فصل: فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْجِوَارِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الْجِوَارِ:

قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَجَاءَ فِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَهَذَا الْفَصْلُ وُضِعَ لِبَيَانِ مَا يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ.
(وَإِنْ حَصَلَ فِي هَوَائِهِ) الْمَمْلُوكِ لَهُ هُوَ أَوْ مَنْفَعَتِهِ (أَوْ) فِي (هَوَاءِ جِدَارٍ لَهُ فِيهِ شَرِكَةٌ) فِي عَيْنِهِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ (أَغْصَانُ شَجَرَةِ غَيْرِهِ) أَوْ حَصَلَتْ الْأَغْصَانُ عَلَى جِدَارِهِ (فَطَالَبَهُ) أَيْ طَالَبَ رَبُّ الْعَقَارِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ صَاحِبَ الْأَغْصَانِ (بِإِزَالَتِهَا لَزِمَهُ) أَيْ لَزِمَ رَبَّ الْأَغْصَانِ إزَالَتُهَا لِأَنَّ الْهَوَاءَ تَابِعٌ لِلْقَرَارِ فَوَجَبَ إزَالَةُ مَا يَشْغَلُهُ مِنْ مِلْكِ غَيْرِهِ كَالدَّابَّةِ إذَا دَخَلَتْ مِلْكَهُ وَطَرِيقُهُ: إمَّا بِالْقَطْعِ أَوْ لَيِّهِ إلَى نَاحِيَةٍ أُخْرَى وَسَوَاءٌ أَثَّرَ ضَرَرًا أَوْ لَا (فَإِنْ أَبَى) رَبُّ الْأَغْصَانِ إزَالَتَهَا (لَمْ يُجْبَرْ) لِأَنَّهُ أَيْ حُصُولَهَا فِي هَوَائِهِ (لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَيَضْمَنُ رَبُّهَا) أَيْ الْأَغْصَانِ (مَا تَلِفَ بِهَا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ) قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ.
وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ عَدَمَ الضَّمَانِ وَنُقِلَ الضَّمَانُ عَنْ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرَحَ ابْنُ رَزِينٍ وَنَقَلَ فِي الْمُبْدِعِ عَنْ الشَّرْحِ أَنَّهُ قَدَّمَ عَدَمَ الضَّمَانِ قُلْتُ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَهُوَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْغَصْبِ فِيمَنْ مَالَ حَائِطُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، بَلْ جَعَلَ فِي الْمُغْنِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَبْنِيَّةً عَلَى تِلْكَ (وَلِمَنْ حَصَلَتْ) الْأَغْصَانُ (فِي هَوَائِهِ إزَالَتُهَا) إذَا أَبَى مَالِكُهَا (بِلَا حُكْمِ حَاكِمٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ إخْلَاءُ مِلْكِهِ الْوَاجِبِ إخْلَاؤُهُ (فَإِنْ أَمْكَنَهُ) أَيْ رَبَّ الْهَوَاءِ (إزَالَتُهَا) أَيْ الْأَغْصَانِ (بِلَا إتْلَافٍ) لَهَا (وَلَا قَطْعٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَلَا غَرَامَةٍ مِثْلَ أَنْ يَلْوِيَهَا وَنَحْوَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ إتْلَافُهَا) كَالْبَهِيمَةِ الصَّائِلَةِ إذَا انْدَفَعَتْ بِدُونِ الْقَتْلِ.
(فَإِنْ أَتْلَفَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَرِمَهَا) لِتَعَدِّيهِ بِهِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَتُهَا إلَّا بِقَطْعٍ وَنَحْوِهِ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) كَالصَّائِلِ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالْقَتْلِ (وَإِنْ صَالَحَ رَبُّ الْأَغْصَانِ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ بَقَاءِ الْأَغْصَانِ بِهَوَائِهِ (بِعِوَضٍ لَمْ يَصِحَّ) الصُّلْحُ (رَطْبًا كَانَ الْغُصْنُ أَوْ يَابِسًا) لِأَنَّ الرَّطْبَ يَزِيدُ وَيَتَغَيَّرُ وَالْيَابِسَ يَنْقُصُ وَرُبَّمَا ذَهَبَ بِالْكُلِّيَّةِ.
(وَفِي الْمُغْنِي: اللَّائِقُ بِمَذْهَبِنَا صِحَّتُهُ) أَيْ الصُّلْحِ مُطْلَقًا (وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَابْنُ عَقِيلٍ وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ) مِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، لِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ لِكَثْرَتِهَا فِي الْأَمْلَاكِ الْمُتَجَاوِرَةِ وَفِي الْقَلْعِ إتْلَافٌ وَضَرَرٌ وَالزِّيَادَةُ الْمُتَجَدِّدَةُ يُعْفَى عَنْهَا كَالسِّمَنِ الْحَادِثِ فِي الْمُسْتَأْجَرِ لِلرُّكُوبِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: دَعْنِي أُجْرِي فِي أَرْضِك مَاءً وَلَك أَنْ تَسْقِيَ بِهِ مَا شِئْت، وَتَشْرَبَ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
(وَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ رَبُّ الْهَوَاءِ وَالْأَغْصَانِ (عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ) أَيْ ثَمَرَةَ الْأَغْصَانِ الْحَاصِلَةِ بِهَوَاءِ الْجَارِ (لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْهَوَاءِ (أَوْ) أَنَّ الثَّمَرَ (بَيْنَهُمَا؛ جَازَ) الصُّلْحُ، لِأَنَّهُ أَسْهَلُ مِنْ الْقَطْعِ.
(وَلَمْ يَلْزَمْ) الصُّلْحُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا إبْطَالُهُ مَتَى شَاءَ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ إبَاحَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصِحَّةُ الصُّلْحِ هُنَا مَعَ جَهَالَةِ الْعِوَضِ وَهُوَ الثَّمَرَةُ خِلَافُ الْقِيَاسِ لِخَبَرِ مَكْحُولٍ يَرْفَعُهُ «أَيُّمَا شَجَرَةٍ ظَلَّلَتْ عَلَى قَوْمٍ، فَهُمْ بِالْخِيَارِ بَيْنَ قَطْعِ مَا ظَلَّلَ أَوْ أَكْلِ ثَمَرِهَا».
