فصل: فَصْلٌ: (الْقِسْمُ الثَّانِي الْمُضَارَبَةُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: (الْقِسْمُ الثَّانِي الْمُضَارَبَةُ):

وَهِيَ تَسْمِيَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ السَّفَرُ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ ضَرْبِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ، وَسَمَّاهَا أَهْلُ الْحِجَازِ قِرَاضًا فَقِيلَ: هُوَ مِنْ الْقَرْضِ بِمَعْنَى الْقَطْعِ يُقَالُ: قَرَضَ الْفَأْرُ الثَّوْبَ إذَا قَطَعَهُ فَكَأَنَّ رَبَّ الْمَالِ اقْتَطَعَ مِنْ مَالِهِ قِطْعَةً وَسَلَّمَهَا إلَى الْعَامِلِ، وَاقْتَطَعَ لَهُ قِطْعَةً مِنْ رِبْحِهَا وَقِيلَ: مِنْ الْمُسَاوَاةِ وَالْمُوَازَنَةِ يُقَالُ: تَقَارَضَ الشَّاعِرَانِ إذَا تَوَازَنَا وَهِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحَكِيمِ بْن حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ وَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِيهَا،؛ لِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهَا فَإِنَّ النَّقْدَيْنِ لَا تُنَمَّى إلَّا بِالتِّجَارَةِ وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ يَمْلِكُهَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ، وَلَا كُلُّ مَنْ يُحْسِنُهَا لَهُ مَالٌ فَشُرِعَتْ لِدَفْعِ الْحَاجَةِ وَالْمُضَارَبَةُ (دَفْعُ مَالٍ) أَيْ نَقْدٍ مَضْرُوبٍ خَالٍ مِنْ الْغِشِّ الْكَثِيرِ.
وَتَقَدَّمَ (وَمَا فِي مَعْنَاهُ) أَيْ مَعْنَى الدَّفْعِ، بِأَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ إنْسَانٍ نَقْدٌ مَضْرُوبٌ مِنْ نَحْوِ وَدِيعَةٍ (مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ قَدْرُهُ) فَ (لَا) تَصِحُّ عَلَى (صُبْرَةِ نَقْدٍ) لِجَهَالَتِهَا.
(وَلَا) عَلَى (أَحَدِ كِيسَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالٌ مَعْلُومٌ تَسَاوَى مَا فِيهِمَا) أَيْ الْكِيسَيْنِ (أَوْ اخْتَلَفَ) مَا فِيهِمَا لِلْإِيهَامِ، وَقَوْلُهُ (إلَى مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ) أَيْ الْمَالِ مُتَعَلِّقٌ بِدَفْعٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ وَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِمَنْ وَقَوْلُهُ (بِجُزْءٍ) مُشَاعٍ (مَعْلُومٍ مِنْ رِبْحِهِ) أَيْ الْمَالِ، مُتَعَلِّقٌ بِيَتَّجِرُ فَإِنْ سَمَّى لَهُ كُلَّ الرِّبْحِ أَوْ دَرَاهِمَ وَلَوْ مَعْلُومَةً أَوْ جُزْءًا مَجْهُولًا، كَحَظٍّ أَوْ قِسْطٍ، أَوْ نَصِيبٍ فَسَدَتْ وَتَقَدَّمَ.
وَكَذَا لَوْ جَعَلَ لَهُ جُزْءًا مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (أَوْ لِعَبْدِهِ) أَيْ عَبْدِ الْعَامِلِ إذْ الْمَشْرُوطُ لِلْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ (أَوْ) شَرَطَ الْجُزْءَ لِلْعَامِلِ، وَ(لِأَجْنَبِيٍّ مَعَ عَمَلٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ بِأَنْ يَقُولَ: اعْمَلْ فِي هَذَا الْمَالِ بِثُلُثِ الرِّبْحِ لَكَ وَلِزَيْدٍ، عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعَكَ؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ: اعْمَلَا فِي هَذَا الْمَالِ بِالثُّلُثِ (وَيُسَمَّى أَيْضًا) دَفْعُ الْمَالِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (قِرَاضًا) وَتَقَدَّمَ (وَمُعَامَلَةً) مِنْ الْعَمَلِ.
(وَتَنْعَقِدُ) الْمُضَارَبَةُ (بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَى ذَلِكَ) أَيْ مَعْنَى الْمُضَارَبَةِ وَالْقِرَاضِ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ دَلَّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى فَجَازَ بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ (وَهِيَ) أَيْ الْمُضَارَبَةُ (أَمَانَةٌ وَوَكَالَةٌ)؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ لِغَيْرِهِ بِإِذْنِهِ وَالْمَالُ تَحْتَ يَدِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ (فَإِنْ رَبِحَ) الْعَامِلُ فِي الْمَالِ (فَشَرِكَةٌ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الرِّبْحِ (وَإِنْ فَسَدَتْ) الْمُضَارَبَةُ (فَإِجَارَةٌ)؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَأْخُذُ أُجْرَةَ عَمَلِهِ.
(وَإِنْ تَعَدَّى) الْعَامِلُ مَا أَمَرَ بِهِ رَبُّ الْمَالِ (فَغَضِبَ) يَرُدُّ الْمَالَ وَرِبْحَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ كَالْغَاصِبِ.
(قَالَ) ابْنُ الْقَيِّمِ (فِي الْهَدْيِ) النَّبَوِيِّ (الْمُضَارِبُ أَمِينٌ وَأَجِيرٌ وَوَكِيلٌ وَشَرِيكٌ فَأَمِينٌ إذَا قَبَضَ الْمَالَ، وَوَكِيلٌ إذَا تَصَرَّفَ فِيهِ) أَيْ الْمَالِ (وَأَجِيرٌ فِيمَا يُبَاشِرُهُ مِنْ الْعَمَل بِنَفْسِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ بِعِوَضٍ وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى لَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْأَجِيرِ، وَإِلَّا فَتَعْرِيفُ الْإِجَارَةِ الْآتِي لَا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْعَلْ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ مُقَابِلًا لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ أَجِيرٌ إذَا فَسَدَتْ.
(وَ شَرِيكٌ إذَا ظَهَرَ فِيهِ) أَيْ الْمَالِ (الرِّبْحُ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَمِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةِ (تَقْدِيرُ نَصِيبِ الْعَامِلِ) مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ إلَّا بِالشَّرْطِ (فَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ (خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَذْكُرْ سَهْمَ الْعَامِلِ) لَمْ تَصِحَّ (أَوْ قَالَ) خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً (وَلَكَ جُزْءٌ) أَوْ حَظٌّ أَوْ نَصِيبٌ (مِنْ الرِّبْحِ فَ) الْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ، لِجَهَالَةِ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَ(الرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ.
(وَالْوَضِيعَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ وَحْدَهُ،؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ أَمِينٌ (وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ) وَإِنْ لَمْ يُحَصَّلْ رِبْحٌ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ (وَتَكْفِي مُبَاشَرَتُهُ) أَيْ الْعَمَلِ قَبُولًا (فَلَا يُعْتَبَرُ نُطْقُ) الْعَامِلِ بِالْقَبُولِ كَالْوَكَالَةِ.
(فَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ (خُذْهُ فَاتَّجِرْ فِيهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي، فَ) هُوَ (إبْضَاعٌ) أَيْ يَصِيرُ جَمِيعُ الرِّبْحِ لِرَبِّ الْمَالِ (لَا حَقَّ لِلْعَامِلِ فِيهِ) فَيَصِيرُ وَكِيلًا مُتَبَرِّعًا؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِهِ حُكْمَ الْإِبْضَاعِ فَلَوْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: وَعَلَيْكَ ضَمَانُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ أَمَانَةً غَيْرَ مَضْمُونَةٍ، مَا لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطْ فَلَا يَزُولُ ذَلِكَ بِشَرْطِهِ.
(وَإِنْ قَالَ) خُذْهُ فَاتَّجِرْ بِهِ وَ(الرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ، فَ) الْمَالُ الْمَدْفُوعُ (قَرْضٌ) لَا قِرَاضٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظ يَصْلُحُ لَهُ وَقَدْ قَرَنَ بِهِ حُكْمَهُ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ كَالتَّمْلِيكِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ (لَا حَقَّ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ) أَيْ الرِّبْحِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِمِثْلِ مَا دَفَعَهُ.
(وَلَيْسَا) أَيْ الْإِبْضَاعُ وَالْقَرْضُ (بِشَرِكَةٍ) وَلَا مُضَارَبَةٍ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ مَعْنَاهَا فِيهِمَا (فَإِنْ زَادَ) رَبُّ الْمَالِ (مَعَ قَوْلِهِ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْك فَهُوَ قَرْضٌ شُرِطَ فِيهِ نَفْيُ الضَّمَانِ فَلَا يَنْتَفِي بِشَرْطِهِ)؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِمُنَافَاتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ اتَّجَرَ بِهِ وَ(الرِّبْحُ بَيْنَنَا فَ) الرِّبْحُ (بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ)؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَيْهِمَا إضَافَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَتَرَجَّحْ فِيهَا أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَاقْتَضَى التَّسْوِيَةَ، كَهَذِهِ الدَّارِ بَيْنِي وَبَيْنِكَ.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ (خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ) فَسَدَتْ (أَوْ قَالَ) خُذْهُ مُضَارَبَةً (وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي فَسَدَتْ) الْمُضَارَبَةُ،؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا فَإِذَا شَرَطَ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ، فَقَدْ شُرِطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَفَسَدَ، كَمَا لَوْ شَرَطَ الرِّبْحَ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ لِأَحَدِهِمَا وَيُفَارِقُ إذَا لَمْ يَقُلْ مُضَارَبَةً؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِمَا ثَبَتَ حُكْمُهُ مِنْ الْإِبْضَاعِ وَالْقَرْضِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بَاقٍ.
(وَلَهُ) أَيْ الْعَامِلِ (أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الْأُولَى) وَهِيَ قَوْلُهُ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ عَلَى عِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ (وَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (فِي الثَّانِيَةِ) وَهِيَ قَوْلُهُ: خُذْهُ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ.
(وَإِنْ قَالَ) خُذْهُ مُضَارَبَةً (وَلَكَ) ثُلُثُ الرِّبْحِ صَحَّ وَالْمَسْكُوتُ عَنْهُ حِينَئِذٍ لِرَبِّ الْمَالِ (أَوْ) قَالَ خُذْهُ مُضَارَبَةً وَ(لِي ثُلُثُ الرِّبْحِ، وَلَمْ يَذْكُرْ نَصِيبَ الْآخَرِ صَحَّ) الْقِرَاضُ.
