فصل: فَصْلٌ: حكم تجارة الذميِّ في غير بلده:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: حكم تجارة الذميِّ في غير بلده:

وَإِنْ اتَّجَرَ ذِمِّيٌّ وَلَوْ صَغِيرًا، أَوْ أُنْثَى أَوْ تَغْلِبِيًّا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ ثُمَّ عَادَ إلَى بَلَدِهِ (وَلَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْوَاجِبُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ مِنْ بِلَادِنَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ مِمَّا مَعَهُ مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ «أَمَرَنِي عُمَرُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ رُبُعَ الْعُشْرِ وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ نِصْفَ الْعُشْرِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ «أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ فَجَعَلَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي أَمْوَالِهِمْ الَّتِي يَخْتَلِفُونَ فِيهَا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا» وَهَذَا كَانَ بِالْعِرَاقِ وَاشْتُهِرَ، وَعُمِلَ بِهِ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ وَهُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ فَاسْتَوَى فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ، كَالزَّكَاةِ (وَيَمْنَعُهُ) أَيْ: نِصْفَ الْعُشْرِ (دَيْنٌ ثَبَتَ عَلَى الذِّمِّيِّ بِبَيِّنَةٍ كَزَكَاةٍ) أَيْ: كَمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الدَّيْنِ بِمُجَرَّدِهِ، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ.
(وَلَوْ كَانَ مَعَهُ جَارِيَةٌ فَادَّعَى أَنَّهَا زَوْجَتُهُ، أَوْ ابْنَتُهُ صَدَقَ) لِتَعَذُّرِ إقَامَتِهِ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مِلْكِهِ إيَّاهَا فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهَا.
(وَلَا بِعُشْرِ ثَمَنِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ يَتَبَايَعُونَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ «وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا أَنْتُمْ مِنْ الثَّمَنِ» أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ مِنْ جِزْيَتِهِمْ وَخَرَاجُ أَرْضِهَا بِقِيمَتِهَا ثُمَّ يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُونَ بَيْعَهَا، فَأَنْكَرَهُ عُمَرُ ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ أَثْمَانِهَا إذَا كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ الْمُتَوَلِّينَ لِبَيْعِهَا وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمَامَةَ بْنِ غَفَلَةَ «أَنَّ بِلَالًا قَالَ لِعُمَرَ؟ إنَّ عُمَّالَكَ يَأْخُذُونَ الْخَمْرَ وَالْخَنَازِيرَ فِي الْخَرَاجِ فَقَالَ: لَا تَأْخُذُوهَا، وَلَكِنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا وَخُذُوا مِنْ الثَّمَنِ».
(وَإِنْ اتَّجَرَ حَرْبِيٌّ إلَيْنَا وَلَوْ صَغِيرًا أَوْ أُنْثَى أُخِذَ مِنْ تِجَارَتِهِ الْعُشْرُ، دَفْعَةً وَاحِدَةً سَوَاءٌ عَشَرُوا أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ إذَا دَخَلَتْ إلَيْهِمْ أَمْ لَا)؛ لِأَنَّ عُمَرَ أَخَذَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْعُشْرَ وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكَرْ وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَكَذَا حُكْمُ الْمُسْتَأْمَنِ إذَا اتَّجَرَ إلَى بَلَدِ الْإِسْلَامِ.
(وَلَا يُؤْخَذُ) الْعُشْرُ وَلَا نِصْفُهُ (مِنْ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَنَانِيرَ فِيهِمَا) أَيْ: فِيمَا إذَا اتَّجَرَ الْحَرْبِيُّ أَوْ الذِّمِّيُّ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ فِيهِ حَقٌّ بِالشَّرْعِ فَاعْتُبِرَ لَهُ النِّصَابُ، كَالزَّكَاةِ وَخُصَّ بِالْعُشْرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَأْخُوذَ مَالٌ يَبْلُغُ وَاجِبُهُ نِصْفَ دِينَارٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَالْعُشْرَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ.