(وَفِي الْمُبْهِجِ فِي الْأَطْعِمَةِ: ثَمَرَةُ غُصْنٍ فِي هَوَاءِ طَرِيقٍ عَامٍّ لِلْمُسْلِمِينَ) وَمَعْنَاهُ أَيْضًا لِابْنِ الْقَيِّمِ فِي إعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ إذَنْ عُرْفًا فِي تَنَاوُلِ مَا سَقَطَ مِنْهُ.
(وَإِنْ امْتَدَّ مِنْ عُرُوقِ شَجَرِهِ إلَى أَرْضِ جَارِهِ) وَلَوْ مُشْتَرَكَةً (فَأَثَّرَتْ) الْعُرُوقُ (ضَرَرًا كَتَأْثِيرِهِ) أَيْ الْمُمْتَدِّ (فِي الْمَصَانِعِ وَطَيِّ) أَيْ بِنَاءِ (الْآبَارِ، وَأَسَاسِ الْحِيطَانِ، أَوْ) كَتَأْثِيرِهِ فِي (مَنْعِهَا) أَيْ الْأَرْضِ الَّتِي امْتَدَّتْ إلَيْهَا الْعُرُوقُ (مِنْ نَبَاتِ شَجَرٍ أَوْ) نَبَاتِ (زَرْعٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ لَمْ يُؤَثِّرْ) الْمُمْتَدُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (فَالْحُكْمُ فِي قَطْعِهِ) أَيْ إزَالَتِهِ.
(وَ) فِي (الصُّلْحُ عَنْهُ كَالْحُكْمِ فِي الْأَغْصَانِ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ (إلَّا أَنَّ الْعُرُوقَ لَا ثَمَرَ لَهَا) بِخِلَافِ الْأَغْصَانِ.
(فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مَا يَنْبُتُ مِنْ عُرُوقِهَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ) كُلَّهُ (أَوْ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْهُ فَكَالصُّلْحِ عَلَى الثَّمَرَةِ) فَيَصِحُّ جَائِزًا لَازِمًا، قِيَاسًا عَلَى الثَّمَرَةِ (فَإِنْ) وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ وَ(مَضَتْ مُدَّةٌ ثُمَّ أَبَى صَاحِبُ الشَّجَرَةِ دَفْعَ نَبَاتِهَا) أَوْ ثَمَرَتِهَا (إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِبَقَائِهَا تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالتَّبْقِيَةِ إلَّا عَلَى عِوَضٍ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ (وَصُلْحُ مَنْ مَالَ حَائِطُهُ) إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ (أَوْ) مَنْ (زَلَقَ خَشَبَهُ إلَى مِلْكِ غَيْرِهِ كَ) صُلْحِ رَبِّ (غُصْنٍ) مَعَ رَبِّ الْهَوَاءِ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا يَجُوزُ) لِأَحَدٍ (أَنْ يُخْرِجَ إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا، وَهُوَ الرَّوْشَنُ) عَلَى أَطْرَافِ خَشَبٍ مَدْفُونَةٍ فِي الْحَائِطِ.
(وَلَا) أَنْ يُخْرِجَ (ظُلَّةً) أَيْ بِنَاءً يُسْتَظَلُّ بِهِ مِنْ نَحْوِ حَرٍّ (وَلَا) أَنْ يُخْرِجَ (سَابَاطًا وَهُوَ سَقِيفَةٌ بَيْنَ حَائِطَيْنِ تَحْتَهَا طَرِيقٌ وَلَا) أَنْ يُخْرِجَ (دُكَّانًا) بِضَمِّ الدَّالِ.
(وَهُوَ الدَّكَّةُ) بِفَتْحِ الدَّالِ (الْمَبْنِيَّةُ لِلْجُلُوسِ عَلَيْهَا وَلَا) أَنْ يُخْرِجَ (مِيزَابًا) لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَغَيْرِ النَّافِذِ، وَسَوَاءٌ ضَرَّ بِالْمَارَّةِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضُرَّ حَالًا فَقَدْ يَضُرَّ مَآلًا (إلَّا بِإِذْنِ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ) أَيْ فِي الْمِيزَابِ وَالْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ (ضَرَرٌ) فَتَجُوزُ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ نَائِبُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِذْنُهُ كَإِذْنِهِمْ وَلِمَا رَوَى أَحْمَدُ. «أَنَّ عُمَرَ اجْتَازَ عَلَى دَارِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَقَدْ نَصَبَ مِيزَابًا إلَى الطَّرِيقِ فَقَلَعَهُ، فَقَالَ: تَقْلَعُهُ وَقَدْ نَصَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ؟ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا تَنْصِبُهُ إلَّا عَلَى ظَهْرِي فَانْحَنَى حَتَّى صَعِدَ عَلَى ظَهْرِهِ فَنَصَبَهُ» وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِهِ (وَانْتِفَاءُ الضَّرَرِ فِي السَّابَاطِ) وَالْجَنَاحِ وَالْمِيزَابِ (بِحَيْثُ يُمْكِنُ عُبُورُ مَحْمَلٍ وَنَحْوِهِ تَحْتَهُ) أَيْ السَّابَاطِ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَالسَّابَاطُ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ مِثْلَ أَنْ يَحْتَاجُ الرَّاكِبُ أَنْ يَحْنِيَ رَأْسَهُ إذَا مَرَّ هُنَاكَ) أَيْ تَحْتَهُ.