(وَالْبَاقِي) مِنْ الرِّبْحِ (لِلْآخَرِ) الْمَسْكُوتِ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَهُمَا فَإِذَا قُدِّرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا مِنْهُ فَالْبَاقِي لِلْآخَرِ بِمَفْهُومِ اللَّفْظِ، كَمَا عُلِمَ أَنَّ ثُلُثَيْ الْمِيرَاثِ لِلْأَبِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} (وَإِنْ أَتَى مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْجُزْءِ الْمُسَمَّى (بِرُبْعِ عُشْرِ الْبَاقِي وَنَحْوِهِ) كَرُبْعِ خُمْسِ جُزْءٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ (صَحَّ)؛ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تَزُولُ بِالْحِسَابِ.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ خُذْهُ مُضَارَبَةً (لِي النِّصْفُ وَلَكَ الثُّلُثُ وَسَكَتَ عَنْ) السُّدُسِ (الْبَاقِي صَحَّ وَكَانَ لِرَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ، لِكَوْنِهِ نَمَاءَهُ وَفَرْعَهُ، وَالْعَامِلُ يَأْخُذُ بِالشَّرْطِ، فَمَا شُرِطَ لَهُ اسْتَحَقَّهُ وَمَا بَقِيَ فَلِرَبِّ الْمَالِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ (خُذْهُ مُضَارَبَةً عَلَى الثُّلُثِ، أَوْ قَالَ) خُذْهُ مُضَارَبَةً (بِالثُّلُثِ، أَوْ عَلَى الثُّلُثَيْنِ أَوْ بِالثُّلُثَيْنِ وَنَحْوِهِ) كَقَوْلِهِ: خُذْهُ مُضَارَبَةً بِالرُّبْعِ، أَوْ عَلَى خُمْسَيْنِ وَنَحْوِهِ (صَحَّ) ذَلِكَ (وَكَانَ تَقْدِيرُ النَّصِيبِ لِلْعَامِلِ)؛ لِأَنَّ حِصَّتَهُ إنَّمَا تَتَقَدَّرُ بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ رَبُّ الْمَالِ وَالْعَامِلُ (لِمَنْ الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ فَ) هُوَ (لِلْعَامِلِ، قَلِيلًا كَانَ) الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ (أَوْ كَثِيرًا)؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَمَلِ، وَهُوَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَإِنَّمَا تَتَقَدَّرُ حِصَّتُهُ بِالشَّرْطِ، بِخِلَافِ رَبِّ الْمَالِ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِمَالِهِ وَيَحْلِفُ مُدَّعِيهِ،؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ خِلَافُ مَا قَالَهُ فَيَجِبُ لِنَفْيِ الِاحْتِمَالِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْجُزْءِ بَعْدَ الرِّبْحِ، فَقَالَ الْعَامِلُ: شَرَطْتَ لِي النِّصْفَ، وَقَالَ الْمَالِكُ: الثُّلُثَ قُدِّمَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ فَإِنْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَهً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ (خُذْهُ مُضَارَبَةً وَلَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ، وَثُلُثُ مَا بَقِيَ صَحَّ وَلَهُ) أَيْ الْعَامِلِ (خُمْسُ أَتْسَاعِ الرِّبْحِ)؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَثُلُثَ الْبَاقِي تِسْعَةٌ، وَثُلُثَهَا ثَلَاثَةٌ وَثُلُثَ مَا بَقِيَ اثْنَانِ وَنِسْبَتُهَا إلَى التِّسْعَةِ مَا ذَكَرَ.
(وَإِنْ قَالَ) خُذْهُ مُضَارَبَةً (وَلَكَ ثُلُثُ الرِّبْحِ وَرُبْعُ مَا بَقِيَ فَلَهُ النِّصْفُ)؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ وَرُبْعَ الْبَاقِي مِنْ سِتَّةٍ وَثُلُثَهَا اثْنَانِ، وَرُبْعَ الْبَاقِي وَاحِدٌ وَالثَّلَاثَةَ نِصْفُ السِّتَّةِ.
(وَإِنْ قَالَ) خُذْهُ مُضَارَبَةً وَ(لَكَ رُبْعُ الرِّبْحِ وَرُبْعُ مَا بَقِيَ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانٍ وَنِصْفُ ثُمُنٍ)؛ لِأَنَّ مَخْرَجَ الرُّبْعِ وَرُبْعَ الْبَاقِي مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ وَرُبْعَهَا أَرْبَعَةٌ وَرُبْعَ الْبَاقِي ثَلَاثَةٌ وَالتِّسْعَةُ نِسْبَتُهَا إلَى السِّتَّةَ عَشَرَ مَا ذَكَرَ (وَسَوَاءٌ عَرَفَا) أَيْ الْمُتَقَارِضَانِ (الْحِسَابَ أَوْ جَهِلَاهُ)؛ لِأَنَّ إزَالَتَهُ مُمْكِنَةٌ بِالرُّجُوعِ إلَى غَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَعْرِفُ الْحِسَابَ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ) وَاحِدٌ (إلَى اثْنَيْنِ مُضَارَبَةً فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ) كَمَا يَجُوزُ فِي عَقْدَيْنِ (فَإِنْ شَرَطَ) رَبُّ الْمَالِ (لَهُمَا جُزْءًا) مَعْلُومًا (مِنْ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ صَحَّ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا (وَإِنْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ (لَكُمَا كَذَا وَكَذَا) كَالنِّصْفِ أَوْ الثُّلُثِ (مِنْ الرِّبْحِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفَ هُوَ؟) أَيْ كَيْفِيَّةَ قِسْمَتِهِ بَيْنَهُمَا مِنْ تَسَاوٍ، أَوْ تَفَاضُلٍ (فَهُوَ) أَيْ: الْجُزْءُ الْمَشْرُوطُ (بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ)؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ.
(وَإِنْ شَرَطَ) رَبُّ الْمَالِ (لِأَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الْعَامِلَيْنِ (ثُلُثَ الرِّبْحِ، وَ) شَرَطَ (لِلْآخَرِ رُبْعَهُ) أَيْ الرِّبْحِ (وَالْبَاقِي لَهُ) أَيْ لِرَبِّ الْمَالِ (جَازَ) ذَلِكَ وَكَانَ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطُوا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ فَجَازَ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ.
(وَإِنْ قَارَضَ اثْنَانِ وَاحِدًا بِأَلْفٍ لَهُمَا جَازَ) كَمَا لَوْ قَارَضَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدًا بِخَمْسِمِائَةٍ (فَإِنْ شَرَطَا) أَيْ صَاحِبَا الْمَالِ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ فِي مَالِهِمَا (رِبْحًا مُتَسَاوِيًا مِنْهُمَا) بِأَنْ شَرَطَ لَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثَهُ (جَازَ وَكَذَلِكَ إنْ) شَرَطَاهُ مُتَفَاضِلًا، بِأَنْ (شَرَطَ أَحَدُهُمَا لَهُ النِّصْفَ، وَ) شَرَطَ (الْآخَرُ) لَهُ (الثُّلُثَ) كَمَا لَوْ انْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعَقْدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْعَاقِدِ.
(وَيَكُونُ بَاقِي رِبْحِ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ ذَلِكَ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ (وَإِنْ شَرَطَا كَوْنَ الْبَاقِي مِنْ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا حَقَّ لَهُ فِي مَالِ الْآخَرِ وَلَا عَمَلَ لَهُ فِيهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ رِبْحِهِ شَيْئًا (وَإِذَا شَرَطَا) أَيْ الْمُتَقَارِضَانِ (جُزْءًا) مَعْلُومًا (مِنْ الرِّبْحِ لِغَيْرِ الْعَامِلِ فَإِنْ كَانَ).
شَرَطَا (لِعَبْدِ أَحَدِهِمَا أَوْ) كَانَ شَرَطَا (لِعَبْدَيْهِمَا صَحَّ) وَكَانَ فِي الْحَقِيقَةِ (مَشْرُوطًا لِسَيِّدِهِ)؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ.
(وَإِنْ جَعَلَاهُ) أَيْ جَعَلَ الْمُتَقَارِضَانِ الرِّبْحَ (بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَبْدِ أَحَدِهِمَا أَثْلَاثًا فَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ الثُّلُثَانِ) أَيْ الثُّلُثُ الْمَشْرُوطُ لَهُ وَالثُّلُثُ الْمَشْرُوطُ لِعَبْدِهِ (وَ لِلْآخَرِ الثُّلُثُ)؛ لِأَنَّهُ الَّذِي شَرَطَ لَهُ.
(وَإِنْ شَرَطَاهُ) أَيْ شَرَطَا الْمُتَقَارِضَانِ الْجُزْءَ مِنْ الرِّبْحِ (لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِوَلَدِ أَحَدِهِمَا) كَبِيرًا كَانَ، أَوْ صَغِيرًا (أَوْ امْرَأَتِهِ، أَوْ قَرِيبِهِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ (وَشَرَطَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَشْرُوطِ لَهُ الْجُزْءَ (عَمَلًا مَعَ الْعَامِلِ صَحَّ) الشَّرْطُ (وَكَانَا عَامِلَيْنِ) بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ اعْمَلَا فِي هَذَا الْمَالِ وَلِكُلٍّ مِنْكُمَا كَذَا (وَإِنْ لَمْ يَشْرِطَا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَشْرُوطِ لَهُ الْجُزْءَ غَيْرِ عَبْدِ أَحَدِهِمَا (عَمَلًا) مَعَ الْعَامِلِ (لَمْ تَصِحَّ الْمُضَارَبَةُ)؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ يَعُودُ إلَى الرِّبْحِ.
فَفَسَدَ بِهِ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ شَرَطَا دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً (وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ فِي) جَمِيعِ (مَا تَقَدَّمَ) فِي الْمُضَارَبَةِ قِيَاسًا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي كُلٍّ مِنْهَا إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالْعَمَلِ.
(وَحُكْمُ الْمُضَارَبَةِ: حُكْمُ الشَّرِكَةِ فِيمَا لِلْعَامِلِ أَنْ يَفْعَلَهُ) مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، أَوْ الْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ وَغَيْرِهَا (أَوْ لَا يَفْعَلُهُ) كَالْقَرْضِ، وَكِتَابَةِ الرَّقِيقِ وَتَزْوِيجِهِ وَنَحْوِهِ (وَ) فِي (مَا يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ) كَنَشْرِ الثَّوْبِ وَطَيِّهِ، وَخَتْمِ الْكِيسِ وَالْإِحْرَازِ وَنَحْوِهِ.
(وَفِي الشُّرُوطِ) صَحِيحَةً كَانَتْ أَوْ فَاسِدَةً، مُفْسِدَةً أَوْ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ (؛ لِأَنَّ) كُلَّ (مَا جَازَ فِي إحْدَاهُمَا جَازَ فِي الْأُخْرَى) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ بِلَا إذْنٍ (وَكَذَا الْمَنْعُ) أَيْ مَا امْتَنَعَ فِي إحْدَاهُمَا امْتَنَعَ فِي الْأُخْرَى.
(وَإِنْ فَسَدَتْ) الْمُضَارَبَةُ (فَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ، وَالْعَامِلُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالشَّرْطِ فَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الشَّرْطُ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا (وَلِلْعَامِلِ) إذَا فَسَدَتْ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ، خَسِرَ الْمَالُ أَوْ رَبِحَ)؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ إنَّمَا كَانَ فِي مُقَابِلَةِ الْمُسَمَّى فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ التَّسْمِيَةُ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فَوَجَبَ لَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ (فِيمَا تَصَرُّفُهُ) لِلْعَامِلِ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ (نَافِذٌ) لِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ.
(وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ الْعَامِلُ) فِي الْمُضَارَبَةِ (شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ صَرَفَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ فَارْتَفَعَ الصَّرْفُ اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ) مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى ذَلِكَ الْعَقْدُ الصَّحِيحِ.
(وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَيْ الْعَامِلِ (فِيهَا) أَيْ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَا لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهِ لَا ضَمَانَ فِي فَاسِدِهِ وَلَوْ قُدِّمَ ذَلِكَ عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ لَكَانَ أُنْسَبَ، وَحَمْلُ كَلَامَهُ هُنَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ مُمْكِنٌ لَكِنَّهُ يَأْتِي فِي كَلَامِهِ.
(وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ كَإِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَضَارِبَ بِهَذَا عَلَى كَذَا؛ لِأَنَّهُ إذْنٌ فِي التَّصَرُّفِ فَجَازَ تَعْلِيقُهُ كَالْوَكَالَةِ (وَالْمَنْصُوصُ) عَنْ الْإِمَامِ.
(وَ) يَصِحُّ (بِعْ هَذَا) الْعَرْضَ (وَمَا حَصَلَ مِنْ ثَمَنِهِ فَقَدْ ضَارَبْتُك بِهِ)؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ فِي بَيْعِ الْعَرْضِ فَإِذَا بَاعَهُ صَارَ الثَّمَنُ فِي يَدِهِ أَمَانَةً أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ الْمَالُ عِنْدَهُ وَدِيعَةً.
(وَيَصِحُّ تَأْقِيتُهَا) أَيْ الْمُضَارَبَةِ بِ (أَنْ يَقُولَ) رَبُّ الْمَالِ (ضَارَبْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّرَاهِمِ) أَوْ الدَّنَانِيرِ (سَنَةً فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ فَلَا تَبِعْ وَلَا تَشْتَرِ)؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَتَوَقَّتُ بِنَوْعٍ مِنْ الْمَتَاعِ، فَجَازَ تَوْقِيتُهُ بِالزَّمَانِ كَالْوَكَالَةِ.
(وَلَوْ قَالَ) رَبُّ الْمَالِ ضَارِبْ بِهَذَا الْمَالِ شَهْرًا (وَمَتَى مَضَى الْأَجَلُ فَهُوَ) أَيْ مَالُ- الْمُضَارَبَةِ (قَرْضٌ) صَحَّ ذَلِكَ (فَ) إنْ (مَضَى) الْأَجَلُ.
(وَهُوَ) أَيْ الْمَالُ (نَاضٌّ صَارَ) الْمَالُ (قَرْضًا وَإِنْ مَضَى) الْأَجَلُ (وَهُوَ مَتَاعٌ) فَعَلَى الْعَامِلِ تَنْضِيضُهُ (فَإِذَا بَاعَهُ) وَنَضَّضَهُ (صَارَ قَرْضًا)؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ غَرَضٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ عَرْضٍ (بِعْ هَذَا الْعَرْضَ وَضَارِبْ بِثَمَنِهِ) صَحَّ لِمَا تَقَدَّمَ.
(أَوْ) قَالَ رَبُّ وَدِيعَةٍ (اقْبِضْ وَدِيعَتِي) مِنْ زَيْدٍ أَوْ مِنْكَ وَضَارِبْ بِهَا (أَوْ) قَالَ رَبُّ دَيْنٍ اقْبِضْ (دَيْنِي) مِنْ فُلَانٍ (وَضَارِبْ بِهِ) صَحَّ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي قَبْضِ الدَّيْنِ أَوْ الْوَدِيعَةِ وَعَلَّقَ الْمُضَارَبَةَ عَلَى الْقَبْضِ وَتَعْلِيقُهَا صَحِيحٌ.
(أَوْ) قَالَ ضَارِبْ (بِعَيْنِ مَالِيَ الَّذِي غَصَبْتَهُ مِنِّي صَحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الدَّفْعِ (وَزَالَ ضَمَانُ الْغَصْبِ) بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الْمُضَارَبَةِ وَصَارَ الْمَالُ أَمَانَةً بِيَدِهِ لَإِذْنِ رَبِّهِ فِي بَقَائِهِ بِيَدِهِ (وَيَصِحُّ قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ رَبِّ وَدِيعَةٍ وَنَحْوِهَا (إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَضَارِبْ بِوَدِيعَتِي أَوْ غَيْرِهَا)؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَ الْمُضَارَبَةِ صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَالَ) رَبُّ دَيْنٍ (ضَارِبْ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْك) لَمْ تَصِحَّ لِعَدَمِ حُضُورِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ الْمَدِينِ لَهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ لِغَرِيمِهِ بِقَبْضِهِ، وَلَمْ يَقْبِضْهُ (أَوْ) قَالَ ضَارِبْ (بِدَيْنِي الَّذِي عَلَى زَيْدٍ فَاقْبِضْهُ) لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ مَدِينٍ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ اقْبِضْ دَيْنِي وَضَارِبْ بِهِ فَيَصِحُّ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا (أَوْ قَالَ) رَبُّ مَالٍ (هُوَ) أَيْ هَذَا الْمَالُ (قَرْضٌ عَلَيْك شَهْرًا) أَوْ نَحْوَهُ (ثُمَّ هُوَ مُضَارَبَةٌ لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَارَ قَرْضًا مَلَكَهُ الْمُقْتَرِضُ فَلَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ لِعَدَمِ مَلْكِ رَبِّ الدَّيْنِ لَهُ إذَنْ فَإِنْ اشْتَرَى فِي هَذِهِ الصُّوَرِ بِالدَّيْنِ شَيْئًا لِلْمُضَارَبَةِ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي، وَرِبْحُهُ لَهُ وَخُسْرَانُهُ عَلَيْهِ.
(وَإِنْ أَخْرَجَ) إنْسَانٌ (مَالًا) تَصِحُّ الْمُضَارَبَةُ عَلَيْهِ (يَعْمَلُ فِيهِ هُوَ) أَيْ مَالِكُهُ (وَآخَرُ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا صَحَّ وَكَانَ مُضَارَبَةً)؛ لِأَنَّ غَيْرَ صَاحِبِ الْمَالِ يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوطَ بِعَمَلِهِ مِنْ الرِّبْحِ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَهَذَا حَقِيقَةُ الْمُضَارَبَةِ (وَكَذَا مُسَاقَاةٌ وَمُزَارَعَةٌ) إذَا عَمِلَ الْمَالِكُ مَعَ الْعَامِلِ وَسَمَّى لِلْعَامِلِ جُزْءًا مَعْلُومًا فَيَصِحَّانِ كَالْمُضَارَبَةِ.
(وَإِنْ شَرَطَا فِيهِنَّ) أَيْ فِي الْمُضَارَبَةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ (عَمَلَ الْمَالِكِ) مَعَ الْعَامِلِ (أَوْ) عَمَلَ (غُلَامِهِ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْعَامِلِ (صَحَّ) الْعَقْدُ وَالشَّرْطُ (كَ) اشْتِرَاطِ الْعَامِلِ فِيهِنَّ (بَهِيمَتَهُ) أَيْ بَهِيمَةَ الْمَالِكِ يَحْمِلُ عَلَيْهَا.
(وَلَا يَضُرُّ) أَيْ لَا يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ وَالْمُسَاقَاةَ وَالْمُزَارَعَةَ (عَمَلُ الْمَالِكِ) مَعَ الْعَامِلِ (بِلَا شَرْطٍ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِهِ يُفْسِدُهَا وَالْمُقَدَّمُ خِلَافُهُ.
تتمة:
نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِيمَنْ أَعْطَى رَجُلًا مُضَارَبَةً عَلَى أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمُوصِلِ فَيُوَجَّهُ إلَيْهِ بِطَعَامٍ فَيَبِيعَهُ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ وَيُوَجِّه إلَيْهِ إلَى الْمُوصِلِ قَالَ لَا بَأْسَ إذَا كَانُوا تَرَاضَوْا عَلَى الرِّبْحِ.
(وَإِنْ بَاعَ الْمُضَارِبُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ) أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ صَحَّ، وَ(ضَمِنَ كَوَكِيلٍ) وَتَقَدَّمَ (وَلَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (أَنْ يَشْتَرِيَ الْمَعِيبَ إذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً بِخِلَافِ وَكِيلٍ)؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْمُضَارَبَةِ الرِّبْحُ وَهُوَ قَدْ يَحْصُلُ بِشِرَاءِ الْمَعِيبِ، بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ تَحْصِيلُ مَا وُكِّلَ فِيهِ وَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ.
(فَصْلٌ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شِرَاءُ مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ)؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا وَلَا حَظَّ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ، إذْ هِيَ مَعْقُودَةٌ لِلرِّبْحِ حَقِيقَةٌ أَوْ مَظِنَّةٌ وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ هُنَا (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ اشْتَرَى مَنْ يُعْتَقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ (صَحَّ) الشِّرَاءُ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ قَابَلَ الْمَعْقُودَ فَصَحَّ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ عَلَّقَ رَبُّ الْمَالِ عِتْقَهُ بِمِلْكِهِ (وَعَتَقَ) أَيْ عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ، وَذَلِكَ مُوجِبُ عِتْقِهِ (وَضَمِنَ) الْعَامِلُ (ثَمَنَهُ) سَوَاءٌ (عَلِمَ) بِأَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ (أَوْ لَمْ يَعْلَمْ)؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنْ لَمْ يَعْلَمْ لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
(وَإِنْ اشْتَرَاهُ) الْعَامِلُ (بِإِذْنِهِ) أَيْ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ (صَحَّ) الشِّرَاءُ (أَيْضًا)؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِنَفْسِهِ فَكَذَا نَائِبَهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ هُوَ الْآذِنُ فِي إتْلَافِهِ.
(وَتَنْفَسِخُ الْمُضَارَبَةُ فِي قَدْرِ ثَمَنِهِ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَفِيمَا إذَا اشْتَرَاهُ بِإِذْنِهِ كَتَلَفِهِ (وَإِنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ رَجَعَ الْعَامِلُ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرِّبْحِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِالْعَقْدِ وَالْعَمَلِ وَلَمْ يُوجِدْ مَا يُسْقِطُهُ.
(وَإِنْ اشْتَرَى) الْعَامِلُ (امْرَأَةَ رَبِّ الْمَالِ) صَحَّ (أَوْ كَانَ رَبُّهُ) أَيْ الْمَالِ (امْرَأَةً فَاشْتَرَى) عَامِلَهَا (زَوْجَهَا أَوْ) اشْتَرَى (بَعْضَهَا صَحَّ وَلَوْ كَانَ) الشِّرَاءُ (بِعَيْنِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا يُمْكِنُ طَلَبُ الرِّبْحِ فِيهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى أَجْنَبِيَّةً أَوْ أَجْنَبِيًّا.
(وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ فِيهِمَا) أَيْ فِيمَا إذَا اشْتَرَى امْرَأَةَ رَبِّ الْمَالِ أَوْ بَعْضِهَا، أَوْ اشْتَرَى زَوْجَ رَبَّةِ الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ، لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ مَتَى مَلَكَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ أَوْ بَعْضَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ (وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ فِيمَا يَفُوتُ) الْمَرْأَةَ (مِنْ الْمَهْرِ) إذَا فَسَدَ نِكَاحُهَا بِشِرَاءِ زَوْجِهَا.
