فصل: بَابُ الْوَكَالَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابُ الْوَكَالَةِ:

(الْوَكَالَةِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّوْكِيلِ (وَهِيَ) لُغَةً: التَّفْوِيضُ يُقَالُ: وَكَّلْت أَمْرِي إلَى اللَّهِ أَيْ فَوَّضْته إلَيْهِ وَاكْتَفَيْت بِهِ وَقَدْ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الْحِفْظُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} وَشَرْعًا (اسْتِنَابَةُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ مِثْلَهُ) أَيْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، ذَكَرَيْنِ كَانَا أَوْ أُنْثَيَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ (فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ) مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَهَذَا التَّعْرِيفُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، أَوْ الْمُرَادُ: جَائِزُ التَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ الَّذِي وُكِّلَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ فَلَا يَرِدُ صِحَّةُ تَوْكِيلِ نَحْوِ عَبْدٍ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ وَهِيَ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا وقَوْله تَعَالَى {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ}- الْآيَةَ وَفَعَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَكَّلَ عَمْرَو بْنَ الْجَعْدِ فِي شِرَاءِ الشَّاةِ، وَأَبَا رَافِعٍ فِي تَزَوُّجِ مَيْمُونَةَ وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فِي تَزَوُّجِ أُمِّ حَبِيبَةَ.
(وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ، أَيْ إيجَابُهَا (بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ) فِي التَّصَرُّفِ (كَوَكَّلْتُكَ أَوْ فَوَّضْت إلَيْك) فِي كَذَا (أَوْ أَذِنْت لَك فِيهِ، أَوْ بِعْهُ، أَوْ أَعْتِقْهُ، أَوْ كَاتِبْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ) كَأَقَمْتُكَ مَقَامِي، أَوْ جَعَلْتُك نَائِبًا عَنِّي لِأَنَّهُ لَفْظٌ دَالٌّ عَلَى الْإِذْنِ فَصَحَّ كَلَفْظِهَا الصَّرِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَدَلَّ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى انْعِقَادِهَا بِفِعْلٍ دَالٍّ، كَبَيْعٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَلَامِ الشَّيْخِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ وَهُوَ أَظْهَرُ كَالْقَبُولِ انْتَهَى (وَ) يَصِحُّ قَبُولُ الْوَكَالَةِ بِ (كُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مِنْ الْوَكِيلِ يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ) لِأَنَّ وُكَلَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ سِوَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَلِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَ قَبُولُهُ بِالْفِعْلِ، كَأَكْلِ الطَّعَامِ.
(وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ) الْوَكِيلُ (بِهَا) أَيْ بِالْوَكَالَةِ لَهُ، مِثْلُ أَنْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ دَارِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَكِيلُ فَبَاعَهَا نَفَذَ بَيْعُهُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَيْعِ.
(وَيَصِحُّ قَبُولُهَا) أَيْ الْوَكَالَةِ (عَلَى الْفَوْرِ وَالتَّرَاخِي، بِأَنْ يُوَكِّلَهُ فِي بَيْعِ شَيْءٍ فَيَبِيعُهُ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ يَبْلُغُهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ مُنْذُ شَهْرٍ فَيَقُولُ: قَبِلْت) لِأَنَّ قَبُولَ وُكَلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِفِعْلِهِمْ وَكَانَ مُتَرَاخِيًا عَنْ تَوْكِيلِهِ إيَّاهُمْ وَلِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ، وَالْإِذْنُ قَائِمٌ مَا لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ أَشْبَهَ الْإِبَاحَةَ (وَكَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، كَشَرِكَةٍ وَمُضَارَبَةٍ وَمُسَاقَاةٍ وَنَحْوِهَا) كَالْمُزَارِعَةِ (فِي أَنَّ الْقَبُولَ يَصِحُّ بِالْفِعْلِ) فَوْرًا وَمُتَرَاخِيًا لِمَا سَبَقَ.
(وَلَوْ أَبَى الْوَكِيلُ أَنْ يَقْبَلَ) الْوَكَالَةَ (فَكَعَزْلِهِ نَفْسَهُ) كَالْمُوصَى لَهُ إذَا لَمْ يَقْبَلْ الْوَصِيَّةَ وَلَمْ يُرِدْهَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ بَاقِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ.
(وَيُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ (تَعْيِينُ وَكِيلٍ) فَلَوْ قَالَ: وَكَّلْت أَحَدَ هَذَيْنِ لَمْ تَصِحَّ لِلْجَهَالَةِ وَ.
(قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: فَلَوْ وَكَّلَ زَيْدًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ) لَمْ تَصِحَّ لِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْعِلْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَقْصُودِ، إمَّا بِنِسْبَةٍ، أَوْ إشَارَةٍ إلَيْهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُعَيِّنُهُ (أَوْ لَمْ يَعْرِفْ الْوَكِيلُ مُوَكِّلَهُ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ: وَكَّلَك زَيْدٌ وَلَمْ يُنْسَبْ لَهُ، وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ مِنْ وَصْفِهِ أَوْ شُهْرَتِهِ مَا يُمَيِّزُهُ (لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ لِلْجَهَالَةِ.
(وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ (مُؤَقَّتَةً) كَأَنْتَ وَكِيلِي شَهْرًا (وَ) تَصِحُّ أَيْضًا (مُعَلَّقَةً بِشَرْطٍ نَحْوُ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَافْعَلْ كَذَا، أَوْ إذَا جَاءَ الشِّتَاءُ فَاشْتَرِ لَنَا كَذَا، أَوْ إذَا طَلَبَ أَهْلِي مِنْك شَيْئًا فَادْفَعْهُ إلَيْهِمْ وَإِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي كَذَا، أَوْ فَأَنْتَ وَكِيلِي وَنَحْوُهُ) كَوَصِيَّةٍ وَإِبَاحَةِ أَكْلٍ وَقَضَاءٍ وَإِمَارَةٍ.
(وَلَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي شَيْءٍ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ وَنَحْوِهَا (إلَّا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الَّذِي وَكَّلَ فِيهِ (لِنَفْسِهِ) لِأَنَّ مَنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِنَفْسِهِ فَنَائِبُهُ أَوْلَى (سِوَى تَوْكِيلِ أَعْمَى وَنَحْوِهِ) كَغَائِبٍ (فِي عَقْدٍ) نَحْوِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ عَلَى (مَا يَحْتَاجُ إلَى رُؤْيَةٍ) لِأَنَّ مَنْعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ لَا لِمَعْنًى فِيهِ (وَتَقَدَّمَ) ذَلِكَ (فِي الْبَيْعِ، وَمِثْلُهُ)، أَيْ مِثْلُ التَّوْكِيلِ فِيمَا ذَكَرَ (التَّوَكُّلُ) فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَكَّلَ فِي شَيْءِ مَنْ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِنَفْسِهِ (سِوَى تَوَكُّلِ حُرٍّ وَاجِدِ الطَّوْلِ) أَوْ غَيْرِ خَائِفٍ الْعَنَتَ (فِي قَبُولِ نِكَاحِ أَمَةٍ لِمَنْ تُبَاحُ لَهُ) الْأَمَةُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ عَادِمِ الطَّوْلِ خَائِفٍ الْعَنَتَ.
(وَ) سِوَى (تَوَكُّلِ غَنِيٍّ فِي قَبْضِ زَكَاةٍ) أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ (لِفَقِيرٍ، وَ) سِوَى (قَبُولِ نِكَاحِ أُخْتِهِ وَنَحْوِهَا) كَعَمَّتِهِ (مِنْ أَبِيهِ) أَوْ جَدِّهِ وَنَحْوِهِ (الْأَجْنَبِيِّ) لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّنْزِيهِ لَا لِمَعْنًى فِيهِ يَقْتَضِي مَنْعَ التَّوَكُّلِ.
وَلَوْ وَكَّلَ الزَّوْجُ الْوَلِيَّ فِي الْقَبُولِ صَحَّ وَيَتَوَلَّى طَرَفَيْ الْعَقْدِ وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ (وَ) سِوَى (طَلَاقِ امْرَأَةٍ نَفْسَهَا وَ) طَلَاقِهَا (غَيْرَهَا) مِنْ ضَرَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا (بِالْوَكَالَةِ فَيَصِحُّ فِيهِنَّ) لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ طَلَاقَ نَفْسِهَا بِجَعْلِهِ إلَيْهَا مَلَكَتْ طَلَاقَ غَيْرِهَا.
(وَلَا يَصِحُّ) أَنْ يُوَكِّلَ (فِي بَيْعِ مَا سَيَمْلِكُهُ، وَلَا) فِي (طَلَاقِ مَنْ يَتَزَوَّجُهَا) لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ حِينَ التَّوْكِيلِ وَإِنْ قَالَ: إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِهَا لَمْ يَصِحَّ، بِخِلَافِ إنْ اشْتَرَيْت فُلَانًا فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي عِتْقِهِ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ عَلَى الْمِلْكِ بِخِلَافِ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْمَرْأَةِ عَلَى نِكَاحِهَا.
(وَلَا) يَصِحُّ (تَوْكِيلُ الْعَبْدِ، وَ) لَا (السَّفِيهُ فِي غَيْرِ مَا لَهُمَا فِعْلُهُ) مِنْ نَحْوِ طَلَاقٍ، وَكُلِّ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ (وَتَصِحُّ وَكَالَةُ الْمُمَيِّزِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ) فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ لَا يُعْتَبَرُ لَهُ الْبُلُوغُ (كَتَصَرُّفِهِ) أَيْ الْمُمَيِّزِ (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَتَقَدَّمَ وَأَمَّا تَوْكِيلُهُ فِي نَحْوِ إيجَابِ النِّكَاحِ فَلَا يَصِحُّ، لِمَا مَرَّ وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ وَيَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي الطَّلَاقِ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ إذَا عَقَلَهُ لِصِحَّتِهِ مِنْهُ وَيَأْتِي فِي الطَّلَاقِ.
(وَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِيٍّ مِنْ الْعُقُودِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَّلَ فِي الشِّرَاءِ وَالنِّكَاحِ، وَسَائِرِ الْعُقُودِ، كَالْإِجَارَةِ وَالْقَرْضِ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالْإِبْرَاءُ فِي مَعْنَاهُ.
(وَ) مِنْ (الْفُسُوخِ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ أَشْبَهَ الْبَيْعَ (حَاضِرًا كَانَ الْمُوَكِّلُ أَوْ غَائِبًا) صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا.
(وَلَوْ) كَانَ التَّوْكِيلُ فِي خُصُومَةٍ (بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ، حَتَّى فِي صُلْحٍ وَإِقْرَارٍ) فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ فَيَهِمَا، كَغَيْرِهِمَا وَصِفَةُ التَّوْكِيلِ فِي الْإِقْرَارِ: أَنْ يَقُولَ لَهُ: وَكَّلْتُك فِي الْإِقْرَارِ، فَلَوْ قَالَ لَهُ: أَقِرَّ عَنِّي لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَكَالَةً ذَكَرَهُ الْمَجْدُ.
(وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ) الْمُوَكِّلِ (مَا يُقِرُّ بِهِ) وَكِيلُهُ عَنْهُ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَ: وَكَّلْتُك فِي الْإِقْرَارِ لِزَيْدٍ بِمَالٍ أَوْ شَيْءٍ، فَأَقَرَّ كَذَلِكَ (رُجِعَ فِي تَفْسِيرِهِ إلَى، الْمُوَكِّلِ) لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَا عَلَيْهِ.
(وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالٍ) مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرِهَا (لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ) الْوَكِيلُ (لِنَفْسِهِ) صَدَقَةً (إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ، وَلَا) شَيْئًا (لِأَجْلِ الْعَمَلِ) لِأَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْمُوَكِّلِ يَنْصَرِفُ إلَى دَفْعِهِ إلَى غَيْرِهِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ مِنْهُ لِوَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَزَوْجَتِهِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَوَّلُهُمَا: جَوَازُهُ، لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ لَفْظِهِ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ) مُوَضَّحًا وَكَذَا لَوْ وَصَّى إلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ عَلَى قَوْمٍ وَهُوَ مِنْهُمْ أَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَأَمَرَهُ بِتَفْرِيقِهِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ، أَوْ دَفْعِهِ إلَى مَنْ شَاءَ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.
(وَيَصِحُّ) التَّوْكِيلُ (فِي عِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ وَلَوْ) كَانَ التَّوْكِيلُ (لِغَرِيمِهِ) فِي الْإِبْرَاءِ.
(وَ) لِ (عَبْدِهِ) فِي الْعِتْقِ (وَيَمْلِكَانِهِ) أَيْ يَمْلِكُ الْغَرِيمُ الْإِبْرَاءَ وَالْعَبْدُ الْعِتْقَ (لِأَنْفُسِهِمَا بِالْوَكَالَةِ الْخَاصَّةِ) بِأَنْ وَكَّلَهُ غَرِيمُهُ فِي إبْرَاءِ نَفْسِهِ، أَوْ وَكَّلَ عَبْدَهُ فِي إعْتَاقِ نَفْسِهِ وَ(لَا) يَمْلِكَانِ ذَلِكَ بِالْوَكَالَةِ (الْعَامَّةِ) وَمِثْلُهُمَا الطَّلَاقُ (فَلَوْ وَكَّلَ) السَّيِّدُ (الْعَبْدَ فِي إعْتَاقِ عَبِيدِهِ، أَوْ) وَكَّلَ الزَّوْجُ (امْرَأَتَهُ فِي طَلَاقِ نِسَائِهِ لَمْ يَمْلِكْ الْعَبْدُ إعْتَاقَ نَفْسِهِ، وَلَا الْمَرْأَةُ طَلَاقَ نَفْسِهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ يَنْصَرِفُ بِإِطْلَاقِهِ إلَى التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِهِ.
(وَإِنْ وَكَّلَهُ) رَبُّ الدَّيْنِ (فِي إبْرَاءٍ غُرَمَائِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْوَكِيلِ (أَنْ يُبَرِّئَ نَفْسَهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي حَبْسِهِمْ) أَيْ الْغُرَمَاءِ (لَمْ يَمْلِكْ حَبْسَ نَفْسِهِ) لِمَا سَبَقَ (وَيَصِحُّ) التَّوْكِيلُ (فِي طَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ، وَحَوَالَةٍ وَرَهْنٍ، وَضَمَانٍ وَكَفَالَةٍ، وَشَرِكَةٍ، الْوَدِيعَةٍ وَمُضَارَبَةٍ، وَجِعَالَةٍ، وَمُسَاقَاةٍ) وَمُزَارَعَةٍ (وَإِجَارَةٍ وَقَرْضٍ وَصُلْحٍ، وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَكِتَابَةٍ، وَتَدْبِيرٍ وَإِيقَافٍ، وَقِسْمَةٍ وَحُكُومَةٍ) بِأَنْ يُوَكِّلَ الْقَاضِي مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
(وَ) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ أَيْضًا فِي (إثْبَاتِ حَقٍّ وَمُحَاكَمَةٍ فِيهِ) أَيْ مُخَاصِمَةٍ فِي إثْبَاتِ الْحَقِّ، بِأَنْ يُوَكِّلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُجِيبُ عَنْهُ (وَ) يَصِحُّ التَّوْكِيلُ أَيْضًا فِي (تَمَلَّك مُبَاحَاتٍ مِنْ صَيْدٍ وَحَشِيشٍ وَنَحْوِهِمَا) كَحَطَبٍ وَإِحْيَاءِ مَوَاتٍ لِأَنَّهُ تَمَلُّك مَالٍ بِسَبَبٍ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَجَازَ كَالِابْتِيَاعِ، بِخِلَافِ الِالْتِقَاطِ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ الِائْتِمَانُ (سِوَى ظِهَارٍ وَلِعَانٍ، وَأَيْمَانٍ، وَنُذُورٍ، وَإِيلَاءٍ وَقَسَامَةٍ، وَقَسْمٍ بَيْنَ زَوْجَاتٍ، وَشَهَادَةٍ وَالْتِقَاطِ) لَقِطَّة أَوْ لَقِيطٍ (وَاغْتِنَامٍ، وَمَعْصِيَةٍ وَجِزْيَةٍ، وَرَضَاعٍ، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ) فَلَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ، لِعَدَمِ قَبُولِ النِّيَابَةِ.
(وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُقْبَلُ لَهُ النِّكَاحُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَقْدِهِ) أَيْ الْوَكِيلِ (تَسْمِيَةُ الْمُوَكِّلِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فَيَقُولُ) الْوَلِيُّ: زَوَّجْت مُوَكِّلَك فُلَانًا أَوْ زَوَّجْت فُلَانًا- وَيَنْسُبُهُ فُلَانَةَ وَيَقُولُ الْوَكِيلُ (قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ لِفُلَانِ) بْنِ فُلَانٍ (أَوْ لِمُوَكِّلِي فُلَانٍ فَإِنْ قَالَ) الْوَكِيلُ (قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ وَنَوَى أَنَّهُ قَبِلَهُ لِمُوَكِّلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ) فِي الْعَقْدِ (لَمْ يَصِحَّ) النِّكَاحُ وَيَأْتِي فِي النِّكَاحِ بِأَوْضَحَ مِنْ هَذَا (وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ وَلَوْ) كَانَ الْوَلِيُّ (غَيْرَ مُجْبَرٍ) قَبْلَ إذْنِهَا لَهُ فِي التَّزْوِيجِ (لِأَنَّ وِلَايَتَهُ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمَرْأَةِ) لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ عَزْلَهُ.
(وَاَلَّذِي يُعْتَبَرُ إذْنُهَا فِيهِ: هُوَ التَّزْوِيجُ، وَهُوَ) أَيْ التَّزْوِيجُ (غَيْرُ مَا يُوَكِّلُ فِيهِ) الْوَلِيُّ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إذْنُ غَيْرِ مُجْبَرَةٍ لِوَكِيلٍ بَعْدَ، الْوَكَالَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا قَبْلُ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي أَرْكَانِ النِّكَاحِ) مُفَصَّلًا.
وَمَحَلُّ صِحَّةِ تَوْكِيلِ الزَّوْجِ فِي الْقَبُولِ (إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ) أَيْ قَبُولُ النِّكَاحِ (لِنَفْسِهِ) كَالْحُرِّ الْبَالِغِ وَلَوْ فَاسِقًا، بِخِلَافِ الْمُمَيِّزِ وَالْعَبْدِ (وَ) مَحَلُّ صِحَّةِ تَوْكِيلِ الْوَلِيِّ فِي الْإِيجَابِ: إذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ إيجَابُهُ (لِمُوَلِّيَتِهِ) بِخِلَافِ فَاسِقٍ وَغَيْرِ مُكَلَّفٍ، وَمَنْ لَا يَعْرِفُ الْكُفْءَ وَمَصَالِحَ النِّكَاحِ وَنَحْوَهُمْ (إلَّا تَوَكُّلَ حُرٍّ وَاجِدِ الطَّوْلِ فِي قَبُولِ نِكَاحِ أَمَةٍ لِمَنْ يُتَاحُ لَهُ) الْأَمَةُ (فَيَصِحُّ كَمَا تَقَدَّمَ) قَرِيبًا.
(وَتَصِحُّ) الْوَكَالَةُ أَيْضًا (فِي كُلِّ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَكَتَفْرِقَةِ صَدَقَةٍ وَزَكَاةٍ وَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يَبْعَثُ عُمَّالَهُ بِقَبْضِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقِهَا» وَحَدِيثُ مُعَاذٍ شَاهِدٌ بِذَلِكَ (وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ) نَفْلًا مُطْلَقًا أَوْ فَرْضًا مِنْ نَحْوِ مَعْضُوبٍ وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ (وَرَكْعَتَا طَوَافٍ تَدْخُلُ تَبَعًا لَهُمَا) أَيْ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ (بِخِلَافِ عِبَادَةٍ بَدَنِيَّةٍ مَحْضَةٍ كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَطَهَارَةٍ مِنْ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ.
(وَنَحْوِهِ) كَاعْتِكَافٍ (فَلَا تَصِحُّ) الْوَكَالَةُ فِيهَا لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِبَدَنِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: مِنْ حَدَثٍ أَنَّهُ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي تَطْهِيرِ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ وَيَسْتَنِيبَ مَنْ يَصُبُّ لَهُ الْمَاءَ أَوْ يَغْسِلُ لَهُ أَعْضَاءَهُ وَتَقَدَّمَ (وَالصَّوْمُ) وَنَحْوُهُ (الْمَنْذُورُ يُفْعَلُ عَنْ الْمَيِّتِ) أَدَاءً لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ.
(وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَكَالَةٍ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَسْتَنِبْ الْوَلِيَّ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ الشَّرْعُ بِهِ إبْرَاءً لِذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحُقُوقَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ نَوْعٌ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّ وَنَوْعٌ لَا تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِيهِ مُطْلَقًا، كَالصَّلَاةِ وَالظِّهَارِ وَنَوْعٌ تَصِحُّ فِيهِ مَعَ الْعَجْزِ دُونَ الْقُدْرَةِ، كَحَجِّ فَرْضٍ وَعُمْرَتِهِ.
(وَيَصِحُّ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ مُكَلَّفٍ رَشِيدٍ لِمِثْلِهِ (أَخْرِجْ زَكَاةَ مَالِي) وَبَيَّنَهَا لَهُ (مِنْ مَالِكٍ) لِأَنَّهُ اقْتِرَاضٌ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ، وَتَوْكِيلٌ فِي إخْرَاجِهِ (وَيَصِحُّ) التَّوْكِيلُ (فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ، وَ) فِي (اسْتِيفَائِهَا) مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَقَدْ وَكَّلَهُ فِي الْإِثْبَاتِ وَالِاسْتِيفَاءِ جَمِيعًا.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (اسْتِيفَاءُ) مَا وُكِّلَ فِيهِ (بِحَضْرَةِ مُوَكِّلِهِ وَغَيْبَتِهِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّ مَا جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ جَازَ فِي غَيْبَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (وَلَوْ) كَانَ الِاسْتِيفَاءُ (فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ) لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ عَفَا لَأَعْلَمَ وَكِيلَهُ.
(وَالْأَوْلَى) الِاسْتِيفَاءُ (بِحُضُورِهِ) أَيْ الْمُوَكِّلِ (فَيَهِمَا) أَيْ فِي الْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ فَإِذَا حَضَرَ احْتَمَلَ أَنْ يَرْحَمَهُ فَيَعْفُوَ.
(وَلَيْسَ لِوَكِيلٍ تَوْكِيلٌ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ إلَّا بِإِذْنِ مُوَكِّلٍ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ وَلَا تَضَمَّنَهُ إذْنُهُ لِكَوْنِهِ يَتَوَلَّى مِثْلَهُ وَلِأَنَّهُ اسْتِئْمَانٌ فِيمَا يُمْكِنُهُ النُّهُوضُ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ غَيْرَهُ كَالْوَدِيعَةِ (أَوْ يَقُولُ) الْمُوَكِّلُ، وَفِي نُسْخَةٍ: إلَّا أَنْ يَقُولَ (لَهُ) أَيْ لِلْوَكِيلِ (اصْنَعْ مَا شِئْت، أَوْ تَصَرَّفْ كَيْفَ شِئْت فَيَجُوزُ) لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ لِأَنَّهُ لَفْظٌ عَامٌّ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ التَّوْكِيلِ.
(وَإِنْ أَذِنَ) الْمُوَكِّلُ لِوَكِيلِهِ فِي التَّوْكِيلِ (تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ الثَّانِي أَمِينًا) لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لِلْمُوَكِّلِ فِي تَوْكِيلِ مَنْ لَيْسَ أَمِينًا وَكَذَا حَيْثُ جَازَ لَهُ التَّوْكِيلُ (إلَّا مَعَ تَعْيِينِ الْمُوَكِّلِ الْأَوَّلِ) بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: وَكِّلْ زَيْدًا فَيُوَكِّلُهُ أَمِينًا كَانَ أَوْ خَائِنًا لِأَنَّهُ قَطَعَ نَظَرَهُ بِتَعْيِينِهِ لَهُ (فَإِنْ وَكَّلَ) الْوَكِيلُ حَيْثُ جَازَ (أَمِينًا فَصَارَ خَائِنًا فَعَلَيْهِ عَزْلُهُ) لِأَنَّ تَرْكَهُ يَتَصَرَّفُ تَضْيِيعٌ وَتَفْرِيطٌ.
(وَكَذَا وَصِيٌّ يُوَكِّلُ) فِيمَا أُوصِيَ بِهِ إلَيْهِ أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِالْإِذْنِ أَشْبَهَ الْوَكِيلَ وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَصِيَّةُ كَالْوَكِيلِ إنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيمَا اقْتَضَتْهُ الْوَكَالَةُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَيُلْحَقُ بِهَذَا مُضَارِبٌ.
(وَ) كَذَا (حَاكِمٌ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ فِي نَاحِيَةٍ فَيَسْتَنِيبُ غَيْرَهُ) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَكِيلِ، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ وَحَيْثُ جَازَتْ الِاسْتِنَابَةُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَابْنُ حَمْدَانَ فِي الرِّعَايَةِ وَيَأْتِي بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا فِي الْقَضَاءِ.
(وَمَا يَعْجِزُ عَنْهُ) أَيْ الْوَكِيلُ وَنَحْوُهُ (لِكَثْرَتِهِ لَهُ التَّوْكِيلُ فِي جَمِيعِهِ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ اقْتَضَتْ جَوَازُ التَّوْكِيلِ فَجَازَ فِي جَمِيعِهِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ فِيهِ لَفْظًا (كَتَوْكِيلِهِ) أَيْ كَمَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُوَكِّلَ (فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ) أَيْ إذَا كَانَ الْعَمَلُ مِمَّا يَرْتَفِعُ الْوَكِيلُ عَنْ مِثْلِهِ، كَالْأَعْمَالِ الدَّنِيَّةِ فِي حَقِّ أَشْرَافِ النَّاسِ الْمُرْتَفِعِينَ عَنْ فِعْلِهَا عَادَةً فَإِنَّ الْإِذْنَ يَنْصَرِفُ إلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ، بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَعَلَّ ظَاهِرَ مَا سَبَقَ يَسْتَنِيبُ نَائِبٌ فِي الْحَجِّ لِمَرَضٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ (وَيَكُونُ مَنْ وُكِّلَ) مِنْ قِبَلِ الْوَكِيلِ (وَكِيلَ الْوَكِيلِ) لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ فَلَهُ عَزْلُهُ (وَإِنْ قَالَ الْمُوَكِّلُ لِلْوَكِيلِ: وَكِّلْ عَنْك صَحَّ) ذَلِكَ (وَكَانَ) الثَّانِي (وَكِيلَ وَكِيلِهِ) فَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ الْأَوَّلِ وَمَوْتِهِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُوَكِّلُ (وَكِّلْ عَنِّي أَوْ) قَالَ وَكِّلْ وَ(أَطْلَقَ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ عَنْك وَلَا عَنِّي (صَحَّ، وَكَانَ) الثَّانِي.
(وَكِيلَ مُوَكِّلِهِ) لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْوَكِيلِ لَهُ وَلَا بِمَوْتِهِ وَلَوْ قَالَ لِشَخْصٍ: وَكِّلْ فُلَانًا عَنِّي فِي بَيْعِ كَذَا فَقَالَ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ لِلثَّانِي: بِعْ هَذَا وَلَمْ يُشْعِرْهُ أَنَّهُ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ فَقَالَ الشَّيْخُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَبْيِينِ أَنَّهُ وَكِيلُهُ أَوْ وَكِيلُ فُلَانٍ ذَكَرَهُ فِي الِاخْتِيَارَاتِ (وَحَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَبِمَوْتِهِ وَنَحْوِهِ) كَجُنُونِهِ وَحَجْرٍ عَلَيْهِ (وَلَا يَمْلِكُ الْوَكِيلُ الْأَوَّلُ عَزْلَهُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ.
(وَلَا يَنْعَزِلُ) الْوَكِيلُ الثَّانِي (بِمَوْتِهِ) وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُ (وَحَيْثُ قُلْنَا): إنَّ الْوَكِيلَ الثَّانِيَ (وَكِيلُ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِمَا) أَوْ أَحَدِهِمَا وَالْحَجْرِ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ.
(وَكَذَا) قَوْلُ الْمُوصِي لِوَصِيِّهِ (أَوْصِ إلَى مَنْ يَكُونُ وَصِيًّا لِي) فَإِنَّهُ يَكُونُ مَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ وَصِيًّا لِلْمُوصِي الْأَوَّلِ (وَلَا يُوصِي وَكِيلٌ مُطْلَقًا) أَيْ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ فِي التَّوْكِيلِ أَوْ لَا (وَيَأْتِي) ذَلِكَ.
(وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ عَبْدِ غَيْرِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْمَنْعَ لَحِقَهُ فَإِذَا أَذِنَ صَارَ كَالْحُرِّ (وَلَا يَصِحُّ) تَوْكِيلُ الْعَبْدِ (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ (وَلَوْ فِي إيجَابِ النِّكَاحِ، وَقَبُولِهِ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَكَذَا لِغَيْرِهِ (وَإِنْ وَكَّلَهُ) إنْسَانٌ (بِإِذْنِهِ) أَيْ إذْنِ سَيِّدِهِ (فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ) صَحَّ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدِ غَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ نَفْسَهُ (أَوْ) وَكَّلَهُ (فِي شِرَاءِ عَبْدِ غَيْرِهِ) بِإِذْنِ سَيِّدِهِ (صَحَّ) التَّوْكِيلُ وَالشِّرَاءُ لِمَا سَبَقَ (فَلَوْ قَالَ) الْعَبْدُ (اشْتَرَيْت نَفْسِي لِزَيْدٍ) الْمُوَكِّلِ (وَصَدَّقَاهُ) أَيْ زَيْدٌ وَسَيِّدُهُ (صَحَّ) الشِّرَاءُ.
(وَلَزِمَ زَيْدًا الثَّمَنُ) الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الْبَيْعِ (وَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ) عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى نَفْسَهُ لِزَيْدٍ (وَكَذَّبَهُ زَيْدٌ نَظَرْت فَإِنْ كَذَّبَهُ) زَيْدٌ (فِي الْوَكَالَةِ حَلَفَ) أَيْ حَلَفَ زَيْدٌ أَنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ (وَبَرِئَ) مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَكَالَةِ (وَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ الْبَيْعِ وَاسْتِرْجَاعُ عَبْدِهِ) لِتَعَذُّرِ ثَمَنِهِ.
(وَإِنْ صَدَّقَهُ) زَيْدٌ (فِي الْوَكَالَةِ، وَقَالَ) زَيْدٌ (مَا اشْتَرَيْت نَفْسَك لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ) لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَقْبَلُ إقْرَارَهُ بِمَا وُكِّلَ فِيهِ (وَإِنْ قَالَ السَّيِّدُ) لِلْعَبْدِ (مَا اشْتَرَيْت نَفْسَك إلَّا لِنَفْسِك فَقَالَ) الْعَبْدُ (بَلْ) اشْتَرَيْت نَفْسِي (لِزَيْدٍ فَكَذَّبَهُ) زَيْدٌ (عَتَقَ) الْعَبْدُ لِإِقْرَارِ السَّيِّدِ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُعْتَقُ بِهِ الْعَبْدُ.
(وَلَزِمَهُ الثَّمَنُ فِي ذِمَّتِهِ لِلسَّيِّدِ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ وُقُوعُ الْعَقْدِ لَهُ.
(وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِنَفْسِهِ) مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَلَهُ أَنْ يَتَوَكَّلَ) عَنْ غَيْرِهِ (بِجُعْلٍ) وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّهُ مِنْ اكْتِسَابِ الْمَالِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (أَنْ يَتَوَكَّلَ بِغَيْرِ جُعْلٍ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَنَافِعِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ (إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ) فَإِنْ أَذِنَ جَازَ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَأُمُّ الْوَلَدِ كَالْقِنِّ وَكَذَا الْمُبَعَّضُ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ يَقَعُ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَيُحْتَمَلُ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ أَنْ يَصِحَّ فِي نَوْبَتِهِ.