(وَيُؤْخَذُ) نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَالْعُشْرُ مِنْ الْحَرْبِيِّ (مِنْ كُلِّ عَامٍ مَرَّةً) نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ نَصْرَانِيًّا جَاءَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ: إنَّ عَامِلَكَ عَشَرَنِي فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ قَالَ وَمَنْ أَنْتَ قَالَ: أَنَا الشَّيْخُ النَّصْرَانِيُّ فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا الشَّيْخُ الْحَنِيفُ ثُمَّ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ أَنْ لَا يُعَشِّرَ فِي السَّنَةِ إلَّا مَرَّةً» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَالزَّكَاةَ إنَّمَا يُؤْخَذَانِ فِي السَّنَةِ مَرَّةً فَكَذَا هُنَا وَذَكَرَ الْمُوَفَّقُ أَنَّ لِلْإِمَامِ تَرْكَهُ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَمَتَى أَخَذَ ذَلِكَ كَتَبَ لَهُمْ بِهِ حُجَّةً لِتَكُونَ وَثِيقَةً لَهُمْ، وَحُجَّةً عَلَى مَنْ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ وَلَا يَعْشُرُهُمْ ثَانِيَةً إلَّا مَنْ مَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَالِ الْأَوَّلِ فَيَأْخُذُ مِنْ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُعْشَرْ.
(وَيَحْرُمُ تَعْشِيرُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْكُلَفُ الَّتِي ضَرَبَهَا الْمُلُوكُ عَلَى النَّاسِ) بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ (إجْمَاعًا قَالَ الْقَاضِي لَا يَسُوغُ فِيهَا اجْتِهَادٌ بِغَيْرِ طَرِيقٍ شَرْعِيٍّ قَالَ الشَّيْخُ لِوَلِيٍّ) أَيْ: فِي نِكَاحٍ (يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ: مَنْعُ مُوَلِّيَتِهِ مِنْ التَّزْوِيجِ مِمَّنْ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْهُ)؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ.
(وَعَلَى الْإِمَامِ حِفْظُهُمْ) أَيْ: أَهْلِ الذِّمَّةِ (وَالْمَنْعُ مِنْ آذَاهُمْ) لِأَنَّهُمْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ عَلَى ذَلِكَ (وَاسْتِنْقَاذُ أَسْرَاهُمْ)؛ لِأَنَّهُ جَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، وَتَأَبَّدَ عَهْدُهُمْ، فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُهُ لِلْمُسْلِمِينَ (بَعْدَ فَكِّ أَسَرَانَا) فَيَبْدَأُ بِفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ (وَلَوْ لَمْ يَكُونَا فِي مَعُونَتِنَا) خِلَافًا لِلْقَاضِي قَالَ: إنَّمَا يَجِبُ فِدَاؤُهُمْ إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ فِي قِتَالٍ فَسُبُوا.
(وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ، مِثْلِ كِتَابَةٍ وَعِمَالَةٍ، وَجِبَايَةِ خَرَاجٍ، وَقِسْمَةِ فَيْءٍ وَغَنِيمَةٍ، وَحِفْظِ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ) أَيْ: نَقَلَ مَا ذُكِرَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ (إلَّا لِضَرُورَةٍ)؛ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ وَمَعَهُ كِتَابٌ قَدْ كَتَبَهُ فِيهِ حِسَابُ عَمَلِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «اُدْعُ الَّذِي كَتَبَهُ لِيَقْرَأَهُ قَالَ: إنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ قَالَ وَلِمَ لَا يَدْخُلُ؟ فَقَالَ: إنَّهُ نَصْرَانِيٌّ فَانْتَهَرَهُ عُمَرُ».
(وَلَا يَكُونُ) الذِّمِّيُّ (بَوَّابًا وَلَا جَلَّادًا، وَلَا جَهْبَذًا وَهُوَ النَّقَّادُ الْخَبِيرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) لِخِيَانَتِهِمْ، فَلَا يُؤْمَنُونَ.
(وَيَحْرُمُ تَوْلِيَتُهُمْ الْوِلَايَاتِ مِنْ دِيوَانِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِ) لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدَاوَةِ الدِّينِيَّةِ (وَتَقَدَّمَ نَحْوُ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ فِي الْقِتَالِ فِي بَابِ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ).
(وَيُكْرَهُ أَنْ يُسْتَشَارُوا أَوْ يُؤْخَذَ بِرَأْيِهِمْ) لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَأْمُومِينَ (فَإِنْ أَشَارَ الذِّمِّيُّ بِالْفِطْرِ فِي الصِّيَامِ، أَوْ) أَشَارَ (بِالصَّلَاةِ جَالِسًا لَمْ يُقْبَلْ) خَبَرُهُ (لِتَعَلُّقِهِ بِالدِّينِ، وَكَذَا لَا يُسْتَعَانُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ) كَالرَّافِضَةِ أَيْ: تَحْرُمُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ؛ لِأَنَّهُمْ يَدْعُونَ إلَى بِدْعَتِهِمْ كَمَا سَبَقَ.
(وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَطِبَّ ذِمِّيًّا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ دَوَاءً لَمْ يَقِفْ عَلَى مُفْرَدَاتِهِ الْمُبَاحَةِ وَكَذَا مَا وَصَفَهُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَوْ عَمَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَخْلِطَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَسْمُومَاتِ أَوْ النَّجَاسَاتِ) قَالَ تَعَالَى {قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} (وَ) يُكْرَهُ (أَنْ تَطِبَّ ذِمِّيَّةٌ مُسْلِمَةً وَلَوْ بَيَّنَتْ لَهَا الْمُفْرَدَاتِ لِلِاخْتِلَافِ فِي إبَاحَةِ النَّظَرِ لَكِنْ يَنْبَغِي جَوَازُهُ لِلضَّرُورَةِ كَالرَّجُلِ) (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا نَقْبَلَهَا) أَيْ: تَكُونُ قَابِلَةً لَهَا (فِي وِلَادَتِهَا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ) لِمَا سَبَقَ.
(وَإِنْ تَحَاكَمُوا إلَى حَاكِمِنَا مَعَ مُسْلِمٍ لَزِمَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ) لِمَا فِيهِ مِنْ إنْصَافِ الْمُسْلِمِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ رَدِّهِ عَنْ ظُلْمِهِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ وَلِأَنَّ فِي تَرْكِ الْإِجَابَةِ إلَيْهِ تَضْيِيعًا لِلْحَقِّ.
(وَإِنْ تَحَاكَمَ بَعْضُهُمْ) أَيْ: أَهْلُ الذِّمَّةِ (مَعَ بَعْضٍ) وَلَوْ زَوْجَةً مَعَ زَوْجِهَا (أَوْ) تَحَاكَمَ إلَيْنَا (مُسْتَأْمَنَانِ أَوْ اسْتَعْدَى بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ خُيِّرَ) الْحَاكِمُ (بَيْنَ الْحُكْمِ وَتَرْكِهِ) قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} (فَيَحْكُمُ) لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ إنْ شَاءَ (وَيُعَدَّى بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا) إحْضَارَ الْآخَرِ إنْ شَاءَ لِمَا تَقَدَّمَ (وَفِي الْمُسْتَأْمَنِينَ بِاتِّفَاقِهِمَا) فَإِنْ أَبَى أَحَدُهُمَا لَمْ يَحْكُمْ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِمَا حُكْمَنَا، بِخِلَافِ الذِّمِّيِّينَ (وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} (وَيَلْزَمُهُمْ حُكْمُنَا) إنْ حُكِمَ بِهِ عَلَيْهِمْ لِالْتِزَامِهِمْ بِالْعَقْدِ ذَلِكَ (لَا شَرِيعَتُنَا) لِإِقْرَارِنَا لَهُمْ بِالْجِزْيَةِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ وَلَا الزَّكَاةِ وَلَا الْحَجِّ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانُوا يُعَاقَبُونَ عَلَى سَائِرِ الْفُرُوعِ كَالتَّوْحِيدِ.
(وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْنَا لَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتْبَعَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِهِمْ وَلَا يَدْعُو) هُمْ (إلَى حُكْمِنَا نَصًّا) لِظَاهِرِ الْآيَةِ.
(وَلَا يُحْضِرُ) الْحَاكِمُ (يَهُودِيًّا يَوْمَ السَّبْتِ ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ) لِبَقَاءِ تَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ أَوْ لِضَرَرِهِ بِإِفْسَادِ سَبْتِهِ وَلِهَذَا لَا يُكْرِهُ امْرَأَتَهُ عَلَى إفْسَادِهِ مَعَ تَأْكِيدِ حَقِّهِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ «وَأَنْتُمْ يَهُودُ عَلَيْكُمْ خَاصَّةً أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ» فَيُسْتَثْنَى مَنْ عَمِلَ فِي إجَارَةٍ.
(وَإِنْ تَبَايَعُوا بُيُوعًا فَاسِدَةً) كَبَيْعِ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِ (وَتَقَابَضُوا مِنْ الطَّرَفَيْنِ ثُمَّ أَتَوْنَا أَوْ أَسْلَمُوا لَمْ يُنْقَضْ فِعْلُهُمْ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ بِالتَّقَابُضِ وَلِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً وَتَنْفِيرًا عَنْ الْإِسْلَامِ بِتَقْدِيرِ إرَادَتِهِ وَكَذَا سَائِرُ عُقُودِهِمْ وَمُقَاسَمَاتِهِمْ إذَا تَقَابَضُوهَا.
(وَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضُوا) مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (فَسَخَهُ) حَاكِمُنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ فَنُقِضَ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَاكِمُهُمْ أَوْ لَا لِعَدَمِ لُزُومِهِمْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّهُ لَغْوٌ لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
(وَإِنْ تَبَايَعُوا بِرِبًا فِي سُوقِنَا مُنِعُوا) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ بِفَسَادِ نُقُودِنَا.
(وَإِنْ عَامَلَ الذِّمِّيُّ بِالرِّبَا وَبَاعَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَذَلِكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ شَيْئًا)؛ لِأَنَّهُ مَضَى فِي حَالِ كُفْرِهِ فَأَشْبَهَ نِكَاحَهُ فِي الْكُفْرِ إذَا أَسْلَمَ.
(وَأَطْفَالُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} (وَ) أَوْلَادُ (الزِّنَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ) إذْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْوِزْرِ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ (وَأَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي النَّارِ) لِلْخَبَرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى (هُوَ مَنْصُوصُ أَحْمَدَ قَالَ الشَّيْخُ غَلَّطَ الْقَاضِي عَلَى أَحْمَدَ بَلْ يُقَالُ: اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ) وَهَذَا مُصَادَمَةٌ فِي النَّقْلِ، وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَلِهَذَا جَزَمَ فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ بِقَوْلِ الْقَاضِي وَالْمَسْأَلَةُ ذَاتُ أَقْوَالٍ وَالْإِخْبَارُ فِيهَا ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَذْهَبُ إلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ» قَالَ: وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ وَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ- حَتَّى سَمِعَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ- فَتَرَكَ قَوْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: وَنَحْنُ نُمِرُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا جَاءَتْ بِهِ، وَلَا نَقُولُ شَيْئًا وَسُئِلَ عَنْ الْمَجُوسِيَّيْنِ يَجْعَلَانِ وَلَدَهُمَا مُسْلِمًا فَيَمُوتُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ فَقَالَ: يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» يَعْنِي أَنَّ هَذَيْنِ لَمْ يُمَجِّسَاهُ فَبَقِيَ عَلَى الْفِطْرَةِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَقَالَ فِي أَحْكَامِ الذِّمَّةِ: لِأَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ فَإِذَا جَعَلَاهُ مُسْلِمًا صَارَ مُسْلِمًا (وَيَأْتِي: إذَا مَاتَ أَبَوَا الطِّفْلِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي) بَابِ حُكْمِ (الْمُرْتَدِّ) وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي السَّبْيِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا صَلَاتَيْنِ أَوْ يَرْكَعَ وَلَا يَسْجُدَ وَنَحْوَهُ) كَأَلَّا يَسْجُدَ إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً (صَحَّ إسْلَامُهُ وَيُؤْخَذُ بِالصَّلَاةِ كَامِلَةً) لِلْعُمُومَاتِ.
(وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا بِمَا أَخَذَ مِنْهُمْ) لِيَكُونَ لَهُمْ حُجَّةً إذَا احْتَاجُوا إلَيْهِ (وَ) يَنْبَغِي أَنْ يَكْتُبَ (وَقْتَ الْأَخْذِ وَقَدْرَ الْمَالِ، لِئَلَّا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ شَيْءٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ وَأَنْ يَكْتُبَ مَا اسْتَقَرَّ مِنْ عَقْدِ الصُّلْحِ مَعَهُمْ فِي دَوَاوِينِ الْأَمْصَارِ لِيُؤْخَذُوا بِهِ إذَا تَرَكُوهُ) أَوْ أَنْكَرُوهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ.
(وَإِنْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ لَمْ يُقِرَّ، وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ الدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ الْحَقِّ، وَالدِّينُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ دِينٌ صُولِحَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ غَيْرُهُمَا لِاعْتِرَافِهِ بِأَنَّ مَا انْتَقَلَ إلَيْهِ دِينٌ بَاطِلٌ فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ انْتَقَلَ إلَى الْمَجُوسِيَّةِ (فَإِنْ أَبَى الْإِسْلَامَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ هُدِّدَ وَضُرِبَ وَحُبِسَ وَلَمْ يُقْتَلْ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَمْ يُقْتَلْ كَالْبَاقِي عَلَى دِينِهِ.
(وَإِنْ اشْتَرَى الْيَهُودُ نَصْرَانِيًّا فَجَعَلُوهُ يَهُودِيًّا عُزِّرُوا) لِفِعْلِهِمْ مُحَرَّمًا (وَلَا) يَكُونُ الْعَبْدُ (مُسْلِمًا) لِعَدَمِ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ لَفْظًا وَحُكْمًا.
(وَإِنْ انْتَقَلَا) أَيْ: الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ (إلَى دِينِ الْمَجُوسِ أَوْ انْتَقَلَا) إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ (أَوْ) انْتَقَلَ مَجُوسِيٌّ (إلَى غَيْرِ دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ يُقِرَّ)؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى مَا اعْتَرَفَ بِبُطْلَانِهِ وَلَمْ يُقْبَلْ (مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ)؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ أَدْيَانٌ بَاطِلَةٌ فَلَمْ يُقَرَّ عَلَيْهَا لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهَا كَالْمُرْتَدِّ (أَوْ السَّيْفُ فَيُقْتَلُ إنْ أَبَى الْإِسْلَامَ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ)؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى أَدْنَى مِنْ دِينِهِ كَالْمُرْتَدِّ.
(وَإِنْ انْتَقَلَ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ) كَالْوَثَنِيِّ (إلَى دِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ) بِأَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ (أُقِرَّ) عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى وَأَكْمَلُ مِنْ دِينِهِ، لِكَوْنِهِ يُقَرُّ عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَتُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ (وَلَوْ) كَانَ الْمُنْتَقِلُ إلَى ذَلِكَ (مَجُوسِيًّا) لِمَا سَبَقَ (وَكَذَا إنْ تَمَجَّسَ وَثَنِيٌّ)؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى دِينٍ أَفْضَلَ مِنْ دِينِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ تَهَوَّدَ.
(وَمَنْ أَقْرَرْنَاهُ عَلَى تَهَوُّدٍ أَوْ تَنَصُّرٍ مُتَجَدِّدٍ أُبِيحَتْ ذَبِيحَتُهُ وَمُنَاكَحَتُهُ) قَطَعَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ وَيَأْتِي مَا يُخَالِفُهُ فِي النِّكَاحِ وَالزَّكَاةِ.
(وَإِنْ تَزَنْدَقَ ذِمِّيٌّ لَمْ يُقْتَلْ لِأَجْلِ الْجِزْيَةِ نَصًّا) نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ.
(وَإِنْ كَذَّبَ نَصْرَانِيٌّ بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ) عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ (خَرَجَ مِنْ النَّصْرَانِيَّةِ) لِتَكْذِيبِهِ لِنَبِيِّهِ عِيسَى فِي قَوْلِهِ {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ التَّوْرَاةِ} لِتَكْذِيبِهِ بِنَبِيِّهِ عِيسَى تَصْرِيحًا (وَلَمْ يُقَرَّ) عَلَى غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ.
وَ(لَا) يَخْرُجُ (يَهُودِيٌّ) مِنْ دِينِهِ إنْ كَذَّبَ بِعِيسَى وَيَبْقَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِنَبِيِّهِ مُوسَى.

.(فَصْلٌ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ:

(مَنْ نَقَضَهُ) أَيْ: الْعَهْدَ (بِمُخَالَفَتِهِ شَيْئًا مِمَّا صُولِحُوا عَلَيْهِ) مِمَّا يُنْتَقَضُ الْعَهْدُ بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ (حَلَّ مَالُهُ وَدَمُهُ) لِمَا فِي كِتَابِ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ وَإِنْ نَحْنُ غَيَّرْنَا أَوْ خَالَفْنَا عَمَّا شَرَطْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَقَبِلْنَا الْأَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا ذِمَّةَ لَنَا وَقَدْ حَلَّ لَك مِنَّا مَا يَحِلُّ لِأَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ وَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُقِرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ (وَلَا يَقِفُ نَقْضُهُ) أَيْ الْعَهْدِ (عَلَى حُكْمِ الْإِمَامِ) بِنَقْضِهِ، حَيْثُ أَتَى مَا يَنْقُضُهُ لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ.
(فَإِذَا امْتَنَعَ) أَحَدُهُمْ (مِنْ بَذْلِ الْجِزْيَةِ أَوْ) مِنْ (الْتِزَامِ أَحْكَامِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ جَرْيِ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا عَلَيْهِ حَاكِمُنَا) خِلَافًا لِمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِقِتَالِهِمْ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، وَيَلْتَزِمُوا أَحْكَامَ الْمِلَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا نَسَخَتْ كُلَّ حُكْمٍ يُخَالِفُهَا فَلَا يَجُوزُ بَقَاءُ الْعَهْدِ مَعَ الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ (أَوْ أَبَى الصَّغَارَ، أَوْ قَاتَلَ الْمُسْلِمِينَ مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ حَرْبٍ مُقِيمًا بِهَا اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ)؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَرْبًا لَنَا بِدُخُولِهِ فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
(وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِمْ) أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ (وَكَذَا لَوْ تَعَدَّى الذِّمِّيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَلَوْ عَبْدًا بِقَتْلٍ عَمْدًا) قَيَّدَهُ بِهِ أَبُو الْخَطَّابُ فِي خِلَافِهِ الصَّغِيرِ (أَوْ فَتْنِهِ عَنْ دِينِهِ أَوْ تَعَاوَنَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِدَلَالَةٍ، مِثْلِ مُكَاتَبَةِ الْمُشْرِكِينَ وَمُرَاسَلَتِهِمْ بِأَخْبَارِهِمْ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ (أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ) أَيْ: الزِّنَا مِنْ حَيْثُ نَقْضُ الْعَهْدِ (أَدَاءُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْمُسْلِمِ بَلْ يَكْفِي اسْتِفَاضَةُ ذَلِكَ وَاشْتِهَارُهُ قَالَهُ الشَّيْخُ).
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ شَيْءٌ (أَوْ أَصَابَهَا) أَيْ: الْمُسْلِمَةَ (بِاسْمِ نِكَاحٍ) وَقِيَاسُ الزِّنَا اللِّوَاطُ بِالْمُسْلِمِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ السَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ الشَّافِعِيُّ (أَوْ) تَعَدَّى (بِقَطْعِ طَرِيقٍ أَوْ تَجْسِيسٍ لِلْكُفَّارِ، أَوْ إيوَاءِ جَاسُوسِهِمْ) وَهُوَ عَيْنُ الْكُفَّارِ (أَوْ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ كِتَابَهُ أَوْ دِينَهُ أَوْ رَسُولَهُ بِسُوءٍ وَنَحْوِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رُفِعَ إلَيْهِ ذِمِّيٌّ أَرَادَ اسْتِكْرَاهَ امْرَأَةٍ عَلَى الزِّنَا فَقَالَ: مَا عَلَى هَذَا صَالَحْنَاكُمْ وَأَمَرَ بِهِ فَصُلِبَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ «إنَّ رَاهِبًا يَشْتُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ سَمِعْتُهُ لَقَتَلْتُهُ، إنَّا لَمْ نُعْطِ الْأَمَانَ عَلَى هَذَا» وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَشْبَهَ الِامْتِنَاعَ مِنْ الصَّغَارِ (فَإِنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ، فَقَالَ لَهُ: كَذَبْتَ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ يُقْتَلُ) وَ(لَا) يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ (بِقَذْفِ الْمُسْلِمِ وَإِيذَائِهِ بِسِحْرٍ فِي تَصَرُّفِهِ) كَإِبْطَالِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ لَا يَعُمُّ الْمُسْلِمِينَ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَطَمَهُ، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَإِنَّ فِيهِ غَضَاضَةً عَلَى الْمُسْلِمِينَ، خُصُوصًا بِسَبِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَرَسُولِهِ وَدِينِهِ.
(وَلَا يُنْتَقَضُ بِنَقْضِ عَهْدِهِ عَهْدُ نِسَائِهِ وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ الْمَوْجُودِينَ، لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا)؛ لِأَنَّ النَّقْضَ وُجِدَ مِنْهُ دُونَهُمْ، فَاخْتَصَّ حُكْمُهُ بِهِ (وَلَوْ لَمْ يُنْكِرُوا) عَلَيْهِ (النَّقْضَ) وَأَمَّا مَنْ حَمَلَتْ بِهِ أُمُّهُ وَوَلَدَتْهُ بَعْدَ النَّقْضِ فَإِنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَيُسْبَى، لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْأَمَانِ لَهُ وَإِنْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ اخْتَصَّ حُكْمُ النَّقْضِ بِالنَّاقِضِ وَلَوْ سَكَتَ غَيْرُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُضُوا لَكِنْ خَافَ مِنْهُمْ النَّقْضَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْبَذَ إلَيْهِمْ عَهْدُهُمْ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَحِقَهُمْ بِدَلِيلِ أَنَّ الْإِمَامَ يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ إلَيْهِ بِخِلَافِ عَقْدِ الْأَمَانِ وَالْهُدْنَةِ فَإِنَّهُ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ.
(وَإِنْ أَظْهَرَ) الذِّمِّيُّ (مُنْكَرًا أَوْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِكِتَابِهِ، أَوْ رَكِبَ الْخَيْلَ وَنَحْوَهُ) مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْهُ (لَمْ يُنْقَضْ عَهْدُهُ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِيهِ وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِيهِ (وَيُؤَدَّبُ) لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ.
(وَحَيْثُ اُنْتُقِضَ) عَهْدُهُ (خُيِّرَ الْإِمَامُ فِيهِ كَالْأَسِيرِ الْحَرْبِيِّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ) لِفِعْلِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ كَافِرٌ لَا أَمَانَ لَهُ أَشْبَهَ الْأَسِيرَ، وَكَمَا لَوْ دَخَلَ مُتَلَصِّصًا (وَمَالُهُ فَيْءٌ)؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، إنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِمَالِكِهِ حَقِيقَةً، وَقَدْ اُنْتُقِضَ عَهْدُ الْمَالِكِ فِي نَفْسِهِ فَكَذَا فِي مَالِهِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْأَمَانِ وَسَبَقَ مَا فِيهِ (وَيَحْرُمُ قَتْلُهُ لِأَجْلِ نَقْضِهِ الْعَهْدَ إذَا أَسْلَمَ وَلَوْ لِسَبِّهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» وَيَحْرُمُ أَيْضًا رِقُّهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ، لَا إنْ كَانَ رُقَّ قَبْلُ (وَيُسْتَوْفَى مِنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ الْقَتْلُ) إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ قُتِلَ: مِنْ قِصَاصٍ، أَوْ دِيَةٍ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ.
وَلَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَقِيلَ يُقْتَلُ سَابُّهُ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِكُلِّ حَالٍ) وَإِنْ أَسْلَمَ (اخْتَارَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ ابْنُ أَبِي مُوسَى وَابْنُ الْبَنَّاءِ وَالسَّامِرِيُّ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهُ قَذْفٌ لِمَيِّتٍ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.
(وَقَالَ إنْ سَبَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرْبِيٌّ ثُمَّ تَابَ بِإِسْلَامِهِ، قُبِّلَتْ تَوْبَتُهُ إجْمَاعًا) لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ السَّابِقَيْنِ (وَقَالَ: مَنْ تَوَلَّى مِنْهُمْ) أَيْ: مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ (دِيوَانَ الْمُسْلِمِينَ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ وَتَقَدَّمَ) فِي بَابِ مَا يَلْزَمُ الْإِمَامَ وَالْجَيْشَ.
(وَقَالَ إنْ جَهَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الْمَسِيحَ هُوَ اللَّهُ) تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (عُوقِبَ عَلَى ذَلِكَ إمَّا بِقَتْلٍ أَوْ بِمَا دُونَهُ) أَيْ لِإِتْيَانِهِ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَ(لَا) يُعَاقَبُ بِذَلِكَ (إنْ قَالَهُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ أَوْ قَالَ) ذِمِّيٌّ: (هَؤُلَاءِ الْمُسْلِمُونَ الْكِلَابُ أَبْنَاءُ الْكِلَابِ إنْ أَرَادَ طَائِفَةً مُعَيَّنَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ عُوقِبَ عُقُوبَةً تَزْجُرُهُ وَأَمْثَالَهُ) عَنْ أَنْ يَعُودَ لِذَلِكَ الْقَوْلِ الشَّنِيعِ.
(وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ قَصْدُ الْعُمُومِ اُنْتُقِضَ عَهْدُهُ وَوَجَبَ قَتْلُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ جَاءَنَا بِأَمَانٍ ثُمَّ نَقْضَ الْعَهْدَ، وَقَدْ حَصَلَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ فَكَذِمِّيٍّ، وَتَقَدَّمَ وَتَخْرُجُ نَصْرَانِيَّةٌ لِشِرَاءِ الزُّنَّارِ وَلَا يَشْتَرِي مُسْلِمٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْكُفْرِ، وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَأْذَنُ الْمُسْلِمُ لِزَوْجَتِهِ النَّصْرَانِيَّةِ أَوْ أَمَتِهِ كَذَلِكَ أَنْ تَخْرُجَ إلَى عِيدٍ أَوْ تَذْهَبَ إلَى بَيْعَةٍ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.