(وَإِنْ غَفَلَ) الرَّاكِبُ (عَنْ نَفْسه رَمَى) السَّابَاطُ (عِمَامَتَهُ أَوْ شَجَّ) السَّابَاطُ (رَأْسَهُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَمُرَّ هُنَاكَ) أَيْ تَحْتَهُ (جَمَلٌ عَالٍ إلَّا كَسَرَ) السَّابَاطُ (قَتَبَهُ وَالْجَمَلُ الْمُحَمَّلُ لَا يَمُرُّ هُنَاكَ) أَيْ تَحْتَهُ (فَمِثْلُ هَذَا السَّابَاطِ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَارَّةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهِ) أَيْ السَّابَاطِ (إزَالَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ عَلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ إلْزَامُهُ بِإِزَالَتِهِ، حَتَّى يَزُولَ الضَّرَرَ وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ مُنْخَفِضًا) وَقْتَ وَضْعِ السَّابَاطِ بِحَيْثُ لَا ضَرَرَ فِيهِ إذْ ذَاكَ.
(ثُمَّ ارْتَفَعَ) الطَّرِيقُ (عَلَى طُولِ الزَّمَانِ وَجَبَ) عَلَى رَبِّهِ (إزَالَتُهُ) دَفْعًا لِضَرَرِهِ (إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذُكِرَ) مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ.
(وَقَالَ) الشَّيْخُ (وَمَنْ كَانَتْ لَهُ سَاحَةٌ يُلْقَى فِيهَا التُّرَابُ وَالْحَيَوَانُ) الْمَيِّتُ (وَتَضَرَّرَ الْجِيرَانُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يَدْفَعَ ضَرَرَ الْجِيرَانِ إمَّا بِعِمَارَتِهَا أَوْ بِإِعْطَائِهَا مَنْ يُعَمِّرُهَا أَوْ) بِأَنْ (يَمْنَعَ أَنْ يُلْقَى فِيهَا مَا يَضُرُّ بِالْجِيرَانِ وَقَالَ) الشَّيْخُ (لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا مِنْ أَجْزَاءِ الْبِنَاءِ حَتَّى إنَّهُ يُنْهَى عَنْ تَجْصِيصِ الْحَائِطِ، إلَّا أَنْ يُدْخِلَ) رَبُّ الْحَائِطِ بِهِ (فِي حَدِّهِ بِقَدْرِ غِلَظِ الْجَصِّ انْتَهَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ أَحَدٌ فِي الطَّرِيقِ دُكَّانًا وَلَوْ كَانَ الطَّرِيقُ وَاسِعًا).
لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ بِإِذْنِ إمَامٍ) أَوْ نَائِبِهِ، بِخِلَافِ الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ وَالْمِيزَابِ لِأَنَّهُ تَضْيِيقٌ فِيهَا لِأَنَّهَا فِي الْعُلْوِ، بِخِلَافِ الدُّكَّانِ (وَلَا أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ) أَيْ بِنَاءُ دُكَّانٍ أَوْ إخْرَاجُ جَنَاحٍ أَوْ سَابَاطٍ أَوْ مِيزَابٍ (فِي مِلْكِ إنْسَانٍ وَلَا هَوَائِهِ وَلَا) فِي (دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ) لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُمْ فَإِذَا رَضُوا بِإِسْقَاطِهِ جَازَ وَأَمَّا الطَّرِيقُ النَّافِذُ فَالْحَقُّ فِيهِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْإِذْنُ مِنْ جَمِيعِهِمْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ.
(وَيَضْمَنُ) مَنْ بَنَى دُكَّانًا أَوْ أَخْرَجَ جَنَاحًا أَوْ سَابَاطًا أَوْ مِيزَابًا لَا يَجُوزُ لَهُ (مَا تَلِفَ بِهِ) مِنْ نَفْسٍ أَوْ طَرْفٍ أَوْ مَالٍ لِتَعَدِّيهِ بِهِ.
(وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ ضَمَانِهِ) أَيْ ضَمَانِ مَا يُتْلَفُ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ مِنْ الدُّكَّانِ وَالْجَنَاحِ وَنَحْوِهِ (بِتَآكُلِ أَصْلِهِ) وَفِيهِ وَجْهٌ يَسْقُطُ بِهِ نِصْفُ الضَّمَانِ (فَإِنْ صَالَحَ) رَبُّ الْمِيزَابِ وَالدُّكَّانِ وَنَحْوِهِمَا مَالِكَ الْأَرْضِ أَوْ الْهَوَاءِ أَوْ أَهْلَ الدَّرْبِ غَيْرِ النَّافِذِ (عَنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ (بِعِوَضٍ صَحَّ) الصُّلْحُ.
(وَلَوْ فِي الْجَنَاحِ وَالسَّابَاطِ) لِأَنَّ الْهَوَاءَ يَصِحّ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْقَرَارِ كَمَا سَبَقَ (بِشَرْطِ كَوْنِ مَا يُخْرِجُهُ) مِنْ جَنَاحٍ أَوْ سَابَاطٍ أَوْ مِيزَابٍ أَوْ دُكَّانٍ (مَعْلُومَ الْمِقْدَارِ فِي الْخُرُوجِ وَالْعُلْوِ) دَفْعًا لِلْجَهَالَةِ.
(وَلَا يَجُوزُ) لِأَحَدٍ (أَنْ يَحْفِرَ فِي الطَّرِيقِ النَّافِذِ بِئْرًا لِنَفْسِهِ، سَوَاءٌ جَعَلَهَا لِمَاءِ الْمَطَرِ أَوْ اُسْتُخْرِجَ مِنْهَا مَاءٌ) عَدَا (يُنْتَفَعُ بِهِ) وَلَوْ بِلَا ضَرَرٍ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْدُثَ فِيهَا شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، وَإِذْنُهُمْ كُلُّهُمْ غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ (وَإِنْ أَرَادَ حَفْرَهَا) أَيْ الْبِئْرِ (لِلْمُسْلِمِينَ لِ) أَجْلِ (نَفْعِهِمْ) مِثْلَ أَنْ يَحْفِرَهَا لِسَقْيِ النَّاسِ وَالْمَارَّةِ مِنْ مَائِهَا أَوْ لِيَنْزِلَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ عَنْ الطَّرِيقِ (فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ) مُنِعَ لِلضَّرَرِ (أَوْ كَانَتْ) الطَّرِيقُ وَاسِعَةٌ وَأَرَادَ حَفْرَهَا (فِي مَمَرِّ النَّاسِ بِحَيْثُ يُخَافُ سُقُوطُ إنْسَانٍ فِيهَا، أَوْ) يُخَافُ سُقُوطُ (دَابَّةٍ) فِيهَا (أَوْ) بِحَيْثُ (يُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ مَمَرَّهُمْ لَمْ يَجُزْ) لَهُ حَفْرُهَا لِأَنَّ ضَرَرَهَا أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهَا وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ (وَإِنْ حَفَرَهَا) أَيْ الْبِئْرَ لِلْمُسْلِمِينَ (فِي زَاوِيَةٍ مِنْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ وَجَعَلَ عَلَيْهَا مَا يَمْنَعُ الْوُقُوعَ فِيهَا) جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَصْلَحَةٌ بِلَا مَفْسَدَةٍ (كَتَمْهِيدِهَا) أَيْ الطَّرِيقِ (وَبِنَاءِ رَصِيفٍ فِيهَا) يَمُرُّ عَلَيْهِ النَّاسُ لِنَحْوِ مَطَرٍ وَكَذَا بِنَاءُ مَسْجِدٍ فِيهَا وَيَأْتِي فِي الْغَصْبِ.
(وَ) حَفْرُ الْبِئْرِ (فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِ أَهْلِهِ) لِأَنَّ الدَّرْبَ مِلْكٌ لَهُمْ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ.
(وَلَوْ صَالَحَ) مَنْ يُرِيدُ حَفْرَ الْبِئْرِ (أَهْلَ الدَّرْبِ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ جَازَ) الصُّلْحُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ (سَوَاءٌ حَفَرَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِلسَّبِيلِ وَكَذَا إنْ فُعِلَ ذَلِكَ) أَيْ حُفِرَ الْبِئْرُ (فِي مِلْكِ إنْسَانٍ) لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ جَازَ.
(وَإِذَا كَانَ ظَهْرُ دَارِهِ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَفَتَحَ بَابًا) فِيهِ (لِغَيْرِ الِاسْتِطْرَاقِ جَازَ لَهُ لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ جَمِيعِ حَائِطِهِ) فَبَعْضُهُ أَوْلَى.
(وَلَا يَجُوزُ) لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ (الِاسْتِطْرَاقُ) مِنْهُ (إلَّا بِإِذْنِهِمْ) لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ صَالَحَهُمْ) عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ (جَازَ) الصُّلْحُ وَكَانَ لَازِمًا لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهُمْ فَجَازَ لَهُمْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَيَجُوزُ) لِمَنْ ظَهْرُ دَارِهِ (فِي دَرْبٍ نَافِذٍ) أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابًا لِلِاسْتِطْرَاقِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْمُجْتَازِينَ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَابٌ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ يَسْتَطْرِقُ مِنْهُ اسْتِطْرَاقًا خَاصًّا مِثْلَ أَبْوَابِ السِّرِّ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا النِّسَاءُ أَوْ الرَّجُلُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ هَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَطْرِقَ مِنْهَا اسْتِطْرَاقًا عَامًّا؟ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ هَذَا انْتَهَى) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الِاسْتِطْرَاقَ كَذَلِكَ فَلَا يَتَعَدَّاهُ.
(وَيَحْرُمُ) عَلَى الْجَارِ (إحْدَاثُهُ فِي مِلْكِهِ مَا يَضُرَّ بِجَارِهِ) لِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ.
(وَيُمْنَعُ) الْجَارُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ إحْدَاثِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ (إذَا) أَرَادَ (فِعْلَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (كَ) مَا يُمْنَعُ مِنْ (ابْتِدَاءِ إحْيَائِهِ) مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ وَأَمْثِلَةُ إحْدَاثِ مَا يَضُرُّ بِالْجَارِ (كَحَفْرِ كَنِيفٍ إلَى جَنْبِ حَائِطِ جَارِهِ) يَضُرُّهُ (وَبِنَاءِ حَمَّامٍ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ وَنَصْبِ تَنُّورٍ يَتَأَذَّى) جَارُهُ (بِاسْتِدَامَةِ دُخَانِهِ، وَعَمَلِ دُكَّانِ قِصَارَةٍ أَوْ حِدَادَةٍ يَتَأَذَّى بِكَثْرَةِ دَقِّهِ، وَ) يَتَأَذَّى (بِهَزِّ الْحِيطَانِ) مِنْ ذَلِكَ.
(وَ) نَصْبِ (رَحَى) يَتَأَذَّى بِهَا جَارُهُ (وَحَفْرِ بِئْرٍ يَنْقَطِعُ بِهَا مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ، وَسَقْيٍ، وَإِشْعَالِ نَارٍ يَتَعَدَّيَانِ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْجَارِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِنْ كُلِّ مَا يُؤْذِيهِ.
(وَيَضْمَنُ) مَنْ أَحْدَثَ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِجَارِهِ (مَا تَلِفَ بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ الْإِحْدَاثِ، لِتَعَدِّيهِ بِهِ (بِخِلَافِ طَبْخِهِ) أَيْ الْجَارِ (وَخَبْزِهِ فِيهِ) أَيْ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ.
(وَيُمْنَعُ) رَبُّ حَمَّامٍ وَنَحْوِهِ (مِنْ إجْرَاءِ مَاءِ الْحَمَّامِ) وَنَحْوِهِ (فِي نَهْرِ غَيْرِهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَإِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ الضَّرَرُ) لِلْجَارِ مِنْ حَمَّامٍ وَرَحَى وَنَحْوِهِمَا (سَابِقًا) عَلَى مِلْكِ الْجَارِ (مِثْلَ مَنْ لَهُ فِي مِلْكِهِ مَدْبَغَةٌ وَنَحْوُهَا) مِنْ رَحَى وَتَنُّورٍ (فَأَحْيَا إنْسَانٌ إلَى جَانِبِهِ مَوَاتًا أَوْ بَنَاهُ) أَيْ بَنَى جَانِبُهُ (دَارًا) قُلْتُ أَوْ اشْتَرَى دَارًا بِجَانِبِهِ بِحَيْثُ (يَتَضَرَّرُ) صَاحِبُ الْمِلْكِ الْمُحْدَثِ (بِذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الْمَدْبَغَةِ وَنَحْوِهَا (لَمْ يَلْزَمْهُ) أَيْ صَاحِبَ الْمَدْبَغَةِ وَنَحْوِهَا (إزَالَةُ الضَّرَرِ) لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ بِمِلْكِهِ مَا يَضُرَّ بِجَارِهِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْجَارِ (مَنْعُهُ) أَيْ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ (تَعْلِيَةِ دَارِهِ وَلَوْ أَفْضَى) إعْلَاؤُهُ (إلَى سَدِّ الْفَضَاءِ عَنْهُ) قَالَهُ الشَّيْخُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَقَدْ احْتَجَّ أَحْمَدُ بِالْخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» فَيَتَوَجَّهُ مِنْهُ مَنْعُهُ (أَوْ خَافَ) أَيْ لَيْسَ لِلْجَارِ مَنْعُ جَارِهِ مِنْ تَعْلِيَةِ بِنَائِهِ وَلَوْ خَافَ (نَقْصَ أُجْرَةِ دَارِهِ) قَالَ الشَّيْخُ بِلَا نِزَاعٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: كَذَا قَالَ.
(وَإِنْ حَفَرَ) إنْسَانٌ (بِئْرًا فِي مِلْكِهِ فَانْقَطَعَ مَاءُ بِئْرِ جَارِهِ أُمِرَ) حَافِرُ الْبِئْرِ (بِسَدِّهَا لِيَعُودَ مَاءُ الْبِئْرِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ انْقِطَاعَهُ بِسَبَبِهَا (فَإِنْ) سَدَّ الثَّانِي بِئْرَهُ وَ(لَمْ يَعُدْ) مَاءُ الْأُولَى (كُلِّفَ صَاحِبُ الْبِئْرِ الْأُولَى حَفْرَ الْبِئْرِ الَّتِي سُدَّتْ لِأَجْلِهِ مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي سَدِّهَا بِغَيْرِ حَقٍّ.
(وَلَوْ ادَّعَى) إنْسَانٌ (أَنَّ بِئْرَهُ فَسَدَتْ مِنْ خَلَاءِ جَارِهِ أَوْ) مِنْ (بَالُوعَتِهِ وَكَانَتْ الْبِئْرُ أَقْدَمَ مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ (طُرِحَ فِي الْخَلَاءِ أَوْ الْبَالُوعَةِ نِفْطٌ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ طَعْمُهُ وَلَا رَائِحَتُهُ فِي الْبِئْرِ عُلِمَ أَنَّ فَسَادَهَا بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ فَلَا يُكَلَّفُ رَبَّهُمَا نَقُلْهُمَا.
(وَإِنْ ظَهَرَ فِيهَا ذَلِكَ) أَيْ طَعْمُ النِّفْطِ (كُلِّفَ صَاحِبُ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ نَقْلَ ذَلِكَ) أَيْ الْخَلَاءِ وَالْبَالُوعَةِ، دَفْعًا لِضَرَرِهِ (إنْ لَمْ يُمْكِنْ إصْلَاحُهَا) بِنَحْوِ بِنَاءٍ يَمْنَعُ وُصُولَهُ إلَى الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَتْ الْبِئْرُ بَعْدَهُمَا لَمْ يُكَلَّفْ رَبُّهُمَا نَقْلَهُمَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْهُمَا وَإِنَّمَا رَبُّ الْبِئْرِ أَحْدَثَهَا.
(وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ مَصْنَعٌ فَأَرَادَ جَارُهُ غَرْسَ شَجَرَةٍ مِمَّا تَسْرِي عُرُوقُهُ كَشَجَرِ تِينٍ وَنَحْوِهِ) كَجُمَّيْزٍ (فَيَشُقُّ) عِرْقُهُ (حَائِطَ مَصْنَعِ جَارِهِ وَيُتْلِفُهُ لَمْ يَمْلِكْ) جَارُهُ (ذَلِكَ) لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ جَارِهِ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ (وَكَانَ لِجَارِهِ مَنْعُهُ) مِنْ غَرْسِهَا (وَ) لِجَارِهِ (قَلْعُهَا إنْ غَرَسَهَا) دَفْعًا لِضَرَرِهَا.
(وَلَوْ أَنَّ بَابَهُ فِي آخِرِ دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ مَلَكَ نَقْلَهُ) أَيْ الْبَابِ (إلَى أَوَّلِهِ) أَيْ الدَّرْبِ لِأَنَّهُ تَرَكَ بَعْضَ حَقِّهِ لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِطْرَاقَ إلَى آخِرِهِ (إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ضَرَرٌ كَفَتْحِهِ مُقَابِلَ بَابِ غَيْرِهِ وَنَحْوِهِ) كَفَتْحِهِ عَالِيًا يَصْعَدُ إلَيْهِ بِسُلَّمٍ يُشْرِفُ مِنْهُ عَلَى دَارِ غَيْرِهِ (وَ) إنْ كَانَ بَابُهُ فِي أَوَّلِ الدَّرْبِ أَوْ وَسَطِهِ (لَمْ يَمْلِكْ نَقْلَهُ إلَى دَاخِلٍ مِنْهُ) تِلْقَاءَ صَدْرِ الزُّقَاقِ لِأَنَّهُ يُقَدِّمُ بَابَهُ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِطْرَاقِ لَهُ فِيهِ (إنْ لَمْ يَأْذَنْ) لَهُ (مَنْ فَوْقَهُ) أَيْ مَنْ هُوَ دَاخِلٌ عَنْهُ فَإِنْ أَذِنَ جَازَ.
(وَيَكُونُ إعَارَةً إنْ أَذِنُوا) فَإِذَا سَدَّهُ ثُمَّ أَرَادَ فَتْحَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بِإِذْنٍ مُتَجَدِّدٍ، لَكِنْ لَيْسَ لِلْآذِنِ الرُّجُوعُ بَعْدَ فَتْحِهِ مَا دَامَ مَفْتُوحًا، قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ أَذِنَ لِجَارِهِ فِي الْبِنَاءِ عَلَى حَائِطِهِ، أَوْ وَضْعِ خَشَبِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّهُ إضْرَارٌ بِهِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى (وَحَيْثُ نَقَلَهُ) أَيْ الْبَابَ عَنْ آخِرِ الدَّرْبِ (إلَى أَوَّلِ الدَّرْبِ فَلَهُ رَدُّهُ إلَى مَوْضِعِهِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ تَرْكَهُ لِبَعْضِ حَقِّهِ لَا يُسْقِطُهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ.
(وَلَوْ كَانَ لَهُ دَارَانِ مُتَلَاصِقَانِ ظَهْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى، وَبَابُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ فَرَفَعَ) صَاحِبُ الدَّارَيْنِ (الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُمَا دَارًا وَاحِدَةً جَازَ) لَهُ ذَلِكَ إذْ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِهِ.
(وَإِنْ فَتَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الدَّارَيْنِ (بَابًا إلَى) الدَّارِ (الْأُخْرَى لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّطَرُّقِ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إلَى الدَّارَيْنِ جَازَ) لِأَنَّ لَهُ رَفْعَ الْحَاجِزِ فَبَعْضُهُ أَوْلَى.
(وَلَوْ كَانَ فِي الدَّرْبِ) غَيْرِ النَّافِذِ (بَابَانِ فَقَطْ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْبَابَيْنِ (قَرِيبٌ مِنْ بَابِ الزُّقَاقِ وَ) الْبَابُ (الْآخَرُ دَاخِلُهُ) أَيْ الدَّرْبِ (فَتَنَازَعَا) أَيْ الرَّجُلَانِ (فِي الدَّرْبِ حُكِمَ بِالدَّرْبِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ) أَيْ أَوَّلِ الدَّرْبِ (بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ لَهُمَا الِاسْتِطْرَاقَ فِيهِ جَمِيعًا.
(وَ) حُكِمَ (بِمَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْبَابِ الْأَوَّلِ (إلَى صَدْرِ الدَّرْبِ الْآخَرِ يَخْتَصُّ بِهِ مِلْكًا لَهُ) لِأَنَّ الِاسْتِطْرَاقَ فِي ذَلِكَ لَهُ وَحْدَهُ فَلَهُ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ فِيمَا جَاوَزَ بَابَهُ (وَلَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْبَابِ الْآخَرِ (أَنْ يَجْعَلَهُ) أَيْ مَا بَعْدَ بَابِ الْأَوَّلِ (دِهْلِيزًا لِنَفْسِهِ وَ) لَهُ (أَنْ يُدْخِلَهُ فِي دَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِجَارِهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ بِلَا ضَرَرٍ.
(وَلَا يَضَعُ) أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرْبِ الْمُشْتَرَكِ (عَلَى حَائِطِهِ) أَيْ الدَّرْبِ (شَيْئًا) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مُشْتَرَكٍ بِغَيْرِ إذْنِ بَاقِي الشُّرَكَاءِ.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَائِطِ جَارِهِ) رَوْزَنَةً وَنَحْوَهَا (وَلَا) أَنْ يَفْتَحَ فِي (الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً وَلَا طَاقًا وَلَا غَيْرَهُمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، حَتَّى يَضْرِبَ وَتَدًا) أَوْ مِسْمَارًا وَنَحْوَهُ إذْ لَا فَرْقَ لِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِمِلْكِ غَيْرِهِ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمُنِعَ مِنْهُ كَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَالرَّوْزَنَةُ الْكَوَّةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا: الْخَرْقُ فِي الْحَائِطِ وَالطَّاقُ: مَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ الْبُنْيَانِ وَمِنْهُ طَاقَةُ الْقِبْلَةِ.
(وَلَا أَنْ يُعْلِيَهُ) أَيْ يُعْلِيَ حَائِطَ جَارِهِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ (وَلَا) أَنْ (يُحْدِثَ عَلَيْهِ سُتْرَةً وَلَا) أَنْ يُحْدِثَ عَلَيْهِ (حَائِطًا وَلَا خُصًّا يَحْجِزُ بِهِ بَيْنَ السَّطْحَيْنِ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ) أَوْ شَرِيكِهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ الْبِنَاءِ عَلَيْهِ، أَوْ وَضْعِ السُّتْرَةِ أَوْ الْخُصِّ وَنَحْوِهِ (بِعِوَضٍ جَازَ) الصُّلْحُ سَوَاءٌ كَانَ إجَارَةً فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ صُلْحًا عَلَى وَضْعِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ وَيُحْتَاجُ لِوَصْفِ الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَهُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى جِدَارِ جَارِهِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ (وَإِسْنَادُ شَيْءٍ لَا يَضُرُّهُ وَالْجُلُوسُ فِي ظِلِّهِ وَنَظَرُهُ فِي ضَوْءِ سِرَاجِهِ بِلَا إذْنٍ) لِأَنَّ هَذَا لَا مَضَرَّةَ فِيهِ وَالتَّحَرُّزُ مِنْهُ يَشُقُّ.
(قَالَ الشَّيْخُ: الْعَيْنُ وَالْمَنْفَعَةُ الَّتِي لَا قِيمَةَ لَهَا عَادَةً لَا يَصِحُّ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا عَقْدُ بَيْعٍ، وَ) لَا عَقْدُ (إجَارَةٍ اتِّفَاقًا، كَمَسْأَلَتِنَا) أَيْ كَالِاسْتِنَادِ إلَى الْحَائِطِ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُهَا فِي الْعَيْنِ نَحْوُ حَبَّةِ بُرٍّ.
(وَلَوْ كَانَ لَهُ حَقُّ مَاءٍ يَجْرِي عَلَى سَطْحِ جَارِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ) أَيْ لِجَارِهِ (تَعْلِيَةُ سَطْحِهِ لِيَمْنَعَ) جَرَيَانَ (الْمَاءِ) عَلَى سَطْحِهِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّ جَارِهِ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ تَعْلِيَتُهُ لِيَكْثُرَ ضَرَرُ جَارِهِ (وَلَوْ كَثُرَ ضَرَرُهُ) بِجَرَيَانِ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِهِ لِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ.
(وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبَةٍ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ أَوْ) الْحَائِطِ (الْمُشْتَرَكِ) بِلَا إذْنِهِ (إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ لَا يُمْكِنَهُ التَّسْقِيفُ إلَّا بِهِ) أَيْ بِوَضْعِ الْخَشَبِ عَلَى حَائِطِ الْجَارِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ (فَيَجُوزُ) وَضْعُهُ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَائِطٌ وَاحِدٌ أَوْ حَائِطَانِ لِحَدِيثِ أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ، ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاَللَّهِ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ: لَأَضَعَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ، وَلِأَحْمِلَنكُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَأَضَعَنَّ جُذُوعَ الْجِيرَانِ عَلَى أَكْتَافِكُمْ مُبَالَغَةً وَلِأَنَّهُ انْتِفَاعٌ بِحَائِطِ جَارِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهِ أَشْبَهَ الِاسْتِنَادَ إلَيْهِ وَإِنْ أَمْكَنَ وَضْعُهُ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ وَضْعُهُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّهِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِهِ جَازَ (وَلَوْ) كَانَ الْحَائِطُ (لِيَتِيمٍ وَمَجْنُونٍ) أَوْ مُكَاتَبٍ أَوْ وَقْفٍ وَنَحْوِهِ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (مَا لَمْ يَتَضَرَّرْ الْحَائِطُ) بِوَضْعِ الْخَشَبِ عَلَيْهِ.
فَلَا يُوضَعُ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْجَارِ رَبِّ الْحَائِطِ (مَنْعُهُ) أَيْ مَنْعُ الْجَارِ مِنْهُ أَيْ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ (إذَا) أَيْ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ بِلَا ضَرَرٍ عَلَى الْحَائِطِ لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ أَبَى) رَبُّ الْحَائِطِ تَمْكِينَهُ مِنْهُ (أَجْبَرَهُ حَاكِمٌ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ صَالَحَهُ عَنْهُ بِشَيْءٍ جَازَ) قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَظَاهِرُهُ حَتَّى فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَجِبُ فِيهَا التَّمْكِينُ وَقَالَ فِي الْمُبْدِعِ: إذَا أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ فِي وَضْعِ خَشَبِهِ أَوْ الْبِنَاءِ عَلَى جِدَارِهِ بِعِوَضٍ جَازَ قَالَ وَإِنْ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ عِوَضًا لِأَنَّهُ يَأْخُذُ عِوَضَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَلُهُ (وَكَذَا حُكْمُ جِدَارِ مَسْجِدٍ) إذَا لَمْ يُمْكِنْ جَارَهُ تَسْقِيفٌ إلَّا بِوَضْعِ خَشَبِهِ عَلَيْهِ جَازَ بِلَا ضَرَرٍ كَالطَّلْقِ.
(وَمَنْ مَلَكَ وَضْعَ خَشَبِهِ عَلَى حَائِطٍ فَزَالَ) الْخَشَبُ عَنْ الْحَائِطِ (بِسُقُوطِهِ) أَيْ الْخَشَبِ (أَوْ قَلْعِهِ أَوْ سُقُوطِ الْحَائِطِ فَلَهُ) أَيْ رَبِّ الْخَشَبِ (إعَادَتُهُ بِشَرْطِهِ) بِأَنْ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ بِلَا ضَرَرٍ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُجَوِّزُ لِوَضْعِهِ مُسْتَمِرٌّ فَاسْتَمَرَّ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ وَإِنْ خِيفَ سُقُوطُ الْحَائِطِ بَعْدَ وَضْعِهِ لَزِمَ إزَالَتُهُ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْمَالِكِ وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ لَكِنْ اسْتَغْنَى عَنْ إبْقَائِهِ عَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْ إزَالَتُهُ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَمَتَى وَجَدَهُ) أَيْ خَشَبَهُ (أَوْ) وَجَدَ (بِنَاءَهُ أَوْ مَسِيلَ مَائِهِ وَنَحْوَهُ) كَجَنَاحِهِ أَوْ سَابَاطِهِ (فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ) وَجَدَ (مَجْرَى مَاءِ سَطْحِهِ عَلَى سَطْحِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ سَبَبَهُ فَهُوَ) أَيْ مَا وَجَدَهُ حَقٌّ (لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهُ بِحَقٍّ) مِنْ صُلْحٍ أَوْ غَيْرِهِ خُصُوصًا مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمِنَةِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) فِي أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ أَوْ لَا (فَقَوْلُ صَاحِبُ الْخَشَبِ وَالْبِنَاءِ وَالْمَسِيلِ) وَنَحْوِهِ إنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ (مَعَ يَمِينِهِ) عَمَلًا بِالظَّاهِرِ (فَإِنْ زَالَ) الْخَشَبُ وَنَحْوُهُ (فَلَهُ) أَيْ لِرَبِّهِ (إعَادَتُهُ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ اسْتِمْرَارُ حَقِّهِ فِيهِ فَلَا يَزُولُ حَتَّى يُوجَدَ مَا يُخَالِفُهُ.
(وَلَهُ) أَيْ لِمَنْ وَجَدَ خَشَبَهُ أَوْ بِنَاءَهُ وَنَحْوَهُ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ (أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ) بِأَنْ يُصَالِحَهُ بِعِوَضٍ عَلَى إزَالَتِهِ أَوْ عَدَم عَادَتِهِ.
(وَلَوْ كَانَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ) لِكَوْنِهِ لَا يُمْكِنُ تَسْقِيفٌ إلَّا بِهِ بِلَا ضَرَرٍ (لَمْ يَمْلِكْ) مَنْ قُلْنَا لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ (إجَارَتَهُ) أَيْ الْحَائِطِ.
(وَلَا إعَارَتَهُ وَلَا بَيْعَهُ وَلَا الْمُصَالَحَةَ عَنْهُ لِلْمَالِكِ) أَيْ مَالِكِ الْحَائِطِ (وَلَا لِغَيْرِهِ، لِأَنَّهُ) أَيْ وَضْعَ الْخَشَبِ (أُبِيحَ لَهُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ لِحَاجَتِهِ) كَطَعَامِ غَيْرِهِ إذَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ أَجْلِ الضَّرُورَةِ وَلَيْسَ مِلْكًا حَتَّى يَتَصَرَّفَ فِيهِ.
(وَلَوْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ) الَّذِي اسْتَحَقَّ الْجَارُ وَضْعَ خَشَبِهِ عَلَيْهِ (إعَارَتُهُ أَوْ إجَارَتَهُ عَلَى وَجْهٍ يَمْنَعُ هَذَا الْمُسْتَحِقَّ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ يُسْقِطُ بِهِ حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ وَإِنْ بَاعَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي مَنْعُهُ (وَلَوْ أَرَادَ هَدْمَ الْحَائِطِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ) أَيْ هَدْمَهَا لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ تَمْكِينِ جَارِهِ مِنْ وَضْعِ خَشَبِهِ عَلَيْهِ (وَإِنْ احْتَاجَ) رَبُّ الْحَائِطِ (إلَى ذَلِكَ) أَيْ إلَى هَدْمِهِ (لِلْخَوْفِ مِنْ انْهِدَامِهِ أَوْ لِتَحْوِيلِهِ) أَيْ الْحَائِطِ (إلَى مَكَان آخَرَ أَوْ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ) غَيْرِ ذَلِكَ (مَلَكَ ذَلِكَ) أَيْ هَدْمَهُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا شَاءَ غَيْرَ مُضَارٍّ لِجَارِهِ.
(وَلَوْ أَذِنَ صَاحِبُ الْحَائِطِ لِجَارِهِ فِي الْبِنَاءِ عَلَى حَائِطِهِ أَوْ وَضْعِ سُتْرَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ عَلَيْهِ) وَنَحْوِ ذَلِكَ (فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ وَضْعَهُ) عَلَيْهِ (جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ.
(وَصَارَتْ عَارِيَّةً لَازِمَةً وَيَأْتِي، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وَضْعِ خَشَبِهِ أَوْ بِنَائِهِ (بِأُجْرَةٍ جَازَ سَوَاءٌ كَانَتْ إجَارَةً أَوْ صُلْحًا عَلَى وَضْعِهِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَتَى زَالَ فَلَهُ إعَادَتُهُ وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْبِنَاءِ) أَوْ الْخَشَبِ.
(وَ) مَعْرِفَةُ (الْعَرْضِ وَالطُّولِ وَالسُّمْكِ وَالْآلَاتِ، مِنْ الطِّينِ وَاللَّبِنِ، أَوْ الطِّينِ وَالْآجُرِّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ) قَطْعًا لِلنِّزَاعِ وَالْمُخَاصَمَةِ (وَإِذَا سَقَطَ الْحَائِطُ الَّذِي عَلَيْهِ الْبِنَاءُ أَوْ الْخَشَبُ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ سُقُوطًا لَا يَعُودُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ) لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
(وَرَجَعَ) الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى رَبِّ الْحَائِطِ فَيَأْخُذُ (مِنْ الْأُجْرَةِ) إنْ كَانَ عَجَّلَهَا لَهُ (بِقِسْطِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَجَّلَهَا سَقَطَ عَنْهُ بِقِسْطِ الْبَاقِي.
(وَإِنْ أُعِيدَ) الْحَائِطُ (رَجَعَ) رَبُّ الْبِنَاءِ أَوْ الْخَشَبِ (مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ السُّقُوطِ) لِانْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ فِيهِ (وَإِنْ صَالَحَهُ مَالِكُ الْحَائِطِ عَلَى رَفْعِ خَشَبِهِ، أَوْ بِنَائِهِ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ) لَهُمَا (جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ مَا صَالَحَ بِهِ مِثْلَ الْعِوَضِ الَّذِي صُولِحَ بِهِ عَلَى وَضْعِهِ، أَوْ) كَانَ (أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ) لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ؛ فَجَازَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا كَالْمُسْتَأْجَرِ يُؤْجَرُ.
(وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مَسِيلُ مَاءٍ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ) كَانَ لَهُ (مِيزَابٌ أَوْ غَيْرُهُ) مِنْ جَنَاحٍ أَوْ سَابَاطٍ وَنَحْوِهِ (فَصَالَحَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُسْتَحِقٌّ ذَلِكَ بِعِوَضٍ لِيُزِيلَهُ عَنْهُ جَازَ) الصُّلْحُ.
(وَإِنْ كَانَ الْخَشَبُ أَوْ الْحَائِطُ) الَّذِي بَنَاهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ (قَدْ سَقَطَ فَصَالَحَهُ) صَاحِبُ الْحَائِطِ (بِشَيْءٍ عَلَى أَنْ لَا يُعِيدَهُ) أَيْ الْخَشَبَ أَوْ الْبِنَاءَ عَلَى الْحَائِطِ (جَازَ) لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ؛ فَجَازَ لَهُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا.