أَيْ: الذَّبْحِ (فَلَا بَدَلَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
(وَإِنْ عَيَّنَ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ) مَا يُجْزِئُ فِيهِ كَالْمُتَمَتِّعِ يُعَيِّنُ دَمَ التَّمَتُّعِ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَدَنَةً أَوْ عَيَّنَ هَدْيًا بِنَذْرِهِ فِي ذِمَّتِهِ (وَتَعَيَّبَ) مَا عَيَّنَهُ عَنْ ذَلِكَ (أَوْ تَلِفَ أَوْ ضَلَّ، أَوْ عَطِبَ أَوْ سُرِقَ وَنَحْوُهُ) كَمَا لَوْ غُصِبَ (لَمْ يُجْزِئْهُ)؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمْ تَبْرَأْ مِنْ الْوَاجِبِ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ عَنْهُ كَالدَّيْنِ يَضْمَنُهُ ضَامِنٌ، أَوْ يَرْهَنُ بِهِ رَهْنًا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ الْحَقُّ بِالضَّامِنِ وَالرَّهْنِ مَعَ بَقَائِهِ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ؟ مَتَى تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الضَّامِنِ، أَوْ تَلِفَ الرَّهْنُ، بَقِيَ الْحَقُّ فِي الذِّمَّةِ بِحَالِهِ.
(وَلَزِمَهُ بَدَلُهُ) أَيْ: بَدَلِ مَا تَعَيَّبَ وَتَلِفَ أَوْ ضَلَّ أَوْ عَطِبَ أَوْ سُرِقَ وَنَحْوُهُ إذَا كَانَ عَيَّنَهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ (وَيَكُونُ أَفْضَلَ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ إنْ كَانَ تَلَفُهُ بِتَفْرِيطِهِ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِنْصَافِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى.
قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: ظَاهِرُهُ مُشْكِلٌ وَمَعْنَاهُ: إذَا عَيَّنَ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ أَزْيَدَ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ، ثُمَّ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُ الَّذِي تَلِفَ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَعَلَّقَ بِمَا عَيَّنَهُ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ أَزْيَدُ،
فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ، وَهُوَ أَزْيَدُ مِمَّا فِي الذِّمَّةِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ ضَحَّى اثْنَانِ كُلٌّ بِأُضْحِيَّةِ الْآخَرِ عَنْ نَفْسِهِ غَلَطًا كَفَتْهُمَا وَلَا ضَمَانَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ ضَمَانُهُمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ فِي اثْنَيْنِ ضَحَّى هَذَا بِأُضْحِيَّةِ هَذَا: يَتَرَادَّانِ اللَّحْمَ، إنْ كَانَ مَوْجُودًا، وَيُجْزِئُ وَلَوْ فَرَّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا لَحْمَ مَا ذَبَحَهُ أَجْزَأَ لِإِذْنِ الشَّرْعِ فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ ذَبَحَهَا) أَيْ: الْمُعَيَّنَةَ هَدْيًا أَوْ ضَحِيَّةً (ذَابِحٌ فِي وَقْتِهَا بِغَيْرِ إذْنِ) رَبِّهَا أَوْ وَلِيِّهِ.
(وَنَوَاهَا عَنْ رَبِّهَا أَوْ أَطْلَقَ أَجْزَأَتْ) عَنْ رَبِّهَا (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الذَّابِحِ)؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ فِعْلٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، فَإِذَا فَعَلَهُ غَيْرُ صَاحِبِهِ أَجْزَأَ عَنْ صَاحِبِهِ كَغَسْلِ ثَوْبِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ؛ وَلِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا بِذَبْحِهَا فِي وَقْتِهَا فَلَمْ يَضْمَنْ ذَابِحُهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا؛ وَلِأَنَّ الذَّبْحَ إرَاقَةُ دَمٍ تَعَيَّنَ إرَاقَتُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَضْمَنْ مُرِيقُهُ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ.
(وَإِنْ نَوَاهَا) أَيْ: نَوَى الذَّابِحُ الْأُضْحِيَّةَ (عَنْ نَفْسِهِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ لَمْ تُجْزِ مَالِكُهَا) سَوَاءٌ فَرَّقَ الذَّابِحُ اللَّحْمَ أَوْ لَا، وَيَضْمَنُ الذَّابِحُ قِيمَتَهَا إنْ فَرَّقَ لَحْمَهَا، وَأَرْشُ الذَّبْحِ إنْ لَمْ يُفَرِّقْهُ لِغَصْبِهِ وَاسْتِيلَائِهِ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ وَإِتْلَافِهِ أَوْ تَنْقِيصِهِ عُدْوَانًا.
(وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ ذَبَحَهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أُضْحِيَّةُ الْغَيْرِ، لِاشْتِبَاهِهَا عَلَيْهِ مَثَلًا (أَجْزَأَتْ عَنْ رَبِّهَا إنْ لَمْ يُفَرِّقْ الذَّابِحُ لَحْمَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الذَّبْحَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ كَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنْ فَرَّقَ اللَّحْمَ إذَنْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَغَيْرُهُ.
(وَإِنْ أَتْلَفَهَا) أَيْ: الْمُعَيَّنَةَ مِنْ هَدْيِ أَوْ أُضْحِيَّةِ (صَاحِبِهَا ضَمِنَهَا بِقِيمَتِهَا يَوْمَ التَّلَفِ) فِي مَحِلِّهِ، كَسَائِرِ الْمُتَقَوِّمَاتِ (تُصْرَفُ فِي مِثْلِهَا كَإِتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ) غَيْرِ مَالِكهَا لَهَا لِبَقَاءِ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا وَهُمْ الْفُقَرَاءُ، بِخِلَافِ قِنٍّ نُذِرَ عِتْقُهُ، فَلَا يَلْزَمُ صَرْفُ قِيمَتِهِ فِي مِثْلِهِ إذَا تَلِفَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ وَهُوَ حَقٌّ لِلرَّقِيقِ الْمَيِّتِ.
(وَإِنْ فَضَلَ مِنْ الْقِيمَةِ) أَيْ: قِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوْ الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ (شَيْءٌ عَنْ شِرَاءِ الْمِثْلِ) لِنَحْوِ رُخْصٍ عَوَّضَ (اشْتَرَى بِهِ شَاةً إنْ اتَّسَعَ) لِذَلِكَ، أَوْ سُبْعَ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ، لِمَا فِيهِ مِنْ إرَاقَةِ الدَّمِ الْمَقْصُودِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لِشَاةٍ أَوْ شِرْكٍ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ (اشْتَرَى بِهِ لَحْمًا فَتَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ) لِفَوَاتِ إرَاقَةِ الدَّمِ.
(وَإِنْ فَقَأَ عَيْنَهُ) أَيْ: الْحَيَوَانِ الْمُعَيَّنِ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً مَالِكُهُ أَوْ غَيْرُهُ (تَصَدَّقَ بِالْأَرْشِ) أَوْ بِلَحْمٍ يَشْتَرِيهِ إنْ لَمْ يَتَّسِعْ لِشَاةٍ أَوْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ.
(وَإِنْ عَطِبَ فِي الطَّرِيقِ قَبْلَ مَحِلِّهِ، أَوْ) عَطِبَ (فِي الْحَرَمِ هَدْيُ وَاجِبٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ بِأَنْ يَنْوِيَهُ هَدْيًا، وَلَا يُوجِبُهُ بِلِسَانِهِ، وَلَا بِتَقْلِيدِهِ وَإِشْعَارِهِ وَتَدُومُ نِيَّتُهُ فِيهِ قَبْلَ ذَبْحِهِ، أَوْ عَجَزَ) الْهَدْيُ (عَنْ الْمَشْيِ) إلَى مَحِلِّهِ (لَزِمَهُ نَحْرُهُ) أَيْ: تَذْكِيَةُ الْهَدْيِ (مَوْضِعَهُ مُجْزِئًا وَصَبَغَ نَعْلَهُ) أَيْ: نَعْلَ الْهَدْيِ (الَّتِي فِي عُنُقِهِ فِي دَمِهِ، وَضَرَبَ) بِهِ (صَفْحَتَهُ لِيَعْرِفَهُ الْفُقَرَاءُ، فَيَأْخُذُوهُ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَعَلَى خَاصَّةِ رُفْقَتِهِ، وَلَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ: الْأَكْلُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْهَدْيِ الْعَاطِبِ (مَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ذُؤَيْبًا أَبَا قَبِيصَةَ حَدَّثَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ، ثُمَّ يَقُولُ: إنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيت عَلَيْهَا فَانْحَرْهَا، ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا لَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ «يُخَلِّيهَا وَالنَّاسَ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ.
وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ رُفْقَتِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُشْفِقُ عَلَى رُفْقَتِهِ وَيُحِبُّ التَّوْسِعَةَ عَلَيْهِمْ وَرُبَّمَا وَسَّعَ عَلَيْهِمْ مِنْ مُؤْنَتِهِ وَإِنَّمَا مُنِعَ السَّائِقُ وَرُفْقَتُهُ الْأَكْلَ مِنْهُ لِئَلَّا يُقَصِّرَ فِي حِفْظِهِ لِيُعْطِبَهُ، لِيَأْكُلَ هُوَ وَرُفْقَتُهُ مِنْهُ فَتَلْحَقُهُ التُّهْمَةُ لِنَفْسِهِ وَرُفْقَتِهِ (فَإِنْ أَكَلَ) السَّائِقُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْهَدْيِ الْعَاطِبِ (أَوْ بَاعَ) مِنْهُ لِأَحَدٍ (أَوْ أَطْعَمَ غَنِيًّا، أَوْ) أَطْعَمَ (رُفْقَتَهُ ضَمِنَهُ) لِتَعَدِّيهِ (بِمِثْلِهِ لَحْمًا)؛ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ.
(وَإِنْ أَتْلَفَهُ) أَيْ: الْهَدْيَ (أَوْ تَلِفَ) الْهَدْيُ (بِتَفْرِيطِهِ) أَوْ تَعَدِّيهِ (أَوْ خَافَ عَطَبَهُ فَلَمْ يَنْحَرْهُ حَتَّى هَلَكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ) كَسَائِرِ الْوَدَائِعِ إذَا فَرَّطَ فِيهَا أَوْ تَعَدَّى (يُوصِلُهُ) أَيْ: بَدَلَ الْهَدْيِ (إلَى فُقَرَاءِ الْحَرَمِ)؛ لِأَنَّهُمْ مُسْتَحِقُّوهُ.
(وَإِنْ فَسَخَ فِي التَّطَوُّعِ نِيَّتَهُ قَبْلَ ذَبْحِهِ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ) مِنْ بَيْعٍ وَأَكْلٍ وَإِطْعَامٍ لِرُفْقَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ (وَإِنْ سَاقَهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ) لِتَمَتُّعٍ أَوْ فِعْلِ مَحْذُورٍ وَنَحْوِهِ (وَلَمْ يُعَيِّنْهُ بِقَوْلِهِ): هَذَا هَدْيٌ وَنَحْوِهِ: (لَمْ يَتَعَيَّنْ) بِالسَّوْقِ مَعَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ السَّوْقَ لَا يَخْتَصُّ بِالْهَدْيِ وَالنِّيَّةُ وَحْدَهَا ضَعِيفَةٌ، لَا يَحْصُلُ التَّعْيِينُ بِهَا (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ) مِنْ بَيْعٍ وَأَكْلٍ وَغَيْرِهِ (فَإِنْ بَلَغَ) الْهَدْيَ الَّذِي سَاقَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْوَاجِبِ (مَحِلَّهُ سَالِمًا فَنَحَرَهُ) فِي مَحِلِّهِ (أَجْزَأَ عَمَّا عَيَّنَهُ عَنْهُ) لِصَلَاحِيَّتِهِ لِذَلِكَ وَعَدَمِ الْمَانِعِ.
(وَإِنْ عَطِبَ) مَا سَاقَهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي ذِمَّتِهِ (دُونَ مَحِلِّهِ صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ) مِنْ أَكْلٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَحْمٌ (وَعَلَيْهِ إخْرَاجُ مَا فِي ذِمَّتِهِ) فِي مَحِلِّهِ لِعَدَمِ سُقُوطِهِ.
(وَإِنْ تَعَيَّبَ هُوَ) أَيْ: الْهَدْيُ (أَوْ) تَعَيَّبَتْ (أُضْحِيَّةٌ بِغَيْرِ فِعْلِهِ ذَبَحَهُ) أَيْ: مَا ذُكِرَ مِنْ الْهَدْيِ أَوْ الْأُضْحِيَّةِ (وَأَجْزَأَهُ إنْ كَانَ وَاجِبًا بِنَفْسِ التَّعْيِينِ) بِأَنْ قَالَ ابْتِدَاءً: هَذَا هَدْيٌ أَوْ أُضْحِيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ عَنْ شَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ قَالَ «ابْتَعْنَا كَبْشًا نُضَحِّي بِهِ، فَأَصَابَ الذِّئْبُ مِنْ أَلْيَتِهِ فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنَا أَنْ نُضَحِّيَ بِهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ؛ وَلِأَنَّهَا أَمَانَةٌ عِنْدَهُ فَلَمْ يَضْمَنْ تَعَيُّبَهَا وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الْإِجْزَاءِ.
(وَإِنْ تَعَيَّبَ) الْهَدْيُ الْمُعَيَّنُ أَوْ الْأُضْحِيَّةُ الْمُعَيَّنَةُ (بِفِعْلِهِ) أَيْ: تَعَدِّيهِ أَوْ تَفْرِيطِهِ (فَعَلَيْهِ بَدَلُهُ) كَالْوَدِيعَةِ يُفَرَّطُ فِيهَا وَ(إنْ كَانَ وَاجِبًا قَبْل التَّعْيِين بِأَنْ).
وَفِي نُسْخَةٍ فَإِنْ لَكِنَّ الْأُولَى أَوْلَى (عَيَّنَهُ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ) كَالْفِدْيَةِ وَالْمَنْذُورِ (فِي الذِّمَّةِ) وَتَعَيَّبَ عِنْدَهُ عَيْبًا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ (لَمْ يُجْزِئْهُ)؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي ذِمَّتِهِ دَمٌ صَحِيحٌ، فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ دَمٌ مَعِيبٌ وَالْوُجُوبُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ، كَالدَّيْنِ بِهِ رَهْنٌ، وَيَتْلَفُ لَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ.
(وَعَلَيْهِ بَدَلُهُ) أَيْ: بَدَلُ مَا عَيَّنَهُ عَنْ الْوَاجِبِ فِي ذِمَّتِهِ (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطِهِ، وَلَوْ كَانَ) مَا عَيَّنَهُ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ (زَائِدًا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ) كَمَا لَوْ كَانَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ شَاةً فَعَيَّنَ عَنْهَا بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً فَتَعَيَّبَتْ يَلْزَمُهُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ بَدَلُ الَّتِي عَيَّنَهَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ فَفِي الْمُغْنِي: لَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِمَّا كَانَ فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَجَبَتْ بِتَعْيِينِهِ وَقَدْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ فَسَقَطَتْ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ هَدْيًا تَطَوُّعًا ثُمَّ تَلِفَ قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ، وَمَعْنَاهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَكَذَا لَوْ سُرِقَ) مَا عَيَّنَهُ هَدْيًا أَوْ أُضْحِيَّةً ابْتِدَاءً أَوْ عَنْ وَاجِبٍ فِي الذِّمَّةِ، عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ (أَوْ ضَلَّ وَنَحْوُهُ) كَمَا لَوْ غُصِبَ (وَتَقَدَّمَ) قَرِيبًا.
(وَيُذْبَحُ وَاجِبًا قَبْلَ نَفْلٍ) مِنْ هَدْيٍ وَأُضْحِيَّةٍ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ: اسْتِحْبَابًا مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِمَنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا قَبْلَ إخْرَاجِهَا وَلَا يَكَادُ يَتَحَقَّقُ الْفَرْقُ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ: لِمَنْ نَحَرَ بَدَلُ مَا عَطِبَ مِنْ أُضْحِيَّةٍ أَوْ هَدْيٍ، أَوْ تَعَيَّبَ، أَوْ ضَلَّ وَنَحْوُهُ (اسْتِرْجَاعُ عَاطِبٍ وَمَعِيبٍ وَضَالٍّ وَجَدَهُ وَنَحْوُهُ) كَمَغْصُوبٍ قَدَرَ عَلَيْهِ (بَعْدَ ذَبْحِ بَدَلِهِ) وَقَوْلُهُ (إلَى مِلْكِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِرْجَاعٍ (بَلْ يَذْبَحُهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهَا أَهْدَتْ هَدْيَيْنِ فَأَضَلَّتْهُمَا فَبَعَثَ إلَيْهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ بِهَدْيَيْنِ فَنَحَرَتْهُمَا ثُمَّ عَادَ الضَّالَّانِ فَنَحَرَتْهُمَا وَقَالَتْ: هَذِهِ سُنَّةُ الْهَدْيِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمَا بِإِيجَابِهِمَا عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِذَبْحِ بَدَلِهِمَا.
(وَإِنْ غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ) مِنْ دَمِ فِدْيَةٍ أَوْ تَمَتُّعٍ أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِهِ (لَمْ يُجْزِئْهُ، وَإِنْ أَرْضَى مَالِكَهَا)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قُرْبَةً فِي ابْتِدَائِهِ، فَلَمْ يَصِرْ قُرْبَةً فِي أَثْنَائِهِ، كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا لِلْأَكْلِ، ثُمَّ نَوَاهَا لِلتَّقَرُّبِ.
(وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْهَدْيِ) الْوَاجِبِ عَلَيْهِ (إلَّا بِذَبْحِهِ أَوْ نَحْرِهِ) فِي وَقْتِهِ وَمَحِلِّهِ، إذْ الْمَقْصُودُ إرَاقَةُ الدَّمِ كَالتَّوْسِعَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ.
(وَيُبَاحُ لِلْفُقَرَاءِ الْأَخْذُ مِنْ الْهَدْيِ إذَا لَمْ يَفْعَلْهُ إلَيْهِمْ بِالْإِذْنِ كَقَوْلِهِ) أَيْ: الْمَالِك (مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ، أَوْ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «نَحَرَ خَمْسَ بَدَنَاتٍ وَقَالَ مَنْ شَاءَ فَلْيَقْتَطِعْ» وَقَالَ لِسَائِقِ الْبُدْنِ «اُصْبُغْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا وَاضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اكْتِفَاءِ الْفُقَرَاءِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُفِيدًا.