فصل: فَصْلٌ: في الْمُنَاضَلَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: في الْمُنَاضَلَةِ:

فِي الْمُنَاضَلَةِ مِنْ النَّضْلِ يُقَالُ: نَاضَلَهُ نِضَالًا، وَمُنَاضَلَةً وَسُمِّيَ، الرَّمْيُ نِضَالًا: لِأَنَّ السَّهْمَ التَّامَّ يُسَمَّى نَضْلًا فَالرَّمْيُ بِهِ عَمَلٌ بِالنَّضْلِ، وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالُوا يَا أَبَانَا إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} وَقُرِئَ {نَنْتَصِلُ} وَالسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذَلِكَ (وَحُكْمُ الْمُنَاضَلَةِ فِي الْعِوَضِ حُكْمُ الْخَيْلِ) وَالْإِبِلِ فِيمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ.
(وَتَصِحُّ بَيْنَ) شَخْصَيْنِ (اثْنَيْنِ، وَ) بَيْنَ (حِزْبَيْنِ) كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُشْتَرَطُ لَهَا) زِيَادَةٌ عَلَى مَا سَبَقَ (شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى مَنْ، يُحْسِنُ الرَّمْيَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ بِهِ، وَمَنْ، لَا حِذْقَ لَهُ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ (فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ) أَيْ الرَّمْيَ (بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَأُخْرِجَ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ مِثْلُهُ) كَالْبَيْعِ إذَا بَطَلَ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ فِيمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ (وَلَهُمْ) أَيْ لِكُلِّ حِزْبٍ (الْفَسْخُ إنْ أَحَبُّوا) لِتَبْعِيضِ الصِّفَةِ فِي حَقِّهِمْ.
(فَإِنْ عَقَدَ النِّضَالَ جَمَاعَةٌ لِيَقْتَسِمُوا بَعْدَ الْعَقْدِ حِزْبَيْنِ بِرِضَاهُمْ صَحَّ) الْعَقْدُ وَ(لَا) يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَاهُ لِيَقْتَسِمَا (بِقُرْعَةٍ) لِأَنَّهَا قَدْ تَقَعُ عَلَى الْحُذَّاقِ دُونَ غَيْرِهِمْ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ.
(وَيُجْعَلُ لِكُلِّ حِزْبٍ رَئِيسٌ فَيَخْتَارُ أَحَدُهُمَا) أَيْ الرَّئِيسَيْنِ (وَاحِدًا) مِنْ النَّفَرِ (ثُمَّ يَخْتَارُ) الرَّئِيسُ الْآخَرُ آخَرَ حَتَّى يَفْرُغَا (لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ بَيْنَهُمَا) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّئِيسَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِالْأَحْذَقِ فَلَا يَحْصُلُ التَّسَاوِي.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الرَّئِيسَانِ (فِيمَنْ يَبْدَأُ بِالْخِيَرَةِ) مِنْهُمَا (اقْتَرَعَا) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ غَيْرُ الْقُرْعَةِ.
(وَلَا يَجُوزُ جَعْلُ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا) لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ أَيُّهُمَا غَلَبَ أَوْ غَلَبَ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ (وَلَا) جَعْلُ (الْخِيَرَةِ فِي تَمْيِيزِهِمَا) أَيْ الْحِزْبَيْنِ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ لِمَا سَبَقَ.
(وَلَا أَنْ يَخْتَارَ جَمِيعَ حِزْبِهِ أَوَّلًا) لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ لَهُ بِلَا مُرَجِّحٍ وَيُفْضِي إلَى عَدَمِ التَّسَاوِي (وَلَا السَّبْقَ) بِسُكُونِ الْبَاءِ بِمَعْنَى الْمُسَابَقَةِ بِالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْمَذْكُورِ، بِأَنْ يَتَسَابَقَا عَلَى جَعْلِ رَئِيسِ الْحِزْبَيْنِ وَاحِدًا وَعَلَى أَنَّ الْخِيَرَةَ فِي تَمْيِيزِهِمَا إلَيْهِ وَنَحْوِهِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ) لِلْمُنَاضَلَةِ (اسْتِوَاءُ عَدَدِ الرُّمَاةِ) فَلَوْ كَانَ أَحَدُ الْحِزْبَيْنِ عَشَرَةً وَالْآخَرُ ثَمَانِيَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ صَحَّ.
(وَإِنْ بَانَ بَعْضُ الْحِزْبِ كَثِيرَ الْإِصَابَةِ أَوْ عَكْسَهُ فَادَّعَى) الْحِزْبُ الْآخَرُ (ظَنَّ خِلَافِهِ لَمْ يُقْبَلْ) أَيْ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَ دُخُولِهِ فِي الْعَقْدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ دُونَ الْحِذْقِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ كَاتِبٌ فَبَانَ حَاذِقًا أَوْ نَاقِصًا لَمْ يُؤَثِّرْ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرِّشْقِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهُوَ) عَدَدُ (الرَّمْيِ)، وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يَخُصُّونَهُ فِيمَا بَيْنَ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ وَبِفَتْحِهَا الرَّمْيُ وَهُوَ مَصْدَرُ رَشَقْتُ الشَّيْءَ رَشْقًا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْحَاشِيَةِ: الرَّشْقُ- بِفَتْحِ الرَّاءِ- الرَّمْيُ نَفْسُهُ، وَالرِّشْقُ: الْوَجْهُ مِنْ الرَّمْيِ إذَا رَمَى الْقَوْمُ بِأَجْمَعِهِمْ جَمِيعَ السِّهَامِ وَقِيلَ: الرَّشْقُ السِّهَامُ نَفْسُهَا وَكَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَطْلَعِ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ: الرِّشْقُ- بِكَسْرِ الرَّاءِ- عَدَدُ الرَّمْيِ وَاشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَجْهُولًا أَفْضَى إلَى الِاخْتِلَافِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُرِيدُ الْقَطْعَ وَالْآخَرُ يُرِيدُ الزِّيَادَةَ (وَلَيْسَ لَهُ عَدَدٌ مَعْلُومٌ فَأَيُّ عَدَدٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ جَازَ) لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ.
(وَ) تُعْتَبَرُ مَعْرِفَةُ (عَدَدِ الْإِصَابَةِ بِأَنْ يَقُولَ) الْعَاقِدُ (الرِّشْقُ: عِشْرُونَ وَالْإِصَابَةُ خَمْسَةٌ وَنَحْوُهُ) كَسِتَّةٍ أَوْ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ الْحِذْقِ وَلَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاطُ إصَابَةِ تَنَدُّرٍ، كَإِصَابَةِ جَمِيعِ الرِّشْقِ، أَوْ تِسْعَةٌ مِنْ عَشَرَةٍ وَنَحْوُهُ) لِبُعْدِ إصَابَةِ ذَلِكَ.
(وَيُشْتَرَطُ اسْتِوَاؤُهُمَا) أَيْ الْمُتَنَاضِلَيْنِ (فِي عَدَدِ الرِّشْقِ، وَ) فِي (صِفَتِهَا) أَيْ الْإِصَابَةِ مِنْ خَوَارِقَ وَنَحْوِهِمَا (وَسَائِرِ أَحْوَالِ الرَّمْيِ) لِأَنَّ مَوْضُوعَهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ فَاعْتُبِرَتْ كَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ (فَإِنْ جَعَلَا رِشْقَ أَحَدِهِمَا عَشَرَةً وَ) رِشْقَ الْآخَرِ عِشْرِينَ أَوْ شَرَطَ أَنْ يُصِيبَ أَحَدُهُمَا خَمْسَةً.
(وَ) أَنْ يُصِيبَ (الْآخَرُ ثَلَاثَةً، أَوْ شَرَطَا إصَابَةَ أَحَدِهِمَا خَوَاسِقَ، وَالْآخَرُ خَوَاصِلَ) وَيَأْتِي مَعْنَاهُمَا (أَوْ) شَرَطَا (أَنْ يَحُطَّ أَحَدُهُمَا مِنْ إصَابَتِهِ سَهْمَيْنِ، أَوْ) شَرَطَا أَنْ (يَحُطَّ سَهْمَيْنِ مِنْ إصَابَتِهِ بِسَهْمٍ) مِنْ إصَابَةِ صَاحِبِهِ، أَوْ (شَرَطَا أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ بُعْدٍ، وَ) يَرْمِيَ (الْآخَرُ مِنْ قُرْبٍ، أَوْ أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا وَبَيْنَ أَصَابِعِهِ سَهْمٌ وَالْآخَرُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سَهْمَانِ، أَوْ أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا وَعَلَى رَأْسَهُ شَيْءٌ وَالْآخَرُ خَالٍ عَنْ شَاغِلٍ، أَوْ) شَرَطَا (أَنْ يُحَطَّ عَنْ أَحَدِهِمَا وَاحِدٌ مِنْ خَطَئِهِ لَا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ وَأَشْبَاهُ هَذَا مِمَّا تَفُوتُ بِهِ الْمُسَاوَاةُ لَمْ يَصِحَّ) لِمُنَافَاتِهِ لِمَوْضُوعِ الْمُسَابَقَةِ وَإِذَا عَقَدَا وَلَمْ يَذْكُرَا قَوْسًا صَحَّ لِمَا تَقَدَّمَ وَيَسْتَوِيَانِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ.
الشَّرْطُ (الثَّالِثُ مَعْرِفَةُ) نَوْعِ (الرَّمْيِ هَلْ هُوَ مُفَاضَلَةٌ، وَمُحَاطَّةٌ أَوْ مُبَادَرَةٌ) لِأَنَّ غَرَضَ الرُّمَاةِ يَخْتَلِفُ فَمِنْهُمْ مَنْ إصَابَتُهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الِانْتِهَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ فَوَجَبَ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ مَا دَخَلَ فِيهِ (فَالْمُفَاضَلَةُ: أَنْ يَقُولَا: أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِإِصَابَةٍ أَوْ إصَابَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثِ إصَابَاتٍ وَنَحْوِهِ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةٍ فَقَدْ سَبَقَ فَأَيُّهُمَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِذَلِكَ فَهُوَ السَّابِقُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ.
(وَتُسَمَّى) الْمُفَاضَلَةُ (مُحَاطَّةً لِأَنَّ مَا تَسَاوَيَا فِيهِ مِنْ الْإِصَابَةِ مَحْطُوطٌ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهِ) ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ.
وَفِي الْمُنْتَهَى: الْمُحَاطَّةُ أَنْ يَحُطَّ مَا يَتَسَاوَيَانِ فِيهِ مِنْ إصَابَةٍ مِنْ رَمْيٍ مَعْلُومٍ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرَّمْيَاتِ فَأَيُّهُمَا فَضَلَ بِإِصَابَةٍ مَعْلُومَةٍ فَقَدْ سَبَقَ قَالَ فِي شَرْحِهِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُفَاضَلَةِ وَالْمُحَاطَّةِ: أَنَّ الْمُحَاطَّةَ يُقَدَّرُ فِيهَا الْإِصَابَةُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ بِخِلَافِ الْمُفَاضَلَةِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِكَلَامِ الْمَجْدِ فِي شَرْحِهِ.
(وَيَلْزَمُ) فِي الْمُفَاضَلَةِ (إكْمَالُ الرِّشْقِ إذَا كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي إكْمَالِهِ فَائِدَةٌ فَإِذَا قَالَا: أَيُّنَا فَضَلَ بِثَلَاثِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةٍ فَهُوَ سَابِقٌ، فَرَمَيَا اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا فَأَصَابَهَا أَحَدُهُمَا وَأَخْطَأَهَا الْآخَرُ كُلَّهَا لَمْ يَلْزَمْ إتْمَامَ الرِّشْقِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا يَكُونُ أَنْ يُصِيبَ الْآخَرُ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَيُخْطِئُهَا الْأَوَّلُ وَلَا يَخْرُجُ الْأَوَّلُ بِهَذَا عَنْ كَوْنِهِ سَابِقًا وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ إنَّمَا أَصَابَ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ عَشْرًا لَزِمَهُمَا أَنْ يَرْمِيَا بَقِيَّةَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ فَإِنْ أَصَابَا أَوْ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَهَا الْأَوَّلُ وَحْدَهُ فَقَدْ سَبَقَ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إتْمَامِ الرِّشْقِ وَإِنْ أَصَابَهَا الْآخَرُ دُونَ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِمَا أَنْ يَرْمِيَا الرَّابِعَ عَشَرَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ضَابِطُ ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ مِنْ عَدَدِ الرَّمْيِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْبِقَ بِهِ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَوْ يَسْقُطُ بِهِ سَبْقُ صَاحِبِهِ لَزِمَ الْإِتْمَامَ وَإِلَّا فَلَا (وَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَقُولَا مَنْ سَبَقَ إلَى خَمْسِ إصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً فَقَدْ سَبَقَ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إلَيْهَا مَعَ تُسَاوِيهِمَا فِي الرَّمْيِ فَهُوَ السَّابِقُ) لِوُجُودِ الشَّرْطِ (وَلَا يَلْزَمُ) إذَا سَبَقَ إلَيْهَا وَاحِدٌ (إتْمَامَ الرَّمْيِ) عِشْرِينَ لِأَنَّ السَّبْقَ قَدْ حَصَلَ بِسَبْقِهِ إلَى مَا شَرَطَا السَّبَقَ إلَيْهِ (وَإِنْ أَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا فَلَا سَابِقَ) فِيهِمَا (فَلَا يُكْمِلَانِ الرِّشْقِ) لِأَنَّ جَمِيعَ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ وُجِدَتْ وَاسْتَوَيَا فِيهَا.
(وَمَتَى كَانَ النِّضَالُ بَيْنَ حِزْبَيْنِ أَشْتُرِطَ كَوْنُ الرِّشْقُ يُمْكِنُ قَسْمُهُ بَيْنَهُمْ) أَيْ أَهْلِ كُلِّ حِزْبٍ (بِغَيْرِ كَسْرٍ وَيَتَسَاوُونَ فِيهِ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ ثُلُثٌ وَكَذَا مَا زَادَ) فَإِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ رُبُعٌ أَوْ خَمْسَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ خُمُسٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَقِيَ سَهْمٌ أَوْ أَكْثَرُ بَيْنَهُمْ لَا يُمْكِنُ الْجَمَاعَةَ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولُوا: نَقْرَعُ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ فَهُوَ السَّابِقُ وَلَا أَنَّ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ فَالسَّبَقُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ مِنْ النِّضَالِ (وَلَا أَنْ يَقُولُوا: نَرْمِي فَأَيُّنَا أَصَابَ فَالسَّبَقُ عَلَى الْآخَرِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْقِمَارَ.
(وَإِنْ شَرَطُوا) أَيْ الْمُتَنَاضِلُونَ (أَنْ يَكُونَ فُلَانٌ مُقَدَّمَ حِزْبٍ، وَفُلَانٌ مُقَدَّمَ) الْحِزْبِ (الْآخَرِ، ثَمَّ فُلَانٌ ثَانِيًا مِنْ الْحِزْبِ الْأَوَّلِ وَفُلَانٌ مِنْ الْحِزْبِ الثَّانِي كَانَ) الشَّرْطُ (فَاسِدًا) لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ.
(وَإِنْ تَنَاضَلَ اثْنَانِ وَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا السَّبَقَ، فَقَالَ أَجْنَبِيٌّ أَنَا شَرِيكُك فِي الْغُرْمِ وَالْغُنْمِ، إنْ فَضَلَك فَنِصْفُ السَّبَقِ عَلَيَّ وَإِنْ فَضَلْتَهُ فَنِصْفُهُ لِي لَمْ يَجُزْ) ذَلِكَ وَلَمْ يَصِحَّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ.
(وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُتَنَاضِلُونَ ثَلَاثَةً مِنْهُمْ اثْنَانِ أَخْرَجَا وَالثَّالِثُ مُحَلِّلٌ، فَقَالَ رَابِعٌ لِلْمُسْتَبْقِينَ أَنَا شَرِيكُكُمَا فِي الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ) لَمْ يَصِحَّ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ فَضَلَ أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ صَاحِبَهُ، فَقَالَ الْمَفْضُولُ) لِلْفَاضِلِ (اطْرَحْ فَضْلَك وَأُعْطِيكَ دِينَارًا لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّهُ أَخْذٌ لِلْمَالِ فِي غَيْرِ مُقَابَلَةِ مَالٍ وَلَا مَا فِي مَعْنَاهُ.
(وَإِنْ فَسَخَا الْعَقْدَ وَعَقَدَا آخَرَ جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا وَكَذَا لَوْ فَسَخَهُ الْفَاضِلُ، وَأَمَّا الْمَفْضُولُ فَلَيْسَ لَهُ فَسْخُهُ وَتَقَدَّمَ.
(وَإِذَا أَخْرَجَ أَحَدُ الزَّعِيمَيْنِ) أَيْ الرَّئِيسَيْنِ (السَّبَقَ) بِفَتْحِ الْبَاءِ (مِنْ عِنْدِهِ، فَسُبِقَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (حِزْبُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى حِزْبِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْهُ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ شَرَطَهُ) أَيْ السَّبَقَ (عَلَيْهِمْ فَهُوَ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ وَيُقْسَمُ) السَّبَقُ عَلَى الْحِزْبِ الْآخَرِ وَهَمُ السَّابِقُونَ (بِالسَّوِيَّةِ مَنْ أَصَابَ وَمَنْ أَخْطَأَ) لِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِضَافَةِ تَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ.
(وَإِذَا أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ تَنَاوَلَهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ) لِأَنَّ أَيَّ صِفَةٍ كَانَتْ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْإِصَابَةِ.
وَفِي الْمُغْنِي: أَنَّ صِفَةَ الْإِصَابَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْمُنَاضَلَةِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ قَالَا: خَوَاصِلُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ (بِمَعْنَاهُ وَيَكُونُ تَأْكِيدًا) لِأَنَّهُ اسْمٌ لَهَا كَيْفَ كَانَتْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْخَاصِلُ الَّذِي أَصَابَ الْقِرْطَاسَ، وَقَدْ أَخَصَلَهُ إذَا أَصَابَهُ.
(وَمِنْ صِفَاتِ الْإِصَابَةِ خَوَاسِقُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَثَبَتَ فِيهِ وَخَوَازِقُ بِالزَّايِ، وَمُقَرْطَسٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ: الْخَوَازِقُ بِالزَّايِ لُغَةٌ فِي الْخَاسِقِ فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ (وَخَوَارِقُ- بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ- وَهُوَ مَا خَرَقَ الْغَرَضَ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ وَيُسَمَّى مَوَارِقَ، وَخَوَاصِرَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ.
(وَهُوَ مَا وَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ الْغَرَضِ) وَمِنْهُ قِيلَ: الْخَاصِرَةُ لِأَنَّهَا فِي جَانِبِ الْإِنْسَانِ (وَخَوَارِمُ مَا خَرَمَ جَانِبَ الْغَرَضِ، وَحَوَابٍ: مَا وَقَعَ بَيْنَ يَدَيْ الْغَرَضِ ثَمَّ وَثَبَ عَلَيْهِ) وَمِنْهُ يُقَالُ حَبَا الصَّبِيُّ (فَبِأَيِّ صِفَةٍ قَيَّدُوا) أَيْ الْمُتَنَاضِلُونَ (الْإِصَابَةَ تَقَيَّدَتْ) الْإِصَابَةُ (بِهَا) لِأَنَّهُ وَصْفٌ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِهِ ضَرُورَةُ الْوَفَاءِ بِمُوجِبِهِ) وَحَصَلَ السَّبْقُ بِإِصَابَتِهِ (أَيْ إصَابَةِ ذَلِكَ الْمُقَيَّدِ عَلَى مَا قَيَّدُوا بِهِ).
وَإِنْ شَرَطَا إصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنْ الْغَرَضِ كَالدَّائِرَةِ فِيهِ تَقَيَّدَ (السَّبْقُ) بِهِ (لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ أَنْ تَتَقَيَّدَ الْمُنَاضَلَةُ بِهِ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ).
وَإِذَا كَانَ شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ فَأَصَابَ (الْغَرَضَ) بِنَصْلِ السَّهْمِ حُسِبَ لَهُ (كَيْفَ كَانَ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْخَاصِلَ الَّذِي أَصَابَ الْقِرْطَاسَ (فَإِنْ أَصَابَ) السَّهْمُ الْغَرَضَ (بِعُرْضِهِ أَوْ بِفَوْقِهِ) وَهُوَ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْوِتْرُ (نَحْوُ أَنْ يَنْقَلِبُ السَّهْمُ بَيْنَ يَدَيْ الْغَرَضِ فَيُصِيبُ فَوْقَهُ الْغَرَضَ، أَوْ انْقَطَعَ السَّهْمُ قِطْعَتَيْنِ فَأَصَابَتْ الْقِطْعَةُ الْأُخْرَى) الْغَرَضَ (لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ إصَابَةً.
الشَّرْطُ (الرَّابِعُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْغَرَضِ طُولًا وَعَرْضًا وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا مِنْ الْأَرْضِ) لِأَنَّ الْإِصَابَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ذَلِكَ فَوَجَبَ الْعِلْمُ بِهِ أَشْبَهَ تَعْيِينَ النَّوْعِ (وَهُوَ) أَيْ الْغَرَضُ (مَا يُنْصَبُ فِي الْهَدَفِ مِنْ قِرْطَاسٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهَا) سُمِّيَ غَرَضًا لِأَنَّهُ يُقْصَدُ (وَيُسَمَّى شَارَةً) وَشَتَا.
وَفِي الْقَامُوسِ: الْقِرْطَاسُ كُلُّ أَدِيمٍ يُنْصَبُ لِلنِّضَالِ (وَالْهَدَفُ: مَا يُنْصَبُ الْغَرَضُ عَلَيْهِ إمَّا تُرَابٌ مَجْمُوعٌ أَوْ حَائِطٌ أَوْ غَيْرُهُمَا) كَخَشَبَةٍ وَحَجَرٍ.
(وَلَا يُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ النِّضَالِ (ذِكْرُ الْمُبْتَدِئِ) مِنْهُمَا (بِالرَّمْيِ) خِلَافًا لِلتَّرْغِيبِ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الرُّمَاةِ يَخْتَارُ التَّأَخُّرَ (فَإِنْ ذَكَرَاهُ) أَيْ الْمُبْتَدِئَ (كَانَ أَوْلَى) وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: يُسْتَحَبُّ تَعْيِينُ الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ عِنْدَ عَقْدِ الْمُنَاضَلَةِ انْتَهَى أَيْ لِأَنَّهُ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ.
(وَإِنْ أَطْلَقَا) بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنَا الْمُبْتَدِئَ عِنْدَ الْعَقْدِ (ثُمَّ تَرَاضَيَا بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا.
(وَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا) بِالرَّمْيِ (أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَبْتَدِئَ أَحَدُهُمَا بِالرَّمْيِ لِأَنَّهُمَا لَوْ رَمَيَا مَعًا أَفْضَى إلَى الِاخْتِلَافِ وَلَمْ يُعْرَفْ الْمُصِيبُ مِنْهُمَا وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَصِيرَ إلَى الْقُرْعَةِ.
(وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبَقِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ فَلَا يُقَدَّمُ بِذَلِكَ وَقِيلَ: يُقَدَّمُ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ نَوْعًا مِنْ التَّرْجِيحِ، فَعَلَى هَذَا: إنْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ أَحَدِهِمَا قُدِّمَ صَاحِبُهُ.
(وَإِنْ كَانَ الْمُخْرِجُ) لِلْعِوَضِ (أَجْنَبِيًّا قَدَّمَ مَنْ يَخْتَارُهُ مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ وَتَشَاحَّا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي صَرِيحُ كَلَامِ الْمُبْدِعِ فَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ.
(وَأَيُّهُمَا كَانَ أَحَقَّ بِالتَّقْدِيمِ فَبَدَرَهُ الْآخَرُ فَرَمَى لَمْ يُعْتَدَّ لَهُ بِسَهْمِهِ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».
(وَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي وَجْهٍ بَدَأَ الْآخَرُ فِي) الْوَجْهِ (الثَّانِي) تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا (فَإِنْ شَرَطَا الْبُدَاءَةَ لِأَحَدِهِمَا فِي كُلِّ الْوُجُوهِ لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ، وَهَذَا تَفَاضُلٌ (وَإِنْ فَعَلَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بِرِضَاهُمَا صَحَّ) لِأَنَّ الْبُدَاءَةَ لَا أَثَرَ لَهَا فِي الْإِصَابَةِ وَلَا فِي وُجُودِ الرَّمْيِ.
(وَإِذَا رَمَى الْبَادِئُ بِسَهْمٍ رَمَى الثَّانِي بِسَهْمٍ كَذَلِكَ، حَتَّى يَقْضِيَا رَمْيَهُمَا) لِأَنَّهُ الْعُرْفُ (وَإِنْ رَمَيَا سَهْمَيْنِ سَهْمَيْنِ فَحَسَنٌ) وَكَذَا لَوْ رَمَيَا خَمْسًا خَمْسًا أَوْ نَحْوُهُ.
(وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَرْمِيَ أَحَدُهُمَا رِشْقَةً، ثُمَّ يَرْمِيَ الْآخَرُ) رِشْقَةً جَازَ (أَوْ) اشْتَرَطَا أَنْ (يَرْمِيَ لِأَحَدِهِمَا عَدَدًا، ثُمَّ يَرْمِيَ الْآخَرُ مِثْلَهُ جَازَ) وَعُمِلَ بِهِ لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» (وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَبْدَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ جَازَ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا غَرَضَانِ، يَرْمِيَانِ أَحَدَهُمَا، ثَمَّ يَمْضِيَانِ إلَيْهِ فَيَأْخُذَانِ السِّهَامَ، ثَمَّ يَرْمِيَانِ الْآخَرَ) لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا «مَا بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ رَوْضَةٌ مِنْ، رِيَاضِ الْجَنَّةِ» وَقَالَ إبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ: رَأَيْتُ حُذَيْفَةَ يَنْشُدُ بَيْنَ الْهَدَفَيْنِ يَقُولُ أَنَا بِهَا فِي قَمِيصٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلُ ذَلِكَ.
(وَإِنْ جَعَلُوا غَرَضًا وَاحِدًا جَازَ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِهِ.
(وَإِذَا تَشَاحَّا فِي) مَوْضِعِ (الْوُقُوفِ) هَلْ هُوَ عَنْ يَمِينِ الْغَرَضِ أَوْ يَسَارِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ (فَإِنْ كَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي طَلَبَهُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْمَوْقِفَيْنِ يَسْتَقْبِلُ الشَّمْسَ أَوْ) يَسْتَقْبِلُ (رِيحًا يُؤْذِيهِ اسْتِقْبَالُهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالْآخَرُ يَسْتَدْبِرُهَا) أَيْ الشَّمْسَ أَوْ الرِّيحَ (قُدِّمَ قَوْلُ مَنْ طَلَبَ اسْتِدْبَارَهَا) لِأَنَّهُ أَحَظُّ لَهُمَا (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي شَرْطِهَا) أَيْ الْمُنَاضَلَةِ (اسْتِقْبَالُ ذَلِكَ فَالشَّرْطُ أَوْلَى) بِالِاتِّبَاعِ لِدُخُولِهِمْ عَلَيْهِ (كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّمْي لَيْلًا) فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِمَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ (فَإِنْ كَانَ الْمَوْقِفَانِ سَوَاءً) فِي اسْتِدْبَارِ الشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ (كَانَ ذَلِكَ) أَيْ الْوُقُوفُ (إلَى الَّذِي يَبْدَأُ فَيَتْبَعهُ الْآخَرُ، فَإِذَا كَانَ) أَيْ صَارَ (فِي الْوَجْه الثَّانِي وَقَفَ الثَّانِي، حَيْثُ شَاءَ وَيَتْبَعهُ الْأَوَّلُ) لِيَسْتَوِيَا.
(وَإِذَا أَطَارَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ، فَوَقَعَ السَّهْم مَوْضِعه فَإِنْ كَانَ شَرْطهمْ خَوَاصِلَ اُحْتُسِبَ لَهُ) بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْغَرَض مَوْضِعه لَأَصَابَهُ وَكَذَا لَوْ كَانَا أَطْلَقَا الْإِصَابَة، وَلَوْ كَانَ الْغَرَض جِلْدًا وَخِيطَ عَلَيْهِ شَنْبَرٌ كَشَنْبَرٍ الْمُنْخُل، وَجَعَلَ لَهُ عُرًى وَخُيُوطًا تَعَلَّقَ بِهِ فِي الْعُرَى فَأَصَابَ السَّهْم الشَّنْبَرَ أَوْ الْعُرَى وَشَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ اُعْتُدَّ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْغَرَض وَأَمَّا الْمَعَالِيق وَهِيَ الْخُيُوط فَلَا يُعْتَدّ بِإِصَابَتِهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْغَرَض.
وَإِنْ أَصَابَ السَّهْم سَهْمًا فِي الْغَرَض قَدْ عَلِقَ نَصْله فِيهِ وَبَاقِيه خَارِج مِنْهُ لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِهِ وَلَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ السَّهْم قَدْ غَرِقَ فِي الْغَرَض إلَى فَوْقه حُسِبَتْ لَهُ إصَابَته لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَأَصَابَ الْغَرَض يَقِينًا.
وَإِذَا تَنَاضَلَا عَلَى أَنَّ الْإِصَابَة حَوَابِي عَلَى أَنَّ مَنْ خَسَقَ مِنْهُمَا كَانَ بِحَابِّينَ، أَوْ عَلَى مَا يَقْرُب مِنْ الشَّنِّ سَقَطَ الَّذِي هُوَ مِنْهُ أَبْعَد جَازَ قَالَهُ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ.
(وَإِنْ كَانَ) شَرْطهمْ (خَوَاسِقَ) وَأَطَارَتْ الرِّيح الْغَرَض فَوَقَعَ السَّهْم مَوْضِعه (لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ) أَيْ رَامِي السَّهْم (بِهِ وَلَا عَلَيْهِ) لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ كَانَ يَثْبُت فِي الْغَرَض لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ لَا؟.
(وَإِنْ وَقَعَ) السَّهْمُ (فِي غَيْر مَوْضِعِ الْغَرَضِ اُحْتُسِبَ بِهِ عَلَى رَامِيه) لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ (وَإِنْ وَقَعَ) السَّهْم (فِي الْغَرَض فِي الْمَوْضِع الَّذِي طَارَ إلَيْهِ) الْغَرَض (حُسِبَتْ) الرَّمْيَة (عَلَيْهِ أَيْضًا، إلَّا أَنْ يَكُون اتَّفَقَا عَلَى رَمْيه فِي الْمَوْضِع الَّذِي طَارَ إلَيْهِ وَكَذَا الْحُكْم لَوْ أَلْقَتْ الرِّيح الْغَرَض عَلَى وَجْهه) إذَا وَقَعَ السَّهْم فِيهِ حُسِبَ عَلَى رَامِيه.
(وَإِنْ عَرَضَ) لِأَحَدِهِمَا (عَارِضٌ مِنْ كَسْر قَوْس، أَوْ قَطْع وِتْر، أَوْ رِيح شَدِيدَة لَمْ يُحْتَسَب عَلَيْهِ وَلَا لَهُ بِالسَّهْمِ) لِأَنَّ الْعَارِض كَمَا يَجُوز أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ الصَّوَاب إلَى الْخَطَإِ يَجُوز أَنْ يَصْرِفهُ عَنْ الْخَطَإِ إلَى الصَّوَاب.
وَإِنْ حَالَ سَائِلٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَرَض فَنَفَذَ مِنْهُ وَأَصَابَ الْغَرَض حُسِبَ لَهُ لِأَنَّ هَذَا مِنْ سَدَاد الرَّمْي وَقُوَّته.
(وَإِنْ عَرَضَ مَطَر أَوْ ظُلْمَة) عِنْد الرَّمْي (جَازَ تَأْخِير الرَّمْي) لِأَنَّ الْمَطَر يُرْخِي الْوِتْر وَالظُّلْمَة عُذْرٌ لَا يُمْكِن مَعَهُ فِعْل الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْعَادَة الرَّمْي نَهَارًا، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَاهُ لَيْلًا فَيَلْزَمهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيُكْرَه لِلْأَمِينِ وَالشُّهُود) وَغَيْرهمْ مِمَّنْ حَضَرَ مَدْح أَحَدهمَا أَوْ مَدْح (الْمُصِيب وَعَيْب الْمُخْطِئ، لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْر قَلْب صَاحِبه) وَغَيْظه قَالَ فِي الْفُرُوع: وَيُتَوَجَّه فِي شَيْخ الْعِلْم وَغَيْره مَدْح الْمُصِيب مِنْ الطَّلَبَة وَعَيْب غَيْره كَذَلِكَ.
وَفِي الْإِنْصَاف قُلْت: إنْ كَانَ مَدْحه يُفْضِي إلَى تَعَاظُم الْمَمْدُوح أَوْ كَسْر قَلْب غَيْره قَوِيَ التَّحْرِيم وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَحْرِيض عَلَى الِاشْتِغَال وَنَحْوه قَوِيَ الِاسْتِحْبَاب وَاَللَّهُ أَعْلَم.
(وَيُمْنَع كُلّ مِنْهُمَا مِنْ الْكَلَام الَّذِي يَغِيظ صَاحِبه، مِثْل أَنْ يَرْتَجِز وَيَفْتَخِر، وَيَتَبَجَّح بِالْإِصَابَةِ، وَيُعَنِّف صَاحِبه عَلَى الْخَطَإِ، أَوْ يُظْهِرَ أَنَّهُ يَعْلَمهُ وَكَذَا الْحَاضِر مَعَهُمَا) يُمْنَع مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ أَرَادَ أَحَدهمَا التَّطْوِيل وَالتَّشَاغُل عَنْ الرَّمْي بِمَا لَا حَاجَة إلَيْهِ مِنْ مَسْح الْقَوْس وَالْوِتْر وَنَحْو ذَلِكَ لَعَلَّ صَاحِبه يَنْسَى الْقَصْد الَّذِي أَصَابَ بِهِ، أَوْ يَفْتُر مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَطُولِبَ بِالرَّمْيِ وَلَا يُزْعَج بِالِاسْتِعْجَالِ بِالْكُلِّيَّةِ، بِحَيْثُ يُمْنَع مِنْ تَحَرِّي الْإِصَابَة.
(وَإِنْ قَالَ قَائِل: ارْمِ هَذَا السَّهْم فَإِنْ أَصَبْت بِهِ فَلَكَ دِرْهَم وَإِنْ أَخْطَأْت فَعَلَيْك دِرْهَم لَمْ يَصِحّ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ (قِمَار).
وَإِنْ قَالَ مَنْ أَرَادَ رَمْي سَهْم لِحَاضِرِهِ: إنْ أَخْطَأْتَ فَلَكَ دِرْهَم لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْجُعْل إنَّمَا يَكُون فِي مُقَابَلَة عَمَلٍ وَلَمْ يُوجَد مِنْ الْحَاضِر عَمَلٌ فَيَسْتَحِقّ بِهِ شَيْئًا.
(وَإِنْ قَالَ) إنْسَان لِآخَر: ارْمِ هَذَا السَّهْم وَ(إنْ أَصَبْت بِهِ فَلَكَ دِرْهَم) صَحَّ جِعَالَة لَا نِضَالًا (أَوْ قَالَ) لِآخَر (ارْمِ عَشَرَة أَسْهُم فَإِنْ كَانَ صَوَابُك أَكْثَر مِنْ خَطَئِك فَلَكَ دِرْهَم) صَحَّ جِعَالَة (أَوْ قَالَ) ارْمِ عَشَرَة أَسْهُم وَ(لَك بِكُلِّ سَهْم أَصَبْت بِهِ مِنْهَا دِرْهَم، أَوْ) لَك (بِكُلِّ سَهْم زَائِد عَلَى النِّصْف مِنْ الصَّيْبَات دِرْهَم) صَحَّ جِعَالَة (أَوْ قَالَ) ارْمِ عَشَرَة أَسْهُم فَ (إنْ كَانَ صَوَابك أَكْثَر مِنْ خَطَئِك فَلَكَ بِكُلِّ سَهْم أَصَبْت بِهِ دِرْهَم صَحَّ) ذَلِكَ وَكَانَ جِعَالَة لِأَنَّهُ بَذْل مَال عَلَى مَا فِيهِ غَرَض صَحِيح وَيَلْزَمهُ الْجَعْل بِالْإِصَابَةِ الَّتِي شَرَطَهَا (لَا نِضَالًا) لِأَنَّ النِّضَال إنَّمَا يَكُون بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَة عَلَى أَنْ يَرْمُوا جَمِيعًا، وَيَكُون الْجُعْل لِبَعْضِهِمْ إذَا كَانَ سَابِقًا.
(وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَرْمِيَا) أَيْ الْمُتَنَاضَلَانِ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ حِزْبَيْنِ (أَرْشَاقًا) جَمْع رِشْق، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ (كَثِيرَة مَعْلُومَة جَازَ وَإِنْ شَرَطَا أَنْ يَرْمِيَا مِنْهَا كُلّ يَوْم قَدْرًا اتَّفَقَا عَلَيْهِ جَازَ) لِحَدِيثِ «الْمُؤْمِنُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ».
(وَإِنْ أَطْلَقَا الْعَقْد جَازَ، وَحُمِلَ) الْإِطْلَاق عَلَى التَّعْجِيل، وَالْحُلُول، (كَسَائِرِ الْعُقُود) نَحْو بَيْع وَصَدَاق (فَيَرْمِيَانِ) مِنْ أَوَّل النَّهَار إلَى أَخِره لِأَنَّهُ الْعَادَة (إلَّا أَنْ يَعْرِض عُذْر مِنْ مَرَض أَوْ غَيْره فَإِذَا جَاءَ اللَّيْل تَرَكَاهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَا) الرَّمْي (لَيْلًا فَيَلْزَم) الشَّرْط وَتَقَدَّمَ (فَإِنْ كَانَتْ اللَّيْلَة مُقْمِرَة مُنِيرَة اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ) لِحُصُولِ الْمَقْصُود بِهِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَتْ مُظْلِمَة (رَمَيَا فِي ضَوْء شَمْعَة أَوْ مِشْعَل) لِيَتَأَتَّى تَحَرِّي الْإِصَابَة.