فصل: فَصْلٌ: فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ وَمَا يَلْحَقُ بِهِ:

(عَطِيَّةُ الْمَرِيضِ فِي غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ وَلَوْ) كَانَ الْمَرَضُ (مَخُوفًا) كَصَحِيحٍ (أَوْ فِي) مَرَضٍ (غَيْرِ مَخُوفٍ كَرَمَدٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ) أَيْ: وَجَعِ رَأْسٍ (وَجَرَبٍ وَحُمَّى يَسِيرَةٍ سَاعَةً أَوْ نَحْوَهَا وَالْإِسْهَالِ الْيَسِيرِ مِنْ غَيْرِ دَمٍ وَنَحْوِهِ) بِأَنْ يَكُونَ مُنْحَرِفًا لَا يُمْكِنهُ مَنْعُهُ وَلَا إمْسَاكُهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَخُوفٌ وَلَوْ سَاعَةً، لِأَنَّ مَنْ لَحِقَهُ ذَلِكَ أَسْرَعَ فِي هَلَاكِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي (وَلَوْ مَاتَ) الْمُعْطَى (بِهِ) أَيْ: بِذَلِكَ الْمَرَضِ (أَوْ صَارَ) الْمَرَضُ (مَخُوفًا وَمَاتَ بِهِ كَ) عَطِيَّةِ (صَحِيحٍ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الصِّحَّةِ، لِكَوْنِهِ لَا يُخَافُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ.
(وَ) عَطِيَّتُهُ (فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ كَالْبَرْسَامِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بُخَارٌ يَرْتَقِي إلَى الرَّأْسِ وَيُؤَثِّرُ فِي الدِّمَاغِ، فَيَخْتَلُّ عَقْلُ صَاحِبِهِ وَقَالَ عِيَاضٌ: وَرَمٌ فِي الدِّمَاغِ يَتَغَيَّرُ مِنْهُ عَقْلُ الْإِنْسَانِ وَيَهْذِي (وَوَجَعِ الْقَلْبِ، وَ) وَجَعِ (الرِّئَةِ) فَإِنَّهَا لَا تَسْكُنُ حَرَكَتُهَا فَلَا يَنْدَمِلُ جُرْحُهَا (وَذَاتِ الْجَنْبِ) قُرُوحٌ بِبَاطِنِ الْجَنْبِ.
(وَالطَّاعُونِ فِي بَدَنِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الطَّاعُونُ وَبَاءٌ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بَثْرٌ وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مَعَ لَهَبٍ وَيَسْوَدُّ مَا حَوْلَهُ وَيَخْضَرُّ وَيَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانُ الْقَلْبِ.
(أَوْ وَقَعَ) الطَّاعُونُ (بِبَلَدِهِ) لِأَنَّهُ مَخُوفٌ إذَا كَانَ بِهِ (أَوْ هَاجَتْ بِهِ الصَّفْرَاءُ) لِأَنَّهَا تُوَرِّثُهُ يُبُوسَةً (أَوْ الْبَلْغَمُ) لِأَنَّهُ يُوَرِّثُهُ شِدَّةَ بُرُودَةٍ (وَالْقُولَنْجِ) بِأَنْ يَنْعَقِدَ الطَّعَامُ فِي بَعْضِ الْأَمْعَاءِ وَلَا يَنْزِلُ عَنْهُ (وَالْحُمَّى الْمُطْبِقَةِ وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ) لِأَنَّهُ يُصَفِّي الدَّمَ (وَالْقِيَامِ الْمُتَدَارَكِ وَهُوَ الْإِسْهَالُ الْمُتَوَاتِرُ) الَّذِي لَا يَسْتَمْسِكُ وَكَذَا إسْهَالٌ مَعَهُ دَمٌ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الْقُوَّةَ.
(وَالْفَالِجِ) اسْتِرْخَاءٌ لَأَحَدِ شِقَّيْ الْبَدَنِ لِانْصِبَابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيٍّ تَفْسُدُ مِنْهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ فَلِجَ كَعَنِيَ، فَهُوَ مَفْلُوجٌ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (فِي) حَالِ (ابْتِدَائِهِ وَالسِّلِّ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ دَاءٌ مَعْرُوفٌ (فِي) حَالِ (انْتِهَائِهِ) وَيَأْتِي مُقَابِلُهُ (وَمَا قَالَ مُسْلِمَانِ عَدْلَانِ مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ لَا) مَا قَالَ (وَاحِدٌ وَلَوْ لِعَدَمِ) غَيْرِهِ (عِنْدَ إشْكَالِهِ) أَيْ: الْمَرَضِ (إنَّهُ مَخُوفٌ) قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: لَيْسَ مَعْنَى الْمَرَضِ الْمَخُوفِ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ الْمَوْتُ مِنْهُ، أَوْ يَتَسَاوَى فِي الظَّنِّ جَانِبُ الْبَقَاءِ، وَالْمَوْتِ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا جَعَلُوا ضَرْبَ الْمَخَاضِ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ.
وَلَيْسَ الْهَلَاكُ غَالِبًا وَلَا مُسَاوِيًا لِلسَّلَامَةِ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا صَالِحًا لِلْمَوْتِ فَيُضَافُ إلَيْهِ وَيَجُوزُ حُدُوثُهُ عِنْدَهُ.
وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ: مَا يَكْثُرُ حُصُولُ الْمَوْتِ مِنْهُ (فَعَطَايَاهُ وَلَوْ) كَانَتْ (عِتْقًا وَوَقْفًا وَمُحَابَاةً) بِأَنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ (كَوَصِيَّةٍ فِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ غَيْرِ الْوَقْفِ) لِلثُّلُثِ فَأَقَلَّ.
(وَلَا لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيهِمَا) أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَتْ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ وَمَا إذَا كَانَتْ لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ «إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فَمَفْهُومُهُ لَيْسَ لَكُمْ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ يُؤَيِّدُ مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَاسْتَدْعَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَإِذَا لَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ مَعَ سِرَايَتِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى وَلِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَ الظَّاهِرُ مِنْهَا الْمَوْتُ فَكَانَتْ عَطِيَّتُهُ فِيهَا فِي حَقِّ وَرَثَتِهِ لَا تَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ كَالْوَصِيَّةِ (إلَّا الْكِتَابَةُ) لِرَقِيقِهِ أَوْ بَعْضِهِ بِمُحَابَاةٍ (فَلَوْ حَابَاهُ) سَيِّدُهُ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ (فِيهَا) أَيْ: الْكِتَابَةِ (جَازَ وَتَكُونُ) الْمُحَابَاةُ حِينَئِذٍ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ) هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْمُنْتَهَى، لَكِنَّ كَلَامَ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْحَارِثِيِّ وَغَيْرِهِمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَصِحُّ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ هُوَ الْكِتَابَةُ نَفْسُهَا لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ كَالْبَيْعِ مِنْ الْغَيْرِ.
قَالَ الْحَارِثِيُّ: ثُمَّ إنْ وُجِدَتْ مُحَابَاةٌ فَالْمُحَابَاةُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَدْ نَاقَشَ شَارِحُ الْمُنْتَهَى صَاحِبَ الْإِنْصَافِ وَعَارَضَهُ بِكَلَامِ الْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَذَكَرَا أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى كَلَامِ الْحَارِثِيِّ وَقَدْ ذَكَرَتْهُ لَكَ، فَوَقَعَ الِاشْتِبَاهُ عَلَى صَاحِبِ الْإِنْصَافِ وَالتَّنْقِيحِ وَتَبِعَهُ مَنْ تَبِعَهُ وَالْحَقُّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ (وَكَذَا لَوْ وَصَّى بِكِتَابَةٍ بِمُحَابَاةٍ) فَتَكُونُ الْمُحَابَاةُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ (وَإِطْلَاقُهَا يَكُونُ بِقِيمَتِهِ) أَيْ: لَوْ وَصَّى السَّيِّدُ أَنْ يُكَاتَبَ عَبْدُهُ وَأَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى كَذَا كُوتِبَ عَلَى قِيمَتِهِ لِأَنَّهُ الْعَدْلُ.
(وَفَرَّعَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ عَلَى الْعِتْقِ فَقَالَ وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي الْحَالِ وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ) أَيْ: الْعَتِيقِ (مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا حِينَ الْعِتْقِ فَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ (أَمَةً تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ حَالَ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا) لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَا تَعْتِقُ كُلُّهَا (إلَّا أَنْ يَصِحَّ) الْمَرِيضُ (مِنْ مَرَضِهِ) فَيَصِحُّ تَزَوُّجُهَا لِنُفُوذِ الْعِتْقِ قَطْعًا.
(وَإِنْ وَهَبَهَا) أَيْ: وَهَبَ الْمَرِيضُ أَمَةً (حَرُمَ عَلَى الْمُتَّهَبِ وَطْؤُهَا حَتَّى يَبْرَأَ الْوَاهِبُ أَوْ يَمُوتَ) فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهَا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ يَجُوزُ لِلْمُتَّهَبِ وَطْؤُهَا أَيْ: قَبْلَ الْبُرْءِ وَالْمَوْتِ وَاسْتَبْعَدَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ قَبْلَهَا؟ وَقَدْ يُقَالُ: هُوَ فِي الظَّاهِرِ مِلْكُهُ بِالْقَبْضِ وَمَوْتُ الْوَاهِبِ وَانْتِقَالُ الْحَقِّ إلَى وَرَثَتِهِ مَظْنُونٌ، فَلَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ قَالَهُ فِي الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَالْخَمْسِينَ.
(وَالِاسْتِيلَادُ فِي الْمَرَضِ) الْمَخُوفِ (لَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِهْلَاكِ فِي مُهُورِ الْأَنْكِحَةِ وَطَيِّبَاتِ الْأَطْعِمَةِ وَنَفَائِسِ الثِّيَابِ وَالتَّدَاوِي وَدَفْعِ الْحَاجَاتِ وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِهِ) أَيْ: بِالِاسْتِيلَادِ وَنَحْوِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إنْشَائِهِ.
(وَلَوْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ وَأَقْبَضَ فِي الْمَرَضِ) لِغَيْرِ وَارِثٍ (فَ) مَا وَهَبَهُ يُعْتَبَرُ (مِنْ الثُّلُثِ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ وَقْتُ لُزُومِهَا.
(فَأَمَّا الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ كَالسِّلِّ) فِي غَيْرِ حَالِ انْتِهَائِهِ (وَالْجُذَامِ وَحُمَّى الرُّبُعِ) وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ يَوْمًا وَتَذْهَبُ يَوْمَيْنِ وَتَعُودُ فِي الرَّابِعِ (وَالْفَالِجِ فِي دَوَامِهِ فَإِنْ صَارَ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ فَهِيَ مَخُوفَةٌ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَصِرْ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ (فَعَطَايَاهُ كَصَحِيحٍ وَالْهَرِمُ إنْ صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ فَكَمُخَرِّفٍ) أَيْ: كَالْمَرِيضِ مَرَضًا مَخُوفًا.
(وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ حَرْبٍ هُوَ فِيهِ وَاخْتَلَطَتْ الطَّائِفَتَانِ لِلْقِتَالِ سَوَاءٌ كَانَتَا مُتَّفِقَتَيْنِ فِي الدَّيْنِ أَوْ لَا) لِوُجُودِ خَوْفِ التَّلَفِ (وَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ (مُكَافِئَةً لِلْأُخْرَى أَوْ) كَانَتْ (إحْدَاهُمَا مَقْهُورَةً وَهُوَ مِنْهَا فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ) لِأَنَّ تَوَقُّعَ التَّلَفِ هُنَا كَتَوَقُّعِ الْمَرِيضِ أَوْ أَكْثَرَ فَوَجَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ (فَأَمَّا) إنْ كَانَ مِنْ (الْقَاهِرَةِ بَعْدَ ظُهُورِهَا أَوْ كَانَ) مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَ(كُلٌّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُتَمَيِّزَةٌ) عَنْ الْأُخْرَى (لَمْ يَخْتَلِطُوا) لِلْحَرْبِ.
(وَبَيْنَهُمَا رَمْيُ سِهَامٍ أَوْ لَا فَلَيْسَ) حَالُهُ (بِ) مَنْزِلَةِ مَرَضٍ (مَخُوفٍ) لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّعُ التَّلَفَ قَرِيبًا.
(وَمَنْ كَانَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ) أَيْ: ثَوَرَانِهِ بِهُبُوبِ الرِّيحِ الْعَاصِفِ فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ هَذِهِ الْحَالَةَ بِشِدَّةِ الْخَوْفِ بِقَوْلِهِ {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} (أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَلَ قِصَاصًا أَوْ غَيْرَهُ) فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ وَأَوْلَى لِظُهُورِ التَّلَفِ وَقُرْبِهِ (أَوْ أُسِرَ عِنْدَ مَنْ عَادَتُهُمْ الْقَتْلُ) فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ لِأَنَّهُ يَتَرَقَّبُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادَتُهُمْ الْقَتْلَ فَعَطَايَاهُ كَصَحِيحٍ (أَوْ حَامِلٍ عِنْدَ مَخَاضٍ) أَيْ: طَلْقٍ (حَتَّى تَنْجُوَ مِنْ نِفَاسِهَا مَعَ أَلَمٍ وَلَوْ) كَانَ الطَّلْقُ (بِسَقْطٍ تَامِّ الْخَلْقِ) فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ لِلْخَوْفِ الشَّدِيدِ (بِخِلَافِ الْمُضْغَةِ) إذَا وَضَعَتْهَا فَعَطَايَاهَا كَعَطَايَا الصَّحِيحِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَرَضٌ أَوْ أَلَمٌ) قَالَهُ فِي الْمُغْنِي.
فَعَطَايَاهَا إذَنْ كَالْمَرِيضِ الْمَخُوفِ (أَوْ حُبِسَ لِيُقْتَلَ) فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ (أَوْ جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا مَعَ ثَبَاتِ عَقْلِهِ فَكَمَرَضٍ مَخُوفٍ) لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا جُرِحَ سَقَاهُ الطَّبِيبُ لَبَنًا فَخَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ اعْهَدْ إلَى النَّاسَ فَعَهِدَ إلَيْهِمْ وَوَصَّى فَاتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَبُولِ عَهْدِهِ وَوَصِيَّتِهِ وَعَلِيٌّ بَعْدَ ضَرْبِ ابْنِ مُلْجِمٍ أَوْصَى وَأَمَرَ وَنَهَى فَلَمْ يُحْكَمْ بِبُطْلَانِ قَوْلِهِ: وَمَعَ عَدَمِ ثَبَاتِ عَقْلِهِ لَا حُكْمَ لِعَطِيَّتِهِ بَلْ وَلَا لِكَلَامِهِ (وَحُكْمُ مَنْ ذُبِحَ) كَمَيِّتٍ (أَوْ أُبِينَتْ حَشْوَتُهُ وَهِيَ أَمْعَاؤُهُ لَا خَرَقَهَا فَقَطْ) مِنْ غَيْرِ إبَانَةٍ (كَمَيِّتٍ) فَلَا يُعْتَدُّ بِكَلَامِهِ قَالَ الْمُوَفِّقُ فِي فَتَاوِيهِ: إنْ خَرَجَتْ حَشْوَتُهُ وَلَمْ تَبِنْ، ثُمَّ مَاتَ وَلَدُهُ وَرِثَهُ.
وَإِنْ أُبِينَتْ فَالظَّاهِرُ يَرِثُهُ لِأَنَّ الْمَوْتَ زَهُوقُ النَّفْسِ وَخُرُوجُ الرُّوحِ، وَلَمْ يُوجَدُ، وَلِأَنَّ الطِّفْلَ يَرِثُ وَيُورَثُ بِمُجَرَّدِ اسْتِهْلَالِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَى حَيَاةٍ أَثْبَتَ مِنْ حَيَاةِ هَذَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُ هَذَا مِنْ الشَّيْخِ أَنَّ مَنْ ذُبِحَ لَيْسَ كَمَيِّتٍ مَعَ بَقَاءِ رُوحِهِ.
(وَلَوْ عَلَّقَ صَحِيحَ عِتْقِ عَبْدٍ) عَلَى صِفَةٍ كَقُدُومِ زَيْدٍ أَوْ نُزُولِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ (فَوُجِدَ شَرْطَهُ) أَيْ: مَا عَلَّقَ الْعِتْقَ عَلَيْهِ (فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ.
(وَلَوْ) كَانَ وُجُودُهُ (بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَ) عِتْقِ الْعَبْدِ يُعْتَبَرُ (مِنْ ثُلُثِهِ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ وُجُودِ الصِّفَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ نُفُوذِ الْعِتْقِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَ الْوَرَثَةُ؛ وَصَاحِبُ الْعَطِيَّةِ هَلْ أُعْطِيَهَا فِي الصِّحَّةِ) فَتَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ (أَوْ) أُعْطِيَهَا فِي (الْمَرَضِ) فَتُعْتَبَرُ مِنْ ثُلُثِهِ (فَ) الْقَوْلُ (قَوْلُهُمْ) نَقَلَهُ عَنْ الْفُرُوعِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَقَالَ: نَقَلَهُ مُهَنَّا، فِي الْعِتْقِ ذَكَرَهُ آخِرَ الْعَطِيَّةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُبْدِعِ فِي مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ فِي تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ.
وَقَالَ الْحَارِثِيُّ: إذَا اخْتَلَفَ الْوَارِثُ وَالْمُعْطَى هَلْ الْمَرَضُ مَخُوفٌ أَمْ لَا؟ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُعْطَى، إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ الْخَوْفِ وَعَلَى الْوَارِثِ الْبَيِّنَةُ انْتَهَى فَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى.
(وَإِنْ كَانَتْ) الْعَطِيَّةُ (فِي رَأْسِ الشَّهْرِ وَاخْتَلَفَا) أَيْ: الْوَارِثُ وَالْمُعْطَى، (فِي مَرَضِ الْمُعْطِي فِيهِ) أَيْ: فِي رَأْسِ الشَّهْرِ (فَقَوْلُ الْمُعْطَى) بِفَتْحِ الطَّاءِ: أَنَّ الْمُعْطِيَ بِكَسْرِهَا كَانَ صَحِيحًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَرَضِ.
(وَإِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عَنْ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا) لِأَنَّ السَّابِقَ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَا بَعْدَهُ وَالتَّبَرُّعُ إزَالَةُ مِلْكٍ فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَاحْتُرِزَ بِالْمُنْجَزَةِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّبَرُّعِ (وَلَوْ كَانَ فِيهَا) أَيْ: التَّبَرُّعَاتِ (عِتْقٌ) فَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَعَنْهُ يُقَدَّمُ عِتْقٌ (فَإِنْ تَسَاوَتْ) التَّبَرُّعَاتُ الْمُنْجَزَةُ (بِأَنْ وَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً) وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا وَلَمْ تُجِزْهَا الْوَرَثَةُ (قُسِّمَ الثُّلُثُ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ) لِأَنَّهُمْ تَسَاوَوْا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَيُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ كَغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ قَالَ فِي الْمُغْنِي فَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا عِتْقًا أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ فَكَمَّلْنَا الْعِتْقَ كُلَّهُ فِي بَعْضِهِمْ لِحَدِيثِ عِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْعِتْقِ تَكْمِيلُ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَتَبِعَهُ الْحَارِثِيُّ وَغَيْرُهُ.
(وَإِذَا قَالَ الْمَرِيضُ) مَرَضَ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ (الْمَخُوفِ إنْ أَعْتَقْتَ سَعْدًا فَسَعِيدٌ حُرٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ) الْمَرِيضُ (سَعْدًا عَتَقَ سَعِيدٌ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ.
(وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ) مِنْ الثُّلُثِ (إلَّا أَحَدُهُمَا عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ وَلَمْ يُقْرَعْ بَيْنَهُمَا) لِسَبْقِ عِتْقِ سَعْدٍ (وَلَوْ رُقَّ بَعْضُ سَعْدٍ لِعَجْزِ الثُّلُثِ عَنْ) قِيمَةِ (كُلِّهِ فَاتَ إعْتَاقُ سَعِيدٍ) لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ.
(وَإِنْ بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ إعْتَاقِ سَعْدٍ مَا يُعْتَقُ بِهِ بَعْضُ سَعِيدٍ عَتَقَ تَمَامُ الثُّلُثِ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ سَعِيدٍ لِوُجُودِ شَرْطِ عِتْقِهِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمَرِيضُ (إنْ أَعْتَقْتُ سَعْدًا فَسَعِيدٌ وَعَمْرٌو حُرَّانِ ثُمَّ أَعْتَقَ سَعْدًا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا أَحَدُهُمْ عَتَقَ سَعْدٌ وَحْدَهُ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ اثْنَانِ أَوْ) خَرَجَ (وَاحِدٌ وَبَعْضُ آخَرَ عَتَقَ سَعْدٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَأُقْرِعَ بَيْنَ سَعِيدٍ وَعَمْرٍو فِيمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ) لِإِيقَاعِ عِتْقِهِمَا مَعًا مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمٍ لِوَاحِدٍ عَلَى آخَرَ.
(وَلَوْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ اثْنَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ) عَتَقَ سَعْدٌ كَامِلًا بِلَا قُرْعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ، وَ(أَقْرَعْنَا بَيْنَهُمَا) أَيْ: بَيْنَ سَعِيدٍ وَعَمْرٍو (لِتَكْمِيلِ الْحُرِّيَّةِ فِي أَحَدِهِمَا، وَحُصُولِ التَّشْقِيصِ فِي الْآخَرِ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ قَالَ) مَرِيضٌ: (إنْ أَعْتَقْتُ سَعْدًا فَسَعِيدٌ حُرٌّ) فِي حَالِ إعْتَاقِي فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ أَوْ قَالَ إنْ أَعْتَقْتُ سَعْدًا (فَسَعِيدٌ وَعَمْرٌو حُرَّانِ فِي حَالِ إعْتَاقِي فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ) فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ لِجَعْلِهِ عِتْقَ سَعْدٍ شَرْطًا لِعِتْقِ سَعِيدٍ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ عَمْرٍو (وَلَوْ رُقَّ بَعْضُ سَعْدٍ لَفَاتَ شَرْطُ عِتْقِهِمَا فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ فِي الصِّحَّةِ وَالْإِعْتَاقِ) أَيْ: وُجُودُ الصِّفَةِ (فِي الْمَرَضِ فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْإِعْتَاقِ.
(وَإِنْ قَالَ) مَرِيضٌ: (إنْ تَزَوَّجْتُ فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَالزِّيَادَةُ مُحَابَاةٌ فَتُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا الْمُحَابَاةُ أَوْ الْعَبْدُ قُدِّمَتْ الْمُحَابَاةُ) لِسَبْقِهَا إنْ لَمْ تَرِثْ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ لِمَانِعٍ أَمَّا إنْ وَرِثَتْهُ فَعَلَى الْمَذْهَبِ: نَتَبَيَّنَ أَنَّ الْمُحَابَاةَ لَمْ تَثْبُتْ إلَّا أَنْ يُجِيزَهَا الْوَرَثَةُ، فَيَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُ الْعِتْقِ لِلُزُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إجَازَةٍ، فَيَكُونُ سَابِقًا قَالَهُ الْحَارِثِيُّ وَالشَّارِحُ.
(وَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَطِيَّةٌ وَوَصِيَّةٌ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهُمَا وَلَمْ تُجِزْ) الْوَرَثَةُ (جَمِيعَهَا قُدِّمَتْ الْعَطِيَّةُ) لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ فَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَصِيَّةِ، كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ.
(وَلَوْ قَضَى مَرِيضٌ بَعْضَ غُرَمَائِهِ) دَيْنَهُ (صَحَّ) الْقَضَاءُ (وَلَمْ يَكُنْ لِبَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ وَلَيْسَ بِتَبَرُّعٍ (وَلَمْ يُزَاحِمْ الْمُقْضَى الْبَاقُونَ) مِنْ الْغُرَمَاءِ (وَلَوْ لَمْ تَفِ تَرِكَتُهُ لِبَقِيَّةِ الدُّيُونِ) لِأَنَّهُ أَدَّى وَاجِبًا عَلَيْهِ كَأَدَاءِ ثَمَنِ الْمَبِيعِ (وَمَا لَزِمَ الْمَرِيضَ فِي مَرَضِهِ مِنْ حَقٍّ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ، وَإِسْقَاطُهُ كَأَرْشِ جِنَايَةِ عَبْدِهِ) وَأَرْشِ جِنَايَتِهِ (وَمَا عَاوَضَ عَلَيْهِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ) بَيْعًا أَوْ شِرَاءً أَوْ إجَارَةً وَنَحْوَهَا (وَلَوْ مَعَ وَارِثٍ) فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَا تَبَرُّعَ فِيهَا وَلَا تُهْمَةَ (وَمَا يَتَغَابَنُ النَّاسَ بِمِثْلِهِ) عَادَةً (فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ) لِأَنَّهُ يَنْدَرِجُ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ، لِوُقُوعِ التَّعَارُفِ بِهِ (وَلَا يَبْطُلُ تَبَرُّعُهُ) أَيْ: الْمَرِيضِ (بِإِقْرَارِهِ بَعْدَهُ) أَيْ: التَّبَرُّعِ (بِدَيْنٍ) لِأَنَّ الْحَقَّ ثَبَتَ بِالتَّبَرُّعِ فِي الظَّاهِرِ.
(وَلَوْ حَابَى) الْمَرِيضُ (وَارِثَهُ بَطَلَتْ) تَصَرُّفَاتُهُ (فِي قَدْرِهَا) أَيْ: الْمُحَابَاةِ (إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ كَالْوَصِيَّةِ وَهِيَ لِوَارِثٍ بَاطِلَةٌ فَكَذَا الْمُحَابَاةُ (وَصَحَّتْ فِي غَيْرُهَا) وَهُوَ مَا لَا مُحَابَاةَ فِيهِ (بِقِسْطِهِ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْمُحَابَاةُ، وَهِيَ هُنَا مَفْقُودَةٌ فَعَلَى هَذَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِنِصْفِ ثَمَنِهِ فَلَهُ نِصْفُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ لَهُ بِنِصْفِ الثَّمَنِ فَبَطَلَ التَّصَرُّفُ فِيمَا تَبَرَّعَ بِهِ (وَلِلْمُشْتَرِي الْفَسْخُ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَبَعَّضَتْ فِي حَقِّهِ فَشُرِعَ لَهُ ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، فَإِنْ فَسَخَ وَطَلَبَ قَدْرَ الْمُحَابَاةِ أَوْ طَلَبَ الْإِمْضَاءَ فِي الْكُلِّ، وَتَكْمِيلَ حَقِّ الْوَرَثَةِ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ: الْوَارِثِ الْمُحَابَى (شَفِيعٌ فَلَهُ) أَيْ: الشَّفِيعِ (أَخْذُهُ) أَيْ: الشِّقْصِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الْمُحَابَاةُ، لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَقَدْ وُجِدَ (فَإِنْ أَخَذَهُ) الشَّفِيعُ (فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي) لِزَوَالِ الضَّرَرِ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ رَجَعَ بِالثَّمَنِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنْ الشَّفِيعِ.
(وَلَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا) شِقْصًا (وَحَابَاهُ) فِي ثَمَنِهِ (وَلَهُ) أَيْ: الْأَجْنَبِيِّ (شَفِيعٌ وَارِثٌ أَخَذَهَا) لِمَا تَقَدَّمَ (إنْ لَمْ يَكُنْ حِيلَةً) عَلَى مُحَابَاةِ الْوَارِثِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ الْمَقَاصِدِ وَقَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ) أَيْ: الْوَارِثِ مُتَعَلِّقٌ بِأَخْذِهَا عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ لَهُ كَمَا لَوْ وَصَّى لِغَرِيمِ وَارِثِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا فِي حَقِّ الْوَارِثِ لِمَا فِيهَا مِنْ التُّهْمَةِ مِنْ إيصَالِ الْمَالِ إلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ شَرْعًا، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِيمَا إذَا أُخِذَ بِالشُّفْعَةِ.
وَإِنْ أَجَّرَ الْمَرِيضُ نَفْسَهُ وَحَابَى الْمُسْتَأْجِرَ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، صَحَّ مَجَّانًا بِخِلَافِ عَبِيدِهِ وَبَهَائِمِهِ.
(وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عِنْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ مُعْتَبَرَةٌ بِالْوَصِيَّةِ وَالثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ مُعْتَبَرٌ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ وَقْتُ لُزُومِهَا وَقَبُولِهَا وَرَدِّهَا فَكَذَلِكَ فِي الْعَطِيَّةِ (فَلَوْ أَعْتَقَ) مَرِيضٌ (عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ ثُمَّ مَلَكَ) الْمَرِيضُ (مَالًا فَخَرَجَ) الْعَبْدُ (مِنْ ثُلُثِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ) لِخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ الْمَوْتِ.
(وَإِنْ صَارَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْمَرِيضِ (دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ) أَيْ: الْعَبْدَ (لَمْ يُعْتَقْ مِنْهُ شَيْءٌ) لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَالْعِتْقُ فِي الْمَرَضِ فِي مَعْنَاهَا فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ سَيِّدِهِ مَاتَ حُرًّا قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.

.(فَصْلٌ) حُكْمُ الْعَطِيَّةِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ:

حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي أَشْيَاءَ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْهَا أَنَّهُ يَقِفُ نُفُوذُهَا عَلَى خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَمِنْهَا: أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِوَارِثٍ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ وَمِنْهَا: أَنَّ فَضِيلَتَهَا نَاقِصَةٌ عَنْ فَضِيلَةِ الصَّدَقَةِ وَمِنْهَا: أَنَّهَا تَتَزَاحَمُ فِي الثُّلُثِ إذَا وَقَعَتْ دَفْعَةً وَاحِدَةً كَتَزَاحُمِ الْوَصَايَا، وَمِنْهَا: أَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ الثُّلُثِ يُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.
(وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ) فِي الْمَرَضِ (الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا) لِوُقُوعِهَا لَازِمَةً (وَالْوَصِيَّةُ يُسَوَّى بَيْنَ مُتَقَدِّمِهَا وَمُتَأَخِّرِهَا) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَوُجِدَ دَفْعَةً وَاحِدَةً.
(الثَّانِي: لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْعَطِيَّةِ) بَعْدَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا لَازِمَةٌ فِي حَقِّ الْمُعْطَى، وَلَوْ كَثُرَتْ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ التَّبَرُّعِ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ) فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِيهَا، لِأَنَّ التَّبَرُّعَ فِيهَا مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ فَقَبْلَ الْمَوْتِ لَمْ يُوجَدْ فَهِيَ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبُولِ.
(الثَّالِثُ: يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ لِلْعَطِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِهَا) لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ (وَالْوَصِيَّةُ بِخِلَافِهِ) فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَاعْتُبِرَ عِنْدَ وُجُودِهِ.
(الرَّابِعُ: أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْعَطِيَّةِ مِنْ حِينِهَا) بِشُرُوطِهَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ هِبَةً فَمُقْتَضَاهَا تَمْلِيكُهُ الْمَوْهُوبَ فِي الْحَالِ كَعَطِيَّةِ الصِّحَّةِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ مُحَابَاةً أَوْ إعْتَاقًا.
(وَيَكُونُ) الْمِلْكُ (مُرَاعًى) لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ هَلْ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ أَمْ لَا؟ وَلَا نَعْلَمُ هَلْ يَسْتَفِيدُ مَالًا أَوْ يَتْلَفُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ؟ فَتَوَقَّفْنَا لِنَعْلَمَ عَاقِبَةَ أَمْرِهِ لِنَعْمَلَ بِهَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ يَقْبِضُ الْهِبَةَ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا مَعَ كَوْنِهَا مَوْقُوفَةً عَلَى الْإِجَازَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.
وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ تَسْلِيمَ الْمَوْهُوبِ إلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ، وَإِرْسَالُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ وَإِرْسَالُ الْمُحَابَى لَا يَجُوزُ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُوقَفُ أَمْرُ التَّبَرُّعَاتِ عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْوَارِثُ مِنْ رَدِّهَا بَعْدَ الْمَوْتِ إذَا شَاءَ (فَإِذَا خَرَجَتْ) الْعَطِيَّةُ (مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ) أَيْ: الْمِلْكَ (كَانَ ثَابِتًا مِنْ حِينِهِ) أَيْ: الْإِعْطَاءِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ ثُبُوتِهِ كَوْنُهُ زَائِدًا عَلَى الثُّلُثِ وَقَدْ تَبَيَّنَ خِلَافُهُ.
(فَلَوْ أَعْتَقَ) رَقِيقًا فِي مَرَضِهِ (أَوْ وَهَبَ رَقِيقًا) لِغَيْرِ وَارِثِهِ (فِي مَرَضِهِ فَكَسَبَ) الرَّقِيقُ (ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ فَخَرَجَ) الرَّقِيقُ (مِنْ الثُّلُثِ كَانَ كَسْبُهُ لَهُ إنْ كَانَ مُعْتَقًا) لِأَنَّا تَبَيَّنَّا حُرِّيَّتَهُ مِنْ حِينِ الْعِتْقِ.
(وَ) كَانَ كَسْبُ الرَّقِيقِ (لِلْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ كَانَ مَوْهُوبًا) لِأَنَّ الْكَسْبَ تَابِعٌ لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ (وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ) مِنْ الثُّلُثِ (فَلَهُمَا) أَيْ: الْمُعْتَقِ وَالْمَوْهُوبِ لَهُ (مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِهِ) أَيْ: بِقَدْرِ ذَلِكَ الْبَعْضِ الْخَارِجِ مِنْ الثُّلُثِ (فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ فَكَسَبَ) الْعَبْدُ (مِثْلَ قِيمَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ) لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتْبَعُ مَا تَنْفُذُ فِيهِ الْعَطِيَّةُ دُونَ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُ الدَّوْرُ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ وَبَاقِيه لِسَيِّدِهِ، ثُمَّ التَّرِكَةُ اتَّسَعَتْ بِحِصَّةِ الرِّقِّ لِأَنَّ حِصَّةَ الْعِتْقِ مِلْكٌ لِلْعَبْدِ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ فَلَا تَدْخُلُ فِي التَّرِكَةِ.
وَإِذَا اتَّسَعَتْ التَّرِكَةُ اتَّسَعَتْ الْحُرِّيَّةُ فَتَزِيدُ حِصَّتُهَا مِنْ الْكَسْبِ وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذَا نُقْصَانُ حِصَّةِ التَّرِكَةِ مِنْ الْكَسْبِ فَتَنْقُصُ الْحُرِّيَّةُ فَتَزِيدُ التَّرِكَةُ فَتَزِيدُ الْحُرِّيَّةُ فَتَدُورُ زِيَادَتُهُ عَلَى زِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ وَلِاسْتِخْرَاجِ الْمَقْصُودِ وَانْفِكَاكِ الدَّوْرِ طُرُقٌ حِسَابِيَّةٌ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا عَلَى طَرِيقِ الْجَبْرِ فَتَقُولُ عَتَقَ مِنْ الْعَبْدِ شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ (وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ شَيْئَانِ فَصَارَ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ نِصْفَيْنِ) لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا اسْتَحَقَّ بِعِتْقِهِ شَيْئًا وَبِكَسْبِهِ شَيْئًا كَانَ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ شَيْئَانِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ (فَيُعْتَقُ مِنْهُ نِصْفُهُ وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ) غَيْرُ مَحْسُوبٍ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ لَا مِنْ جِهَةِ سَيِّدِهِ.
(وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا) وَذَلِكَ مِثْلَمَا عَتَقَ (فَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ يُسَاوِي عَشْرَةً فَكَسَبَ قَبْلَ الْوَفَاةِ مِثْلَهَا) عَشْرَةً (عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ مِنْ الْكَسْبِ شَيْءٌ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ فَيُعْتَقُ نِصْفُهُ وَيَأْخُذُ خَمْسَةً).
لَا تُحْسَبُ عَلَيْهِ (وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُ) أَيْ: الْعَبْدِ (وَخَمْسَةٌ) مِنْ كَسْبِهِ ذَلِكَ مِثْلَا مَا عَتَقَ (وَإِنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ صَارَ لَهُ) مِنْ كَسْبِهِ (شَيْئَانِ وَعَتَقَ مِنْهُ شَيْء وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ مِنْ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي) مِنْهُ وَمِنْ كَسْبِهِ (لِلْوَرَثَةِ) وَإِنْ كَسَبَ ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ قِيمَتِهِ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مِنْ كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثَاهُ وَلَهُ ثُلُثَا كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ الْبَاقِي (وَإِنْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهِ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَهُ نِصْفُ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ).
فَالْجَمِيعُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَنِصْفٍ، أَبْسَطُهَا تَكُنْ سَبْعَةً لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا (فَيُعْتَقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ وَالْبَاقِي) أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ (لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ) الْعَبْدُ (مَوْهُوبًا لِإِنْسَانِ فَلَهُ) أَيْ: الْمَوْهُوبِ لَهُ (مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ) فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ (وَبِقَدْرِهِ) مِنْ كَسْبِهِ لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتْبَعُ الْمِلْكَ وَلَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً وَكَسَبَ تِسْعَةً فَاجْعَلْ لَهُ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ شَيْئًا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مِائَةُ شَيْءٍ وَلَهُ مِنْ كُلِّ دِينَارٍ شَيْءٌ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مِائَةُ شَيْءٍ وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ وَلَهُمْ مِائَتَا شَيْءٍ، فَيُعْتَقُ مِنْهُ مِائَةُ جُزْءٍ وَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثِمِائَةٍ وَتِسْعَةٍ.
وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَهُمْ مِائَتَا جُزْءٍ مِنْ نَفْسِهِ وَمِائَتَا جُزْءٍ مِنْ كَسْبِهِ فَإِنْ كَسَبَهُ كَانَ عَلَى السَّيِّدِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ وَقِيمَةَ كَسْبِهِ صُرِفَ مِنْ الْعَبْدِ وَمِنْ كَسْبِهِ مَا يُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ وَمَا بَقِيَ مِنْهُمَا يُقَسَّمُ عَلَى مَا تَعْمَلُ فِي الْعَبْدِ الْكَامِلِ وَكَسْبِهِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً ثُمَّ وَطِئَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَشُبْهَةٍ (وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ قِيمَتِهَا فَكَمَا لَوْ كَسَبَتْ نِصْفَ قِيمَتِهَا) لِأَنَّ مُهُورَ النِّسَاءِ كَسْبٌ لَهُنَّ (يُعْتَقُ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا سُبُعٌ يَمْلِكُهَا لَهُ بِمَهْرِهَا) وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهَا لِأَحَدٍ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَنَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يُسَمِّهِ.
(وَسُبُعَانِ) يُعْتَقَانِ (بِإِعْتَاقِ الْمُتَوَفَّى) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِي التَّشْبِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكَسْبَ يَزِيدُ بِهِ مِلْكُ السَّيِّدِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الزِّيَادَةَ فِي الْعِتْقِ، وَالْمَهْرُ يُنْقِصُهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي نُقْصَانَ الْعِتْقِ، وَنَقَلَهُ الْحَارِثِيُّ عَنْ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ وَقَالَ هُوَ كَمَا قَالَ (وَلَوْ وَهَبَهَا) الْمَرِيضُ (لِمَرِيضٍ آخَرَ لَا مَالَ لَهُ فَوَهَبَهَا الثَّانِي لِلْأَوَّلِ) وَمَاتَا (صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شَيْءٍ وَعَادَ إلَيْهِ بِالْهِبَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُهُ بَقِيَ لِوَرَثَةِ الْآخَرِ ثُلُثَا شَيْءٍ وَلِلْأَوَّلِ) أَيْ: وَرَثَتِهِ (شَيْئَانِ) فَاضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ لِيَزُولَ الْكَسْرُ تَكُنْ ثَمَانِيَةَ أَشْيَاءَ تَعْدِلُ الْأَمَةَ الْمَوْهُوبَةَ (فَلَهُمْ) أَيْ: لِوَرَثَةِ الْأَوَّلِ (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا) سِتَّةٌ.
(وَلِوَرَثَةِ الثَّانِي رُبُعُهَا) شَيْئَانِ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِأَنَّ الْهِبَةَ صَحَّتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ وَهِبَةُ الثَّانِي صَحَّتْ فِي الثُّلُثِ، فَتَكُونُ مِنْ ثَلَاثَةٍ، اضْرِبْهَا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَكُنْ تِسْعَةً، أَسْقِطْ السَّهْمَ الَّذِي صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ الثَّانِيَةُ بَقِيَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ.
(وَلَوْ بَاعَ مَرِيضٌ قَفِيزًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ يُسَاوِي عَشْرَةً وَهُمَا) أَيْ: الْقَفِيزَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (فَيُحْتَاجُ إلَى تَصْحِيحِ الْبَيْعِ فِي جُزْءٍ مِنْهُ مَعَ التَّخَلُّصِ مِنْ الرِّبَا) لِكَوْنِهِ يَحْرُمُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا (فَأَسْقِطْ) عَشْرَةً (قِيمَةَ الرَّدِيءِ مِنْ) ثَلَاثِينَ قِيمَةِ (الْجَيِّدِ ثُمَّ انْسِبْ الثُّلُثَ إلَى الْبَاقِي وَهُوَ عَشْرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ تَجِدْهُ نِصْفَهَا فَيَصِحَّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ أَخْذِ جَمِيعِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ.
أَشْبَهَ مَا لَوْ اشْتَرَى سِلْعَتَيْنِ بِثَمَنٍ فَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي إحْدَاهُمَا بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَيَبْطُلُ) الْبَيْعُ (فِيمَا بَقِيَ) لِانْتِفَاءِ الْمُقْتَضِي لِلصِّحَّةِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي الْجَيِّدِ بِقِيمَةِ الرَّدِيءِ وَيَبْطُلُ فِي غَيْرِهِ (حَذَرًا مِنْ رِبَا الْفَضْلِ) لِكَوْنِهِ بَيْعَ ثُلُثِ الْجَيِّدِ بِكُلِّ الرَّدِيءِ وَذَلِكَ رِبًا (وَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي سِوَى الْخِيَارِ) لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
(وَإِنْ شِئْتَ فِي عَمَلِهَا) أَيْ: عَمَلِ الْأَخِيرِ (فَانْسِبْ ثُلُثَ الْأَكْثَرِ) وَهُوَ ثَلَاثُونَ وَثُلُثُهُ عَشْرَةٌ فَانْسِبْهَا (مِنْ الْمُحَابَاةِ) وَهِيَ عِشْرُونَ تَكُنْ النِّصْفَ (فَيَصِحَّ الْبَيْعُ فِيهِمَا بِالنِّسْبَةِ وَهُوَ هُنَا نِصْفُ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ وَإِنْ شِئْتَ فَاضْرِبْ مَا حَابَاهُ).
بِهِ وَهُوَ عِشْرُونَ (فِي ثَلَاثَةٍ) مُخْرَجِ الثُّلُثِ (يَبْلُغُ سِتِّينَ ثُمَّ انْسِبْ قِيمَةَ الْجَيِّدِ) ثَلَاثِينَ (إلَيْهَا فَهُوَ نِصْفُهُ فَيَصِحَّ بَيْعُ نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ الرَّدِيءِ وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ قَدْرُ الْمُحَابَاةِ الثُّلُثَانِ وَمُخْرَجُهُمَا ثَلَاثَةٌ فَخُذْ لِلْمُشْتَرِي سَهْمَيْنِ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمُخْرَجِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ (وَلِلْوَرَثَةِ أَرْبَعَةٌ) مِثْلُ مَا لِلْمُشْتَرِي (ثُمَّ انْسِبْ الْمُخْرَجَ) وَهُوَ الثَّلَاثَةُ (إلَى الْكُلِّ) وَهُوَ السِّتَّةُ تَجِدْهُ (بِالنِّصْفِ فَيَصِحَّ بَيْعُ نِصْفِ أَحَدِهِمَا بِنِصْفِ الْآخَرِ وَبِ) طَرِيقِ (الْجَبْرِ) يُقَالُ (يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْلَى بِشَيْءٍ مِنْ الْأَدْنَى فَقِيمَتُهُ ثُلُثُ شَيْءٍ مِنْ- الْأَعْلَى فَتَكُونُ الْمُحَابَاةُ بِثُلُثَيْ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ: الْجَيِّدِ (فَأَلْقِهَا مِنْهُ يَبْقَى قَفِيزٌ إلَّا ثُلُثَيْ شَيْءٍ يَعْدِلُ مِثْلَ الْمُحَابَاةِ مِنْهُ، وَهُوَ شَيْءٌ وَثُلُثُ شَيْءٍ فَإِذَا جُبِرَتْ قَابَلَتْ عَدْلَ شَيْئَيْنِ فَالشَّيْءُ نِصْفُ قَفِيزٍ) فَإِنْ كَانَ الْأَدْنَى يُسَاوِي عِشْرِينَ صَحَّتْ فِي جَمِيعِ الْجَيِّدِ بِجَمِيعِ الرَّدِيءِ وَإِنْ كَانَ الْأَدْنَى يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ فَاعْمَلْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يَصِحُّ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِثُلُثَيْ الرَّدِيءِ.
وَيَبْطُلُ فِيمَا عَدَاهُ (فَلَوْ لَمْ يُفْضِ إلَى الرِّبَا كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَبْدًا يُسَاوِي ثَلَاثِينَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ بِعَشْرَةٍ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ) الْمُحَابَاةَ (صَحَّ بَيْعُ ثُلُثِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (بِالْعَشَرَةِ وَالثُّلُثَانِ كَالْهِبَةِ، فَيَرُدُّ الْأَجْنَبِيُّ نِصْفَهُمَا وَهُوَ عَشْرَةٌ وَيَأْخُذُ عَشْرَةً بِالْمُحَابَاةِ وَإِنْ كَانَتْ الْمُحَابَاةُ مَعَ وَارِثٍ صَحَّ الْبَيْعُ فِي ثُلُثِهِ) أَيْ: الْعَبْدِ بِالْعَشَرَةِ.
(وَلَا مُحَابَاةَ) حَيْثُ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ (وَلَهُمَا) أَيْ الْأَجْنَبِيِّ وَالْوَارِثِ (فَسْخُهُ) أَيْ: الْبَيْعِ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ (وَإِذَا أَفْضَى إلَى إقَالَةٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ) أَفْضَى إلَى (رِبَا فَضْلٍ فَكَالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) فَلَوْ أَسْلَفَ عَشْرَةً فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، ثُمَّ أَقَالَهُ فِي مَرَضِهِ وَقِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ صَحَّتْ فِي نِصْفِهِ بِخَمْسَةٍ، وَبَطَلَتْ فِيمَا بَقِيَ لِئَلَّا يُفْضِيَ صِحَّتُهَا فِي أَكْثَرِ مِنْ ذَلِكَ إلَى الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ بِزِيَادَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا.
(وَقَدَّمَ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى) وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ الْمَرِيضُ قَفِيزًا يُسَاوِي ثَلَاثِينَ بِقَفِيزٍ يُسَاوِي عَشْرَةً (أَنَّ لَهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِي (ثُلُثَهُ) أَيْ: الْجَيِّدِ (بِالْعَشَرَةِ وَثُلُثَهُ بِالْمُحَابَاةِ لِنِسْبَتِهِمَا مِنْ قِيمَتِهِ فَيَصِحُّ بِقَدْرِ النِّسْبَةِ).
(وَإِنْ أَصْدَقَ) مَرِيضٌ (امْرَأَةً عَشَرَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا وَصَدَاقُ مِثْلِهَا خَمْسَةٌ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ ثُمَّ مَاتَ) فَيَدْخُلُهَا الدَّوْرُ (فَ) نَقُولُ (لَهَا بِالصَّدَاقِ خَمْسَةٌ) وَهِيَ مَهْرُ مِثْلِهَا.
(وَشَيْء بِالْمُحَابَاةِ رَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُ ذَلِكَ) إرْثًا (بِمَوْتِهَا) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ (صَارَ لَهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ) لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ خَمْسَةُ الْأَشْيَاءِ وَوَرِثَ اثْنَيْنِ وَنِصْفًا وَنِصْفَ شَيْءٍ (يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ) لِأَنَّهُ مِثْلَمَا اسْتَحَقَّتْهُ الْمَرْأَةُ بِالْمُحَابَاةِ وَذَلِكَ شَيْءٌ (اُجْبُرْهَا بِنِصْفِ شَيْءٍ) لِيُعْلَمَ.
(وَقَابِلْ) أَيْ: يُزَادُ عَلَى الشَّيْئَيْنِ نِصْفُ شَيْءٍ لِيُقَابِلَ ذَلِكَ النِّصْفَ الْمُزَادَ أَيْ: يَبْقَى سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا (يَخْرُجُ الشَّيْءُ ثَلَاثَةً، فَلِوَرَثَتِهِ سِتَّةٌ) لِأَنَّ لَهُمْ شَيْئَيْنِ (وَلِوَرَثَتِهَا أَرْبَعَةٌ) لِأَنَّهُ كَانَ لَهَا خَمْسَةٌ وَشَيْءٌ وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ، رَجَعَ إلَى وَرَثَتِهِ نِصْفُهَا وَهِيَ أَرْبَعَةٌ وَالطَّرِيقُ فِي هَذَا أَنْ تَنْظُرَ مَا بَقِيَ فِي يَدِ وَرَثَةِ الزَّوْجِ فَخُمُسَاهُ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي صَحَّتْ الْمُحَابَاةُ فِيهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْجَبْرِ يَعْدِلُ شَيْئَيْنِ وَنِصْفًا وَالشَّيْءُ هُوَ خُمُسَاهَا، وَإِنْ شِئْتَ أَسْقَطْتَ خَمْسَةً وَأَخَذْتَ نِصْفَ مَا بَقِيَ (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا وَرِثَتْهُ) لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ (وَسَقَطَتْ الْمُحَابَاةُ) لِأَنَّهَا لِوَارِثٍ فَلَا تَصِحُّ فَإِنْ قَامَ بِهَا مَانِعٌ نَحْوَ كُفْرٍ لَمْ تَسْقُطْ لِعَدَمِ الْإِرْثِ.
(وَلَوْ وَهَبَهَا) أَيْ: وَهَبَ الْمَرِيضُ زَوْجَتَهُ (كُلَّ مَالِهِ فَمَاتَتْ قَبْلَهُ) ثُمَّ مَاتَ (فَلِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَلِوَرَثَتِهَا خُمُسَهُ) وَطَرِيقُ ذَلِكَ بِالْجَبْرِ أَنْ تَقُولَ صَحَّتْ الْهِبَةُ فِي شَيْءٍ وَعَادَ إلَيْهِ نِصْفُهُ بِالْإِرْثِ يَبْقَى لِوَرَثَتِهِ الْمَالُ كُلُّهُ إلَّا نِصْفَ شَيْءٍ يَعْدِلُ ذَلِكَ شَيْئَيْنِ فَإِذَا جَبَرْتَ وَقَابَلْتَ خَرَجَ الشَّيْءُ خُمُسَيْ الْمَالِ وَهُوَ مَا صَحَّتْ فِيهِ الْهِبَةُ فَيَحْصُلُ لِوَرَثَتِهِ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ وَلِعَصَبَتِهَا خُمُسُهُ (وَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ لَهُ تَتِمَّةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ) تَعَالَى.
(وَلِلْمَرِيضِ لُبْسُ النَّاعِمِ وَأَكْلُ الطَّيِّبِ لِحَاجَةٍ) لِأَنَّ حَقَّ وَارِثِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَالِهِ.
(وَإِنْ فَعَلَهُ لِتَفْوِيتِ الْوَرَثَةِ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ لَا يُسْتَدْرَكُ كَإِتْلَافِهِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَدَعْوَةُ الْمَرِيضِ فِيمَا خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ.
(فَصْلٌ لَوْ مَلَكَ) فِي صِحَّتِهِ (ابْنَ عَمِّهِ فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ) كَانَ (أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ) عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ.
(أَوْ مَلَكَ) الْمَرِيضُ (مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ وَعَمِّهِ (بِهِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) لِأَنَّهُ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ إذْ التَّبَرُّعُ بِالْمَالِ إنَّمَا هُوَ بِالْعَطِيَّةِ أَوْ الْإِتْلَافِ أَوْ التَّسَبُّبِ إلَيْهِ وَهَذَا لَيْسَ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، وَالْعِتْقُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِ، فَهُوَ كَالْحُقُوقِ الَّتِي تَلْزَمُ بِالشَّرْعِ، وَقَبُولُ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا لَيْسَ بِعَطِيَّةٍ وَلَا إتْلَافٍ لِمَالِهِ وَإِنَّمَا هُوَ تَحْصِيلٌ لِشَيْءٍ تَلِفَ بِتَحْصِيلِهِ فَأَشْبَهَ قَبُولَهُ لِشَيْءٍ لَا يُمْكِنُهُ حِفْظُهُ وَفَارَقَ الشِّرَاءَ فِي أَنَّهُ تَضْيِيعٌ لِمَالِهِ فِي ثَمَنِهِ (وَوُرِّثَ) لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ بِهِ مِنْ مَوَانِعِ الْإِرْثِ.
(فَلَوْ اشْتَرَى) مَرِيضٌ (ابْنَهُ) وَنَحْوَهُ (بِخَمْسِمِائَةٍ مَثَلًا وَ) هُوَ (يُسَاوِي أَلْفًا فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ) الْحَاصِلَة لِلْمَرِيضِ مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ (مِنْ رَأْسِ مَالِهِ) أَيْ: فَلَا يُحْتَسَبُ بِهَا فِي التَّرِكَةِ وَلَا عَلَيْهَا وَيُحْسَبُ الثَّمَنُ مِنْ ثُلُثِهِ وَكَذَا ثَمَنُ كُلِّ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَتَقَ فِي الْمَرَضِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى) مَرِيضٌ (مَنْ) أَيْ: قَرِيبِهِ الَّذِي إنْ مَاتَ (يُعْتَقُ عَلَى وَارِثِهِ) كَمَرِيضٍ وَرِثَهُ ابْنُ عَمٍّ لَهُ فَوَجَدَ أَخَا ابْنِ عَمِّهِ يُبَاعُ فَاشْتَرَاهُ (صَحَّ) الشِّرَاءُ.
(وَعَتَقَ عَلَى وَارِثِهِ) أَخِيهِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُشْتَرِي.
(وَإِنْ دَبَّرَ) مَرِيضٌ (ابْنَ عَمِّهِ) أَوْ ابْنَ عَمِّ أَبِيهِ وَنَحْوَهُ (عَتَقَ) بِمَوْتِهِ (وَلَمْ يَرِثْ) لِأَنَّ الْإِرْثَ شَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ وَلَمْ تَسْبِقْهُ فَلَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْإِرْثِ (وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ آخِرَ حَيَاتِي) ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ (عَتَقَ وَوُرِّثَ) لِسَبْقِ الْحُرِّيَّةِ الْإِرْثَ.
(وَلَيْسَ عِتْقُهُ وَصِيَّةً لَهُ) أَيْ: فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّهُ حَالَ الْعِتْقِ غَيْرُ وَارِثٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ وَارِثًا بَعْدَ نُفُوذِهِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى) مَرِيضٌ (مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ مِمَّنْ يَرِثُ) مِنْهُ كَأَبِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ وَوُرِّثَ لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ أَعْتَقَ) بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ (ابْنَ عَمِّهِ) وَنَحْوِهِ (فِي مَرَضِهِ عَتَقَ) إنْ خَرَجَ (مِنْ الثُّلُثِ وَوُرِّثَ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ، وَتَقَدَّمَ.
(وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ) ثَمَنَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ أَوْ قِيمَةَ مَنْ أَعْتَقَهُ (مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِهِ) أَيْ: بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ (وَيَرِثُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ) لِمَا سَيَأْتِي فِي إرْثِ الْمُبَعَّضِ فَلَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِكُلِّ مَالِهِ وَتَرَكَ ابْنًا عَتَقَ ثُلُثُ الْأَبِ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَهُ وَلَاؤُهُ وَوَرِثَ مِنْ نَفْسِهِ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ ثُلُثَ سُدُسِ بَاقِيهَا الْمَرْقُوقِ وَلَا وَلَاءَ عَلَى هَذَا الْجُزْءِ لِأَحَدٍ وَبَقِيَّةُ الثُّلُثَيْنِ تُعْتَقُ عَلَى الِابْنِ وَلَهُ وَلَاؤُهَا وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ تِسْعَةُ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهُ سِتَّةً فَقَدْ حَصَلَ مِنْهُ عَطِيَّتَانِ: مُحَابَاةُ الْبَائِعِ بِثُلُثِ الْمَالِ، وَعِتْقُ الْأَبِ فَيَتَحَاصَّانِ لِتَقَارُنِهِمَا لِأَنَّ مِلْكَ الْمَرِيضِ لِأَبِيهِ مُقَارِنٌ لِمِلْكِ الْبَائِعِ لِثَمَنِهِ فَلِلْبَائِعِ ثُلُثُ الثُّلُثِ مُحَابَاةً وَثُلُثَاهُ لِلْأَبِ عِتْقًا يُعْتَقُ بِهِ ثُلُثُ رَقَبَتِهِ وَيَرُدُّ دِينَارَيْنِ وَثُلُثَا الْأَبِ مَعَ الدِّينَارَيْنِ تَرِكَةٌ وَقَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى، لِلِابْنِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لِلْأَبِ بِثُلُثِهِ الْحُرِّ ثُلُثُ السُّدُسِ وَالْبَاقِي لِلِابْنِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ أَعْتَقَ) مَرِيضٌ (أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ) الْمَخُوفِ ثُمَّ مَاتَ (وَرِثَتْهُ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ (تُعْتَقُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ (عَتَقَ) مِنْهَا (قَدْرُهُ وَبَطَلَ النِّكَاحُ) أَيْ: تَبَيَّنَّا بُطْلَانَهُ لِأَنَّهُ نَكَحَ مُبَعَّضَةً يَمْلِكُ بَعْضَهَا فَيَبْطُلُ إرْثُهَا لِبُطْلَانِ سَبَبِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ.
(وَلَوْ أَعْتَقَهَا) فِي مَرَضِهِ (وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا مِائَتَيْنِ لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا وَهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا ثُمَّ مَاتَ صَحَّ الْعِتْقُ) وَالنِّكَاحُ (وَلَمْ تَسْتَحِقَّ الصَّدَاقَ لِئَلَّا يُفْضِي إلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا ثُمَّ يَبْطُلُ صَدَاقُهَا) لِأَنَّهَا إذَا اسْتَحَقَّتْ الصَّدَاقَ لَمْ يَبْقَ لَهُ سِوَى قِيمَةِ الْأَمَةِ الْمُقَدَّرِ بَقَاؤُهَا فَلَا يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي كُلِّهَا لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَإِذَا بَطَلَ الْعِتْقُ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ النِّكَاحُ وَإِذَا بَطَلَ النِّكَاحُ بَطَلَ الصَّدَاقُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَأَصْدَقَ الْمِائَتَيْنِ أَجْنَبِيَّةً وَهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَجَدَّدَ لَهُ مَالٌ صَحَّ الْإِصْدَاقُ وَبَطَلَ الْعِتْقُ فِي ثُلُثَيْ الْأَمَةِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ الثُّلُثِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْمَوْتِ وَحَالُ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ وَكَذَا لَوْ تَلِفَتْ الْمِائَتَانِ قَبْلَ مَوْتِهِ.
(وَإِنْ تَبَرَّعَ) مَرِيضٌ (بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنْ الثُّلُثَيْنِ صَحَّ الشِّرَاءُ وَلَمْ يُعْتَقْ) مِنْهُ شَيْءٌ لِسَبْقِ التَّبَرُّعِ بِالثُّلُثِ (فَإِذَا مَاتَ) الْمُشْتَرِي (عَتَقَ أَبُوهُ عَلَى الْوَرَثَةِ إنْ كَانُوا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ) كَالْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ لِأَبٍ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ (وَلَا يَرِثُ) الْأَبُ مِنْ ابْنِهِ شَيْئًا (لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَقْ فِي حَيَاتِهِ) وَمِنْ شَرْطِ الْإِرْثِ حُرِّيَّةُ الْوَارِثِ عِنْدَ الْمَوْتِ.