(وَ) لَا فِيمَا (يَسْقُطُ مِنْ النَّفَقَةِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَعُودُ إلَى الْمُضَارَبَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شِرَائِهِ فِي الذِّمَّةِ أَوْ بِعَيْنِ الْمَالِ وَإِذَا اشْتَرَى زَوْجَةَ رَبِّ الْمَالِ وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ وَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ نِصْفُ الصَّدَاقِ، وَرَجَعَ بِهِ عَلَى عَامِلِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ تَقْرِيرِهِ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَفْسَدَتْ امْرَأَةٌ نِكَاحَهُ بِالرَّضَاعِ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(وَإِنْ اشْتَرَى) الْعَامِلُ (مَنْ يَعْتِقُ عَلَى نَفْسِهِ) كَأَبِيهِ وَأَخِيهِ (وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ لَمْ يَعْتِقْ)؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِلْكُ رَبِّ الْمَالِ (وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ عَتَقَ عَلَيْهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ (قَدْرَ حِصَّتِهِ وَسَرَى) الْعِتْقُ (إلَى بَاقِيهِ إنْ كَانَ) الْمُضَارِبُ (مُوسِرًا) بِقِيمَةِ بَاقِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِفِعْلِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِمَالِهِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْعَبْدُ بَاقٍ فِي التِّجَارَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ ظَاهِرًا.
(وَغَرِمَ) الْمُضَارِبُ (قِيمَتَهُ) أَيْ قِيمَةَ مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ لِلْمُضَارَبَةِ (وَإِنْ كَانَ) الْمُضَارِبُ (مُعْسِرًا لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إلَّا مَا مَلَكَهُ) وَلَا سِرَايَةَ وَإِنْ أَيْسَرَ بِالْبَعْضِ فَقَطْ عَتَقَ قَدْرُ مَا هُوَ مُوسِرٌ بِهِ، وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا عَتَقَ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (الشِّرَاءُ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ إنْ ظَهَرَ فِي الْمُضَارَبَةِ رِبْحٌ)؛ لِأَنَّهُ شَرِيكٌ لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ (صَحَّ كَشِرَاءِ الْوَكِيلِ مِنْ مُوَكِّلِهِ) فَيَشْتَرِي مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوْ مِنْ نَفْسِهِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (وَطْءُ أَمَةِ الْمُضَارَبَةِ وَلَوْ ظَهَرَ رِبْحٌ) كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ وَطِئَ الْمُضَارِبُ أَمَةَ الْمُضَارَبَةِ (فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ) إنْ لَمْ يَكُنْ الْوَطْءُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ.
(وَ) عَلَيْهِ (التَّعْزِيرُ) نَصَّ عَلَيْهِ (وَلَا حَدَّ، وَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ رِبْحٌ)؛ لِأَنَّ ظُهُورَ الرِّبْحِ يَنْبَنِي عَلَى التَّقْوِيمِ، وَالتَّقْوِيمُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ السِّلَعَ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِمَّا قُوِّمَتْ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ.
(وَإِنْ عَلِقَتْ مِنْهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ) مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ (وَإِنْ ظَهَرَ رِبْحٌ) فِي الْمُضَارَبَةِ وَوَطِئَ الْمُضَارِبُ مِنْهَا أَمَةً وَعَلِقَتْ مِنْهُ (فَالْوَلَدُ حُرٌّ وَتَصِيرُ) الْأَمَةُ (أُمَّ وَلَدٍ لَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) يَوْمَ إحْبَالِهَا، كَالْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إذَا أَحْبَلَهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ وَلَا فِدَاءَ لِلْوَلَدِ كَمَا يَأْتِي فِي الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ.
(وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ وَطْءُ الْأَمَةِ) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (أَيْضًا وَلَوْ عَدِمَ الرِّبْحَ)؛ لِأَنَّهُ يَنْقُصُهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَيَعْرِضُهَا لِلْخُرُوجِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ وَالتَّلَفِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ وَطِئَ رَبُّ الْمَالِ أَمَةَ الْمُضَارَبَةِ (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ (وَإِنْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَوَلَدُهُ حُرٌّ وَتَخْرُجُ مِنْ الْمُضَارَبَةِ)؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَتُحْسَبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا، وَيُضَافُ إلَيْهَا بَقِيَّةُ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ فَلِلْعَامِلِ حِصَّتُهُ مِنْهُ.
(وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (أَنْ يُضَارِبَ لِآخِرِ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ) بِلَا إذْنِهِ كَكَوْنِ الْمَالِ الثَّانِي كَثِيرًا فَيَسْتَوْعِبُ زَمَانَهُ فَيَشْغَلُهُ عَنْ تِجَارَةِ الْأَوَّلِ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ ضَارَبَ لِآخَرَ مَعَ تَضَرُّرِ الْأَوَّلِ (حَرُمَ وَرَدَّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْأَوَّلِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ بِالْمَنْفَعَةِ الَّتِي اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَيُنْظَرُ مَا رَبِحَ فِي الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ فَيَدْفَعُ إلَى رَبِّ مَا لِهَا مِنْهُ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّ الْعُدْوَانَ مِنْ الْمُضَارِبِ لَا يَسْقُطُ حَقُّ رَبِّ الْمَالِ الثَّانِي وَيَأْخُذُ الْمُضَارِبُ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ فَيَضُمُّهُ إلَى رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى فَيَقْتَسِمَانِهِ.
وَقَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْح: النَّظَرُ يَقْتَضِي أَنَّ رَبَّ الْمُضَارَبَةِ الْأُولَى لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ رِبْحِ الثَّانِيَةِ شَيْئًا،؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِمَالٍ أَوْ عَمَلٍ وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ.
وَتَعَدَّى الْمُضَارِبُ بِتَرْكِ الْعَمَلِ وَاشْتِغَالِهِ عَنْ الْمَالِ الْأَوَّلِ لَا يُوجِبُ عِوَضًا، كَمَا لَوْ اشْتَغَلَ بِالْعَمَلِ فِي مَالِ نَفْسِهِ أَوْ أَجَّرَ نَفْسَهُ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ) أَيْ فِي ضِرَابِهِ لِثَانٍ (ضَرَرٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَكُنْ) الْأَوَّلُ (اشْتَرَطَ لِلْعَامِلِ نَفَقَةً أَوْ كَانَ) ضِرَابُهُ لِلثَّانِي (بِإِذْنِهِ) أَيْ الْأَوَّلِ (جَازَ) مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ فِي الْأُولَى وَالْإِذْنِ فِي الثَّانِيَةِ.
(وَامْتَنَعَ الرَّدُّ) أَيْ رَدُّ نَصِيبِ الْعَامِلِ مِنْ الْمُضَارَبَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْأُولَى، بَلْ نَصِيبُهُ لَهُ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الْأُولَى اشْتَرَطَ لِلْعَامِلِ النَّفَقَةَ لَمْ يَأْخُذْ لِغَيْرِهِ مُضَارَبَةً وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ نَصَّ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْفَائِقِ وَقَدَّمَهُ فِي الشَّرْحِ وَحَمَلَهُ الْمُوَفَّقُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.
(وَإِنْ أَخَذَ) إنْسَانٌ (مِنْ رَجُلٍ مُضَارَبَةً ثُمَّ أَخَذَ) الْمُضَارِبُ (مِنْ آخَرَ بِضَاعَةً أَوْ عَمِلَ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَاتَّجَرَ فِيهِ فَرِبْحُهُ فِي مَالِ الْبِضَاعَةِ لِصَاحِبِهَا وَفِي مَالِ نَفْسِهِ لَهُ) لَا حَقَّ لِرَبِّ الْمُضَارَبَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا عَمَلَ مِنْهُ وَلَا مَالَ.
(وَإِنْ دَفَعَ) رَبُّ الْمَالِ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْمُضَارِبِ (أَلْفَيْنِ فِي وَقْتَيْنِ لَمْ يَخْلِطْهُمَا) بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ بِعَقْدٍ فَكَانَا عَقْدَيْنِ، فَلَا تُجْبَرُ وَضِيعَةُ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ كَمَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ (فَإِنْ أَذِنَ) رَبُّ الْمَالِ (لَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ فِي الْخَلْطِ (قَبْلَ تَصَرُّفِ) الْمُضَارِبِ (فِي) الْمَالِ (الْأَوَّلِ) جَازَ (أَوْ) أَذِنَهُ فِي الْخَلْطِ (بَعْدَهُ) أَيْ التَّصَرُّفِ.
(وَقَدْ نَصَّ) الْأَوَّلُ (جَازَ وَصَارَ الْمَالُ كُلُّهُ مُضَارَبَةً وَاحِدَةً) كَمَا لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ دُفْعَهً وَاحِدَةً (وَإِلَّا) بِأَنْ تَصَرَّفَ فِي الْأَوَّلِ وَلَمْ يَنِضَّهُ، وَأَذِنَهُ فِي الْخَلْطِ (فَلَا) يَجُوزُ الْخَلْطُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ اسْتَقَرَّ، فَكَانَ رِبْحُهُ وَخُسْرَانُهُ مُخْتَصًّا بِهِ فَضَمُّ الثَّانِي إلَيْهِ يُوجِبُ جُبْرَانَ خُسْرَانِ أَحَدِهِمَا بِرِبْحِ الْآخَرِ فَإِذَا شَرَطَا ذَلِكَ فِي الثَّانِي فَسَدَ.
(وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ شَيْئًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ مَالَ الْمُضَارَبَةِ (مِلْكُهُ، وَكَشِرَاءِ الْمُوَكِّلِ مِنْ وَكِيلِهِ، وَكَذَلِكَ شِرَاءِ السَّيِّدِ مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ) لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَلَوْ اسْتَغْرَقَهُ الدُّيُونُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لَمْ يَزَلْ عَنْهُ وَاسْتِحْقَاقُ انْتِزَاعِ مَا فِي يَدِهِ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ كَالْمُفْلِسِ، بِخِلَافِ شِرَائِهِ مِنْ مُكَاتِبِهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْمُكَاتِبِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ.
(فَإِنْ اشْتَرَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَ شَرِيكِهِ صَحَّ)؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ فَصَحَّ شِرَاؤُهُ كَالْأَجْنَبِيِّ، إلَّا أَنَّ مَنْ عَلِمَ مَبْلَغَ شَيْءٍ لَمْ يَبِعْهُ صُبْرَةً.
(وَإِنْ اشْتَرَى) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (الْجَمِيعَ) أَيْ جَمِيعَ مَالِ الشَّرِكَةِ (لَمْ يَصِحَّ) الشِّرَاءُ (فِي نَصِيبِهِ)؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ (وَصَحَّ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ) بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
(وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ نَفَقَةٌ) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (وَلَوْ مَعَ السَّفَرِ) بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنْ يَسْتَحِقَّ مِنْ الرِّبْحِ شَيْئًا فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهُ إذْ لَوْ اسْتَحَقَّهَا لَأَفْضَى إلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَرْبَحْ سِوَى النَّفَقَةِ (إلَّا بِشَرْطٍ كَوَكِيلٍ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَوْ عَادَةٍ (فَإِنْ شَرَطَهَا) أَيْ النَّفَقَةَ رَبُّ الْمَالِ (لَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (وَقَدَّرَهَا فَحَسَنٌ) قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ (فَإِنْ لَمْ يُقَدِّرْهَا) أَيْ النَّفَقَةَ.
(وَاخْتَلَفَا) أَيْ تَشَاحَّا فِي قَدْرِ النَّفَقَةِ (فَلَهُ نَفَقَةُ مِثْلِهِ عُرْفًا مِنْ طَعَامٍ وَكِسْوَةٍ) كَالزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ النَّفَقَةِ يَقْتَضِي جَمِيعَ مَا هُوَ ضَرُورَاتُهُ الْمُعْتَادَةُ فَكَانَ لَهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ، وَهِيَ إبَاحَةٌ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ إنْ شَرَطَا دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً يُبْطِلُهَا.
وَتَرَدَّدَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ، هَلْ هِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ الرِّبْحِ؟ قُلْتُ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ الرِّبْحِ (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ) أَيْ الْمُضَارِبِ (مَالٌ لِنَفْسِهِ يَتَّجِرُ فِيهِ، أَوْ) مَعَهُ (مُضَارَبَةٌ أُخْرَى، أَوْ) مَعَهُ (بِضَاعَةٌ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ)؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لِلْعَمَلِ فِي الْمَالِ فَكَانَتْ عَلَى قَدْرٍ مِمَّا لِكُلٍّ فِيهِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْمَالِ قَدْ شَرَطَ لَهُ) أَيْ الْعَامِلِ (النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ، مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا مَعَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، أَوْ مُضَارَبَةٍ أَوْ بِضَاعَةٍ لِغَيْرِهِ (وَإِنْ لَقِيَهُ) أَيْ الْعَامِلَ (رَبُّ الْمَالِ بِبَلَدٍ أَذْن لَهُ فِي سَفَرِهِ إلَيْهِ وَقَدْ نَضَّ) الْمَالُ (فَأَخَذَهُ) رَبُّهُ مِنْهُ (فَلَا نَفَقَةَ لِرُجُوعِهِ) إلَى الْبَلَدِ الَّذِي سَافَرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَحَقَّ النَّفَقَةَ مَا دَامَا فِي الْقِرَاضِ وَقَدْ زَالَ فَزَالَتْ النَّفَقَةُ.
(وَإِنْ مَاتَ) الْعَامِلُ (لَمْ يَجِبْ تَكْفِينُهُ)؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ انْقَطَعَ بِمَوْتِهِ فَانْقَطَعَتْ النَّفَقَةُ.
(وَلَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (التَّسَرِّي) أَيْ شِرَاءُ أَمَةٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِيَطَأهَا (بِإِذْنٍ) مِنْ رَبِّ الْمَالِ (فَإِذَا اشْتَرَى) الْمُضَارِبُ لِنَفْسِهِ (جَارِيَةً) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ بِإِذْنِ رَبِّهِ (مُلِّكَهَا وَصَارَ ثَمَنُهَا قَرْضًا) فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي التَّسَرِّي وَالْإِذْنُ فِيهِ يَسْتَدْعِي الْإِذْنَ فِي الْوَطْءِ؛ لِأَنَّ الْبُضْعَ لَا يُبَاحُ إلَّا بِمِلْكٍ، أَوْ نِكَاحٍ، وَرَبُّ الْمَالِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَبَرُّعِهِ بِالثَّمَنِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُ قَرْضًا؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقِّنُ.
(وَلَيْسَ لِلْمُضَارِبِ رِبْحٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ رَأْسَ الْمَالِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ الرِّبْحِ حَتَّى يُسَلِّمَ رَأْسَ الْمَالِ إلَى رَبِّهِ (فَإِنْ اشْتَرَى) الْمُضَارِبُ (سِلْعَتَيْنِ فَرَبِحَ فِي إحْدَاهُمَا) وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى (أَوْ) رَبِحَ (فِي إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ وَخَسِرَ فِي الْأُخْرَى جُبِرَتْ الْوَضِيعَةُ مِنْ الرِّبْحِ كَمَا يَأْتِي)؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمَا لَمْ يَفْضُلْ فَلَيْسَ بِرِبْحٍ (وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا) فَلَا تَنْفَسِخُ فِي الْوَضِيعَةِ.
(فَصْلٌ وَإِنْ تَلِفَ رَأْسُ الْمَالِ أَوْ) تَلِفَ (بَعْضُهُ) بَعْدَ تَصَرُّفِهِ (أَوْ تَعَيَّبَ) رَأْسُ الْمَالِ (أَوْ خَسِرَ) رَأْسُ الْمَالِ (بِسَبَبِ مَرَضِ) عَبْدِ التِّجَارَةِ، أَوْ دَابَّتِهَا (أَوْ) خَسِرَ بِسَبَبِ (تَغَيُّرِ صِفَةٍ) كَعَبْدٍ عَمِيَ أَوْ حِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ (أَوْ نَزَلَ السِّعْرُ بَعْدَ تَصَرُّفِهِ) أَيْ الْمُضَارِبِ (فِيهِ) أَيْ فِي رَأْسِ الْمَالِ (جُبِرَتْ الْوَضِيعَةُ مِنْ رِبْحِ بَاقِيهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ، نَاضًّا أَوْ تَنْضِيضِهِ مَعَ الْمُحَاسَبَةِ)؛ لِأَنَّهَا مُضَارَبَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إلَّا بَعْدَ كَمَالِ رَأْسِ الْمَالِ.
(وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ رَأْسِ الْمَالِ قَبْلَ تَصَرُّفِهِ) أَيْ الْعَامِلِ (فِيهِ انْفَسَخَتْ فِيهِ) أَيْ التَّالِفِ (الْمُضَارَبَةُ وَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ) هُوَ (الْبَاقِي خَاصَّةً)؛ لِأَنَّهُ مَالٌ هَلَكَ عَلَى جِهَتِهِ قَبْلَ التَّصَرُّفِ أَشْبَهَ التَّالِفَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَفَارَقَ مَا بَعْدَ التَّصَرُّفِ؛ لِأَنَّهُ دَارَ فِي التِّجَارَةِ وَشَرَعَ فِيمَا قَصَدَ بِالْعَقْدِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْمُؤَدِّيَةِ لِلرِّبْحِ.
(وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ) قَبْلَ التَّصَرُّفِ (ثُمَّ اشْتَرَى) الْمُضَارِبُ (سِلْعَةً فِي ذِمَّتِهِ لِلْمُضَارَبَةِ فَهِيَ) أَيْ السِّلْعَةُ (لَهُ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ.
(وَثَمَنُهَا عَلَيْهِ) سَوَاءٌ (عَلِمَ) الْمُضَارِبُ (تَلَفَ الْمَالِ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ أَوْ جَهِلَهُ)؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْمُضَارَبَةِ لِانْفِسَاخِهَا بِالتَّلَفِ فَاخْتَصَّتْ بِهِ وَلَوْ كَانَتْ لِلْمُضَارَبَةِ لَكَانَ مُسْتَدِينًا عَلَى غَيْرِهِ وَالِاسْتِدَانَةُ عَلَى الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا تَجُوزُ (إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ رَبُّ الْمَالِ) فَيَكُونَ لَهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ اشْتَرَى لِغَيْرِهِ سِلْعَةً فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ.
(وَإِنْ تَلِفَ) مَالُ الْمُضَارَبَةِ (بَعْدَ الشِّرَاءِ قَبْلَ نَقْدِ ثَمَنِهَا) أَيْ السِّلْعَةِ (بِأَنْ اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ) لِلْمُضَارَبَةِ سِلْعَةً فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ تَلِفَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ قَبْلَ إقْبَاضِهِ (أَوْ تَلِفَ هُوَ) أَيْ مَالُ الْمُضَارَبَةِ.
(وَالسِّلْعَةُ فَالْمُضَارَبَةُ) بَاقِيَةٌ (بِحَالِهَا)؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لِفَسْخِهَا هُوَ التَّلَفُ، وَلَمْ يُوجَدْ حِينَ الشِّرَاءِ وَلَا قَبْلَهُ (وَالثَّمَنُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ كَالْمُوَكِّلِ (وَيَصِيرُ رَأْسُ الثَّمَنِ دُونَ التَّالِفِ) لِفَوَاتِهِ (وَلِصَاحِبِ السِّلْعَةِ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ (بِالثَّمَنِ) لِبَقَاءِ الْإِذْنِ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَلِمُبَاشَرَةِ الْعَامِلِ فَإِنْ غَرِمَهُ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ (وَيَرْجِعُ بِهِ الْعَامِلُ) إنْ غَرِمَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَلَوْ كَانَ) رَأْسُ (الْمَالِ مِائَةً فَخَسِرَ عَشَرَةً ثُمَّ أَخَذَ رَبُّهُ عَشَرَةً لَا يَنْقُصُ رَأْسُ الْمَالِ بِالْخُسْرَانِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْبَحُ فَيُجْبَرُ الْخُسْرَانُ) مِنْ الرِّبْحِ (لَكِنَّهُ) أَيْ رَأْسَ الْمَالِ (يَنْقُصُ بِمَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ الْعَشَرَةُ وَقِسْطُهَا مِنْ الْخُسْرَانِ، وَهُوَ دِرْهَمٌ وَتُسْعُ) دِرْهَمٍ (وَيَبْقَى رَأْسُ الْمَالِ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِينَ وَثَمَانِيَةَ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَ) رَبُّ الْمَالِ (أَخَذَ نِصْفَ التِّسْعِينَ الْبَاقِيَةِ) وَهُوَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ (بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ) دِرْهَمًا؛ لِأَنَّهُ أَيْ رَبَّ الْمَالِ (أَخَذَ نِصْفَ الْمَالِ، فَسَقَطَ نِصْفُ الْخُسْرَانِ وَإِنْ كَانَ) رَبُّ الْمَالِ (أَخَذَ خَمْسِينَ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَأَرْبَعَةُ أَتْسَاعِ)؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ خَمْسَةَ أَتْسَاعِ الْمَالِ فَسَقَطَ خَمْسَةُ أَتْسَاعٍ الْخُسْرَانِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَخَمْسَةُ أَتْسَاعِ دِرْهَمٍ يَبْقَى مَا ذَكَر.
(وَكَذَلِكَ إذَا رِبْحَ الْمَالُ، ثُمَّ أَخَذَ رَبُّ الْمَالِ بَعْضَهُ) أَيْ الْمَالِ (كَانَ مَا أَخَذَهُ) رَبُّ الْمَالِ (مِنْ الرِّبْحِ وَرَأْسِ الْمَالِ فَلَوْ كَانَ رَأْس الْمَالِ مِائَةً فَرَبِحَ عِشْرِينَ فَأَخَذَهَا) رَبُّ الْمَالِ (فَقَدْ أَخَذَ سُدُسَهُ فَيَنْقُصُ الْمَالُ) وَهُوَ مِائَةٌ (سُدُسَهُ: سِتَّةَ عَشَرَ وَثُلُثَيْنِ وَقِسْطُهَا) مِنْ الرِّبْحِ (ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ، بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ ثَلَاثَةً وَثَمَانِينَ وَثُلُثًا) وَلَوْ كَانَ أَخَذَ سِتِّينَ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ نِصْفُ الْمَالِ فَبَقِيَ نِصْفُ الْمَالِ وَإِنْ أَخَذَ خَمْسِينَ بَقِيَ ثَمَانِيَةٌ وَخَمْسُونَ وَثُلُث؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ رُبْعَ الْمَالِ وَسُدُسَهُ، فَيَبْقَى ثُلُثُهُ وَرُبْعُهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا.
(وَلَوْ اشْتَرَى) الْعَامِلُ (عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا وَبَاعَ) الْعَامِلُ (الْآخَرَ بِخَمْسِينَ فَأَخَذَ مِنْهَا رَبُّ الْمَالِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ بَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ خَمْسِينَ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ أَخَذَ نِصْفَ الْمَالِ الْمَوْجُودِ فَسَقَطَ نِصْفُ الْخُسْرَانِ وَلَمْ يَتْلَفْ الْعَبْدُ وَبَاعَهُمَا) أَيْ الْعَبْدَيْنِ الْعَامِلُ (بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ سِتِّينَ ثُمَّ خَسِرَ الْعَامِلُ فِيمَا مَعَهُ) مِنْ الْمَالِ (عِشْرِينَ فَلَهُ مِنْ الرِّبْحِ خَمْسَةٌ؛ لِأَنَّ سُدُسَ مَا أَخَذَهُ رَبُّ الْمَالِ رِبْحٌ) وَسُدُسُهُ عَشَرَةٌ (لِلْعَامِلِ نِصْفُهُ) خَمْسَةٌ إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ.
(وَقَدْ انْفَسَخَتْ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ) بِأَخْذِ رَبِّ الْمَالِ لَهُ (فَلَا يُجْبَرُ بِهِ خُسْرَانُ الْبَاقِي) لِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُ (وَإِنْ اقْتَسَمَا) أَيْ الْمُتَقَارِضَانِ (الْعِشْرِينَ مِنْ الرِّبْحِ خَاصَّةً ثُمَّ خَسِرَ) الْمَالُ (عِشْرِينَ فَعَلَى الْعَامِلِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ وَبَقِيَ رَأْسُ الْمَالِ تِسْعِينَ؛ لِأَنَّ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ مَعَ رَبِّ الْمَالِ تُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَمَهْمَا بَقِيَ الْعَقْدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَجَبَ جَبْرُ خُسْرَانِهِ مِنْ رِبْحِهِ وَإِنْ اقْتَسَمَا الرِّبْحَ)؛ لِأَنَّهَا مُضَارَبَةٌ وَاحِدَةٌ.
(وَتَحْرُمُ قِسْمَتُهُ) أَيْ الرِّبْحِ (وَالْعَقْدُ بَاقٍ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا) عَلَى قِسْمَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ امْتِنَاعِ رَبِّ الْمَالِ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ فَيَجْبُرُهُ بِالرِّبْحِ وَمَعَ امْتِنَاعِ الْعَامِلِ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَلْزَمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا.
(قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الْمُضَارِبِ يَرْبَحُ وَيَضَعُ مِرَارًا: يَرُدُّ الْوَضِيعَةَ عَلَى الرِّبْحِ (إلَّا أَنْ يَقْبِضَ رَأْسَ الْمَالِ صَاحِبُهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَيَقُولُ: اعْمَلْ بِهِ ثَانِيَةً فَمَا رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُجْبَرُ بِهِ وَضَيْعَةُ الْأَوَّلِ)؛ لِأَنَّهُ مُضَارَبَةٌ ثَانِيَةٌ قَالَ فَهَذَا لَيْسَ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْءٌ (وَأَمَّا مَا لَا يَدْفَعُ) إلَيْهِ (فَحَتَّى يَحْتَسِبَا حِسَابًا كَالْقَبْضِ) كَمَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ (قِيلَ وَكَيْفَ يَكُونُ حِسَابًا كَالْقَبْضِ؟ قَالَ يَظْهَرُ الْمَالُ يَعْنِي يَنِضُّ وَيَجِيءُ، فَيَحْتَسِبَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ شَاءَ صَاحِبُهُ قَبَضَهُ قِيلَ لَهُ) أَيْ الْإِمَامِ (فَيَحْتَسِبَانِ عَلَى الْمَتَاعِ؟ قَالَ لَا يَحْتَسِبَانِ إلَّا عَلَى النَّاضِّ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ قَدْ يَنْحَطُّ سِعْرُهُ وَيَرْتَفِعُ انْتَهَى) مَا رَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.
(وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ رَبِّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ وَتَنْضِيضِهِ مَعَ الْمُحَاسَبَةِ (فَالْوَضِيعَةُ) إذَا حَصَلَتْ (تُحْسَبُ مِنْ الرِّبْحِ) لِبَقَاءِ الْمُضَارَبَةِ.
(وَكَذَلِكَ لَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ) أَيْ الْمُمْتَنِعِ (لَا يَأْمَنُ الْخُسْرَانَ فِي الثَّانِي) أَيْ ثَانِي الْحَالِ فَإِنْ كَانَ الْمُمْتَنِعُ الْمَالِكَ فَهُوَ يَجْبُرُ الْخُسْرَانَ بِالرِّبْحِ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلَ فَإِنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَلْزَمَهُ الرَّدُّ فِي وَقْتٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ اتَّفَقَا) أَيْ الْمُتَقَارِضَانِ (عَلَى قَسْمِهِ) أَيْ الرِّبْحِ (أَوْ) عَلَى (قَسْمِ بَعْضِهِ، أَوْ) اتَّفَقَا (عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا جَازَ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا.
(وَإِتْلَافُ الْمَالِكِ لِلْمَالِ كَقِسْمَةِ) الرِّبْحِ (فَيَغْرَمُ حِصَّةَ عَامِلٍ) مِنْ الرِّبْحِ (ك) مَا لَوْ أَتْلَفَهُ (أَجْنَبِيٌّ) فَإِنَّهُ يَغْرَمُ لِلْعَامِلِ حِصَّتَهُ وَلِرَبِّ الْمَالِ رَأْسُ مَالِهِ وَحِصَّتُهُ.
وَإِنْ قُتِلَ قِنُّ الْمُضَارَبَةِ فَلِرَبِّ الْمَالِ الْقِصَاصُ بِشَرْطِهِ وَتَبْطُلُ الْمُضَارَبَةُ فِيهِ إذَنْ لِذَهَابِهِ وَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ وَيَكُونُ كَبَدَلِ الْمَبِيعِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِهِ رِبْحٌ وَمَعَ رِبْحِ الْقَوَدِ إلَيْهِمَا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ.
(وَمِنْ الرِّبْحِ: مَهْرُ) وَجَبَ بِوَطْءِ أَمَةٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَوْ بِتَزْوِيجِهَا بِاتِّفَاقِهِمَا (وَثَمَرَةٌ) ظَهَرَتْ مِنْ شَجَرٍ اُشْتُرِيَ مِنْ مَالِهَا (وَأُجْرَةٌ) وَجَبَتْ بِعَقْدٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ أَوْ بِتَعَدٍّ عَلَيْهِ (وَأَرْشُ عَيْبٍ) وَأَرْشُ جِنَايَةٍ (وَنِتَاجٌ) نَتَجَتْهُ بَهِيمَتُهَا.
(وَإِذَا ظَهَرَ رِبْحٌ) فِي الْمَالِ (لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ الْعَامِلِ (أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مُشَاعٌ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَاسِمَ نَفْسَهُ وَلِأَنَّ مُلْكَهُ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَلِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِرَأْسِ الْمَالِ وَلَا يُؤْمَنُ الْخُسْرَانُ.
(وَيَمْلِكُ الْعَامِلُ حِصَّتَهُ مِنْ الرِّبْحِ بِالظُّهُورِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، كَرَبِّ الْمَالِ وَكَمُسَاقَاةٍ)؛ لِأَنَّ هَذَا الْجُزْءَ مَمْلُوكٌ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَالِكٍ وَرَبُّ الْمَالِ لَا يَمْلِكُهُ اتِّفَاقًا فَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُضَارِبِ وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِالْقِسْمَةِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَمْلِكَهُ وَيَكُونُ وِقَايَةً لِرَأْسِ الْمَالِ (وَيَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ فِيهَا) أَيْ مِلْكُ الْعَامِلِ فِي حِصَّتِهِ (بِالْمُقَاسَمَةِ وَبِالْمُحَاسِبَةِ التَّامَّةِ)؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ عُرْضَةٌ لَأَنْ يَخْرُجَ عَنْ يَدِهِ لِجُبْرَانِ خُسْرَانٍ (وَتَقَدَّمَ نَصُّ أَحْمَدَ فِيهِ قَرِيبًا).
(وَإِنْ طَلَبَ الْعَامِلُ الْبَيْعَ) أَيْ بَيْعَ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (مَعَ بَقَاءِ قِرَاضِهِ أَوْ فَسْخِهِ، فَأَبَى رَبُّ الْمَالِ) الْبَيْعَ (أُجْبِرَ) عَلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ (إنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ الْمَالِ (رِبْحٌ)؛ لِأَنَّ حَقَّ الْعَامِلِ فِي الرِّبْحِ لَا يَظْهَرُ إلَّا بِالْبَيْعِ فَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ عَلَى تَوْفِيَتِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ رِبْحٌ ظَاهِرٌ لَمْ يُجْبَرْ الْمَالِكُ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَقَدْ رَضِيَهُ مَالِكُهُ عَرْضًا.
(وَإِنْ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ وَالْمَالُ عَرْضٌ فَرَضِيَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَأْخُذَ بِمَالِهِ مِنْ الْعَرْضِ فَلَهُ ذَلِكَ، فَيُقَوَّمُ) الْعَرْضُ (عَلَيْهِ وَيَدْفَعُ حِصَّةَ الْعَامِلِ)؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ مِنْ الْعَامِلِ الْبَيْعَ، وَقَدْ صَدَّقَهُ عَلَى الرِّبْحِ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ حَظٍّ يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِي بَيْعِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً عَلَى قَطْعِ رِبْحِ عَامِلٍ كَشِرَائِهِ خَزًّا فِي الصَّيْفِ لِيَرْبَحَ فِي الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ فَيَبْقَى حَقُّهُ فِي رِبْحِهِ (ثُمَّ إنْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ التَّقْوِيمِ عَلَى الْمَالِكِ وَدَفْعِهِ حِصَّةَ الْعَامِلِ (لَمْ يُطَالِبْهُ الْعَامِلُ بِشَيْءٍ) كَمَا لَوْ ارْتَفَعَ بَعْدَ بَيْعِهِ لِأَجْنَبِيٍّ.
(وَإِنْ لَمْ يَرْضَ) رَبُّ الْمَالِ (بِأَخْذِهِ) أَيْ الْمَالِ (مِنْ ذَلِكَ) الْعَرْضِ (وَطَلَبَ الْبَيْعَ، أَوْ طَلَبَهُ) أَيْ الْبَيْعَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ فَسْخِ الْمُضَارَبَةِ فَلَهُ ذَلِكَ (وَيَلْزَمُ الْمُضَارِبَ بَيْعُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ) وَقَبْضُ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ رَدَّ الْمَالِ نَاضًّا كَمَا أَخَذَهُ.
(وَإِنْ نَضَّ) الْعَامِلُ (رَأْسَ الْمَالِ جَمِيعَهُ) وَطَلَبَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَنِضَّ الْبَاقِي (لَزِمَ الْعَامِلَ أَنْ يَنِضَّ لَهُ الْبَاقِي) كَرَأْسِ الْمَالِ.
(وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ فَصَارَ دَنَانِيرَ وَعَكْسُهُ) بِأَنْ كَانَ دَنَانِيرَ فَصَارَ دَرَاهِمَ (فَكَعَرْضٍ) إنْ رَضِيَهُ رَبُّ الْمَالِ وَإِلَّا لَزِمَ الْعَامِلَ إعَادَتُهُ كَمَا كَانَ وَكَذَا لَوْ كَانَ رَأْسٌ صِحَاحًا فَنَضَّهُ قِرَاضَةً أَوْ مُكَسَّرَةً.
(وَإِنْ انْفَسَخَ) الْقِرَاضُ (وَالْمَالُ دَيْنٌ لَزِمَ الْعَامِلُ تَقَاضِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ رِبْحٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ) فِيهِ رِبْحٌ؛ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى صِفَتِهِ وَالدُّيُونُ لَا تَجْرِي مَجْرَى النَّاضِّ فَلَزِمَهُ أَنْ يَنِضَّهُ وَلَا يَقْتَصِرَ فِي التَّقَاضِي عَلَى رَأْسِ الْمَالِ (فَإِنْ اقْتَضَى) الْعَامِلُ (مِنْهُ قَدْرَ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ كَانَ الدَّيْنُ قَدْرَ الرِّبْحِ أَوْ دُونَهُ) أَيْ الرِّبْحِ (لَزِمَ الْعَامِلَ تَقَاضِيهِ أَيْضًا)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الرِّبْحِ عِنْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَوُصُولُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ مِنْهُ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ تَقَاضِيهِ (وَلَا يَلْزَمُ الْوَكِيلَ تَقَاضِي الدَّيْنَ)؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقْتَضَى عَقْدِ الْوَكَالَةِ.
(وَإِنْ قَارَضَ) الْمَرِيضُ (فِي الْمَرَضِ) الْمَخُوفِ وَمَاتَ فِيهِ (فَالرِّبْحُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنْ زَادَ عَلَى تَسْمِيَةِ الْمِثْلِ) أَيْ مَا يُسَمَّى لِمِثْلِهِ (وَلَا يُحْتَسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ وَيُقَدَّمُ بِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَأْخُذُهُ مِنْ مَالِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ بِعَمَلِهِ مِنْ الرِّبْحِ الْحَادِثِ وَيَحْدُثُ عَلَى مُلْكِ الْمُضَارِبِ دُونَ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَابَى الْأَجِيرَ فِي الْأَجْرِ فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ بِمَا حَابَاهُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ.
(وَإِنْ سَاقَى) الْمَرِيضُ (أَوْ زَارَعَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) الْمَخُوفِ (حُسِبَ) الزَّائِدُ (مِنْ الثُّلُثِ)؛ لِأَنَّهُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ، بِخِلَافِ الرِّبْحِ فِي الْمُضَارَبَةِ.
(وَإِنْ مَاتَ الْمُضَارِبُ فَجْأَةً أَوْ لَا) أَيْ غَيْرَ فَجْأَةٍ (وَلَمْ يُعْرَفُ مَالُ الْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْعَامِلِ لَهُ) أَيْ الْمَالِ.
(وَجُهِلَ بَقَاؤُهُ فَهُوَ دَيْنٌ فِي تَرِكَتِهِ) أَيْ الْعَامِلِ (لِصَاحِبِهِ أُسْوَةً بِالْغُرَمَاءِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَيِّتِ، وَاخْتِلَاطُهُ بِجُمْلَةِ التَّرِكَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ فَكَانَ دَيْنًا وَلِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حَقِّ مَالِكِ الْمَالِ وَلَا إلَى إعْطَائِهِ عَيْنًا مِنْ التَّرِكَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ عَيْنِ مَالِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا تَعَلُّقُهُ بِالذِّمَّةِ (وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ) إذَا مَاتَ الْوَدِيعُ وَجُهِلَ بَقَاؤُهُ (وَمِثْلُهُ لَوْ مَاتَ وَصِيٌّ وَجُهِلَ بَقَاءُ مَالِ مُوَلِّيهِ) فَيَكُونُ دَيْنًا فِي تَرِكَتِهِ قُلْتُ وَقِيَاسُهُ نَاظِرُ وَقْفٍ وَعَامِلُهُ إذَا قَبَضَ لِلْوَقْفِ شَيْئًا وَمَاتَ وَجُهِلَ بَقَاؤُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ مَسْأَلَةُ النَّاظِرِ وَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِاللُّزُومِ.
(وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَقَارِضَيْنِ أَوْ جُنَّ) جُنُونًا مُطْبِقًا (أَوْ تَوَسْوَسَ) بِحَيْثُ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ (أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ انْفَسَخَ الْقِرَاضُ)؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَبَطَلَ بِذَلِكَ كَالْوَكَالَةِ (فَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ أَوْ الْمَجْنُونُ وَنَحْوُهُ (رَبَّ الْمَالِ فَأَرَادَ الْوَارِثُ) الْجَائِزُ التَّصَرُّفِ (أَوْ وَلِيُّهُ) إنْ لَمْ يَكُنِ الْوَارِثُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ (إتْمَامَهُ) أَيْ الْقِرَاضِ أَيْ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ.
(وَالْمَالُ نَضَّ جَازَ وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَالِ) الَّذِي أَعْطَاهُ الْمَوْرُوثُ (وَحِصَّتُهُ مِنْ الرِّبْحِ رَأْسُ مَالٍ وَحِصَّةَ الْعَامِلِ مِنْ الرِّبْح شَرِكَةً لَهُ مُشَاعٌ) وَهَذِهِ الْإِشَاعَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرِيكَ هُوَ الْعَامِلُ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ (وَإِنْ كَانَ الْمَالُ عَرْضًا وَأَرَادُوا) أَيْ الْوَارِثُ مَعَ الْعَامِلِ (إتْمَامَهُ) أَيْ الْقِرَاضِ (لَمْ يَجُزْ)؛ لِأَنَّ الْقِرَاضَ قَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ وَكَلَامُ (الْإِمَامِ) أَحْمَدَ فِي جَوَازِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ (كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بَعْدَ انْفِسَاخِ الْقِرَاضِ) ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ وَلِلْعَامِلِ بَيْعُ عُرُوضٍ، وَاقْتِضَاءُ دُيُونٍ كَفَسْخٍ وَالْمَالِكُ حَيٌّ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَيِّتُ أَوْ الْمَجْنُونُ وَنَحْوُهُ هُوَ (الْعَامِلُ وَأَرَادَ رَبُّ الْمَالِ ابْتِدَاءَ الْقِرَاضِ مَعَ وَارِثَهُ) أَيْ وَارِثِ الْعَامِلِ (أَوْ) مَعَ (وَلِيِّهِ) إنْ لَمْ يَكُنِ الْوَارِثُ جَائِزَ التَّصَرُّفِ (وَالْمَالُ نَاضٌّ جَازَ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (وَإِنْ كَانَ) الْمَالُ (عَرْضَا لَمْ يَجُزْ) الْقِرَاضُ عَلَيْهِ (وَدُفِعَ) الْعَرْضُ (إلَى الْحَاكِمِ فَيَبِيعُهُ) وَيُقَسِّمُ الرِّبْحَ عَلَى مَا شَرَطَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا يَبِيعُهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْآخَرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ.
(فَصْلٌ وَالْعَامِلُ أَمِينٌ) فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ بِإِذْنِ مَالِكِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْتَصُّ بِنَفْعِهِ فَكَانَ أَمِينًا كَالْوَكِيلِ وَفَارَقَ الْمُسْتَعِيرَ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِنَفْعِ الْعَارِيَّةِ (لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ) مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ (بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ) كَالْوَدِيعِ وَالْمُرْتَهِنِ (الْقَوْلُ قَوْلُهُ) أَيْ الْعَامِلِ (فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي عَلَيْهِ قَبْضَ شَيْءٍ وَهُوَ يُنْكِرُهُ.
فَلَوْ جَاءَ بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفٌ وَالرِّبْحُ أَلْفٌ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ بَلْ الْأَلْفَانِ رَأْسُ الْمَالِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَامِلِ (وَ) فِي قَدْرِ (الرِّبْحِ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ.
(وَ) فِي (أَنَّهُ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ وَفِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ هَلَاكٍ وَخُسْرَانٍ)؛ لِأَنَّ تَأْمِينَهُ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَمَحَلُّ ذَلِكَ: إنْ لَمْ تَكُنْ لِرَبِّ الْمَالِ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
وَإِنْ ادَّعَى الْهَلَاكَ بِأَمْرٍ ظَاهِرٍ كُلِّفَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِهِ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ تَلِفَ بِهِ (وَ) الْقَوْلُ قَوْلُهُ فَ (مَا يَذْكُرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْقِرَاضِ)؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ هُنَا فِي نِيَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا نَوَاهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاهُ وَمِثْلُهُ وَكِيلٌ وَشَرِيكُ عَنَانٍ وَوُجُوهٍ.
(وَ) يُقْبَلُ أَيْضًا قَوْلُ الْعَامِلِ فِي نَفْيِ (مَا يَدَّعِي عَلَيْهِ مِنْ خِيَانَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ أَوْ مُخَالَفَتِهِ شَيْئًا مِمَّا شَرَطَهُ) رَبُّ الْمَالِ (عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ.
وَلَوْ كَانَ الْمُضَارِبُ يَدْفَعُ إلَى رَبِّ الْمَالِ فِي كُلِّ وَقْتٍ شَيْئًا مَعْلُومًا، ثُمَّ طَلَبَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسَ مَالِهِ، فَقَالَ الْمُضَارِبُ: كُلُّ مَا دَفَعْتُ إلَيْكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَمْ أَكُنْ أَرْبَحُ شَيْئًا فَقَوْلُ الْمُضَارِبِ فِي ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا (وَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ الْعَامِلِ (أَنَّهُ) أَيْ رَبَّ الْمَالِ (لَمْ يَنْهَهُ عَنْ بَيْعِهِ نَسَاءً أَوْ) أَنَّهُ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ (الشِّرَاءِ بِكَذَا)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (وَتَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ).
(وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى) الْعَامِلُ (عَبْدًا فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ كُنْتُ نَهَيْتُكَ عَنْ شِرَائِهِ فَأَنْكَرَ) الْعَامِلُ النَّهْيَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ فِي رَدِّهِ) أَيْ الْمَالِ إلَيْهِ أَيْ إذَا اخْتَلَفَا فِي رَدِّ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَالْعَامِلُ قَبَضَ الْمَالَ لِنَفْعٍ لَهُ فِيهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي رَدِّهِ كَالْمُسْتَعِيرِ (وَ) الْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ أَيْضًا (فِي الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ لِلْعَامِلِ بَعْدَ الرِّبْحِ) فَلَوْ قَالَ شَرَطْتَ لِي نِصْفَ الرِّبْحِ.
وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ ثُلُثَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ السُّدُسَ الزَّائِدَ وَاشْتِرَاطَهُ لَهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ (كَقَبُولِهِ) أَيْ قَوْلِ الْمَالِكِ (فِي صِفَةِ خُرُوجِهِ) أَيْ الْمَالِ (عَنْ يَدِهِ) أَيْ يَدِ الْآخِذِ (فَلَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَهُ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ)؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَهُوَ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ ضَمَانِ الْمَالِ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ.
(فَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا يَتَّجِرُ بِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ كَانَ قِرَاضًا) عَلَى النِّصْفِ مَثَلًا (فَرِبْحُهُ بَيْنَنَا وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قَرْضًا فَرِبْحُهُ كُلُّهُ لِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ (فَيَحْلِفُ) رَبُّ الْمَالِ.
(وَيُقَسَّمُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا) نِصْفَيْنِ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ تَعَارَضَتَا) أَيْ الْبَيِّنَتَانِ وَسَقَطَتَا (وَقُسِّمَ) الرِّبْحُ (بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْمُغْنِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِ رَبِّ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَتَبَعُ الرِّبْحِ، لَكِنْ قَدْ اعْتَرَفَ بِنِصْفِ الرِّبْحِ مِنْهُ لِلْعَامِلِ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الْأَصْلِ وَالْمَذْهَبُ: تَقَدُّمُ بَيِّنَةُ الْعَامِلِ، كَمَا قَدَّمَهُ أَوَّلًا.
(وَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ كَانَ بِضَاعَةً) فَرِبْحُهُ لِي (وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قِرَاضًا) فَرِبْحُهُ لَنَا (أَوْ) كَانَ (قَرْضًا) فَرِبْحُهُ لِي (حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى إنْكَارِ مَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ)؛ لِأَنَّ كُلًّا مُنْهُمَا مُنْكِرٌ لِمَا ادَّعَاهُ خَصْمُهُ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ (وَكَانَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ) مِثْلِ (عَمَلِهِ لَا غَيْرُهُ وَالْبَاقِي لِرَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ تَابِعٌ لَهُ.
(وَإِنْ خَسِرَ الْمَالُ أَوْ تَلِفَ) الْمَالُ (فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ كَانَ قَرْضًا وَقَالَ الْعَامِلُ: كَانَ قِرَاضًا أَوْ بِضَاعَةً فَقَوْلُ رَبِّ الْمَالِ)؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَابِضِ لِمَالِ غَيْرِهِ الضَّمَانُ.
(وَإِنْ قَالَ الْعَامِلُ) فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ (رَبِحْتُ أَلْفًا ثُمَّ خَسِرْتُهَا، أَوْ هَلَكَتْ قُبِلَ قَوْلِهِ) بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ (وَإِنْ قَالَ غَلِطْتُ) فِي قَوْلِي (أَوْ نَسِيتُ أَوْ كَذَبْتُ لَمْ يُقْبَلْ) قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَنْ إقْرَارٍ بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ وَلَوْ خَسِرَ الْعَامِلُ وَاقْتَرَضَ مَا تَمَّمَ بِهِ رَأْسَ الْمَالِ لِيَعْرِضَهُ عَلَى رَبِّهِ تَامًّا، فَعَرَضَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ هَذَا رَأْسُ مَالِكَ فَأَخَذَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُ الْعَامِلِ عَنْ إقْرَارِهِ لَهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُقْرِضِ؛ لِأَنَّهُ يَجُرُّ بِهَا إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ رَبِّ الْمَالِ بَلْ الْعَامِلِ.
(وَإِنْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلَيْنِ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ) لَهُ وَالنِّصْفِ لَهُمَا (فَنَضَّ الْمَالُ، وَهُوَ) أَيْ الْمَالُ (ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَقَالَ رَبُّ الْمَالِ رَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ هُوَ أَلْفٌ فَقَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ أَلْفٌ فَالرِّبْحُ أَلْفَانِ وَنَصِيبُهُ مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ، يَبْقَى أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ، يَأْخُذُ رَبُّ الْمَالِ أَلْفَيْنِ)؛ لِأَنَّ الْآخَرَ يُصَدِّقُهُ (يَبْقَى خَمْسُمِائَةٍ رِبْحًا بَيْن رَبِّ الْمَالِ وَالْعَامِلِ الْآخَرِ يَقْتَسِمَانِهَا أَثْلَاثًا لِرَبِّ الْمَالِ ثُلُثَاهَا وَلِلْعَامِلِ ثُلُثُهَا)؛ لِأَنَّ نَصِيبَ رَبِّ الْمَالِ مِنْ الرِّبْحِ نِصْفُهُ، وَنَصِيبَ هَذَا الْعَامِلِ رُبْعُهُ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بَاقِي الرِّبْحِ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَمَا أَخَذَهُ الْحَالِفُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ كَالتَّالِفِ مِنْهُمَا وَالتَّالِفُ يُحْسَبُ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ الرِّبْحِ.
(وَإِذَا شَرَطَ الْمُضَارِبُ النَّفَقَةَ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ، وَأَرَادَ الرُّجُوعَ فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ الرُّجُوعُ (وَلَمْ يَعُدْ رُجُوعُ الْمَالِ إلَى مَالِكِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، كَالْوَصِيِّ إذَا ادَّعَى النَّفَقَةَ عَلَى الْيَتِيمِ.
(وَلَوْ دَفَعَ عَبْدَهُ، أَوْ) دَفَعَ (دَابَّتَهُ إلَى مِنْ يَعْمَلُ بِهَا بِجُزْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ) جَازَ (أَوْ) دَفَعَ (ثَوْبًا) إلَى مَنْ (يَخِيطُهُ، أَوْ) دَفَعَ (غَزْلًا) إلَى مَنْ (يَنْسِجُهُ بِجُزْءٍ مِنْ رِبْحِهِ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إلَى خَيَّاطٍ لِيُفَصِّلَهُ قُمْصَانًا لِيَبِيعَهَا وَلَهُ نِصْفُ رِبْحِهَا بِحَقِّ عَمَلِهِ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَإِنْ دَفَعَ غَزْلًا إلَى رَجُلٍ يَنْسِجُهُ ثَوْبًا بِثُلُثِ ثَمَنِهِ أَوْ رُبْعِهِ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ (أَوْ) دَفَعَ ثَوْبًا إلَى مَنْ يَخِيطُهُ أَوْ غَزْلًا إلَى مَنْ يَنْسِجُهُ (بِجُزْءٍ مِنْهُ) مُشَاعٍ مَعْلُومٍ (جَازَ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَيْنٌ تُنَمَّى بِالْعَمَلِ عَلَيْهَا فَصَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا، كَالشَّجَرِ فِي الْمُسَاقَاةِ، وَالْأَرْضِ فِي الْمُزَارَعَةِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَخْرِيجَهَا عَلَى الْمُضَارَبَةِ بِالْعُرُوضِ فَاسِدٌ فَإِنَّ الْمُضَارَبَةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالتِّجَارَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي رَقَبَةِ الْمَالِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ.
وَعَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ: لَوْ دَفَعَ شَبَكَتَهُ إلَى صَيَّادٍ لِيَصِيدَ بِهَا وَيَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ قَالَهُ الْمُوَفَّقُ.
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ لَا يَصِحُّ وَالصَّيْدُ كُلُّهُ لِلصَّائِدِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الشَّبَكَةِ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مَا ذَكَرَ (حَصَادُ زَرْعِهِ) بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ (وَطَحْنُ قَمْحِهِ) بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهُ (وَرَضَاعُ رَقِيقِهِ) بِجُزْءِ مُشَاعٍ مِنْهُ (وَبَيْعُ مَتَاعِهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْ رِبْحِهِ، وَاسْتِيفَاءُ مَالٍ بِجُزْءٍ مِنْهُ وَنَحْوُهُ) كَبِنَاءِ دَارٍ وَنَجْرِ بَابٍ وَضَرْبِ حَدِيدٍ نَحْوَ إبَرٍ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مِنْهَا (وَغَزْوِهِ بِدَابَّتِهِ) أَيْ فَرَسِهِ (بِجُزْءٍ مِنْ السَّهْمِ) الَّذِي يُعْطَى لَهَا وَأَلْ فِيهِ لِلْجِنْسِ فَيَصْدُقُ بِالسَّهْمَيْنِ إنْ كَانَتْ عَرَبِيَّةً.
(وَهِيَ) أَيْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ (مَسْأَلَةُ قَفِيزِ الطَّحَّانِ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَنَّهُ نَهَى عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ وَقَفِيزِ الطَّحَّانِ» لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ هُنَا جُزْءٌ مُشَاعٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّرَ لَهُ قَفِيزًا فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي الْبَاقِي بَعْدَ الْقَفِيزِ كَمْ هُوَ؟ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ مَجْهُولَةً.
أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْمُغْنِي وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَقِيقَ أَنْ يُسَمَّى بِمَسْأَلَةِ قَفِيزِ الطَّحَّانِ إذَا سُمِّيَ لَهُ قَفِيزٌ لَا جُزْءٌ مُشَاعٌ (لَكِنْ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الثَّوْبَ) لِيَخِيطَهُ أَوْ يَنْسِجَهُ (وَنَحْوَهُ) كَالْقَمْحِ لِيَطْحَنَهُ (بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ وَنَحْوِهِ) كَالْخُمْسِ (وَجَعَلَ) الدَّافِعُ (لَهُ) أَيْ لِلْعَامِلِ (مَعَ ذَلِكَ) الْجُزْءِ الْمُشَاعِ (دِرْهَمًا أَوْ دِرْهَمَيْنِ وَنَحْوَهُ) كَأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ (لَمْ يَصِحَّ) ذَلِكَ قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: لَا بَأْسَ بِالثَّوْبِ يُدْفَعُ بِالثُّلُثِ أَوْ الرُّبْعِ.
وَسُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُعْطَى الثَّوْبَ بِالثُّلُثِ وَدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ؟ قَالَ أَكْرَهُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ وَالثُّلُثُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ نَرَاهُ جَائِزًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَعْطَى خَيْبَرَ عَلَى الشِّطْرِ» قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَإِنْ كَانَ النَّسَّاجُ لَا يَرْضَى حَتَّى يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ دِرْهَمًا قَالَ فَلِيَجْعَلْ لَهُ ثُلُثًا وَعُشْرَ الثُّلُثِ أَوْ نِصْفَ عُشْرٍ وَمَا أَشْبَهَهُ.
(وَلَوْ دَفَعَ) إنْسَانٌ (دَابَّتَهُ، أَوْ) دَفَعَ (نَحْلَهُ لِمَنْ يَقُومُ بِهِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ، كَدَرٍّ وَنَسْلٍ وَصُوفٍ وَعَسَلٍ وَنَحْوِهِ) كَمِسْكٍ وَزَبَادٍ (لَمْ يَصِحَّ) لِحُصُولِ نَمَائِهِ بِغَيْرِ عَمَلٍ مِنْهُ (وَلَهُ) أَيْ الْعَامِلِ (أُجْرَةُ مِثْلِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ.
(وَ) إنْ دَفَعَ ذَلِكَ (بِجُزْءٍ) مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَدْفُوعِ (يَجُوزُ) إذَا كَانَ الْعَقْدُ عَلَى (مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) كَسَنَةٍ وَنَحْوِهَا (وَنَمَاؤُهُ) أَيْ الْمَدْفُوعِ (مِلْكٌ لَهُمَا) عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمَا فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهَا.